فصيلة عرائس البحر
لعلَّ اسم هذه الفصيلة من أكثر أسماء فصائل الحيوان تَمتُّعًا بالشُّهرة فذَهب اسمها بين الأساطير كأحلى ما تكون الأسماء، كما احتلَّ بين قصص الأُدَباء والشُّعراء مكانةً عُليا، نسَجوا من حوله خُيوطًا من الخَيال أبدَعوا في تنظيمها حتى باتت عروس البحر مَخلوقًا فوق المَخلوقات. وإنَّنا لنَجِد، حتى بين أولئك الذين اكتسبوا معرفة غير قليلة بالحيوانات وطباعها، عرائس البحر تقِف في مُخيِّلتهم على غير صُورها الحقيقية، وأغلبُ الظنِّ أنَّ هذا كلَّه يرجِع إلى ثلاثة أمور: أولها ما أضفاه خَيال الشُّعراء على هذه العرائس، وثانيها قِلَّة أنواعِها وانتشارِها المحدود وتفضيلها الأماكن النائية التي لا يَطرُقها الإنسان، وثالِثها تَضارُب أقوال الرَّحَّالة البَحريِّين عنها وعدم نجاحهم في حِفظها حيَّةً تحت المُراقبة إلَّا في حالاتٍ قليلة.
عرَف الهنود هذه المَخلوقات ولا نظنُّ أن خِلقَتها قد غابَت عنهم. والواقع أن في الأساطير الهِندية، كما جاء في حديث السندباد القديم: «مخلوقات وَسط بين الإنس والحيوانات المائية تُعرَف باسم «ناجا» أرفع مَرتبةً من البشرية، ومن المأثور عن أحد مؤلِّفي «البيذ»، وهي أقدَم النُّصوص الدِّينية عند البَراهِمة، أنه مُنحدِر من أصل سمكة.» ولعل السبب المُباشِر الذي حدا بالهنود أن يصِفوها هذا الوصف هو أن عروس البحر عندما تُرضِع صغيرها تنتَحي به مكانًا قَصيًّا من شاطئ البحر حيث يَضمحِلُّ الماء فتحمِله وتضمُّه إلى صدرِها ليرضَع ثدييْها الصدريَّيْن فوق الماء لا تحتَه، فتبدو من بعيدٍ وقد برَز نِصفُها الأعلى فوق الماء تضمُّ إليها رضيعها، واقِفةً مُعتمِدة بذَنَبها على قعر البحر، امرأةً تَعيش في الماء، أو مخلوقًا وسطًا بين الإنسان والحيوان، نِصفه الأعلى كالإنسان والأسفل كالسَّمكة. وما دام هو في نظرِهم إنسانًا، وأن هذا الإنسان يعيش في الماء، فهو قطعًا أرفَع مرتبةً من البشرية! إذ الإنسان الحقيقي لا يستطيع المَعيشة إلَّا على اليابِسة دون البحر، غير أنه من الثابت أنَّ الهنود لم يصِفوها بالعروس، وأغلَب الظنِّ أن إليجر صاحِب التسمية قد اختار هذا اللفظ من الأساطير اليونانية؛ فهو فيها، كما جاء في حديث السِّندباد القديم «مخلوقات وسَط بين الإنس والآلهة تسكُن الغاب والغُدران والعيون ومياه البحار.» من هنا يتَّضِح أن إليجر أطلَق لفظ «عروس»، ذلك اللفظ الذي تحمِله الأنثى في أشهَر صُورها وأفتَن بزَّتِها، وهو الذي قصَد إليه قُدَماء اليونان لمَخلوقتهم، أي التي تكون وسطًا بين الإنس والآلهة، على الناجا الهندية، أي التي تكون وسطًا بين الإنس والحيوانات المائية. والواقع أن نظرةً واحدة على صورة السيرينيا اليونانية تكفي لأن تُخطِّئ إليجر في إطلاقه هذا اللَّفظ على حيوانات الفصيلة التي نحن بصدَدِها، فالفرق بينهما كبير إلى حدٍّ بعيد.
أما الرَّحَّالون العرب، فقد نقلوا عن الأسطورة الهندية فتحدَّثوا، لا عن عرائس البحر، بل عن «بنات الماء» و«إنسان الماء»، ثم أضفَوا عليهما من خيالِهم عجَبًا فقالوا إنها نتاجٌ بين السمكة والإنسان، كما يكون البَغل نِتاجًا بين الحصان والحمار، ثم ذكروا في قصصهم البحرية عنها الكثير؛ فتارةً يتزوَّج بها البحريُّون وتارةً يُزوِّجونها نساءهم، فقال الدُّميري، على سبيل المثال، في الكلام على إنسان الماء «حُكِي أن بعض الملوك حُمِل إليه إنسان ماء، فأراد الملك أن يعرِف حالَه فزوَّجه امرأة، فأتاه منها ولد يَفهَم كلام أبويه، فقال للوَلَد: ما يقول أبوك؟ قال: يقول: أذناب الحيوان كلُّها في أسفلها فما بال هؤلاء أذنابهم في وجوههم؟» وغير ذلك كثير. ولكنني لم أقِف في الكُتب العربية التي بين يدَيَّ على أيِّ ذِكر لكلمة عرائس البحر.
أغلب الظنِّ أن اليونانيين إنما أطلَقوا لفظ «سيرينيا» ومعناه عرائس البحر إما على مخلوقاتِ حقيقية شاهدوها بأنفسهم، ثُمَّ أضفَوا عليها — من خيالهم الرائع في أساطيرهم الخالدة — تلك الصورة المُشوِّقة الجميلة، وإما أن يكون هذا الاسم ككثيرٍ من الأسماء التي ورَدت في أساطيرهم مُبتَدَعًا خياليًّا، أو إن شئت أن تقول رمزيًّا، ففي الحالة الأولى أُغلِّب أنهم يَقصدون سِباع البحر وأنواع الفُقَم التي سيجيء ذِكرُها بعد؛ لأن عرائس البحر ليست معروفةً في بحر الروم (الأبيض المتوسط) اللهم إلَّا إذا كانوا قد شاهدوها في بحر القَلْزَم (الأحمر)، بينما تكثر أنواع الفُقَم في البحر المُحيط بهم، أي مَهبَط خيالهم ووحيهم، فكأنما على إليجر وحدَه تقَع التَّبِعة في الخلْط بين عرائس البحر اليونانية وبنات الماء الهندية، ثم العربية فيما بعد. وقد اتَّبع علماء الحيوان إليجر واحتفظوا بهذا الاسم فذهبت هذه الثدييَّات بينهم على أنها عرائس البحر. وما دُمنا نحترِم هذه الأسماء لقِيمتها التاريخية على الأقلِّ فسوف نُشير إلى الفصيلة بهذا الاسم الجميل الذي اختاره لها ذلك المُؤرِّخ الطبيعي الكبير.
عرائس البحر ثدييَّات مائية تكيَّفَت أجسامُها تبعًا لهذا النوع من المَعيشة الخاصَّة فتتَّفِق مع القياطس في كثيرٍ من الصِّفات، أهمها شبَهُ البدَن بجِسم السَّمك وقِصَر العُنق واختفاء الطرفين الخلفيين وتحور الطرفين الأماميَّين إلى مِجدافَين، والذنَب مُستطيل ينتهي بزَعنَفة إما مُستديرة أو ذات وَشيعَتين مُستعرِضتين أي في وضع أُفقيٍّ عمودي، وتُوجَد تحت الجلد طبقةٌ سميكة من الشحم استعاضت بها عن الشَّعر، فهذا قد اندَثر إلَّا القليل منه ينتشِر على الجلد السميك الخَشِن بينما يُوجَد على الشَّفَتَين شعر أهلَب كثير، وتتَّفِق عرائس البحر مع القياطس أيضًا في أنَّ الأنف يقَع في أعلى الرأس، كما أنه فقَد وظيفتَه الشميَّة فبات أثريًّا، وليس للأذُن صيوان، وتُوجَد الخِصيتان في الذَّكَر داخل تَجويف البطن كما في القياطس أي غير خارجيَّتَين، كما أنه تُوجَد على كثير من الشَّرايين شِباك دَمَويَّة تُختزَن فيها كميةٌ من الدَّم المُحمَّل بالأكسجين يُمكِّن الحيوان من المُكث تحت الماء فتراتٍ طويلة. وعَظْم القصِّ صغير يتَّصل به عدد قليل من الضُّلوع لكي يسمَح بتمدُّد الرئتين تمَدُّدًا كبيرًا، كما أن الحِجاب الحاجِز ليس مُحدَّبًا إلى الأمام.
ووجه الشَّبَه هذا بين العرائس والقياطس إنما يرجِع إلى البيئة الواحدة — بيئة البحر — ولكن الفصيلَتَين جدُّ مُختلفتَين؛ إذ بينما نجِد القياطس آكلة لحوم نجِد عرائس البحر كلَّها آكلةَ عُشبٍ ترعى الأعشاب البحريَّة وغيرها من نباتات الماء كما ترعى الحيوانات المُجترَّة الكلأ في السهول والوِديان، وهذا يتطلَّب بطبيعة الحال المُكث تحت الماء فتراتٍ طويلة، فجاءت عِظامُها صُلبة جامِدة ثقيلة تَزيد من الوزن النوعي للجسم، بينما عِظام القياطس إسفنجية خَفيفة نِسبيًّا، والجُمجمة مُستطيلة ليست كُرويَّة كما في القياطس، كما أن الأسنان عريضة ذات أسطُح طاحِنة تمضُع بها الأعشاب لا مُدبَّبة كأسنان القياطس ذوات الأسنان التي تَقبِض بها على فرائسها. وللأنثى ثدْيان في منطقة الصَّدر خلفَ الإبِطين مُباشرة بينما هما في القياطس يَقَعان في منطقة الحَوض. وتُرضع عروس البحر صغيرها فوقَ الماء لا تحتَه.
ولعروس البحر عَينان صغيرتان يُحيط بكلٍّ منهما جَفْن عُلويٌّ وآخرُ سُفلي وثالثٌ يُسمَّى الغِشاء الرامِش إلى الداخل من هذين، وهو غير معروف في القياطس، كما أنَّ لها شفَتَين غليظتَين مُتورِّمتين تجمع بهما الأعشاب وتزُقُّها إلى الفم بهما أيضًا، واللسان صغير ثابِت ذو سطح قَرْنِيٍّ صُلب، والجزء الأمامي من سقْف الحلق والذي يُقابله من بطن الفم مُغطًّى بألواحٍ قَرْنية صُلبة تُساعد على مَضْغ الطعام، وتُوجَد غُدَد لُعابِيَّة نامِية يَبتدئ بإفرازِها هَضْم النِّشا المُتوفِّر في طعامها، وتنقَسِم المَعِدة إلى قِسمَين فقط، الفؤاد والبوَّاب، والأخير منهما ذو كِيسَين أعوَرَين، والأمعاء طويلة ذات جُدرانٍ سميكة، كما أنه يُوجَد أعور طويل غليظ الجُدران تكثُر به أنواع البيكتيريا التي تُكسِّر جُدران الخلايا النباتية المُركَّبة من مادة السليلوز فتحوِّلها إلى موادَّ دُهنية تمتصُّ وغازات. وفي القلب ينفصِل البُطَيْنان عن بعضهما فيبدو القلب مَشقوق الطرف، كما أن الحنجرة لا تمتدُّ إلى الأمام لتَلاقي فتْحَتَي الأنف الداخليَّتَين كما في القياطس؛ لهذا لا تَرضَع الصِّغار تحتَ الماء أبدًا بل تُضطَرُّ الأمُّ إلى رفعها فوق الماء في فتراتٍ قصيرة تتراوَح بين ثلاثِ وأربع دقائق في الأسبوع الأول من ولادتها. والرئتان طَويلَتان جدًّا وتقَعان في تَجويف الصَّدر الذي يمتدُّ إلى الخلف فوق منطقة البطن؛ وذلك لتَرامي الحِجاب الحاجز إلى الخلف. والمُخُّ صغير قليل التلافيف ضَحلُها.
وتختلف عرائس البحر عن القياطس أيضًا في نُقطةٍ تشريحية هامَّة هي أن الطرف الأمامي الذي يتحوَّر في كلٍّ من الفَصيلَتَين إلى مِجدافٍ يتركَّب في العرائس من عِظامٍ تتحرَّك كلُّ واحدةٍ منها على الأخرى في يُسر، أي أنها تتَّصِل مع بعضها البعض في مَفاصل مُتحرِّكة كما أنَّ عدد الأصابع خمسة تتركَّب من عددٍ عاديٍّ من السُّلامَيَات يكسوها غشاء جلدي قد يظهر فوقَه في نهاية كلِّ أصبعٍ ظُفر أثري يُشير إلى أصل هذه الحيوانات وانحِدارها من ثدييَّات كانت تَعمُر اليابسة من قديم، كما أنه لا تُوجَد بعرائس البحر زَعْنفة على الظهر أصلًا، وليس للطرفين الخلفيَّين أثر.
من هذا كلِّه يتَّضِح بجلاءٍ أن عرائس البحر تختلِف عن القياطس في صفاتٍ كثيرة؛ فلا تشترِك فَصيلَتاها إلا بقدْر ما أضفَت عليهما البيئة المائية وما تطلَّبَتْه منهما من تركيبٍ خاصٍّ يوافقها، فجاء اشتراكهما في بعض الصِّفات ثانويًّا لا أساسيًّا حتى إن علماء الحيوان يَرَون أن لكلِّ فصيلةٍ مُنحدَرًا مُستقِلًّا عن الآخر.
وتقطُن عرائس البحر الأنهار العظيمة والبحار، فلا تترك الماء أبدًا، ولكنها في البِحار تُفضِّل الخِلجان والبُحيرات المُتَّصِلة بها فلا تتغَلْغل إلى عُروضها، كما أنها تُفضِّل المناطق الصَّخريَّة حيث تأوى إلى الكُهوف تَستكنُّ فيها، بينما هي في الأنهار تتجوَّل حتى تصِل إلى منابِعِها، ولكن من الثابت أنها لا تخرُج من الماء إلى اليابِسة كسِباع البحر.
وعرائس البحر حيواناتٌ اجتماعِية تعيش في جماعات، تكرَه الوحدة، وهي وَديعة أبعد ما تكون عن الشَّراسة، لا تؤذي إنسانًا أو حيوانًا فهي لا تأكل سوى الأعشاب البحريَّة، فهي في هذا كذَوات الأربع المُجترَّة، وهي تشترِك مع هذه الثدييَّات في البَلادَة وبطء الحرَكة.
وتُصاد عرائس البحر من أجل لُحومها فهي لذيذة الطعم، كما تُصاد من أجل الشحم الموجود تحت الجِلد ومن أجل الجِلد نفسه وهو سَميك، تُصنَع منه النِّعال.
وأنواع عرائس البحر غايَةٌ في القِلَّة، وهناك من الأسباب ما يحمِل على الاعتِقاد بأن اليوم الذي تذهَب فيه العرائس مع الحيوانات البائدة ليس ببَعيد، ولعلَّ من أقوى هذه الأسباب ما حدَث لأحد هذه الأنواع التي كانت تقطُن ببحر بهرنج الواقِع بين ألاسكا وسَيبيريا، عند الخطِّ الدولي، والذي تَحُدُّه من الجنوب جُزُر ألوشيان التي ذاع صِيتُها في الحرب اليابانية الأمريكية الأخيرة، فقد كان الإنسان السَّبَبَ في انقِراضِها إذ تتبَّعها الصيَّادون الرُّوس حتى أتَوا على آخرها في نهاية القرن الثامن عشر.
- (١) خَرُوف البحر Manatee١ واسمه العِلمي Manatus مُشتقٌّ أصلًا من كلِمة manati الإسبانية ومعاناها يد، ثم تحوَّرت بعد ذلك كما نرى وقد أُطلِق هذا الاسم عليه لاعتِقاد الإسبان الذين استعمَروا جُزُر الهند الغربيَّة بأن خروف البحر يستطيع أن يَستعمِل مِجدافه كما يستعمل الإنسان يدَه.
ولخروف البحر زَوجان من القَواطِع ضامِران يقَعان تحت الألواح القَرْنية في مُقدَّم الفم، ثم يَختفِيان في الحيوان اليافِع، وله أيضًا اثنان وعشرون ضِرسًا في كلِّ فكٍّ لا يظهَر منها في وقتٍ سوى اثنَي عشر إذ تَتَساقَط الأضراس الأماميَّة قبل أن تؤدي الضروس الخلفية وَظيفتها، كما أن لِخَروف البحر سِتًّا من الفقرات العُنُقية فقط فيختلف — مع عدد قليل جدًّا من الثدييَّات — عن بقيَّة أنواع هذه المَرتَبة كلها؛ إذ لهذه سبعٌ من تلك الفقرات كما وضَّحنا ذلك في التمهيد. ومما يُميِّز أنواع هذا الجِنس أيضًا أن الشَّفة العُليا مَشقوقة تلتقِط بشِقَّيْها الأعشاب المائية فيعملان مع بعضهما كما يعمل طرَفا المِلقَط، وتُوجَد على أطراف الأصابع أظافر أثريَّة، والأعور مَشقوق.
وخِراف البحر سَوداء اللَّون ذات جِلد خَشِن مُغَضَّن تَلِيه طبقة غير سميكة من الشحم لا تَقِيها بُرودَةَ الجوِّ القارِسة؛ ولذلك لا تَستطيع المَعيشة في المناطق البارِدة فتُوجَد في البحار الدافئة فقط على جانبي المُحيط الأطلسي، أي عند سواحل أمريكا وسواحل إفريقية، فلا تتعدَّى خطَّ عرض ٢٠ جنوبًا و١٦ شمالًا، فإذا حُصِرت في أحد الأنهار الشمالية ولم تتمكَّن من مُغادرتِها عندما يُقبل الشتاء ماتت دنقًا.
وتُوجَد ثلاثة أنواع من خِراف البحر تتميَّز عن بعضها في شكل عِظام الجُمجمة، ممَّا سوف لا أتعرَّض له، واحد منها إفريقي يقطُن سواحل البحر الأطلسي، بين خَطَّي عرض ١٦ شمالًا و١٠ جنوبًا وقد يصِل هذا النوع إلى الأنهار الكبيرة، فعُثِر على بعض الأفراد منه في بُحيرة تشاد. أما النَّوعان الآخران فأمريكيَّان؛ واحد يَقطُن سواحل فلوريدا وجزُر الهند الغربية (شكل ٢-١) والآخَر يعيش في نهر الأمازون وغيره من أنهار البرازيل الكبيرة. ويصِل طول خِراف البحر إلى ثمانية أقدام. - (٢) بنات الماء أو الديوجونج أو الأطوم Dugong واسمها العلمي Halicore وهي تَمتاز بأنَّ لها قاطِعين طَويلَين يُشبِهان الأنياب يتَّجِهان إلى الأمام وإلى أسفل يَبرُزان قليلًا من الفَمِ في الذَّكر، أما في الأنثى فلا يَظهَران أبدًا، ولها عشرون إلى اثنين وعشرين ضِرسًا لا تظهر كلُّها مرَّةً واحدة، ولا تظهَر على الأصابع آثار الأظافر التي تظهَر في خِراف البحر، كما أن الأعور غير مَشقوق.وبناتُ الماء بحريَّة تُفضِّل البحار على الأنهار، حيث تَقْتاتُ من طحالِب البحر، وهي تُوجَد في البحر الأحمر H. tabernaculi (شكل ٢-٢) والشواطئ الشرقيَّة الإفريقية من المُحيط الهندي وسيلان وجُزُر خليج البِنغال وأرخبيل الملايو بما في ذلك الفلبِّين H. dugong، ثم شواطئ استراليا الشمالية H. asutralis.وقد اهتمَّ الدكتور عبد الفتاح جوهر بك مدير محطَّة الأحياء البحرية بالغردقة (البحر الأحمر) في السنوات الأخيرة بالحُصول على عيِّناتٍ من بنات الماء فأعدَّ لها شِباكًا كبيرة تُفتَل من حِبالٍ غليظةٍ متينة تُطرَح في البحر بالقُرب من شواطئ جُزُره النائية أو شِعابه المُرجانية حيث تُثَبَّت إلى قاعِه فإذا سَبحَت العروس واعترضَتْها الشبكة نفذَت يداها في عيونها، فإذا ما حاوَلَت التخلُّص منها التفَّتْ عليها الشبكة فتغُوص في الماء، ثم تُحاول دفعها عنها بقوَّةٍ فيزداد التِفاف الشبكة عليها إحكامًا فلا سبيل لنَجاتِها منها حتى يأتي الصيَّادون إليها. وقد حُصِل في أواخر عام ١٩٤٢م على «حيوان صغير السن، طوله مِتران ووزَنْه ١٦٥ كيلوجرامًا … رأسُه صغير يتدَرَّج برقَبَةٍ سميكة — بطريقةٍ انسيابيَّة — إلى جِذعٍ يصِل إلى أقصى سُمكِه في الوَسَط، ثم يَقِلُّ تدريجيًّا تِجاه الذَّنَب، وبذلك يُشبِه شكل الجسم القنبلة الثقيلة …»٢وقد عثَرَت المحطَّة بعد ذلك على أُنْثَيَين «طول الصغيرة منهما متر ووزنُها ٢٣٧ كيلوجرامًا، وطول الكبيرة متر ووزنها ٣٨٠ كيلوجرامًا، ويُعدُّ العثور على هاتَين الأنثَيين كسبًا علميًّا، فقد كان السائد في الدَّوائر العلميَّة أن عروس البحر نوع واحد، ولكن تبيَّن أن العروسَين اللَّتين تقدَّم ذِكرهما تختلفان عن النوع المعروف في الدوائر العلمية الذي اتُّفِق عليه في المُحيط الهندي.»٣
من هذا يتَّضِح أن الديوجونج الخاصَّ بالمُحيط الهندي قد يتردَّد على البحر الأحمر. ومما يُؤسَف له أنه لا تُوجَد بالمحطَّة أحواض مائية كبيرة تتَّسع لمِثل هذه العرائس حتى تُحفَظ فيها حيَّةً تحت المُراقبة، وإنَّنا نأمُل في القريب أن يتحقَّق للمحطَّة وجود هذه الأحواض حتى يَمُدَّنا رجالها بالطريف من عادات هذه العرائس وطباعها.
وقد أورَد الفريق أمين المعلوف في مُعجَم الحيوان نُبذةً طريقة عن بنات الماء تحت اسم أطوم فيقول عنه: «والعرَب تَصيده في البحر الأحمر وتتَّخِذ من جِلده النِّعال للجمَّالين ويُسمُّونه في الطور اللَّطوم أي الأطوم، وفي نواحي سَواكِن النَّاقة أي ناقة البحر، ومن أسماء الأطوم في أساطير العرَب خيلان وبنت الماء ولا أظنُّهم قالوا عروسة البحر …»
أما الديوجونج الاسترالي فيُصاد هناك من أجل شحمه فهو ذو مَزايا كبيرة؛ إذ إنه صافٍ ليست له رائحة كريهة، كما يُقال إنَّ له صفاتِ زَيتِ كَبِد الحُوت الطبيَّة.
- (٣) بقر الماء Sea-cow واسمُه العِلمي Rhytina وقد سبَقَت الإشارة إليه، كان يقطُن بَحْر بهرنج، ثم انقرَض في أواخر القرن الثامن عشر، وهو ضَخم يصِل طوله إلى ثلاثين من الأقدام، ويُميَّز بعدَم وجود أسنان بتاتًا وإنما كان يَستعيض عنها بصفائح قَرْنية في مُقدَّم الفم يطحَن بها الأعشاب البحرية، ونظرًا لوجوده في منطقة باردة كان الجِلد غايةً في السُّمك مُغضَّن يُشبِه قُلف الأشجار عليه شَعر قليل، وقد كان يُصطاد من أجل لَحمِه اللذيذ الطعم ومن أجل شحمه الكثير أيضًا. ويرجِع إلى شتلر الألماني الفضل في دِراسة تشريح وطبائع بقَر الماء عندما صحِب الرَّحَّالة بهرنج إلى البحر المُسمَّى باسمه، وقد ذَكَر أن لِبَقَر الماء شعرًا قصيرًا أهلبَ على يديه. ويؤكد علماء الحيوان أن انقِراض بقَر الماء يرجِع إلى الصيَّادين الرُّوس الذين كانوا يَتَّخِذون من لَحمه غِذاء، فكانوا يصطادون منه جُموعًا كثيرةً صيدًا سهلًا؛ لأنَّ بقَر الماء بليد لا يَخاف الناس، ضخم الجُثَّة بطيء الحركة رَقيق العاطفة نحو أفراد جنسه!