فلسفة الانقلاب التركي الحديث
من وراء الانقلابات التاريخية والثورات الاجتماعية تكمن البواعث النفسية والانفعالات والمعتقدات وفلسفة الحياة، التي تَقْسِر الجماعات على أن تهدم ما هو قائم لتشيِّد عليه بناء من لَبِنَات تربط بينهما الأفكار والمَنَازع العقلية والنفسية التي تكون قد استُحدثت على مر الأيام. وليس في التاريخ الحديث كله من انقلاب هو أشبه بالطَّفْرة منه بأي شيء آخر كالانقلاب التركي الحديث، وهو ككل انقلاب أو فَوْرة فُجائيَّة تكمن وراءه بواعث نفسية ومعتقدات وانفعالات تكوِّن لدى الواقع في مجموعها فلسفة توجِّه الفكرات والآراء إلى وجهة في الحياة لا يظهر منها إلا نتائجها التي تتجلى في المعاهد التعليمية والنظامات الأهلية والسياسية والاجتماعية. بهذا يؤمن كل من درس حوادث التاريخ مطبَّقة على علوم الاجتماع الحديثة. فإذا كان هذا هو الواقع، وإذا اعتقدنا بأن وراء الظواهر الملموسة في الانقلاب التركي الحديث قد كَمُنَت فلسفة ساقت إليه؛ كان الوقوف على حقيقة هذه الفلسفة أمر ضروري للحكم على قيمة هذا الانقلاب ومقدار ثباته وقوته، ومقدار تأثيره في الإدراك العام، أو كما يدعونه اصطلاحًا «العقلية العامة» التي تتكون من مجموع الأغراض التي يرمي إليها زعماء الانقلاب، ومجموع المبادئ التي يؤمنون بصحتها.
ولقد اتَّبع زعماء الانقلاب التركي نفس الطريقة التي اتبعها زعماء الانقلاب الروسي البُلشفي في ترويج دعوتهم بالكتابة والنشر، فظهر خلال الأعوام الخمسة الماضية مؤلفات عديدة تؤيد فلسفتهم الحديثة التي رموا بها إلى إخضاع العقلية الآسيوية أولًا ثم القضاء عليها ثانيًا؛ لتحل محلها العقلية الأوروبية الحديثة. ومن بين الكتب التي ظهرت كتاب يعده زعماء حزب التجديد في تركيا إنجيلًا يوحي إليهم بكل ما يحتاجون إليه من مبادئ الرقي والنهوض، كما يعد الماركسيون والبلاشفة كتاب «كارل ماركس» إنجيل النظام الشيوعي.
وضع هذا الكتاب مؤلف من الظاهر أنه أحاط كثيرًا بتاريخ تطور الفكر الإنساني، وعلى الأخص بتاريخ تنازع البقاء بين اللاهوت والعلم في العصور الوسطى، ولقد طبَّق المبادئ التي استخلصتها العقلية الأوروبية من طريق جهادها الطويل إزاء اللاهوت على الحالة الواقعة في الشرق أحسن تطبيق، وعرف كيف يظهر آراءه وأفكاره في قالَب جليٍّ واضح، ونجح كل نجاح في إظهار الفرق بين العقلية الآسيوية كما سماها وبين العقلية الأوروبية، وقضى بأن العقلية الأوروبية ارتقائية في حين أن العقلية الآسيوية رجعية جامدة، فلا مندوحة إذن من غرس العقلية الأوروبية في نفوس الأفراد والجماعات إذا ما أراد شعب أن يخطو نحو الارتقاء على النهج الذي سارت فيه أمم الغرب منذ أربعة قرون من الزمان.
اسم الكتاب «كتاب مصطفى كمال» ومؤلفه «قابيل آدم»، ومن الواضح من اسم الكتاب أن الآراء التي بُثَّت فيه والمبادئ التي دافع عنها هي في حقيقتها فلسفة المُصْلح الكبير التي كَمُنت وراء الظواهر الانقلابية التي قامت عليها الثورة التركية الحديثة، والانتصار في ميدانَي الحرب والاجتماع. وما كان لنا أن نعلق على هذه الآراء بشيءٍ ما ولكن يكفينا أن نستخلص منها لبابها؛ لنظهر القارئين على حقيقة هذا الانقلاب، وما يكْمُن وراءه من المبادئ الارتقائية والأفكار التشيُّديَّة الكبيرة وهي في مجملها لا في مجموعها، مما لا يستطيع عقل مثقف على النمط الحديث أن ينكر أن فيها من عناصر الحق والقوة ما سوف يجعلها دستورًا عامًّا للعقلية التجديدية في أنحاء الشرق كله، على أن تُصفَّى من بعض ما فيها من نَزَعات التطرف والإفراط.
- (١)
إن العقلية الأوروبية هي العقلية التي تتَّسق وحاجات هذه الحياة الدنيا، ونحن إنما نتبع ما توحي إلينا به هذه العقلية بحكم أننا موجودون في هذه الحياة. أما العقلية الآسيوية، فالعقلية التي تلائم الحياة الآخرة، فإذا انتقلنا إلى الحياة الباقية فهنالك نتَّبع ما توحي به هذه العقلية (ص٣).
إن الأمم الحية في العصر الحاضر تعيش فيما يلي حدودنا الغربية، بينما يعيش في الشرق مجموع من الأمم لم يُعترف لهن بحق الحياة في عصر من عصور التاريخ. إن الناس في الشرق والغرب يتفقون في كل الصفات العضوية ولكل منهم رِجْلان وساعدان، فمن أين حدث ذلك الفرق البيِّن الواقع بين الناس في الغرب والشرق؟ (ص٣).
لا شبهة في أن الغرب وحده هو الذي يُمَتَّع الآن بأسعد حالات الحياة، وفيه أقوى النظم الحكومية، والحياة فيه أقرب ما يستطاع إلى ما يجب أن تكون عليه الحياة الإنسانية، إذن يجب علينا أن ندرس فن الحياة الغربية لنعرف حقيقته (ص٥).
لقد استأنست أمريكا وأعترف لها بحق الحياة من طريق العلم الغربي، وتحضَّرت اليابان بأن اتَّبعت وسائل العقلية الغربية، وكذلك ممالك البلقان فإنها درست هذا الفن وقبلت كل مبادئه، فاستطاعت أن ترفع عن كاهلها نِيرَ استعبادنا، فلا مرية إذن في أن هذا الفن قد جُرِّب واختُبِر، فدلَّت نتيجة التجاريب العديدة على صدق موحِياته.
لقد ناضل الغرب ضد رجال الدين وصارعهم، لا لشيء إلا ليفوز بتكوين هذه العقلية، وما زال يصارع ويناضل حتى استطاع أن يقيم للحياة فنًّا جديدًا، هو الآن قبلة الغرب بل ومعبوده الأعلى (ص٦).
لم يكن لمذاهبنا القديمة سوى قاعدة منطقية واحدة، ولم تتكون فيها سوى عقلية بعينها، وتلك القاعدة وهذه العقلية لم ينصرفا طوال الأعصر عن شيء واحد، هو أن يرجعوا بكل شيء استنتاجًا واستقراء إلى الكتب الدينية، هذا بينما كانت العقلية الغربية تنظر في الحياة بعين إنسانية، وتنظم الحياة على مقتضى ما ترى هذه العين من حقائق الوجود. وإنه لمن أشد الأشياء خطرًا أن نبحث الحياة الغربية بعقلية شرقية، لأن من الجائز أن يغوينا هذا النهج، فنقبل جزءًا من مجموع الحياة الغربية أو أجزاء نكيفها تكييفًا خاصًّا أو نرفض قبول ناحية من نواحيها أو نَكِل تطبيق شيء منها إلى المستقبل، ثم نقول إن لدينا من الحياة الغربية أجزاء ونُتَفًا. وما من شك في أن هذا النهج كان سببًا في وقوع أكبر المصائب وأعظم الكوارث التي انتابت تركيا في الماضي. ولقد عملنا بأقصى الجهد لكي نوفق بين الناحيتين، فدلَّت التجاريب على أن التوفيق بينهما مستحيل، فإن أهل الغرب إنما يعتقدون بأن الناس للناس، أي إنسانيون، بل إن مطامعهم الأولية في الحياة تنحصر في أن يعيشوا في هذه الدنيا على أكمل وجه تتطلبه الرجولة الكاملة، أما أهل الشرق فمُوقِنون بأن الناس ملك لله، ويحاولون دائمًا أن يحققوا وجود الحياة الأخرى في هذه الحياة. ولا جرم أن هاتين النَّظْرتين لا يمكن التوفيق بينهما (ص٧).
على أننا لم نعترف بهذه الحقائق في الماضي، ولم نواجهها بما تتطلب من الشجاعة الأدبية والاستقلال في الرأي، ومن أجل هذا كله نجد أنفسنا في أشد الاحتياج لأن نصطبغ بصبغة العقلية الأوروبية الحديثة. وما من سبب لذلك التنابذ الشديد الذي قام بين فريقي الأمة التركية إلا وجود هذه العقلية في ناحية، حيث تقوم في ناحية أخرى العقلية الدينية العربية، وهذا أخطر ما تتعرض إليه الجمهورية التركية من الأحداث (ص١٣).
- (٢)
لم تسلم الأمم الآسيوية يومًا ما من الفقر والتعاسة، وليس لهذا من سبب سوى أنها اعتادت على أن تَسْتَقرئ أحكامها المَعَاشية كلها من تشريعها الديني المقدس. ولن تقف على طابَع آخر غير هذا إذا ما قلَّبت تاريخ مصر والهند وفارس واليابان القديمة والصين وطوران وبلاد العرب، فإن هذه الأمم لجهلها قد نَسبت لأمرائها وسلاطينها أو لغيرهم من مقدَّمي الانتهازيين صفات قدسية حينًا، أو سلطة إيحائية حينًا آخر، وكان من نتائج هذه العقلية أن تردَّت الأمم الآسيوية في وَهْدَة التعاسة والشقاء. (ص١٤).
أما المعركة القائمة اليوم فموجَّهة بكل ما فيها من قوة إلى القضاء على هذه العقلية الآسيوية، والحالة جلية واضحة، فلست تجد في أوروبا مثقفًا أو غير مثقف يمضي في أعماله متواكلًا على سلطة الوحي. أما في آسيا فإنك لا تجد شيئًا اللهم إلا الأنبياء١ والقديسين والحكام الذين يستمدون سلطتهم من الله مباشرة، تجد الأوامر والنواهي القدسية متغلغلة في تضاعيف العديد الأوفر من الشئون الخاصة الصرفة للناس، محتكمة في كل وجه من وجوه حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والتجارية والإدارية، ولديهم أن هذه الأوامر والنواهي هي أوامر الله ونواهيه، وعلى هذا لا يمكن تبديلها أو تكييفها. فإذا تبدَّل الزمان وتكيَّف وجَمُدَت هذه الأوامر والنواهي مقصِّرة عن اللحاق بروح العصر نشوءًا وارتقاءً، فإنك لا تجد من شيء اللهم إلا نبيًّا آخر مرسلًا بتعاليم جديدة، ولا مرية في أن تتابع ظهور الأنبياء في آسيا طابع خاص بها، لا تفاضلها فيه بقعة أخرى من بقاع الأرض (ص١٦).على أن أعجب ما ترى في كل هذا أن كل نبي من هؤلاء الأنبياء قد نصح للناس وأَهَاب بهم أن ينكروا حقيقة هذه الحياة بكل ما فيها، وأن يَتَلَظَّوْا حُرْقةً إلى الحياة الآخرة، وفي هذا ينحصر كل ما يقصد بوذا من النرفانا، وكل ما يقصد الإسلام من الفردوس (ص١٧). وهذه العقلية قتلت في الشرق فكرة النقد، كما غَشَت على العقول والأفهام بأغشيتها الثقيلة.
بيد أن هؤلاء الأنبياء الذين حكموا الدول وسَاسُوا الممالك لم يقنعوا بأن يفرضوا على الناس أوامر الدين ونواهيه، بل صبغوهم بأخلاقهم ودهنوهم بطلائهم. فإن الإسلام مثلًا قد صبغ المسلمين، فضلًا عن الدين، بصبغة الحياة العربية الاجتماعية في كل مكان وآن، واضطُرَّ الناس على أن يَقْبَلوا مُذْعنين لا الله والدين وحدهما بل حياة العرب العائلية والاجتماعية والخُلُق العربي والعادات العربية بصورة كلية واللغة العربية بصورة جزئية. كذلك لم يفرقوا بين الدين والقومية، فإن الدين والقومية ظلَّا في الشرق شيئًا واحدًا طوال الأزمان، ولهذا لا تقع في الشرق على حركة اجتماعية صُبِغت بالروح القومية على إطلاق القول (ص١٨).
لقد لعن بوذا هذه الحياة وكذلك مذاهبنا القديمة، فإنها لم تعمل إلا لتمهد الطريق للحياة الأخرى. ولقد أخذت أمم آسيا كلها بموحيات هذه التعاليم النظرية، وعلى هذه القاعدة قيَّد «اللاما» أمة الصين، والبراهمة أمم الهند، و«الآخوند» أمة الفرس، وأئمة الإسلام تركيا. أما العقلية التي اختفت وراء هذه التعاليم فتتكون من الاعتقاد بما يأتي:- (١)
أن الحقيقة لا يمكن معرفتها بالعقل بل بالتقاليد.
- (٢)
أن الحياة يجب أن لا تحكم بمقتضى المبادئ الإنسانية المستمدة من غرائز الإنسان، بل بمقتضى الشرائع المنزَّلة التي لا تتبدل ولا تتغير.
- (٣)
هذه الحياة فانية، والأخرى باقية.
- (٤)
نسبة كل شيء إلى القضاء والقدر.
- (٥)
رفض الاعتقاد بضرورة الحياة القومية، والعكوف على الخضوع للتقاليد الدينية.
- (٦)
الخضوع الكامل للرئيس الروحي.
وهذه القيود الحديدية والأصفاد الثقيلة لم تترك للأمم الآسيوية من فرصة للخلاص. ولقد كانت هذه العقلية بمثابة تجربة حاول واضعوها أن يعرفوا إن كانت بذاتها وسيلة ناجعة للقضاء على الحياة وعلى الإنسانية، ولا مرية في أنها قطعت كل علاقة كائنة بين الناس والحياة الدنيا (ص١٥).
ولما كانت علاقة الإنسان بهذه الحياة متينة، وأواصره بها لا تفصم، لم يكن هناك من سبيل لكي تعيش هذه العقلية وتحيا إلا بأن يُقتل العقل الإنساني ويُلغى من هذا الوجود، ولولا هذا لظهر سريعًا أن الشرائع المنزَّلة لا تتفق وحقائق هذه الحياة، لهذا لم يتوانَ مشيِّدو العقلية الآسيوية وواضعو قواعدها عن أن يجعلوا أساسها الاعتقاد بأن الحق في هذه الحياة تقليديٌّ لا عقليٌّ. ولكن نتساءل: ما هي التقاليد؟ ولماذا لا يكون لدينا من الحرية ما نستطيع به أن ننظر في هذه التقاليد نظرة تحليل نحكِّم فيها العقل، تلك التقاليد التي لم تَسْمُ بنا يومًا إلى أفق السعادة والحرية والثروة ومعرفة حقيقة الإنسان، بل كثيرًا ما عضَّدت أسباب التعاسة والشقاء وقوَّتْ جذور شجرة الاستبداد التي يتمتع بثمراتها الرئيس الروحي خلال كل الأزمان؟ وبما أن هذه التقاليد لم توضع إلا لتطبَّق على الإنسان، فإن العقل الإنساني يُحِسُّ ضرورة بأنه مَقْسُور على أن يبحث في أصلها ونشأتها وماهيتها؛ ليعرف إن كانت التقاليد سمومًا قاتلة أم أنها عقاقير لقمان السحرية! (ص١٩).
إن من أبلغ السَّفْسَطة أن تقول بأن العقل الإنساني لا يستطيع أن يدرك الحقيقة. إن كل الذين أوصلوا إلينا هذه التقاليد وبثُّوها في نفوسنا قد اتخذوا العقل الإنساني وسيلة لبثِّها. وما هذه التقاليد لدى الواقع إلا مجموعة من السُّخْف لا يمكن أن تقاوم قوة النقد ساعة واحدة، ولم يكن في مستطاع أحد من ناقلي هذه التقاليد (الأنبياء) أن يوحي إلينا برسالة تساعدنا على اختراع آلة من الآلات أو استكشاف الكهربائية أو البواخر أو الطيارات أو التليفون اللاسلكي، أو مبادئ الطب التي تساعدنا على مقاومة داء السرطان أو السل أو غيرهما من الأمراض.
ولقد ثبت في رُوعنا اليوم أن ما يجب أن يُوحَى إلينا به من العالم المجهول إنما ينحصر في مثل هذه العلوم لخير الإنسان والإنسانية. وإذا قلَّبت تاريخ آسيا برُمَّته منذ أبعد العصور إلى اليوم، لما استطعت أن تلتقي في سَفَرِك الطويل بقدِّيس واحد من أولئك القديسين الذين اتخذوا العلم للقداسة طريقًا، في حين أن تاريخ الدنيا يَفِيض بذكر الكثيرين ممن هم من هذا الطابَع الخالد، أولئك الذين استكشفوا الحق وعرفوا الحقيقة، أولئك الذين آمنوا بأن الحق عقليٌّ لا تقليديٌّ، لا الذين ظلوا طَوَال الأعصر ينتظرون الوصول إلى الحق من طريق التقاليد. ولا شبهة في أن رجال آسيا، وهذه عقليتهم، لا يستطيعون أن يدركوا من الحقيقة شيئًا (ص٢٠).
لنتساءل: لماذا لم يكن في مقدور المذاهب الإسلامية أن تنقذ الإمبراطورية التركية؟ والجواب أن ليس لهذا من سبب إلا أن عقليتها قد عكفت على الاعتقاد بأن الحق تقليديٌّ صِرْفُ، أما العلم اليقيني الحديث فيَعتبر أن هذه العقلية سُمٌّ قاتل، لأنها بعد أن تحتكم في الفرد وتستقل بوجدانه وتبعده عن التفكير في أمر نفسه، يكون في مستطاعك أن تجعله يعتقد بصحة أية من الأحكام الدينية فيما يتعلق بحياة الأسرة أو نظام الحكومة. وهذه العقلية هي السبب المباشر فيما ترى من سوء النظام والعادات القبيحة، كتعدد الزوجات في الحياة العائلية وانقسام الناس إلى أحزاب وطوائف في النظام الاجتماعي في الشرق كله. (ص٢٢).
انظر في نظام الحكومات أو تاريخ الشعوب التي مضت عاكفة على هذه العقلية فماذا ترى؟ ملكًا مستبدًّا بعيدًا عن التقيُّد بما توجبه شرائع الآداب، منعوتًا دائمًا بأنه ظل الله فوق الأرض، وقصرًا مَنِيف الظاهر مُشْمَخِرَّ البناء وما هو في الحقيقة إلا دار بِغَاءٍ رسمي، تملأ جوانبه السَّراريُّ والجواري، بل إنهم عبارة عن مجموع من أبناء البشر تعساء بعيدين عن حقيقة الحياة. (ص٢٥).
إن أهل الكلام من المسلمين لم يُعْنُوا بتحرير الضمائر والأفكار، كما أن التشريع الإسلامي لم يَحْبُ أهل الإسلام بحق الحياة والعمل، بَيْدَ أن كل الأمم الآسيوية قد حُكِمت بنظامات وتعاليم دينية، وكل القوانين التي فُرِضت على هذه الأمم قد استُمِدَّت من هذا النبع وحده، ولما كانت هذه القوانين بمقتضى ذلك غيرَ متغيرة ولا متحولة، قد قاومت في كل عصور التاريخ جولة هذه الأمم نحو النشوء والارتقاء كلما حاولت أن تخطو نحوه. إن أهل الكلام قد أعاقوا العقل عن النَّماء والتطور، كما أعاقت النظم التشريعية تطور الشعور الاجتماعي، فنتج عن ذلك أن أصبح من أقصى المستحيلات أن يقع في آسيا انقلاب ثوري لا في الصورة العقلية ولا في النظام الاجتماعي. (ص٢٦).
تحت تأثير هذه العقلية قُيِّدت الإرادة، فقُتِلت حينًا، وأُعْطِيت من الحرية قدرًا ضئيلًا حينًا آخر، في حين أن الإرادة الإلهية ظلت طوال الأعصر القوة الحاكمة بأمرها، ورُدَّت الإرادات والأسباب جماعها إلى «القضاء والقدر» الذي تصرِّفه القوة القدسية الغيبية، وهذا هو السبب في ما يُدْعَى ﺑ «البطالة الشرقية»، تلك الصفة التي يناظرها في الغرب ما نسميه ﺑ «الحضارة الأوروبية». (ص٢٦).
إن كل ما حاول الغرب أن يصل إليه من طريق الإِكْباب على درس العلوم اليقينية، حاولت الأمم الآسيوية أن تبلغ إليه من طريق الأناشيد والصلوات والسحر والأرواح (ص٢٧).
جُبْ نواحيَ آسيا وافتح باب أي قصر من قصورها الضخمة، فإنك لا تجد إلا قطيعًا من رجال ونساء اتخذوا الزنا حرفة في الحياة، وهذه هي بعينها حال الخليفة والإمام والمشايخ. إن هؤلاء الرؤساء الذين أمروا الناس بأن يصوموا وأن يتعبدوا ابتغاء وجه الله، وفي الوقت ذاته صرفوا الناس عن كثير من خيرات هذه الحياة؛ لم يكن لهم في حياتهم الداخلية من بُغْيَة اللهم إلا الحصول على اللذات البدنية من أية طريق وبأية وسيلة، وهذا التناقض الواقع بين ما يأتون من فعل وما يتفوَّهون به من كلمات قد دلَّ على خبثهم وخيانتهم وفَتْكِهم بعقول الناس، وكان في الوقت ذاته سببًا في أن تحتكم النزعات السلفية من خيانة وفجور في إدارة الحكومات. ولهذا تجد أن هذه العقلية قد مضت مستبدة بأمرها في كل طبقة من طبقات السِّلْك الحكومي، حتى لقد اعتُبِرت الخيانة، كما اعتُبِر الغشُّ والخداع، من الأمور المشروعة، تأييدًا للمآرب الذاتية وخدمة لمصالح الأفراد (ص٢٨).
لم تكن الديانات في تاريخ آسيا كله إلا حركات رجعية أَمْلتها الغَيْرة التي تزود بها كل رسول جديد ضد الرسل الأقدمين. إن ديانات آسيا كافة واحدة في جوهرها، فإن تعاليم بوذا وكونفوشيوس وبراهما وموسى وعيسى ومحمد كلها واحدة، فإن اختلفت فإنها إنما تختلف في التفاصيل لا في القواعد (ص٣٠).
هذا هو الحق الذي نقع عليه كلما قلبنا تاريخ الأمم الآسيوية، لقد خضعت آسيا لهذه العقلية، ولم يكن لديها من القوة الذاتية ما تستطيع به أن ترمي عن كاهلها ثَقَل هذه التقاليد. إذن فلا سبيل إلى الخلاص إلا بلَقَاح يُستخلص من العقلية الأوروبية، وهذا هو السر فيما نرى من تقدم اليابان المدهش خلال الخمسين عامًا الفارطة إذا قسنا تقدمها بتقدم الصين مثلًا، إن الصين لا تزال اليوم واقعة تحت تأثير الذِّهْنية الآسيوية، أما اليابان فقد نَفَضَت عن كاهلها هذه الذهنية واستعاضت عنها بالذهنية الأوروبية إجمالًا وتفصيلًا. ولقد يظن البعض أنه من المستطاع أن تحوز الأمم هذا التفوق الكبير من طريق الاستعانة بالعلوم العملية وحدها، غير أن هذا مستحيل، لأن المسألة مسألة «عقلية» تتناول كل بناء الفكر والعواطف والمشاعر والحياة، تتكثَّف وتتراكز خلال الأجيال. إن «العقلية» كلٌّ لا يمكن تجزئته إلى أقساط ونُتَف، وعلى هذا وجب أن تُلْغَى العقلية الآسيوية كليَّةً؛ لتحل محلها العقلية الأوروبية في مجموعها، ولن تجد للخلاص طريقًا آخر (ص٣١ و٣٢).
- (١)
- (٣)
الأتراك أمة آسيوية، ولذا كان من الطبيعي أن يعيش الشعب التركي وأن يعمل متأثرًا بوحي العقلية الآسيوية. وإنما ينحصر غرضنا الآن في أن نبحث حياتنا وتاريخنا لنرى كيف زودتنا الثورة الأخيرة بحياة جديدة، وأن نفهم طبيعة تلك الواجبات والالتزامات التي فرضتها علينا عقلية الثورة، ولنحكم على مقدار ما هو مطلوب منا من تضحيات حتى نستطيع أن نغرس هذه العقلية في نفوس الشعب بشكل قاطع (ص٣٣).
لقد عُوِّدنا على أن نلقَّن بأننا عبيد الملك، ظل الله فوق الأرض، وأننا له ملك ومتاع، وهذا يتضمن بالضرورة الاعتقاد بأنه ليس لدينا من شيء يمكن أن يقاوِم قوة خليفة الله الواحد القهار، المتربِّع فوق عرش الأرض، وأنه لن يكون من نظام اجتماعي أثبت أصولًا من اجتماعنا، ولا حياة دنيوية أسعد ولا أمتع من حياتنا. بينما كانت الحقائق الملموسة توحي لنا كل حين بأن في أنحاء مملكتنا فقرٌ وجوعٌ، وأن جزءًا بعد جزء من أطراف الإمبراطورية كان يؤخذ عَنْوَةً ورغمًا منا نهبًا واغتصابًا، وكانت لنا حكومة هي أضعف من أحط الحكومات الأوروبية، متردِّيَة في حمأة الرشوة، مفكَّكة الأوصال مضطربة الأحوال، بعيدة عن حكم الشرائع والآداب، وأننا كنا نستجدي الغرب في كل شيء نحتاج إليه، ومع كل هذا فقد كان لدينا «ظل الله فوق الأرض» وأربعون زوجة من زوجاته، وأربعون غلامًا ممن تَعْرف ولا أذكر، لا شغل له إلا أن يحمل الشعب على أن يتجرع فكرة الجنة ونعائمها على ما وصفها رجال المذاهب القديمة. كان قد أصابنا الانحلال في الداخل، ولم يكن لدينا من سبيل لكي نفهم الحق وأن نعرف الحقيقة إلا بأن نتصل من طريق ما بالمعرفة الأوروبية، وأن نعترف بتفوق العقلية الغربية، وأن نُكِبَّ على درس الأسباب التي غرست الشقاء والتعاسة في أرض مَنْ كنا نعتقد أنه «ظل الله فوق الأرض»، ولمَّا فعلنا بان لنا أن «ظل الله فوق الأرض» لم يكن شيئًا اللهم إلا صنمًا مفقود القوة والروح، كأي صنم من أصنام بوذا في الهند. وكان لنا بمحمد أسوة، فكما أنه حطم أصنام مكة والمدينة، كذلك نحن حطمنا أصنام الخلفاء والمذاهب القديمة والتكايا والقبور. هذا هو معنى الثورة، أما منافعها فسوف تكون عظيمة لخير الأمة وسعادتها في المستقبل (ص٣٤).
إن الإمبراطورية التركية القديمة كانت دولة دينية، لقد تبدلت هذه الإمبراطورية من نظام التكية السلجوقي القديم بنظام المذاهب، وأخضعت الناس قسرًا إلى المنطق التحكمي الذي اتصف به كل من ندعوه «حجة الإسلام»، وهنا تتجلى لنا صورة من أوضح الصور التي امتازت بها العقلية الآسيوية (ص٣٥).
ومع كل ذلك، فإن هذه الدَّرْوشة، وإن شئت فادْعُها الباطنية، كانت السبب الأقوى الذي نجَّى الأمتين التركية والفارسية من أن تَسْتَعْرِبا بشكل حاسم. وفي هذا المجال وحده بدأ النضال بين الإسلام والقومية، أما القومية فقد تفوقت وانتصرت في النهاية (ص٣٩).
بعد هذا بدأ عصر الملوك العثمانيين، وفي هذا العصر تفوقت المذاهب العربية القديمة وأساليبها كلَّ تفوق، حتى لقد اتُّبعت أساليب المذاهب البغدادية في الإجمال والتفصيل. وهنا شبَّت ما ندعوه «الشريعة» التي استمدت كل أحكامها من الأوامر والنواهي القدسية المنزلة، فكان لزامًا أن لا تعترف هذه المذاهب بأن تغير الأزمان مُوجِبٌ لتغير الأحكام. لقد نظرت هذه المذاهب إلى القسطنطينية كما نظرت لبغداد، ولم تفكر ساعة واحدة في أن تدرُس البيئة التي تحيط بهذه العاصمة وأن تتعرف طبيعتها وأن تكيف مبادئها بما يلائم هذه البيئة. لقد مضت المذاهب تزود الناس بعقاقير استمدتها من مصادر كانت في مكة قبل بغداد، وكانت من قبل أن تكون في مكة بين أعراب البادية، فهل يمكن أن يكون مستطاعًا أن تحتمي الشعوب بمثل هذه الشريعة التي لم تدلَّ يومًا على أنها ملائمة لتطور الحالة الاجتماعية التي يقتضيها نماء العقل البشري؟ إنه يتعذر أن نناقش هذه الحقيقة، ليس من الممكن أن تتطور قوة ما من القوى وتمضي مرتقية، وهي في الوقت ذاته بعيدة عن التأثر بمبادئ التطور وماهيته، إن مثل هذه القوة لا تُنتج من شيء إلا التراجع والاندثار. (ص٤٩).
إن المبادئ التي استُمدت من مكة ومن رمال البادية هي التي أعاقت تركيا عن التقدم ستة قرون طوال، لقد حكمت هذه المبادئ الشعب التركي عقليًّا ومدنيًّا واجتماعيًّا وعلميًّا وسياسيًّا وإداريًّا، وعلى الجملة احتكمت في كل مظاهر حياته. ولقد استنفدت المدارس كل موارد تركيا المالية، ولكن ماذا كانت طبيعة الأشياء التي تُدرَّس بين جدرانها؟ لم يدرَّس بينها حرف واحد من اللغة التركية، بل كانت العربية هي الأساس، وأكبَّ الناس على درس مقاطع من القرآن وتفسيرات فيه قد أَرْبت على المئات والألوف من الصفحات التي كتبها واضعوها وحكَّموا فيها منازعهم وشهواتهم تحكيمًا، وكذلك دارسو الحديث، تلك الأحاديث التي وضعها وانْتَحَلها رجال من مختلِف الأمم، وفي مختلِف الأزمان (ص٤٩).
بَيْدَ أن هذه الأساليب التعليمية لم يكن لها من صلة بالشعب التركي، ولا بلغته ولا بثقافته، بل لم يكن لها من صلة بالحياة ذاتها. وليس في تاريخنا من شيء هو أدْعى إلى الخجل من أن تفرض السراي — الباب العالي — على الشعب التركي أسلوبًا تعليميًّا عربيًّا في قِوَامه ومبناه، ومن الغريب أننا خضعنا لهذا النظام خضوع العبيد والإماء ستة قرون طوال. (ص٥٢).
لقد وضعت المذاهب علمًا قدسيًّا بَنَتْه على تفسيرات خاصة فسرت بها الأحاديث وآيات القرآن، أما رجالها فقد أعلنوا الحرب والنضال على كل من حاول أن يخرج عن هذه الدائرة، وبهذا سُدَّ باب العلم وحُظِر على الناس وُلُوجُه (ص٥٥).
لقد مضت المذاهب حاكمة بأمرها في السراي وفي التكايا، ولم يكن على المتربِّع في السراي، خليفة العالم و«ظل الله فوق الأرض»، من واجب إلا أن يحمي بصَوْلَته طريقة تطبيق تلك التعصبية الدينية التي تأصَّلت في بغداد تطبيقًا عمليًّا، وكان من أثر هذا أن أُلْغيت حرية الضمائر وقُتِلت طريقة النقد العقلي، وبكثير من الخطأ في التفسير والتلاعب به فُصِلت المرأة عن الحياة الاجتماعية، وأُبِيح تعدد الزوجات، فلم يصبح للمرأة في عالم الاجتماع من مكان تشغله (ص٦٢).
كذلك فرضت المدارس على الناس أحكامًا شاذَّة لتُقَوِّى بذلك دعامتها وتثبِّت مركزها، فقد قالت إنه فجور أن تكلم المرأة أحدًا من غير أهلها، بل قضت بأن ظهور شعرة واحدة من شعرها ليراها أجنبي سبب كافٍ للطلاق، في حين أنها لم تذكر أن الخلفاء الذين وُلِدوا بغير عقد شرعي هم بذاتهم نبت لغرس غير مشروع (ص٦٤).
- (٤)
طالما خيِّل إلينا بأن المسألة الشرقية التي قامت في دوائر أوروبا السياسية من أكبر المخاطر التي تعرضنا إليها، ولقد جرَّ الخوف من هذه المسألة إلى جهود كثيرة بُذلت في سبيل الإصلاح، على أن ضروب هذا الإصلاح لم يكن فيها من روح الانقلاب أو التجديد شيء ما، بل كانت مجرد وسائل سياسية تذرَّع بها الحاكمون لإنقاذ الدولة. على أن جزءًا كبيرًا من هذه الإصلاحات بذاتها كانت من عمل الأوروبيين لا من عملنا (ص٧٢).
وفي الحق أن هذه الحركات الإصلاحية لا يمكن أن تُعتبر حركات تجديد، لأنها لم تصدر من الشعب مصدر كل إصلاح وتجديد (ص٧٣). وإذا كان قدماء الكتاب والمؤلفين لم يخرجوا عن حد النقل عن منتجات الشرق، فإن كُتَّاب عهد الإصلاح، كما يسمونه، لم يتعدَّوْا حد النقل عن منتجات الغرب، فلم يكن في كلا العصرين نزعة إلى الجديد أو الابتكار (ص٧٤). والدليل على ذلك أن المصلحين لم يحاول أحد منهم أن يلمس بنقد أو تقرير حقيقة الحياة العائلية في تركيا (ص٨٠). نقل هؤلاء مبادئ الثورة الفرنسوية نقلًا حرفيًّا بلا تحوير أو تبديل، على أن الثورة الفرنسوية لم تتناول نظام الأسرة في أوروبا بأي حدث، ذلك لأن حياة الأسرة الأوروبية كانت قد وضعت مَرْسَاتها على نظام ثابت لا يقبل التغيير (ص٨٠).
لقد كانت المسيحية ديانة آسيوية، كما كان الإسلام، غير أنها لم تستقوِ في عصر من العصور على شعب من الشعوب الأوروبية التي اعتنقتها فغيرت مِزَاجه الاجتماعي. لقد انتقلت المسيحية إلى روما في صورة فكرة، ولكنها لم تنقل معها النظام الاجتماعي الذي خُصَّت به البيئة اليهودية في الشرق، بل على الضد من ذلك، فإن المسيحية قد تطورت، وفقدت جزءًا عظيمًا من ماهيتها الأصلية، بما أثرت فيها البيئة الاجتماعية الرومانية مثال الحياة الأوروبية في ذلك العصر. فلو أن المسيحية كانت قد زحفت على أوروبا من أورشليم بجيوشها وجحافلها كما زحف الإسلام على الغرب، وأخضعت أوروبا لسلطانها وسطوتها؛ إذن لأُلْغِيت الحياة العائلية في أوروبا ولحلَّت محلها شرائع الأعراب من أهل البادية، ولتبدلت أوروبا من حياتها الأولى حياة أخرى، بل ولا نغالي إذا قلنا بأن أوروبا الحديثة لم تكن لِتوجد على ما هي عليه اليوم. على أية حال نقول بأن تاريخ أوروبا قد ذهب في متَّجَه وحده، وبذلك أُنقِذَت الحياة العائلية ونَجَتْ من تخريب التقاليد خلال كل العصور. (ص٨١).
أما نحن فلم يكن لدينا شيء من روح هذا النظام العائلي، ذلك النظام الذي ولَّد في الأمم الأخرى روح الحياة القومية (ص٨٢). وقد حاول المصلحون عبثًا أن يوفقوا بين الناحيتين، فإنهم من طريق المدارس القديمة العتيقة قبضوا على زمام التعليم في المعاهد، ومن طريق المحاكم الشرعية الدينية أخضعوا نظام الحقوق المدني، وباتِّباع ما أوحت به السياسة الإسلامية الصرفة استطاعوا أن يُلْغوا العقلية التركية إلغاءً كاملًا (ص٨٣).
لم يكن ذلك الجهد السياسي بشيء إلا جهد القانط اليائس يحاول إنقاذ دولة عملت فيها يد الفساد، إنه لم يكن تجديدًا ولا إصلاحًا بالمعنى الصحيح (ص٨٦). لقد صَمَّ آذاننا إعلان الحكومة النيابية مرتين، ولم يكن لدى الذين أعلنوها من غرض، اللهم إلا أن يُخضعوا الطوائف العثمانية المكوَّنة من شعوب وعناصر متباينة لقوة الخلافة أو السلطنة مجتمعة، فلم يفكر المصلحون يومًا ما في أن يضعوا حدًّا حاسمًا يتفوق على السلطة الدينية، فيُحْيُوا بذلك الشعور القومي في قلوب الأتراك (ص٩١).
يقوم القانون في فرنسا على فكرة الحق، وفي ألمانيا على فكرة القوة، وفي إنجلترا على فكرة المنفعة (ص٩٢). أما فكرة الحق ففكرة إنسانية صرفة وليست بفكرة قومية. على أننا نعيش اليوم في جوٍّ مشبَع بفكرة القومية ولا شيء غيرها، ولهذا كان من الواجب بدلًا من أن نتبع فرنسا أن نحذوَ حذوَ ألمانيا أو إنجلترا. إن القومية ألغت الفكرة العثمانية، وردَّت فلسفة الذاتية Subjectivism إلى حيث أصبحت بلا فائدة أو نتيجة، بل مَحَتِ الفكرة الفردية في الاقتصاد، وأضحت معها الشرائع المنزَّلة بلا معنى يلائم الحالة الراهنة. ومع تفوق الروح القومية أصبحت الآداب الدينية لدى الواقع بعيدة عن حكم الآداب المدنية، لهذا وجب أن نلغي الحياة العربية إلغاءً تامًّا، وأن نتنكب طريق السياسة الإسلامية تنكبًا، ونتحرز منها تحرزًا. (ص١٠٧).كان للموقفين ثلاثة أغراض، تنحصر في أن نَتَمَسْلم ونسْتجدد ونَسْتَتْرك، وكان هذا في حيِّز المستحيل عمليًّا، فإن الأخطار التي انتابتنا من جراء القوانين التي استَمْدَدْناها من الإسلام كانت جلية ظاهرة، واستخدام القوانين التركية التي ذاعت قبل الإسلام كانت موضع الشك، لهذا لم يصبح أمامنا إلا العمل للتجديد، ولم يكن للتجديد من وسيلة إلا ثورة طاحنة (ص١٠٩). ولا سبيل للمستقبل إلا هذه السبيل.
- (٥)
ما هي الأسباب الأولية التي أحدثت تلك الفروق الكائنة بين العقلية الآسيوية والعقلية الأوروبية؟ سأحاول أن نعرف السبب من طريق تاريخي.
يجب علينا أن نعي بداءة ذي بدء أنه لم يقم في أوروبا من نبيٍّ مثل بوذا أو كونفوشيوس أو موسى أو عيسى أو محمد، ممن حملوا إلى الناس أوامر ونواهيَ إلهية ثم ألْزموهم الخضوع لها قَسْرًا وجبرًا. (ص١٢٣).
تُصَادِفنا في البدء حضارة رومانية قامت تعقيبًا على الحضارة اليونانية التي حازت أرقى ما وصل إليه العقل البشري من الرُّقِيِّ والذكاء في التاريخ، على أن الحضارة اليونانية كانت حضارة إنسانية النزعة في مجملها وفي تفاصيلها. ولقد بحث العقل اليوناني الحياة ووضع من طريق هذا البحث نظامًا للحقوق الإنسانية يوافق ما تقتضي هذه الحياة من حاجات. وكذلك الفلسفة اليونانية، فإنها فلسفة صرفت كل همها لخير الإنسانية، ولكنها لم تأتِ من طريق التنزيل والوحي على أنبياء ورسل، كما هي الحال في الشرق، بل إنك لا تعثر في بلاد اليونان على فيلسوف انتحل لنفسه صفة النبوة أو أَلْقَى على كاهله عبء الرسالة (ص١٢٤).
ولقد ورثت روما البربرية هذا التراث عن اليونان، وعلى الرغم من أن اليونان كأمة قد انحلَّت وزالت، فإن الفلسفة اليونانية ظلت حاكمة بأمرها في العالم الروماني والحضارة الرومانية (ص١٢٥). غير أن أنانية روما الاستعمارية قد هزَّت قواعد روما وخلْخلَتْها، وفي ذلك العهد أمكن لحواريٍّ من حواريِّي المسيح أن يملك منها الزمام، وأن يَقْبِض على أعنَّتها (ص١٢٥).
حقيقة أنه هبط روما وفي يده كتاب، وكان يحمل فضلًا عن ذلك نزعات المنطق الديني الآسيوي لِيشُقَّ به لنفسه طريقًا، ولكنه لم ينته إلا بأن بثَّ فكرة مجردة لا غير، ذلك لأن الحضارة الرومانية ابتلعت المسيحية وكل نظاماتها، والدليل على هذا أنها ليست فكرة الحق المسيحية هي التي تسلَّطت على أوروبا، بل فكرة الحق الرومانية. وكذلك عاش نظام الأسرة الروماني وأَيْنَع وآتى أُكُلَه، في حين أنه لم يَقْوَ نظام واحد من نظامات آسيا الاجتماعية على أن يَلِجَ لروما بابًا، وكذلك لم تُعرف هناك عادات المسيح، بل إنه لم يتغير في روما من شيء إلا اسم الإله الذي كانوا يعبدون، وهذا الدين على هذه الصورة هو الذي ذاع وانتشر في أنحاء الإمبراطورية الرومانية (ص١٢٦).
على هذا النمط ملكت ثانية الديانات المنزَّلة زمام أوروبا، إنها ديانة قامت كغيرها على الأوامر والنواهي الإلهية، وكانت من الناحية المنطقية على أبعد ما يتصوَّر من الإبهام والغموض والتعقيد، فكان هذا سببًا في أن تتسع لكثير من ضروب التفسير الاختياري الذي لا يتقيد فيه مفسِّر بنصٍّ ولا قاعدة. غير أنه على الرغم من كل هذا أنقذت الحضارة الرومانية أوروبا، فإن كل أمة من الأمم التي اعتنقت النصرانية لم تتخلَّ لحظة واحدة عن عقيدتها الأصلية إزاء الحق الإنساني، ولم تبعد قِيدَ أَنْمُلة عن نظاماتها العائلية وغيرها من ظواهر الحياة كما ورثت عن الحضارة الرومانية، لهذا قام نضال وكان صراعٌ بين العقلية المسيحية القدسية وبين العقلية اليونانية الرومانية دار حول نظام البابوية (ص١٢٦).
لقد نهجت المسيحية نهج كل الديانات الأُخَر، لقد علَّمها زعماؤها على أنها تقاليد لا تُنْقض، وبذلك وقف تيار العلم الارتقائي، وحُصِر التعليم بين جدران المدارس المسيحية، غير أنه بجانب هذا قامت الحياة الاجتماعية ونظاماتها غير ممسوسة بشيء من هذه الروح. والحقيقة أنه لم يكن للمسيحية من نظامات ومعاهد تتغلب بها على النظامات والمعاهد التي كانت في أوروبا من قبل، وهذا هو السبب في أن أوروبا قد استطاعت أن تنجوَ بنفسها عن أن تُصْبغ بالصِّبغة الآسيوية. فإذا كانت المسيحية قد نقلت معها إلى أوروبا شرائع كشرائع تعدد الزوجات أو الحجاب أو منطق يوحي بالقضاء والقدر أو أوامر منزَّلة تَقْضِي على حسِّ الجمال وحب الطبيعة والحياة؛ إذن لقُضِي على أمم أوروبا ﺑ «الدروشة» كما قُضِي على بلاد فارس والهند وجزيرة العرب. وما كان يغني عنهم أنهم أوروبيون، فإن مسلمي البوسنة ومسيحييها لَأبلغ مثال نضربه لنؤيد به ما نقول. وما دام مسلمو البوسنة في هذا العصر قد انتحلوا حياة العرب الاجتماعية وهم بعدُ في قلب أوروبا، فما الذي كان ينجي أوروبا من مثل ذلك؟ (ص١٢٧).
ثم جاء عصر التجديد، وتبعه لوثر؛ إن المزاج الألماني لم توافقْه مراسيم روما وطقوسها، فبدأت عهد الإصلاح وشَقَّ لها لوثر الطريق، قيل بأن كلمات الله لا يمكن أن تحتكرها اللاتينية، وأن كل اللغات يصح أن تكون لله، وكذلك الطقوس الدينية يجب أن تتبع أحكام العقل، فألغى لوثر كل الطقوس التي لا تتفق ومطالب الحياة، أو لا تتجانس والعقل أو الذوق السليم، إذ كيف يتسنى لأمم متحضرة على النمط الحديث أن تلزم طقوسًا ومراسم بُشِّر بها بداءة ذي بدء لشعوب عراة حفاة دأبهم البطالة والكسل، وأخص صفاتهم الجهل، شعوب عاشت بلا نظامات تشريعية أو حكومات؟ لقد فهم لوثر هذه الحقيقة، ولذا سلك أقوم سبيل (ص٢١٨).
ليس الإصلاح الديني — الذي قام به لوثر — إلا جزءًا من التأثير الروماني العظيم الذي برز إلى الوجود من خلال الحضارة اليونانية. وعلى هذه القاعدة عينها قامت الثورة الفرنسوية، فإن كان زعماء الثورة في فرنسا كانوا جميعًا من المؤتمِرين بما أوحى به فلاسفة اليونان لعالم البشرية، فكتاباتهم ملأى بكلمات تفوَّه بها فلاسفة اليونان، وحياتهم مَثَلٌ لمبادئ وضعوها. إنك لا تقع فيما كتبوا على استشهاد اقْتُطِع من كتاب منزَّل، لأنهم لم يجدوا لا في الأناجيل أو التوراة ولا في كتاب زرادشت حقائقَ كالتي وقعوا عليها في مؤلَّفات اليونان. لقد كَمُنَ هذا الحق الثابت في تضاعيف الفطرة الإنسانية، والثورة الفرنسوية إنما استكشفت هذا الحق وعكفت عليه (ص١٢٩).
لقد استكشفت أن الحق عقلي لا تقليدي، وأن العلم يمكن استنباطه واستقراؤه من أعمال الناس وحاجات الجماعة وكنوز الطبيعة، وأن ليس للملوك ولا للبابوات من حق في الادِّعاء بأن لهم من قدرة على فهم الحق والعصمة من الخطأ أكثر مما لكل الناس، لقد نزعت الثورة عن الدين سلطة الدنيا وتركته في حيِّزه الطبيعي، في صدر الجماعات ومشاعرها (ص١٣٠).
وما كان لشيء أن ينتج عن هذا إلا القومية، لقد كانت الثورة الفرنسوية لكل الإنسانية، ولكنها انتهت بالقومية. وفيها تعثر إذا ما بحثت على الأسس التي قامت عليها العقلية القومية في أوروبا (ص١٣٢). هذه هي العقلية الأوروبية، ولن تجد لها من مثل في آسيا. على أننا قادرون على انتحالها، فإننا بشر مثلهم والواجب علينا أن ننتحل هذه العقلية كما هي جملةً وبلا تجزئة (ص١٣٣).
ولكن كيف يتيسر لنا ذلك؟ يتيسر لنا بأن نسلك الطرق الثورية الانقلابية. إن الحاجة تدعونا لأن نلغي العقلية الآسيوية وأن نحل محلها العقلية الأوروبية. إننا تواجهنا الآن مصاعب ومشكلات كتلك التي قامت في وجه الثورة الفرنسوية، لهذا وجب علينا أن نستخدم الوسائل الثورية، وليس في الدنيا من ثورة حَبَتْ أعداءها بنعمة الحرية، إنما الحرية الشخصية تكون بيقين حقًّا للجميع بعد أن تضع الثورة أوزارها وتثبِّت أصولها، لهذا لا نستطيع أن نترك بزرة الحركات الرجعية تنمو حبتها في العصر الحاضر، وإلا فإن الثورة لن تنجح (ص١٣٥).
إن الحضارة الأوروبية تقوم على ثلاثة أسس عظمى: الأول حقوق الإنسان، والثاني الثقافة القومية، والثالث الاقتصاد والمالية القومية. ولنبحث كلًّا من هذه الأسس على حدة:- أولًا: حقوق الإنسان: تنحصر في أن كل شخص تابع لرعَوِيَّة الحكومة، يولد ويعيش حرًّا،
وهذا هو المبدأ الجوهري الذي تقوم عليه كل جماعة متحضرة. وهذه الحرية تطبق على كل
المعاهد التي يقوم عليها النظام الاجتماعي فرديًّا وعائليًّا وحكوميًّا:
- (١) الحرية الفردية: تقيد هذه الحرية بكل الأشياء التي لا يجب لشخص أن يستعملها ضد شخص غيره. ولم يبقَ في أوروبا أمة واحدة لم تقبل مبدأ الحرية الفردية محددًا هذا التحديد. ومن غير الحرية الفردية وحرية الضمير وحرية النشر لا يمكن أن تمضي أمة متحضرة في سبيل الارتقاء (ص١٤٠).
- (٢) أما الوجه الثاني من أوجه الحرية الفردية فذو علاقة بالحياة العائلية (ص١٤٥). أما العقلية الأوروبية فقد حلت هذه المشكلة أيضًا، فإن الحياة العائلية في أوروبا إنما تقوم على مبدأ التساوي في الحقوق، لأن الحياة لم تعطِ الرجل حقًّا أكبر، ولم تحرم المرأة حقًّا، مهما كان نوعه، فإن الحياة مرح وسعادة، إذن وجب أن تُعطى المرأة حرية الرجل، والرجل حرية المرأة، وليس على غير هذا الأساس تقوم الحياة العائلية الحرة. وهذه العقلية بالطبيعة ترفض الاعتراف بحق تعدد الزوجات، وتَسَع بالضرورة مبدأ مساواة حقوق المرأة بحقوق الرجل في الاجتماع. (ص١٤٦). المرأة والرجل أحرار فرديًّا، وما الزواج إلا اشتراك يحدث بتوحيد مصالحهما وحقوقهما بمحض الاختيار، والطلاق عبارة عن فسخ هذه الشركة، إذن وجب أن يكون للزوج والزوجة نفس هذه الحقوق المشتركة، والزواج موجَّه بكليته إلى خير الجماعة، ويجب أن يقوم على هذه المبادئ (ص١٨٤).
- (٣) حرية الحكومة: بحكم وجود أكثر من فردين اثنين في هذه الحياة فُرض نظام الحكم، ولهذا لزم أن تقوم الحكومة على صورة تضمن حق كل الناس، ووجب أن يمثَّل في نظاماتها كل شخص من أشخاص الرعية، وهذه هي الديمقراطية، ينبغي للحكومة أن تمثِّل شرائع الأفراد وأن تقوم حفيظة على مصالح الجماعة، وأن مصالح الجماهير لا يجب أن تعبث بمصالح الأفراد، ولا يجب أن تعبث مصالح الأفراد بمصالح الجماهير. وعلى هذا لا ترى حكومة أوروبية تستطيع أن تفكر في أن تعتدي على مصالح الأفراد (ص١٤٩).
- ثانيًا: الثقافة القومية: إننا نعيش اليوم في عصر القومية، ولم نصل بعدُ إلى عصر «الإنسانية». إن الحضارة الأوروبية تستهدي في كل أعمالها وحركاتها بوحي القومية وحدها، إذن يجب علينا أن نسير على نهجها ونعمل عملها. لم تعترف أمة بحق أخرى بعد، ولم تشفق أمة على غيرها، ولم يهُبَّ شعب لنجدة آخر، وما الحروب الطاحنة التي قامت في أوروبا إلا دليل حي على صحة ما نذهب إليه. ولقد حاول البعض أن يفسر موقف أوروبا العدائي إزاءنا بأنه راجع إلى بواعث دينية، وهذا ليس بصحيح، فإن الحضارة الأوروبية ليست بشعوبية مسيحية، ولا هي بجمعية نصرانية، فإن مثل هذه الأساليب التفكيرية قد زالت وانْمحت من الذهنية الأوروبية، وليس أسخف من الحركات التي تقوم مناقضة لهذا المبدأ في تاريخ الدنيا الحديثة. وما جمعية الأمم إلا مثال محزن يؤيد صحة مذهبنا، فإن العقلية الإنسانية لم تقُم بعدُ في ضمائر الشعوب، ولهذا يتعذر علينا أن نعمل مؤتَمَين بموحِيات المنطق الإنساني، ليس لدينا إلا القومية والمنطق القومي وحدهما … وهذا هو نتيجة التناحر على الحياة، وما التناحر إلا أساس الحياة في كل مكان، هذا مبدأ ثابت لا مبدِّل له (ص١٥٥).
- ثالثًا: الاقتصاد القومي (١٦٠–١٧١): إن الاعتراف بحقوق الإنسان قد مهَّد السبيل للحضارة الحديثة، فإن الثقافة القومية قد خلقت في الناس طابَعًا خاصًّا، أما الاقتصاد القومي فقد حفظ ذلك الطابع، وزوَّده بالقوة التي بها يستطيع أن يشغل في نظام هذه الدنيا أعلى مكانة، إذن فسِنادة الحضارة الحديثة في الواقع هو الاقتصاد القومي، وكل الدنيا إنما تعمل اليوم على هذا المبدأ. وهذا نظام لم تتمتع به كل الأمم على السواء، إنه نظام يكاد يكون خاصًّا بأسرة الأمم الأوروبية، وهو في الواقع نتاج للعقلية الأوروبية. (ص١٦١).
إن هذا مبدأ من أقوى المبادئ التي قامت عليها الحضارة الحديثة، وهو مبدأ على أية حال مخالف تمام المخالفة للمبادئ التي قامت عليها حياة الشعوب القديمة. أما إذا كانت الشيوعية قد قامت خلال الزمان الذي ظهر فيه المسيح مثلًا لَكَفَت حاجات الناس لعهده، ولكنها كانت تحفظ على الجماعات طابَعها الفطري الأول على الدوام، فإن المسيحية اتَّبعت مبدأ الإنتاج على قدر الكفاية والكفاف. أما مبادئ الاقتصاد الحديث فمناقضة لهذا المبدأ تمامًا، إنها لا تقوم على قاعدة الإنتاج على قدر الحاجة، بل على مبدأ الاستهلاك بقدر الإنتاج، والفرق بين المبدأيْن شاسع بعيد، إنها تزيد الإنتاج وفي الوقت ذاته تنوِّع فيه (ص١٧٦).
هذا هو نظام الحضارة الأوروبية، وليس من شأننا أن نبحث فيما إذا كانت حضارة بحق أم أنها بربرية ووحشية، كلا، يكفينا أن الحياة الإنسانية تقوم على هذا الوجه في العصر الحاضر. والواجب على تركيا أن تندمج في هذه الأسرة المتحضرة، وأن تقيم حقوقها وثقافتها واقتصادها على أسس أوروبية. إن الحياة منطق صرف، وجهد متواصل، ولكنها بينة الطرق مَمْهُودة السبيل.
- أولًا: حقوق الإنسان: تنحصر في أن كل شخص تابع لرعَوِيَّة الحكومة، يولد ويعيش حرًّا،
وهذا هو المبدأ الجوهري الذي تقوم عليه كل جماعة متحضرة. وهذه الحرية تطبق على كل
المعاهد التي يقوم عليها النظام الاجتماعي فرديًّا وعائليًّا وحكوميًّا:
هذا هو ملخص الكتاب ولُبُّه، نترك الحكم فيه لحرية الباحثين.