مقدمة
مغامرة مثيرة في الرياضيات البحتة، قصة خيالية عن أماكن غريبة تسكنها أشكال هندسية، أشكال تفكر وتتحدث وتملك كل المشاعر الإنسانية. إنها ليست قصة ساذجة من قصص الخيال العلمي، وهدف هذه القصة هو التعليم، وهي مكتوبة ببراعة فنية، فإذا بدأت قراءتها فلن تستطيع الفكاك من أسرها، وإذا كنت لا تزال تتمتع بشباب القلب ولا يزال حيًّا في قلبك الشعور بالدهشة، فسوف تقرأ دون توقف حتى تصل إلى النهاية شاعرًا بالحزن، لكنك لن تستطيع أن تخمن زمن كتابة القصة ولا ملامح شخصية كاتبها.
من المؤكد أن علماء الرياضيات في تلك الأيام السحيقة كانوا يتخيلون فراغات بأي عدد من الأبعاد، وكان علماء الفيزياء أيضًا يعملون في وضع نظرياتهم على أشكال هندسية ذات أبعاد عشوائية، لكن كل هذا كان يتعلق بالنظريات التجريدية، ولم يكن هناك اهتمام شعبي بتفسيرها، بل كان العامة لا يكادون يعلمون بوجودها.
والزمن الطاغية هو صاحب السلطان في الأرض المسطحة كما هو في عالمنا، وتزيد أبعادنا بعدًا واحدًا عن أبعاد الأرض المسطحة في وجود النسبية أو عدمه، فما زلنا نملك ثلاثة أبعاد مكانية في مقابل بعديهم، وسكان الأرض المسطحة مخلوقات مرهفة الحواس، يكدرهم ما يكدرنا، وتتحرك مشاعرهم لما تتحرك له مشاعرنا، قد تكون أجسادهم مسطحة، لكن شخصياتهم متكاملة، إنهم أشباهنا؛ إخوتنا، إننا نمرح معهم في الأرض المسطحة، ثم نفيق فجأة في مرحنا لنجد أننا نعيد النظر إلى عالمنا الذي يسير على وتيرة واحدة، وقد اتسعت أعيننا في دهشة؛ دهشة الشباب.
نستطيع أن نفر من السجن ثنائي الأبعاد في الأرض المسطحة بأن ننتقل لحظة إلى البعد الثالث ثم نعود على الجانب الآخر من سور السجن، وهذا لأنه بعد مكاني، أما بعدنا الرابع — الزمن — فلا يتيح لنا الهرب من السجن ثلاثي الأبعاد، مع أنه بُعد حقيقي، لكنه يسمح لنا بالخروج من السجن، لأننا إذا انتظرنا بصبر مرور الزمن، فستنتهي مدة عقوبتنا، وننال حريتنا، غير أن هذا لا يعد هربًا، فإذا أردنا الهرب، فعلينا أن نسافر عبر الزمن إلى لحظة تكون أبواب السجن عندها مفتوحة على مصراعيها، أو مهدمة، أو لم تبن بعد، وعندئذ — بعد أن نخطو خارج الأبواب — علينا أن نعود أدراجنا عبر الزمن إلى الحاضر، لكننا لا نستطيع — ولا يستطيع سكان الأرض المسطحة — السفر بهذه الطريقة عبر الزمن.
تمر السنوات حافلة بالأحداث، ولا تزال هذه الرواية التي شارفت على السبعين عامًا لم يدركها الهرم بعد، بل ما زالت حية كما كانت دائمًا، تحفة خالدة لا ينضب سحرها تبدو كأنما كتبت لعالم اليوم، إنها — مثل كل فن رفيع — تتحدى الزمن الطاغية.