كيف لجأ الغريب إلى الأفعال بعد أن أعيته الكلمات
لم يُجْد ذلك نفعًا، فقد اندفعتُ نحو الغريب بأشد زواياي القائمة صلابة، واصطدمت به اصطدامًا عنيفًا، ضاغطًا بقوة تكفي لتدمير أي دائرة عادية، ولكنني شعرت به ينزلق ببطء مبتعدًا عني وعجزت عن إيقافه، لم يتحرك جهة اليمين ولا جهة اليسار، ولكنه بطريقة أو بأخرى تحرك خارج العالم، وتلاشى تمامًا، وظللت مع ذلك أسمع صوت هذا الدخيل.
لقد أخبرتك أنني أستطيع أن أرى من موقعي في الفضاء بواطن جميع الأشياء التي ترونها مصمتة، فأنا أرى — على سبيل المثال — في تلك الخزانة التي تقف إلى جوارها عددًا مما تدعونه صناديق (ولكنها كغيرها من الأشياء في الأرض المسطحة ليست لها أسطح علوية أو سفلية)، وهذه الصناديق ملأى بالمال، وأرى سجلين لحسابات مصرفية، وسأهبط الآن إلى داخل هذه الخزانة وأحضر لك أحد هذين السجلين، لقد رأيتك منذ نصف ساعة تغلق الخزانة، وأعلم أن المفتاح بحوزتك، ولكنني أتيت من الفضاء، فالأبواب تظل بالنسبة لي ثابتة في أماكنها، وأنا الآن داخل خزانتك أتناول سجل الحسابات الخاص بك، والآن أصعد به.
هرعت إلى الخزانة وفتحت بابها بعنف، كان أحد السجلين قد اختفى، وبضحكة ساخرة ظهر الغريب في الركن الآخر من الغرفة، وفي نفس الوقت، ظهر السجل على أرضية الغرفة فالتقطته، لم يكن هناك أدنى شك في أنه السجل المفقود.
أصابني الرعب، وظننت أنني قد فقدت عقلي، ولكن الغريب واصل الكلام قائلًا: «عساك تكون قد عرفت الآن أنه لا تفسير لهذه الظواهر سوى ما قلت لك. إن ما تدعونه مجسمات ليس في حقيقة الأمر إلا أشياء مسطحة، وما تدعونه الفضاء ليس إلا مستوى شاسعًا. أنا أحيا في الفضاء، وأتطلع من أعلى إلى بواطن الأشياء التي لا ترون منها إلا حدودها الخارجية، وبوسعك أنت أيضًا أن تغادر هذا المستوى إذا استطعت فقط أن تستجمع إرادتك. إن حركة بسيطة لأعلى أو لأسفل سوف تجعلك ترى كل ما أراه.»
«كلما أخذتُ في الصعود لأعلى وابتعدتُ عن المستوى الذي تعيشون فيه، استطعتُ أن أرى أكثر، ولكنني بطبيعة الحال أرى الأشياء أصغر من حجمها الحقيقي، على سبيل المثال أنا الآن آخذٌ في الصعود، أرى جارك سداسي الأضلاع وعائلته في غرفهم المتعددة، وأرى — على بعد عشرة أبواب — المسرح والمتفرجين وقد خرجوا لتوهم، وأرى على الجانب الآخر أحد الكهنة في غرفة مكتبه يجلس إلى كتبه، والآن أعود إليك، ولكي أعطيك دليلًا دامغًا ما رأْيُك أن ألمسك لمسة طفيفة جدًّا في معدتك؟ إنها لن تسبب لك أذى بالغًا، والألم الطفيف الذي ستشعر به لا يضاهي ما سيعود عليك من نفع عقلي.»
وقبل أن أتفوه بكلمة احتجاج شعرت بألم حاد في أحشائي، وبدا كأن ضحكة شيطانية تنبعث من أعماقي، وبعد وقت قصير سكن الألم المبرح، ولم يخلف وراءه إلا وجعًا خفيفًا. عاود الغريب الظهور، وقال وحجمه آخذ في الازدياد: «ها قد عدت، أرجو ألا أكون قد آلمتك بشدة، إذا لم تكن قد اقتنعت حتى الآن فأنا لا أدري كيف أقنعك، فماذا ترى؟»
كنت قد اتخذت قراري، فأنا لن أتحمل البقاء تحت رحمة الزيارات العشوائية لهذا الساحر الذي يستطيع بحيله أن يتلاعب بمعدتي ذاتها، لو أنني كنت أستطيع أن أدفعه قبالة الجدار وأشل حركته حتى تأتي النجدة!
انقضضت عليه مرة ثانية لأطعنه بزاويتي ودوت في نفس الوقت صرخات استغاثتي لتمزق سكون البيت، وأظن أن الغريب قد هبط لحظة الهجوم عليه أسفل المستوى ثم واجه صعوبة حقيقية في معاودة الصعود، ولكنه على أي حال ظل بلا حراك في حين ضاعفتُ من شدة ضغطي عليه إذ خُيِّل لي أني سمعت صوت اقتراب أحدهم لنجدتي، وواصلت صرخات الاستغاثة.
سرت رجفة في جسد الغريب، وخيل إلى أني سمعته يقول: «هذا لن يكون، إما أن ينصت لصوت العقل أو يكون عليّ أن أستعين بآخر وسائل الحضارة»، ثم رفع صوته وهتف متعجلًا: «أنصت إلى، إن ما رأيته محرَّم على الغرباء، عليك في الحال أن تأمر زوجتك بالعودة من حيث أتت قبل أن تدخل هذه الغرفة، إن عقيدة الأبعاد الثلاثة لا تجوز مخالفتها على هذا النحو، ولا يجوز أن أضحي بثمرة ألف عام من الانتظار بهذه الطريقة، تراجع! تراجع! ابتعد عني وإلا كان عليك أن تذهب معي — من حيث لا تدري — إلى أرض الأبعاد الثلاثة!»
فصرخت: «أيها الأحمق المجنون! أيها المسخ! لن أطلق سراحك أبدًا، سوف تلقى جزاء خداعك.»
دوى صوت الغريب قائلًا: «هل وصل الأمر إلى هذا الحد؟ فلتلق إذن جزاء ما فعلت: سأنتزعك من عالمك. واحد، اثنان، ثلاثة! قضي الأمر!»