كيف حاولت أن أعلم حفيدي نظرية الأبعاد الثلاثة، وإلى أي مدى نجحت في ذلك
استيقظت من نومي مبتهجًا، وأخذت أفكر في المستقبل المبهر الذي ينتظرني، وخطر ببالي أن أمضي على الفور وأبشر في جميع أرجاء الأرض المسطحة، وهذا التبشير بعقيدة الأبعاد الثلاثة يجب أن يشمل الجميع حتى الجنود والنساء، وكنت على وشك أن أبدأ بزوجتي.
وما إن توصلت إلى قرار بشأن خطة العمل، حتى سمعت أصواتًا في الطريق تأمر بالصمت، ثم أعقبها صوت مدوٍ. كان صوت المنادي يخطب في الناس، وإذ أصخت السمع استطعت أن أتبين فيما يقول كلمات قرار مجلس الكهنة الذي يقضي باعتقال وسَجن أو إعدام كل من يضلل عقول الناس بالباطل ويزعم أنه قد تلقى وحيًا من عالم آخر.
تدبرتُ الأمر، كان هذا خطرًا لا يستهان به، ورأيت الأفضل أن أتجنبه بألا أتعرض لذكر ما جاءني من وحي، وأن ألتزم بطريقة الشرح العملي التي تبدو في النهاية وسيلة سهلة ناجحة، ولن أخسر شيئًا بالتخلي عن الوسائل السابقة. كانت عبارة «لأعلى، لا جهة الشمال» هي مفتاح البرهان كله، وكانت تبدو لي واضحة تمامًا قبل أن أخلد إلى النوم، وعندما استيقظت من النوم كانت الرؤيا لم تزل ماثلة في ذهني، وكانت العبارة واضحة لي كمبادئ الحساب، ولكنها — بطريقة ما — لم تعد تبدو بذلك الوضوح، وفي هذه اللحظة تمامًا دخلت زوجتي الغرفة، في الوقت المناسب، ولكنني قررت — بعد أن تبادلنا بضع كلمات في محادثة عادية — ألا أبدأ بها.
ولكن كان عليَّ — بادئ ذي بدء — أن أشبع فضول زوجتي بطريقة أو بأخرى، فقد كانت بطبيعة الحال ترغب في أن تعرف شيئًا عن الأسباب التي جعلت الضيف الغامض يطلب هذا اللقاء السري، وعن الطريقة التي دخل بها إلى البيت. ودون الدخول في تفاصيل القصة المعقدة التي قصصتها عليها — ويؤسفني أن أقول إنها قصة لا تتفق مع الحقيقة على النحو الذي يرضى عنه قرائي في سبيسلاند — فإنني أستطيع أن أقول راضيًا إنني نجحت في النهاية في إقناعها بالعودة في هدوء إلى واجباتها المنزلية، دون أن تفلت مني أي كلمة تشير إلى عالم الأبعاد الثلاثة. وبعد ذلك أرسلت على الفور في طلب حفيدي، لأنني — اعترافًا بالحق — شعرت أن كل ما رأيته وسمعته يتبخر من عقلي بطريقة غريبة، كأنه صورة ضبابية من حلم داعب مخيلتي، وكنت أتوق إلى اختبار مهارتي في أن أكسب إلى صفي أول المريدين.
وعندما جاء حفيدي أغلقت باب الغرفة بإحكام، ثم جلست إلى جواره وتناولت دفاتر الرياضيات، أو الخطوط كما تسمونها، وأخبرته أننا سنستأنف درس الأمس، شرحت له من جديد كيف تتحرك النقطة في بعد واحد لتصنع خطًّا مستقيمًا، وكيف يتحرك الخط المستقيم في بعدين ليصنع مربعًا، ثم اصطنعت الضحك وقلت: «والآن أيها الشيطان الصغير، لقد زعمتَ أن المربع قد يتحرك بطريقة ما «لأعلى، لا جهة الشمال» ليصنع شكلًا هندسيًّا آخر — نوعًا من المربعات العليا — في أبعاد ثلاثة، أعد علي ثانية ما قلتَ أيها العفريت الصغير.»
عندئذ سمعنا صيحة المنادي تتردد من جديد في الطريق «اسمعوا وعوا»، وكان يذيع على الناس قرار المجلس، وتلقى حفيدي هذا الموقف بسرعة بديهة لم أكن مهيأً لها، فقد كان — على صغر سنه — حاد الذكاء، وكان قد نشأ على التقديس الكامل لسلطة الكهنة، ظل الصغير صامتًا حتى خفت صوت آخر كلمات القرار، ثم انفجر في البكاء وقال: «أيا جدي الحبيب، لقد كنت أمزح ليس إلا، ولم أكن أقصد أي شيء على الإطلاق، ولم نكن نعرف وقتها أي شيء عن القانون الجديد، وأظن أنني لم أذكر أي شيء عن البعد الثالث، وأنا على يقين أنني لم أنطق بكلمة واحدة عن «لأعلى، لا جهة الشمال»، فأنت تعلم أن هذا محض هراء، كيف يتحرك جسم ما لأعلى دون أن يتحرك جهة الشمال؟ لأعلى، لا جهة الشمال! لو أنني لم أزل بعدُ رضيعًا لما كنت بهذا الغباء، يا للسخف!!» ثم استغرق في الضحك.
فقلت محنقًا: «ليس سخفًا على الإطلاق، خذ هذا المربع على سبيل المثال»، والتقطتُ مربعًا متحركًا كان في متناول يدي، وواصلت الكلام قائلًا: «وها أنا أحركه كما ترى، ليس جهة الشمال ولكن … أجل، أحركه لأعلى … ويعني ذلك جهة الشمال، ولكنني أحركه في اتجاه ما … ليس على هذا النحو بالتحديد، ولكن بطريقة ما …» وعند ذلك أنهيت كلامي نهاية بلا معنى إذ أخذت أحرك المربع حركة عشوائية بلا هدف، فانفجر الصغير ضاحكًا بصوت عال، وقال إنني لا أعلمه وإنما أمازحه، ثم فتح الباب وركض خارج الغرفة، وبذلك انتهت أولى محاولاتي لإقناع تلميذ بعقيدة الأبعاد الثلاثة.