مطاردة السيد أزرق
في عصر أحد الأيام المشمسة، وعبر مهرجان استعراضي على شاطئ البحر، سار رجل يحمل اسمًا يبعث على الكآبة يدعى ماجلتون، وقد بدت عليه علامات تجهُّم وعبوس ملائمة لاسمه. كان وجهه متجهِّمًا من القلق حتى بدا كحَدْوة حِصَان، وكانت مجموعات وصفوف الفنانين الترفيهيين العديدة المنتشرة على طول الشاطئ بالأسفل ينظرون إليه عبثًا طلبًا لتصفيقه. كان المهرِّجون ينظرون إليه بوجوههم البيضاء الشاحبة كضوء القمر — وكأنها بطون أسماك بيضاء ميتة — من دون أن يتمكَّنوا من تحسين حالته المزاجية؛ وكذلك الزنوج، بوجوههم الرمادية اللون بفعل طلائها بنوع من سُخام داكن، فشلوا كرفقائهم المهرجين في شغل خياله بأشياء أكثر بهجة. كان الرجل يشعر بالحزن والإحباط. كانت ملامحه الأخرى، إلى جانب جبينه الأصلع المتغضن، منكمشة وغائرة؛ وكان في هذه الملامح قدرٌ من الرقة تسبَّب في إضفاء مزيد من التناقض على ذلك الشيء الغليظ الذي كان يزين وجهه؛ ذلك الشيء هو شاربه العسكري الرائع والمنتفش، والذي بدا بصورة مثيرة للرِّيبَة كأنه شاربٌ مزيف. قد يكون ذلك الشارب مزيَّفًا بالفعل؛ وحتى لو لم يكن مزيفًا، فقد يكون، من ناحية أخرى، اضطراريًّا. فربما أطلق شاربه على عُجَالة، بمحض إرادته، وربما كان إلى حد كبير جزءًا من وظيفته التي يعمل بها، وليس جزءًا من شخصيته.
فالحقيقة هي أن السيد ماجلتون كان يعمل محققًا خاصًّا على نطاق محدود، وقد ارتسمت سحائب الحزن على وجهه بفعل خطأ كبير وقع في حياته المِهْنية؛ وعلى كل حالٍ كان شعوره يرتبط بشيءٍ أكثر سوداويةً من مجرد امتلاكه لاسمٍ يبعث على الكآبة. ربما كان — لسببٍ مبهمٍ — يشعر بالفخر تجاه اسمه؛ إذ إنه سليل عائلة فقيرة لكنها بروتستانتية انفصالية محترمة تدَّعي أن لها صلةً بمؤسس طائفة الماجلتونيين؛ وربما هو الرجل الوحيد حتى الآن الذي واتَتْه الشجاعة الكافية ليظهر بهذا الاسم في تاريخ البشرية.
كان السبب الأكثر مشروعية لشعوره بالانزعاج (كما أوضحه هو على الأقل) هو أنه شهد لتوه جريمة قتل دموية لمليونير شهير، وفَشِل في أن يحول دون وقوعها، على الرغم من أنه استعان به مقابل خمسة جنيهات أسبوعيًّا ليحُولَ دون وقوع هذه الجريمة؛ ومِن ثَمَّ يمكننا تفسير حقيقة أن حتى الغناء الخفيف لبعض الأغاني المبهجة على الشاطئ قد أخفق في أن يملأه ببهجة الحياة.
ولذلك، كان ثمة آخرون على الشاطئ ممن قد يُبدون تعاطفًا أكبر مع قصته الدموية ومع تقاليد الماجلتونيين. كانت المنتجعات الساحلية هي الملاعب المختارة، ليس فقط للمهرِّجين الذين يسترعون الانفعالات العاطفية، ولكن أيضًا للواعظين الذين يبدو أنهم يتخصَّصون عادةً في أسلوبٍ من الوعظ يتميز بالكآبة والعدوانية. كان هناك عجوزٌ مزعج صخاب، لم يستطع أن يتجاهله؛ إذ كانت صيحاته تخترق الآذان، فضلًا عن صرخاته الناطقة بنبوءةٍ دينية طغَت على أصوات آلات البانجو والصنوج. كان المبشر عجوزًا طويلًا مهلهل الثياب ويرتدي شيئًا كقميص صوفي لصياد، لكن له سالفتين طويلتين غير ملائمتين لم يُرَ مثيل لهما منذ اختفاء التأنُّق في الثياب والمظهر الذي ساد في أواسط العصر الفيكتوري. وكما هي عادة جميع الدجالين على الشاطئ في عرض شيءٍ ما أمامهم — كما لو كانوا يبيعونه — كان الرجل العجوز يعرض شبكة صياد متآكلة ويبسطها على الرمال على نحو جاذب كأنها سجادة ملكية، لكنه يلفها بين الحين والآخر حول رأسه بطريقة عنيفة وإيماءة استثنائية كأنه أحد المجالدين الرومان المتسلِّحين برمحٍ وشبكة وعلى استعداد لوضع الناس على أسنان الرمح الثلاثي. وربما كان ليُقدم على ذلك بالفعل لو أنه يمتلك واحدًا. كانت كلماته تشير دومًا نحو العقاب؛ إذ لم يسمع المنصتون إليه شيئًا سوى تهديداتٍ بعقوبات تنزل بالجسد أو الروح، وقد انتابتْه الحالة المزاجية نفسها للسيد ماجلتون لدرجة أنه كان قريب الشبه بجلاد مجنون يخاطب حشدًا من القتلة. وقد أطلق عليه الصِّبْية اسم بريمستون العجوز، لكنه كان يتَّصف بصفات أخرى غريبة الأطوار بجانب تلك الصفات اللاهوتية البحتة. كان من بين هذه السمات الغريبة التسلُّق لدخول شبكة العوارض الحديدية تحت الجسر وإلقاء شبكته في الماء، ليعلن للجميع أنه يكسب قوته بالصيد، رغم أن رؤية أحدهم له وهو يصطاد سمكة أمرٌ مشكوك فيه. لكن السائحين الدنيويين كانوا في بعض الأحيان ينخلعون من مكانهم لدى سماعهم لصوت يهدِّدهم بالعقاب كأنه آتٍ من سحابة رعدية في السماء، إلا أن الصوت في الواقع كان يأتي من مَرْبِض ذلك العجوز المهووس تحت السطح الحديدي حيث كان يجلس وهو يشعُّ غضبًا، بينما تتدلَّى من جانبَيْ رأسه تلك السوالف المدهشة كأنها أعشاب بحرية رمادية.
كان بإمكان المحقق، على الرغم من ذلك، أن يتحمل بريمستون العجوز أكثر بكثير من تحمُّله للقَسِّ الذي كان من المقرر أن يلتقيَه. ولكي نفسِّر هذا اللقاء الثانيَ الأكثر أهمية، ينبغي أن نشير إلى أن ماجلتون كان قد أظهر أوراقَه كلَّها على الطاولة بعد تَجرِبته الفريدة في أمر مقتل المليونير؛ فقد أفضى بقصته إلى الشرطة والممثل المتاح الوحيد للسيد براهام بروس المليونير القتيل؛ أي سكرتيره الأنيق السيد أنطوني تايلور. كان مفتش الشرطة أكثر تعاطفًا معه من السكرتير، لكن نتيجة تعاطفه هذا كانت بطبيعة الحال آخر شيء يمكن لماجلتون أن يربطه بنصيحة شرطية؛ فقد أثار المفتش، بعد قدر من التفكير والتدبر، دهشة السيد ماجلتون كثيرًا حين نصحه بالتشاور مع شخص ماهر كان يعرف أنه يمكث في المدينة. وقد قرأ السيد ماجلتون تقارير وقصصًا عن خبير علم الجرائم العظيم، الذي يجلس في مكتبته كأنه عنكبوت مثقف، فيغزل خيوطًا نظرية من شبكة كبيرة بحجم العالم. وكان ماجلتون مستعدًّا للذهابِ إلى القصر المنعزل حيث يرتدي ذلك الخبير رداءً أرجواني اللون، والصعودِ إلى أعلى غرفة في القصر حيث يعيش الرجل على تعاطي الأفيون ودراسة علم الأكروستكس، أو الذهابِ إلى معمله أو برجه المنعزل، لكن ما أصابه بالدهشة أنه قد اقتيد إلى حافة الشاطئ المزدحم بجوار الرصيف البحري، ليجد نفسه يلتقي قَسًّا ضئيل الحجم قصيرًا وبدينًا، يرتدي قبعةً عريضةً وعلى وجهه ترتسم ابتسامة أكثر اتساعًا، وكان في تلك اللحظة يتقافز على الرمال مع مجموعة من الأطفال المساكين، ويلوِّح في حماس بمجرفة خشبية صغيرة للغاية.
حين انفصل القَسُّ خبير علم الجرائم — الذي اتَّضح أنه يحمل اسم براون — أخيرًا عن الأطفال — رغم أنه لم ينفصل عن المجرفة التي في يده — بدا لماجلتون غير مقنع أكثر وأكثر؛ فقد أخذ القَسُّ يتجول بدون توقف بين العروض الجانبية السخيفة، ويتحدث في موضوعات عشوائية ويمارس الألعاب على الماكينات الآلية الموجودة في هذه الأماكن؛ فكان يُنفق القرش تلو الآخر على ألعاب الجولف وكرة القدم والكريكيت الآلية التي تُدار عن طريق دُمًى تعمل بمحركات زنبركية؛ وفي النهاية اكتفى بممارسة لعبة السباق المصغر، حيث تقفز دمية حديدية وتجري خلف دمية أخرى، لكنه كان يستمع بإنصاتٍ شديدٍ إلى القصة التي رواها المحقِّق المهزوم على مسامعه. أما ما أثار أعصاب المحقق بحق، فهو قدرة القس على إخفاء ما تفعل يمينه بالقروش عن شماله.
قال ماجلتون في نبرة تنمُّ عن نفاد صبره: «ألَا يمكننا أن نذهب ونجلس في مكان ما. لديَّ خطاب ينبغي لك أن تراه، إذا أردت أن تعرف أي شيء عن هذه القضية.»
استدار الأب براون عن الدمى المتقافزة وأطلق تنهيدة، وذهب ليجلس مع رفيقه على مقعد حديدي مثبَّت على الشاطئ؛ حيث فتح رفيقه الخطاب وسلَّمه إياه في صمت.
وجد الأب براون الخطاب غريبًا وغير مترابط. كان يعلم أن أصحاب الملايين لا يركِّزون دومًا على الأخلاق وآداب السلوك، خصوصًا حين يتعاملون مع التابعين لهم مثل المحققين، لكن كان يبدو أن ثمة شيئًا في الخطاب يتخطَّى مجرد الأسلوب الفظِّ.
عزيزي ماجلتون
لم أعتقد قطُّ أنني سأحتاج في وقتٍ ما إلى مساعدة من هذا النوع؛ لكنني جادٌّ في المضي قُدمًا في هذا الأمر. لقد زاد الأمر عن حد الاحتمال في غضون العامين السابقين. أعتقد أن كل ما أنت في حاجة إلى معرفته عن هذه القصة هو أنه يوجد وغد قذر هو أحد أقاربي، ويُخجلني قول هذا. إنه يعمل مرابحًا وأفَّاقًا وطبيبًا دجَّالًا وممثلًا وكل ما شابه ذلك، بل إنه تجرَّأ واستخدم اسم العائلة في تمثيله وادَّعى أن اسمه برتراند بروس. أعتقد أنه يعمل في وظيفة هنا في المسرح، أو أنه يبحث عن واحدة، لكن يمكنك أن تثق في كلامي حين أخبرك أن هذه الوظيفة ليست وظيفته الحقيقية. إن شغله الشاغل هو تعقُّبي والتخلص مني إلى الأبد إذا استطاع. إنها قصة قديمة وليس لأحد دخل بها؛ فقد كنَّا فيما مضى نتنافس نُدين وكنَّا نتسابق لتحقيق طموحاتنا، وفيما يطلقون عليه الحب أيضًا، ولكن أهو ذنبي أنه شخص بغيض وأنني ناجح فيما أقوم به؟ لكن ذلك الشيطان القذر يُقسم إنه سيحقق النجاح في النهاية؛ وإنه سيطلق النار عليَّ وسيهرب ﺑ… لا عليك. أعتقد أنه مجنون، لكنه في القريب العاجل سيحاول أن يصبح قاتلًا أيضًا. سأعطيك خمسة جنيهات في الأسبوع إذا قابلتني في البيت الخشبي عند نهاية الرصيف البحري بعد إقفال الرصيف الليلة، وإذا ما قبلت بوظيفتي. هذا هو المكان الآمن الوحيد الذي يمكننا أن نلتقي به، هذا إذا تبقَّى شيء آمن في هذه الأثناء.
قال الأب براون بنبرة معتدلة: «اعذرني. إنه خطاب مكتوب على عجل نوعًا ما.»
أومأ ماجلتون برأسه إيجابًا؛ وبعد أن صمت برهة بدأ يروي قصته بكلمات لبقة بصورة غريبة تتناقض مع مظهره الأخرق. كان القس يعلم تمامًا هوايات الثقافة المستترة لدى الكثير من رجال الطبقة الدنيا والوسطى الكثيري الأخطاء، لكنه رغم ذلك اندهش من اختياره الممتاز للكلمات الدقيقة؛ إذ تحدث الرجل بلغة، كأنها لغة كتاب مقروء.
«وصلت إلى البيت المستدير الصغير في نهاية الرصيف قبل ظهور أي علامة تدل على وصول عميلي المميَّز. ففتحت الباب ودخلت، وأنا أعرف أنه كان سيرغب في أن أكون أنا — وكذلك هو — غير لافتين للأنظار قدر الإمكان. ولم يكن ذلك بالأمر المهم؛ إذ كان الرصيف طويلًا للغاية بحيث لا يمكن لأحد ممن هم على الشاطئ أو في المهرجان أن يرانا، وحين رمقت الساعة بعيني، رأيت أن مدخل الرصيف في ذلك الوقت كان قد أُغلق بالفعل. كان في حرص الرجل على أن نصبح وحدنا في ذلك اللقاء هكذا إرضاءٌ لغروري إلى حد ما؛ إذ إنه بذلك يظهر أنه يعتمد على مساعدتي أو حمايتي له. على كل حالٍ، كانت فكرته هي أن نلتقي على الرصيف البحري بعد وقت إغلاقه؛ لذا لبَّيت له طلبه قدر استطاعتي. كان هناك كرسيان داخل ذلك الكوخ المستدير الصغير، أو أيًّا كان ما تطلقون عليه؛ فجلست على أحدهما ببساطة وانتظرت. ولم يكن عليَّ الانتظار طويلًا؛ فقد كان الرجل مشهورًا بدقة مواعيده، وكما هو متوقع، وبينما رفعت نظري إلى تلك النافذة الصغيرة الوحيدة المواجهة لي رأيته وهو يمر ببطء، كما لو كان يقوم بجولة تمهيدية حول المكان.
كنت قد رأيت بعض الصور لوجهه فقط، وهذا منذ زمن بعيد؛ ومن الطبيعي أن يبدو أكبر سنًّا مما كان عليه في الصور، لكن لم يكن ثمة خطأ في الشبه. كان المظهر الجانبي للشخص الذي مرَّ أمام النافذة شبيهًا بالنسر، كأن له منقار نسر، لكنه يوحي بنسر وقور عجوز؛ نسر في حالة سكينة، نسر طوى جناحيه منذ زمن طويل، لكن لم يكن هناك خلط أو خطأ في مظهره السلطوي، أو كبريائه الصامتة أثناء إعطائه الأوامر، وهي أشياء تصاحب دومًا الرجال مثاله الذين يديرون أنظمة كبيرة ويتمتعون بطاعة مَن حولهم. ومما أمكنني رؤيته، كان الرجل يرتدي ملابس هادئة ليس بها أي بهرجة، خصوصًا مقارنة مع حشود السياح على الشاطئ، وقد رأيت منهم الكثير في ذلك اليوم، لكنني رأيت أن معطفه كان راقيًا بصورة زائدة إذ كان مصمَّمًا ليتبع خطوط جسمه، وبه شريط من فرو الحُمْلان الصغيرة يظهر على طية صدر السترة. رأيت كل هذا بالطبع في نظرة واحدة، وبعدها نهضت على قدميَّ وتوجهت نحو الباب. ثم مددت يديَّ وتلقيت المفاجأة الأولى لي في ذلك المساء المريع؛ إذ كان الباب موصدًا بعد أن حبسني أحدهم في الداخل.
وقفتُ مذهولًا للحظة، وكنت ما زلتُ أحدق في النافذة المستديرة، التي مر المظهر الجانبي للرجل من أمامها؛ ثم رأيت تفسير ما حدث فجأة؛ فقد رأيت المظهر الجانبي لرجل آخر يشبه كلاب الصيد، وقد ظهر في مجال الرؤية كما لو كان صورة في مرآة مستديرة. فعرفت من هو هذا الشخص في اللحظة التي رأيته فيها. كان هو المنتقم؛ القاتل، أو القاتل المنتظر، الذي تتبَّع المليونير العجوز لوقت طويل في البر والبحر، كما تبعه الآن إلى هذا الطريق المسدود عند الرصيف الحديدي الذي يربط بين البحر والبر. وعرفت بالطبع أن القاتل هو من أوصد الباب.
كان الرجل الذي رأيته أولًا طويلًا، لكن الرجل الثاني الذي يطارده كان أطول منه؛ وهو شيء لم تخِفَّ حدته إلا بأن الرجل الثاني يملك كتفين مرتفعتَين للغاية ومحدَّبتَين، وكان عنقه ورأسه مدفوعين للأمام فبدا شبيهًا بكلب الصيد والمطاردة. وقد منحه أثر تلك التركيبة مظهرًا بدا فيه كأنه عملاق أحدب الظهر، لكن كان ثمة شيء من صلة دم بين ذلك المتوحش وقريبه المشهور؛ إذ بدا ذلك على مظهرَيهما الجانبيَّين بينما كانا يمران أمام زجاج النافذة المستدير. فكان المطارِد يمتلك أيضًا أنفًا يشبه منقار طائر؛ رغم أن مظهره العام من الانحطاط والتردي كان يشير إلى أنه أقرب الشبه إلى العقاب الأجلح منه إلى النسر. لم يكن الرجل حليق الذقن لدرجة الالتحاء، وازداد التحدُّب في كتفَيه بفعل لفائف من وشاح مصنوع من الصوف الخشن. كل هذه مجرد أشياء تافهة، ولا يمكن أن تقدم أيَّ انطباع عن الطاقة الكريهة لهذا الرجل، أو عن الإحساس بالانتقام المشئوم في ذلك الرجل الأحدب الذي يجول في المكان. أرأيت من قبل تصميم ويليام بليك، الذي يطلق عليه باستخفاف في بعض الأحيان «شبح برغوث»، أو الذي يطلق عليه أيضًا بوضوح أكبر في التعبير «رؤيا إثم الدم» أو شيئًا من هذا القبيل؟ هذا النوع من الكوابيس الذي يعبر عن ذلك العملاق الخفي، بكتفَيه المرتفعتَين بينما يحمل سكينًا وإناءً. لم يكن هذا الرجل يحمل أيًّا منهما، إلا أنني رأيته يُخرِج مسدسًا من لفائف وشاحه في المرة الثانية التي مرَّ فيها من أمام النافذة وكان يمسكه بإحكام واتزان. كانت عيناه تتحركان وتلمعان تحت ضوء القمر بطريقة مخيفة للغاية؛ إذ تنظران للأمام والخلف كأنهما ضربات من البرق؛ فكان يبدو كأن بإمكانه أن يطلقهما من محجرَيهما كأنهما قرون مضيئة، تمامًا كما تفعل بعض الزواحف.
مر المطارِد والطريدة ثلاث مرات تباعًا خارج النافذة، وهما يدوران في دائرتهما الصغيرة، وذلك قبل أن أعي تمام الوعي الحاجة إلى القيام بشيء ما حيال ما يحدث، مهما كان جدواه. حاولت أن أفتح الباب بعنف؛ وحين رأيت بعد ذلك وجه الضحية غير الواعي رحت أضرب النافذة بغضب، ثم حاولت أن أكسرها، لكنها مصنوعة من زجاج مزدوج وعلى درجة عالية من الكثافة، كما كانت الفرجة بين الزجاجين عميقة للغاية فشككت في قدرتي على الوصول إلى النافذة الخارجية أصلًا. على كل حالٍ، لم يلحظ عميلي المبجَّل الضوضاء التي أحدثتها في الداخل ولم يلحظ إشاراتي، وراح الظلَّان الصامتان لقناعي الموت هذين يدوران حولي باستمرار، حتى شعرت بالدوار تقريبًا كما شعرت بالغثيان. ثم توقفا عن الظهور فجأة. فانتظرت؛ وعلمت أنهما لن يظهرا مرة أخرى. علمت أن الكارثة قد وقعت.
لستَ في حاجة إلى أن أخبرك بالمزيد، يمكنك أن تتخيل تقريبًا بقية ما حدث، حتى وأنا جالس هناك عاجزًا، أحاول أن أتخيل ما حدث، أو ألَّا أتخيله. يكفي القول إنه خلال ذلك الصمت المريع حين اختفت وتلاشت جميع أصوات وقع الأقدام، لم يكن هناك سوى صوتَين آخرين غير صوت تلاطم ماء البحر مع الصخور؛ كان الصوت الأول هو صوت طلقة مدوية؛ والثاني هو صوت ارتطام جسم بالماء، وكان الأخير أوهن من الأول.
قُتل عميلي على بُعد بضع خطوات مني، ولم أستطع أن أحرك ساكنًا. لن أزعجك بما انتابني من مشاعر حيال ذلك، لكن حتى لو استطعت أن أتخطى جريمة القتل، فما زلت أواجه غموض اللغز.»
قال الأب براون بنبرة لطيفة للغاية: «أجل، أي لغز؟»
أجابه الآخر: «لغز هروب الرجل الآخر. ففي اللحظة التي دخل فيها الناس إلى الرصيف في الصباح التالي، كنت أنا قد تحرَّرت من سجني وأسرعت نحو بوابات الدخول، لأسأل عن الذين غادروا الرصيف منذ فُتحت البوابات. وبدون أن أزعجك بالتفاصيل، أقول لك إن الأبواب كانت أبوابًا حديدية كبيرة للغاية على نسق غير عادي، ويمكن لها أن تمنع أي شخص من الخروج (أو الدخول) إلا حين تُفتح. لم يرَ المسئولون هناك أحدًا يشبه ولو من بعيد ذلك القاتل وهو يعود أدراجه في هذا الاتجاه. كان القاتل رجلًا بارز الهيئة والملامح. وحتى إذا كان قد تنكَّر بطريقة ما، فلا يمكن له أن يُخفي طوله الفارع أو أن يتخلص من ذلك الأنف البارز المتوارث في عائلته. ومن غير المرجح إلى أبعد حدٍّ أنه قد حاول السباحة إلى الشاطئ؛ لأن البحر كان هائجًا للغاية، وبالتأكيد لا يوجد أي أثر لهبوطه على اليابسة. كما أنه — بطريقة ما — بعد رؤية وجه هذا الشيطان ولو مرة واحدة — فضلًا عن ست مرات — أجد شيئًا يمنحني قناعة تامة بأنه لم يُغرق نفسه في لحظة انتصاره.»
أجابه الأب براون: «أفهم تمامًا ما تعنيه بكلامك هذا. أضف إلى ذلك أن هذا سيكون غير متسق مع نبرته في خطاب تهديده الأصلي، الذي وعد فيه نفسه بالاستفادة من كل شيء بعد ارتكابه الجريمة … قد تكون هناك نقطة أخرى من الأفضل أن نتأكد من صحتها. ماذا عن بنية الرصيف من أسفله؟ عادة ما تبنى الأرصفة بشبكة كبيرة من الدعامات الحديدية، يمكن لرجل أن يتسلق متنقلًا بها كما يتنقل القرد بين أشجار الغابة.»
أجابه المحقق الخاص الآخر: «أجل، لقد فكرت في ذلك، لكن لسوء الحظ هذا الرصيف مشيد بنمط غريب من نواحٍ عدة. إنه طويل بصورةٍ غير معهودة، وتوجد أعمدةٌ حديدية متشابكة مع عوارض حديدية أخرى، لكن هذه الأعمدة والعوارض بعيدة للغاية عن بعضها، ولا أرى أي طريقة يمكن بها لرجل أن يتنقل من واحدة إلى الأخرى.»
قال الأب براون وهو غارق في التفكير: «لقد ذكرت ذلك لأن هذا الرجل الغريب ذا السوالف الطويلة، هذا العجوز الذي يعظ الناس على الشاطئ، عادةً ما يتسلق هذه الأعمدة إلى أقرب عارضة. وأظن أنه يجلس هناك ليصطاد حين يكون المد مرتفعًا، ويا له من رجل غريب لكي يجلس ويصطاد.»
«ماذا تقصد؟»
قال الأب براون بنبرة بطيئة، بينما عبث بزر في ملابسه وهو يحدق في الفراغ باتجاه المياه الخضراء الشاسعة اللامعة تحت آخر ضوء من أضواء المساء بعد المغيب: «في الواقع … لقد حاولت أن أتحدث إليه بطريقة ودودة؛ طريقة ودودة وليست مرحة كثيرًا — إذا كنت تفهم قصدي — عن جمعه بين حرفتي الصيد والوعظ القديمتين، وأعتقد أنني أوضحت له المرجع الذي أتحدث عنه؛ ذلك النص الذي يشير إلى صيد الأرواح الحية. وما كان منه إلا أن قال بنبرة غريبة وحادة للغاية وهو يقفز عائدًا إلى موضعه على العمود الحديدي: «حسنًا، على الأقل أصطاد جثث الموتى».»
صاح المحقق وهو يحدق إليه: «يا إلهي!»
قال القس: «أجل، بدت لي ملاحظة غريبة ليبديها الرجل أثناء حديثه إلى غريب يلعب مع الأطفال على الرمال.»
بعد أن سادت لحظة صمت أخرى حدق خلالها المحقق في الأب براون، صاح الأول قائلًا: «أنت لا تقصد أنك تعتقد أنه ليس له علاقة بجريمة القتل.»
أجابه الأب براون: «أعتقد أنه قد يسلط بعض الضوء عليها.»
قال المحقق: «في الواقع، لا يمكنني ذلك في الوقت الحالي. لا يمكنني أن أصدق أن أحدًا قد يسلط الضوء على ما حدث. الأمر أشبه بسيل من الماء الهائج في ظلام دامس؛ كالذي … كالذي سقط فيه الرجل. الأمر غير منطقي تمامًا بكل بساطة؛ أن يختفي شخص كبير الحجم كهذا كأنه فقاعة انفجرت في الهواء؛ لا يمكن لأحد أن … اسمع!» ثم توقف المحقق فجأة عن حديثه وحدق إلى القَسِّ الذي لم يتحرك من مكانه لكنه كان لا يزال يعبث بالزر ويحدق في الأمواج المتكسرة ثم استطرد: «ماذا تقصد؟ لماذا تبدو هكذا؟ أنت لا تقصد أن تقول إنك … إنك تفهم أي شيء من ذلك؟»
قال الأب براون بنبرة خفيضة: «سيكون من الأفضل كثيرًا أن يظل الأمر غير مفهوم. حسنًا، إذا كان سؤالك مباشرًا، فأجل، أعتقد أنني أستطيع أن أفهم شيئًا من ذلك.»
ساد صمت طويل، ثم قال المحقق فجأة بنبرة مباغتة غريبة نوعًا ما: «أوه، ها قد أتى سكرتير القتيل من الفندق. لا بد أن أنصرف. أعتقد أنني سأذهب وأتحدث مع ذلك الصياد المجنون الذي ذكرته.»
سأله القس مبتسمًا: «أتعتقد أن هناك ارتباطًا بين هذا وذاك؟»
قال الآخر بصدق متشنج: «في الواقع، السكرتير لا يحبني، ولا أعتقد أنني أحبه. كان يتجول طارحًا الكثير من الأسئلة التي لم تؤدِّ بنا إلى أي تقدُّم، بل قادتْنا إلى شجار. ربما كان يشعر بالغيرة لأن القتيل استدعى شخصًا آخر، ولم يقتنع بنصيحة سكرتيره الأنيق. أراك لاحقًا.»
واستدار ثم سار بصعوبة على الرمال نحو المكان الذي تسلق فيه الواعظ الغريب وَكْره البحري؛ ونظر إلى الغسق الأخضر كأنه بوليب كبير أو قنديل بحر لاسع يجرجر خيوطه السامة في البحر الفوسفوري.
في تلك الأثناء، كان القَس يشاهد في هدوء تقدُّم السكرتير الهادئ نحوه؛ كان بارزًا ومميزًا حتى من بعيد وسط ذلك الحشد الكبير بوقار وأناقة قبعته العالية ومعطفه الطويل. شعر الأب براون بشعورٍ غامضٍ من التعاطف غير العقلاني مع أحكام المحقِّق المسبقة دون أن يميل إلى المشاركة في أي عداوة بينه وبين السكرتير. كان السيد أنطوني تايلور السكرتير شابًّا يتمتع بقبول شديد في ملامحه وفي ملبسه أيضًا؛ وكانت الملامح تنمُّ عن صلابةٍ وعقلانية، كما كانَت حسنة أيضًا. كان شاحب البشرة وله شعر داكن منسدل على جانبَيْ رأسه كأنه يشير إلى سالفتَيْن محتملتَيْن؛ وكان يزمُّ شفتَيه معًا بصورة أكثر إحكامًا من معظم الناس. كان الشيء الوحيد الذي استطاع خيال الأب براون أن يخبر به نفسه لتفسير ذلك غريبًا أكثر مما يبدو. فقد تراءى للأب براون أن السكرتير الشاب يتحدث من منخاريه. على كل حال، كان زمُّ الشاب الشديد لشفتَيه سببًا في إظهار شيءٍ حساسٍ ومرنٍ على نحوٍ غير طبيعي في تلك الحركات الظاهرة على جانبَيْ أنفه، فبدا كأنه يتواصل في الحياة ويمارسها بالشم والخَنْخَنة، بينما يرفع رأسه للأعلى مثل الكلاب. وكان حين يتحدث، كان يتحدث بسرعة كبيرة مفاجئة كأنه بندقية جاتلينج، والتي كان لها صوت قبيح للغاية مقارنة بشكلها الانسيابي اللامع، وهو ما جاء متلائمًا بطريقةٍ ما مع ملامحِه الأخرى، بدا وَقْع كلماته قبيحًا.
كان الشاب هو من بادر إلى الحديث هذه المرة بقوله: «أعتقد أنه لم تنجرف أي جثة نحو الشاطئ.»
قال الأب براون: «لم يتم الإعلان عن ظهور أي جثث بكل تأكيد.»
قال السيد تايلور: «ألا من أخبار عن جثة القاتل الضخمة ووشاحه الصوفي؟»
قال الأب براون: «لا.»
لم يتحرك فم السيد تايلور أكثر من ذلك في تلك اللحظة، لكن أنفه تحدث عنه بصوت ازدراء سريع ومرتعش، حتى إنه يمكن القول إن أنفه متكلم.
وحين تحدث مرة أخرى، بعد ملاحظات عادية كيِّسة من الأب براون، قال في اقتضاب: «ها قد أتى المفتش؛ أعتقد أنهم يجوبون إنجلترا كلها بحثًا عن هذا الوشاح.»
كان المفتش جرينستيد ذا وجه بني اللون ولحية مستدقة بلون رمادي، وقد خاطب الأب براون باحترام أكثر مما فعل السكرتير.
قال المفتش: «أعتقد يا سيدي أنك سترغب في معرفة أنه لا يوجد أي أثر تمامًا لرجل وُصف بأنه قد هرب من الرصيف البحري.»
قال تايلور: «أو بالأحرى لم يوصف بأنه قد هرب من الرصيف. إن مسئولي الرصيف، وهم الوحيدون الذين يمكنهم أن يصفوا الرجل، لم يروا قطُّ أيَّ شخصٍ ليصفوه.»
قال المفتش: «حسنًا، لقد اتصلنا بكل أقسام الشرطة وراقبنا كل الطرق، وسيصبح شبه مستحيل عليه أن يهرب من إنجلترا. يبدو لي حقًّا أنه لا يمكن أن يكون قد خرج منها بهذه الطريقة، ويبدو أنه غير موجود في أي مكان.»
قال السكرتير بصوت مزعج مفاجئ بدا كأنه صوت بندقية تطلق نيرانها وسط ذلك الشاطئ المنعزل: «هو لم يكن في أي مكان قط.»
بدا وجه المفتش بلا أي تعبير، لكن بريق ضوء ما بدأ يسطع تدريجيًّا على وجه القس، الذي قال في النهاية في لامبالاة تنمُّ عن تباهٍ:
«أتعني أن الرجل كان مجرد خيال؟ أو ربما كذبة؟»
قال السكرتير وهو يسحب الهواء من منخارَيْ أنفِه الشامخ: «آه، لقد فكرتَ في ذلك أخيرًا.»
قال الأب براون: «لقد فكرت في ذلك من البداية. هذا هو أول شيء سيخطر ببال أي أحد عند سماع قصة غير مدعومة بأي أسانيد من شخص غريب حول قاتل غامض على رصيف بحري منعزل. بعبارة أبسط، أنت تقصد أن ماجلتون الضئيل الجسد ذاك لم يسمع أحدًا يقتل المليونير. وربما تعني أن ماجلتون هو من قتله.»
قال السكرتير: «في الواقع، يبدو لي ماجلتون رجلًا حقيرًا فاقد الأهلية. فما من رواية أخرى سوى روايته حول ما حدث على الرصيف، وهي قصة مبنية على عملاق اختفى وتلاشى، وتبدو أقرب إلى قصة خيالية. كما أنها لا تبدو ذات مصداقية كبيرة، حتى حسبما يرويها. إنه وفق روايته، أتلف قضيته وترك عميله يُقتَل على بضع خطوات منه. إنه شخص فاشل وفي غاية الحمق، باعترافه هو.»
قال الأب براون: «أجل، أنا مولع بالفَشَلة والحمقى باعترافهم.»
رد الآخر سريعًا: «لا أعرف ماذا تقصد.»
قال الأب براون بنبرة حزينة: «ربما لأن الكثير من الناس هم حمقى وفشلة دون اعتراف منهم بذلك.»
ثم استطرد بعد أن صمت لبرهة: «لكن حتى لو كان أحمق وفاشلًا، فهذا لا يُثبت أنه كاذب وقاتل. وقد نسيتَ أنت أن ثمة دليلًا خارجيًّا يدعم القصة بالفعل. أقصد الخطاب الذي أرسله المليونير، ويروي فيه قصة قريبه وانتقامه كاملة. وإذا لم تستطع أن تُثبت أن هذه الوثيقة في حد ذاتها مزيفة، فعليك أن تعترف أن بروس ربما كان مُطارَدًا من قِبَل شخصٍ ما لديه دافعٌ حقيقي. أو بالأحرى، ينبغي أن أقول الدافع الوحيد المعترف به والمسجَّل.»
قال المفتش: «لست واثقًا تمامًا من أنني أفهم ما تقصد بشأن هذا الدافع.»
قال الأب براون بنفاد صبر ممتزج بالاعتياد: «رفيقي العزيز، كلٌّ منا لديه دافع بطريقة ما. وبالنظر إلى الطريقة التي جمع بها بروس ثروته، وبالنظر إلى الطريقة التي يجمع بها غالبيةُ المليونيرات ثرواتهم، قد يقدم أي شخص في العالم تقريبًا تلقائيًّا على الإلقاء به في البحر. وفي كثيرٍ من الأحيان، يتخيَّل المرء أن هذا أمر تلقائي تمامًا. وبالنسبة إلى الجميع تقريبًا، لا بد أن هذا قد حدث في وقت ما أو آخر. ربما كان السيد تايلور هو من فعلها.»
انفعل السيد تايلور وقد انتفخ أنفه بصورة ملحوظة قائلًا: «ما هذا؟»
تابع الأب براون حديثه قائلًا: «وربما فعلتُها أنا، لكنني ممثل عن سلطة الكنيسة. يمكن لأي شخص — إلا صاحب الأخلاق الحقيقية — أن تُسوِّل له نفسه أن يتقبَّل حلًّا اجتماعيًّا في غاية البساطة والوضوح كهذا. ربما فعلتُها أنا، وربما فعلتَها أنت، أو العمدة أو بائع الكعك. لكن الشخص الوحيد على وجه البسيطة الذي أظن أنه لم يكن ليفعلها هو المحقق الخاص الذي استعان به بروس لتوِّه مقابل خمسة جنيهات في الأسبوع، ولم يتحصَّل منها على شيء بعدُ.»
كان السكرتير صامتًا للحظة، ثم نخر وقال: «إذا كان الخطاب يحوي هذا العرض، فمن الأفضل بكل تأكيد أن نبحث إن كان مزيفًا؛ لأننا حقًّا لا نعلم إن كانت قصته كلها مزيفة وملفقة. فالرجل يعترف بنفسه أن اختفاء العملاق ذي الظهر الأحدب أمر لا يصدق تمامًا ولا يمكن تفسيره.»
قال الأب براون: «أجل، هذا هو ما أحبه في ماجلتون؛ أنه يعترف بالأشياء.»
أصر تايلور على رأيه بينما اهتز أنفه من الإثارة قائلًا: «الأمران سيان. ومجمل الأمر أنه لا يستطيع أن يُثبت أن الرجل الطويل ذا الوشاح كان موجودًا بالفعل، أو أن له وجودًا في الأساس؛ وكل حقيقةٍ اكتشفتْها الشرطة وأدلى بها الشهود تُثبت أنه ليس له وجود. لا أيها الأب براون؛ لا توجد سوى طريقةٍ واحدةٍ يمكنك من خلالها أن تُبرِّر موقفَ ذلك الوغد القصير الذي يبدو أنك مولَعٌ به بشدة، وهي إحضار ذلك الرجل الخيالي. وهذا بالتحديد هو ما لا يمكنك القيام به.»
قال القس شاردًا: «بالمناسبة، أعتقد أنك قادمٌ من الفندق الذي كان لبروس فيه بعضُ الغرف، أليس كذلك يا سيد تايلور؟»
بدا تايلور متفاجئًا بعض الشيء، وبدا متلعثمًا في حديثه: «في الواقع، كانت هذه الغرف له دومًا؛ وهي ملكه فعليًّا. لكنني لم أرَه هناك هذه المرة.»
أضاف الأب براون: «أعتقد أنك أتيت معه بالسيارة، أم أنكما أتيتما بالقطار؟»
قال السكرتير في نفاد صبر: «لقد أتيت بالقطار وأحضرت معي الأمتعة. أعتقد أن ثمة شيئًا منعه من الحضور. فأنا لم أرَه منذ غادر يوركشير وحده قبل أسبوع أو اثنين.»
قال القس بنبرة رقيقة للغاية: «إذن يبدو لي أنه إذا لم يكن ماجلتون هو آخر من رأى بروس هنا عند أمواج البحر العاتية، فإنك كنت آخر من رآه في مستنقعات يوركشير العاتية أيضًا.»
شحب تايلور للغاية، لكنه أرغم صوته الحاد المزعج على التزام الهدوء قائلًا: «لم أقُل قطُّ إن ماجلتون لم يرَ بروس على الرصيف.»
تساءل الأب براون: «لا، لم تفعل، لكن لماذا؟ إذا كان قد اختلق وجود رجل على الرصيف، فلماذا لا يختلق وجود رجلين؟ نحن نعرف بالطبع أن بروس كان موجودًا، لكننا لا يبدو أننا نعرف ماذا حدث له لأسابيع عدة. ربما بقي بروس في يوركشير.»
ارتفع صوت السكرتير الحاد نوعًا ما حتى كاد يتحول صراخًا. وبدت قشرة دماثته الاجتماعية كأنها قد تلاشت.
«أنت تخلط الأوراق! أنت تتهرَّب ببساطة! إنك تحاول أن تثير حولي تلميحاتٍ بالجنون؛ لأنك بكل بساطةٍ لا تستطيع أن تجيب عن سؤالي.»
قال الأب براون وقد بدا يحاول التذكُّر: «لننظر في هذا. ماذا كان سؤالك؟»
«أنت تعرف جيدًا ماذا كان سؤالي، وتعرف أنه يعجزك. أين الرجل ذو الوشاح؟ من رآه؟ من سمع به أو تحدَّث إليه عدا ذلك الكاذب الضئيل الذي تُدافع عنه؟ إذا أردتَ أن تقنعَنا بأنه موجود، فلا بد أن تُبرزه. ربما كان متواريًا في جزر هيبرايدس، أو ربما هرب إلى كاياو، هذا إذا كان له وجود من الأساس، لكن ينبغي لك أن تبرزَه، رغم أنني أعرف أنه ليس له وجود. حسنًا إذن! أين هو؟»
قال الأب براون وهو يحدق ويرمش بعينيه نحو الأمواج القريبة التي تغمر أعمدة الرصيف الحديدية؛ حيث بدا المحقق والصياد الواعظ العجوز كجسمين معتمين أمام الوهج الأخضر اللامع للماء: «أعتقد أنه هناك. أقصد في تلك الشبكة التي تتقاذفها الأمواج في البحر.»
بدت الحيرة على وجه المفتش جرينستيد الذي بادر بالسيطرة على الموقف مرة أخرى، وبدأ يخوض طريقه بصعوبة عبر الشاطئ.
وصاح قائلًا: «أتقصد أن تقول إن جثة القاتل موجودة في شبكة ذلك العجوز؟»
أومأ الأب براون برأسه بينما يتبعه سيرًا على الشاطئ المنحدر المليء بالحصى، وحتى بينما كانا يتحركان، استدار المحقق ماجلتون وبدأ يصعد الشاطئ المنحدر نفسه ليلاقيهم، وكان شكل جسده المعتم تجسيدًا صامتًا يوحي بالدهشة والاستجلاء.
قال وهو يلهث: «الأمر صحيح، كل ما قلناه صحيح. لقد حاول القاتل أن يسبح نحو الشاطئ وغرق بالطبع بسبب هذا الطقس. أو ربما انتحر بالفعل. على كل حال، لقد جرفت الأمواج جثته إلى شبكة بريمستون العجوز، وهذا هو ما كان يعنيه ذلك المهووس العجوز حين قال إنه يصطاد الموتى.»
هُرع المفتش على رمال الشاطئ بسرعة تخطَّتْهم جميعًا، وسُمع صوته وهو يصيح ببعض الأوامر. وفي لحظات معدودة، كان الصيادون وبعض المارة، بمساعدة رجال الشرطة، قد سحبوا الشبكة نحو الشاطئ وجرُّوها بما فيها على الرمال المبتلَّة التي كانت لا تزال تعكس أشعة الشمس. نظر السكرتير إلى ما كان ممددًا على الرمال وذابَت الكلمات على شفتَيه. كان الممدَّد على الرمال هو بالفعل جثة رجل ضخم مهلهل الثياب له كتفان عريضتان محدَّبتَان إلى حدٍّ ما ووجه نحيل يُشبه وجه العُقَاب؛ وهناك أيضًا وشاح صوفي أحمر كبير ممدَّد تحت أشعة شمس الغروب على الرمال كأنه بقعة دماء كبيرة، لكن تايلور كان يحدِّق في وجه الجثة وليس في الوشاح الأحمر أو في القامة الضخمة؛ وأخذت ملامح الشك والرِّيبة تتصارع على وجهه.
استدار المفتش في الحال ونظر إلى ماجلتون بانطباعٍ جديد من الاحترام واللطف تجاهه.
قال المفتش: «لا شك أن هذا يثبت صحة روايتك.» ولم يكن ماجلتون يعرف كيف أن روايته كانت محل تكذيب من الجميع تقريبًا حتى سمع تلك الكلمات. فلم يصدقه أحد؛ لا أحد إلا الأب براون.
لذا حين رأى الأب براون ينحرف عن المجموعة تحرك نحوه لينصرف معه، لكن حتى في هذه اللحظة توقف فجأة حين رأى القس وقد انشغل مرة أخرى بتلك الماكينات الآلية المرحة الصغيرة. بل إنه رأى القس الموقر يتحسس جيوبه بحثًا عن قرش، لكن القس توقَّف وقد أمسك بالقرش بين سبابته وإبهامه، بينما كان السكرتير يتحدَّث للمرة الأخيرة بصوته العالي المنفِّر.
قال السكرتير: «وأعتقد أننا يمكن أن نُضيفَ أن التهم الوحشية والقاسية ضدي قد أُسقِطت أيضًا.»
قال القس: «سيدي العزيز، أنا لم أتَّهمْك بشيء قطُّ. لست غبيًّا لأفترض أنه من المحتمل أنك قتلت سيدك في يوركشير وجئت إلى هنا بالأمتعة لتتسكع بها. كل ما قلته إن بإمكاني أن أقيم حجة ضدك أفضل من الحجة التي تقيمها باستماتة ضد السيد ماجلتون المسكين. على الرغم من ذلك، إذا كنت تريد حقًّا أن تعرف الحقيقة بشأن عمله (وأؤكِّد لك أن الحقيقة ليست مفهومة بصورة عامة بعد) يمكنني أن أعطيَك إشارة أو تلميحًا حتى من عَلاقاتك. إنه لأمر عجيب وفي غاية الأهمية أن السيد بروس المليونير لم يكن مكانه ولا نشاطه معروفَيْن لأسابيع قبل مقتله فعليًّا. وإذ يبدو لي أنك محقِّق هاوٍ واعد، فإنني أنصحك أن تتبع هذا الخيط.»
سأله تايلور بنبرة حادة: «ماذا تقصد؟»
لكنه لم يحصل على إجابةٍ من الأب براون، الذي عاد يصبُّ كامل تركيزه مرة أخرى على تحريك المقبض الصغير للماكينة، الذي جعل الدمى تتقافز الواحدة تلو الأخرى.
قال ماجلتون وقد بدأ شعوره السابق بالانزعاج يعود تدريجيًّا: «أيها الأب براون، هلا أخبرتني لماذا تحب هذه اللعبة الغبية لهذه الدرجة؟»
أجابه القس، وهو يحدق عن كثب في مسرح الدُّمى الزجاجي: «لسبب واحد؛ لأنها تحوي سر هذه المأساة.»
ثم اعتدل فجأة، ونظر إلى رفيقه بنظرات جادة للغاية.
قال الأب براون: «طوال الوقت كنت أعلم أنك كنت تقول الحقيقة وعكسها.»
لم يسع ماجلتون سوى أن يحدق مندهشًا من عودة الألغاز كلها.
أضاف القس وهو يخفض صوته: «الأمر بسيط للغاية. إن الجثة التي ترتدي الوشاح القِرْمِزي هناك هي جثة المليونير براهام بروس. ولن يكون هناك أي جثةٍ أخرى.»
قال ماجلتون: «لكن الرجلين …» ثم فغر فاه من الصدمة.
قال الأب براون: «إن وصفك للرجلين كان واضحًا بصورة رائعة. أؤكد لك أنني لن أنساه أبدًا. وإن جاز لي القول، فأنت تتمتع بموهبة أدبية؛ ربما كان العمل في الصحافة ليمنحك مستقبلًا أفضل من العمل كمحقق. أعتقد أنني أتذكر فعليًّا كل تفصيلة عن كل شخص. غير أن كل نقطة ذكرتها عن أحدهما أثَّرت فيك على نحو ما، وأثَّرت فيَّ على نحو معاكس تمامًا، وهذا أمر غريب للغاية كما تعلم. لنبدأ بأول شيء ذكرته. لقد قلت إن الرجل الأول الذي رأيته كان يتمتع بصبغة من السلطة والهيبة لا يمكن وصفها؛ وحينها قلتَ في نفسك: «هذا هو القطب المالي، التاجر الكبير، ملك الأسواق.» لكنني حين سمعت بمظهر السلطة والهيبة، قلت في نفسي: «هذا هو الممثل، كل ما فيه يقول إنه الممثل.» إنك لا تكتسب هذا المظهر بأن تكون مالكًا لسلسلة من المتاجر. إنك تكتسب هذا المظهر حين تكون شبح والد هاملت، أو يوليوس قيصر، أو الملك لير، ولا تفقده تمامًا أبدًا. ولم تستطع أنتَ أن ترى ما يكفي من ملابسه لتحدد إن كانت رثة بالفعل، لكنك رأيت فراء وملابس ذات تفصيلة أنيقة بالكاد؛ وقلت في نفسي مرة أخرى: «هذا هو الممثل.»
بعد ذلك وقبل أن نخوض في تفاصيل الرجل الآخر، عليك أن تلاحظ شيئًا بشأنه من الواضح أنه غير موجود لدى الرجل الأول؛ لقد قلت إن الرجل الثاني لم يكن رث الثياب فقط، بل أيضًا لم يكن حليق الذقن لدرجة الالتحاء. لقد رأينا جميعًا ممثلين في ثياب رثة، وممثلين قذرين، وممثلين سكارى، وممثلين سيئي السمعة تمامًا، لكننا لم نرَ ممثلًا ذا لحية، يعمل في وظيفة أو يبحث عن واحدة، إلا نادرًا. على الجانب الآخر، عادةً ما تكون حلاقة الذقن هي أول شيءٍ يقوم به المرء في الصباح إذا ما كان سيدًا نبيلًا أو ثريًّا غريب الأطوار يدع نفسه للتحطم والانهيار. والآن لدينا كل الأسباب التي تدفعنا للاعتقاد بأن صديقك المليونير قد ترك نفسه للانهيار؛ فقد كان خطابُه خطابَ رجل مُنهار بالفعل، لكن لم يكن الإهمال وحده هو ما جعله يبدو بمظهرٍ رثٍّ وبائس. ألا تفهم أن ذلك الرجل كان متخفيًا عمليًّا؟ وهذا هو السبب الذي جعله لا يذهب إلى فندقه، وسبب عدم رؤية سكرتيره له لأسابيع. لقد كان مليونيرًا، لكن كان هدفه الأول والأساسي أن يكون مليونيرًا متخفيًا تمامًا. أقرأت من قبلُ رواية «ذات الرداء الأبيض»؟ ألَا تذكر أن الكونت فوسكو الأنيق والمترف، الذي كان يحاول النجاة بحياته من جماعة سرية، وُجد مطعونًا وهو مرتدٍ قميصًا أزرق لعامل فرنسي عادي؟ إذن لنعد بالذاكرة للحظات إلى سلوكيات هذين الرجلين. لقد رأيت الرجل الأول هادئًا رابط الجأش وقلت في نفسك: «هذا هو الضحية البريئة.» رغم أن خطاب الضحية البريئة لم يكن هادئًا ولا رابط الجأش على الإطلاق. أما أنا حين سمعت أن الرجل كان هادئًا رابط الجأش؛ قلت في نفسي: «هذا هو القاتل.» لمَ قد يتصف القاتل بأي شيء آخر سوى الهدوء ورباطة الجأش؟ لقد كان يعرف ما هو بصدد القيام به، وقد عزم على القيام به قبل وقتٍ طويل؛ وإذا ما كان قد اعتراه أي ندم أو تردُّد، فقد حصَّن نفسه منهما قبل أن يظهر في موقع الحدث، أو بالأحرى على خشبة المسرح، في حالته تلك. لم يكن من المرجح أنه كان يعاني من أي نوع من رُهاب المسرح؛ فهو لم يبرز مسدسه ويلوح به؛ ولمَ عساه يفعل ذلك؟ لقد احتفظ بمسدسه في جيبه حتى اللحظة التي احتاجه فيها، ومن المرجح إلى حد كبير أنه أطلق النار من مسدسه وهو في جيبه. أما الرجل الآخر فهو يمسك مسدسه بعصبية لأنه كان مذعورًا كالقطة، ومن المحتمل كثيرًا أنه لم يمتلك مسدسًا من قبل. وقد فعل ذلك للسبب نفسه حتى إنه حرَّك عينَيه، وأتذكر — حتى في شهادتك اللاواعية — أنك قد قلت تحديدًا إنه حرَّك عينَيه للخلف. وفي الواقع، كان الرجل ينظر خلفه. وفي حقيقة الأمر، لم يكن هذا الرجل هو المطارِد بل كان هو الطريدة، لكن لأنك بالصدفة رأيت الرجل الأول في البداية، لم يسعك سوى الاعتقاد بأن الرجل الآخر كان قادمًا خلفه. وبكلمات رياضية وميكانيكية بحتة، كان كلٌّ منهما يجري خلف الآخر، تمامًا كالآخرين.»
تساءل المحقِّق المذهول قائلًا: «من هم الآخرون؟»
صاح الأب براون وهو يضرب الماكينة الآلية بالمجرفة الخشبية الصغيرة التي ظلَّت في يده، على نحوٍ بدا متناقضًا، طوال هذه الألغاز الدموية وقال: «تلك. تلك الدمى الزنبركية التي تطارد بعضها مرارًا دون توقُّف. لنطلق عليها السيد أحمر والسيد أزرق، وذلك وفقًا لألوان معطف كل دمية. لقد تصادَف أن بدأت اللعبة بالسيد أزرق، وبذا قال الأطفال إن السيد أحمر كان يطارده، لكن الأمر كان ليبدو على العكس تمامًا لو كنت قد بدأت بالسيد أحمر.»
قال ماجلتون: «أجل، بدأت أفهم، وأعتقد أن البقية تتناسب مع كلامك. لقد كان التشابه العائلي بينهما، بالطبع، سلاحًا ذا حدَّين، كما أن الناس لم يروا القاتل وهو يغادر الرصيف قطُّ …»
قال الآخر: «إنهم لم يبحثوا قطُّ عن القاتل وهو يغادر الميناء. لم يخبرهم أحد أن يبحثوا عن رجلٍ هادئٍ حليق الذقن يرتدي معطفًا من الفرو. لقد كان لغز اختفائه برمته يعتمد على وصفك لرجل ضخمٍ يرتدي وشاحًا كبيرًا أحمر اللون، لكن الحقيقة البسيطة كانت أن الممثل الذي يرتدي المعطف الفرو قتل المليونير ذا الوشاح الأحمر، وها هي جثة الرجل المسكين. الأمر أشبه تمامًا بالدمى الزرقاء والحمراء؛ فقط لأنك رأيت أحدها أولًا، كان تخمينك خاطئًا بشأن أيُّها كان أحمر بفعل الانتقام، وأيُّها كان أزرق بفعل الخوف والذعر.»
في هذه اللحظة بدأ طفلان أو ثلاثة في التجول عبر الرمال، ولوَّح لهم القَس بمجرفته الخشبية أن يأتوا إليه، وأخذ ينقر على الماكينة الآلية بصورةٍ مبالغ فيها. وخمَّن ماجلتون أنه فعل ذلك بالأساس لمنعهم من الشرود نحو الجثة المريعة الممددة على الشاطئ.
قال الأب براون: «آخر قرش في العالم، ثم سنعود إلى المنزل لنحتسي الشاي. أتعلم يا دوريس أنني أحب ألعاب الدوران والتعاقب تلك، التي تظل تدور وتدور كما في أغنية شجيرة التوت. ففي نهاية المطاف، جعل الله كل الشموس والنجوم تلعب هذه اللعبة، لكن تلك الألعاب الأخرى، حيث ينبغي لواحد أن يلحق الآخر، وحيث يكون العدَّاءون متنافسين أندادًا ويتجاوز كلٌّ منهم الآخر … حسنًا، يبدو أن ثمة أشياء أكثر بغضًا بكثير تحدث. أحب أن أتخيل السيد أزرق والسيد أحمر يتقافزان دومًا، بأرواح وافية غير منقوصة؛ كأحرار وسواسية، دون أن يؤذيَ أحدهما الآخر أبدًا. «أيها العاشق الولهان، أبدًا أبدًا لا تُقبِّل … أو تقتل.» سعيد أنت سعيد أيها السيد أحمر!
لا يمكنه أن يتغير، رغم أنك لا تملك نعماءه.
ستظل تتقافز دومًا، وسيظل هو دومًا السيد أزرق.»
وبسرد هذا الاقتباس الشهير من قصيدة كيتس، دسَّ الأب براون مجرفته الصغيرة تحت إحدى ذراعيه وقد غمرته عاطفةٌ ما، ومد يدَيْه لاثنين من الأطفال، وسار بجدية على الشاطئ وذهب ليتناول الشاي.