القراء الجامحون لديهم تفضيلات
أحيانًا، تقرأ كتابًا مميزًا جدًّا لدرجة أنك ترغب في حمله معك إلى كل مكان لشهورٍ بعد الانتهاء من قراءته؛ فقط لتظلَّ قريبًا منه.
لقد سيطرت روايةُ آر إل لافيفرز الخيالية للناشئين «رحمة القبر» على حياتي، فمتابعةُ رحلةِ إيزمي ذات السبعة عشر عامًا من طفولتها المدمَّرة إلى عملها كقاتلةٍ مأجورةٍ مفوَّضة من أجل إله الموت؛ أسَرتْني. لقد قضيتُ كلَّ لحظة من أوقات فراغي في قراءة الكتاب، والتهمتُ صفحاته البالغة ٥٤٩ صفحة في أربعة أيام. قليل من الكتب الأخرى التي قرأتها هذا العام أسَرَتْ لبِّي مثل «رحمة القبر»، لكني أدركتُ سببَ استمتاعي بهذا الكتاب إلى هذا الحدِّ، فبعيدًا عن الكتابة الرائعة، يتمتع كتاب «رحمة القبر» بالسمات التي أستمتع بها أيما استمتاع في أي كتاب.
فأنا أحب الكتب الطويلة ذات الخطوط السردية المستفيضة الممتدة لسنوات، وأنا أنجذب لمجلدات الفانتازيا مثل «سيد الخواتم»، أو الملحمات الروائية التاريخية مثل «ساروم» لإدوارد راذرفورد، وأستمتع بالكتب التي تتضمَّن علاقاتٍ معقدةً وحبكاتٍ تدور بين مجموعات كبيرة من الشخصيات الرئيسية والثانوية. كما أحب النساء القويات والفِتْيَان السيئي الطباع ذوي القلوب النبيلة، وأستمتع بمشاهد المعارك الجيدة، أو مشاهد الحب الراقية، لكني لا أحب اللقطات الفاضحة من فضلك؛ لذا، بالنسبة إليَّ، كانت «رحمة القبر» تناسب ذوقي تمامًا.
في مراهقتي، كنت أقرأ الأعمالَ التاريخية المشهورة مثل «جذور» لألكس هالي، و«رجتايم» لإي إل دكتورو، و«الحمامة الوحيدة» للاري ماكموتري، إلى جانب روايات الرعب مثل «مقابلة مع مصاص الدماء» لآن رايس، و«المواجهة» لستيفن كينج. كنت أسير أنا وأختي آبي مسافةَ ميل إلى المكتبة العامة كلَّ يوم سبت، ومع عجزنا آنذاك عن حمل ملء ذراعَيْنا من الكتب إلى المنزل، اكتشفتُ جيمس ميتشنر وجون إيرفينج بينما أنقِّب في الرفوف عن كتابٍ يبدو طويلًا بقدرٍ كافٍ للبقاء معي لمدة أسبوع كامل. كنتُ أحتفظ للطوارئ بمئونة من الكتب ذات الأغلفة الورقية في خزانة ملابسي؛ تحسُّبًا لانتهائي من قراءة الكتاب المستعار من المكتبة قبل السبت التالي.
أما الآن، فنظرةٌ خاطفة إلى النَّضَد الواقع إلى جوار فراشي كافيةٌ للكشف عن اهتماماتي وغاياتي المتنوعة في القراءة. إنني في المعتاد أقرأ في كتابين أو ثلاثة كتبٍ في آنٍ واحد؛ إذ أقرأ الآن بمعدل بطيء كتابَ «تفتيح العقول» لبيتر جونستون، متوقِّفةً كثيرًا لتأمُّل أفكاره، بينما تحفِّزني قراءةُ مقالٍ عبقري واحد من كتاب «دروس دون مرِّي» عن الكتابة. أستمع إلى كتب صوتية في السيارة خلال رحلتي الطويلة يوميًّا من العمل وإليه. وقد وقع خياري الحالي على كتاب «فن كرة القاعدة» الأكثر مبيعًا للكاتب تشاد هارباك. لقد أثارت موضةُ الرومانسية الخارقة للطبيعة في أدب الناشئين مَلَلي؛ لذا فإنني عاكفةٌ حاليًّا على قراءة «فريق البشريين» لجاستين لابالستيير وسارة ريس برنان، التي تتهكَّم على روايات مصاصي الدماء الرومانسية؛ أعتقد أن ابنتي سارة قد تحب قراءتها بعد ذلك، وإنْ لم يكن كذلك فسوف أمرِّرها لزملائي في المدرسة الثانوية.
لقد نتجت تفضيلاتي — التي تشكَّلَتْ عبر عقود من القراءة — عن آلاف التجارب مع القراءة. إنني أعرف ما أحبه في الكتاب، وأعرف سبب حبي له. وبما أنني متفتحة، ودائمًا ما أبحث عن كتابٍ رائعٍ آخَر، فإنني سأجرِّب دائمًا أيَّ شيء، لكنْ عندما أشعر بعدم الارتياح أو عدم الرضا عن بضعة كتبٍ على التوالي، فإنني أعود مرةً أخرى إلى نفس أنواع الكتب التي كنتُ أقرؤها وأنا في السادسة عشرة. إنني معلمة لغة إنجليزية في منتصف العمر من تكساس، لكنْ في أحلامي أنا إيوين محارِبة الروهان.
(١) تفضيلات القرَّاء الجامحين
يُظهِر المجيبون عن استقصاء القراء الجامحين خاصتنا مجموعةً متنوعة ومذهلة من التفضيلات، ونظرًا لأن معظم المجيبين عن استقصائنا يعملون مع الأطفال والمعلمين في الفصول المدرسية والمكتبات أو ناشري كتب الأطفال، فإنني أنا وسوزان لم نُفاجَأ بأن مائة بالمائة تقريبًا من المشاركين يشاركوننا حبَّنا لأدب الطفل والناشئين. ومع ذلك، لم يُقصِر هؤلاء القرَّاء الجامحون قراءاتِهم على كتب الأطفال. يقرأ المجيبون كثيرًا في كل شيء؛ مشيرين إلى سعة تجاربهم مع القراءة التي تضمَّنَتْ كتبًا للبالغين، ونصوصًا احترافية، وكتبًا للجماهير الأصغر سنًّا.
مداخلات القراء الجامحين
«أحاول أن أكون قدوةً في الخروج عن الألوان الأدبية التي أرتاح لها، من خلال طلب الاقتراحات من الطلاب؛ هكذا اكتشفتُ عديدًا من التفضيلات الجديدة بهذه الطريقة. حين يعرفون أنني آخذ اقتراحاتهم بجديةٍ، أعتقد أنهم سيكونون أكثر استعدادًا للاستماع إلى اقتراحاتي بدورهم.»
حدَّدَ القراء الجامحون ثمانمائة مؤلف من بين تفضيلاتهم، وهي قائمة مذهلة من القامات الأدبية العظيمة والكتَّاب المحبوبين. من الصعب تخيُّل قائمةٍ أخرى تضمُّ كلًّا من الروائي الروسي ليو تولستوي وجيف كيني؛ مؤلِّف سلسلة «يوميات فتًى ضعيف». كذلك ذكَرَ العديد من المجيبين على الاستقصاء أسماءَ شعراء وكتَّابٍ مسرحيين ومؤلِّفي قصص قصيرة؛ مثل: شكسبير، ولانجستون هيوز، وإدجار ألان بو، بالإضافة إلى مؤلِّفي كتب غير روائية.
مداخلات القراء الجامحين
«إذا سألتَني في الأسبوع التالي عن الكتب أو المؤلِّفين المفضَّلين لديَّ، فستجدهم قد تغيَّروا. إنني قارئ يفضِّل ألَّا يُعِيد قراءةَ نفس الكتب؛ ومن ثَمَّ فإن آخِر العناوين التي قرأتُها هي التي تظلُّ حاضرةً في ذهني، إلا أنَّ لديَّ ذكرياتٍ جيدةً عن كثيرٍ من الكتب، مع انعدام الرغبة في إعادة قراءتها.»
على الرغم من أن كل لون أدبي قد حصل على مئات من الأصوات، فإن المجيبين على استقصاء القارئ النَّهِم يفضِّلون أدبَ الواقع على الفانتازيا؛ حيث يختارون الروايات الواقعية، والروايات التاريخية، وترجمات السِّيَر، والأعمال غير الروائية، باعتبارها الألوانَ المفضَّلة لديهم بأعدادٍ أكبرَ من الفانتازيا والخيال العلمي والأدب التراثي؛ مثل: الميثولوجيا، والأساطير، والقصص الخيالية. وقد اقترَحَ كثيرٌ من القرَّاء تصنيفاتهم الخاصة للكتب عندما وجدوا أن الخيارات المتاحة في الاستقصاء مقيِّدةٌ أكثر من اللازم، فأشاروا إلى كتب الرحلات والسفر الإرشادية، وكتب التنمية الذاتية، والكتب الدينية؛ على قوائم الكتب المفضَّلة لديهم، بالإضافة إلى التصنيفات التي حدَّدْناها لهم في الاستقصاء.
لم يستفز أيُّ جزءٍ من استقصاء القارئ النَّهِم مناوَرةً أو تعليقاتٍ إضافيةً من المشاركين أكثر من الجزء المخصَّص للتفضيلات، فقد كدَّسَ ما يزيد عن مائتَيْ مجيبٍ عن الاستقصاء المساحةَ الخاصة بالتعليق تحت كل سؤال بملاحظاتهم الشخصية، مساهمين بألوانهم الأدبية الخاصة، ومقدِّمين شهاداتٍ عن كتبهم ومؤلِّفيهم المفضَّلين، أو موبِّخين إيَّاي أو سوزي لأننا طلبنا منهم تحديدَ عددٍ قليل من تفضيلاتهم في المقام الأول. يبدو أن أذواق القراء النَّهِمين وتجاربهم المتنوعة تعارِض التصنيفَ المنظَّم؛ ما دفَعَ المُجِيبين عن الاستقصاء إلى تطويع استقصائنا ليتناسب مع تعريفاتهم.
لقد دَفَعَنا — أنا وسوزي — تقصِّي تفضيلات القراء البالغين النَّهِمين نحوَ دراسةِ تفضيلات طلابنا. وبالحصول على فرصةٍ لوضع تعريفاتٍ عامة للألوان الأدبية، وإدارة مناقشات الطلاب حول تفضيلاتهم قبل أن نطلب منهم الإجابة عن استقصاء؛ حصلنا على نتائج يمكن الاعتماد عليها بدرجةٍ أكبر من تلك التي حصلنا عليها من القرَّاء البالغين المتحرِّرين. إنَّ طلَبَنا من الطلاب التدقيقَ في تفضيلاتهم القِرَائية ومشاركتها، أتاح لهم فرصةً للتأمُّل من شأنها الاحتفاء بإنجازاتهم وتطوُّرهم في القراءة، بينما اكتسبنا أنا وسوزي رؤيةً متعمِّقةً في أنواع الكتب التي يقرؤها طلابنا ويستمتعون بها. والآن، بِتْنا نأخذ في الاعتبار تفضيلاتِ الطلاب عند وضْعِ تكاليف قراءة الألوان الأدبية، وتخطيطِ الوحدات الدراسية، وتقديمِ ترشيحات الكتب للطلاب والزملاء، وشراءِ الكتب لمكتباتِ فصولنا المدرسية.
(٢) الكتب المفضَّلة لدى الطلاب
حين طُلِب من الطلاب اختيارُ اللون الأدبي المفضَّل لديهم، بَدَتْ تفضيلاتُهم في الكتب التي يحبُّون قراءتَها أقلَّ تنوُّعًا من تفضيلات المشاركين في استقصاء القارئ النَّهِم. حصلَتْ ثلاثة ألوان أدبية — هي الأدبُ التراثي وترجماتُ السِّيَر والنصوصُ غير الروائية — على عددٍ قليلٍ من الأصوات، بينما كانت الفانتازيا والخيال العلمي تفضيلاتٍ كاسحةً. أعلن محبُّو الخيال العلمي أنهم كانوا يستمتعون بالقراءة عن «مستقبل قد يصبح كل شيءٍ فيه ممكنًا»، أو أنهم كانوا يحبون «الأدوات والتقنيات المثيرة»؛ أما هواةُ الفانتازيا، فقد وجدوا أن هذه القصص طالما كانت «الأكثر إثارةً وتفرُّدًا»، وأنه «لا توجد حدودٌ لما يمكن أن يحدث بها». كما أبلغ كلٌّ من قرَّاء الفانتازيا والخيال العلمي أن كلا هذين اللونين الأدبيين «ينطويان على أحداث مشوِّقة كثيرة»، ويتيحان للقراء «الاطِّلاع على مُخَيِّلة شخصٍ آخَر».
مداخلات القراء الجامحين
«يتغيَّر المؤلِّفون والعناوين المفضَّلة لديَّ بناءً على الوقت الذي تسألني فيه.»
يستمتع كثيرٌ من طلابنا بقراءة الكتب الروائية الواقعية، وهو تفضيل يشاركهم فيه الغالبية العظمى من القراء البالغين الذين شاركوا في الإجابة عن الاستقصاء. حين طُلِب من كورتني توضيح سبب تفضيلها الروايات الواقعية، قالت: «أحبُّ الرواياتِ الواقعيةَ لأنني أستطيع التجاوُبَ مع الموقف، وأحيانًا إذا كان الكتاب مناسبًا، يمكنني أن أحصل على نصائح لما أمرُّ به؛ لأن الشخصية تكون في نفس موقفي.» كان طلاب عديدون يشعرون بأن الروايات الواقعية يمكن ربطها بحياتهم، وقد ارتبطوا هم أنفسهم بالشخصيات والمشكلات المطروحة في هذه الكتب. قليل من الطلاب أشاروا إلى أنهم أُعجِبوا ﺑ «كل شيء قرءوه»، وأنهم لا يستطيعون اختيارَ لونٍ أدبي مفضَّل، في حين أشار ثلاثة طلاب إلى أنهم استمتعوا بقراءة القصص الرومانسية في أي لون أدبي؛ فقد اعترفَتْ زوي قائلةً: «لقد أحببتُ القراءةَ عن الحب.»
تكشف التفضيلات التي عبَّر عنها طلابنا كثيرًا عن تجارب القراءة لديهم، ومعرفتهم بالكتب، وتمدُّنا بمعلومات عن الطلاب بخصوص إنْ كانوا يقرءون كثيرًا في الماضي أم لا، لكن التفضيلات لا تكون دائمًا آراءً مستنيرة. تنبع التفضيلاتُ الحقيقية من القراءةِ الواسعة النطاق وكثرةِ التجارب الإيجابية مع الكتب. أحيانًا تكشف تفضيلاتُ الطلاب عن أنهم لم يقرءوا كثيرًا، فحين يعبِّر هانتر — أحد طلابي — عن تفضيلاته في القراءة في تعميمات مبهمة مثل «الكتب المخيفة» أو «الكتب المضحكة»، أعرف أنه يفتقر إلى تجارب القراءة، وقد يجد صعوبةً في اختيارِ الكتب بنفسه. على النقيض، حين يخبرني إريك أنه يقرأ «سلاسل الفانتازيا مثل «بيرسي جاكسون» و«هاري بوتر».» فإن تفضيلاته تُظهِر شيئًا من الإلمام بالكتب، أو السلاسل والمؤلِّفين، أو الألوان الأدبية التي توجِّه خياراته المستقبلية للكتب. بعضُ الطلاب قد يسردون لك بسرعةٍ أسماءَ مؤلِّفين، أو ألوانًا أدبية، أو عناوين محددة، لكن النقاشات الأعمق معهم تُظهِر أنهم لم يقرءوا هذه الكتب؛ لذا بغضِّ الطرف عمَّا تكشفه محادثاتُنا مع الطلاب عن أذواقهم في القراءة، فإننا نكتسب إدراكًا عميقًا لتجاربهم مع القراءة.
تمثِّل تفضيلاتُ الطلاب نقطةَ انطلاقٍ لبناء علاقات إيجابية قائمة على القراءة بيننا وبينهم. في البداية، يمكننا بناء ثقة الطلاب من خلال تقديم الكتب التي تتوافق مع أذواقهم. ومع تقدُّم العام الدراسي، فإن تعميق المعرفة بتجاربِ القراءة لكل طالب وقدراتِه على القراءة يساعدنا كمعلمين على جذبِ الطلاب خارجَ مناطق راحتهم، وإمدادِهم بقائمةٍ أكثر تنوُّعًا من الكتب والألوان الأدبية وأساليب الكتابة. لقد كانت سارة — ابنتنا — تبغض كتبَ الخيال العلمي خلال سنوات دراستها في المدرسة الابتدائية؛ لأنها لم تكن تريد قراءةَ كتبٍ عن الآليين أو الكائنات الفضائية. كانت تلك فكرتها عن هذا اللون الأدبي، لكنْ بعدَ تجربة كتبٍ مثل «المختلفة» و«عفن وحطام»، تطوَّرَ تقديرُها للخيال العلمي مع توسُّع معرفتها بهذا اللون الأدبي. تصبح تفضيلات القراء الجامحين أكثرَ قيمةً وموثوقيةً ودقةً، بزيادة قراءتهم.
(٣) المناقشات الجماعية
عند التفكير في طلابي، أرى مائة شخص يحبون أشياء ويبغضون أشياء أخرى؛ إن كول يأكل الحلويات المقرمشة يوميًّا، ويلعب أنتوني كرة القدم خلال وقت الراحة، وتحب كيتلين اللون الوردي، لكن سارة تكرهه. كذلك، تمثِّل أذواقُ طلابي في القراءة شخصياتِهم وتجارِبَهم المختلفة. يسترشد القراء النَّهِمون بتفضيلات القراءة عند اختيار الكتب؛ إذ إن هذه التفضيلات تساعد القراءَ على تحديد الكتب التي قد يحبُّون قراءتَها ومعاينتها وتقييمها. وبتحصُّن القراء النَّهِمين بتفضيلاتهم، يتمتعون بالثقة في النفس والكفاءة الذاتية، مستخدِمين معرفتهم للكتب، وتجاربهم مع القراءة الموسعة لتقييم مواد القراءة الجديدة، مع الاستعانة بالمعلومات التي تمدُّهم بها النصوص التي استمتعوا بقراءتها سابقًا.
(٣-١) أنواع تفضيلات القراءة
إن التفضيلات ليست ثابتة، فالقراء الجامحون يتأرجحون بين الأنواع المختلفة من مواد القراءة وفقًا لاحتياجاتهم واهتماماتهم في أي وقت. وبينما يزداد القراءُ والنصوصُ تعقيدًا، قد تتغيَّر الأذواق. إن الارتباط بمؤلِّفين محدَّدين وبموضوعات معينة يشكِّل تفضيلات القراء، أيضًا. وعلى الرغم من أن القراء الجامحين يعبِّرون عن تفضيلاتٍ متنوِّعة في الأشياء التي يحبون قراءتها، تظهر اتجاهات معينة في أذواق القراءة تنطبق على كثيرين منهم. ستميِّز بالتأكيد قراءً تعرفهم عند تأمُّل الأنواع التالية من التفضيلات في القراءة.
(أ) تفضيل القراءة العميقة في لون أدبي واحد أو لمؤلِّف واحد
ينمو لدى القراء الجامحين ولَعٌ بمؤلِّفِيهم المحبوبين وأنواعِ قصصٍ بعينها؛ ما يجعلهم يعودون إلى نفس القصص مرةً بعد أخرى. بعد الانتهاء من رواية ليزا جراف «إغلاق مظلة الحزن»، وهي قصة رقيقة عن فتاةٍ تحاوِلُ التعافي من وفاة أخيها، تسألني باركر قائلةً: «لِمَ ترشِّحين لي دائمًا كتبًا حزينة، يا سيدة ميلر؟»
فأجيب قائلةً: «لأنك تحبِّينها.»
تبتسم باركر بخجلٍ وتقول: «نعم، أعتقد ذلك.»
أعرف أن باركر تستمتع بالروايات الواقعية عن الأطفال الذين مرُّوا بمِحَن شديدة مثل الموت أو الأسى، وإدراكي لتفضيلاتها يساعدني على أن أرشِّح لها كتبًا تقدِّر ولعها بالكتب الحزينة، وتعرِّفها بمؤلِّفين وقصصٍ قد لا تكتشفها بنفسها. وحين تطلب ترشيحات، أرشِّح لها رواية ليزلي كونور «في انتظار حياة طبيعية»، ورواية سونيا سونز «إحدى تلك القصص البَّشِعة التي تموت فيها الأم»، وأشجِّعها على التماس أساليب كتابةٍ ونَسَقٍ جديدة. وعلى مدار السَّنة، تتشعَّب قراءات باركر نحو مزيدٍ من الروايات التاريخية وكتب الشعر؛ حيث تشبع تفضيلاتها بينما توسِّع نطاقَ تجاربها مع القراءة.
اعملْ على زيادةِ قائمةِ قراءات طلابك بينما تحتفي بتفضيلات القراءة التي يعبِّرون عنها بالفعل. قدِّمْ للقراء الذين لديهم تفضيلاتٌ قوية لألوان أدبية بعينها عناوينَ متشابهةً تضمُّ حبكاتٍ وموضوعاتٍ رئيسيةً متماثلة، ورشِّحِ المؤلِّفين الذين يكتبون في ألوان أدبية متعددة.
(ب) تفضيل الأدب الروائي على الأعمال غير الروائية أو العكس
في كل عام، يكون لديَّ بضعة طلابٍ شغوفين بقراءة الأعمال غير الروائية على حساب جميع الأعمال الأخرى. أثناءَ تنظيفِ الخزانات بعد عطلة الشتاء، أبلغَتْني كينا؛ المسئولة عن خزانات فصلنا، أن خزانة كينزي، التي تقع إلى جوار خزانتها، مُكدَّسة بكتب المكتبة. سرتُ عبر الردهة لأتحقَّق من الأمر، ولأقدِّم المساعدةَ لكينزي في تجميع الكتب، ولأحدِّد إنْ كانت الكتب تنتمي إلى مكتبة المدرسة، أم مكتبة الفصل، أم إنها مجموعته الشخصية. وبينما كان كينزي يلتقط الكتب من الخزانة، كان يسرد لي عنوان أو موضوع كل كتاب: «الزواحف، المجموعة الشمسية، السيارات، القطارات، حرب فيتنام …»
أثناء استماعي لسرد كينزي، لاحظتُ أن جميع الكتب من الأعمال غير الروائية، وخلالَ اجتماعاتي النقاشية معه، عرفتُ أنه لا يتمتَّع بصبرٍ كبيرٍ على قراءة القصص، ويستمتع بالقراءة لزيادة معرفته بقائمة الموضوعات الكبيرة التي تستحوذ على اهتماماته. وعند تقديم ترشيحات الكتب، أقترحُ له عناوينَ روايات تاريخية مثل والتر دين ماير «ملائكة ساقطون»، و«خطابات من ولفي» لباتي شيرلوك — وهي كتب من شأنها زيادة معلوماته العامة عن حرب فيتنام — وإلى جانب ذلك، أواصِلُ تقديمَ عناوين النصوص غير الروائية، مُعرِّفةً كينزي بمؤلِّفين غير روائيين، مثل جيم ميرفي وسي مونتجومري؛ ما يزيد قدرتَه على إيجاد مزيدٍ من الكتب للقراءة.
(ﺟ) تفضيل سلاسل الكتب
يُثْرِي كثيرٌ من القراء حياةَ القراءة خاصتهم من خلال السلاسل الشهيرة؛ حيث يتابعون شخصياتٍ وخطوطًا سردية عبر كتب عديدة. تقدِّم السلاسلُ الدعمَ للقراء الناشئين، وتساعد القراءَ الطموحين على القراءة بعمقٍ، من أجل تنميةِ خبرتهم وكفاءتهم. وبينما أحاول جاهدةً ربْطَ إحدى طالباتي؛ آبي، بالكتب، قرَّرْتُ أنَّ سلسلةَ «العصبة» لليزي هاريسون ستكون ملائمةً تمامًا لها. كانت آبي قائدةً في مجموعتها، وتحب ملابسَ بيوت الأزياء الشهيرة، وتهيمن على صديقاتها؛ وقد ساعدَتْها شخصياتُ الفتيات اللئيمات في سلسلة هاريسون على التعامُل مع بعض الأحداث الدرامية التي واجَهَتْها خلال العام، والمتعلِّقة بصداقاتها، وحسَّنَتْ قدرتَها على القراءة وانخراطها فيها في الوقت نفسه.
(د) تفضيل الروايات المصوَّرة والمجلات أو المحتوى المتوافر على الإنترنت
إذا كنا نقدِّر كلَّ القراء، يجب علينا أن نقدِّر كلَّ أنواع القراءة. وفي حين أستبعِدُ المجلات من تكليفات القراءة في فصلي المدرسي، فإنني أناقِش مع الطلاب المجلات والمواقع الإلكترونية التي يقرءونها، وأرشِّح لهم مجلات مثل «ميوز»، و«كيدز ديسكفر» ليقرءوها. أعترف أنني استغرقتُ وقتًا لكي أقدِّر الروايات المصوَّرة، ولجهلي بنَسَق هذا اللون الأدبي، صنَّفْتُ الروايات المصوَّرة تحت القراءة الخفيفة التي لا تقدِّم الدقةَ أو العمقَ اللذين تقدِّمهما الكتبُ الطويلة. في الواقع، تعود القراءةُ الخفيفة بفوائد مذهلة، وكثيرًا ما تشعل فتيلَ عادات القراءة الجامحة. وبحسب ما يؤكِّده كلٌّ من ستيفن كراشين وجوان يوجي (٢٠٠٥): «يخشى الكثير من الأشخاص من أنه إذا انخرَطَ الأطفال في «القراءة الخفيفة» — إنْ كانوا يقرءون الكتب الهزلية والمجلات — فإنهم سيظلون للأبد يقرءون هذا النوع، ولن ينتقلوا إلى نوعٍ أكثر «جديةً» من القراءة، لكن يبدو أن العكس هو الصحيح؛ إذ تشير الأدلةُ إلى أن القراءة الخفيفة تقدِّم الكفاءةَ والتحفيزَ اللازمَيْن للاستمرار في القراءة عامةً، ولقراءةِ نصوصٍ أكثر صعوبةً.» (صفحة ٦).
في الماضي، كنت أرشِّح الرواياتِ المصوَّرةَ للطلاب الذين لا يستمتعون بالقراءة، أو لا يتحلَّوْن بالصبر على النصوص الأطول. ونظرًا لعدم استعدادي آنذاك لرؤية الروايات المصوَّرة بوصفها أكثرَ من حلٍّ وسطٍ مُرْضٍ للطلاب الذين ما كانوا ليقرءوا، كنتُ أشعر أن الروايات المصوَّرة أفضلُ من عدم القراءة على الإطلاق.
لكنَّ العملَ مع أرمان في الفصل غيَّرَ رأيي. لم يكن أرمان يحب القراءة عندما بدأ عامه الدراسيَّ في الصف السادس، وقد أعربَتْ والدته عن تخوُّفِها خلال ليلةِ لقاءِ المعلم، وأقَرَّتْ باستعدادها ﻟ «فعْلِ كلِّ ما يلزم» لدفع أرمان إلى القراءة أكثر. وعلى الرغم من أنني كنتُ أزوِّد أرمانَ بالكتب في الأيام الأولى من عامه الدراسيِّ، لم يكن يُظهِر اهتمامًا أو حماسًا كبيرًا. وذات مرة، بعدَ اختلاسِ النظر إلى مجموعةٍ من الروايات المصوَّرة على مكتبي، سألني أرمان عن سلسلةِ رواياتِ «أميوليت» لكازو كيبويشي؛ وهو خيار شائع بين طلابي. أعَرْتُ أرمان الكتبَ الأربعة الأولى من السلسلة، فبدأ يقلِّب في صفحاتها، وبعد يومين أعاد الكتب وأخبرني أنها «رائعة»، وطلب مني مزيدًا من الروايات المصوَّرة. لقد قرأ سلاسلَ كاملةً مثل «بون» لجيف سميث، و«الفأر الطفل» لجنيفر ومات هولم.
ومع تقدُّم العام الدراسيِّ، انتقَلَ أرمان إلى عناوين أكثر تعقيدًا مثل «بيوولف» و«الأوديسة» لجارِث هايندز. وبدأ طلابٌ آخَرون يستشيرون أرمان في العناوين المختلفة، وأصبح هو خبيرَ الفصل في الروايات المصوَّرة، وكان يشترك في محادثات معقَّدة حول الرسومات والخطوط السردية لعديد من العناوين. أدركتُ أن أرمان قد طبَّقَ كلَّ درسٍ شرحتُه عن القراءة والكتابة على الروايات المصوَّرة التي قرأها، وقد تحسَّنَتْ مهاراته في قراءة النصوص الأكثر تقليديةً؛ لأنه كان يمارس ما تعلَّمَه أثناء قراءته رواياته المصوَّرة الأثيرة لديه يوميًّا.
ومع نهاية العام، كان أرمان يشقُّ طريقَه ببطءٍ إلى المكتبة أو متجر الكتب باحثًا عن الروايات المصوَّرة التي لا تتوافر في مكتبة مدرستنا، وبدأ يرشِّح العناوين لي ولأمناء مكتبة المدرسة. لقد عرَّفَني برواية كارلا جابلونسكي المصوَّرة عن الحرب العالمية الثانية «الصمود»، ورواية «الزئبق» لهوب لارسون؛ وهما عنوانان اشتريتهما وقرأتهما وأضفتهما إلى مكتبة الفصل. وبفضل شغف أرمان وخبرته، أصبحتُ أكثرَ إلمامًا بالروايات المصوَّرة، ووجدتُ مزيدًا من الأسباب للاستعانة بها في فصلي. زادَتْ ثقةُ أرمان في نفسه وفي مهاراته في القراءة؛ لقد تحوَّلَ إلى قارئٍ نَهِمٍ بفضل الروايات المصوَّرة، وأصبحتُ أنا معلِّمةً أفضل بفضله.
-
«التحفيز»: إن الروايات المصوَّرة تجذب انتباهَ القراء وتدفعهم نحوَ مزيدٍ من القراءة، والدليلُ على ذلك زيادةُ الإقبال عليها في المكتبات، والقوائمُ الطويلة التي تنتظر استعارتها، وشعبيتُها المتنامية بنحوٍ استثنائي.
-
الصور الجذَّابة تجعل النص أكثرَ سهولةً، وتدعم القراءَ في فعل صياغة المعنى.
-
ونظرًا لأن نسبةَ جمهور قرائها في الدول الأخرى مرتفعةٌ مقارَنةً بنسبته في الولايات المتحدة، فإن هذا اللون الأدبي قد يمثِّل أهمية ثقافية لمجموعةٍ متنوعةٍ من متعلِّمي اللغة الإنجليزية.
-
الأفكار الرئيسية المحبوبة التي تتناول موضوعات حالية تشجِّع القراء على مواصَلةِ القراءة.
-
ارتباط هذا اللون الأدبي باتجاهاتِ التسلية وجودةِ تصميم الرسومات يروق لبعضٍ من أكثر القراء فتورًا تجاه القراءة.
-
الطبيعة غير التقليدية لهذا اللون الأدبي تجذب القراءَ الذين يشعرون بأنهم غرباء عنه.
-
الأسلوب والعرض المبتكر يُثِيران اهتمامَ القراء الذين لا تُثِير الألوانُ الأدبية أو الوسائطُ الإعلامية الأخرى اهتمامَهم.
-
-
«الدعم»: تتميَّز الروايات المصوَّرة بتلك الطريقة المتأصِّلة في تصميمها، التي تدمج النصَّ بصورٍ تمثيلية للمعنى تساعد الطلابَ بينما يشقُّون طُرُقَهم بين صفحاتها. ونظرًا لأن النص والصور يعتمدان أحدهما على الآخَر، فإن آثارهما تصبح متضافِرةً.
-
تُبرِز الرسوماتُ الداعمة وخصائصُ التصميم استراتيجياتِ الفهم؛ مثل: الاستنتاج، والتلخيص، والتأليف.
-
تصمِّم فِرَقٌ إبداعية لوحاتٍ وصفحاتٍ خصوصًا من أجل إرشاد القراء في تحديد الأهمية.
-
وبالرغم من أن الدعم الذي تقدِّمه الرسوماتُ قد يؤدِّي إلى قدرٍ أقل من التخيُّل، فإن القرَّاء ينغمسون في قصصٍ تملأ عقولَهم، وتجعلهم يرون بأعينهم كيف تبدو الصور المتخيَّلة المؤثِّرة.
-
تجسِّد الروايات المصوَّرة الطلاقةَ اللغوية بشكلٍ مرئي من خلال الرسوم الكتابية، وفقاعات الكلام، وفقاعات الأفكار، وتعبيرات الوجه.
-
يتيح دعمُ الصور للقراء التركيزَ على مركزِ اهتمامٍ تعليمي محدَّد؛ مثل: الحبكة، ووصف الشخصيات، والفكرة الرئيسية.
-
يجد متعلِّمو اللغة الإنجليزية دعمًا بالرسومات للمصطلحات غير المعتادة، والعبارات الدارجة، التي غالبًا ما يستعصي عليهم فهمها في النصوص التقليدية.
-
يمكن أن تفيد الرسوماتُ المتضمَّنة كصورٍ تمثيلية رمزية لمفاهيم تنتمي لموضوعات المحتوى الدراسي؛ كالتاريخ أو الحِكَم أو العلوم.
-
يستوعب القراءُ مرادفاتٍ جديدةً ربما كانوا سيتجاوزونها في سياقاتٍ أخرى؛ وذلك لأن معانيها غالبًا ما تكون موضَّحةً بالرسم إلى جانب كتابتها.
-
كثيرًا ما يسأل المعلِّمون عن كيفية استخدام الروايات المصوَّرة استخدامًا تعليميًّا، متحيِّرين بشأن إنْ كانت هناك طريقةٌ بارعة خاصة لاستخدامها. لكن، لا توجد أية طريقة خاصة؛ الحقيقةُ المجردة هي أنه يمكنك الاستعانة بالروايات المصوَّرة في أي موقفٍ يمكنك فيه الاستعانة بالنصوص التقليدية.
لم أَعُدْ أرى الروايات المصوَّرة مجرد مواد قراءة يُستعان بها كمدخلٍ يشجِّع القراء غير المتحمِّسين على القراءة؛ فعلى الرغم من كل شيء، فازَتْ قصةُ آرت سبيلجمان المُؤلِمة عن الهولوكوست «ماوس» بجائزة بوليتزر، بينما وصلَتْ «صيني أمريكي المولد» لجين لوين يانج إلى القائمة القصيرة للكتب المرشَّحة لجائزة الكتاب الوطني وفازت بجائزة برنتز، وحصدَتْ روايةُ «رجل الرمال» لفرتيجو جائزةَ هوجو. هذه التقديراتُ الأدبية تعترف بالروايات المصوَّرة بصفتها أدبًا قيِّمًا. ومنذ العام الذي خضْتُ فيه تجربتي مع أرمان، أضفتُ الروايات المصوَّرة إلى تكليفات القراءة لفصلي المدرسيِّ، متوقِّعةً من كل الطلاب أن يستكشفوا — على الأقل — نموذجًا واحدًا من هذا النسق الأدبي؛ وقد أبلَغَ أكثر القراء احترافيةً أنهم تعلَّموا شيئًا جديدًا عن القراءة وسرد القصص من خلال هذا الاستكشاف.
(ﻫ) تفضيل إعادة قراءة الكتب المفضَّلة
من عامٍ لآخَر، خلال عطلة الشتاء، أُعِيد قراءةَ ثلاثية «سيد الخواتم». إنني أستمتع بهذه الكتب، وأعتبر العودةَ إلى استطرادِ تولكين المسهب والمعقَّد حول ممرات الغابات وجان الأشجار بمثابة ماراثون للقراءة. إن طول السلسلة الكبير يتطلَّب جَلَدًا للقراءة وانتباهًا للتفاصيل، وقراءتُها تُبقِي معرفتي بلغة الجان حية. كذلك، أُعِيد قراءةَ «أنْ تقتل طائرًا بريئًا» كلَّ بضعة أعوام؛ إذ أعتقد أنني أكون شخصًا مختلفًا في كل مرة أقرأ فيها هذه الرواية الكلاسيكية للكاتبة هاربر لي. كنت أشعر بالتوحُّد مع شخصية سكاوت وأنا أصغر سنًّا، والآن أنجذبُ ناحيةَ شخصية أتيكاس؛ لكونه الأب والشخص البالغ الذي أطمح أن أكون مثله.
يعود القراء البالغون إلى كتبهم المفضَّلة المحبوبة ويُعِيدون قراءتها من حينٍ لآخَر، لكن بعض المعلِّمين والآباء يمنعون الأطفالَ من إعادة قراءة الكتب، ولا يسمحون لأطفالهم بإعادة قراءة الكتب ضمن الفروض المدرسية، أو تكليفات القراءة في الفصل. في الواقع، تزيد إعادةُ قراءة الكتب من الفهم والاستمتاع (ميليس وسيمون وتينبرويك ١٩٩٨، بريسلي ٢٠٠٠، ونيوكيرك ٢٠١١). حين أتحدَّث مع جوردان طالبي عن قراءة سلسلة «هاري بوتر» مرةً أخرى، يعترف قائلًا إنه «يكتشف أمورًا جديدة» حين يعود إلى الكتب، «ويرى مفاتيح الحبكة» التي تشير إلى أحداثٍ مستقبليةٍ لم يلحظها خلال قراءته الأولى للرواية.
يُعِيد الطلاب قراءةَ الكتب لثلاثة أسباب؛ إما لأنهم يريدون أن تتشرَّب جلودُهم القصصَ القيِّمة، وإما لأنهم يريدون ترسيخَ معرفتهم بالموضوعات والأفكار، وإما لأنهم لا يعرفون كتبًا أخرى ليقرءوها. عند العمل مع قرَّاءٍ صغار، من المهم أن تحدِّد سببَ رغبتهم في قراءةِ نصٍّ بعينه مرةً أخرى؛ فإذا أعاد الطالبُ قراءةَ نفس الكتب مرةً بعد مرة لأنه لا يستطيع العثورَ على أي شيءٍ آخَر مثيرٍ للاهتمام ليقرأه، فساعِدْه على إيجادِ كتبٍ أخرى تتماثل مع نفس الخط السردي أو اللون الأدبي الذي يُعِيد قراءته. إذا رغب الطلابُ في زيادة اطِّلَاعهم على المحتوى، فقدِّمْ لهم كتبًا توسِّع معرفتَهم به، وإذا كانوا يُعِيدون قراءةَ الكتب لأنهم يحبونها، فرأيي أن تَدَعهم يفعلون ذلك؛ فنحن نهدف إلى تطويرِ شعورٍ بالمسئولية تجاه القراءة في نفوس الطلاب، وعندما نمنعهم من قراءةِ كتابٍ يحبونه، فإننا نضع أهدافَنا في مواجَهة أهدافِهم.
(٣-٢) تجنُّب قراءة لون أدبي معين
لسنوات عديدة، كان طلابي في المدرسة المتوسطة يُعرِّفون الفانتازيا والخيال العلمي بأنهما اللونان الأدبيان المفضَّلان لديهم، ومع ذلك فقد أشار عددٌ أقل من البالغين المشارِكين في استقصاء القارئ النَّهِم إلى تفضيلِ هذين اللونين الأدبيين. إن طلابي لا يفضِّلون الفانتازيا على الواقع فحسب، وإنما يذكر كثيرٌ منهم أن الروايات التاريخية وترجمات السِّيَر والسِّيَر الذاتية والمذكرات والأعمال غير الروائية بجميع أنواعها — وهي الألوان الأدبية التي ذكر البالغون أنها مفضَّلةٌ لديهم — أقلُّ الكتب أفضليةً للقراءة لديهم.
(أ) الروايات التاريخية وترجمات السِّيَر
خلال دراستي لذلك الاختلاف بين تفضيلات الطلاب وتفضيلات القرَّاء النَّهِمين، سألتُ طلابي عن سببِ كُرْهِهم الكتبَ التي تتعلَّق بالتاريخ أو حيوات الأشخاص البارزين، فذكَرَ معظمهم أن الروايات التاريخية وترجمات السِّيَر لونان مُمِلَّان. تصرِّح لينزي قائلةً: «إنني لم أهجر سوى كتابين في خلال عامين [العامين الماضيين]، وكلاهما كان رواية تاريخية.» تعكس باقي الردود التطوُّرَ العاطفي والاجتماعي لدى الطلاب، الذي يتمركز إلى حدٍّ كبيرٍ في الحاضر، ويتأثَّر برؤيةِ العالَم من منظورٍ ذاتيٍّ بحت، وبمحدودية التجارب الحياتية. تقول أليشيا موضِّحةً سببَ اعتبارها الروايات التاريخية أقلَّ الألوان الأدبية أفضليةً لديها: «إنني حقًّا لا أحبُّ النظرَ إلى الماضي، بل أحبُّ التطلُّعَ إلى المستقبل.» وتبرِّر روز كُرْهَها لترجمات السِّيَر قائلةً: «لا أحبُّ التعرُّفَ على حياةِ شخصٍ آخَر، بل أحبُّ أن أعيش حياتي فحسب.» ويذكر إيثان مخفِّفًا من حدة تعبيراته مراعاةً لآداب المدرسة: «إنني لا أهتم بحياتهم على الإطلاق.» وقد أعرَبَ عديدٌ من الطلاب عن مشاعر شبيهة سائلين: «لِمَ نتعرَّف على حيوات أشخاصٍ آخَرين، بينما لا نزال نعيش حيواتنا؟»
ربما لأننا بالغون، نتأمَّل الماضي أكثر، ونميِّز العلاقات التي تربطنا بأشخاصٍ آخَرين، ونجد قراءةَ الإنجازاتِ التي حقَّقَها أشخاصٌ بارزون والتحدياتِ التي واجهوها وثيقةَ الصلة بما نواجِه في حياتنا. وبصفتنا آباء ومعلِّمين وأمناء مكتبات، لا ينبغي أن نتحاشى تحمُّلَ مسئوليتنا عن زيادةِ معرفةِ الطلاب بالعالَم ومكانهم منه. إن الروايات التاريخية وترجمات السِّيَر تفتح للقراء نافذةً على حياةِ أشخاصٍ عاشوا ظروفًا مختلفةً عن ظروفنا، وتضعنا على خطٍّ زمنيٍّ من التجارب البشرية يصل إلى الماضي ويمتد إلى المستقبل.
-
«المبالغة في تحليل الروايات التاريخية وترجمات السِّيَر في الوحدات الدراسية المتعلِّقة بالروايات المفروضة على الفصل بأكمله وخلال الحصص الدراسية»: في إطار السعي إلى دمج محتوى الدراسات الاجتماعية في مادة آداب اللغة، غالبًا ما يختار المعلِّمون عناوينَ روائيةً تاريخية وترجمات سِيَر لنشاط القراءة المفروض على الفصل بالكامل. يقلِّل استخدامُ هذه العناوين كمواد تكميلية للكتاب الدراسيِّ اهتمامَ الطلاب بقراءتها. عند ترشيحِ كتبٍ روائية تاريخية، وترجمات سِيَر، أو سِيَر ذاتية، أو مذكرات، وقراءتها في الفصل، تأمَّلْ إنْ كانت هذه النصوصُ مكتوبةً جيدًا، أم أنها مختارة من أجل علاقتها بالمنهج. إن استخدام النصوص ذات الطابع الوعظي الظاهر ينفر الأطفال من القراءة ودراسة التاريخ والأشخاص البارزين.
-
«ترجمات السِّيَر المكتوبة للأطفال عن حيوات البالغين تنقِّح المعلومات المتعلِّقة بالموضوع من أية معلومات شخصية، لدرجة أن الطلاب لا يرتبطون بالشخص موضوع الكتاب كشخصٍ حقيقي»: إن أفضل الأعمال التاريخية هي تلك التي تكشف عن آدمية أبطالها. لأسبابٍ واضحة، قليلًا ما يُؤْتَى على ذِكْر حياة جون كينيدي العاطفية، أو ولع إسحاق نيوتن بالخيمياء، أو اكتئاب فيرجينيا وولف، في ترجمات سِيَرهم الموجَّهة للأطفال. إن تعتيمَ الجوانب الأكثر فضائحيةً أو خصوصيةً من حيوات الأشخاص البارزين تختزلهم إلى قديسين مسطَّحين أحاديي البُعْد؛ ما يؤدي إلى ترجمات سِيَر لا تزيد عن قوائم تسرد تواريخَ وإنجازاتٍ كبرى، فيكون من الصعب على الطلاب التوحُّد مع شخصياتها.
لقد كرَّسَ مؤلِّفو الأعمال غير الروائية الموهوبون، مثل كاثلين كرول وديبورا هايليجمان وشانا كروي وقادر نيلسون وآخَرون، حيواتهم الكتابية المهنية لإضفاءِ سمةِ الآدمية على الشخصيات التاريخية البارزة، وجعلها مثيرةً لاهتمامِ الأطفال. من خلال قراءةِ أعمالٍ تاريخية وترجماتِ سِيَرٍ أكثر جذبًا للاهتمام، وتعريفِ الطلاب بمؤلِّفين بارزين، وتشجيعِ اهتمام الطلاب بالمعلومات الغريبة والفريدة والمشوِّقة؛ فإننا نزيد اهتمامَ الطلاب، ونبني معلوماتهم العامة لمزيدٍ من الدراسة.
(ب) رؤساء جمهورية موتى وحيتان
نظرًا لكون آشلي تتمتع بعقليةٍ منفتحة إزاء الكتب، وباستعدادٍ لقراءةِ أيِّ شيءٍ تقريبًا، فإنها بطبيعة الحال تقرأ أربعة أو خمسة كتب في الأسبوع؛ ومع بداية الربيع، تكون قد قرأَتْ أكثرَ من مائة كتاب. وحين نظرتُ إلى دفتر ملاحظات القارئ الخاص بها، ودقَّقْتُ في مخطَّط تكاليف قراءة الألوان الأدبية (وهو أداة لتحمُّل المسئولية تساعد الطلابَ على تتبُّعِ عددِ الكتب التي يقرءونها من كل لون أدبي)؛ اتضح لي أنها لم تقرأ كتابًا واحدًا غير روائي طوال العام (انظرِ الملحق «أ» من أجل الحصول على نموذجٍ فارغٍ من هذا المخطَّط). وباعتبار هذا القصور فرصةً تتيح لآشلي توسيعَ أفقها كقارئةٍ، اقترحتُ أن نبحث عن بضعة كتب غير روائية ربما تحب قراءتها.
قالت آشلي: «إنني أكره الأعمالَ غير الروائية، يا سيدة ميلر؛ إنها مُمِلَّة، وجميعها تدور حول رؤساء جمهورية مُتوفَّين وحيتان.»
فسألتها محاوِلةً أن أمنع نفسي عن الضحك: «لِمَ تقولين هذا يا آشلي؟»
فردَّتْ قائلةً: «إن الوقت الوحيد الذي يحتاج فيه المرء إلى كتابٍ غير روائي هو أثناء البحث عن معلوماتٍ لكتابةِ تقريرٍ. إنني لا أحبُّ قراءةَ تلك الكتب للمتعة.»
وقد اندهشتُ من أن العديد من الطلاب الذين يجلسون على نفس الطاولة مع آشلي عبَّروا عن نفس الفتور تجاه قراءة الكتب غير الروائية. لقد دفعَتْني تجاربي مع تربية ابنتَيَّ إلى الاعتقاد بأن معظم الأطفال الصغار يستمتعون أيما استمتاعٍ بالكتب غير الروائية، فخلال سنوات «التساؤل عن الأسباب» في الطفولة المبكرة، يحب الأطفال في سن ما قبل المدرسة وفي المرحلة الابتدائية قراءةَ النصوص غير الروائية، ويُلحُّون في طلب الكتب المرتبطة بالعلوم مثل «كتاب القمر» لجايل جيبون، و«الحجم الحقيقي» لستيف جينكينز، أو سلسلة كتب ترجمات السِّيَر المصوَّرة لديفيد أدلر. عند ذِكْر هذه العناوين لآشلي وزملائها في الفصل المدرسيِّ، تذكَّروا أنهم قرءوا عناوينَ مشابِهةً واستمتعوا بها عندما كانوا أصغر سنًّا، فما الذي تغيَّرَ حين كبروا؟
في كثيرٍ من الفصول المدرسية في المدارس الابتدائية، يقضي الطلابُ اليومَ الدراسيَّ بالكامل مع معلمٍ واحد يشرح لهم كلَّ المواد، وعادةً ما يستخدم المعلمون الكتبَ غير الروائية التي تستهدف جمهورًا عامًّا في دروس المحتوى الدراسي، بحيث يقرءون نصوصًا متنوِّعة تتعلَّق بالعلوم والدراسات الاجتماعية والرياضيات. يقرأ الأطفال مزيدًا من النصوص غير الروائية كجزءٍ عادي من عملية التعلُّم ويتبادلونها ويناقشونها، ومع تقدُّمهم في السنوات الدراسية، تصبح المواد مقسَّمةً، بينما يتنقل الأطفال بين عددٍ من المعلمين، يشرح كلٌّ منهم محتوًى محددًا.
مع تزايُد الضغط الواقع على المعلمين المتخصِّصين في محتوًى معين لتدريس محتوًى كبير في حصص دراسية أقصر، يزداد اعتمادُهم على الكتب الدراسية التي تقدِّم معلومات، وتقل الفرصةُ التي يتيحونها للطلاب لقراءة كتب غير روائية تجارية. ومعلِّمو آداب اللغة الذين يشاركون ويقدِّمون للطلاب موادَّ قراءة أكثر في المدرسة، يركِّزون أيضًا على متطلبات المحتوى الخاصة بهم، ويقرءون عددًا أقل من الكتب غير الروائية مع الطلاب. بوجهٍ عام، نتوقَّع من الطلاب قراءةَ الكتب غير الروائية فقط من أجل واجبات الفصل عند تكليفهم بالتقارير البحثية عن رؤساء الجمهورية الميتين والحيتان، على حدِّ زعم آشلي. علاوةً على ذلك، فإننا نزداد تشجيعًا للطلاب على استخدام الإنترنت لإجراء الأبحاث؛ ومن ثَمَّ نقلِّل قراءتَهم للكتب غير الروائية إلى الحد الأدنى.
ومع قلة تعرُّض الطلاب الأكبر سنًّا للكتب غير الروائية، أو الاطِّلاع عليها، أو تجربة قراءتها في فصولهم؛ لا يثير دهشتنا أن يقرءوا قليلًا جدًّا في هذا اللون الأدبي. وكما هو الحال مع الأنواع الأخرى من النصوص، لا بد أن نبحث عن طرق فعَّالة لدَمْج المواد غير الروائية في فصولنا المدرسية، إذا أردنا أن يقرأ أطفالنا بقدرٍ أكبر فيها.
جوائز كتب الأطفال والناشئين ومواقع استعراضها
إن جودة الأعمال غير الروائية الموجَّهة للطفل وتنوُّعها قد تحسَّنَا تحسُّنًا بارزًا عبر السنين. تتضمَّن الكتبُ غير الروائية درجةً أكبر من الخصائص النصية؛ مثل: الصور الفوتوغرافية الملوَّنة، والرسوم الإيضاحية، والمسارد والتعليقات التي تدعم القراء الصغار وتجذب انتباههم. يستطيع الطلاب إيجادَ كتبٍ غير روائية عن موضوعات تثير اهتماماتهم: كالرياضيين، والفنانين، والموسيقيين، والفنون، والأعمال الحِرَفية، والسيارات، والأزياء، والحيوانات. إن الابتعاد عن مجموعات الكتب المخصَّصة للمكتبات، التي تُكتَب بالجملة على يد كتَّابٍ وناشري كتب أطفال مكلَّفين بهذه المهمة؛ يوفِّر أعمالًا غير روائية تتميَّز بجودةِ أسلوبها، ودقةِ البحث المبذول في كتابتها بأقلامِ مؤلِّفي الكتب غير الروائية البارزين؛ مثل: كانداس فلمنج، وسي مونتجومري، ونيك بيشوب، وجيم ميرفي، وراسل فريدمان، الذين يفهمون الجمهورَ الذي يكتبون له، ويعرفون كيفية جذب انتباه الطفل.
-
«إضافة مزيدٍ من الأعمال غير الروائية إلى مناقشات الكتب»: إن إضافة الكتب غير الروائية والمجلات إلى إعلانات الكتب اليومية تُعرِّف الطلابَ بكُتُبٍ قد يقرءونها، وتزيد وعْيَهم بعناوين الكتب المتاحة. إن ترشيحنا للكتب غير الروائية يوصل للطلاب أننا نقدِّر الأعمالَ غير الروائية ونراها مثيرةً للاهتمام. عند ترشيح الكتب، ضَعْ في اعتبارك أن بعض الطلاب قد يفضِّلون الأعمالَ غير الروائية على الروايات. عبِّرْ عن تقديرك لجميع القراء من خلال دعم الأعمال غير الروائية إلى جانب الأدب الروائي والشعر والروايات المصوَّرة والنصوص الأخرى.
-
«قراءة النصوص غير الروائية جَهْوريًّا»: إن قراءة الكتب غير الروائية المصوَّرة، والشعر، والمقالات، والمقتطفات، ومحتويات المواقع الإلكترونية على الإنترنت مثل وندروبوليس (www.wonderopolis.com) بانتظامٍ؛ تزيد حصيلةَ المعلومات العامة لدى الطلاب، وتتيح لهم فرصًا لاستكشاف المحتوى. اطلبْ من أمين مكتبة مدرستك موادَّ غيرَ روائية تتوافق مع المحتوى المنهجي للعام التالي، أو تعاوَنْ مع زملائك الذين يُدرِّسون لنفس الصف الدراسيِّ أو في نفس القسم للعثور على مواد غير روائية. يستمتع طلابي بكتبِ صدِّقْ أو لا تصدِّق؛ مثل: «كل يوم على الأرض» لستيف مرِّي، و«الأشياء المائة الأروع على الكوكب» لآنا كلايبورن. من السهل قراءة بضع معلومات كلَّ يوم بينما تنتظر في طابور أو خلال الانتقالات بين الفصول. عند اختيار كتبٍ أطول للقراءة الجهورية، استبدِلِ المختارات الروائية بالكتب غير الروائية، مثل «طائر القمر: عام في مهبِّ الريح مع المُعمِّر العظيم ب٩٥».
-
«استخدام الأعمال غير الروائية كنصوص إرشادية»: بينما تمدُّ النصوصُ غير الروائية الطلابَ بنماذج أصيلة لتنظيم المعلومات وتقديمها، فإن نصوصًا غير روائية ذات أسلوب جيد — مثل: «الشعر المستعار الضخم: لمحة تاريخية عن الشعر» لكاثلين كرول، وكتاب جويس سيدمان «في كل مكان من حولنا: الاحتفاء بالناجين من ظروف الطبيعة» — تقدِّم أمثلةً ثريةً عن الكتابة الوصفية، واللغة الاستعارية، والصور الجمالية؛ وهي المفاهيم التي شُرِحَتْ على مر التاريخ باستخدام نماذج روائية. عند وضع وحدات دراسية أو خطط دروس، ضُمَّ الأعمالَ غير الروائية إلى قراءاتك.
-
«الإقران بين النصوص الروائية وغير الروائية في الموضوعات المترابطة»: إن تقديم المواد غير الروائية التي تكمل الأعمال الروائية يشجِّع الطلابَ على استكشاف الروابط الواقعية، ويسهم في فهمهم للإشارات التاريخية والتقنية التي يقابلونها بينما يقرءون الأدبَ الروائي. يستمتع طلابي بقراءة النصوص غير الروائية؛ مثل: «شباب هتلر» لسوزان كامبل بارتوليتي، و«الطاعون الأمريكي» لجيم ميرفي، بعد استكشاف نفس الموضوعات في الكتب الروائية التاريخية؛ مثل: «الفتى الجريء» (لبارتوليتي أيضًا)، و«حمى ١٧٩٣» للوري هالس أندرسون.
-
«إتاحة فرصٍ متكررة للطلاب لمعاينة الكتب غير الروائية وقراءتها ومشاركتها»: اشمل الكتب غير الروائية عند تقديم ترشيحات الكتب، وشجِّعِ الطلاب على معاينة العناوين غير الروائية في مكتبتَيِ الفصل والمدرسة (انظر الشكل ٥-٢). اجمعْ مجموعةً من النصوص غير الروائية التي ترتبط بمحتوى المنهج، وادعُ الطلابَ إلى إلقاء نظرةٍ سريعةٍ على هذه المواد وقراءتها كلَّ يومٍ كأنشطةِ إحماءٍ، أو أنشطةٍ تمهيدية لدروس العلوم والدراسات الاجتماعية. شجِّعِ الطلابَ على تحديد السمات النصية مثل: الخرائط، والمخططات، والصور الفوتوغرافية، والمسارد، واطلبْ منهم مشاركةَ الحقائق المثيرة للاهتمام والأدوات المرئية المساعِدة التي يكتشفونها خلال هذه المطالعات اليومية. كثيرًا ما ألاحظ الطلابَ يعودون إلى نفس الكتب يومًا بعد يومٍ خلال جلسات المطالَعة السريعة هذه، لينتهوا بذلك إلى قراءةِ كتبٍ غير روائية ربما لم يكونوا ليختاروها بأنفسهم.
كما هو الحال مع أي لون أدبي يتجنَّبونه، حين يزعم الطلابُ أنهم يبغضون قراءةَ الكتب غير الروائية، أفترِضُ أنهم لم يحظَوْا بتجارب قراءة إيجابية لهذا اللون الأدبي. وعلاوةً على تعليم الطلاب كيفيةَ استعراض المعلومات الأساسية في النصوص غير الروائية وإيجادها وتحديدها، ينبغي للمعلمين تعريض الطلاب لمجموعةٍ متنوعةٍ من الكتب غير الروائية الجذَّابة، ودَعْم الوعي بأنماط النصوص المتاحة. ومن خلال القراءة الواسعة النطاق في الكتب غير الروائية، يبني الطلابُ خلفيةً معرفية بالمحتوى، ويزدادون ثقةً بأنفسهم، ويكتشفون المؤلِّفين والموضوعات التي تُشجِّع مزيدًا من القراءة والتقصِّي المستقل.
(٤) نقاط نقاشية
من المفيد أن ينظر المعلم إلى تقدُّم الطلاب تجاه ترسيخ سلوكيات القراءة الجامحة من منظور شامل. خلال كل تقييم على الأقل، ألتقي أنا وسوزي مع الطلاب، بصفةٍ رسمية؛ للنظر في دفاتر ملاحظات القارئ الخاصة بكلٍّ منهم، ومناقَشةِ انخراطهم في القراءة والتزامهم بها على المدى الطويل. خلال اجتماعاتِ مناقَشةِ عاداتِ القراءة هذه، نكتسب فهمًا أعمق لمدى تطوُّر كل قارئ، وعادات القراءة الجامحة التي يحتاج كلٌّ منهم إلى تنميتها. وعلى الرغم من أن النقاش مع الطلاب حول قراءاتهم يدور طوال اليوم في فصلنا المدرسيِّ، فإني أحتاج إلى فرصٍ مركَّزة ومُجَدْوَلة للحديث مع كلِّ طفلٍ حول تقدُّمه في سلوكيات القراءة الجامحة. وبينما تكتمل الصورة بوضْعِ آخِر القِطَع في مكانها الصحيح — تفضيلات القراءة — يمكننا تأمُّل الكيفية التي تتضافر بها عاداتُ القراءة الجامحة التي استفضنا في الحديث عنها في هذا الكتاب عند دراسةِ حالةِ كلِّ قارئٍ على حدة.
(٤-١) اجتماع مناقشة عادات القراءة
أُسجِّل ملاحظاتٍ من اجتماعات نقاش القراءة المستقلة في مخطَّطِ اجتماعِ نقاشِ عاداتِ القراءة (يمكنك العثور على نسخة فارغة من هذا النموذج في الملحق «ج»). أستخدم ورقةً واحدةً لكل مجموعة طلاب مشتركة في طاولة، وأدوِّن ملاحظاتي وتعليقاتِ الطلاب في سجلات الاجتماعات النقاشية الشخصية للطلاب المخزَّنة على موقع إيفرنوت، والتقِطْ صورًا لسجلات قراءة الطلاب وأحفظها على إيفرنوت، أيضًا. إن إعادةَ قراءةِ ملاحظاتي ونسخها يتيح لي فرصةَ تأمُّلِ الملاحظات التي حصلتُ عليها من الاجتماعات الحالية، ومقارنتها بالملاحظات السابقة؛ ربما تفضِّل أنتَ الاحتفاظَ بنموذج مستقل لكل طالب وتتَبُّع تقدُّمه على مدار الوقت في ورقةٍ واحدةٍ.
يُظهِر مخططُ اجتماعِ نقاشِ عادات القراءة الخاص بي تطوُّري كمعلمةٍ؛ فيكشف كلُّ مربع في النموذج عن رأيي وقراري بشأن الكيفية التي أرى بها طلابي، وما أريد معرفته عن حياة القراءة خاصتهم، وما يحظى بتقديرنا كمجتمعِ قراءةٍ في الفصل المدرسيِّ.
أتناقش مع الطلاب خلال الفترة المخصَّصة المستقلة، ونظرًا لوعيي بأن الحديث معي يعني أن الطلاب لا يقرءون، فإنني أراعي أن تشغل هذه المقاطعة أقلَّ فترةٍ زمنية ممكنة خلال هذا الوقت. في الماضي، أدركتُ أن الطلاب يقضون جزءًا من وقت القراءة الخاص بهم في مراقبتي أثناء ملْءِ ملاحظات الاجتماع بدلًا من القراءة؛ لذا فإنني أبدأ اجتماعاتِ نقاشِ القراءةِ المستقلة بمعاينةِ دفترِ ملاحظاتِ القارئ الخاص بالطالب أولًا.
أجمعُ أكبرَ قدرٍ ممكن من المعلومات بتحليلِ مخططِ تكليفاتِ قراءة الألوان الأدبية للقارئ، وقوائمِ القراءة، وقوائمِ الكتب المخطَّط لقراءتها، وأدواتِ المتابعة الأخرى الخاصة به. كذلك أتأمَّلُ ما أعرفه عن كل طفلٍ بناءً على المحادثاتِ اليومية، وأعمالِ الفصل، والملاحظاتِ التي أدوِّنها خلال وقت القراءة المستقلة. وبعد تدوين أكبر عددٍ ممكن من الملاحظات بمفردي، أتناقش مع كلِّ طالبٍ مشارِكةً معه ملاحظاتي، ومطالِبةً إيَّاه بالإدلاء برأيه. وبحرصي على عدم مقاطعة الطالب إلى أن أحتاج إلى رأيه، فإنني أُوصِل له أن قراءتَه تهمني أكثر من الأعمال الورقية.
(أ) عادات القراءة: القارئ
بعد قراءة كتاب «انتقاء الكلمات: كيف تؤثِّر لغتُنا على تعلُّم الأطفال» (٢٠٠٤) لبيتر جونستون، بتُّ أكثر تأنِّيًا عند تصميمِ النماذج، ووضْعِ المخططات المرجعية، وكتابةِ التقييمات التحريرية لطلابي. وبحسب ما ينبهنا إليه جونستون، تصبح الطريقةُ التي نتحدَّث بها مع الأطفال جزءًا من القصص التي يسردونها عن أنفسهم. وفي إطارِ بحثي المستمر عن طرقٍ لرَأْبِ الفجوة بين القراءة في المدرسة والقراءة في الحياة خارج المدرسة، غيَّرْتُ كلمة «الطالب» أو «الاسم» إلى «القارئ» أو «الكاتب» حسبما تقتضي المهمة، فهدفي الأول والأهم هو أنني أريد لطلابي أن يروا أنفسَهم كقرَّاء وكُتَّابٍ، وإدراجُ اسمِ كلِّ طالب كقارئٍ يعمل كتذكرةٍ ملموسة لي وللطفل بأن كل فرد في الفصل قارئ، حتى إنْ كنَّا في مراحل مختلفة من تطوُّرنا في القراءة.
تحت اسم الطفل، أسجِّل مستويات قراءتهم المستقلة، ووفقًا للتعليمات الإرشادية للمنطقة التعليمية، أقيِّم الطالبَ ثلاث مرات خلال العام باستخدام كشف مهارات القراءة الكيفي. تُمِدُّني البياناتُ التي أحصل عليها من هذه التقييمات بمستوى كلِّ طالبٍ في القراءة، لكنني لا أبحث دائمًا عن هذه البيانات، ولا أسجِّل الأرقامَ الدقيقة في نماذج الاجتماعات النقاشية لأنها غير ضرورية. إن استخدام سجلات الاجتماعات النقاشية قاصر عليَّ وعلى طلابي، ولا أرى فائدةً في تدوين أرقام كشف مهارات القراءة الكيفي في نموذج الاجتماعات النقاشية الخاص بي، في حين يمكنني الاطِّلاع عليها لاحقًا. إنني دائمًا ما أكتب «في مستوى المرحلة الدراسية، أو فوقها، أو تحتها» خلال الاجتماع النقاشي بناءً على التقييمات السابقة، وعلى معرفتي العملية بقدرة كل طالب على القراءة.
(ب) عادات القراءة: التفضيلات
أُلقِي نظرةً على قوائم قراءة الطلاب، وأحاوِل تحديدَ التفضيلات استنادًا إلى أنواع الكتب التي يقرءونها. هل يستمتع القارئ بالروايات التاريخية أم الشعر؟ هل يتابع القارئ حاليًّا قراءةَ سلسلةٍ ما؟ ما مدى اختلاف تفضيلات القارئ؟ وفي حين يختار بعض القراء قليلًا من كل لون أدبي، فإن القفز من لون أدبي إلى آخَر قد يدل على الافتقار إلى تفضيلات واضحة. إن القراءة المتنوِّعة هي الهدف، إلا أن بعض الأطفال يتقافزون من كتابٍ إلى آخَر لأنهم لا يستطيعون العثور على ما يحبون. إن اختيار نفس اللون الأدبي أو الحبكة الروائية مرةً بعد أخرى قد يكشف عن وجودِ ثغرةٍ في القراءة؛ ما يشير إلى أنه يتعيَّن عليَّ ترشيح كتبٍ مختلفة. حين يقرأ كثيرٌ من القراء في الفصل نفسَ الكتب، يكشف النظرُ في التفضيلات عن مدى تأثيرِ مجتمعِ القراءة على خيارات الطلاب للكتب، أيضًا.
إنني كذلك أدوِّن الكتابَ الحالي لكل قارئ أيضًا، وأستعين بمعرفتي بأدب الطفل لتحديدِ إنْ كان الكتابُ يتوافق مع مستوى القراءة المستقلة للطفل أم لا. وفي حين أنني لا أحفظ عن ظهرِ قلبٍ مستوى قراءة كل كتاب، فإنني أعرف مستويات الكتب التي تكون قراءتها الأكثر شيوعًا في مكتبة الفصل. إنني لا أشعر بالقلق مع كل كتابٍ جديدٍ بشأن ما إنْ كان طلابي يقرءون كتبًا تتناسب ومستوياتهم في القراءة طوال الوقت، لكني أتأمَّل اتجاهات اختيارات القراءة. فإذا كان الطلاب يختارون باستمرار كتبًا سهلةً أكثر من اللازم أو أصعبَ من اللازم بالنسبة إليهم، فإني أضع ذلك في الاعتبار عند تقديم ترشيحات الكتب. ومع تمتعهم بحرية الاختيار وكثيرٍ من الكتب والتوجيه في القراءة، يتقدَّم معظم القراء بأنفسهم أعلى درجات سلم صعوبة القراءة (لاسِسْني، ٢٠١٠). ما دام الطلاب يفهمون الكتب التي يختارونها بأنفسهم للقراءة المستقلة ويقدِّرونها، فإنني لا أتدخَّل إلا إذا فشلوا في إحرازِ تقدُّم.
(ﺟ) عادات القراءة: الانخراط
عند تقييم الانخراط في القراءة، أسجِّل ما إذا كان طلابي قد بدءوا في قراءة كتبهم، ويستغرقون في القراءة كلما أتيح لهم الوقت لذلك. وفي حين أن الاستقرار في الفصل يستغرق بضع دقائق يوميًّا، فإن القراء الذين يتجولون في قاعة الفصل، أو يتململون، أو يتظاهرون بالقراءة؛ لا يكونون منخرطين. هنا أيضًا أراقب اتجاهات سلوكيات القراءة لدى الطلاب على مدار الوقت، فإذا لاحظتُ أن طلابًا محددين لا يركِّزون خلال وقت القراءة المستقلة، فإنني أنصحهم باختيارِ كتبٍ مختلفة، أو تأمُّلِ العوامل الأخرى التي تَحُول دون انخراطهم فيما يقرءونه.
كذلك، أضع في اعتباري عددَ الكتب التي انتهى الطلاب من قراءتها، فالقراءُ الذين يكونون قد انتهوا فقط من عددٍ ضئيلٍ من الكتب عند مرحلة معينة من العام الدراسيِّ، قد يكشفون عن افتقارهم إلى الانخراط فيما يقرءونه. وعند تدوين مجاميع الكتب، مع ذلك، أضع في الاعتبار أنواعَ الكتب التي يقرؤها الطلاب. ثمة فارقٌ شاسع بين القارئ الذي أكمَلَ قراءةَ الكتب الأربعة في سلسلة «إيراجون» — وهو إنجاز مذهل يتضمَّن قراءةَ ألفَيْ صفحة — والقارئ الذي أكمَلَ قراءةَ الكتب الأربعة في سلسلة «حراس شجرة جهول» — وهي كتب أقصر من السابقة وأقل صعوبةً. إن حدَثَيِ القراءة هذين قد يحملان نفسَ قدرِ التحدِّي والقيمة لكل قارئ، ومقارَنةُ أرقامِ الكتب التي أكمَلَ الطلاب قراءتها لا تكشف الصورةَ الكاملة عن إنجازاتهم في القراءة. يجب أن نأخذ في الاعتبار عواملَ أخرى عند تقييم كل طفلٍ والتقدُّم الذي يُحرِزه تجاه أهدافه الشخصية في القراءة. لا ينبغي أن نقارن بين مجموع الكتب التي أنهاها كل طفل، أو أن نخلق ظروفًا تنافسية بينهم.
بعد تأمُّل ملاحظاتي الشخصية لانخراط القراء في الفصل، أسألُ كلَّ طفل عن عادات القراءة في المنزل لديه. عندما لا يقرأ طلابي خارج المدرسة، فإنهم يعترفون لي بذلك، فأستعين بهذه المحادثات لتعزيز أهمية القراءة في المنزل، وأعمل مع كل طفل لتحديدِ الفُرَص التي يمكنهم إيجاد مزيدٍ من الوقت خلالها للقراءة (وقد ناقشتُ هذه العملية في الفصل الأول).
(د) عادات القراءة: التسجيل
لقد تعلمتُ أن أكثر القرَّاء نَهَمًا هم الأكثر إهمالًا في تسجيل أنشطة القراءة خاصتهم؛ إنهم لا يهتمون بتسجيل كل كتاب يقرءونه، ولا يهتمون بتوثيق حياة القراءة الخاصة من أجل تكليفات مادتي. أنا أشجِّع هؤلاء القراءَ على استخدام المواقع الإلكترونية مثل جودريدز، وأوضِّح لهم كيف تستطيع هذه الأدواتُ مساعدتَهم على تطويرِ فهْمٍ أعمق لأنفسهم كقرَّاء على مدار الوقت. لأكثر من مرة، قضيتُ اجتماعَ القراءة النقاشي بالكامل في مساعدة أحدهم في العودة إلى قوائم قراءته ومَلْئِها. يدرك طلابي أنني يجب أن أُحمِّلهم المسئولية عن قراءتهم، لكن كلما زاد مقدار قراءاتهم، قلَّتِ الأهمية التي تبدو عليها أدواتي التدريسية؛ وأعتقد أن هذا هو الهدف الرئيسي.
(ﻫ) عادات القراءة: الالتزام
إن هجر الكتب من حينٍ إلى آخَر سلوكُ قراءةٍ طبيعيٌّ لدى عديدٍ من القراء الجامحين. ومثلما أتوقَّع من الطلاب تسجيلَ الكتب التي يُتِمُّون قراءتها، فإنني أتوقَّع منهم كذلك تسجيل الكتب التي يهجرونها لكي يتسنَّى لي مراقبة اتجاهاتهم. إن الانصراف عن كتابٍ بين الفينة والفينة يدل على الوعي الذاتي بالتفضيلات الشخصية والانخراط. ومع ذلك، فإن الطلاب الذي يهجرون كثيرًا من الكتب على التوالي، أو يلزمون قراءةَ كتبٍ لا يستمتعون بها أو يفهمونها؛ يحتاجون إلى التدخُّل والدعم.
يساعدني النظر في الكتب التي يهجرها الطلاب على تحديدِ مدى التزامهم بالقراءة بصفة عامة، وتحديدِ نجاحهم المستمر في اختيار الكتب بأنفسهم، فالقراءُ الذين لا يُتِمُّون قراءةَ الكتب التي بدءوا في قراءتها يحتاجون إلى مزيدٍ من التوجيه في القراءة، ووضْعِ أهدافِ قراءةٍ قصيرة، والضغطِ عليهم برفقٍ لإكمال الكتب.
(و) عادات القراءة: الاختيار
يستخدم القراء موارِدَ متعددة عند البحث عن الكتب التي قد يحبون قراءتها. بتقييم عادات القراءة المستقلة لدى الطلاب، أتدبَّرُ الكيفيةَ التي يكتشفون بها الكتب، والطرقَ التي تُؤتِي معهم أفضلَ ثمارٍ عند توظيفها. وفي حين أنني أرحِّب بتقديم الترشيحات، لا ينبغي أن أكون المصدرَ الوحيد للمعلومات عن الكتب بالنسبة إلى طلابي؛ وعليه فإنني أشجِّع الطلابَ على استخدام المواقع الإلكترونية، والمكتبة، ونوافذ عرض متاجر الكتب، والأدوات الأخرى؛ للمعرفة أكثر عن الكتب التي قد يقرءونها. والأهم أنني أؤكِّد لهم على أهمية بناء العلاقات مع القراء الآخرين — داخل الفصل المدرسيِّ، وفي كلِّ مكانٍ آخَر — لذلك أبحث عن فُرَصٍ لربطِ الطلاب بعضهم ببعضٍ بأكبر قدرٍ ممكن.
من حينٍ إلى آخَر، يعتمد الطلاب على أقرانهم للحصول على ترشيحات كتبٍ قد لا تتناسب وأذواقهم، فإذا حصل الطلاب على ترشيحات كتب من أصدقائهم، لكنهم لم يستمتعوا بالكتب التي اختاروها من هذه المحادثات، فإنني أنصحهم بتحمُّلِ مزيدٍ من المسئولية عن خياراتهم في الكتب، وتأمُّلِ سبب عدم نجاح هذه الكتب معهم. إن الأصدقاء المقرَّبين لا يشاركونك دائمًا نفسَ الأذواق في الكتب.
إن نقاشي مع طلابي حول عاداتهم في القراءة المستقلة يحافظ على تركيزي وتركيز طلابي على الأهداف الطويلة المدى؛ أَلَا وهي ترسيخُ سلوكيات القراءة الجامحة، وتنميةُ مهارات التأمُّل الذاتي الضرورية للاستمرار في القراءة لمدى الحياة. ومن خلال هذه المحادثات، أكتسب فهمًا أعمق لحياة القراءة التي يعيشها طلابي، وينمُّون هم شعورًا أكبر بالتقدير لسبب أهمية القراءة لهم.
(٥) تتبُّع حياة القراءة
بينما يجرِّب الطلاب نصوصًا من الشِّعْر والأعمال غير الروائية والأدب الروائي، ينمُّون إدراكًا أعمق لأنفسهم كقراء، ولأنواع النصوص التي تعبِّر عنهم. ومع اتساع نطاق قراءتهم خلال العام الدراسيِّ، تظهر تفضيلاتٌ قد لا يميِّزها الطلابُ والمعلمون عند التدقيق في أنشطة القراءة الفردية. إن تحديد أذواق القراءة لدى الطلاب يساعدهم على تحديد الكتب التي تجذبهم، والألوان الأدبية التي يتجنَّبونها، ويرشد المعلِّمين خلال عملهم مع الطلاب.
إن نظرةً سريعة على المخططات البيانية للألوان الأدبية للطلاب خلال الاجتماع النقاشي معهم؛ تُظهِر تقدُّمَهم في اتجاهِ أهدافِ القراءة، وتكشف عن تفضيلاتهم، وتبيِّن الألوانَ الأدبية التي لا يقرءونها بنفس مقدار الألوان الأدبية الأخرى. يُظهِر مخططُ الألوان الأدبية البياني الخاص بإيفري أنها تفضِّل تفضيلًا واضحًا الفانتازيا والرواياتِ الواقعيةَ، وقد رسمَتْ مربعاتٍ زائدةً بيدها عندما ملأت عمودَ الفانتازيا المتاح في مخططها البياني. وعلى الرغم من أن إيفري قد أنجزَتْ تكليفات الفصل لكل لون أدبي، فإنها قرأت الحدَّ الأدنى من كتب الشعر الذي تطلبه سوزي من طلابها في الصف الخامس؛ وهو ثلاثة كتب فقط.
خلال الاجتماعات النقاشية، كثيرًا ما أطابِق مخططاتِ الألوان الأدبية البيانية للقراء بقوائم قراءاتهم؛ لأحدِّد إنْ كانوا قد أصابوا في تعريف الألوان الأدبية للكتب التي قرءوها أم لا. إذا لم يستطيعوا تحديدَ الألوان الأدبية التي قرءوها، فقد يشير هذا إلى عدم فهمهم الكتاب، أو أنهم لا يفهمون سمات الألوان الأدبية حقَّ الفهمِ، أو أنهم قرءوا نصًّا يصعب عليهم تصنيفه. إن أوجه عدم التوافُق من هذا النوع تتيح فرصًا لمزيدٍ من المناقشة والتقييم.
يساعد المخططُ البياني لتكليفات الألوان الأدبية الطلابَ على تحديد تفضيلاتهم ومواطن التطور، من خلال توثيق خياراتهم في القراءة على مدار الوقت. إن إدراكَ تفضيلات القراءة يساعد الطلاب على تشكيل صورة دقيقة عن أنفسهم كقراءٍ لديهم نوعياتُ كتبٍ يحبُّونها وأخرى يبغضونها. ويعود الطلاب إلى مخططات الألوان الأدبية البيانية عند تأمُّل تجاربهم في القراءة وتحديد الأهداف للقراءة المستقبلية.
سواء أكان الطلاب يقرءون جميعَ التكليفات المفروضة عليهم، أم يقدِّرون جميع الألوان الأدبية، فهذا لا يهم؛ فالسببُ الرئيسي وراء توقُّعِنا أنا وسوزي من الطلاب تجربةَ قليلٍ من كل الألوان الأدبية هو تمكينُهم من العثور على الكتب التي يحبون قراءتَها، ومقصدُنا الأساسي عند مُطالَبة الطلاب بقراءة أربعين كتابًا أو أكثر، يظلُّ مُتَمثِّلًا في إكسابهم ما يكفي من الخبرات؛ لاتخاذ خيارات مستنيرة بشأن الكتب، وعثورهم على هُوِيَّاتهم الشخصية كقراء.
يقدِّم تحديدُ تفضيلات القراء الواضحة يدَ المساعدة للمعلمين في بناء روابط مع الطلاب، وتقدير أذواقهم الفردية في القراءة؛ فهذه التفضيلاتُ تفيد كأساسٍ لبناءِ العلاقات القائمة على القراءة، وتمدُّنا برؤيةٍ كاشفةٍ لاحتياجات الطلاب؛ ما يشجِّعنا على ترشيح كتبٍ تتوافق مع اهتماماتهم، بالإضافة إلى الكتب التي يمكنها توسيع نطاقِ تجاربهم مع القراءة. ينمِّي القراءُ الجامحون تفضيلاتٍ حقيقيةً عبر القراءات المتنوِّعة، ووعيهم البالغ بأنواع النصوص المتاحة. إن تشجيع الطلاب على قراءةِ ما يريدونه، مع تعريضهم لنصوصٍ تتمتَّع بالجودة والفائدة، ومثيرة للاهتمام من جميع الأنواع؛ من شأنهما تعزيزُ انخراطهم، ويمدَّانهم بالتجارب المتنوعة التي يحتاجون إليها لإيجاد النصوص التي تلبِّي اهتماماتهم واحتياجاتهم من القراءة اليومَ، وفي المستقبل.
اللون الأدبي | العدد |
---|---|
الروايات الواقعية | ٥ |
الروايات التاريخية | ٤ |
الفانتازيا | ٣ |
الخيال العلمي | ٢ |
ترجمات السِّيَر/السِّيَر الذاتية/المذكرات | ٢ |
الأعمال غير الروائية | ٥ |
الشِّعْر | ٤ |
الأدب التراثي | ٣ |
الروايات المصوَّرة | ١ |
الاختيارات الخاصة | ١١ |
(المصدر: ميلر (٢٠٠٩))
•••
بنهاية العام الدراسيِّ، يكون طلابنا قد مارسوا عادات القراءة لمدى الحياة كافةً في فصلنا المدرسيِّ. لقد تأمَّلوا سلوكياتهم في القراءة الشخصية، ونموا أدوات ومهارات يحتاجونها ليصبحوا قرَّاءً مستقلين دون الحصول على دعمٍ منَّا. وهكذا، بقدرتِهم على تخصيص الوقت للقراءة، واختيارِ الكتب بأنفسهم، وبناءِ العلاقات مع القراء الآخرين، ووضْعِ خططِ القراءة، واكتسابِ تفضيلاتهم الخاصة في القراءة؛ يشعر الطلاب بالتمكين والقدرة الكافيَيْن للاستمرار في القراءة خارج المدرسة. إن حياة القراءة الشخصية تخصُّهم وحدهم، لا يحتاجون إلينا فيها؛ فهم الآن قرَّاءٌ جامحون.