النسل
ومهما يكن رأي أبي العلاء في الزواج فإنه يرى الأمر الأحزم عدم النسل، فيقول: أظعن عن الدنيا وما أترك فيها عِرسًا تأيَّم ولا ولدًا ييتَّم وذلك الأمر الأحزم، إما يترك الإنسان ولده للشقاء إما ضعيفًا يظلم وإما قويًّا اهتضم وكلا الرجلين لا يسلم (فصول ٢٧١).
وهو يذكر هذا الحزم في شعره إذ يتسمَّح في الزواج لمن خاف المأثم فينصح له بألا ينسل:
وليست تلك نصيحته للإنسان فحسب بل إن هُدِيَت الورقاء لا تبني وكرًا لفراخها كالإنس:
والطيور كلُّها لو علمت علمنا وشعرت بما هو كائن لما اتخذت لأفراخها أوكارًا:
وهو يأمر الطير بألا تفعل:
فالإنسان بذلك أولى ولذا أمره بترك النسل:
وقد عدَّ أبو العلاء النسل ذنبًا لا إقالة له فيقول:
وعدَّه جناية على الأولاد مهما يكن مركزهم في الحياة:
ومن هنا كانت خير النساء العقيم:
والعقم خير للمرأة نفسها لو رشدت:
وسبب ذلك عنده — على ما كرره — أن النسل فرش لهموم الفتى:
والنسل أذًى للأم:
وهو مع ذلك شقاء للوليد حتى لو أن الابن عق أباه لكافأه على جرمه ضده:
ويقول أبو العلاء: إنه لو كان كلبًا لما هان عليه أن يلقى جروه ما يلقى الناس في الحياة:
وما دامت النهاية الموت والنسل عبثًا وتربية الأولاد لريب المنون غلط فاشتغل بما عساه ينفع لا بالنسل:
وتفنن في بيان هذه المعاني فتمنى عقم حواء ولم يهج تفكيره إلا لوم آدم، وما إلى ذلك من بيان شر النسل وخطأ الناسلين.