المرأة
فإن يكن المعري قد دعا إلى اجتنابها فإنه لهو الذي يهنئ بالزفاف فيقول في الزوجة:
ويهنئ بالزفاف مرة أخرى فيقول في وصف ساعة الأعراس:
وأن تظن أن ذلك من شعره قبل التفلسف فإنه في اللزوميات ليعد النعم ومن بينها الإعراس بالفتاة قد عدَّه نعمة بين المطعم والمشرب والملبس وسائر ملاذ الحياة:
ويصف الرجل الممتع في الفصول (٤٢٩) فيقول: يكون الرجل كاسيًا بمثل ريش الأخيل، وشبابه كروضة الوسمي وعيشه أوسع من الموماة، وعرسه الصالحة الحسناء … إلخ، كما يصف بعد ذلك الرجل غير الممتع فيقول: ويلبس أخلاق الثياب كلباس الرأل، ويفارق العرس، إما أن يهلك وإما أن تختار سواه، وتكون روضة شبابه هشيمًا … إلخ (ف٤٣٠) فالعرس الصالحة الحسناء عنده متعة وفراقها شقوة.
•••
وهذا الذي جعل النساء أسودًا تُتقى هو الذي جعلهنَّ قوارير يرفق بها:
والذي جعل المرأة كالعقرب هو الذي أجلَّها وعدَّها مكان الثريا في المكارم ومكان الشمس، إذ يقول:
والذي جعلهنَّ أذًى وكيدًا وحبل غي، وما إلى ذلك، هو الذي يجعلهنَّ الجنات:
والذي رأى بدء السعادة أن لم تخلق امرأة، جعل الزوجة جنة هذه الدنيا:
وهو الذي جعل المرأة الحَصان نعمة يُحسَد بين القوم زوجها:
والذي قبح الزواج والزوجة ونهى عن الزواج هو الذي رأى أن النساء لا يصونهنَّ سوى أزواجهن أحد:
وهو الذي يأمر الرجل بأن يطلب لبنته زوجًا ويخوِّف ابنه من الزواج والنسل:
وهو يناقض نفسه لا في قولين بعيد وقريب، بل في شطري هذا البيت ويفسد معناهما، فإنه لو كلف كل رجل أن يخوف ابنه من الزواج لما وجد رجل لابنته زوجًا كي يراعيها كما طلب هو!
على أنه وراء ذلك كله قد عاد فأباح الزواج، وقال: تزوَّج إن أردت. واختار للمتزوج فتاة صدق مستترة كمضمر نعم:
وأقر أنها تكون حياطة لزوجها واعترف بفائدة الزواج والتعاون فيه على الحياة؛ إذ قال:
وأبو العلاء لم ينسَ الخيرات من النساء ولم ييأس من خيرهنَّ. لقد وصف هؤلاء الخيرات الغازلات غير العازفات ولا المغنيات ولا شاربات الخمور، ولم تخلُ الدنيا في رأيه منهنَّ وهو يجيبهنَّ ويحيي رجالهنَّ الذين يمضي عمرُهم في الجد فيقول:
وهو يدعو الله بالمغفرة لهؤلاء النساء المجاهدات العاملات ويقول:
وأبو العلاء يقدِّر للمرأة فضلها الكبير بوظيفتها الإنسانية الكريمة، وظيفة الأمومة التي تُسدي بها الفضل لكل مولود، ويراها أولى بالإكرام حين يعد فضل الوالدين:
كما يقول:
وبين فضلها في النسل:
وأبو العلاء آمل خير في المرأة، حين يكتب الكتب الخاصة في وعظها؛ ككتاب تاج الحرة في عظات النساء نحو أربعمائة كراسة.
•••
ولا ندع الحديث عن المرأة وآراء أبي العلاء فيها قبل أن ننظر في أمره بزجر الغريزة المسيئة والكف عن الزواج، فإنه ليقول في الغفران ما قدَّمناه من أنه لا سبيل للتغلب على الفطرة ولا معدى عن الجبلة، ويكمل ذلك بما نصه: وقول القائل اللهم اجعل وصعي — طائر أصغر من العصفور — بازيًا، يكون للسفه موازيًا:
وصاحبنا قد أحسَّ سلطان الغريزة على الإنسان في أشياء كثيرة، وله الكثير الجم من التشهي لا نستوفيه هنا ولا يسمح المقام به، وحسبنا من ذلك كلمة متحرقة في الفصول (٣١٦) إذ يقول: إنما أنا كرجل بُليَ بالصدى (العطش)، لا يجد وِردًا ولا موردًا، فهو ظمآن أبدًا، إن ورد عزوفًا (بئر يؤخذ منها باليد)، وجده مضفوفًا (كثر وارده)، وإن صادف نزوعًا (بئر تنتزع منها الماء)، أعوزته الآلة والمعين، فبينا هو كذلك هجم على رجل ينزع بغرب، فشكا إليه فرط الكرب، فقال: ريُّك إن شاء الله قريب، فأعنِّي على انتزاع المُروية، فلما كان الغرب بحيث يريان، غدرت الوذم (عرى الدلو أو السيور)، وخان العناج (الحبل يشد على خشب الدلو، أو يشد من تحته ليقويه).
وحسبنا من قوله عن المرأة قولته المكشوفة التي يقر فيها أن:
ولنا إلى هذه المسألة بخاصتها عود قريب. فشأن أبي العلاء في المسألة الجنسية يستحق القول المفرد.
وفي كل حال فما سمعنا من أقوال لأبي العلاء يجعلنا نسأل: أكان رأي أبي العلاء في المرأة قبيحًا؟ أله في المرأة رأيٌ ثابت يوصف بذلك؟ فكِّر أيها القارئ وقدِّر.
هذا ما عنده في المرأة، وأما …