ماذا يريد رقم «صفر»؟
عندما سمع الشياطين اﻟ «١٣» أن رقم «صفر» يدعوهم للاجتماع من أجل مُناقشة خطة «الكعكة الصفراء» ابتسموا.
قال «عثمان» معلقًا: ربما أراد رقم «صفر» أن يحتفل بعيد ميلاده على حسابنا …
وقالت «إلهام»: ولماذا صفراء … ألا تنفع كعكة زرقاء أو حمراء؟!
أحمد: إن اللون الأصفر هو أوضح الألوان … ومن المُحتمَل أن رقم «صفر» يُريد كعكة زاهية اللون …
ولكن الكعكة الصفراء كانت شيئًا آخر …
وعندما سمع الشياطين خطوات رقم «صفر» الواثقة، وهي تتجه إلى المنصة، حاولوا إخفاء ابتسامتهم … ولكن رقم «صفر» بما عُرف عنه من خفة دم وذكاء قال: «إن عيد ميلادي ليس شيئًا هامًّا … كما أن طعم الكعكة المطلوبة طعم سيِّئ للغاية … بل هو مُميت.»
تبادل الشياطين النظرات، ومضى رقم «صفر» يقول: «وأحبُّ أن أضيف أن ثمن الكعكة فوق طاقة جيبي … فهي تُساوي مئات من ملايين الجنيهات.»
سرى همس بين الشياطين … ملايين … لقد ظنُّوا أن الكعكة ربما تكون من الذهب الخالص ما دام لونها أصفر … ولكن ليسَت هناك كعكة ذهبية تُساوي مئات الملايين … مهما كان حجمها … إلا إذا كانت تَزيد على عشرة أطنان من الذهب … باعتبار أن سعر طنِّ الذهب حوالي عشرة ملايين جنيه.
ما هي حكاية الكعكة الصفراء إذن؟
قال رقم «صفر»: إن الكعكة التي أتحدث عنها ليست من الذهب ولا من الجواهر؛ فقد توصَّل العلم إلى مواد مُستخرَجة من الطبيعة قيمتها أغلى من الذهب ومن الجواهر أيضًا …
قال «أحمد» على الفور: يورانيوم …؟
رد رقم «صفر»: نعم يورانيوم … وقد اشتغلنا من قبل في عمليات بطلها اليورانيوم الذي أصبح أمل الإنسان في الطاقة، إذا نفد البترول من العالم، وهو سيَنفد مهما طال الزمن.
وتذكَّر الشياطين جميعًا مغامراتهم السابقة التي شملت عشرات الأنواع من المطاردات … فهم إذن وراء فريسة جديدة … فماذا في ذهن رقم «صفر» …؟
تحدَّث رقم «صفر» قائلًا: إنَّ اليورانيوم الخام بعد استخلاصه من الأتربة والصخور وبقية الشوائب التي تَعلَق به، يُصبح مادة صفراء تُشبه في قوامها قوام الكعكة؛ ولهذا يُسمُّون اليورانيوم الخام … الكعكة الصفراء …
وابتسم الشياطين … فهم إذن وراء كعكة من اليورانيوم … ولكن أين؟ وكيف؟ ومتى؟
وكعادة رقم «صفر» في قراءة أفكار رجاله قال: أما أين؟ وكيف؟ ومتى؟ فهي أسئلة لم تُحدَّد عنها الإجابات بعد … إننا ما زلنا نتحسَّس الموقف، ويُمكِن أن يُقال إن المعلومات التي عندنا عبارة عن خطوط عريضة، أو معلومات عامة … فقد وصَلَني تقرير من إحدى جهات الأمن العربية يَطلُب من جهازنا الاشتراك في البحث عن كمِّية من الكعك الأصفر تَتسابق إليه عدة عصابات لسرقتِه … أو شرائه ثم بيعه في السوق السوداء عن طريقها … ونحن أيضًا في حاجة إلى هذه الكمية من الكعك. ولكنَّنا بالطبع على استعداد لدفع الثمن …
ثم سمع الشياطين خشخشة الأوراق … وعرفوا أن رقم «صفر» يُخرِج ملفَّ المعلومات، ثم أخذ يقرأ وهم يُسجِّلون النقاط التي سيسألون عنها …
قال رقم «صفر» بصوته الأجش العريض: أفادت تقارير في غاية السرية تسرَّبت من دولة كبرى أن كمية من اليورانيوم الخام قد اختفت، وهي في الطريق إلى أحد المفاعلات الذرية … ونظرًا لضخامة الكمية المسروقة، ونوع الحراسة التي عليها … فإنَّ اللصوص لا بد وأن يكونوا تابعين لإحدى الدول الكبرى، أو ربما هي عصابة من أكبر العصابات الدولية. ومن المُمكن أيضًا أن تكون العملية شركة بين إحدى الدول وهذه العصابة …
ثم صمت رقم «صفر» … ولم يكن في هذه المعلومات بالطبع شيء مُشجِّع، يمكن أن يكون بداية للبحث ولكن رقم «صفر» عاد يقول: إنني بالطبع لا أطلب منكم البدء الآن، ولكنِّي أرجو أن تدرسوا الملفات التي ستُوزَّع عليكم، وهي ملفَّات تُوضِّح جهات إنتاج اليورانيوم في العالم … وخطوط الإنتاج … ومناطق التوزيع … وذلك على مستوى العالم … وهناك ملحق للملفات، به كافة المعلومات عن العمليات المُماثلة التي تمَّت من قبل … أقصد سرقات اليورانيوم الدولية، ومنها عمليتان تمَّتا في اتجاه الشرق الأوسط.
وساد الصمت لحظات، وقال رقم «صفر»: بالطبع ليسَت لديكم أسئلة الآن … ولهذا فإني أترك لكم فرصة الاطلاع على الملفات من رقم «ا-يو» إلى «يو-س» وهي الملفات التي أشرتُ إليها منذ لحظات.
وانتهى الاجتماع … وعاد الشياطين إلى غُرفهم … وكان في انتظار كل واحد منهم ملفٌّ ضخم باللون الأصفر … معه مُلحَق باللون الأحمر. وجلس كل منهم إلى مكتبه يقرأ الملف، ويُدوِّن ملاحظاته … وكانت مغامرات سرقة اليورانيوم تتحدث عن تفاصيل لا تُصدَّق؛ فهناك حكومات تسرق … وعصابات ضخمة تَشترك … وشخصيات كبيرة تظهر وتختفي … وشركات وهمية تتعامل في ملايين الجهات ثم تتلاشى. كانت كلها قصصًا تحبس الأنفاس … ورغم اشتراك الشياطين اﻟ «١٣» في عشرات المغامرات الخطيرة؛ فإن قصص اليورانيوم كانت قصصًا مختلفة … إنها قصص تفوح منها رائحة الموت.
وفي المساء اجتمع الشياطين اﻟ «١٣» في قاعة الاجتماعات الصغيرة المُلحَقة بالصالة الرئيسية في المقر السري … كانوا جميعًا متلهِّفين إلى سماع أخبار جديدة عن الكعكة الصفراء … ولكن رقم «صفر» لم يظهر هذا المساء … وقضى الشياطين السهرة وهم يتحدَّثون، ثم أدار «بو عمير» جهاز الفيديو الضخم قائلًا: لقد طلبت من أرشيف الأفلام أن يُعد لنا مجموعة من الأفلام الوثائقية عن سرقة اليورانيوم … هناك قصتان فقط استطاع الأرشيف أن يُقدِّمهما لنا.
إلهام: أليست هناك أفلام درامية … إن الأفلام التسجيلية مملَّة …
أحمد: إنك مُتأثِّرة بأفلام جيمس بوند والرجل الأخضر …
وضحكت «زبيدة» وقالت: بالمناسبة … هل هذا الرجل … أخضر فقط … أم إن هناك ألوانًا أخرى؟!
وضحك الشياطين، وبدأ عرض الفيلم … وكانت البداية على الشاشة بالخط العريض «سرِّي جدًّا» … ثم بدأ العرض عن عملية استخراج اليورانيوم من الطبيعة … ومراحل تنقيته قبل دخوله المفاعلات … وكان المذيع يُعلِّق على المشاهد …
ثم جاء الجزء الخاص بسرقة اليورانيوم وهو في حالة نصف مُصنَّعة … أي في حالة ما بين تنقيته من الشوائب، وبين دخوله إلى الأجهزة الخاصة بتحويله إلى طاقة. وعند هذه اللحظة انطفأ النور في الصالة … ودقَّت أجراس الإنذار … وانطلقَت أجهزة التليفون تدقُّ … وأخذت أجهزة التلكس تكتب كلامًا غير مفهوم … وبالتدريب المتَّصل للشياطين … استلقَوا على الأرض … وزحفوا في اتجاه مخارج القاعة الرئيسية، وهم جميعًا يتساءلون عما حدث … ووجدوا الأبواب التي لا تُفتَح إلا أتوماتيكيًّا، ومن مركز التحكيم … وجدوها مفتوحة … ورغم أن ذلك كان أفضل … إلا إنهم دُهِشوا …
وعندما أصبحوا في الممرات المُحيطة بالقاعة الرئيسية انتظموا في مجموعات مُتباعدة، وامتدت أيديهم إلى مخازن الأسلحة في الجدران … فأخرجوا مجموعة من المسدسات والبنادق الخفيفة، انطلقت منها أشعة رفيعة قوية أضاءت في خطوط مُتقاطِعة الممرات المظلمة. لم يكُن هناك أثر لأي شيء …
ثم بدأت الأنوار تُضاء مرة أخرى … وكفَّت أجهزة الإنذار عن الرنين، ووقف الشياطين في أماكنهم مُتنبِّهين، ثم سمعوا صوت رقم «صفر» يتحدَّث في الميكروفونات الخفية داخل الجدران: أشكركم جميعًا، لقد تصرَّفتُم بشكل مثالي، وقد نجحت التجربة التي كنت أريد — عمليًّا — توصيلها لكم … إنني أرجو الآن العودة إلى الصالة الرئيسية للاجتماعات …
عاد الشياطين إلى القاعة … ثم تحدَّث رقم «صفر» على الفور قائلًا: لقد جاءت معلومات جديدة عن العملية … عملية الكعكة الصفراء … إذ الكمية التي سُرقت لن تستعمل في صُنع قنابل ذرية بالمعنى الذي نعرفه … لقد استطاع بعض العلماء التوصُّل إلى جهاز يدور بالذرة، ويمكن أن يُحدث شللًا كاملًا في مدينة كبيرة، أو في عمارة ضخمة، أو ببنك كبير، تمامًا كالشلل الذي حدث الآن في المقر السري، وإن كانت التجربة قد تمَّت دون استخدام الذرة … فقط لأنني أردت أن أُبيِّن لكم معنى الشلل الذي أقصده.
ثم توقَّف رقم «صفر» لحظات ثم مضى يقول: إن ما أريد أن أُحدثكم عنه يدخل في باب العلوم البحتة … ومن الأفضل أن يشرحه لكم أحد علمائنا المتخصِّصين … وبناءً على هذا الشرح سوف تتَّضح لكم خطورة الموضوع الذي ستعمَلون فيه …
وفي تلك اللحظة دق جرس تليفون خاص في الكابينة الزجاجية المُعتمة التي يَجلس فيها رقم «صفر» … فرفع السماعة … ثم استغرقَت المُحادثة الهامسة ثوانيَ قليلة ثم وضع رقم «صفر» السماعة وتوجَّه بالحديث إلى الشياطين قائلًا: لقد تحدَّدت المسافة التي سُرقت فيها الكعكة الصفراء … ومن المتوقَّع أن يُسافر عدد منكم إلى باريس … إن بداية الخيط هناك … وعدوُّنا هذه المرة رجل من أغنى رجال العالم السُّفلي ويُعرَف باسم «المخ». إنه رجل بعيد عن العمليات التنفيذية … ولكنه مخطِّط خطير لأكبر عمليات الإجرام في العالم …