لماذا طُرد أحمد؟
كان قرار طرد «أحمد» من مجموعة الشياطين اﻟ «١٣» قد صدر في الصباح، ففي الاجتماع الصباحي في «المقر السري» — الواقع في مكان ما من الصحراء — سمع الشياطين اﻟ «١٣» صوت رقم «صفر» وهو يُعلن القرار في هدوء … كانت صدمةً لا مثيل لها، لكن لم يكن من حقِّ الشياطين معرفة أسباب قرارات رقم «صفر»؛ فإن النظام الذي تدرَّبوا عليه منذ انضمُّوا جميعًا إلى المجموعة هو تنفيذ التعليمات حرفيًّا «حتى ولو كانت تعني الموت!»
ولكن طرد «أحمد» — كما فكَّر الشياطين جميعًا — كان شيئًا أقسى من الموت … كانوا جميعًا يُحبُّونه؛ فقد كان دائمًا نموذجًا ممتازًا للمغامر الذكي الجريء ذي القلب الشجاع، فما هي الأسباب التي دعت إلى طرده؟
لم يكن هناك سببٌ واحد يُبرِّر هذا القرار…
أخذ «أحمد» يُفكِّر في الأيام القادمة … كان نظام المجموعة يقضي بأن يقوم رقم «صفر» بتدبير عملٍ مناسب للعضو المفصول، بشرط ألَّا يتحدَّث العضو عن حقيقة العمل الذي كان يُمارسه مطلقًا، ولا بكلمةٍ واحدة، وإلَّا كان مصيره الموت!
وكان «أحمد» يُفكِّر في العمل الذي سيُسنده له رقم «صفر»، وتمنَّى أن يكون عملًا مناسبًا … ويُفكِّر في الحياة التي سيحياها بعد ذلك، وكيف سيتحوَّل من مغامر يقضي أغلب الوقت في صراع مع الشر والمجرمين، إلى شابٍّ عاديٍّ يعمل في مكان هادئ. شيء لا يمكن تصوُّره! … ولكن ليس هناك حلٌّ آخر؛ فهو لا يستطيع مناقشة رقم «صفر» في القرار، وليس عليه إلَّا التسليم.
سمع التليفون يدق، وعندما رفع السمَّاعة كانت مفاجأة له: لم يكن المتحدِّث أي واحد من الشياطين اﻟ «١٣»، لقد عرف على الفور الصوت العميق، إنه صوت رقم «صفر»، وقد كانت أول مرة يتحدَّث إليه تليفونيًّا …
قال رقم «صفر»: «أحمد»!
ردَّ «أحمد» سريعًا: نعم!
رقم «صفر»: هل أنت على استعداد لتنفيذ القرار؟
أحمد: بالطبع يا سيدي.
وصمت رقم «صفر» لحظات، ثم قال: الساعة الآن التاسعة وعشرون دقيقة، سنلتقي في الغرفة رقم «١٧/ك/س» بعد عشر دقائق بالضبط.
وفي الموعد وجد «أحمد» نفسه في غرفةٍ مستديرة، بُطِّنت جدرانها بالفلِّين السميك، وفي وسطها تمامًا مائدة مستديرة، يتوسَّطها ميكروفون ومقعد واحد، ولا شيء آخر … وأحسَّ بخيبة أمل، فوجود مقعد واحد معناه أنه سيكون وحده، وأن رقم «صفر» لن يأتي ولن يراه …
جلس على المقعد، ولم يكد يرتاح في جلسته حتى سمع صوت رقم «صفر» يقول: لعلك توقعت أن تراني!
ردَّ «أحمد»: نعم!
رقم «صفر»: لم يأتِ الوقت المناسب بعد.
أحمد: وهل هناك وقت أنسب من خروجي من المجموعة؟ إنني إذا لم أرَك الآن فلن أراك بعد الآن.
سمع «أحمد» رقم «صفر» يضحك، وكانت هذه أول مرة يسمع فيها ضحكته، وقال رقم «صفر»: لي معك حديثٌ هام!
أحمد: إنني منصتٌ تمامًا يا سيدي.
رقم «صفر»: يُهمُّني جدًّا ألَّا يعرف أحدٌ هذا الحديث، ولا أن يعرف لماذا طُردت من مجموعة الشياطين اﻟ «١٣».
دقَّ قلب «أحمد» سريعًا وهو يسمع كلمة «الطرد». لقد ظن عندما سمع رقم «صفر» يضحك أنه غيَّر رأيه، ولكن من الواضح أنه مُصرٌّ على طرده، وعادت التساؤلات تشد رأسه، لماذا؟!
ولكن الرد لم يأتِ سريعًا، قال رقم «صفر»: إنك تعرف «الورلد ماسترز» أو «سادة العالم»، هذه العصابة الرهيبة التي تُحاول أن ترث سلطة عصابة «المافيا» في العالم! … إن هذه العصابة أقوى وأكثر تنظيمًا من «المافيا»؛ فعصابة «المافيا» تُركِّز نشاطها في «أمريكا» و«إيطاليا»، وبعض الدول الأخرى، ولكن ليس ﻟ «المافيا» نشاط في الشرق الأوسط أو المنطقة العربية عمومًا … أمَّا «الورلد ماسترز» فتسعى لفرض سيادتها على منطقتنا، وقد استطعتم حتى الآن أن تكسبوا منها جولتَين، ولكن هذا لن يُؤدِّي إلى وقف نشاطها مطلقًا.
وصمت رقم «صفر» لحظات … وتذكَّر «أحمد» مغامرة «رصاصة واحدة تكفي»، ثم مغامرة «قارئ الأفكار» … لقد استطاع الشياطين اﻟ «١٣» أن يقضوا على عدد لا بأس به من أكبر أعوان عصابة «سادة العالم»، ولكن هذا بالطبع ليس معناه نهايتها.
وعاد صوت رقم «صفر» يقول: وأنت تذكر السيارة الإلكترونية التي كانت مع العصابة، هذه السيارة التي تُشبه قلعةً محصنةً لا يمكن اقتحامها، لقد اكتشفتُ بعد الاستيلاء على السيارة في المغامرة الأخيرة أنهم التقطوا مجموعةً من الصور لك …
وتوتَّرت أعصاب «أحمد»؛ لقد عرف الآن سر طرده … لقد انكشف ولم يعد صالحًا للعمل، وأحسَّ بقلبه ينقبض؛ فقد جاءت النهاية حقًّا، لقد كان من أهم عوامل نجاحهم حتى الآن أن لا أحد يعرفهم …
وعاد رقم «صفر» يقول: وباكتشافهم شخصيتك؛ أصبح من الصعب أن تكون ضمن الشياطين اﻟ «١٣» في صراعهم ضد هذه المنظمة الإرهابية العاتية … هل تفهمني؟
ردَّ «أحمد» باستسلام: إنني أفهمك بالطبع يا سيدي.
رقم «صفر»: أليس هذا مبرِّرًا كافيًا لطردك من مجموعة الشياطين؟
ردَّ «أحمد»: بالطبع يا سيدي، ولكن …
رقم «صفر»: ولكن ماذا؟
أحمد: من الممكن أن أُطرد لفترة وأبقى في المقر السري حتى القضاء على منظمة «الورلد ماسترز»، ثم أعود إلى نشاطي مرةً أخرى، أو دعني أشترك في النشاط الموجَّه إلى العصابات الأخرى، فلن تكون منظمة «الورلد ماسترز» هي المنظمة الوحيدة التي تعمل ضدنا.
قال رقم «صفر»: إن «الورلد ماسترز» واختصارًا لها سمِّها «و. م» هي ما يُهمُّني حاليًّا؛ فهي أكثر العصابات التي قابلتها خطورة، وفي وجودك وسط الشياطين والعصابة تعرف شكلك، ما يُمثِّل نقطة ضعف كبرى في المجموعة … أليس كذلك؟!
أحمد: بالطبع يا سيدي!
رقم «صفر»: إذن استعد للسفر فورًا إلى «القاهرة» … جهِّز ما تحتاج إليه من ملابس، وستجد مظروفًا به مبلغ محترم، يسمح لك بحياة محترمة في أي مكان.
أحسَّ «أحمد» بغصة في حلقه … لقد أصبح الأمر نهائيًّا، وتردَّد لحظات، ثم قال: أودُّ أن أقول لك يا سيدي إن بعض زملائنا ثائرون.
ردَّ رقم «صفر»: ليس بعضهم، إنهم جميعًا غاضبون من أجلك … ونحن نشكرك لأنك وقفت موقفًا صحيحًا، ونصحتهم بأن يُنفِّذوا الأوامر.
أحمد: شكرًا لك يا سيدي، ووداعًا …
رقم «صفر»: وداعًا يا ولدي.
عندما عاد «أحمد» إلى غرفته كانت مشاعر الحزن والأسى تُسيطر عليه … لقد أدرك الآن قسوة نظام مجموعة الشياطين اﻟ «١٣». لقد أصبح في لحظات شخصًا غير مرغوب في بقائه، وصدر القرار بطرده دون رحمة …
ونظر إلى «الكومودينو» المجاور لفراشه، ولفت انتباهه ورقة بيضاء مطوية وتحتها مظروف أزرق.
أمسك بالورقة ليفتحها فسقطت منها سلسلة من المفاتيح فدُهش … وقرأ الورقة، وكانت كالآتي:
اقرأ هذا العنوان واحفظه جيدًا، ثم أحرق هذه الورقة فورًا …
العمارة رقم ١٦ شارع كورنيش النيل، جاردن سيتي، «القاهرة»، الدور الثامن، الشقة ٨٤.
المفاتيح المرفقة هي مفاتيح الشقة، خذها وسافر فورًا. الرسالة الزرقاء لا تُفتح إلَّا عندما تدخل الشقة، وتُغلِق الباب عليك.
أغمض «أحمد» عينَيه وأخذ يُثبِّت العنوان في ذاكرته كما تعلَّم أن يفعل، «١٦ شارع كورنيش النيل ٨٤»، وألقى بالورقة في فتحة صغيرة بالحائط، فاشتعلت فيها النار فورًا، وتحوَّلت في ثوانٍ قليلة إلى رماد، ثم قام إلى حقيبته فأعدَّها، وسمع جرس التليفون الداخلي يرن ورفع السمَّاعة، وسمع صوتًا يقول: البوابة رقم ٤ السيارة في انتظارك.