شرك الحب
وبعدما سكن جأش الفتنة، جعل حبيب يتردد إلى البلدة التي فيها فاتنة، وتسمى بالمختارة، وهو غير مبالٍ بشدة الخطر الذي كان يترصده من الأعداء، فكان يتنقل من مكان إلى آخر متنكرًا، حائمًا حول منزلها حتى يفوز منها بنظرة تلطف حر قلبه، ثم يعود من حيث أتى وقد امتلأ فؤاده بهجةً وسرورًا، وكثيرًا ما كان هذا الحب سببًا لوقوعه في يد أناس من أعدائه، فينجو منهم بقوة ساعده وشدة بأسه، إلى أنْ جاءه يوم لم تنفع فيه بسالة ولا جهاد، فوقع في أسر أبيها وغُل في سجن مظلم، فأقام يتوقع الموت في كل آن لما كان يعلمه من قساوة الحاكم واستبداده، وحبه للانتقام وسفك الدماء.
ودام على تلك الحال بضعة أيام لم يذُق في خلالها لذة الكرى؛ لشدة ما لقي من سوء المعاملة، ومن أثقال القيود والسلاسل التي لم يقدر على احتمالها.
وجلس في إحدى الليالي أمام نافذة السجن يراقب النجم في كبد السماء، ويفكر فيما آل إليه حاله، وكيف أُبعد عن فاتنة لبه كل تلك المدة، وهي لم تبالِ بمصابه الذي سببته له، ولا سعت في إنقاذه من مخالب الموت الذي كان يتهدده، مع تيقنه أنها لا بدَّ أنْ تكون قد علمت بما جرى له، فأخذ يؤنب نفسه؛ لتورطه في هواها وتعرضه للأخطار بسببها، وهي تعرض عنه في أوان الضيق، ولا تحتال لتخليصه من عذابات السجن، ولكنه مع كل هذه الأفكار لم يكن يشعر إلَّا بقوة سلطانها على فؤاده، وأنه سيموت سعيدًا لأجلها، وعلى هذا الأمل أطبق جفنيه واستغرق في نوم عميق.