الشياطين في مأزق!
كان الوجه غريبًا على «أحمد» … لكنه كان يَبتسِم ابتسامة طيبة … فكر: لعله أحد عملاء رقم «صفر» أو … ولم يجد ما يقوله. فما معنى أن يظهر هذا الوجه وله بالذات. مع أنه توجد عشرات الحجرات على الشاطئ … في ذلك المكان الغامض … ظلَّ الوجه الغريب يبتسم ابتسامته الطيبة، ثم قال: اسمع.
نظر «أحمد» إليه في دهشة … ثم سأله: هل تعرفني؟
هزَّ الرجل وجهه وقال: نعم إنني أعرفك.
أحمد: وماذا تريد؟
الرجل: جئت لكي …
ولم يكمل الرجل جملته، فقد صرخَ صرخةً مُفزِعة، واختفى. ومرَّت لحظات قبل أن يسمع «أحمد» صوت ارتطام شيء بالماء … فعرف أن الرجل قد هوى في البحر.
فُتحَ باب الحجرة. ودخل أحد الحراس يتحدَّث بأدب شديد: لا تَنزعِج مما حدث، إن ذلك يَحدُث كثيرًا، ودائمًا ينتهي نفس النهاية … هل أستطيع أن أقدم لك خدمة ما؟
شكره «أحمد» … فانصرف. طار النوم من عينيه. كيف ينام وسط ذلك كله. لكنه مع ذلك، تمنَّى لو ينام، وتلك الحركة الذكية من «مارتيني» ودخول الحراس الواحد بعد الآخر، كلما بدأ في النوم فكر بسرعة: إنه لم تَصِله برقيات منذ ساعات … والمفروض أن يتلقى رسالة … أخرج جهاز اللاسلكي.
لكن الجهاز كان مُعطَّلًا ربما من صدمة السيارة، حاول أن يُصلحه، لكنه لم ينطق، لحظة ثم دخل «كاريللو» … فأخفى «أحمد» الجهاز بسرعة … ابتسم ابتسامة جافة. ثم قال ﻟ «أحمد»: نسيتُ أن أقول لك شيئًا: إنَّنا لم نَقُم بتفتيشك … ذلك لأن كل الأجهزة التي تستخدمها تنتهي تمامًا، بمجرد دخولك هذه الحُجرة. إنها مُمغنطة بطريقة تفسد أي جهاز «إلكتروني» … فقط أردت أن أقول لك ذلك. تحياتي! أتمنى أن تنام … لأن النوم هو الفائدة الوحيدة التي يُمكن أن تجنيَها الآن.
خرج «كاريللو» فأغلق الباب. فكر «أحمد» بسرعة، إنَّ هذا حصار غريب. ثم … ما هي نهاية هذا كله؟!
تذكَّر كلمات «مارتيني» و«كاريللو»، فنظر في ساعة يده، لكنها كانت متوقِّفة أيضًا. خطر له خاطر؛ ما الذي جعل «كاريللو» يدخل في هذه اللحظة بالذات بينما كان يُجرِّب الجهاز؟ لا بدَّ أن الحجرة مراقبة، وأن العدسات السرية تنقل إلى حجرة المُراقبة كل ما يدور فيها.
ابتسم «أحمد» وقال لنفسه: إنها عصابة مجهَّزة تمامًا … ومستعدَّة لكل شيء.
لم يكن أمامه شيء … سوى أن يُلقيَ بنفسه على السرير … ويحاول النوم، أسرع وألقى نفسه فعلًا على السرير، لكن، أين النوم في مثل هذه الساعة … كان يتمنَّى لو أرسل رسالة إلى الشياطين يقول لهم أين هو ويسألهم أين هم؟ لكن، كيف يستطيع الآن، وقد انقطعت صلته بالعالم تمامًا. دارت رأسه … إن التعب يكاد يقتله.
انتظر لحظة. ثم جاءت الدقات مرةً أخرى، كانت آتية من نفس المكان، تحت النافذة، قام في هدوء، واتجه إلى النافذة. سمع تلك الكلمات: نحن هنا … لا تخش شيئًا … إن المكان محاصر جيدًا.
كان يستمع إلى الكلمات … ويُحاول أن يميز الصوت الذي يقولها، لكن صوت الموج لم يُعطِه الفرصة، قال فيما يشبه الهمس: من الذي يتكلم؟ … جاء الرد سريعًا: إنني «مصباح»!
شعر «أحمد» بالراحة. لكنه تذكر ما حدث لصاحب الابتسامة الطيبة، وقوعه في الماء. وتلك الصرخة المفزعة التي أطلَقَها قبل أن يُكمِل كلامه قال بسرعة: رسالة إلى رقم «صفر»: موعد الهجوم الثاني؟
عاد بسرعة إلى السرير، واستلقى فيه. لم تمرَّ لحظة، حتى فتح الباب … لمح بطرف عينه «كولدر» … ابتسمَ من أعماقه. وظلَّ كما هو مغمض العينين. اقتربت الخطوات منه ثم سمع صوت «كولدر» الهادئ تمامًا، وكأنه يأتي من مكان بعيد … هل نمت؟
لم يرد … اقتربت الخطوات أكثر. حتى كاد يشعر بأنفاس «كولدر» قال: يجب أن تَستيقِظ قليلًا، إن لي معك بعض الأسئلة.
لم يتحرك «أحمد». هزَّه «كولدر» بهدوء … غير أنَّ «أحمد» لم يردَّ. هزَّه بعنف، ففتَح عينَيه، مُقلِّدًا من يقوم من نومٍ عميق … ثم نظر إلى «كولدر» قائلًا: مستر «كولدر»! نظر حوله، ثم نظر إلى النافذة … وقال: هل ما زلنا بالليل؟
ابتسم «كولدر» وقال: لقد انقطعت صلتك حتى بالزمن … نعم. إننا ما زلنا في الليل.
وقف «أحمد» يُرحِّب به: أهلًا مستر «كولدر» … إنني لم أرك منذ لحظة المطار …
ضحك «كولدر» ضحكة باردة … ثم قال: هل تعرف كم الساعة الآن؟
ابتسم «أحمد» في هدوء وردَّ: لا أظنُّ أنني أعرف … كم الساعة الآن؟
قال «كولدر» بابتسامة ساخرة: إنها الثانية إلا الربع، هل تعرف ماذا يعني هذا؟
أحمد: لا أظنُّ أنني أعرف، سوى أن ساعتَين قد مرَّتا بعد منتصف الليل.
نظر «كولدر» إلى «أحمد» بإمعان، وظل صامتًا لحظة ثم قال: ألا تعرف حقًّا ماذا يعني هذا؟
أحمد: بالتأكيد لا أعرف.
كولدر: أنت تعرف كل شيء، منذ قابلتك في مطار القاهرة، لقد رأيتُكَ ورأيتُ زميلَيك وهما يتبعان «شل»، لكن أظنُّ أنهما لن يستطيعا شيئًا.
أبدى «أحمد» دهشة مُصطَنعة وقال: الحقيقة أنني لا أدري بالضبط عمَّ تتحدث؟
كولدر: سوف أتركك للصباح … فلنا حديث طويل، إنني أعرف أنك في حاجة إلى النوم. هزَّ رأسه ثم أكمل: أتمنى لك نومًا … صمتَ لحظة ثم قال: هادئًا! ابتسم «أحمد» وشكره قائلًا: أرجو حقيقةً أن أنام … إنني أعرف أنكم في مُنتهى الكرم، ولهذا أرجو أن تعطوني فرصة للنوم.
ضحك «كولدر» ضحكته الباردة؛ لقد عرف أن مقاومة «أحمد» بدأت تضعف … قال وهو يستدير للخروج: نمْ واستمتِع بكرم «سادة العالم».
ما إن استدار «كولدر» حتى كان «مصباح» يطير في الهواء، ويضربه بقدمه ضربة عنيفة، جعلته يَطير في الهواء ثم يسقط على الأرض. لم يستطع «أحمد» أن يُفكِّر، قفز هو الآخر فوق «كولدر»، ورفعه عن الأرض، ثم هوى بقبضة يده على وجهه … بضربة جعلت «كولدر» لا يرى شيئًا، ثم يفقد وعيه، أسرع «مصباح» فأوثق يدَيه إلى رجليه. ثم جرَّه إلى تحت السرير، وأخفاه وهو يقول: لقد كنتُ أفكُّ المسامير التي تربط حديد النافذة، وقد استغرق ذلك بعض الوقت.
ثم نظر إلى «أحمد» وقال: الشياطين هنا … إننا نُسيطِر على كل شيء … وإن كنا لا نعرف تفاصيل المكان.
أحمد: من معك؟
مصباح: «بو عمير»، و«عثمان»، و«خالد»، و«قيس».
أحمد: وبقية الشياطين؟
مصباح: هناك.
أسرع الاثنان بالخروج من الحجرة … كانت الإضاءة الخافتة لا تزال تضيء الممر الطويل. فجأة … أظلمت الدنيا. قال «أحمد»: من الطبيعي أن يَحدث هذا، لا تُشعِل أي شيء حتى لا يعرفوا مكاننا.
تقدَّما معًا … كانا يَسيران بجوار الحائط … لم يستمرَّ تقدمهما سوى خطوات ثم أضاء الممرَّ ضوءٌ قوي … جعلهما لا يَريان شيئًا للحظة، لكنَّهما تعودا الضوء بسرعة … فرأى «أحمد» في نهاية الممر «مارتيني». كان يقف في وسط الممر وهو يَضحك ضحكة مُخيفة. قال «مارتيني»: إنني لا أستطيع أن أقضيَ عليكما الآن، بعد أن قبضْنا على الباقِين!
نظر «مصباح» إلى «أحمد» الذي قال: إنه صراع الرجال في النهاية … إن تقضي علينا أو نقضي عليك.
دوت طلقة رصاص في الممر … ومرَّت بجوار أذن «أحمد» التفَتَ بسرعة. كان «كاريللو» يضحك وقال: هكذا … يُمكن أن يكون التعامل مع الشياطين.
مارتيني: إنَّني أحتاجهما، لا داعيَ للقضاء عليهما الآن.
لم يَكدْ «مارتيني» ينتهي من جملته، حتى كانت لكمة قوية قد نزلت على رأسه كالصاعقة … جرى «أحمد» و«مصباح» ودخَلا إلى أقرب حجرة لهما … في نفس الوقت الذي انطلق الرصاص كالمطر من المدفع الرشاش الذي يَحملُه «كاريللو» …
عندما استقرا في الحجرة قال «أحمد»: هل أُصبت؟
مصباح: لا.
أحمد: إن «بو عمير» وحدَه بينهما الآن … يجب أن نُنقِذَه!
تقدم بهدوء من الباب ثم فتحه، فانهالت طلقات الرصاص أغلق الباب بسرعة. قال مصباح: نحن مَسجونان الآن.
أحمد: سنجد طريقة.
أسرع إلى النافذة قرب البحر، ثم أطلق صيحة البومة بأعلى صوتٍ، جاء الرد سريعًا … نظر «أحمد» إلى «مصباح» وسأل: هل الأربعة داخل المكان؟
مصباح: نعم.
أحمد: من الذي رد إذن؟
لم يَستطِع «مصباح» الإجابة. إن كل ما يعرفه أن الشياطين الخمسة قد دخلوا جميعًا مقر العصابة.
رأى «أحمد» الباب يُفتَح في هدوء … جرى ووقف خلفه هو ومصباح. ظهرت فوهة رشاش … ثم تقدَّمت أكثر.
انتظر «أحمد» قليلًا ثم مد يده في هدوء … وجذب الرشاش جذبة قوية، جعلت «كاريللو» يدخل مُندفِعًا … فيتلقاه «مصباح» بقدم عاجلة في بطنِه، جعلتْه يتكوَّر على الأرض … ويئنُّ من قوة الضربة.
أسرع «أحمد» إليه وحمله، ثم دار به دورتين، وتركه فاصطدم بالحائط … وسقط مغشيًّا عليه … في نفس اللحظة كان «مصباح» قد حمل الرشاش، وتقدم إلى الباب. عندما خرج، كان «أحمد» قد انتهى من شدِّ وثاق «كاريللو» وتبعه … لم يكن أحد في الطرقة … حتى «بو عمير» لم يكن موجودًا. كان الضوء لا يزال يُغطِّي الممر الطويل … وكان الصمت يُخيِّم على كل شيء.
قال «أحمد»: إننا الآن هدف لأي شيء.
مصباح: فلنَدخُل إحدى الحجرات، وننتظر.
صمت «أحمد» قليلًا. ثم أطلق صيحة البومة مرةً أخرى، ثم فُتحَت الأبواب …
أسرع «أحمد» ومصباح يَحتميان بإحدى الحجرات لكن كانت المفاجأة أن الشياطين جميعًا هنا، ظهر «بو عمير» و«عثمان» و«خالد» و«قيس» كان كلٌّ منهم يَحمِل سلاحه.
ورغم فرحة «أحمد» باجتماع الشياطين … إلا أنه في نفس الوقت شعر بالخوف، لا بد أن هناك شيئًا تُدبِّره العصابة. قال: أين «مارتيني»؟
نظر الجميع إلى بعضهم، وسأل «عثمان»: من «مارتيني»؟
نظر «أحمد» إلى «بو عمير» وقال: ذلك الذي ضربته على رأسه في بداية الممر.
ابتسم «بو عمير» وقال: لقد ابتلعته الأرض.
أحمد: كيف؟
بو عمير: عندما ضربته وتهاوى على الأرض، لم أجده وكأنه شيئًا سحريًّا قد خطفه … اندفعت إلى حجرة أحتمي بها، فقد كان هناك ذلك الرجل الذي يَحمل المدفع الرشاش.
أحمد: تقصد «كاريللو»؟
لم يكن هناك صوت سوى صوت الشياطين وهم يتحدَّثون. وعندما صمتوا … صمت كل شيء … قال «أحمد»: ينبغي أن نخرج سريعًا.
كان باب الممر الطويل لا يزال مفتوحًا … قال «أحمد»: «بو عمير» و«خالد» يُغطِّيان خروجنا، وعندما نصل إلى الباب نَحمي نحن خروجهما.
تقدم «أحمد» و«عثمان» و«قيس» إلى باب الممر … في نفس الوقت استدار «بو عمير» و«خالد» ليحميا ظهورهم … كانوا يتقدمون بحذر شديد. فُتح باب … ثم أغلق في عنف.
اتجهوا جميعًا إلى الباب، موجِّهين أسلحتهم إليه، حتى إذا ظهر أحد … انقضوا عليه. فلم يظهر أحد، ولكنَّهم سمعوا صوتًا خافتًا فقال «عثمان»: ربما يكون الهواء.
قيس: ربما … وربما شيء آخر.
بدأ تقدمهم في اتجاه باب الممر … لم يكن ذلك الصمت الذي يملأ المكان بالشيء المريح … كانوا ينتظرون شيئًا ما … ولذلك فإنَّ أحدًا منهم لم يتحدث … سمعوا من بعيد … صوت أقدام … توقفوا لحظة … كان صوت الأقدام يقترب … تبيَّنُوا أنه صوت شخص واحد … وكانت خطواته منتظمة تمامًا، وكأنه في طابور عسكري … ظلَّت الخطوات تقترب من اتجاه باب الممر … وفجأة … أغلق الباب.
جرى «أحمد» إلى الباب سريعًا، ثم ضربه بقدمه لكن الضربة لم تُؤثِّر … قال «أحمد»: يبدو أننا حُوصِرنا في هذا المكان.
اقتربت الأقدام أكثر، حتى أصبح وقعها كالدقات فوق رءوسهم. وارتفعت ضحكة عالية … تردَّد صداها في أرجاء الممر، حتى إنَّ الشياطين ظنوا أنهم في مستشفى المجاذيب.