«بو» … الرجل الحديدي!
انكمَش الشياطين في مكانهم. كانوا ينتظرون، انكشاف تلك اللحظة الغريبة، فبينما كانت الضحكات تتردَّد كانت الأقدام تَقترِب، ثمَّ في النهاية … فُتح الباب وظهر عملاق حديدي … توقف الشياطين ينظرون إليه في دهشة … إنَّ هذه أول مرة يلتقُون فيها بمثل هذا العملاق الغريب … كانت عيناه الزجاجيتان تنظران إليهم بلا معنًى. مدَّ يدَيه إلى الأمام في جمود، وقال «أحمد»: روبوت … رجلٌ ميكانيكي.
بو عمير: هذه هي المفاجأة التي أعدَّتها «سادة العالم» لنا؟
عثمان: أعتقد أننا يجب ألا نتحرَّك … حتى يتحرَّك.
خالد: على كل حال … لا بد أنه يُوجَّه من خلال شخص آخر.
قيس: أعتقد أن الرصاص لا يؤثر فيه.
كان «أحمد» يَرقُب هذا كله … وهو يشعر بالثقة … لأن الشياطين استردُّوا ثقتهم بأنفسهم سريعًا … وبدءوا ينظرون للموقف دون خوف. قال: أيها الشياطين الأصدقاء إننا أمام تجربة جديدة، وممتازة. إما أن نثبت أننا على مستوى مسئوليتنا أو … فإننا لا نستحق شرف الانتساب إلى المقر السري.
رفع الشياطين أصابعهم وهم يرسمون علامة النصر.
كان الرجل الآلي … لا يزال يقف على الباب، فيكاد يُخفيه. فجأة … سمع الشياطين صوت «مارتيني»، ما رأيكم أيها السادة. أليس الموقف طريفًا الآن؟! لقد كنتُ أتمنَّى أن أضمَّكم لنا خصوصًا وأنكم أولاد طيبون. لكن يبدو أن الحظ لم يُواتِني هذه المرة!
صمت «مارتيني» قليلًا، ثم قال: هل تُريدون أن تعرفوا رئيسكم الغامض مستر «صفر» … إنني أستطيع أن أقول كل شيء عنه … فلدينا معلومات كاملة … خصوصًا بعد أن استولينا على مقركم السري.
نظر الشياطين إلى بعضهم، هل حقيقة ما قال «مارتيني»؟! هل نجحت خطة العصابة واستولت على المقر السري؟ … وإذا كان ذلك صحيحًا … فهل قُبض على رقم «صفر»؟!
تمالك «أحمد» نفسه. ثم قال: مستر «مارتيني» إنك تَهزِل لا شك.
ضحك «مارتيني» ضحكة اهتزت لها جنبات المكان، ويبدو أن هناك مكبرات للصوت حتى يعطي كل هذا التأثير … قال «مارتيني»: يُعجبني فيك أنك تستطيع أن تتمالك أعصابك في الوقت المناسب. إنني أعرف أنك مُتعَب تمامًا، وتتمنَّى لو نمت قليلًا … ولقد جرَّبنا معك ألا تنام … حتى تفقد أعصابك … وكنتُ أرسل لك مرةً كل لحظة من يسألك بأدب إن كنت تريد شيئًا.
ابتسم «أحمد»: لقد كان صحيحًا ما فكر فيه … أكمل «مارتيني» كلامه: لقد نجحت في الامتحان … لكن يبدو أنك لن تنجح هذه المرة. إنه امتحان صعب … صعب لكم جميعًا.
انسحب صوت «مارتيني» وظلَّ الشياطين في انتظار أن يتكلَّم لكنه لم ينطق بعدها حاول الشياطين أن يُحدِّدوا مكان الصوت، لكنهم فشلوا، وأخيرًا تحرَّك الرجل الآلي يدق الأرض بقدميه. قال «أحمد»: فلنتفرَّق حتى لا نقع جميعًا في قبضته، لاحظوا أن كل الأسلحة الإلكترونية التي معنا لا تَصلُح، لقد تعطَّلت تمامًا، داخل هذا المبنى.
كانت خطوة الرجل «الآلي»، متسعة بدرجة لا بد أن يجري أمامها الشياطين. كانوا كالأقزام أمامه. ظل الرجل الآلي يتقدم، فيضطر الشياطين إلى الجري إلى الوراء … لكن إلى متى!
قال «خالد»: إلى متى نتراجع … إننا سنصل إلى الجدار وساعتها، سوف يسحقنا تمامًا.
كان الشياطين فعلًا يتراجعون جريًا أمام تلك الخطوات الماردة. كان المارد يسدُّ كل منفذ أمامهم. لكن كان لا بد من تصرف قبل أن يسحقهم جميعًا.
قال «أحمد»: خذوا حذركم، ولا يقع أحدكم في قبضة يده. توقف «قيس» طار في الهواء، ولطمه بقدمه في وجهه، ثم صرخ … لقد تصوَّر أنه يتعامل مع إنسان. سقط «قيس» على الأرض، يتلوَّى من الألم … تضايَق «أحمد» وقال: لا بأس لقد رأينا أن التعامل معه بالقوة البدنية لا ينفع. قفز «خالد»، من تحت ذراع الرجل الآلي، كان يمر طائرًا في الهواء. وعندما أصبح خلفه سقط على الأرض، في رشاقة … صرخ «عثمان» قائلًا: لقد اكتشف «خالد» طريقة للتغلب على الرجل الآلي.
جلجلت في الممرِّ الطويل ضحكات «مارتيني» … ثم جاء صوته: لم أرَ في حياتي مشهدًا مُضحكًا مثل هذا المشهد.
أصبح الشياطين في نهاية الممرِّ، ولم يكن يَحمي ظهورَهم سوى الحائط، في نفس الوقت … الذي كان الرجل الآلي يقترب، وقد مدَّ ذراعيه.
التصق الشياطين بالحائط … وامتدَّت يد الرجل الآلي تُمسِك بعنق «بو عمير» … حاول أن يبعد عن أصابعه الطويلة، إلا أن الرجل أمسك فعلًا بعنقه … لم يكن أمام الشياطين ما يُمكن أن يفعلوه … نظر «أحمد» لحظةً إلى وجه «بو عمير» الذي كان قد بدأ يتقلَّص … وتخرج عينيه من وجهه.
أخرج «أحمد» من جيبه مفتاحًا للصواميل، ثم قفز إلى كتف الرجل الآلي … كان هناك صامولة في الذراع وضع «أحمد» المفكَّ فيها، ثم أدار فدارت … ظلَّ يُدير المفتاح. والذراع تبتعد شيئًا فشيئًا … وبدأ «بو عمير» يتنفَّس، ويرتدُّ إليه لونه. بينما تراخت ذراع الرجل. جلجلت ضحكة «مارتيني» مرةً أخرى … بينما كان الشياطين يقفُون في لحظة ذهول من تصرف «أحمد» وتفكيره.
قال «مارتيني»: رائع يا «أحمد»، كنتُ متأكِّدًا أنني سوف أستفيد منك كثيرًا، لقد عرفت نقطة الضعف الوحيدة في العملاق الحديدي. لكننا سنُقدِّم لكم شخصًا آخر. إن ما يحدث معكم هو مجرَّد تجربة … فخسارة أن نُضحِّي برجالنا … أنتم يُمكن أن تؤدوا لنا خدمة رائعة، مع تلك المخلوقات الحديدية إنكم تُجرِّبُونها نيابة عنا.
لم يكد «مارتيني» ينتهي من كلامه … حتى كانت الدنيا تهتزُّ بهم. والباب المفتوح في بداية الممر، بدأ يُظلِم … ثم فجأة ظهر عملاق حديدي مخيف.
جاء صوت «مارتيني»: ما رأيكم؟ … لقد تلافينا الخطأ في هذا … لقد أطلقنا عليه اسم «بو» إنه يعمل كإنسان … ويتصرَّف، دون أن يتدخل أحد.
كان الرجل الآلي الأول، يقف بجوار الحائط، وكأنه قد هُزم في معركة. في نفس الوقت كان «بو» العملاق الحديدي الآخر … يقترب من الشياطين … بعد أن تجاوَز الباب أطلق «بو» صيحة مخيفة … جعلت الممر الطويل يهتز. تكلم «أحمد» بلغة غريبة … قال: بحبح نيادلخ خاول وعثمنا أحيد الحجرتا مؤقتان لنير الموفق.
ابتسم الشياطين … لقد فهموا ما يريد «أحمد». في نفس الوقت، جاء صوت «مارتيني» قاسيًا: ماذا تقولون؟ لم يردَّ أحد، غير أن «أحمد» ابتسم … ثم قال: إنها تجربة لغوية كتلك التجارب التي تُجرونها … أيها السيد «مارتيني».
كان «بو» يتقدم … وبين كل لحظة وأخرى، يتردَّد صياحه الذي يهزُّ كل شيء … تفرق الشياطين واقتربوا من الأبواب. عند أول باب اختفى «خالد» و«عثمان». قال «أحمد»: لا بأس؟
ضحك «بو عمير» و«قيس» … وصرخ «مارتيني»: بأي لغة تتحدَّث؟
قال «أحمد»: بلغة الشياطين.
مارتيني: أي لغة تلك؟
أحمد: يمكن أن أعطيك مفرداتها فيما بعد.
تقدم «بو» أكثر … جرى «أحمد»، وخلع ذراع الرجل الآلي المهزوم … وتقدم بها ناحية «بو» … مد «بو» … يده ثم جذب الذراع غير أن «أحمد» تشبَّث بها … إلا أن «بو» رفع الذراع، وأحمد معلق بها في الهواء … ثم دار بها دورتين، وعندما أراد أن يَضرِب بها الأرض، كان «أحمد» قد تركها وطار في الهواء ونزل على الأرض … برشاقة … إلا أنَّ الذراع في يد «بو» … ارتطمت بالأرض، فأحدثت دويًّا هائلًا. قال «أحمد»: ندلخ أحيد الحجرتاتا بسرتع. فاهون بل يستطعي دخوهل، لا إذا حطماه.
ابتسم الشياطين ثم تقدموا بسرعة، ودخلوا إحدى الحجرات، كما قال «أحمد» … في نفس اللحظة التي كان «بو» يتقدم فيها إلى الحجرة.
ترك الشياطين باب الحجرة مفتوحًا، حتى يرَوا ماذا يُمكن أن يحدث. توقف «بو» قليلًا ثم صرخ صرخة عالية، وأمسك بأعلى الباب، ثم رفعه، فبدأت المباني تتساقَط أسرع الشياطين إلى الخروج … في نفس اللحظة التي كانت أسلاك الكهرباء، واللمبات تُفرقع مع سقوط الجدران … وبدأ ضوء شاحب يبدو بعيدًا … اتجه الشياطين إليه، بعد أن خرج «خالد» و«عثمان» … عندما سمعا تلك الجلبة العالية.
أسرع الشياطين إلى الباب المفتوح … والذي يظهر منه ضوء الفجر الشاحب … بينما كان «بو» يطاردهم وقد أثقلته الأسلاك، والأخشاب، … وما كاد الشياطين يَقتربُون من الباب … حتى انهالت طلقات الرصاص عليهم أسرعوا بالانبطاح أرضًا، ثم زحفُوا بسرعة إلى أقرب حجرة … فاختفوا داخلها. قال «أحمد»: لقد حُوصرنا في حُجرة واحدة.
خالد: يُمكن أن أخرج إلى حجرة أخرى.
بو عمير: وأنا إلى حجرة ثالثة.
عثمان: سنَشتبِك معهم، حتى نحميَ تحرُّكَكم.
خرج «خالد» و«بو عمير» … زاحفَين، بينما كان «أحمد» و«عثمان» و«قيس» يُغطُّون تحرُّكهم بإطلاق الرصاص في كل الاتجاهات.
تقدم «خالد» عدة خطوات، ثم صرخ: لقد أصبت.
أسرع «عثمان» إليه … بينما كان «أحمد» و«قيس» يُواصِلان إطلاق الرصاص … لقد بدا أنها معركة حربية. بعد أن فشلت تجارب العصابة، مع تلك الآلات الحديدية … كان «بو» ما زال يتقدَّم في اتجاهِهم، لكن فتحة الباب كانت هي الأمل الوحيد. إنَّ مجرَّد الخروج منها، يَجعلهم أكثر قدرةً على الحركة على الأقل، فسوف تَستعيد أسلحتهم قدرتها على العمل.
كانت حركة الهدم التي حدثَت، وأسلاك الكهرباء التي تقطَّعت فرصة؛ فقد أظلم الممر … غير أن الذي كان يُضيئه في بعض اللحظات، تلك الطلقات النارية، لكن الشياطين كانوا يتقدمون، وإن كان تقدمهم بطيئًا. خوفًا من الطلقات النارية، وخوفًا من إصابة أحد غير «خالد» … فقد كان يزحف بصعوبة … وعثمان يأخذ بيدِه … فجأة … غمر الممر ضوء قوي. واختفت تمامًا فتحة الباب، صرخ «أحمد»: الحجرتان؟ … أسرع الشياطين بدخول حجرة واحدة …
قيس: من الخطأ أن نُحاصَر جميعًا في غرفة واحدة.
أحمد: لقد ظهر الفجر. فهل استطاع سادة العالم اقتحام الممر السري؟
نظر الشياطين إلى النافذة، كان ضوء الفجر يتسرَّب منها …
كانت لحظات نادرة؛ الهدوء، والشياطين متعبون، والفجر، وسماء لا تبدو لها نهاية …
بو عمير: هذا الصمت يعني أن هناك شيئًا.
خالد: المهم مصيرنا الآن! إنني على ثقة من أن «سادة العالم» لم يستطيعوا اقتحام المقر السري.
عثمان: لو استطعنا أن نصل إلى نهاية الممر، وأن نقفز من النافذة فسوف نسقط في المياه.
أحمد: ولكن المنطقة عامرة بأسماك القرش المفترسة.
عثمان: أسماك القرش أفضل من هذا الرجل الحديدي، ومن الأفضل أن ينجو منَّا واحد، بدلًا من أن نهلك جميعًا.
قيس: سنواجه «بو».
خالد: عندي خطة.
التفت إليه الشياطين جميعًا باهتمام، وقال «خالد»: من الممكن استخدام أسلاك الكهرباء العادية في إحداث ماس كهربائي، وما دام «بو» من الحديد فسوف تُعطَّل الأجهزة التي يتحرك بها.
أحمد: إنك ولد رائع، ولكنك جريح.
خالد: ليست مشكلة، هيا افتحوا الباب.
أسرع «عثمان» يفتح الباب، وكان الدمار قد حل بالمكان، وأسلاك الكهرباء منثورة هنا وهناك. وكان «بو» يقف أمام الباب ينظر بعينَيه الجامدتين. ومدى إحدى يديه لأول واحد منهم … وضربه «بو عمير» بالرصاص في يده … ولكن شيئًا لم يحدث له …
وكان «خالد» و«أحمد» قد أمسك كلٌّ منهما بطرفٍ، ثم تقدما من «بو» بشجاعة وهما يزحفان على الأرض … وأخذ «بو» يَنحني هو الآخر مُحاولًا الإمساك بهما … وقفز «بو عمير» على ظهره، ودقَّ رأسه بالمدفع الرشاش، وصاح «أحمد»: انزل فورًا.
قفز «بو عمير» في الهواء، في نفس الوقت الذي قام فيه «أحمد» و«خالد» بتوصيل السلك إلى جسد «بو» الحديدي وحدَث ما توقَّعاه تمامًا … انطلقت الشرارات من جسد «بو» الحديد وبدأ يتآكَل … وفي نفس الوقت ظلَّ منحنيًا وقد تعطلت حركته تمامًا …
صاح «أحمد»: هيا بنا، إنها فرصتنا.
أخذ «بو عمير» يطلق الرصاص في كل اتجاه، وهم يجرون جميعًا في الممر الطويل متجهين إلى نهايته.