تَجَارِبُ جَدِيدَةٌ
بَعْدَ بِضْعَةِ أَيَّامٍ انْتَهَتْ الِاحْتِفَالَاتُ وَعَادَ الْجَمِيعُ إِلَى الْعَمَلِ، فَقَدْ وَصَلَتْ أَوَامِرُ رَسْمِيَّةٌ تُوَجِّهُ فرانسوا وَبيرو إِلَى أَمَاكِنَ جَدِيدَةٍ وَكَانَ عَلَيْهِمَا تَرْكُ فَرِيقِهِمَا وَرَاءَهُمَا. نَادَى فرانسوا باك وَاحْتَضَنَهُ وَبَكَى، وَكَانَتْ هَذِهِ هِيَ آخِرُ مَرَّةٍ يَرَى فِيهَا باك فرانسوا وَبيرو؛ فَعَلَى غِرَارِ غَيْرِهِمْ مِنَ الرِّجَالِ، رَحَلُوا مِنْ حَيَاةِ باك إِلَى الْأَبَدِ.
تَوَلَّى رَجُلٌ اسْكُتْلَنْدِيٌّ مَسْئُولِيَّةَ باك وَزُمَلَائِهِ فِي الْفَرِيقِ، مَعَ اثْنَيْ عَشَرَ فَرِيقًا مِنَ الْكِلَابِ الْأُخْرَى وَبَدَأَ فِي طَرِيقِ الْعَوْدَةِ إِلَى داوسون.
لَمْ يَعُدْ هُنَاكَ رَكْضٌ خَفِيفٌ، وَلَاَ مُحَاوَلَةٌ لِتَحْقِيقِ رَقْمٍ قِيَاسِيٍّ، فَقَطْ عَمَلٌ شَاقٌّ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَعَ حِمْلٍ ثَقِيلٍ عَلَى الْمِزْلَجَةِ. كَانَتْ هَذِهِ هِيَ قَافِلَةُ الْبَرِيدِ الَّتِي تَحْمِلُ الْخِطَابَاتِ إِلَى الرِّجَالِ الَّذِينَ يَبْحَثُونَ عَنِ الذَّهَبِ.
لَمْ يُحِبَّ باك الْأَمْرَ، وَلَكِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ تَنْفِيذُ الْعَمَلِ وَالافْتِخَارُ بِذَلِكَ مِثْلَ ديف وَسوليكس، وَكَانَ يَحْرِصُ عَلَى أَنْ يَقُومَ بَاقِي زُمَلَائِهِ بِالْجُزْءِ الْخَاصِّ بِهِمْ مِنَ الْعَمَلِ سَوَاءٌ أَكَانُوا يَشْعُرُونَ بِالْفَخْرِ أَمْ لَا. لَقَدْ كَانَتْ حَيَاةٌ مُمِلَّةٌ، وَكَانَ كُلُّ يَوْمٍ يُشْبِهُ غَيْرَهُ. فَفِي وَقْتٍ مُحَدَّدٍ كُلَّ صَبَاحٍ، كَانَ الطُّهَاةُ يَسْتَيْقِظُونَ وَيُشْعِلُونَ النِّيرَانَ وَيَبْدَءُونَ فِي طَهْيِ الْإِفْطَارِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ، بَيْنَمَا يَقُومُ بَعْضُ الرِّجَالِ بِحَزْمِ الْمُخَيَّمِ، يَتَوَلَّى آخَرُونَ تَجْهِيزَ الْكِلَابِ بِالسُّرُوجِ ثُمَّ يَبْدَءُونَ فِي شَقِّ طَرِيقِهِمْ قَبْلَ الْفَجْرِ بِسَاعَةٍ تَقْرِيبًا. وَفِي الْمَسَاءِ، كَانُوا يُخَيِّمُونَ مُجَدَّدًا، فَيَتَوَلَّى بَعْضُ الرِّجَالِ إِشْعَالَ النِّيرَانِ، وَبَعْضُهُمْ كَانَ يَقْطَعُ الْحَطَبَ، وَآخَرُونَ كَانُوا يَجْلِبُونَ الْمِيَاهَ أَوِ الثَّلْجَ إِلَى الطُّهَاةِ. كَمَا كَانَ يَتِمُّ إِطْعَامُ الْكِلَابِ أَيْضًا، وَبِالنِّسْبَةِ لَهَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ أَكْثَرُ الْأَوْقَاتِ الشَّيِّقَةِ عَلَى مَدَارِ الْيَوْمِ، كَمَا كَانَ التَّسَكُّعُ مَعَ الْكِلَابِ الْأُخْرَى لِمُدَّةِ سَاعَةٍ أَوْ مَا يَقْرُبُ بَعْدَ تَنَاوُلِ السَّمَكِ مُمْتِعًا أَيْضًا، فَقَدْ كَانَ هُنَاكَ الْعَشَرَاتُ مِنَ الْكِلَابِ. وَكَانَ هُنَاكَ مُقَاتِلَانِ شَرِسَانِ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَلَكِنْ بَعْدَ ثَلَاثِ مَعَارِكَ شَرِسَةٍ مَعَ أَكْثَرِ الْكِلَابِ شَرَاسَةً أَصْبَحَ باك مُقَاتِلًا لَا يُقْهَرُ. فَعِنْدَمَا كَانَ يَقِفُ مُنْتَصِبًا وَيُكَشِّرُ عَنْ أَنْيَابِهِ، كَانَتْ كُلُّ الْكِلَابِ تَبْتَعِدُ عَنْ طَرِيقِهِ.
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ مَا كَانَ يُحِبُّهُ باك هُوَ الِاسْتِلْقَاءُ بِجَانِبِ النِّيرَانِ وَأَرْجُلُهُ الْخَلْفِيَّةُ مَثْنِيَّةٌ تَحْتَهُ وَالْأَمَامِيَّةُ مَمْدُودَةٌ أَمَامَهُ، وَرَأْسُهُ مَرْفُوعَةٌ وَعَيْنَاهُ تَلْمَعَانِ عَلَى وَهِيجِ النِّيرَانِ بِنَظَرَاتٍ حَالِمَةٍ. كَانَ يُفَكِّرُ أَحْيَانًا فِي مَنْزِلِ الْقَاضِي ميلر فِي وَادِي سانتا كلارا الَّذِي تَغْمُرُهُ الشَّمْسُ، وَفِي خَزَّانِ السِّبَاحَةِ الْأَسْمَنْتِيِّ، وَفِي يسابل — الْكَلْبِ الْمِكْسِيكِيِّ الْأَصْلَعِ — وَفِي توتس — كَلْبِ البج الْيَابَانِيِّ — وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَذَكَّرُ أَكْثَرَ الرَّجُلَ ذَا السُّتْرَةِ الْحَمْرَاءِ، وَإِصَابَةَ الْكَلْبَةِ كيرلي، وَالْمَعْرَكَةَ الْكُبْرَى مَعَ سبيتز، وَالْأَشْيَاءَ الْجَيِّدَةَ الَّتِي أَكَلَهَا أَوِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَهَا. لَمْ يَكُنْ يَشْعُرُ بِالْحَنِينِ إِلَى مَنْزِلِهِ؛ لَقَدْ كَانَ الْجَنُوبُ بَعِيدًا جِدًّا وَلَمْ تَكُنْ ذِكْرَيَاتُهُ تُؤَثِّرُ فِيهِ؛ بَلْ كَانَتِ الْغَرَائِزُ الَّتِي يَشْعُرُ بِهَا أَكْثَرَ أَهَمِّيَّةً، فَكَانَتْ تَجْعَلُ أَشْيَاءَ لَمْ يَرَهَا مِنْ قَبْلُ تَبْدُو مَأْلُوفَةً.
كَانَتِ الرِّحْلَةُ شَاقَّةً مَعَ كُلِّ هَذَا الْبَرِيدِ عَلَى الْمِزْلَجَةِ، وَقَدْ أَرْهَقَ الْعَمَلُ جَمِيعَ الْكِلَابِ. فَكَانَتْ جَمِيعُهَا وَاهِنَةً عِنْدَمَا وَصَلُوا إِلَى داوسون وَبِحَاجَةٍ إِلَى أُسْبُوعٍ أَوْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ عَلَى الْأَقَلِّ لِلرَّاحَةِ. وَلَكِنْ بَعْدَ يَوْمَيْنِ فَقَطْ بَدَءُوا رِحْلَتَهُمْ فِي الطَّرِيقِ بِجَانِبِ نَهْرِ يوكون مُحَمَّلِينَ بِخِطَابَاتٍ مُجَدَّدًا. كَانَتِ الْكِلَابُ مُرْهَقَةً، وَالسَّائِقُونَ يَتَذَمَّرُونَ، وَالْأَسْوَأُ مِنْ ذَلِكَ كَانَتِ الثُّلُوجُ تَنْهَمِرُ كُلَّ يَوْمٍ. وَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ الطَّرِيقَ نَاعِمًا وَالْمِزْلَجَةَ لَمْ تَكُنْ تَنْزَلِقُ بِسُهُولَةٍ مِمَّا كَانَ يَعْنِي أَنَّ جَرَّهَا كَانَ أَثْقَلَ بِالنِّسْبَةِ لِلْكِلَابِ. وَرُغْمَ صُعُوبَةِ الْأَمْرِ، كَانَ السَّائِقُونَ عَادِلِينَ طَوَالَ الْوَقْتِ وَقَامُوا بِأَفْضَلِ مَا يُمْكِنُهُمْ مِنْ أَجْلِ الْحَيَوَانَاتِ.
فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، كَانَ يَتِمُّ الِاعْتِنَاءُ بِالْكِلَابِ أَوَّلًا. كَانَتْ تَأْكُلُ قَبْلَ السَّائِقِينَ وَلَمْ يَشْرَعْ أَيٌّ مِنْهُمْ فِي تَجْهِيزِ حَقِيبَةِ نَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْتَنِيَ بِأَقْدَامِ الْكِلَابِ الَّتِي يَقُودُهَا، وَمَعَ ذَلِكَ، كَانَتْ قُوَّتُهَا تَخْبُو. فَمُنْذُ بِدَايَةِ الشِّتَاءِ سَافَرَتِ الْكِلَابُ أَلْفًا وَثَمَانِمِائَةَ مِيلٍ وَهِيَ تَجُرُّ الْمِزْلَجَاتِ كُلَّ هَذِهِ الْمَسَافَةِ، وَهَذِهِ الْمَسَافَةُ كَفِيلَةٌ بِأَنْ تُوْهِنَ حَتَّى أَقْوَى الْكِلَابِ. كَانَ باك مُسْتَمِرًّا فِي الْعَمَلِ وَيَحْرِصُ عَلَى أَنْ يَقُومَ زُمَلَاؤُهُ بِعَمَلِهِمْ كَذَلِكَ، وَيَتَعَاوَنُونَ مَعًا رُغْمَ أَنَّهُ كَانَ مُرْهَقًا هُوَ الْآخَرُ. كَانَ بيلي يَبْكِي وَيَئِنُّ فِي نَوْمِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ. وَكَانَ جو لَئِيمًا أَكْثَرَ مِنْ ذِي قَبْلُ، وَأَصْبَحَ لَا يُمْكِنُ الِاقْتِرَابُ مِنْ سوليكس مِنْ أَيِّ جَانِبٍ.
وَلَكِنْ مِنْ بَيْنِ كِلَابِ الْفَرِيقِ، كَانَ ديف أَكْثَرَ مَنْ يُعَانِي؛ فَشَيْءٌ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا يُرَامُ بِهِ. لَقَدْ أَصْبَحَ أَكْثَرَ تَعَاسَةً وَغَضَبًا، وَبِمُجَرَّدِ إِقَامَةِ الْمُخَيَّمِ كَانَ يَحْفِرُ حُفْرَةً لِلنَّوْمِ حَيْثُ كَانَ سَائِقُهُ يُطْعِمُهُ. وَكَانَ بِمُجَرَّدِ تَحَرُّرِهِ مِنَ السَّرْجِ وَاسْتِلْقَائِهِ، لَا يَنْهَضُ إِلَّا عِنْدَ وَقْتِ وَضْعِ السَّرْجِ مُجَدَّدًا فِي الصَّبَاحِ. وَأَحْيَانًا وَهُوَ فِي السَّرْجِ، عِنْدَمَا كَانَ يَجُرُّ الْمِزْلَجَةَ بِقُوَّةٍ كَانَ يَصْرُخُ أَلَمًا. وَقَدْ تَفَقَّدَهُ السَّائِقُ وَلَكِنْ لَمْ يَجِدْ بِهِ أَيَّةَ إِصَابَةٍ.
وَعِنْدَ وُصُولِهِمْ إِلَى كاسيار بار، كَانَ ديف ضَعِيفًا لِلْغَايَةِ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يَسْقُطُ أَرْضًا فِي السَّرْجِ. أَوْقَفَ السَّائِقُ الِاسْكُتْلَنْدِيُّ الْكِلَابَ وَأَخْرَجَ ديف مِنَ الْفَرِيقِ. فَقَدْ أَرَادَ أَنْ يُرِيحَ ديف وَيَتْرُكَهُ يَرْكُضُ بِحُرِّيَّةٍ خَلْفَ الْمِزْلَجَةِ. وَرُغْمَ أَنَّهُ كَانَ مَرِيضًا لِلْغَايَةِ، لَمْ يُحِبَّ ديف أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْفَرِيقِ، فَقَدْ تَذَمَّرَ وَزَمْجَرَ أَثْنَاءَ إِزَالَةِ السَّرْجِ، وَتَأَوَّهَ بِحُزْنٍ وَهُوَ يَرَى سوليكس فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ يَشْغَلُهُ لِوَقْتٍ طَوِيلٍ؛ لَقَدْ كَانَ ديف فَخُورًا بِعَمَلِهِ، حَتَّى إِنَّهُ رُغْمَ مَرَضِهِ الشَّدِيدِ، لَمْ يَكُنْ يُطِيقُ رُؤْيَةَ كَلْبٍ آخَرَ يَقُومُ بِعَمَلِهِ.
عِنْدَمَا بَدَأَتِ الْمِزْلَجَةُ تَتَحَرَّكُ مَرَّةً أُخْرَى، رَكَضَ ديف فِي الثَّلْجِ وَهُوَ يَنْبَحُ تِجَاهَ سوليكس وَيُحَاوِلُ دَفْعَهُ بَعِيدًا عَنِ الطَّرِيقِ. حَاوَلَ السَّائِقُ أَنْ يُبْقِيَ ديف بَعِيدًا عَنِ السَّرْجِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ، وَقَدْ جَعَلَهُ ذَلِكَ حَزِينًا لِلْغَايَةِ. كَانَ يَرَى كَمْ كَانَ ديف يَتَلَهَّفُ لِأَنْ يَكُونَ ضِمْنَ الْفَرِيقِ، فَقَدْ رَفَضَ الرَّكْضَ بِهُدُوءٍ خَلْفَ الْمِزْلَجَةِ حَيْثُ كَانَ الرَّكْضُ سَهْلًا، وَظَلَّ يَرْكُضُ بِجَانِبِ الْمِزْلَجَةِ عَلَى الثُّلُوجِ النَّاعِمَةِ حَيْثُ كَانَ الرَّكْضُ أَكْثَرَ صُعُوبَةً حَتَّى أُنْهِكَتْ قُوَاهُ. ثُمَّ اسْتَلْقَى لِيَنَالَ قِسْطًا مِنَ الرَّاحَةِ فِي حِينِ مَرَّتْ بِهِ بَاقِي الْمِزْلَجَاتِ.
وَبِكُلِّ مَا تَبَقَّى مِنْ قُوَّتِهِ، تَمَكَّنَ ديف مِنَ اللَّحَاقِ بِالْمِزْلَجَاتِ حَيْثُ تَوَقَّفَتْ لِلرَّاحَةِ، وَمَرَّ بِالْمِزْلَجَاتِ الْأُخْرَى حَتَّى وَجَدَ مِزْلَجَتَهُ، ثُمَّ وَقَفَ إِلَى جَانِبِ سوليكس. كَانَ السَّائِقُ بَعِيدًا لِبِضْعِ دَقَائِقَ يُحْضِرُ وَلَّاعَةً مِنْ أَجْلِ غُلْيُونِهِ مِنَ الرَّجُلِ الَّذِي خَلْفَهُ. ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِزْلَجَةِ وَبَدَأَتِ الْكِلَابُ رِحْلَتَهَا، وَلَكِنَّهَا انْطَلَقَتْ تَرْكُضُ عَلَى الطَّرِيقِ بِسُهُولَةٍ، فَالْتَفَتَتْ وَرَاءَهَا ثُمَّ تَوَقَّفَتْ فِي دَهْشَةٍ. وَكَانَتِ الدَّهْشَةُ تَعْتَرِي السَّائِقَ كَذَلِكَ؛ فَالْكِلَابُ انْطَلَقَتْ لَكِنَّ الْمِزْلَجَةَ لَمْ تَتَحَرَّكْ مِنْ مَكَانِهَا. فَنَادَى السَّائِقُ عَلَى السَّائِقِينَ الْآخَرِينَ لِرُؤْيَةِ مَا حَدَثَ؛ كَانَ ديف قَدْ قَضَمَ السَّرْجَ الَّذِي يَصِلُ سوليكس بِالْكِلَابِ الْأُخْرَى وَبِالْمِزْلَجَةِ وَكَانَ يَقِفُ أَمَامَهَا بِالضَّبْطِ.
كَانَ يَتَوَسَّلُ بِعَيْنَيْهِ لِيَبْقَى فِي مَكَانِهِ، وَلَمْ يَكُنِ السَّائِقُ يَدْرِي مَاذَا يَفْعَلُ. وَأَخَذَ السَّائِقُونَ الْآخَرُونَ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ كَيْفَ تَحْزَنُ الْكِلَابُ عِنْدَمَا يَتِمُّ إِبْعَادُهَا عَنِ الْعَمَلِ الَّذِي تُحِبُّهُ، وَعَنْ كِلَابٍ أُخْرَى قَامَتْ بِأَفْعَالٍ مُشَابِهَةٍ. وَرَأَوْا أَنَّهُ رُغْمَ أَنَّ ديف كَانَ مَرِيضًا وَمُصَابًا، يَنْبَغِي لَهُمْ تَرْكُهُ يَقُومُ بِالْعَمَلِ إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ. لِذَا وَضَعُوا عَلَيْهِ السَّرْجَ مُجَدَّدًا وَقَامَ بِجَرِّ الْمِزْلَجَةِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ قَبْلُ، وَلَكِنَّهُ صَرَخَ أَلَمًا أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ أَثْنَاءَ عَمَلِهِ وَسَقَطَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ وَهُمْ يَرْكُضُونَ.
تَمَاسَكَ ديف حَتَّى أَقَامُوا مُخَيَّمَهُمْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، حَيْثُ أَقَامَ لَهُ السَّائِقُ مَكَانًا بِجَانِبِ النِّيرَانِ. وَفِي الصَّبَاحِ، كَانَ وَاهِنًا لِلْغَايَةِ وَلَا يَسْتَطِيعُ السَّفَرَ، وَاضْطُرَّ السَّائِقُ لِتَرْكِهِ خَلْفَهُ حَتَّى يَرْتَاحَ وَيَتَحَسَّنَ. وَكَانَتْ آخِرَ مَرَّةٍ يَرَاهُ زُمَلَاؤُهُ فِيهَا وَهُوَ مُسْتَلْقٍ فَوْقَ الثُّلُوجِ يُرَاقِبُهُمْ وَهُمْ يَرْحَلُونَ فِي طَرِيقِهِمْ. كَانَ يُمْكِنُهُمْ سَمَاعُهُ وَهُوَ يَعْوِي بِحُزْنٍ حَتَّى اخْتَفَوْا مِنْ أَمَامِهِ خَلْفَ بَعْضِ الْأَشْجَارِ بِجَانِبِ النَّهْرِ.