أَسْيَادٌ جُدُدٌ
بَعْدَ مُرُورِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا عَلَى رَحِيلِهِمْ مِنْ داوسون، وَصَلَ باك وَزُمَلَاؤُهُ إِلَى بَلْدَةِ سكاجوي. كَانَ الْفَرِيقُ يَحْمِلُ بَرِيدَ مِنْطَقَةِ سولت ووتر، وَكَانَتِ الْكِلَابُ مُنْهَكَةَ الْقُوَى تَمَامًا. وَانْخَفَضَ وَزْنُ باك مِنْ مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ رَطْلًا إِلَى مِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ رَطْلًا فَقَطْ. وَرُغْمَ أَنَّ الْكِلَابَ الْأُخْرَى كَانَتْ أَقَلَّ وَزْنًا مِنْ باك، فَقَدْ فَقَدَتْ وَزْنًا أَكْثَرَ مِنْهُ. وَكَانَ بايك — الَّذِي كَانَ يَتَظَاهَرُ بِإِصَابَةِ قَدَمِهِ لِكَيْ يَتَهَرَّبَ مِنَ الْعَمَلِ — يَعْرُجُ حَقًّا، وَكَذَلِكَ كَانَ سوليكس، كَمَا أُصِيبَ كَتِفُ داب.
كَانَتْ أَرْجُلُهُمْ تُؤْلِمُهُمْ أَلَمًا شَدِيدًا، وَلَمْ يَعُدْ لَدَيْهِمُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْقَفْزِ وَالِانْطِلَاقِ، وَكَانَتْ تَرْكُضُ بِأَرْجُلٍ مُثْقَلَةٍ مُتْعَبَةٍ عَلَى الطَّرِيقِ. لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خَطْبٌ مَا بِالْكِلَابِ سِوَى أَنَّهَا كَانَتْ مُنْهَكَةَ الْقُوَى تَمَامًا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَوْعَ الْإِنْهَاكِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ الْقَلِيلِ مِنَ الْعَمَلِ الشَّاقِّ، وَالَّذِي كَانَ يُشْفَى بَعْدَ بِضْعِ سَاعَاتٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ الْإِنْهَاكَ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ الْعَمَلِ الشَّاقِّ الْمُسْتَمِرِّ لِعِدَّةِ أَشْهُرٍ طَوِيلَةٍ. لَمْ يَعُدْ هُنَاكَ أَيُّ قُوَّةٍ بَاقِيَةٍ لَدَى الْكِلَابِ، فَقَدْ اسْتُنْزِفَتْ قُوَاهَا تَمَامًا حَتَّى آخِرَ قَطْرَةٍ، وَخَارَتْ قُوَى كُلِّ عَضَلَةٍ فِي أَجْسَادِهَا. فَفِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ، كَانَتِ الْكِلَابُ قَدْ قَطَعَتْ مَسَافَةَ أَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةِ مِيلٍ، وَخِلَالَ الْأَلْفِ وَثَمانِمِائَةِ مِيلٍ الْأَخِيرَةِ لَمْ تَأْخُذْ إِلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ لِلرَّاحَةِ. وَعِنْدَمَا وَصَلَتِ الْكِلَابُ إِلَى سكاجوي، بَدَتْ وَكَأَنَّهَا تَبْذُلُ آخِرَ قَطَرَاتِ الْقُوَّةِ فِي أَجْسَادِهَا. كَانَتْ بِالْكَادِ تَسْتَطِيعُ جَرَّ الْمِزْلَجَةَ، وَفِي التِّلَالِ الْمُنْحَدِرَةِ، كَانَتْ تَتَمَكَّنُ بِالْكَادِ مِنَ الْبَقَاءِ بَعِيدًا عَنْ طَرِيقِ الْمِزْلَجَةِ.
«تَقَدَّمِي أَيَّتُهَا الْكِلَابُ الْمِسْكِينَةُ الْمُنْهَكَةُ. هَذَا هُوَ آخِرُ الْمَطَافِ، ثُمَّ سَنَأْخُذُ اسْتِرَاحَةً طَوِيلَةً. سَنَأْخُذُ اسْتِرَاحَةً طَوِيلَةً بِالتَّأْكِيدِ.» هَكَذَا قَالَ السَّائِقُ وَهُوَ يُشَجِّعُ الْكِلَابَ وَهِيَ تُهَرْوِلُ فِي الطَّرِيقِ الرَّئِيسِيِّ لسكاجوي.
كَانَ السَّائِقُونَ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّهُمْ سَيَأْخُذُونَ اسْتِرَاحَةً طَوِيلَةً، وَلَكِنْ كَانَ هُنَاكَ الْكَثِيرُ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ هَرْوَلُوا إِلَى كلونديك بَحْثًا عَنِ الذَّهَبِ، وَالْعَدِيدُ مِنْهُمْ لَمْ يُحْضِرْ عَائِلَتَهُ مَعَهُ، مِمَّا يَعْنِي وُجُودَ الْكَثِيرِ مِنَ الْبَرِيدِ مَعَ الْأَوَامِرِ الرَّسْمِيَّةِ. وَكَانَتْ هُنَاكَ دُفْعَاتٌ جَدِيدَةٌ مِنْ كِلَابِ خَلِيجِ هدسون فِي طَرِيقِهَا لِتَحُلَّ مَحَلَّ هَذِهِ الْكِلَابِ الَّتِي خَارَتْ قُوَاهَا وَلَا تَسْتَطِيعُ الرَّكْضَ عَلَى الطَّرِيقِ بَعْدَ الْآنَ. وَقَدْ بِيعَتِ الْكِلَابُ الَّتِي لَمْ تَعُدْ قَادِرَةً عَلَى الرَّكْضِ.
مَرَّتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَاكْتَشَفَ باك وَزُمَلَاؤُهُ كَمْ كَانُوا ضُعَفَاءَ وَمُرْهَقِينَ. وَفِي صَبَاحِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، أَتَى رَجُلَانِ مِنَ الْجَنُوبِ وَاشْتَرَوْهُمْ مَعَ السُّرُجِ وَكَافَّةِ الْمُعَدَّاتِ. كَانَ الرَّجُلَانِ يُدْعَوَانِ هال وتشارلز، وَكَانَ تشارلز رَجُلًا فِي مُنْتَصَفِ الْعُمْرِ ذَا عَيْنَيْنِ دَامِعَتَيْنِ وَشَارِبٍ مَلْفُوفِ الْأَطْرَافِ؛ فِي حِينِ كَانَ هال فِي التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ أَوِ الْعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ، وَكَانَ يَحْمِلُ مُسَدَّسًا ضَخْمًا وَسِكِّينَ صَيْدٍ مَرْبُوطَيْنِ فِي حِزَامِهِ. بَدَا الرَّجُلَانِ غُرَبَاءَ عَنِ الشَّمَالِ، وَلَمْ يَفْهَمْ أَيُّ أَحَدٍ أَسْبَابَ مَجِيئِهِمَا لِلشَّمَالِ.
سَمِعَ باك الرِّجَالَ يَتَحَدَّثُونَ، وَرَأَى الرَّجُلَ يَتَبَادَلُ الْمَالَ مَعَ مُوَظَّفِ الْحُكُومَةِ، وَعَلِمَ أَنَّ السَّائِقَ الِاسْكُتْلَنْدِيَّ وَسَائِقَيْ قِطَارِ الْبَرِيدِ سَيَخْرُجُونَ مِنْ حَيَاتِهِ مِثْلَ بيرو وَفرانسوا وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ خَرَجُوا مِنْ حَيَاتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَعِنْدَمَا وَصَلُوا إِلَى مُخَيَّمِهِمُ الْجَدِيدِ، رَأَى باك مَكَانًا فَوْضَوِيًّا. كَانَتِ الْخَيْمَةُ عَلَى وَشْكِ الِانْهِيَارِ، وَكَانَتْ هُنَاكَ أَطْبَاقٌ مُتَّسِخَةٌ. كَمَا رَأَى امْرَأَةً كَانَ الرَّجُلَانِ يَدْعُونَهَا مرسيدس، وَهِيَ زَوْجَةُ تشارلز وَأُخْتُ هال.
رَاقَبَهُمْ باك بِتَوَتُّرٍ وَهُمْ يُحَاوِلُونَ إِزَالَةَ الْخَيْمَةِ وَتَحْمِيلَ الْمِزْلَجَةِ. لَقَدْ كَانُوا يَبْذُلُونَ قُصَارَى جُهْدِهِمْ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مَاذَا يَفْعَلُونَ؛ فَقَدْ لَفُّوا الْخَيْمَةَ فِي لُفَافَةٍ أَكْبَرَ بِثَلَاثَةِ أَضْعَافٍ مِمَّا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ، وَتَرَكُوا الْأَطْبَاقَ مُتَّسِخَةً وَحَزَمُوهَا. وَكَانَتْ مرسيدس وَالرَّجُلَانِ يَتَحَدَّثُونَ وَيَتَجَادَلُونَ طَوَالَ الْوَقْتِ. وَعِنْدَمَا وَضَعُوا حَقِيبَةَ الْمَلَابِسِ فِي الْأَمَامِ عَلَى الْمِزْلَجَةِ، اقْتَرَحَتْ هِيَ أَنْ تُوضَعَ فِي الْخَلْفِ، وَبَعْدَ أَنْ وَضَعُوهَا هُنَاكَ وَغَطَّوْهَا بِأَشْيَاءَ أُخْرَى، اكْتَشَفَتْ أَنَّ هُنَاكَ أَشْيَاءَ أُخْرَى نَسِيَتْ أَنْ تَحْزِمَهَا وَيَجِبُ أَنْ تُوضَعَ فِي حَقِيبَةِ الْمَلَابِسِ. لِذَا فَرَّغُوا الْحُمُولَةَ كُلَّهَا وَبَدَءُوا مِنْ جَدِيدٍ.
جَاءَ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ مِنْ مُخَيَّمٍ قَرِيبٍ وَرَاقَبُوهُمْ وَهُمْ يَضْحَكُونَ وَيَتَغَامَزُونَ.
وَقَالَ أَحَدُهُمْ: «لَدَيْكُمْ حِمْلٌ ثَقِيلٌ بِالْفِعْلِ. لَا أُرِيدُ أَنْ أَتَدَخَّلَ فِي عَمَلِكُمْ، وَلَكِنْ لَوْ كُنْتُ مَكَانَكُمْ، لَمَا أَخَذْتُ الْخَيْمَةَ.»
صَاحَتْ مرسيدس وَهِيَ تُلَوِّحُ بِيَدَيْهَا: «مُسْتَحِيلٌ! كَيْفَ يُمْكِنُنَا الْعَيْشُ بِدُونِ خَيْمَةٍ؟»
فَأَجَابَ الرَّجُلُ: «لَسْتُمْ بِحَاجَةٍ إِلَيْهَا. إِنَّهُ وَقْتُ الرَّبِيعِ وَلَنْ تُوَاجِهُوا جَوًّا بَارِدًا بَعْدَ الْآنَ.»
هَزَّتْ رَأْسَهَا بَيْنَمَا كَانَ تشارلز وَهال يَضَعُونَ آخِرَ الْأَشْيَاءِ فَوْقَ الْحُمُولَةِ الضَّخْمَةِ.
سَأَلَ أَحَدُ الرِّجَالِ: «أَتَظُنُّ أَنَّهَا سَتَتَحَرَّكُ؟»
قَالَ تشارلز بِغَضَبٍ: «وَلِمَ لَا؟»
قَالَ الرَّجُلُ بِسُرْعَةٍ: «حَسَنًا، حَسَنًا، لَقَدْ كُنْتُ أَتَسَاءَلُ فَقَطْ. فَقَدْ بَدَا أَنَّ الْحِمْلَ ثَقِيلٌ.»
أَدَارَ تشارلز ظَهْرَهُ وَشَدَّ الْحِبَالَ بِأَفْضَلِ مَا يُمْكِنُهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَيِّدًا عَلَى الْإِطْلَاقِ.
سَأَلَ رَجُلٌ آخَرُ: «وَهَلْ أَنْتَ مُتَأَكِّدٌ أَنَّ هَذِهِ الْكِلَابَ يُمْكِنُهَا التَّحَرُّكُ طَوَالَ الْيَوْمِ وَهِيَ تَجُرُّ كُلَّ هَذَا الْحِمْلِ؟»
قَالَ هال: «بِالتَّأْكِيدِ، انْطَلِقِي! انْطَلِقِي!»
قَفَزَتِ الْكِلَابُ إِلَى الْأَمَامِ فِي السَّرْجِ وَجَذَبَتْ بِقُوَّةٍ لِعِدَّةِ لَحَظَاتٍ ثُمَّ اسْتَرْخَتْ؛ فَلَمْ تَسْتَطِعْ جَرَّ الْمِزْلَجَةِ.
صَاحَ هال: «حَيَوَانَاتٌ كَسُولَةٌ!» وَغَضِبَ مِنَ الْكِلَابِ، وَلَكِنْ طَلَبَتْ مِنْهُ مرسيدس أَلَّا يُعَامِلَهَا بِقَسْوَةٍ.
صَاحَتْ: «الْحَيَوَانَاتُ الْمِسْكِينَةُ! الْآنَ يَجِبُ أَنْ تَعِدَنِي أَنَّكَ لَنْ تَكُونَ قَاسِيًا مَعَهَا فِي بَاقِي الرِّحْلَةِ وَإِلَّا لَنْ أَتَحَرَّكَ خُطْوَةً وَاحِدَةً.»
رَدَّ عَلَيْهَا أَخُوهَا بِسُخْرِيَةٍ: «أَنْتِ لَا تَعْرِفِينَ شَيْئًا عَنِ الْكِلَابِ. إِنَّهَا حَيَوَانَاتٌ كَسُولَةٌ وَيَجِبُ أَنْ تَكُونِي قَاسِيَةً مَعَهَا، حَتَّى تَكُونَ ذَاتَ نَفْعٍ. هَذِهِ هِيَ طَرِيقَتُهَا، وَاسْأَلِي أَيَّ شَخْصٍ آخَرَ؛ اسْأَلِي أَحَدَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ.»
قَالَ أَحَدُ الرِّجَالِ: «إِنَّهَا حَيَوَانَاتٌ ضَعِيفَةٌ لِلْغَايَةِ، مُنْهَكَةُ الْقُوَى بِشِدَّةٍ، وَهَذِهِ هِيَ الْمُشْكِلَةُ، إِنَّهَا بِحَاجَةٍ لِلرَّاحَةِ.»
قَالَ هال بِغَضَبٍ: «كَلَّا، إِنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ.»
صَاحَ الرَّجُلُ الْآخَرُ رَدًّا عَلَيْهِ: «إِنَّهَا بِحَاجَةٍ لِذَلِكَ إِذَا أَرَدْتَهَا قَوِيَّةً بِشَكْلٍ كَافٍ لِتَقُومَ بِعَمَلِهَا.»
أَجَابَ هال: «لِمَ لَا تَتْرُكُونَنِي وَشَأْنِي مَعَهَا، وتَدَعُونَنِي أَقُومُ بِعَمَلِي!»
– «اسْتَمِعْ إِلَيَّ أَيُّهَا السَّيِّدُ، أَنَا فَقَطْ أُحَاوِلُ أَنْ أُعْطِيَكَ نَصِيحَةً جَيِّدَةً. أَيُّ شَخْصٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرَى أَنَّ هَذِهِ الْكِلَابَ بِحَاجَةٍ لِلرَّاحَةِ. وَلَكِنْ إِذَا كُنْتَ لَا تُرِيدُ الِاسْتِمَاعَ إِلَيَّ، فَلَسْتَ مُضْطَرًّا لِذَلِكَ.»
أَجَابَ هال: «لَقَدْ قُلْتَهَا بِنَفْسِكَ.»
لِلَحْظَةٍ بَدَا وَكَأَنَّ الرَّجُلَ الْآخَرَ قَدْ بَدَأَ يَغْضَبُ، ثُمَّ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَارْتَسَمَتْ عَلَى شَفَتَيْهِ ابْتِسَامَةٌ صَغِيرَةٌ وَقَالَ: «أَتَعْلَمُ شَيْئًا، بَعْدَ إِعَادَةِ النَّظَرِ فِي الْأَمْرِ، أَظُنُّ أَنَّكَ تَعْلَمُ حَقًّا مَاذَا تَفْعَلُ.» ثُمَّ أَعْطَى ظَهْرَهُ لِهال وَتَحَرَّكَ بَعِيدًا فِي صَمْتٍ.
كَانَتْ مرسيدس مُحْرَجَةً مِنْ هَذَا الْمَشْهَدِ، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ سَعِيدَةً لِأَنَّهُ انْتَهَى.
وَقَالَتْ لِأَخِيهَا: «لَا تَهْتَمَّ لِذَلِكَ الرَّجُلِ، أَنْتَ الَّذِي سَيَقُودُ كِلَابَنَا، لِذَلِكَ افْعَلْ مَا تَرَاهُ مُنَاسِبًا.»
قَامَ هال بِكُلِّ مَا بِوُسْعِهِ لِحَمْلِ الْكِلَابِ عَلَى التَّحَرُّكِ، وَقَدْ دَفَعَتِ الْكِلَابُ نَفْسَهَا إِلَى الْأَمَامِ وَغَرَسَتْ أَقْدَامَهَا فِي الثَّلْجِ وَانْخَفَضَتْ مُسْتَخْدِمَةً كُلَّ قُوَّتِهَا فِي مُحَاوَلَةٍ لِتَحْرِيكِ الْمِزْلَجَةِ. وَلَكِنَّ الْمِزْلَجَةَ لَمْ تَتَزَحْزَحْ مِنْ مَكَانِهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ مِرْسَاةً، وَبَعْدَ مُحَاوَلَتَيْنِ تَوَقَّفَتِ الْكِلَابُ سَاكِنَةً تَلْهَثُ. كَانَ هال يَسْتَشِيطُ غَضَبًا مِنَ الْكِلَابِ؛ فَقَدْ صَرَخَ وَدَفَعَهَا بِقُوَّةٍ، لَكِنَّ مرسيدس أَوْقَفَتْهُ مَرَّةً أُخْرَى، وَسَقَطَتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا أَمَامَ باك وَالدُّمُوعُ تَمْلَأُ عَيْنَيْهَا، ثُمَّ وَضَعَتْ ذِرَاعَيْهَا حَوْلَ رَقَبَتِهِ.
بَكَتْ قَائِلَةً: «أَيَّتُهَا الْكِلَابُ الْمِسْكِينَةُ، لِمَاذَا لَا تَسْحَبِينَ بِقُوَّةٍ؟ عِنْدَهَا لَنْ يَكُونَ قَاسِيًا مَعَكُمْ.»
لَمْ يُحِبَّهَا باك، وَلَكِنَّهُ كَانَ فِي حَالَةٍ يُرْثَى لَهَا لَمْ يَسْتَطِعْ مَعَهَا الْمُقَاوَمَةَ.
لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُ الْمُرَاقِبِينَ — وَالَّذِي كَانَ يُطْبِقُ عَلَى أَسْنَانِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَنَقِ — أَنْ يَصْمُتَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ قَائِلًا: «لَا يُهِمُّنِي مَا يَحْدُثُ لَكُمْ، وَلَكِنْ مِنْ أَجْلِ الْكِلَابِ أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ بِهَذَا، يُمْكِنُكُمْ مُسَاعَدَتُهَا كَثِيرًا بِتَحْرِيرِ الْمِزْلَجَةِ مِنَ الجَلِيدِ، فَهِيَ مُجَمَّدَةٌ عَلَى الْأَرْضِ. أَلْقُوا بِوَزْنِكُمْ عَلَيْهَا وَادْفَعُوهَا يَمِينًا وَيَسَارًا وَأَخْرِجُوهَا.»
حَاوَلُوا تَحْرِيكَ الْمِزْلَجَةِ لِلْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الْمَرَّةَ اتَّبَعُوا نَصِيحَةَ الرَّجُلِ وَتَمَكَّنَ هال مِنْ تَحْرِيرِ الْمِزْلَجَةِ مِنَ الْجَلِيدِ. تَحَرَّكَتِ الْمِزْلَجَةُ الْمُثْقَلَةُ بِالْحُمُولِ إِلَى الْأَمَامِ، مَعَ كِفَاحِ باك وَزُمَلَائِهِ وَمُعَامَلَةِ هال الْقَاسِيَةِ. بَعْدَ مِائَةِ يَاردَة انْحَنَى الطَّرِيقُ وَانْحَدَرَ إِلَى الْأَسْفَلِ فِي اتِّجَاهِ الشَّارِعِ الرَّئِيسِيِّ. كَانَ الْأَمْرُ يَسْتَدْعِي سَائِقًا مُحْتَرِفًا لِكَيْ يُحَافِظَ عَلَى الْمِزْلَجَةِ الْمُثْقلَةِ بِالْحُمُولِ مُعْتَدِلَةً فِي هَذَا الْمُنْحَنَى، وَلَكِنَّ هال لَمْ يَعْرِفْ كَيْفَ يَقُومُ بِذَلِكَ. وَبِمُجَرَّدِ أَنِ انْعَطَفُوا فِي ذَلِكَ الْمُنْحَنَى، سَقَطَتِ الْمِزْلَجَةُ وَتَنَاثَرَتْ نِصْفُ حُمُولَتِهَا عَبْرَ الْحِبَالِ الرَّخْوَةِ. لَمْ تَتَوَقَّفِ الْكِلَابُ عَنِ الرَّكْضِ وَانْقَلَبَتِ الْمِزْلَجَةُ عَلَى جَانِبِهَا خَلْفَهُمْ. كَانَتِ الْكِلَابُ غَاضِبَةً بِسَبَبِ الْمُعَامَلَةِ السَّيِّئَةِ وَالْحِمْلِ الثَّقِيلِ، وَكَانَ باك يَتَشَيَّطُ غَضَبًا، وَانْدَفَعَ رَاكِضًا، وَتَبِعَهُ الْقَطِيعُ، وَأَخَذَ هال يَصْرُخُ: «تَوَقَّفُوا! تَوَقَّفُوا!» وَلَكِنَّهَا لَمْ تَتَوَقَّفْ. تَعَثَّرَ هال وَسَقَطَ وَسُحِبَ مِنْ قَدَمَيْهِ، انْدَفَعَتِ الْكِلَابُ عَبْرَ الطَّرِيقِ، نَاثِرَةً بَاقِي الْحُمُولَةِ عَلَى طُولِ الطَّرِيقِ.
قَامَ بَعْضُ الْأَشْخَاصِ الطَّيِّبِينَ بِالْإِمْسَاكِ بِالْكِلَابِ وَجَمْعِ الْمُقْتَنَيَاتِ، كَمَا قَدَّمُوا لَهُمْ بَعْضَ النَّصَائِحِ. فَقَدْ أَخْبَرُوا هال وَتشارلز وَمرسيدس أَنَّ عَلَيْهِمْ تَقْلِيلَ حِمْلِهِمْ إِلَى النِّصْفِ وَإِحْضَارَ ضِعْفِ عَدَدِ الْكِلَابِ إِذَا أَرَادُوا الْوُصُولَ إِلَى داوسون كَمَا يُخَطِّطُونَ. اسْتَمَعَ هال وَشَقِيقَتُهُ وَصِهْرُهُ عَلَى مَضَضٍ إِلَى النَّصَائِحِ، وَتَخَلَّصُوا مِنْ خَيْمَتِهِمْ وَفَحَصُوا كَافَّةَ مُتَعَلَّقَاتِهِمْ؛ فَأَلْقَوُا الطَّعَامَ الْمُعَلَّبَ، وَالَّذِي جَعَلَ الرِّجَالَ الْآخَرِينَ يَضْحَكُونَ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ الْمُعَلَّبَ عَلَى طُرُقِ السَّفَرِ مَا هُوَ إِلَّا حُلْمٌ.
قَالَ أَحَدُ الرِّجَالِ الَّذِينَ كَانُوا يَضْحَكُونَ وَيُسَاعِدُونَهُمْ: «هَذِهِ الْبَطَّانِيَّاتُ تَلِيقُ بِفُنْدُقٍ، حَتَّى نِصْفُهَا سَيَكُونُ كَثِيرًا جِدًّا، تَخَلَّصُوا مِنْهَا. وَأَلْقُوا الْخَيْمَةَ وَكُلَّ هَذِهِ الْأَطْبَاقِ بَعِيدًا. مَنِ الَّذِي سَيَغْسِلُهُمْ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ؟ هَلْ تَظُنُّونَ أَنَّكُمْ مُسَافِرُونَ عَلَى مَتْنِ قِطَارٍ فَاخِرٍ؟»
اسْتَمَرَّ الْأَمْرُ هَكَذَا وَهُمْ يَتَخَلَّصُونَ مِنْ كُلِّ مَا لَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ. بَكَتْ مرسيدس عِنْدَمَا تَمَّ إِفْرَاغُ حَقَائِبِ مَلَابِسِهَا عَلَى الْأَرْضِ وَرُمِيَتْ كُلُّ مَلَابِسِهَا. كَانَتْ حَزِينَةً، وَعِنْدَمَا انْتَهَتْ مِنْ فَحْصِ أَشْيَائِهَا، فَحَصَتْ مُتَعَلَّقَاتِ الرَّجُلَيْنِ كَالْإِعْصَارِ.
بِالرُّغْمِ مِنْ أَنَّ الْحُمُولَةَ خَفَّتْ بِمِقْدَارِ النِّصْفِ، كَانَتْ لَا تَزَالُ كَبِيرَةً. ذَهَبَ تشارلز وَهال فِي الْمَسَاءِ وَاشْتَرَوْا سِتَّةَ كِلَابٍ، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ مِنَ الشَّمَالِ. هَذِهِ الْكِلَابُ — بَعْدَ إِضَافَتِهَا لِلْفَرِيقِ الْأَصْلِيِّ الْمُكَوَّنِ مِنْ سِتَّةِ كِلَابٍ، وَتيك وَكونا كَلْبَيِ الهاسكي اللَّذَيْنِ تَمَّ شِرَاؤُهُمَا مِنْ مُنْحَدَرِ نَهْرِ رينك فِي الرِّحْلَةِ الْقِيَاسِيَّةِ — جَعَلَتِ الْفَرِيقَ مُكَوَّنًا مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ كَلْبًا. وَلَكِنَّ الْكِلَابَ الْجَدِيدَةَ — رُغْمَ أَنَّهَا كَانَتْ مُدَرَّبَةً — لَمْ تَكُنْ بَارِعَةً، فَبَدَتْ وَكَأَنَّهَا لَا تَعْلَمُ شَيْئًا، وَلَمْ يُحِبَّهُمْ باك وَرِفَاقُهُ. وَقَدْ عَلَّمَ باك الْكِلَابَ الْجَدِيدَةَ بِسُرْعَةٍ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِعْلُهُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَعْلِيمِهَا مَا يَجِبُ فِعْلُهُ. فَلَمْ تَكُنْ مَخْلُوقَةً لِهَذَا الطَّرِيقِ وَلَا الْعَمَلِ الشَّاقِّ الَّذِي يُصَاحِبُهُ. كَانَ مُعْظَمُهَا مُرْتَبِكًا وَخَائِفًا مِنَ الْمُحِيطِ الْغَرِيبِ وَالْمُعَامَلَةِ السَّيِّئَةِ الَّتِي تَتَلَقَّاهَا.
وَنَظَرًا لِأَنَّ الْوَافِدِينَ الْجُدُدَ كَانُوا مَيْئُوسًا مِنْهُمْ، وَالْفَرِيقَ الْقَدِيمَ مُنْهَكٌ بِسَبَبِ الرَّكْضِ الْمُتَوَاصِلِ لِمَسَافَةِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةِ مِيلٍ، كَانَ الْوَضْعُ غَيْرَ مُبَشِّرٍ بِالْخَيْرِ. وَلَكِنَّ الرَّجُلَيْنِ كَانَا مُبْتَهِجَيْنِ رُغْمَ ذَلِكَ، وَكَانَا فَخُورَيْنِ أَيْضًا؛ إِذْ إِنَّهُمَا لَمْ يُشَاهِدَا مِزْلَجَةً يَجُرُّهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ كَلْبًا مِنْ قَبْلُ. وَقَدْ كَانَ هُنَاكَ سَبَبٌ وَجِيهٌ كَيْ لَا يَجُرَّ أَرَبْعَةَ عَشَرَ كَلْبًا مِزْلَجَةً وَاْحِدَةً فِي الْقُطْبِ الشَّمَالِيِّ، أَلَا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِمِزْلَجَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْ تَحْمِلَ طَعَامًا يَكْفِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ كَلْبًا. وَلَكِنَّ تشارلز وَهال لَمْ يَكُونَا عَلَى عِلْمٍ بِذَلِكَ؛ فَقَدْ خَطَّطَا لِكُلِّ شَيْءٍ عَلَى الْوَرَقِ، وَحَسَبا كَمِّيَّةَ الطَّعَامِ الَّتِي ظَنَّا أَنَّهُما سَيَحْتَاجانِهَا. وَكَانَ الْأَمْرُ يَبْدُو بَسِيطًا لِلْغَايَةِ.
قَادَ باك الْقَطِيعَ الْكَبِيرَ عَبْرَ الطَّرِيقِ فِي وَقْتٍ مُتَأَخِّرٍ مِنْ صَبَاحِ الْيَوْمِ التَّالِي. لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَيُّ حَيَوِيَّةٍ أَوْ نَشَاطٍ فِيهِ أَوْ فِي زُمَلَائِهِ. فَقَدْ كَانُوا يَبْدَءُونَ الرِّحْلَةَ وَهُمْ فِي غَايَةِ التَّعَبِ وَالْإِرهَاقِ، لَقَدْ قَطَعَ باك الْمَسَافَةَ بَيْنَ سولت ووتر وَداوسون أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَكَانَتْ فِكْرَةُ أَنَّهُ سَيَقْطَعُ الطَّرِيقَ نَفْسَهُ مَرَّةً أُخْرَى — وَهُوَ مُنْهَكُ الْقُوَى بِهَذَا الشَّكْلِ — تُثِيرُ غَضَبَهُ بِشِدَّةٍ. لَمْ يَكُنْ يَقُومُ بِعَمَلِهِ بِحُبٍّ، وَكَانَ الْوَافِدُونَ الْجُدُدُ خَائِفِينَ، وَالْفَرِيقُ الْقَدِيمُ لَمْ يَكُنْ يَثِقُ فِي سَائِقِيهِ.
كَانَ باك يَعْلَمُ أَنَّ الْكِلَابَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَعْتَمِدَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَشْخَاصِ الثَّلَاثَةِ. فَلَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ كَيْفَ يَقُومُونَ بِأَيِّ شَيْءٍ، وَمَعَ مُرُورِ الْأَيَّامِ اتَّضَحَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمُ التَّعَلُّمُ، فَقَدْ كَانُوا كَسُولِينَ؛ يَسْتَغْرِقُونَ نِصْفَ اللَّيْلَةِ لِنَصْبِ مُخَيَّمٍ فَوْضَوِيٍّ، ثُمَّ نِصْفَ فَتْرَةِ الصَّبَاحِ لِحَزْمِ الْمُخَيَّمِ وَتَحْمِيلِ الْمِزْلَجَةِ بِطَرِيقَةٍ رَدِيئَةٍ جِدًّا، حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يَنْشَغِلُونَ طَوَالَ الْيَوْمِ بِالتَّوَقُّفِ وَإِعَادَةِ تَرْتِيبِ الْحُمُولَةِ. وَفِي أَيَّامٍ أُخْرَى لَمْ يَسْتَطِيعُوا بَدْءَ الرِّحْلَةِ أَسَاسًا، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَقْطَعُوا كُلَّ يَوْمٍ الْمَسَافَةَ الَّتِي خَطَّطَ لَهَا الرَّجُلَانِ.
بِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ، كَانَ طَعَامُ الْكِلَابِ سَيَنْفَدُ مِنْهُمْ عَنْ قَرِيبٍ، وَقَدْ سَرَّعَ الرَّجُلَانِ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ بِإِطْعَامِ الْكِلَابِ أَكْثَرَ مِمَّا يَنْبَغِي، فَكَانَ الْوَافِدُونَ الْجُدُدُ يَأْكُلُونَ كَثِيرًا، وَعِنْدَمَا كَانَ الْفَرِيقُ يَجُرُّ الْمِزْلَجَةَ بِضَعْفٍ، يَظُنُّ هال أَنَّ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْكُلُوا مَا يَكْفِي وَيُضَاعِفُ حِصَّتَهُمْ. وَعِنْدَمَا شَعَرَتْ مرسيدس بِالْأَسَفِ تِجَاهَ الْكِلَابِ وَلَمْ تَسْتَطِعْ إِقْنَاعَ أَخِيهَا بِإِعْطَائِهَا طَعَامًا إِضَافِيًّا، سَرَقَتْ مِنَ الْمَخْزُونِ وَأَطْعَمَتْهَا عِنْدَمَا لَمْ يَكُنِ الرَّجُلَانِ يُرَاقِبَانِهَا. وَلَمْ يَكُنْ باك وَكِلَابُ الهاسكي فِي حَاجَةٍ لِلطَّعَامِ؛ بَلْ كَانُوا فِي حَاجَةٍ لِلرَّاحَةِ.
أَدْرَكَ هال فِي أَحَدِ الْأَيَّامِ أَنَّ طَعَامَ الْكِلَابِ قَدْ نَفِدَ نِصْفُهُ، وَلَمْ يَكُونُوا قَدْ قَطَعُوا إِلَّا مَسَافَةً قَلِيلَةً مِنْ رِحْلَتِهِمْ. وَالْأَسْوَأُ مِنْ ذَلِكَ، أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِيجَادُ طَعَامٍ لِلْكِلَابِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، لِذَا قَلَّلَ الْحِصَصَ قَلِيلًا وَحَاوَلَ زِيَادَةَ رِحْلَةِ كُلِّ يَوْمٍ. كَانَ مِنَ السَّهْلِ إِعْطَاءُ الْكِلَابِ طَعَامًا أَقَلَّ، وَلَكِنْ كَانَ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ حَمْلُهُمْ عَلَى السَّفَرِ أَسْرَعَ. كَمَا كَانَ الرَّجُلَانِ وَالْمَرْأَةُ حَانِقِينَ عَلَى بَعْضِهِمْ أَيْضًا.
وَفِي أَحَدِ الْأَيَّامِ، قَرَّرُوا أَخِيرًا تَرْكَ الْكِلَابِ السِّتَّةِ الْجَدِيدَةِ لِكَيْ تَرْتَاحَ وَتَسْتَرِدَّ عَافِيَتَهَا. بِحُلُولِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَانَ الْأَشْخَاصُ الثَّلَاثَةُ غَاضِبِينَ مِنْ بَعْضِهِمْ طَوَالَ الْوَقْتِ وَيَتَعَامَلُونَ مَعَ بَعْضِهِمْ بِغِلْظَةٍ. فَلَمْ يَعُدِ السَّفَرُ عَبْرَ الْقُطْبِ الشَّمَالِيِّ مُغَامَرَةً مُمْتِعَةً؛ فَكُلُّ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ هُوَ الْجِدَالُ. فَكَانَتْ عَضَلَاتُ جَسَدِهِمْ وَعِظَامُهُمْ تَئِنُّ مِنَ الْأَلَمِ، وَحَتَّى قُلُوبُهُمْ تَئِنُّ مِنَ الْأَلَمِ.
وَعِنْدَمَا كَانَ تشارلز وَهال يَتَشَاجَرَانِ، كَانَ ذلك بِسَبَبِ اعْتِقَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَقُومُ بِأَكْثَرِ مِنْ حِصَّتِهِ فِي الْعَمَلِ. كَانَتْ مرسيدس تُوَافِقُ زَوْجَهَا أَحْيَانًا، وَتُوَافِقُ أَخَاهَا أَحْيَانًا أُخْرَى؛ وَالنَّتِيجَةُ شِجَارٌ عَائِلِيٌّ لَا يَنْتَهِي.
لَمْ تَكُنْ مرسيدس تُحِبُّ الطَّرِيقَ، كَمَا كَانَتْ مُعْتَادَةً عَلَى مُسَاعَدَةِ النَّاسِ لَهَا، وَلَكِنَّ زَوْجَهَا وَأَخَاهَا لَمْ يَعْرِضَا الْمُسَاعَدَةَ قَطُّ. بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، كَانَا يَتَذَمَّرَانِ مِنْهَا، وَفِي الْمُقَابِلِ كَانَتْ هِيَ تُعَامِلُهُمْا مُعَامَلَةً سَيِّئَةً. وَلَمْ تَعُدْ تَهْتَمُّ لِأَمْرِ الْكِلَابِ، وَنَظَرًا لِأَنَّهَا كَانَتْ مُتْعَبَةً وَمُتَأَلِّمَةً أَصَرَّتْ عَلَى رُكُوبِ الْمِزْلَجَةِ. لَمْ تَكُنْ ضَخْمَةَ الْحَجْمِ، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تَزِنُ مِائَةً وَعِشْرِينَ رَطْلًا، وَقَدْ أَتْعَبَ الْوَزْنُ الْإِضَافِيُّ الْكِلَابَ أَكْثَرَ. رَكِبَتِ الْمِزْلَجَةَ لِعِدَّةِ أَيَّامٍ حَتَّى سَقَطَتِ الْكِلَابُ وَلَمْ تَعُدْ تَسْتَطِيعُ الْجَرَّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. فَتَوَسَّلَ إِلَيْهَا تشارلز وَهال لِكَيْ تَنْزِلَ مِنْ عَلَى الْمِزْلَجَةِ وَتَسِيرَ.
وَفِي إِحْدَى الْمَرَّاتِ، حَمَلُوهَا وَأَنْزَلُوهَا مِنْ عَلَى الْمِزْلَجَةِ، لَكِنَّهُمَا لَمْ يُكَرِّرَا هَذِهِ الْفَعْلَةَ مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّهَا جَلَسَتْ عَلَى الطَّرِيقِ وَكَانَتْ غَاضِبَةً مِنْهُمَا بِشِدَّةٍ. مَضَوْا فِي طَرِيقِهِمْ وَلَكِنَّ مرسيدس لَمْ تَتَحَرَّكْ. وَبَعْدَ أَنْ سَارُوا ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ، أَفْرَغُوا حُمُولَةَ الْمِزْلَجَةِ وَعَادُوا مِنْ أَجْلِهَا وَأَجْلَسُوهَا مُجَدَّدًا عَلَى الْمِزْلَجَةِ.
كَانُوا يُعَامِلُونَ بَعْضَهُمُ الْبَعْضَ مُعَامَلَةً سَيِّئَةً، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يُعَامِلُونَ كِلَابَهُمْ بِطَرِيقَةٍ أَسْوَأَ. كَانَ هال وَضِيعًا فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْكِلَابِ، وَعِنْدَمَا نَفِدَ طَعَامُ الْكِلَابِ، قَايَضَ سِكِّينَهُ الْكَبِيرَ وَمُسَدَّسَهُ اللَّذَيْنِ كَانَ يَحْمِلُهُمَا فِي حِزَامِهِ فِي مُقَابِلِ لَحْمٍ قَدِيمٍ مُجَمَّدٍ. وَكَانَ هَذَا بَدِيلًا رَدِيئًا لِلطَّعَامِ، مِثْلَ مُحَاوَلَةِ أَكْلِ شَرَائِحَ مِنَ الْحَدِيدِ.
خِلَالَ كُلِّ ذَلِكَ، كَانَ باك يَتَرَنَّحُ فِي مُقَدِّمَةِ الْفَرِيقِ كَأَنَّهُ يَعِيشُ كَابُوسًا. كَانَ يَجُرُّ الْمِزْلَجَةَ عِنْدَ اسْتِطَاعَتِهِ، وَعِنْدَمَا لَمْ يَسْتَطِعْ كَانَ يَسْقُطُ وَيَرْقُدُ فِي مَكَانِهِ بَيْنَمَا يَدْفَعُهُ هَؤُلَاءِ الْأَشْخَاصُ حَتَّى يَسْتَطِيعَ الْوُقُوفَ مُجَدَّدًا. وَاخْتَفَتْ كُلُّ الْقُوَّةِ وَاللَّمَعَانِ مِنْ فَرْوِهِ الْجَمِيلِ، فَكَانَ الشَّعْرُ يَنْسَدِلُ مُتَلَبِّدًا فِي كُتَلٍ، وَاخْتَفَتْ عَضَلَاتُهُ، وَأَصْبَحَ نَحِيفًا لِلْغَايَةِ، حَتَّى إِنَّ كُلَّ ضِلْعٍ وَعَظْمَةٍ فِي جَسَدِهِ كَانَتْ بَارِزَةً تَحْتَ جِلْدِهِ. كَانَتْ حَالَتُهُ تُحَطِّمُ الْقُلُوبَ، وَلَكِنَّ قَلْبَ باك لَمْ يَكُنْ قَلْبًا يَسْهُلُ تَحْطِيمُهُ.
لَمْ يَكُنْ فَرِيقُ باك أَحْسَنَ مِنْهُ حَالًا، فَقَدْ بَدَوْا وَكَأَنَّهُمْ هَيَاكِلُ عَظْمِيَّةٌ تَسِيرُ عَلَى الْأَرْضِ، كَانَ عَدَدُهُمْ سَبْعَةً مِنْ ضِمْنِهِمْ باك، وَعِنْدَمَا كَانُوا يَتَوَقَّفُونَ، كَانُوا يَسْقُطُونَ فِي السَّرْجِ كَأَنَّهُمْ أَمْوَاتٌ.
ثُمَّ جَاءَ يَوْمٌ سَقَطَ فِيهِ بيلي وَلَمْ يَعُدْ يَسْتَطِيعُ التَّكْمِلَةَ، وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَتْرُكُوهُ وَرَاءَهُمْ. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، سَقَطَتْ كونا وَكَانَ يَجِبُ تَرْكُهَا أَيْضًا، لَمْ يَتَبَقَّ مِنْهُمْ سِوَى خَمْسَةٍ فَقَطْ: جو الَّذِي كَانَ مُنْهَكًا بِشِدَّةٍ حَتَّى إِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكُونَ خَبِيثًا، وَبايك الَّذِي كَانَ يَعْرُجُ وَيَتَأَلَّمُ، وَسوليكس ذِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ الَّذِي كَانَ لَا يَزَالُ يُرِيدُ الْعَمَلَ وَلَكِنَّهُ كَانَ حَزِينًا أَنَّ قُوَاهُ قَدْ خَارَتْ، وَتيك الَّذِي لَمْ يَكُنْ قَدْ سَافَرَ بَعِيدًا فِي ذَلِكَ الشِّتَاءِ وَلَكِنَّهُ كَانَ مُتْعَبًا أَكْثَرَ مِنَ الْبَقِيَّةِ، وَباك الَّذِي كَانَ لَا يَزَالُ قَائِدَ الْفَرِيقِ وَلَكِنَّهُ كَانَ مُتْعَبًا بِشِدَّةٍ حَتَّى إِنَّهُ لَا يَقْوَى عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ، وَكَانَ يَتَمَكَّنُ مِنَ الْبَقَاءِ عَلَى الطَّرِيقِ مُعْتَمِدًا فَقَطْ عَلَى الْإِحْسَاسِ بِأَقْدَامِهِ.