الفصل الثاني

التكوين الاجتماعي والأعراف

تشكل قبائل التُّبُو مجتمعًا عشائريًّا ينتشر في محيط اجتماعي متصل يمتد من شرق السودان فجنوب ليبيا إلى شمال تشاد فالنيجر، إلا أنهم يتركزون على نحو واضح في شمال تشاد، وتنحدر مواطن عشائرهم غربًا باتجاه النيجر ملازمةً مرتفعات تبستي التي تذهب أرجح الفرضيات إلى أن اسمهم مشتق منها بمعنى «أهل الجبل».

يدين التُّبُو بأسرهم بالإسلام، بالرغم من الحملات التي استهدفتهم بالتنصير عن طريق إرساليات مموَّهة تتخذ من البعثات الإنسانية والاجتماعية والدراسية مدخلًا تتوغل منه بينهم.

(١) التكوين الاجتماعي

يقدر عدد التُّبُو بأكثر من ٣٠٠٠٠٠ نسمة، وهو إحصاء تقديري كان متداولًا بين أبناء التُّبُو في أواخر القرن العشرين، ويصل عدد قبائلهم إلى إحدى وثلاثين قبيلة، هي:

(١) آرْنَا، (٢) أَدِرْگا، (٣) أَضُبَيَّا، (٤) أَمَوِيَّاهْ، (٥) أَهِدَّهْ، (٦) بِشِرَاهْ، (٧) تَاوْيَاهْ، (٨) تِدِمِيَّا، (٩) تْرَامَاهْ، (١٠) تْرِنْدِرَا، (١١) تَرْصِيَاهْ، (١٢) تَزَرْيَاهْ، (١٣) تُزُبَاهْ، (١٤) تْشُوَدَهْ، (١٥) تِگا، (١٦) تُمارة، (١٧) تُمُرْتِياهْ، (١٨) دُرْدَكِشي، (١٩) زُيَاهْ، (٢٠) صَرْدُگِيا، (٢١) ضِرْسِنَا، (٢٢) غُبَدَه، (٢٣) كَاسَهْ، (٢٤) كْرَاسا، (٢٥) كُصُضَاهْ، (٢٦) گُنَّا، (٢٧) مَاضَاهْ، (٢٨) مَاضَنَا، (٢٩) مُگُدَاهْ، (٣٠) هُرْتُنَاهْ، (٣١) هُكْتِيَا.

وينقسم التُّبُو إلى مجموعتين كبيرتين تنصهر فيهما هذه القبائل، ومن السائد اجتماعيًّا بين قبائل هاتين المجموعتين القول بانتمائهما إلى «أصل واحد»، وهما:

  • تِدا Teda: ويبلغ عدد أفرادها حوالَي ٥٠ ألف شخص، ويمارسون الرعي والتجارة بين قبائل ليبيا وتشاد والسودان. ولهجتها تِدَگا، أو لسان التدا، ويسمُّون أنفسهم نسبةً إلى لغتهم: تدگدا Tedagada أي الذين يتكلمون التدگا.
  • دَزا Daza: وهي العشيرة الأكبر، إذ يبلغ عدد أفرادها حوالَي ٢٥٠ ألف شخص. ويمارسون التجارة بين قبائل الصحراء، بالإضافة إلى الرعي، متنقلين وراء مواطن الكلأ والماء في جنوب الصحراء، حول سفوح تبستي وفي النيجر. ولهجتها دَزَگا، أو لسان الدزا، ويسمُّون أنفسهم نسبةً إلى لغتهم: دَزَگدا Dazagada أي الذين يتكلمون الدَّزَگا.
كما تقطن قبائل دُوْزَهْ منطقة فايا،١ وهم أقرب إلى التُّبُو، أو لنقُلْ — بعبارة أدق — هم عِرق انتقالي يمثل حلقة وسطى بين التُّبُو والأعراق المجاورة لهم، وهم — في الوقت الحالي — حلفاء التُّبُو وأصهارهم، بحسب التقاليد التُّبُوية التي تمنع زواج الأقارب حتى الجد السابع. كما أنهم يتكلمون لهجة دَزَگا، بينما يتحدث بعضهم لهجة تَدَگا، وفقًا لعَلاقاته القرابية وقرب استيطانه إلى إحدى المجموعتين.

(٢) التقسيم الطبقي

عُرف التُّبُو تاريخيًّا بأنهم بدو رحل يمتهنون الرعي، وبالرغم من صلات المصاهرة والتحالف التي تجعل قبائل التُّبُو كتلةً عشائرية متميزة من ناحية التكوين الاجتماعي إلا إنهم ينقسمون تحت هذه المظلة الاجتماعية الكبيرة إلى عدة وَحَدات بحسب خاصتهم من المراعي وممتلكاتهم من قطعان الإبل والمواشي، من جهة، وبحسب انتماءاتهم القبلية التي تؤهلهم مسبقًا لتبوُّء مكانتهم ضمن الفئات الأربعة التالية:

  • (١)

    الأعيان: ويكون مصدر ثرائهم من التجارة، إلا أنهم يمثلون بشكلٍ ما أرباب عمل بقية التجار، ونادرًا ما يسافرون.

  • (٢)

    التجار: وهم طبقة أدنى من الأعيان، إلا أنهم يمثلون قبائلهم أثناء سفرهم للتجارة ولقائهم بالقبائل المجاورة والمناطق المتاخمة.

  • (٣)

    الفلاحون: وهم قليلو العدد نسبة إلى التجار.

  • (٤)

    الحدَّادون: وهم أيضًا قليلو العدد، والحدادة مهنة محتقرة لدى التُّبُو، إلا أن الحدادين مُهَابون لارتباطهم في اعتقاد التُّبُو بالسحر والقدرة على استنزال القوى فوق الطبيعية.

  • (٥)

    المغنُّون: وهم الأقل عددًا بين الفئات السابقة، وغالبًا ما يكون المغنون من فئة الفلاحين.

(٣) وصف التُّبُو

يميل معظم الرحَّالة والجغرافيين إلى الاتفاق على تنميط سلوك التُّبُو الفردي والاجتماعي ضمن سلسلة من السمات النفسية والسلوكية التي تميزهم عن غيرهم من الأقوام المجاورة، مثل: المكر والاحتيال والأنانية وعدم الثقة في الآخرين والغدر والغش والتحلل من القيم والمثل، وإلى جانب هذه السمات يوصفون أيضًا بمقابلاتها، مثل: الحرية وعدم الخضوع والحيوية والنشاط والاعتماد على الذات والصبر والتدبر.

لا شك أن بعض هذه السمات كان نتيجة ملاحظة مباشرة أو نقلًا عن سكان الصحراء ممن جمعتهم بهم التجارِب أو التجارة، أو كانوا ممن أغاروا عليهم أو تعرضوا للإغارة منهم، وفي كل الأحوال لا يختلف اثنان على أن تنميط السلوك بتعميم سمة ما على شعب بأكمله هو أمر خاطئ تمامًا لأنه ينزع عن الموصوفين سمة التفاوت في الفروق الفردية، بالرغم من أن غلبة البيئة الصحراوية القاسية تترك أثرها دون شك.

ويبدو التُّبُو عند هورنمان «كما لو كانت لديهم طاقات طبيعية هائلة لا يملكون الفرصة لاستخدامها، فهم محاطون بالشعوب البربرية والمسلمين، ويتهمهم العرب بأنهم سيئو الظن غادرون مخادعون، ولهذا فإن أهل فزان لا يسافرون فرادى خوفًا من بطشهم.»٢
أما ريكلوس فيرى — معجبًا بهم دون أن يراهم — أن «الضرورة — وهي معلم عظيم — طورت قدراتهم الذهنية وشحذت حواسهم. فهم يجدون طريقهم عبر برية غير مطروقة أبدًا بنوع من الإلهام غير المفهوم بالنسبة إلى الأوروبي، وهم يُظهرون — في جميع الظروف — مهارةً وبراعةً مذهلتين متَّسمتين بقدر كبير من الفصاحة والمكر والابتكار.» ولكنه لا يتردد في القول أيضًا: «التباوي مرتابٌ دائمًا.»٣
وفي رحلته إلى السودان مرورًا بهم يقول الرحَّالة المصري حسنين إنهم: «أهل جِد وعمل ولكنهم شديدو السذاجة في نظام معيشتهم وتفكيرهم.»٤
ويصفهم بول مارتي قائلًا إن الرجل من التُّبُو: «يعمل في القوافل أو يشارك في عمليات النهب. إنه إنسان ماكر ذو حيوية، يحب الكسب، يعيش متنقلًا أكثر مما يعرف الاستقرار، ولا يمثل كوخه سوى مرفأ يرجع إليه بين رحلتين.»٥

(٤) سلطان التُّبُو (دَرْدَيْ)

تعتمد قبائل التُّبُو في تحديد مرجعيتها الاجتماعية على تداول المشيخة (السلطنة) بين القبائل المعروفة، والشيخ أو السلطان (دَرْدَيْ Dardai) الذي يئول إليه التحكيم يصبح مرجعًا تعود إليه جميع القبائل، وإليه تحتكم من أجل الفصل بين النزاعات والاستشارة، فهو من الناحية الواقعية أقرب إلى القاضي، إذ لا يمارس غير ما ذكرنا من سلطات، ما لم يتميز بمظهر من الهيبة (كاريزما) تؤهله لقيادة شيوخ وأعيان القبائل، وتمنحه سلطةً تُقابَل بالولاء من أبناء التُّبُو، كالسلطان شهاي مثلًا،٦ ولا يتم استبدال السلطان إلا بعد وفاته، بينما يتوافق الجميع عادةً على تسمية خلفه في وقت مبكر، فإذا انتقلت السلطنة إلى قبيلة أخرى يصبح شيخها سلطان جميع القبائل تلقائيًّا، وهكذا.

وينحصر تداول المشيخة بين ثلاث عائلات من قبيلة تمارة، هي:

  • لاي دُگا (أحفاد لاي).

  • أَرْدِي دُگا (أحفاد أردي).

  • أَرَمِي دُگا (أحفاد أَرَمِهْ).

وكان الأتراك العثمانيون قد سعوا إلى السيطرة على التُّبُو باعتبارهم أول من يتوطن جنوب فزان التي كانت تحت سيطرتهم، كما أن انصياع قبائل التدا يفتح الطرق أمام قوافلهم لاختراق مجاهل أفريقيا، وحاولوا بادئ الأمر أن يعينوا مندوبًا عنهم برتبة «قائمقام»، ولكن التُّبُو رأوا فيه بديلًا عن شيخهم أو سلطانهم القبَلي الذي جرت تقاليدهم على اختياره من بينهم، فرفضوا القبول بهذا الأمر، واقترح الأتراك في هذه الحالة أن يختار التدا بين القبول بشيخ من بينهم يكون معينًا من حكومة الولاية في طرابلس، أو التدخل العسكري وإجبارهم على ذلك. ولم ينته التوتر بين التُّبُو والأتراك إلا بعد أن قام التدا بالانفتاح على الحركة السنوسية الموالية للأتراك، وأصبحت مرتفعات تبستي تدين لها بالولاء، فشكلت لهم بذلك نوعًا من الغطاء الديني والحماية الضمنية.

وبعد موت السلطان شهاي (وهو من قبيلة تمارة من فرع التدا) واجه خلَفُه صالحٌ توترًا مشابهًا مع الفرنسيين الذين كان يفضلون تعيين الولاة من قِبلهم وبمعرفتهم مباشرةً، ولكن إصرار التدا على اتباع تقاليدهم، بالإضافة إلى مَنَعتِهم واحتمائهم الدائم بمرتفعات تبستي، من جهة، وعدم إقدام الدَّردَي على إثارة قلاقل كبرى في وجه الفرنسيين، من جهة أخرى، جعل هذا التوتر ينتهي تدريجيًّا إلى رضوخ الفرنسيين والتغاضي عن اختيار التدا.

إن العداء الذي يواجه به التُّبُو كل سلطة مركزية (سواء في فزان أو طرابلس، أو في الجنوب) كان سمةً من سماتهم على الدوام، وجزءًا من تقاليد المنَعة والاستقلال التي حافظوا عليها عبر التاريخ.٧ وعلى سبيل المثال، فإن باشا طرابلس علي باشا بن محمد (حكم بين سنة ١٧٥٤ وسنة ١٧٩٣م) حاول إخضاع التُّبُو وإجبارهم على القبول بسلطته لكنه فشل، فأرسل لهم سنة ١٧٨٨م حملة تأديبية ألحقت بهم الهزيمة، ليعودوا إثرها إلى الاحتماء بمرتفعات تبستي ومناوأة الباشوية من جديد. ثم قام يوسف باشا القَرَمانلي (حكم بين سنة ١٧٩٥ وسنة ١٨٣٢م) بإرسال حملة تأديبية كبيرة ضدهم لاستئصال شأفتهم، ووصلت حملته إلى مرتفعات تبستي سنة ١٨٠٥م إلا أن التُّبُو ألحقوا بها هزيمة نكراء وقضَوا على معظم جنودها.

(٥) شريعة الكُتُبا

تحتكم قبائل التُّبُو إلى شريعة مكتوبة تُعرف باسم كُتُبا، أو كُتُما، كما تسمَّى: تُگي، أو تُگي تِدا، ويُطلِق عليها المثقفون من أبناء التدا اسم «دستور التُّبُو»، وقد وضعها السلطان شهاي بوغر بالاستناد إلى أحكام الشريعة الإسلامية، لتنظيم معظم المعاملات الضرورية في مجتمع التُّبُو الرعوي، وخاصة ما يقتضي منها إصدار أحكام قضائية محددة، كما في حالات فض المنازعات والاقتصاص من القاتل وإلحاق العقوبات المادية بمرتكبي الجُرم. وقد كُتِبت شريعة الكُتُبا باللغة الفرنسية، وما زالت نسختها الأصلية موجودةً حتى هذا الوقت وهي في حراسة أعيان التدا.

(٦) فنون التُّبُو الفولكلورية

تتميز فنون التُّبُو الفلكلورية وتراثهم في الغناء والموسيقى بسمات محلية تجعلها مختلفة عما عند غيرهم من قبائل الصحراء الكبرى، وإن تشابهت الأنماط العامة بهذا الشكل أو ذاك. ومما يُؤدى من هذه الفنون حتى اليوم:

  • «هامي»: وهو فن شعري غنائي مادته المدح والهجاء، ترافقه إيقاعات الطبول.

  • «شيلي»: وهو فن شعري غنائي تؤديه عجائز التُّبُو في مناسبات الزواج والختان.

أما الشعر مجرَّدًا — أي دون إيقاعات ورقص — فهو من سمات الرجولة عند التُّبُو، ويؤدَّى بنمط غنائي خفيف وتتوزع أغراضه كما في الشعر العربي بين الفخر والتباهي والترويح، ونادرًا ما يعمِد الشاعر إلى الغزل.

ومن آلات الطرب عند التُّبُو:

  • «كيدي»: طبل يُعرَف في أجزاء أخرى من الصحراء وشمال أفريقيا باسم «دَنْگا». ويؤدَّى على إيقاعاته أنماط من الفنون الغنائية التي يرافقها الرقص عادةً. ومن هذه الأنماط: «يوري» وهي رقصة حرب إيقاعية، و«طزَّا» وهي رقصة ترافق مواكب الأعراس، و«كيدي أدبا» وهي رقصة خاصة بالنساء والفتيات على شكل دائرة.

  • «نقارة»: طبل أصغر من «كيدي»، وإيقاعاته أدق وأكثر رنَّةً، ويُستخدم عادةً في الإعلان عن المناسبات، أو لدعوة القبيلة للاجتماع، أو كنفير للاستعداد للحرب.

  • «شگاني»: آلة وترية تشبه الربابة، تُصنع من جريد النخل، وقرع صحراوي مجفف أو إناء معدِني، ووترين متجاورين.

  • «كيكي»: آلة وترية تشبه الكمان، تُصنع من الخشب، وربما أُضيفَ لها أكثر من وترين.٨

(٧) أعراف الزواج

لا تكاد أعراف وتقاليد الزواج عند التُّبُو تختلف عن غيرهم من سكان الصحراء الكبرى، ولكن تقاليدهم تمنع زواج الأقارب حتى الجد السابع، وهي تشترط اتفاق أسرتي الخطيبين وقبيلتيهما، وألا يكون بين الطرفين ما يمنع عقد الزواج، كالثأر مثلًا. وتتولى أسرة الشاب الراغب في الزواج القيامَ بكل المراسم المتوقعة، دون أن يشترط ذلك لقاء الشاب بالفتاة أو محادثتها.

إن الاتفاق على المهر هو الخطوة الأولى، ويتقاضاه والدا الخطيبة وأقاربها من الأعمام والعمات والأخوال والخالات، أما الملبوسات والحلي فيتم إرسالها على جمل في يوم يسمى «العلغة» الذي يسبق يوم الوليمة، ثم يُحجر على الفتاة وتُمنع من الخروج، في انتظار «الزفة» التي يكون موكبها من الجمال والمغنين وقارعي الطبول وحاملي المباخر، وبين الفينة والفينة يتوقف الموكب فتحيط نصف دائرة من النسوة بأحد الراقصين وترافقه دقات الطبول إلى أن يُتمَّ رقصته، وهكذا حتى يصل الموكب إلى البيت حيث ينتظر العريس.٩

ومن عادات التُّبُو أن يقوم العريس بالوقوف على عتبة البيت وجلدها بسَوط في يده اليمنى اعتقادًا منهم بأن ذلك يطرد الأرواح الشريرة، ومن عاداتهم أيضًا أن يعتكف العروسان فلا يخرجان من بيتهما طوال الأسبوع الأول.

(٨) الختان

الختان «جراحة يُقطَع فيها جزء من القُلْفة، إما قربانًا للخِصب أو تمييزًا اجتماعيًّا للمختونين. عرَفه الليبيون القدامى والمصريون والفينيقيون»،١٠ ويُرجَّح أن التُّبُو قد عرَفوه منذ القدم، ثم أقرَّهم الإسلام على ذلك، ولا تختلف طقوس ومراسم الختان عند التُّبُو عما عند غيرهم من قبائل الصحراء الكبرى.

(٩) أسلحة التُّبُو التقليدية

لاحظ الرحَّالة ف. هورنمان أثناء زيارته للتُّبُو سنة ١٧٩٧م أن أسلحتهم «رمح طوله ستة أقدام وسكين طولها ما بين عشرة وعشرين بوصة يعلقونها على الكتف الأيسر ويلبسون حول وسطهم حزامًا من الجلد يتدلى منه جراب عرضه ثلاث بوصات»،١١ ويمثل هذا الوصف محاربًا من التُّبُو يتزنَّر برمحه الذي يُعتبر أشهر أسلحة التُّبُو التقليدية، وينقسم إلى أنواع وأطوال حسب مسافة الرمي وطرق الاستخدام.
كما استخدم التُّبُو القوس للمسافات البعيدة، والخناجر للاشتباك. أما أخطر سلاح تقليدي لديهم فهو الذي يطلقون عليه اسم «شِنگر مِنگر» Shangermanger وهو مخطاف من أسلحة الرمي عن بعد، ويتميز بشكله الدائري وعدد النتوءات الحادة البارزة منه، وغالبًا ما تؤدي الإصابة به إلى الموت أو الإعاقة.

(١٠) وسوم التدا وملكياتهم

تُحدَّد ملكيات أبناء التُّبُو ومستويات ثرائهم بما لديهم من قطعان، وتُعادَل قطعان الإبل بقطعان الغنم حسب أعمارها، فالحُوار مثلًا يعادل ٤ شِياه، والبعير المكتمل النمو يعادل ١٥ شاة، وهكذا بالنسبة لتقدير بقية أعمار الإبل.

figure
وسوم الإبل لدى قبائل التدا.

وتتميز كل قبيلة بوسم خاص تضعه على مكان محدد من إبلها يختلف في شكله أو مكان كَيِّه عن الوسوم الأخرى، حيت تُكوى الإبل بسِمة متفق عليها على جانب البعير كالفخذ أو العضد أو الرقبة.

ولا تختلف أغراض الوسم عند التُّبُو عن غيرها من القبائل البدوية في أفريقيا وآسيا، فهي وسيلة تحديد ملكية القبيلة، وبالتالي موطنها، ما يعني ضمنًا تحديد تحالفاتها وأنسابها وقراباتها، وتحديد الملكية على هذا النحو وسيلة عرفية لا يجوز الإخلال بها، كأن تَسِمَ إحدى القبائل بغير وسومها المتعارف عليها مثلًا.

وتتشابه بعض وسوم عشائر التُّبُو إذ يَختزل عددٌ منها رسمَ الجمل واقفًا أو باركًا، كما في سمة «دُرُدْرُو» التي تستخدمها أربع عشائر بتنويعات مختلفة لا تشبه إحداها الأخرى، أو سمة «مُرزي» التي تستخدمها سبع عشائر بتنويعات مختلفة أيضًا، وهو ما يدل على اختلاف ملكية الإبل من جهة، وعلى ما بين هذه العشائر من روابط من جهة أخرى كالتحالف أو الاتفاق في النسب أو الاشتراك في الموطن.
١  من مدن شمال تشاد، وتسمى أيضًا فايا لارغو.
٢  هورنمان. ص١١٧، انظر: ٤-١-أ.
٣  ريكلوس. ص٤٦٩، انظر: ٤-١-ب.
٤  حسنين. ص١٤٩، انظر: ٤-١-ج.
٥  مارتي. ص٣٨.
٦  انظر: ٤-٢.
٧  إن منعة جبال ومرتفعات تبستي تمنح السكان استقلالًا كاملًا ضد أي سلطة خارجية، وقد كان المكتهفون أو التروغلوداي Troglodyte الذين أتصور أنهم سبقوا التدا يناوئون سلطة غرمة (جرمة) المركزية، وقد بادلتهم حالة العداء على النحو الذي نجد وصفه لدى هيرودوت. انظر: ليبيا القديمة (مادة: المكتهفون).
٨  حوارات المؤلف مع قبائل التُّبُو، كما تمت الاستعانة بمخطوط «مدخل إلى قبائل التُّبُو» من تأليف عبد السلام اللهي.
٩  المرجع السابق.
١٠  ليبيا القديمة، مادة: ختان.
١١  هورنمان: المصدر السابق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤