على بُعد آلاف الأميال!
ولكن … لحسن الحظ كانت الكاميرا السرية التي في الولَّاعة مخفاةً بمهارة؛ فقد كان على الولَّاعة رسم قط، وكانت عينا القط الزجاجية هي عدسة الكاميرا … وكان من الصعب الوصول إلى سر الكاميرا إلَّا بعد فك الولَّاعة كلها.
وضع رئيس الشركة الولَّاعة مكانها … فقرَّر «خالد» أن يُسرع في العمل حتى لا يترك للرجلَين فرصةً أخرى للاشتباه فيه قد تنتهي بالكشف عن حقيقة المهمة التي جاء من أجلها … ومضى يعمل بهمَّة … دون أن يُنقص من عدد السجائر التي يُدخِّنها رغم إحساسه بالضيق الشديد.
وجاء وقت الغداء، فدعاه رئيس الشركة لتناول الطعام معه و«جان» في غرفة مجاورة، وكانت فرصةً ﻟ «خالد» كي يدرس الرجلَين أكثر … وبدا رئيس الشركة سعيدًا عندما عرف من «خالد» أنه سيبقى في الشركة حتى ينتهي من إصلاح الآلة … وخطرت له فكرة وهو يتناول الطعام … أن ينتهي بسرعة ثم يدخل الغرفة لمحاولة الحصول على نموذج لكتابة الآلة.
كان قد انتهى من تقفيل الكرة الصلبة … فضغط على ورقة من أوراق الكتابة عدة مرات … وفي كل مرة كان يحصل على نفس النتيجة؛ ورقة بيضاء لا أثر لشيء فيها. وثنى الأوراق بسرعة ووضعها في جيبه … ثم انصرف إلى استكمال تركيب الآلة.
قرب المساء كان «خالد» قد انتهى من عمله … وقام «جان» بتجرِبة الآلة وكانت النتيجة مرضيةً تمامًا … فأشار برأسه لرئيس الشركة الذي فتح الخزانة وناول «خالد» مائة ليرة … ثم أعطاه عشرين ليرةً أخرى وهو يبتسم قائلًا: هذه العشرين ليرة لك.
وشكر «خالد» الرجل بحرارة، وجمع أدواته وانصرف مسرعًا، وبعد نصف ساعة كان يجلس مع الشياطين اﻟ «١٣» يروي ما عمله … وقامت «إلهام» بإرسال تقرير إلى رقم «صفر» بكل ما حدث … وفي نهاية التقرير ذكرت أن ورق التجارِب والولَّاعة التي بها الفيلم جاهزان.
وسرعان ما ردَّ رقم «صفر»، فشكر «خالد» على إتمام المهمَّة بنجاح … وقال إنه سيُرسل من يتسلَّم الأوراق والولَّاعة … وإنه سيُخطرهم بنتيجة الأبحاث عليها … وسيُحدِّد لهم المطلوب منهم.
وفي اليوم الثالث أطلق جهاز اللاسلكي صفيره المتقطِّع … وتسلَّم الشياطين تقريرًا مختصرًا … ولكن التعليمات التي به كانت تعني أطول رحلة قام بها الشياطين اﻟ «١٣». كان التقرير يقول: «يستعد أربعة من الشياطين للسفر إلى «أوغندا» في أقرب فرصة.»
نظر الشياطين بعضهم إلى بعض وقال «خالد»: «أوغندا»؟!
ردَّ «قيس»: شيء مدهش في الحقيقة!
قال «رشيد»: ليس مدهشًا إذا تذكَّرتم أن الخطابات البيضاء كانت تُرسل إلى دولة أفريقية. وأعتقد أن هذه الدولة هي «أوغندا»؛ لهذا يطلب رقم «صفر» أربعةً للسفر إلى هناك.
زبيدة: معقول جدًّا.
إلهام: من هم الأربعة يا تُرى؟
أحمد: أعتقد أن «عثمان» أولهم.
قذف «عثمان» بكرته المطاطية الشهيرة إلى فوق وقال: أفريقيا تخصُّني … ولا تنسَوا أن «أوغندا» على حدود السودان … وأنا سوداني، وهذه المهمَّة تُناسبني جدًّا.
وقال «أحمد»: وأعتقد أن «خالد» ليس بينهم … فإن موظفي الشركة التي نقوم بمراقبتها يعرفونه.
وقطع عليهم نقاشهم صوت جهاز اللاسلكي … ودخلت «إلهام» إلى الغرفة، ثم عادت بعد قليل قائلة: لقد اختار رقم «صفر» أسماء المسافرين … إنهم: «أحمد» و«عثمان» و«بو عمير» و«زبيدة».
وبدأ الأربعة يستعدُّون للسفر … وبعد ساعة وصل تقرير ثالث: «لم نستطِع معرفة قراءة الورقة البيضاء … ولكن الخبراء يقولون إن الرسائل تُوضع على آلة أخرى في فرع الشركة ﺑ «أوغندا» … وأن الآلة الثانية هي التي تُوضِّح المكتوب في الرسالة … ومطلوب من الأربعة المسافرين الحصول على نسخ من الرسائل التي أُرسلت وإخطاري بما فيها … يُسافر الأربعة كسوَّاح … والشركة تحمل نفس الاسم «ك. وراء البحار» في «كامبالا» العاصمة. ولْيأخذوا حذرهم فليس هناك من يُعاونهم.»
وسكتت «إلهام» لحظةً ثم مضت تقرأ: اتضح أن رئيس الشركة يُدعى «فرانك كتيك»، وكان يعمل مستشارًا للتعدين في «كاتانجا» ﺑ «الكونغو». وقد اشتغل بعد ذلك مع المرتزقة الذين وقفوا بجوار الحركة الانفصالية التي قام بها «تشومبي»، واستطاع أن يهرب قبل القبض عليه … إنه رجل شديد الخطورة … ومن المؤكَّد أن العمل السري الذي تقوم به الشركة خطير جدًّا … تمنياتي لكم بالنجاح.
بدأ عم «سرور» عمله في حجز التذاكر … وكان على المغامرين الأربعة أن يركبوا أولًا إلى «باريس» … ثم يستقلُّون طائرةً أخرى تحملهم إلى «كامبالا» في قلب أفريقيا … وتحدَّد موعد طيرانهم في الثانية بعد ظهر اليوم التالي … وفي الموعد المحدَّد كان الأربعة يستقلُّون الطائرة إلى «باريس» … ووصلوا في المساء … وأُعلن عن تأخُّر الطائرة المسافرة إلى «كامبالا» ساعة، قضوها جالسين في كافتيريا المطار يتحدَّثون.
قال «عثمان»: هل تعرفون أن «أوغندا» يسمُّونها سقف العالم لارتفاعها … وأن الفراعنة غزَوها منذ آلاف السنين، وأن أحد الفراعنة ويُدعى «بغنجي» كان أصلًا من «أوغندا»؟
قالت «زبيدة»: شيء مدهش … إن هؤلاء الفراعنة تركوا بصماتهم على تاريخ العالم حتى في قلب أفريقيا!
مضى «عثمان» يقول: وكذلك دخل الإسلام إلى «أوغندا» في وقت مبكر جدًّا، واستمر لفترة من فترات التاريخ حتى عام ١٨٧٠م، عندما دخل الاستعمار الإنجليزي هناك، فقسموا الحكم بين اثنَين من «الكاباكا» أحدهما مسلم.
مرةً أخرى قالت «زبيدة» مندهشة: «كاباكا»!
عثمان: إنها كلمة أفريقية تعني الحاكم أو الزعيم.
بو عمير: ما هي يا تُرى حالة الطقس هناك في هذه الفترة من السنة؟
عثمان: «أوغندا» من أكثر دول العالم حرارة، وتصل درجة الحرارة صيفًا إلى ٧٥ درجة، ولا يُلطِّف هذه الحرارة الرهيبة إلَّا سقوط الأمطار المتواصل ليلًا ونهارًا.
بو عمير: إنها رحلة شاقة!
عثمان: على العكس. إن «أوغندا» من أجمل دول العالم … حيث تتعدَّد المشاهد الطبيعية وتتواجد الحيوانات المتوحِّشة … وتنبت أجمل الزهور.
وأذاع الميكروفون في المطار أن الرحلة رقم ٦٣٣ إلى «أوغندا» ستبدأ بعد ربع ساعة … وقاموا متجهين إلى الطائرة.
وصلوا إلى مطار «كمبالا» حوالي منتصف الليل … وكما قال «عثمان»، كانت الأمطار تهطل بغزارة، فأسرعوا جريًا إلى السيارات التي حملتهم إلى المدينة … كانت الحياة لا تزال تدب في بعض الشوارع الهامة، ولكنهم قرَّروا أن يُسرعوا إلى النوم بعد رحلة اليوم الطويلة.
وبعد حديث قصير مع سائق التاكسي … اختاروا فندق «انترناشونال» في شارع ستانلي لنزولهم؛ فقد كان مقر شركة «ك. وراء البحار» قريبًا من الفندق.
كان الفندق مبنيًّا على الطراز الإنجليزي الشائع في المدينة، بأسقفه المنحنية الحمراء، تُحيط به الخضرة من كل جانب، وتحت الأضواء والمطر بدا شكله شاعريًّا.
دخلوا الصالة الواسعة واتجهوا إلى موظَّف الاستقبال … وحجزوا في الدور الثاني غرفةً مفردةً ﻟ «زبيدة»، وحجرةً بثلاثة أسرة للشبَّان الثلاثة … وقال «أحمد»: سنعقد اجتماعًا بعد نصف ساعة … نُقرِّر فيه خطوات العمل غدًا.
وبعد نصف ساعة كانوا يجلسون معًا … وبدأ «أحمد» الحديث بقوله: أعتقد أن مهمَّتنا ليست سهلة … فنحن نُريد الحصول على الرسائل البيضاء السرية، وكل ما نعرفه عنها أنها تُكتب على ورق معيَّن … وأنها موجودة في مقر الشركة، وليس لنا هنا مساعدين يمكن أن نعتمد عليهم.
فليس أمامنا إلَّا أن نعتمد على أنفسنا … فما هي الأفكار التي يمكن أن نُطبِّقها؟!
لم يردَّ أحد لبضع دقائق، ثم قال «بو عمير»: ليس هناك إلَّا أن نُحاول دخول مقر الشركة ليلًا … إن معنا «زبيدة»، وهي تُجيد فتح الخزائن المغلقة … ولعل رقم «صفر» اختارها لهذا السبب.
أحمد: إنها الخطة التي يتجه إليها التفكير مباشرة، ولكن مخاطرها كثيرة … أولًا: اقتحام الشركة ليس مهمَّة سهلة … ثانيًا: إذا قُبض علينا سيكون من المستحيل أن نجد مساعدةً من أي نوع … وطبعًا نحن لا نستطيع شرح مهمَّتنا وهي أننا نعمل من أجل الصالح العام.
قالت «زبيدة»: أعتقد أنه من الأفضل أن نقضي بضعة أيام نُراقب … ونفحص مكان الشركة وكيفية اقتحامها … وقد نجد وسيلةً أفضل.
هزَّ «عثمان» كرته المطاط الجهنمية في يده لحظات ثم قال: أرى أن فكرة «بو عمير» هي الفكرة الممكنة.
أحمد: إنني أوافق أكثر على فكرة «زبيدة».
وفجأةً قالت «زبيدة»: لماذا لا نسأل عن نشاط الشركة هنا … إن نشاطها في «لبنان» والمنطقة العربية متعلِّق ببيع المواد الكيماوية. إن النشاط السري للشركة ليس واضحًا في «لبنان»، ولكن قد تكون له ملامحه هنا.
أحمد: هل تقصدين أنه يمكن الاستغناء عن الحصول على الخطابات، وأن معرفة نشاط الشركة السري يمكن أن يدلَّنا على ما يُكتب فيها؟
زبيدة: تقريبًا … إن هذه الخطابات تأتي من مقرِّ الشركة الرئيسي في «لبنان» إلى فرعها في «كمبالا»؛ لتنفيذ أشياء معيَّنة. ما هي هذه الأشياء؟ إذا عرفناها فكأننا حصلنا على الرسائل.
ابتسم «أحمد» لأول مرة وقال: إنني متفق معكِ … فلْنحاول أولًا معرفة نشاط الشركة … فإذا لم نستطِع فلم يبقَ أمامنا إلَّا اقتحام مقر الشركة … فلا بد من معرفة ما يدور هناك.