عصابة جديدة ترتكب جرائم مهذبة
ضحك «بو عمير» وهو يقول: لقد كانت منافسة حادة بين «هدى» و«زبيدة».
ردَّت «زبيدة»: لكنها انتهت بالتعادل!
ابتسم «عثمان» وقال: هذه مشكلة الشياطين، فهم يتعادلون دائمًا.
قال «خالد»: ليس دائمًا … فقد تفوقت عليك في مباراة الرماية منذ أيام.
فجأة أُضيئت لمبة حمراء في القاعة التي يجلسون فيها، فقال «بو عمير»: رائع … إنها دعوة للاجتماع.
ردت «ريما»: ليس الآن، إنها فقط مجرد تنبيه لاجتماع، لا ندري، هل هو لمغامرة جديدة، أم أنه، اجتماع للمناقشة.
كان «أحمد» يراقب الشياطين في حوارهم الهادئ … بينما كانت أفكاره تدور حول الكتاب الأخير الذي قرأه عن التغييرات التي تَحدُث في الفضاء، نتيجة الانفجارات والتجارب الذرية، والتي تعود تأثيراتها إلى الأرض، فتُحدث تغييرًا في مناخها …
قال «خالد»: يبدو أن «أحمد» يفكِّر في المغامرة القادمة … وهو دائمًا يتوصل إليها، حتى قبل أن يتحدث الزعيم عنها …
لمعت اللمبة الحمراء مرة أخرى، فقال «أحمد»: أمامنا عشر دقائق على الاجتماع.
كانت الدقائق العشر تمرُّ، وكأنها ساعات على الشياطين، فقد كانوا ينتظرون الاجتماع بفارغ الصبر، إن المغامرة بالنسبة لهم رحلة ممتعة، مهما كانت درجة خطورتها، ومهما كانت تحتاج لأي مجهود.
وعندما انتهت الدقائق، كانوا يأخذون طريقهم إلى قاعة الاجتماعات الكبرى، حيث تُعقد الاجتماعات الهامة وعندما أخذوا أماكنهم، التي تبدو فيما يُشبه حدوة الحصان. كانت أعينهم قد تعلقت بالخريطة الإلكترونية، فدائمًا تبدأ معلوماتهم منها.
كانت الخريطة مضاءة فعلًا … وعليها خريطة لأوروبا … غير أن علامة مميزة، كانت تحيط بمنطقة معينة تضم «بولندا»، «ألمانيا الشرقية»، «ألمانيا الغربية»، «النمسا» «المجر»، وتتوسطها جميعًا، «تشيكوسلوفاكيا».
كان الشياطين يتأملون الخريطة، التي كانت تبدو غريبة تمامًا … فلماذا هذه الدول في بيئة أوروبا كلها؟! وهل هذه المنطقة، هي التي سوف تدور فيها أحداث المغامرة الجديدة؟!
فجأة لمع في رُكن علوي منها رسم يكاد يمثل صورة شبح، كان الرسم لرجل يُخفي وجهه، فلا تظهر ملامحه، يلبس عباءة واسعة، تطير خلفه، وكأنه يركب حصانًا. وعلى رأسه، يلبس قبعة عالية.
كان الرسم يمثل تساؤلًا، لا يعرف الشياطين إجابة عليه. في الوقت الذي كان فيه الشياطين يتبادلون النظرات، كان «أحمد» يستعيد بعض المعلومات عن كل دولة، وتركزت أفكاره حول تشيكوسلوفاكيا …
كان يرى موقعها المتوسط بين بقية الدول، في هذه المنطقة المحددة بالذات، من بين أوروبا كلها، وأخذ يتساءل بينه وبين نفسه: أظن أن تشيكوسلوفاكيا هي الدولة المقصود بأحداث المغامرة القادمة …
نظرت له «زبيدة» التي كانت تجلس بالقرب منه، وهمست: هل توصلت إلى منطقة المغامرة؟
ردَّ عليها بابتسامة، دون أن يرد. كان عقله لا يزال يحاول الوصول إلى إجابة.
فجأة اختفى الرجل الشبح من فوق الخريطة. ثم ظهر قفاز أسود، في شكل قبضة. مرة أخرى. التقت أعين الشياطين، تتساءل. فلم يكن بينهم من يستطيع أن يصل إلى تفسير محدد أو مقنع. يمكن أن يقول: ماذا يعني الشبح؟ أو ماذا تعني هذه القبضة؟!
كان «أحمد» لا يزال، يبحث هو الآخر، عن معنًى. قال في نفسه: إن الشبح، يعني القدرة على الاختفاء والظهور في أي وقت، ويعني أيضًا أنه من الصعب أو من المستحيل القبض عليه … لأنه شبح، وهذا يعني أيضًا القوة؛ لأنه غامض ولا أحد يستطيع أن يعرف متى يظهر … ومتى يختفي … أما القبضة … فليس لها معنًى سوى القوة.
اختفت القبضة من فوق الخريطة، ثم أخذت صورة الشبح تظهر وتختفي. ابتسم «أحمد»، فقد كان تفسيره صحيحًا …
نظر له «باسم» قائلًا: يبدو أنك توصلت إلى معنى هذه الألغاز.
ابتسم «أحمد» قائلًا: أظن أنها ليست غامضة تمامًا، وأعتقد أننا سوف نعرف بعد دقائق معناها الحقيقي، عندما يتحدث إلينا رقم «صفر».
تحول الشياطين مرة أخرى إلى الخريطة، يحاولون تفسير ما يظهر، لكنهم لم يصِلُوا إلى شيء. في نفس الوقت، كان «أحمد» لا يزال يبحث عن تفسير لمعنى ظهور القبضة، أو القفاز.
قال في نفسه: إن القبضة تعني القوة، ما دامت اليد مضمومة هكذا. أما القفاز فإنه يعني إخفاء الأثر …
توقف لحظة، واستغرق في النظر إلى أحد جدران القاعة المغطاة بلون رمادي هادئ … فجأة، لمعت في ذهنه فكرة أن هذه القبضة تعني عصابة، والشبح يعني أن أحدًا لم يستطع حتى الآن أن يتوصل إليه.
ظهرت على وجه «أحمد» ابتسامة راضية … لاحظتها «هدى» البعيدة عنه قليلًا، فهمست لنفسها: إن «أحمد» قد تَوصَّل فعلًا إلى المعنى الحقيقي لهذه الرموز، وإلا ما كان يبتسم هذه الابتسامة.
ولم تستمر في حديثها لنفسها، فقد جاء صوت رقم «صفر» ينهي كل التساؤلات: إن محاولة البحث عن معنى لهذه الرموز مسألة طيبة، لكني أظن أنها مسألة شاقة هذه المرة.
سكت لحظة، ثم أضاف: لقد توصَّل «أحمد» إلى المعنى القريب جدًّا لها.
اختفى صوت رقم «صفر» مرة أخرى، فاتجهت أعين الشياطين إلى «أحمد» الذي قابلهم بابتسامة. انتظروا أن يتحدث إليهم بما توصَّل إليه، لكنه لم يفعل. فقد كان يريد أن يدفعهم إلى التفكير؛ لأن هذه عادة الشياطين.
فجأة تردد صوت أقدام رقم «صفر» وهي تقترب، حتى توقفت تمامًا، تعلقت أعينهم بمصدر الصوت وتركز انتباههم … إن مجرد قول رقم «صفر»: إنها مسألة شاقة هذه المرة تجعل الأمور أكثر إثارة.
مرت دقيقة قبل أن يصل رقم «صفر»، يُرحب بهم، ثم قال: إنها فعلًا مسألة شاقة، ومُحيرة، فلأول مرة يعجز العملاء عن الوصول إلى معلومات كاملة عن هذه العصابة الجديدة …
سكت الزعيم قليلًا، وتردد في خاطر الشياطين سؤال: إنها إذن ليست عصابة «سادة العالم». فهذه عصابة جديدة، لم يتعاملوا معها من قبل … قطع أفكارهم صوت رقم «صفر» يقول: نحن هذه المرة أمام عصابة لا نعرف إلا رموزها … الشبح والقفاز! ابتسم «أحمد»، فقد كان هذا هو المعنى الذي توصَّل إليه. في نفس الوقت، كانت أعين الشياطين تنظر إليه … جاء صوت رقم «صفر»: إن هناك عدة جرائم، وقعت مؤخرًا. جرائم سرقة بنوك وأسرار هامة، واختفاء شخصيات لها أهميتها على المستوى الدولي … ومن بينها إحدى الشخصيات العربية، التي لها اهتمامات بقضايا المنطقة.
توقف رقم «صفر» عن الكلام قليلًا قبل أن يقول: إن ما تركه الجناة بعد ارتكاب الجريمة هو علامتا الشبح والقفاز، لقد جرت عمليات بحث واسعة، لكن أحدًا لم يستطع التوصل لشيء. سكت قليلًا، ثم أضاف: سوف أضرب لكم أمثلة عن جرائم هذه العصابة الجديدة، التي يمكن أن نسميها «عصابة الشبح والقفاز»!
جاء صوت أوراق تُقلَّب، فعرف الشياطين أنها تقارير العملاء من جميع أنحاء العالم. قال رقم «صفر»: تقرير عميلنا في ألمانيا الغربية يقول: إن الدكتور «ج. براون» … وهو أحد العلماء المعروفين بأبحاثه عن قنابل الغاز … قد اختفى بعد عودته إلى بيته بنصف ساعة، وحتى الآن لا أحد يعرف أين هو. إن كل ما بقي منه هو بطاقة صغيرة مرسوم عليها الشبح والقفاز … والطريقة التي اختُطِف بها، استُخدِم فيها الغاز المخدر فعلًا، فقد اعترف الموجودون في بيت الدكتور «براون» أنهم أُصيبوا بحالة إغماء خفيفة … وعندما تنبَّهوا لأنفسهم بحثوا عن الدكتور «براون»، إلا أنهم لم يجدوه. وانتظروا، وهم يضعون افتراضات كثيرة، لكنه لم يظهر لعدة أيام. وعندما أبلغوا الأمر إلى المسئولين وبدأ البحث لم يجدوا سوى رمز العصابة في حديقة البيت …
سكت رقم «صفر» مرة أخرى، وجاء صوت الأوراق وهي تُقلب … قال الزعيم في النهاية: حادثة أخرى وقعت في مدينة «برانج»، عاصمة «تشيكوسلوفاكيا»، وهي سرقة «بنك أوف تشيك» وهو أحد البنوك الكبيرة هناك. لقد حدثت جريمة السطو في وضح النهار، وبطريقة ليست جديدة فهي طريقة عادية تمامًا، كتلك التي تشاهدونها في السينما، وعندما انصرفت العصابة لم تترك خلفها سوى رمزها، وقال موظفو البنك إن أفراد العصابة كانوا يلبسون فعلًا قفازات وعباءات، وكأنهم خرجوا من متحف التاريخ. والغريب أنه لم تحدث حالة اعتداء واحدة، فلم يضربوا أحدًا، ولم تظهر في أيديهم مسدسات. لقد سرقوا البنك بطريقة مهذبة، ولم يظهر لهم أثر بعدها.
من جديد، توقف رقم «صفر» عن قراءة التقارير التي أمامه … في نفس الوقت الذي كان فيه الشياطين في حالة انتباه كامل …
مر بعض الوقت، وعاد الزعيم يقول: آخر جرائم عصابة الشبح والقفاز هي خطف شخصية عربية هامة، لها اهتمامات بالقضية الفلسطينية، وطالما دافعت عنها كثيرًا. لقد حدثت جريمة الخطف في مدينة «درزرن» بألمانيا الشرقية.
توقف رقم «صفر» عن الكلام. في الوقت الذي بدأ الشياطين يفكرون، كانت «هدى» تنظر إلى «أحمد». الذي كان مستغرقًا في التفكير، نظر «عثمان» هو الآخر إلى «أحمد» وكأنه يطلب منه الكلام. لكن عودة الزعيم إلى الحديث، جعلتهما، يعودان، بأعينهما إلى حيث مصدر الصوت …
قال رقم «صفر»: إن معمل الدراسات في المقر السري للشياطين قد أجرى دراسة على جرائم هذه العصابة الجديدة، وتوصَّل إلى عدة ملاحظات، أعتقد أنها ستكون المفتاح لكشف هذه العصابة …
سكت رقم «صفر» وكأنه كان يعطي للشياطين بعض الوقت حتى يجمعوا أفكارهم، أو حتى يثيرهم للتفكير في هذه العصابة الجديدة الغامضة.
وكان «خالد» يرسم بعض الخطوط، نقلًا من الخريطة الإلكترونية، وكان «بو عمير» ينظر في اتجاه الخريطة أيضًا، في الوقت الذي كان فيه «أحمد» يُركز انتباهه في انتظار ما سوف يقوله رقم «صفر».
مر وقت بدا طويلًا، ولم يتحدث الزعيم … غير أنه بعد لحظة قال: ينبغي أن نطرح أفكارنا جميعًا … قبل أن أنقل إليكم ما توصل إليه معمل الدراسات، فهي عصابة جديرة بالتفكير، والاهتمام …
صمت لحظة، ثم قال: سوف أتغيَّب عنكم لدقائق، يمكن أن تعطيكم الفرصة للوصول إلى نتائج، وأنا أعرف مقدمًا أنكم قادرون على التوصل إلى أشياء هامة.
بدأ صوت أقدام رقم «صفر» يبتعد قليلًا قليلًا، حتى اختفى تمامًا، تلاقت نظرات الشياطين دون أن ينطق أحدهم بكلمة، وكأنهم كانوا في انتظار أن يبدأ «أحمد» الكلام، إلا أن «زبيدة» كانت أسرعهم، فقالت: أعتقد أن عصابة الشبح والقفاز لا تعمل لنفسها فقط.
سألها «باسم»: ماذا تقصدين بأنها تعمل للآخرين أيضًا؟
ردت «زبيدة»: إن عصابة تعمل لنفسها سوف تتركز جهودها في السطو على البنوك مثلًا، أو خطف عالِم مثل الدكتور «براون» من أجل مبلغ من المال، لكن عندما تخطف أحد السياسيين، مثل الشخصية العربية التي خطفتها مؤخرًا، فما الذي تستفيده ما لم تكن تعمل لحساب آخرين؟ سوف يدفعون لها مقابل الجريمة.
لم ينطق أحد من الشياطين، وإن كان «أحمد» قد قال بعد لحظة: هذه وجهة نظر صحيحة.
أضافت «هدى»: هناك أيضًا مسألة لافتة للنظر، هذه الجريمة المهذبة، كما يقول الزعيم، وإن كان لا يصح أن نطلق على أي جريمة أنها جريمة مهذبة، فلا استخدام للعنف، أو الرصاص، أو شيء من هذا القبيل، فمثلًا، يخطفون الدكتور «براون»، عن طريق الغاز المخدر للجميع، مع أنهم يمكن أن يستخدموا المسدسات مثلًا، أليست هذه أيضًا، مسألة تستحق الاهتمام؟
قال «رشيد»: هناك أيضًا تلك الملابس التي يلبسونها، وكأنهم من فرسان العصور الوسطى، فهي ملابس غير عصرية، بمعنى أنها يمكن أن تعوق صاحبها عن الحركة السريعة … ثم إنها ملابس لافتة للنظر، والمجرم يبدو دائمًا في هيئة الرجل العادي، حتى لا يلفت النظر …
فجأة … قطع حديثهم صوت رقم «صفر» يقول: هذه نتائج طيبة فعلًا، وهي بعض ما توصَّل إليه معمل الدراسات.
ثم سكت صوت الزعيم.