أين يوجد مقر العصابة؟
طالت فترة صمت رقم «صفر»، وظل الشياطين في انتظار حديثه.
فجأة قال: ماذا توصلتم إليه أيضًا؟ لقد كنت في انتظار أن يتحدث أحدكم.
مرت فترة قبل أن يقول «قيس»: إن الملاحظة التي أعتقد أنها هامة، هي أن الجرائم تحدث في منطقة محددة، لا تخرج عن دائرة بعينها، فهي كما سمعنا إما ألمانيا، أو تشيكوسلوفاكيا، أو بولندا، أو النمسا، ولم تظهر جريمة، تحمل رمز هذه العصابة الجديدة، في إيطاليا مثلًا، أو فرنسا.
كان «أحمد» يبتسم، وهو يسمع كلمات «قيس» فقد كان يفكر في نفس الملاحظة، حتى إن رقم «صفر» قال عندما توقف «قيس» عن الكلام: إن «أحمد» يبتسم، يبدو أنه يريد أن يضيف شيئًا.
قال «أحمد» مبتسمًا: لقد لفتت نظري نفس الملاحظة من البداية. غير أني كنت أفكر في السبب، لماذا في دائرة محددة بالذات؟
سكت «أحمد» … فقال رقم «صفر»: هذا هو السؤال، وهذا ما لفت نظري لأول وهلة عندما جاءت تقارير العملاء، وقد أجرى معمل الأبحاث في المقر، دراسات حول هذه النقطة، وتوصَّل إلى حقيقة، يبدو أنها سوف تكون مفتاح مغامرتكم الجديدة.
تحفَّز الشياطين لسماع نتيجة المعمل، غير أن رقم «صفر» لم يتحدث … مر بعض الوقت، فقال «أحمد»: إذا أذِن لي الزعيم، فإنني أعتقد أن هناك شيئًا مشتركًا بين هذه الدول جميعًا، جعل العصابة تحدد مجال عملها.
جاء صوت الزعيم يقول: هذا حقيقي، وأعتقد أنكم تستطيعون الوصول إلى النتيجة، لو أجريتم دراسة سريعة، لكن، لأن الوقت ضيق. وخطف السياسي العربي حدث أول أمس فقط، فإن النتيجة التي توصل إليها معمل الأبحاث سوف تعينكم على ذلك.
مرة أخرى توقف الزعيم عن الكلام، وكأنه بصمته المتكرر كان يدفع الشياطين للوصول إلى النتيجة التي توصل إليها المعمل؛ ولذلك استمرت فترة الصمت قليلًا.
ثم جاء صوت الزعيم يقول: إن ما قاله «أحمد» في النهاية هو ما قالته نتيجة المعمل. إن هناك منطقةً مشتركة بين تشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية، اسمُها منطقة «بوهام» … وهي منطقةٌ صناعية على الجانبَين … أيْ إن هناك منطقةً صناعية في ألمانيا الشرقية وأخرى في تشيكوسلوفاكيا، تُقام على الحدود بينهما، وأنتم تعرفون أن تشيكوسلوفاكيا تشترك مع عِدَّة دولٍ في الحدود، والمنطقة الواقعة بين المنطقتَين الصناعيتَين تكاد أن تنعدم الحياةُ فيها، فمناخُها لا يَصلح لوجودِ أيِّ إنسان … ذلك أن مخلفات المصانع على الجانبين، سواء كان دخان أو أكاسيد، يقضي على وجود الأكسجين في هذه المنطقة، وقد حذر العلماء، من أن هذه المنطقة سوف تصبح صحراء جرداء بعد عدة سنين، وتنعدم فيها الحياة نهائيًّا.
سكت رقم «صفر». وجاء صوت الأوراق، فقد كان يقرأ تقارير معمل الأبحاث، في نفس الوقت كان الشياطين يفكرون في هذه النتيجة، واحتمالات أن تكون لها علاقة بارتكاب جرائم الخطف والسرقة في هذه الدول المشتركة الحدود. جاء صوت رقم «صفر» يقول: من المتوقع، وربما المؤكد، أن العصابة تأخذ في هذه المنطقة مقرًّا لها. فما دامت منطقة «بوهام» … معزولة بسبب المناطق الصناعية على جانبيها، فإنها تصلح تمامًا لمقر لا يصل إليه أحد، أو حتى يفكر فيه.
توقف الزعيم عن الكلام، لحظة، ثم أضاف: إن تقارير عملائنا في ألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا، تشير إلى أن السلطات هناك كانت تفقد أثر أي فرد للعصابة في هذه المنطقة. خصوصًا وأنها منطقة كثيفة سكانيًّا؛ بسبب تواجد أعداد كبيرة من العمال الذين يعملون فيها، ولذلك فإن احتمال وجود مقر العصابة كبير.
سكت لحظة، فجأة صوت «أحمد» يقول: إذا أذِن لي الزعيم …
فرد رقم «صفر» يقول: إنني في انتظار ما عندك.
قال «أحمد»: إن ذلك يعني أن مقر العصابة ممتد في المنطقة الفاصلة بين الدولتين، ألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا.
ردَّ رقم «صفر»: من الممكن طبعًا أن يكون ذلك صحيحًا.
قال «أحمد»: إذن، نحن في حاجة إلى مجموعتين من الشياطين للقيام بالمغامرة.
لم يرد رقم «صفر» مباشرةً، كان الشياطين ينتظرون أوامر الزعيم، الذي جاء صوته يقول: هذه حقيقة، لا بد من قيام مجموعتين، كل مجموعة في دولة، حتى يمكن التوصل إلى المقر، فمن المؤكد أنه مفتوح على الجانبين …
سكت رقم «صفر» لحظة، ثم قال: نحن متفقون على ذلك. هل هناك أسئلة؟
شمل الصمت المكان. غير أن الشياطين لم يكن لديهم ما يسألون عنه … فجأة تردد صوت متقطع … فقال الزعيم: هناك رسالة من أحد عملائنا في ألمانيا الشرقية، وربما تكون عن السياسي العربي، فقد اختفى هناك.
أخذت أقدام رقم «صفر» تبتعد شيئًا فشيئًا، حتى اختفت في نفس الوقت، كان الشياطين مستغرقين في أفكارهم … إن هذه مغامرة غريبة، ولأول مرة تخرج مجموعتان في مغامرة واحدة، بجوار أن المعلومات ليست متوفرة. فهم سوف يخرجون، وهم لا يعرفون سوى جغرافية المكان. أما الأشخاص، فهم لا يعرفون عنهم شيئًا …
همس «رشيد»: نحن مقبلون على موقف صعب.
ردت «ريما»: لماذا؟ إن عديدًا من المغامرات التي دخلناها كانت أكثر صعوبة.
ابتسم «أحمد» قائلًا: إن الشياطين يهوون المغامرات الصعبة، ويعشقون التحدي.
ابتسم الشياطين جميعًا لما قاله «أحمد»، وتساءل «رشيد»: هل تتوقعون مزيدًا من المعلومات. لعلها جريمة جديدة.
ردَّ «باسم»: المهم أن ننطلق الآن.
صمت الشياطين، وامتلأت القاعة بصمت ثقيل، لم يقطعه، سوى صوت أقدام رقم «صفر» تقترب. تحفزوا جميعًا، وعندما توقفت أقدام الزعيم تركزت أبصارهم على مصدر الصوت.
فجاء صوت رقم «صفر» يقول: لقد قُبض على أحد أفراد العصابة منذ نصف ساعة، والتحقيقات تدور معه …
توقف رقم «صفر» عن الكلام. شعر الشياطين بأن المغامرة قد أوشكت على الانتهاء، فعندما يقع أحد أفراد العصابة … فهذا يعني أنه سيقود المسئولين إلى بقية أفرادها … إلا أن «أحمد» كان في انتظار المزيد من رقم «صفر»؛ لأنه يعرف أن القبض على فرد لا يعني القبض على العصابة، ولا يعني نهايتها.
قال رقم «صفر»: حتى لا نضيع وقتًا … إن عليكم الانطلاق إلى مغامرتكم، وسوف أوافيكم بالجديد …
سكت لحظة ثم أضاف: إن المجموعة «ف»، وهي مجموعة «تشيكوسلوفاكيا»، سوف تضم: «أحمد»، «زبيدة»، «باسم»، «قيس»، «رشيد». أما المجموعة «م»، وهي مجموعة ألمانيا، فسوف تضم: «عثمان»، «مصباح»، «بو عمير»، «خالد»، والآن أتمنى لكم التوفيق.
ثم قال بسرعة: إن المجموعتين، تعملان تحت قيادة «أحمد».
في دقيقة واحدة كان الشياطين يغادرون القاعة في طريقهم إلى حجراتهم، استعدادًا للانطلاق.
قال «أحمد» وهو خارج القاعة: سوف نكون جاهزين خلال ربع ساعة.
ثم أخذ طريقه إلى حجرته سريعًا.
عندما دخل «أحمد» أسرع بتجهيز حقيبته، وكان أول ما حرص عليه قناع الغازات السامة … وبسرعة كان يرسل تعليماته إلى بقية الشياطين … حتى لا ينسى أحد قناعه … وقبل أن تنقضي عشر دقائق، كان قد أصبح مستعدًّا، لكنه انتظر حسب الموعد … فكر لحظة، ثم ضغط زرًّا في جهاز التليفزيون … فظهرت قاعة المكتبة … ضغط زرًّا آخر، ثم تحدث في ميكروفون دقيق، مثبت في الجهاز قائلًا: أريد معلومات عن منطقة «بوهام» …
في لحظة كانت المعلومات تظهر على الشاشة، أخذ يقرؤها بسرعة، كانت المعلومات عن طبيعة الصناعة الموجودة حولها، سواء في ألمانيا أو تشيكوسلوفاكيا، وعن نسبة الغازات السامة في المنطقة، وعن تعداد العمال في كل من الجانبين، أخذ يختزن المعلومات في ذهنه، وعندما انتهى من القراءة … أسرع بطلب صيدلية المقر، وطلب بعض الأدوية الخاصة بالأماكن التي ينقص فيها الأكسجين، وتنظيم الأكسجين في الدم.
وعندما انقضت الربع ساعة كان «أحمد» يأخذ طريقه خارجًا من الحجرة، وابتسم عندما أغلق الباب، فقد كان بقية الشياطين يغلقون أبوابهم في نفس اللحظة، وبسرعة كانوا يتجهون إلى منطقة المصاعد، حيث استقلوا مصعدًا إلى أسفل المقر، حيث توجد السيارات. وعندما وصلوا إلى هناك وقفت كل مجموعة أمام سيارتها، وتبادلوا التحية وتمنوا لبعضهم التوفيق، ثم استقلت كل مجموعة سيارتها، وفي دقائق كانت أبواب المقر الصخرية تنفتح بلا صوت، وعندما تجاوزتها سيارتا الشياطين انغلقت بلا صوت أيضًا …
كانت سيارة الشياطين منطلقة في سرعة رهيبة … حتى يمكن اللحاق بالطائرة التي سوف يستقلونها إلى هناك … حيث تبدأ المغامرة …
كانت المجموعة «ف» في المقدمة، حيث تتبعها المجموعة «م». كان «أحمد» يتطلَّع إلى الأفق الممتد إلى نهاية مرمى البصر، حيث لم يكن يظهر شيء. كان يفكر: هل يمكن أن يكون فرد العصابة الذي قُبِض عليه مصدر للمعلومات … أم أنه سوف يصمت … إنه يعرف أن من تقاليد العصابات أن الفرد الذي يقع يتعرض للنهاية؛ لأنه سوف يكون معروفًا فيما بعد، وإن النهاية، ما دام قد قُبض عليه، هي النقطة الأخيرة في حياته، ولذلك فهو عادةً لا يتكلم، بل إن العصابة تعمل على أن تنتهي منه بأي طريقة، حتى لا يضعف ويقدم أي معلومات …
همست «زبيدة» تسأل: هل سوف يزودهم رقم «صفر» بأوصاف فرد العصابة.
قال «أحمد» بعد لحظة: إن ذلك ليس مفيدًا … فأفراد العصابة ليسوا جميعًا على هيئة واحدة، إن المفيد أن يجدوا علامة معينة في شكله، وكثير من العصابات تفعل ذلك.
قال «باسم»: ربما تكون نفس العلامة، الشبح أو القفاز.
ردَّ «أحمد»: ربما.
فجأة، تردد صوت صغير متقطع، كان هو صوت جهاز الاستقبال في السيارة، عرف «أحمد» أنها رسالة من رقم «صفر»، ضغط زرًّا في تابلوه السيارة، ثم بدأ يستقبل الرسالة.
كانت رسالة شفرية تقول: «١٩ – ١٧» وقفة «٤٠ – ٢٦ – ٣» وقفة «٦ – ٣٠ – ٧٠» وقفة «٦ – ٣٠ – ٢٤ – ٧٠ – ٦ – ٢٢ – ٧٠ – ١٧» وقفة «٦ – ٥٠ – ٤٠ – ٦ – ٢٦» وقفة «٢٦ – ٣ – ١٦» وقفة «٦ – ٣٠ – ٢٤ – ٤٠ – ٦ – ٩ – ١٨» وقفة «٢٦ – ٧٠» وقفة «٦ – ١٧ – ١٢ – ٢٥ – ٦ – ٣ – ٢٩ – ١٩» وقفة «١٩ – ٢٤» وقفة «٦ – ٣٠ – ٢٤ – ١٩ – ٧٠ – ٣٠» انتهى.
ترجم «أحمد» الرسالة، ونقل معناها إلى أفراد المجموعة «ف» ثم أرسل بسرعة رسالة إلى المجموعة «م»، وعندما انتهى قالت «زبيدة»: إن ذلك يعني خطوة إلى الأمام.
لكن ما حدث بعد ذلك، كان مفاجأة لهم، وإن كان «أحمد» قد توقعها من البداية.