سيارة موجهة تطارد الشياطين
عندما عرف «أحمد» بالمفاجأة كانوا قد غادروا مطارد «درزرن»، في طريقهم إلى فندق النجمة الحمراء في قلب المدينة.
كان الليل قد هبط منذ ساعتين، ومدينة «درزرن» تبدو جادة تمامًا. والمارة في الليل قليلون … ولم تكن السيارة التي يستقلونها تسير بسرعة عالية، فقد كانت تسير في بطء. فإنه لم يكن هناك داعٍ للعجلة، فهم لن يبدءُوا العمل إلا في الصباح …
فجأة جاءت رسالة رقم «صفر». وكانت المفاجأة … كانت مجموعة «ف» تنظر إلى «أحمد» وهو يتلقى الرسالة … فجأة ظهر الجمود على وجهه … لكنه استعاد هدوءه بعد قليل. إن ما حدث، كان يتوقعه «أحمد» من البداية، لكنه لم يكن ينتظر أن يتحقق بهذه السرعة.
عندما انتهى من تلقي رسالة الزعيم، همست «زبيدة»: ماذا حدث؟
نظر لها «أحمد» قليلًا، ثم أجاب هامسًا: لقد انتهى فرد العصابة.
نظر له الشياطين في جمود، مرت لحظة، ثم تساءل «باسم»: ماذا تعني؟
ردَّ في هدوء: لقد تخلَّصت منه العصابة، برغم الحراسة المشددة.
صمت الجميع، ولم يُسمع إلا صوت موتور السيارة، مرت لحظة وأرسل «أحمد» رسالة شفرية إلى المجموعة «م»، ينقل لها تفاصيل رسالة رقم «صفر».
ولم يكد ينتهي منها حتى جاء تساؤل من المجموعة «م»: كيف حدث هذا؟
ولم يرد «أحمد» برسالة مطولة … فقد كان الرد مقتضبًا، يقول: المهم أنه انتهى.
وصلت سيارة الشياطين إلى فندق «النجمة الحمراء» فنزلوا بسرعة، ولم تمر دقائق … حتى كانوا جميعًا في حجرة «أحمد» يعقدون اجتماعًا سريعًا …
قال «قيس»: إن هذه مسألة غريبة … كيف يمكن أن يتخلصوا منه بهذه السرعة، وهم يشددون عليه الحراسة.
ردَّ «أحمد»: هذه مسألة عادية تمامًا في عالم العصابات … ولهم أساليبهم الخاصة فيها. غير أن المهم الآن هو كيف نبدأ؟ ومن أين؟
لمعت لمبة حمراء في جهاز الإرسال الصغير الذي كان «أحمد» يضعه أمامه في انتظار أي رسالة سواء من الزعيم أو المجموعة «م».
لكنه عرف أن هذه الرسالة من رقم «صفر». بدأ يتلقى الرسالة الشفرية وكانت: «١٨ – ١٧ – ٦ – ٢٩» وقفة «٣ – ١ – ٦ – ٣٠ – ٧٠» وقفة «١٢ – ٢٦ – ٤٠ – ٧٠ – ٣٠ – ٧٠ – ١٨» وقفة «١٩ – ٢٤» وقفة «٦ – ٣٠ – ٢٤ – ١٩ – ٧٠ – ٣٠» وقفة «٦ – ١٧ – ١٢ – ٢٥ – ٣ – ٥٠ – ٦» وقفة «٣ – ١ – ٦ – ٣٠ – ١٢ – ١٨» انتهى …
تلقى «أحمد» الرسالة الشفرية، ثم ترجمها، ونقلها إلى بقية المجموعة … كانت ترجمة الرسالة تقول: هناك رسالة تفصيلية مع العميل … انتظر رسالته.
قال «باسم»: لا بد أن هناك معلومات هامة.
قال «قيس»: هل نرسل إلى المجموعة «م»؟
ردَّ «أحمد»: لا داعي الآن … سوف ننتظر رسالة العميل، ثم نرسل لهم بعدها. إن كان هناك ما يهم.
سكت «أحمد» لحظة ثم أضاف: سوف ننهي اجتماعنا الآن … في انتظار رسالة العميل، ثم نعقد اجتماعًا آخر …
انصرف الشياطين بسرعة … وبقي «أحمد» وحده …
فتح نافذة الحجرة، يرقب الأضواء التي تلمع في الليل … كانت المدينة تبدو نائمة تمامًا … استنشق «أحمد» الهواء البارد، فأحس بالانتعاش …
فجأة تردد صوت رنين التليفون فأسرع إليه … وعندما رفع السماعة جاء صوت العميل يقول: أهلًا بكم في «درزرن» … وأتمنى ألَّا تطول إقامتكم.
ابتسم «أحمد» وشكره … فقال العميل: إن لديَّ صورة تذكارية … مَن سوف يتسلمها؟
فكَّر «أحمد» لحظة، فعرف أن الصورة تعني الرسالة المطولة … فقال: أستطيع أن أنزل حالًا.
قال العميل: إذن نلتقي عند تقاطع الليل والنهار.
شكره «أحمد» ووضع السماعة. لكنه رفعها مرة أخرى، وتحدث إلى «قيس» … أخبره بما حدث، فقال «قيس»: سوف أنزل معك.
اتفقا ونزلا، خرجا من الفندق إلى حيث موقف السيارة … جلس «أحمد» خلف عجلة القيادة. ثم وجَّه بوصلة السيارة إلى نقطة اللقاء وانطلق …
قال «قيس»: لا يزال هناك بعض الوقت.
ردَّ «أحمد»: لهذا فإنني أسير ببطء قليلًا … إن ساعة السيارة … والبوصلة مضبوطتان على الموعد، ونقطة اللقاء …
فجأة شعر «أحمد» أن هناك سيارة في الخلف تمشي بنفس السرعة … قال في نفسه: هل هي مُصادفة … أو أننا مراقبان …
وجَّه مرآة السيارة إلى السيارة الخليفة … كانت سيارة «فولكس فاجن» برتقالية اللون. تبدو قديمة بعض الشيء، وكانت تقودها امرأة، قال في نفسه: تُرى من تكون هذه المرأة؟
هل يمكن أن تكون هذه المرأة من عصابة الشبح والقفاز.
لم يقطع برأي … مرت لحظة قبل أن ينقل أفكاره إلى «قيس»، الذي التفت بسرعة، إلا أن «أحمد» قال: لا داعي لذلك، حتى لا تظن أننا نهتم بها …
اعتدل «قيس» بسرعة، وهو يقول: لا أظن أنها عضو العصابة لعلها المصادفة.
ضغط «أحمد» قدم البنزين، فانطلقت السيارة. كان يريد أن يتأكد من أن السيارة «الفولكس فاجن» ليست في حالة مراقبة لهما … إلا أن السيارة «الفولكس»، رفعت سرعتها هي الأخرى، انطلق «أحمد» أكثر فأسرعت «الفولكس» كذلك قال هامسًا ﻟ «قيس»: يبدو أننا سوف نبدأ المغامرة الآن.
ردَّ «قيس»: لا أظن. فلا أحد يعلم بمجيئنا.
قال «أحمد»: إن العصابات تملك عملاء لها في كل مكان. وقد يكون فندق «النجمة» من بين الفنادق التي تهتم بها العصابة.
ضغط «أحمد» قدم البنزين أكثر، ورفع سرعة السيارة حتى نهايتها … حاولت «الفولكس» اللحاق بالسيارة لكنها لم تستطع. نظر «قيس» في ساعته، ثم قال: إن الوقت قد حان، لملاقاة العميل.
بسرعة، انحرف «أحمد» يمينًا، فاختفت السيارة «الفولكس» وفي الموعد المحدد، كان يقترب من المكان. وعندما وصلا، كانت سيارة العميل قد وصلت هي الأخرى تجاورت السيارتان ومد العميل يده بخطاب، سلمه ﻟ «قيس» وأخذت كل سيارة طريقها.
في نفس اللحظة ظهرت «الفولكس»، فقال «أحمد»: هل ندخل المغامرة الآن؟
ردَّ «قيس»: أظن أننا لسنا في حاجة إلى أي صراع الآن … فمُهمتنا أكبر، وسوف نكشف أنفسنا لو اشتبكنا معهم.
ضغط «أحمد» قدم البنزين، فانطلقت السيارة كالصاروخ … حتى إن «الفولكس» أخذت تتراجع، حتى اختفت تمامًا.
فظل «أحمد» على نفس السرعة، حتى وصل إلى الفندق، لكنه لم يتجه إلى موقف السيارات … لقد حرص على أن تختفي السيارة، حتى لا تعرف سائقة «الفولكس» مكانهما.
وفي دقائق. كانا قد صعدا إلى حجرة «أحمد» أسرع «قيس» إلى النافذة، وظل يراقب الشارع لحظات، ثم مرت الفولكس بسرعة واختفت … ابتسم «قيس» … لقد فقدت «الفولكس» أثرهما … عاد إلى «أحمد» الذي كان يقرأ الخطاب باهتمام …
سأله «أحمد» وعيناه تجريان فوق الكلمات: هل ظهرت «الفولكس»؟
أجاب «قيس»: نعم … وانطلقت في طريقها … يبدو أنها لا تزال تبحث عنا.
قال «أحمد»: لعلها عرفت المكان، واختفت الآن، لتعود مرة أخرى، ومَن يدري لعلنا نلقى أحدًا الليلة!
برغم أنه كان يتكلم، إلا أن ذهنه … كان يختزن الرسالة … فقد كان عليه أن يتخلص منها فور قراءتها … انتهى من القراءة فنظر إلى «قيس» مبتسمًا: لقد توصَّل العملاء إلى نقطة الاختفاء تمامًا … إنها تقع عند التقاء النقطة «ش» بالنقطة «ل». وهذا يتطلب أن ننطلق مبكرين قبل أن يحدث أي شيء …
نظر في ساعة يده، ثم قال: إن أمامنا ثلاث ساعات … قبل أن نغادر المكان، وهي كافية لنستريح، وننال قسطًا من النوم …
سأل «قيس»: هل ترسل إلى المجموعة «م»؟
ردَّ «أحمد» بعد لحظة: ينبغي أن نفعل ذلك، قبل أن ننام …
وبسرعة، بدأ في استخدام جهاز الإرسال، وأرسل رسالة شفرية إلى المجموعة «م»، وعندما انتهى منها، انتظر قليلًا …
كان «قيس» يتابعه صامتًا … لكنه قال بعد لحظة: إن «الفولكس» سوف تظل تُمثل لي لغزًا، يحتاج إلى حل …
ابتسم «أحمد» وقال: ينبغي أن تنسى هذا اللغز. إن أمامنا مغامرة صعبة بجوار أننا لن نكون هنا بعد ساعات …
فجأة، أعطى الجهاز ضوءًا متقطعًا، فبدأ «أحمد» يتلقى رسالة المجموعة «م».
وعندما انتهت، قال ﻟ «قيس»: إنهم لم يكتشفوا المكان في الطرف الآخر.
سكت لحظة، ثم أضاف: على كل حال … إننا سوف نعطيهم تفاصيل تحركنا أولًا بأول، حتى يتمكنوا من متابعتنا …
أضاف بعد قليل: علينا أن نرتاح الآن … وبعد ساعات لنا لقاء …
تمنى «قيس» ﻟ «أحمد» نومًا هادئًا سريعًا، ثم انصرف …
ألقى «أحمد» نفسه على السرير … كان ذهنه يعمل بنشاط كبير … لكنه قال في نفسه: إن النوم ضرورة الآن، ويجب أن أنام فورًا.
أسرع «أحمد» يجري بعض التدريبات التي تساعد على النوم. ولم تمضِ خمس دقائق، حتى كان قد استغرق في النوم … إن هذه الساعات القليلة كافية تمامًا بالنسبة للشياطين. فهم لا يحتاجون إلا لوقت قليل من النوم … فهم يملكون القدرة على العمل لساعات طويلة … لكن عندما ينتهون من كل مغامرة. فإنهم ينامون طويلًا، تعويضًا لساعات العمل …
في الوقت المناسب كانت ساعته الإلكترونية، ترسل ذبذبات جعلته يستيقظ، وبسرعة كان يغادر سريره، في نفس اللحظة كان «قيس» يدق الباب. فتح بسرعة فرآه وخلفه كانت تقف «زبيدة» و«باسم» و«رشيد». وقبل أن تنقضي عشر دقائق كانوا يحملون بعض الساندويتشات من مطعم الفندق، ويأخذون طريقهم إلى السيارة.
وعندما ألقوا أنفسهم داخلها … وأُغلقت أبوابها، جاء صوت العميل، يلقي عليهم تحية الصباح. ويتمنى لهم رحلة موفقة. ومغامرة ناجحة.
قدمت «زبيدة» الساندويتشات للمجموعة، بينما كان «رشيد» يجلس إلى عجلة القيادة، وموسيقى هادئة تنساب داخل السيارة. كان الفجر يكاد أن يخطو خطوته الأولى إلى الوجود. وكانت الغابات تحيط بالطريق الناعم، وليس فوقه أي حركة … ولهذا كانت السيارة تنطلق بسرعة عالية. دون أن تخشى شيئًا.
فجأة، ظهر تقاطع طريق. فهدَّأ «رشيد» من سرعة السيارة. وعندما كان ينحرف في اتجاه اليسار حدث ما لم يخطر لهم على بال … لقد ظهرت «الفولكس» البرتقالية … كانت مفاجأة لهم، وكان هذا يعني أنهم قد بدءُوا مغامرتهم فعلًا …
قال «أحمد»: يجب أن تُخفض السرعة، حتى نرى.
أبطأ «رشيد» سرعة السيارة … في نفس الوقت الذي كانت فيه «الفولكس» قد اقتربت بسرعة … نظر «رشيد» في مرآة السيارة … كانت «الفولكس» تقترب، بنفس السرعة ركز بصره، ثم قال: إن السيارة ليس بداخلها أحد … علت الدهشة وجوه الشياطين.
وقال «أحمد»: لا بد أنها سيارة موجهة … وهذا قد يقضي علينا.
رفع «رشيد» سرعة السيارة، فارتفعت سرعة الفولكس. أصبح مؤكدًا الآن، أنها تريد الاصطدام بسيارة الشياطين …
قال «أحمد» بسرعة: هذه معركتك وحدك.
كان ينظر إلى «رشيد» وهو يبتسم. خفض «رشيد» سرعة السيارة. كان يُركز عينيه على مرآة السيارة … وهو يرقب تحرُّك «الفولكس» …
همست «زبيدة»: إننا إذن مراقبون منذ وصولنا …
ردَّ «قيس»: يبدو أن هذه حقيقة. وأننا أمام عصابة خطيرة.
سألت «زبيدة»: لكن كيف توصلوا إلى وجودنا.
ردَّ «أحمد» بسرعة: هذه ليست القضية الآن … لقد أصبحنا داخل المعركة، ويجب أن ننتهي منها أولًا.
اقتربت «الفولكس» من سيارة الشياطين، ضغط «رشيد» فرملة السيارة، فتوقفت فجأة وفي لحظة سريعة، كان يضغط قدم البنزين وينحرف عن الطريق. في الوقت الذي استمرت فيه «الفولكس» مندفعة، حتى الاصطدام. إلا أن «رشيد» عرف كيف يخدعها. تقدمت «الفولكس» …
فقال «أحمد»: يجب أن نتخلص منها، بتفجيرها.
وفي لحظة، كان «باسم» و«قيس» قد استعدا … ثبَّت كلٌّ منهما صاروخًا صغيرًا في مقدمة مسدسه … ضغط «رشيد» قدم البنزين، فانطلقت السيارة بسرعة رهيبة … وبدأت المسافة بين السيارتين تنخفض، حتى أصبحت «الفولكس» في مدى إطلاق المسدسات.
قال «أحمد»: سوف أُحدد لكم لحظة الإطلاق …
استمرت سيارة الشياطين في اندفاعها … وعندما اقتربت تمامًا. ضغط «أحمد» زرًّا في تابلوه السيارة، فانفتح السقف بسرعة … وقف «باسم» و«قيس»، فأصبحا يسيطران على الموقف، بوجود نصفهما الأعلى خارج السيارة. وعندما أعطى «أحمد» إشارة الضرب، أطلق الاثنان مسدسيهما على «الفولكس» التي كانت تتقدمهما … مباشرةً …
وفي لحظة، تحولت السيارة إلى قطعة من النار، فقد انفجر الصاروخان فيها في لحظة واحدة … بينما كانت سيارة الشياطين، مندفعة في طريقها إلى المغامرة الكبرى.