المواجهة وعلامة القفاز
عندما كانت سيارة الشياطين مندفعة في طريقها ضغط «أحمد» زرًّا في تابلوه السيارة، فظهرت شاشة تليفزيونية صغيرة، أدار مؤشرًا جانبيًّا، فظهرت المسافة بين السيارتين … كانت «الفولكس» على البعد من الخلف مشتعلة على جانب الطريق …
قال «أحمد»: ينبغي أن نُبدِّل سيارتنا بسيارة أخرى، ما دمنا قد أصبحنا هدفًا معروفًا للعصابة.
رفع سماعة التليفون، فرد عميل رقم «صفر» مباشرةً … أخبره «أحمد» بما حدث. وطلب سيارة أخرى، أكثر تجهيزًا … كان العميل يستمع دون تعليق وفي النهاية قال: عند النقطة «ﻫ» سوف تكون السيارة في انتظاركم … إنها تبعد عن مكانكم مائة ميل …
شكره «أحمد»، وانتهت المكالمة. غير أنه عندما وضع السماعة، ترددت إشارات ضوئية عرف أن هناك رسالة من المجموعة «م» … أسرع يرسل إليها إشارة سريعة، تقول: تغير الطقس، انتظروا تعليمات أخرى!
وبسرعة أرسل إلى رقم «صفر» يطلب شفرة جديدة … لأنه يشُك في الشفرة المستخدمة الآن، ويبدو أنها السبب في كشف وجودهم …
ردَّ رقم «صفر» على الفور يقول: الأمطار قليلة … يجب الاعتماد على الآبار …
فهم «أحمد» ماذا يعني رقم «صفر» … وبسرعة أرسل إلى المجموعة … «م»، برموز الشفرة الجديدة … ثم قال: نحن في انتظار ردكم.
جاءت رسالة المجموعة «م»: اللعبة بنالتي. الهدف مضمون. مجموعة الهجوم تنقل الكرة بحرص في طريقها إلى المرمى …
فهم «أحمد» مضمون الرسالة، فنقلها إلى بقية المجموعة ثم أضاف قائلًا: إن المجموعة «م» تأخذ طريقها إلى الهدف … دون أي مقاومة.
كانت السيارة تقطع الطريق كالسهم. ولم يكن أحد من الشياطين يفكر في شيء الآن، إلا في هذه السيارة «الفولكس» الغريبة التي ظهرت لهم … فجأة منذ تسلم رسالة عميل رقم «صفر»؛ ولذلك كانوا يجلسون وهم متحفزون لأي مفاجأة جديدة، يمكن أن تظهر مرة أخرى.
كانت عينا «أحمد» ترقب عداد السرعة، والأرقام تقفز فيه. وهو يحسب في نفس الوقت ما بقي من مسافة حتى مكان السيارة الجديدة …
فكر «أحمد» لحظة: إذا تركوا سيارتهم هذه على الطريق، فإن ذلك يمكن أن يخدع العصابة. إذا كانت تطاردهم الآن.
كان عداد السيارة يشير إلى أن المسافة قد اقتربت … وأن السيارة الجديدة … لم تعد تبعد كثيرًا … قال: أفكر في أن نترك سيارتنا على جانب الطريق أن ذلك قد يفيد في تعطيل العصابة … فنحن لا نريد مشاكل على الطريق!
قال «باسم»: إنها فكرة طيبة …
ردَّ «رشيد»: نستطيع أن نهشمها أيضًا.
ردَّ «قيس»: لا أظن أننا نحتاج لذلك …
من بعيد ظهرت سيارة … واقفة على الجانب الأيمن من الطريق. وفي دقائق كانت سيارة الشياطين، تقف بجوارها. قفزوا بسرعة إليها … وعندما استقروا فيها، وأغلقوا أبوابها جاء صوت عميل رقم «صفر» يقول: إن الحرب الدائرة في لبنان، أصبحت مكشوفة. ويجب أن تتغير الخطط.
همس «أحمد»: إن العميل يؤكد أننا مراقبون …
كان «رشيد» قد جلس إلى عجلة القيادة، وانطلق بالسيارة …
قالت «زبيدة»: هذا يعني أننا الآن أمام صدام في أي لحظة.
مرت فترة صمت قبل أن يقول «أحمد»: إن المهم الآن هو الوصول إلى منطقة «بوهام»، ولاحظوا أننا والمجموعة «م» يجب أن نصل في وقت واحد، حتى تكون قوتنا مجتمعة، وليست متفرقة. وما دام أفراد العصابة يختفون في هذه المنطقة، فهذا يعني، أن لهم منفذًا في ألمانيا، ومنفذًا آخر في تشيكوسلوفاكيا.
كانت السيارة «البورش» الجديدة، منطلقة كصاروخ، ولم يكن يبدو منها شيء … فهي سوداء اللون … يغطيها الليل فتكاد أن تكون قطعة منه … بجوار أنها ليست مضاءة. فهي تتحرك تبعًا لأجهزة إلكترونية … فتعرف طريقها دون حاجة إلى أحد … ودون حاجة إلى ضوء على الطريق … فجأة جاءت رسالة كانت من رقم «صفر» الذي قال: إن اللاعبين، يلعبون بالطريقة الإيطالية وهي خطة ذكية. فالمدربون الآن … يدرسون خطط الأرجنتين، خصوصًا بعد حصولهم على كأس العالم.
ابتسم «أحمد» وهو يتلقى الرسالة … ثم رد بسرعة: إننا نلعب أيضًا بنفس الطريقة … وسوف نحصل على الكأس منهم …
نقل إلى المجموعة «م» رسالة الزعيم، فابتسموا جميعًا … إن الرسالة كانت تعني أن أفراد العصابة يتحدثون الإيطالية … بالرغم من أنها في منطقة تتحدث إما الألمانية، أو التشيكية …
كانت هذه نقطة هامة، يمكن أن تكشف لهم أي فرد يتحدث أمامهم … وكان الشياطين، يعرفون معظم لغات العالم …
أرسل «أحمد» رسالة سريعة إلى المجموعة «م» لتعرف معنى رسالة رقم «صفر» …
نظرت «زبيدة» إلى عداد في تابلوه السيارة، ثم قالت: يبدو أننا نقترب من منطقة «بوهام».
قال «رشيد»: نعم. هذا حقيقي. فقد بدأت عدادات الطقس تعطي إشارات خاصةً باختلاف المناخ.
قال «أحمد»: عليكم باستخدام الأقنعة الخاصة.
ولم يكد ينتهي من جملته، حتى دوَّى انفجارٌ شديدٌ، جعل السيارة تهتز لكنها لم تتوقف. فهي مجهزة ضد أي شيء … غير أن الانفجار جعل الشياطين يتحفزون، إن ذلك معناه أنهم دخلوا منطقة الصدام … كان السؤال الذي يتردد الآن بينهم: أين يوجد مخبأ العصابة في هذه المنطقة؟
فجأة قال «قيس»: أقترح ألا نستمر … فنحن الآن ننطلق في الفراغ … إن علينا الآن أن نعود إلى «درزرن» … فقد تكون بداية الخيط هناك، ونحن لا نستطيع أن نظل هكذا، نمشي على غير هدًى.
ضغط «رشيد» زرًّا في السيارة، فأبطأت من سرعتها … وقال «أحمد»: إنني أوافق على فكرة «قيس»، خصوصًا وإننا لسنا مرتبطين بزمن ما …
وافقت بقية المجموعة. وأسرع «أحمد» يرسل إلى المجموعة «م» بتحركهم الجديد.
ولم تكد تمر دقيقة، حتى كانت المجموعة ترد … فقد نفَّذت هي نفسها الفكرة … وقالت في نهاية الرسالة: إننا نقضي فترة الاستراحة بين الشوطين في غرفة الملابس …
هتفت «زبيدة»: إنها فكرة رائعة … ينبغي أن نجد غرفة ملابس أخرى.
ولم تكد تنتهي من جملتها، حتى لمحت أضواء بعيدة، فقال «رشيد»: هناك مكان ما أمامنا. ربما يكون غرفة ملابس، وساعتها لن نحتاج إلى العودة إلى «درزرن».
أخذت الأضواء تقترب أكثر، حتى أصبحت سيارة الشياطين أمام المكان …
فقال «باسم»: إنه فندق!
قرأ «رشيد» لافتة مُعلقة: فندق «الراحة».
دخلوا بالسيارة في «جراج» صغير، فهمس «أحمد» بسرعة، وبلغه الشياطين: خذوا حذركم، من الضروري أن يكون في الفندق أحد عملاء العصابة إن لم يكونوا في انتظارنا فعلًا.
وعندما غادروا السيارة كانوا يتحدثون الإنجليزية … حتى لا يشُك أحد فيهم … دخلوا الفندق فاستقبلتهم سيدة عجوز، قدمت نفسها باسم «رولا» وهي تبتسم قائلة: هل تبقون كثيرًا؟
ابتسم «أحمد» وقال: ربما …
ابتسمت ابتسامة عريضة وهي تقول: إن هناك مشكلة صغيرة أرجو أن تتغلبوا عليها …
صمتت لحظة، ثم أضافت: إن الحجرات الخالية متباعدة، ولا توجد واحدة بجوار الأخرى، بجوار أن الفندق مزدحم، فأنتم تعرفون أن هذه منطقة عمالية، والغرباء كثيرون.
فكر «أحمد» بسرعة: هل هذه مسألة مقصودة. أن تكون الحجرات متباعدة فتوزع قوتهم، ويصبح اصطيادهم سهلًا …
لكنه قال: لا بأس … سوف نحتاج حجرتين فقط.
ردَّت «رولا»: نعم … نعم … هناك في أول الممر …
ثم أشارت بيدها إلى حجرة في مواجهة الشياطين … وأضافت: أما الأخرى … فهي في الطابق العلوي عند نهاية الممر …
وبسرعة تحركت في اتجاه تابلوه المفاتيح … تحدث «أحمد» بلغة الشياطين هامسًا: سوف أكون و«زبيدة» و«رشيد» في هذه الحجرة … وفوق يكون «باسم» و«قيس» …
سكت لحظة فقد اقتربت «رولا»، ابتسمت وهي تُقدم لهم المفتاحين قائلة: آسفة، لأنه لا يوجد طعام الآن، ولا يوجد خَدَم، فقد ناموا مبكرين؛ لأن العمل كان كثيرًا الليلة.
سكتت لحظة، ثم قالت: يمكن أن أُقدم لكم بعض البسكويت والشاي، إذا لزم الأمر.
شكرها «أحمد»، ثم ابتعدوا عنها، وفي نفس اللحظة التي قال فيها «أحمد» هامسًا: سوف يكون اتصالنا مستمرًّا، حتى لا نكون عُرضة لأي مفاجأة …
صعد «باسم» و«قيس» إلى الطابق العلوي، كانت حجرتهما تحمل رقم «١٨» … في نفس الوقت، اتجه «أحمد» و«زبيدة» و«رشيد» إلى حجرتهم، التي كانت تحمل رقم «٢». عندما دخلوا الحجرة، وقف «أحمد» يرقب محتوياتها …
قال في نفسه: ربما يكون هناك مَنفذ لدخول أحد أو تكون هناك عدسات … أو ميكروفونات …
أخرج من جيبه جهازًا دقيقًا، ضغط زرًّا فيه، ثم بدأ يمر في الحجرة … وهو ينظر إلى مؤشر الجهاز … الذي يستطيع أن يكشف أي شيء … لكن المؤشر لم يتحرك، همس: الآن، نستطيع أن نرتاح قليلًا … نظر إلى «رشيد» وقال: نم أنت أولًا، حتى يحين وقت حراستك …
كانت «زبيدة» قد ألقت نفسها فوق السرير الآخر. فأخذ «رشيد» طريقه إلى السرير، بينما جلس «أحمد» على أحد الكراسي، ومد ساقيه ثم أغمض عينيه، لكنه قبل أن ينام وقف مرة أخرى واتجه إلى باب الحجرة الذي كان مغلقًا. كان يفكر: إنهم يستطيعون فتح الباب في أي لحظة بالمفتاح الرئيسي!
وبسرعة، أخرج الجهاز الدقيق من جيبه، ثم ثبته على أُكرة الباب، وقال في نفسه: الآن لا يستطيع أحد أن يقترب من الباب، لأنه يرسل تيارًا كهربائيًّا في أُكرة الباب، بجوار أنه يصدر صوتًا، ينبهنا إلى الخطر.
عاد إلى كرسيه، فجلس ومد ساقيه، وبدأ يستغرق في النوم، لم تمضِ ساعة حتى كان جهاز الاستقبال الذي يحمله يرسل ذبذبات، جعلته يصحو، كانت هناك رسالة من المجموعة «م»، وكانت تقول: إن السمك قد أكل الطعم، وهو يجذب الصنارة … امتلأ وجه «أحمد» بالاهتمام. إن معنى الرسالة أن المجموعة «م» قد كشفت أحد أفراد العصابة، رد بسرعة: إن الغذاء سوف يكون مشبعًا، نحن في الانتظار.
شَرَدَ «أحمد» يفكر: إن المجموعة «م» قد حققت تقدمًا طيبًا. وبهذا نكون قد اقتربنا من الهدف تمامًا …
ما كاد «أحمد» يتوقف عند هذه الجملة، حتى بدأ الجهاز يطلق صوتًا … انتبه بسرعة ونظر إلى الباب. كانت لمبة الجهاز الحمراء مضاءة، عرف أن هناك من يحاول فتح الباب، أسرع في رشاقة، وبهدوء شديد وأيقظ «زبيدة»، و«رشيد» اللذين قفزا من فراشهما بسرعة. أشار إليهما واتجه الثلاثة قُرب الباب، حتى وقفوا خلفه، في انتظار ما يحدث، مرت دقائق، ثم فجأة انفتح الباب، وظهر رجلان، كان الشياطين يقفون خلف الباب في هذه اللحظة فلم يرهم أحد …
همس الأول بالإيطالية: لا يوجد أحد.
أضاف الثاني: لا أظن أنهم غادروا حجرتهم … تقدم الأول خطوة، فأصبح عند طرف الباب. نظر «أحمد» إلى «رشيد» وتحدث إليه بعينيه. إن الحركة المفاجئة تعطيهم فرصة الانتصار. في الوقت الذي كانت «زبيدة» قد استعدت لأي حركة.
كان «أحمد» و«رشيد» ينفذان الخطة «ج» التي اتفقا عليها، أسرع «أحمد» وقفز في الهواء فجأة، تجاه الرجل الأول، وضربه ضربة قوية مفاجئة، فتراجع مصطدمًا بالآخر …
في نفس الوقت الذي كان فيه «رشيد» قد قفز إلى الطرف الآخر، وفي لحظة، كان الاشتباك قد بدأ. جذَبَ «أحمد» الرجل الأول إلى داخل الحجرة، وكذلك فعل «رشيد» … فأسرعت «زبيدة» بإغلاق الباب، ضرب الرجل الثاني «رشيد» ضربة عنيفة، جعلت «رشيد» يشعر بالدوار، إلا أن «زبيدة» التي كانت ترقب الموقف، في انتظار اللحظة المناسبة، أسرعت بضرب الرجل ضربة قوية. إلا أنه لم يتأثر، فقد كان قويًّا بما يكفي، لكن الضربة شغلته للحظة، وعندما اتجه إليها، كان «رشيد» قد أخرج مسدسه، وضربه ضربة قوية جعلته يترنح، ثم يسقط على الأرض.
في نفس الوقت كان «أحمد» قد لوى ذراع الرجل الأول، ثم ضربه ضربة عنيفة، جعلته يندفع إلى الأمام، حتى يصطدم بالحائط وقبل أن يسقط كان «أحمد» يقف بجواره. لكن الرجل لم يتحرك، فقد كانت الصدمة قوية …
وانتهز الشياطين الفرصة، فبدءُوا يفتشون عن علامة مميزة، ولم يكن ذلك يحتاج لوقت، فقد ظهرت علامة القفاز، على كتفي الرجلين، وتأكد الشياطين أنهما من العصابة المطلوبة.
فجأة، هتفت «زبيدة» انظر كانت خلف أُذن كل من الرجلين نفس علامة القفاز.
نظر الشياطين إلى بعضهم فقد ظهر سؤال: لماذا توجد علامتان في كل فرد. ولماذا هذه العلامة خلف الأُذن.