اختفاء «باسم» و«قيس»
لكن ذلك لم يكن هو المهم، إن المهم الآن، هو العثور على شيء يوصلهم إلى مقر العصابة، أخذ «رشيد» و«أحمد» يفتشان الرجلين وكانت المفاجأة، التي جعلت الشياطين، يقفزون من الفرح لقد وجدوا جهازًا صغيرًا في ثياب الرجل الأول.
تأمل «أحمد» الجهاز قليلًا … لكن مفاجأة جديدة، قد حدثت … كان الجهاز يستقبل رسالة. ظل الشياطين يتابعون وعندما انتهت لم يستطيعوا أن يفهموا منها شيئًا … لقد كانت بلغة شفرية لا يعرفونها … وبسرعة، أرسل «أحمد» الرسالة إلى رقم «صفر» في المقر السري، وفي نفس الوقت أجرى اتصالًا مع «باسم» و«قيس»، ثم كانت المفاجأة المثيرة. أنه لا يوجد أحد في الحجرة يرد.
نظروا إلى بعضهم، وهمست «زبيدة»: هل يمكن أن يكونا نائمين إلى هذه الدرجة؟
غير أن «أحمد» و«رشيد» لم يضيعا وقتًا. في نفس الوقت قال «أحمد» وهما يقتربان من الباب: خذي حذرك جيدًا … يبدو أننا الآن في مقر العصابة فعلًا.
وفي لمح البصر كانا يخرجان من الحجرة … ألقى «أحمد» نظرة سريعة على المكان … كان يبدو هادئًا تمامًا … قفزا بسرعة إلى السلم، وصعدا الدرجات القليلة في خطوتين، فبدت أمامهما طرقة ضيقة طويلة. كانت غارقة في ضوء خفيف وصمت ثقيل.
همس «أحمد»: انتبه جيدًا … فقد تمتد يد من خلف أحد الأبواب؛ لتجذبك إلى الداخل. أو قد نتعرض لهجوم مفاجئ.
وفي خطوات رشيقة كانا قد وصلا إلى الحجرة رقم «١٨» حيث «باسم» و«قيس»، اقترب «أحمد» من الباب انتظر لحظة، ثم فتحه، فجأة لكن شيئًا لم يحدث. نظر في أرجاء الحجرة، وكانت دهشته مضاعفة. فلم يكن في الحجرة، ما يُنبئ بأي صراع. كانت الأسرة أيضًا منظمة، وكأن أحدًا لم يرقد فوقها. نظر إلى «رشيد» وهمس: إننا أمام موقف غامض تمامًا … فلا توجد أي إشارة توضح إن كان «باسم»، أو «قيس»، قد تعرض أحدهما لشيء …
ظل يفكر بعض الوقت … قال «رشيد»: لا بد أنهما تعرضا للخطف. وإن الخطف قد حدث فجأة.
قال «أحمد»: هذا صحيح لكن المثير أن أحدًا منهما لم يتصل بنا …
مرت لحظة خاطفة، ثم قال: يبدو أنهما تعرضا للخطف بطريقة غير عادية.
سأل «رشيد»: ماذا تعني؟
قال «أحمد»: ربما عن طريق التخدير.
سكت لحظة، ثم قال: لا بد أن نعود فورًا، فقد يحدث نفس الشيء ﻟ «زبيدة».
أغلقا الحجرة، ثم عادا بسرعة إلى حيث حجرتهما في الطابق الأرضي … دق «أحمد» بابها بطريقة معينة … مرت لحظة سريعة … ثم فتح الباب … كانت «زبيدة» تقف خلف الباب مباشرةً …
سألت بسرعة: ماذا حدث؟
رد «أحمد»: لقد اختفى «باسم» و«قيس»!
ظهرت الدهشة على وجه «زبيدة» في نفس اللحظة، وقال «رشيد»: أتصور أنهما خُطفا بطريقة عادية تمامًا.
سأل «أحمد»: كيف؟
قال «رشيد»: من الممكن أن يكونا قد تعرضا لضربة قوية تفقدهما وعيهما، في نفس اللحظة التي دخلا فيها الحجرة … أي إنهما خطفا منذ ساعتين على الأقل، خصوصًا وأن فراش الأسرة، كان منظمًا، بما يفهم منه أن أحدًا لم يقترب من السرير.
هزَّ «أحمد» رأسه، ثم قال: إنه تصور صحيح.
سألت «زبيدة»: وما العمل الآن؟
كان «أحمد» قد أخرج جهاز الإرسال، وبدأ يرسل رسالة إلى المجموعة «م» بما حدث، وعندما انتهى منها، نظر إلى «زبيدة» و«رشيد» ثم ابتسم قائلًا: إننا الآن نقترب من الهدف.
ابتسم «رشيد» وقال: هذا إذا لم يحدث شيء ﻟ «باسم» و«قيس».
هزَّ «أحمد» رأسه وقال: هذا صحيح تمامًا.
لم يكن أمام الشياطين ما يمكن أن يفعلوه الآن، وكان عليهم أن ينتظروا حل رموز الشفرة من رقم «صفر». أو رسالة من «باسم» و«قيس»، نظر «أحمد» في ساعة يده ثم قال: إن الفجر يوشك على الظهور. وأقترح أن ننام قليلًا … فيبدو أننا لم نرَ النوم لأيام قادمة …
قال «رشيد»: سوف أبدأ نوبة حراستي إذن.
ابتسم «أحمد»، ثم ألقى نفسه على السرير، فقد كان يشعر بإجهاد حقيقي … إلا أن … «زبيدة»، لم تفعل مثله … فقد جلست مع «رشيد» … استغرق «أحمد» في النوم مباشرةً. وقد كان يملك هذه المقدرة … مقدرة أن ينام وقتما يريد.
ولم يمر وقت طويل فقد لمعت لمبة حمراء في جهاز الاستقبال، وكان هذا يعني، أن هناك رسالة …
أخذ «رشيد» يتلقى الرسالة … كانت رسالة شفرية من رقم «صفر»، تحمل حلًّا للرسالة الشفرية للعصابة، التي أرسلها، «أحمد»، ولم تكن رسالة مطولة … فقد كانت موجزة تمامًا، كانت تقول: إن معنى رسالة العصابة هو: لقد وقع الحَمَام في الشباك …
وكان هذا يعني أن رجال العصابة قد أبرقوا إلى مقرهم يخبرونهم أن الشياطين قد وقعوا في قبضتهم. بدأ أحد رجال العصابة يتحرك من مكانه. كان لا يزال يشعر بالدوار نتيجة اصطدامه بالحائط خلال المعركة … نظر له «رشيد» لحظة، ثم قام في هدوء، وبدأ يوثق يديه إلى قدميه … ولم يتكلم الرجل كلمة واحدة … فقد كان مستسلمًا تمامًا … فتح عينيه، ثم نظر إلى «رشيد» قائلًا بلغة إنجليزية سليمة: من فضلك بعض الماء!
نظر له «رشيد» لحظة، ثم أحضر له كوب ماء، وأخذ يسقيه، وعندما شرب، ذهب إلى الآخر، الذي كان لا يزال فاقدًا للوعي. فصب بعض الماء على وجهه … بدأ الرجل يهز رأسه، ثم حاول أن يفتح عينيه … ولم يضيع «رشيد» وقتًا، فأوثق يديه إلى قدميه … وسقاه بعض الماء. كانت أضواء الفجر قد بدأت تظهر … ولم يمضِ وقت طويل … حتى بدأت الأقدام تدب في الفندق … فعرف «رشيد» أن العمال، قد بدءُوا يستيقظون.
قالت «زبيدة»: إن هذين الرجلين، سوف يمثلان عقبة بالنسبة لنا.
صمت «رشيد» ولم يرد … فجأة أخذ جهاز الاستقبال يضيء إشارات متقطعة، اتسعت عينا «رشيد»، وكاد يقفز من الفرح. وأمسكت «زبيدة» يديه، ولم تنطق فقد كانت تشعر بسعادة غامرة …
أسرع «رشيد» إلى «أحمد» وهزه في رفق فاستيقظ على الفور، وقبل أن ينطق «رشيد» بكلمة كانت عينا «أحمد» قد وقعتا على جهاز الاستقبال، ورأى الإشارات الضوئية … قفز من السرير في نشاط، وهو يهمس: لقد كنت متأكدًا من ذلك …
نقل له «رشيد» رسالة رقم «صفر» … فهمس: لا بأس لسنا نحن الذين وقعنا في الشِّباك، بل إنهم هم الذين وقعوا …
فكر لحظة ثم قال: هذان الرجلان يجب أن نتخلص منهما … إنهما سوف يكونان عبئًا علينا! نظر في أنحاء الحجرة، ثم قال: لا بأس، إنهم سوف يحتاجون لوقت طويل، حتى يعثروا عليهما.
أخرج مسدسه، ثم ثبت فيه حقنة مخدرة، وأطلق واحدة على الأول. ثم ثبت حقنة أخرى، وأطلقها على الثاني، قائلًا: إنهما سوف يفقدان الوعي إلى عدة ساعات تكفي لأن نكون في أمان منهما.
تعاون الثلاثة في نقل الرجلين إلى دولاب في الحجرة، ثم أغلقوه …
قدَّم «أحمد» المفتاح إلى «زبيدة» وهو يبتسم قائلًا: أرجو أن تحتفظي به للذكرى.
وفي لمح البصر، كانوا يغادرون، فندق «الراحة» إلى حيث تقف سيارتهم … وعندما أغلقوا الأبواب، وانطلقوا كان جهاز الاستقبال. يحدد لهم الاتجاه، حيث يوجد «باسم».
ضبط «أحمد» «بوصلة» السيارة على نفس الاتجاه. وتركها تنطلق بأجهزتها الإلكترونية، إلى حيث ينبغي أن يصِلُوا.
كانت الشمس تملأ الشوارع في هذا اليوم. وكان هذا اليوم من الأيام القليلة التي تطلع فيها الشمس … كانت سيارات الأتوبيس التي تنقل العمال إلى المصانع، تمشي في طابور طويل، وكأنها في استعراض، لكن سيارة الشياطين كانت تتجاوز كل السيارات … حتى ظهرت الحقول الخضراء الجميلة، وكانت الإشارات لا تزال تتردد أمامهم في تابلوه السيارة …
فجأة، كانت هناك رسالة تلقاها «رشيد». كانت من المجموعة «م» كانت الرسالة تقول: نحن في الطريق إلى الشاطئ لقضاء الإجازة. هل ستلحقون بنا؟
ابتسم «أحمد» لهذا المعنى، فأرسل الرد بسرعة: نعم. نحن أيضًا في الطريق إلى الشاطئ. إلى اللقاء.
اقترب الشياطين من منطقة «بوهام» التي تقع بين ألمانيا وتشيكوسلوفاكيا. ظهرت في بداية الطريق، سيارات العمال العائدة، تحمل ورديات آخر الليل. في نفس الوقت، كانت مداخن المصانع العالية، تلفظ دخانها في الفضاء، كان الدخان كثيفًا.
ولذلك قال «أحمد»: لقد دخلنا المنطقة السامة. إن نسبة الأكسجين هنا لا تُذكر، لذلك فهي منطقة لا تصلُح للحياة.
نظر في جهاز خاص في تابلوه السيارة، يقيس نسبة الأكسجين، والأيدروجين، وبخار الماء … ثم قال: إن الجهاز يؤكد أن نسبة ثاني أكسيد الكربون عالية تمامًا في هذه المنطقة، بجوار أن نسبة بخار الماء عالية أيضًا …
لبسَ الشياطين أجهزة خاصة ضد تسمم الهواء، في نفس الوقت ضغط «رشيد» زر السرعة في السيارة فانطلقت بسرعة أعلى … كانت السيارة تتجه تبعًا للإشارات التي يرسلها «باسم» و«قيس». فكل منهما يحمل جهازًا دقيقًا، يرسل إشارات، لا تلتقطها إلا أجهزة مماثلة، يحملها الشياطين، ولم تستطع أية أجهزة أخرى، أن تلتقطها …
بدأت سُحب الدخان تتكاثف أكثر … فقال «أحمد»: إننا نقترب من الحدود الألمانية التشيكية.
قالت «زبيدة»: سوف نلقى حرس الحدود في المنطقة على الجانبين؛ وهذا قد يسبب لنا عطلًا.
ابتسم «أحمد» وقال: إن كل شيء محسوب تمامًا … ورقم «صفر» قد أعد لنا ما يسهل مهمتنا.
نظر له «رشيد»، وقال: هل يعني هذا أنهم يعرفوننا؟
رد «أحمد»: لا … إنني أحمل تصريحًا بالمرور، وكذلك المجموعة «م». إن معها تصريحًا متشابهًا.
ظلت السيارة في تقدمها، انحرفت يمينًا. كانت الإشارات لا تزال تصل إليهم. فجأة جاءتهم رسالة من المجموعة «م» … كانت الرسالة تقول: إن الدخول إلى مقر العصابة يتحقق عن طريق نفق في الأرض، لا يمكن كشفه بسهولة. إننا الآن، نقف خارج النفق، الذي لا يمكن دخوله إلا من خلال بوابة حديدية تُفتح عن طريق تحكم من الداخل.
ضغط «أحمد» زر السرعة فبدأت السيارة تهدئ من سرعتها، حتى توقفت … قالت «زبيدة»: لماذا توقفنا؟
رد «رشيد»: من الضروري أن نعرف أين البوابة بالضبط …
أرسل «أحمد» رسالة إلى «باسم» و«قيس» يسألهما عن نقطة الوصول. مر بعض الوقت، ولم يصل الرد … كانت السيارة تقف في منطقة، مكشوفة مما يعرضهم للخطر، نظر «أحمد» حواليه، يحاول أن يجد مكانًا يمكن أن تختفي فيه السيارة لكن، لم يكن يوجد أي مكان.
فجأة … جاء الرد. ولم يكن سوى رقم «٧». فكر «أحمد» قليلًا، ثم أجرى بعض الحسابات السريعة، وقال: إننا نبعد عن البوابة، بنصف كيلومتر.
ضغط زر السرعة فانطلقت السيارة. قال «رشيد»: يجب أن نغادر السيارة قبل النقطة «٧» بمسافة كافية.
فجأة، ظهر الحل. كانت هناك غابة من الأشجار السوداء، التي تساقطت أوراقها فتبدو وكأنها مجموعة من الأعمدة الحديدية.
قالت «زبيدة»: هذه أشجار ميتة، بفعل فساد الهواء هنا.
أسرع «أحمد» يقود السيارة إلى حيث الغابة، حتى توقفت بجوارها، ظل يبحث بعينيه عن مكان يمكن أن يخفيها فيه … أخيرًا وجده … تَقدم، كانت هناك مساحة خالية، بين عدد من الأشجار المتراصة، دخل بالسيارة حتى وقف بها في المساحة الخالية.
نظر حوله لحظة، ثم قال: إننا بجوار النقطة «٧» تمامًا الآن، حتى إنها يمكن أن تكون تحت أقدامنا …
لم يكد ينتهي من كلماته، حتى حدثت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد منهم … كانت مفاجأة أغرب من الخيال …