الفصل الثانى
لقد آذَنَتْ شمسُك بالمغيب، واشتعل رأسك شيبًا؛ فحسبك غناءً وإنشادًا، بل آن لك أن تُصغيَ وتصيخ إلى «داعي الغد» فتقول: «لبيك».
الشاعر: هو ذا المساء، وهأنذا مصغٍ ومصيخٌ؛ أتريَّث طارقًا أفتح له. وهأنذا أرصد وأترقب، لعلَّ قلبين هائمين يلتقيان، فأزف إليهما آيَ التهنئة؛ أو لعل توءمين من العيون الساجية يتسولان نغمًا شجيًّا يحرك سكونهما ويترجم عنهما. ومن للقلوب وعواطفها، وللعيون وأسرارها، إذا أنا تبوأت من ساحل الحياة صخرةً صماء ولبثت شاخصًا إلى أكمة الموت وما وراءها؟
وما عليَّ إن نَصَلتْ لِمَّتي من خضابها، ومُسخت السوداءُ بيضاءَ؟ وما شأن فحمة صارت رمادًا؟ وها أنا اليوم فتًى وكهل معًا، أصحب الصبية والشيوخ على حدٍّ سوًى.
وهنالك ثغور لا تغيب عنها البسمات؛ وعيونٌ لا يكاد يُبرق لها طَرْف. وهنالك دموع تترقرق في عين الشمس، وعبرات تبلل أجنحة الظلام. فالمسعَدون الضاحكون، والتاعسون الباكون، كلهم له فيَّ مرامٌ أو إليَّ حاجة. وعز عليَّ وقت أقضيه، أو أقتله وأقضي عليه، بالنظر إلى الموت، أو إلى ما وراء الحياة.
وإذ إنني عشت الطفولة، والشباب، والكهولة جميعًا فهبني مسانًّا لكل ناعم الظفر، ولكل محدودب الظهر! وما عليَّ أن «وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبًا».
هوامش
ولكل مدينة هندية عظيمة مَحرقة أو محرقات. وبكل محرقة نضدان أو ثلاثة. وحوض الماء أو الصهريج، يستحمُّ فيه أهل الميت على أثر الفراغ من إحراق الجثة، من مقتضيات المحرقة ومكملاتها. ولذلك فالقرويون يجعلون محرقتهم على ضفة النهر، أو على مقربة من الماء، ليقضوا فرض الوضوء هذا، وهو من واجباتهم الدينية، ولا يخفى ما في إنعاش الجسم على هذه الصورة من الحكمة في التخفيف عن ذوي الفقيد من حرقة الحزن ولوعة الأسى.