الفصل الخامس
لقد استجزتُ من التصرف في تعريب هذه القصيدة ما تتبيَّن مقداره من مضاهاتها بترجمة نثرية أثبتها قبل الشرح. فليخطئني القارئ أو يلتمس لي العذر، ذلك موكول إلى ذوقه وسجيته.
وهي كأختها التي تقدمتها موضوعة على لسان فتاة. وقد سمعناه يقول في القصيدة الثانية: ومن للقلوب وعواطفها، إذا هو لم يصفها. ولله دره فإنه آلى على نفسه أن يصور لنا الأفئدة والصدور، وما يخامرها ويختلج فيها من عاطفة وميل ونزعة، وقد فعل. ودلائل عاطفة الحياء في هذه الصورة كثيرة، ومنها تنبه الفتاة إلى خلخالها، وحسبانها إياه عذولًا يلومها، وواشيًا يشي بها، ونمامًا ينم عليها. ثم إن دليل لاعج الوجد، تخيلها أن قلبها يخفق خفوقًا لم تعد تسمع معه حفيفًا للأوراق ولا خريرًا للماء. ومن لي بكناية ألطف وأرق من الكناية عن الحبيب بالدرة على صدرها التي لم تلف إلى سترها سبيلًا:
•••
•••
الترجمة النثرية
عندما أذهب وحدي ليلًا إلى الموعد، فلا الطيور تغني، ولا الريح تتحرك، وتقف البيوت على جانبي الشارع صامتة ساكنة. وما تلك إلا حجالي التي يعلو صوتها كلما خطوت خطوةً — فأستحيي.
وعندما أجلس في شرفتي لأستمع وقع خطاه، فلا حفيف لأوراق الأشجار؛ والماء في النهر كأنه سيف على ركبتي الحارس النائم. وما هو إلا قلبي ذلك الخافق بجنون، ولا أعلم كيف أسكنه.
وعندما يأتي حبيبي ويجلس إلى جانبي، وعندما يرتعش بدني، وتنخفض جفوني، عندئذ يظلم الليل. وتطفئ الريح السراج، وتحجب الغيومُ النجوم.
وتلك هي الجوهرة التي على صدري التي تسطع وتنير. لا أعلم كيف أخبئها وأخفيها.