الفصل السادس
وهنا أيضًا تصرفت في التعريب نظمًا، فأردفت بالشعرية ترجمة نثرية. وقد آثرت أن أنتحل القول المعروف صدرًا للبيت الثاني على أن ألتزم الأصل فأقول: «أتسمعين، إنه يهز السلسلة المشدود بها الباب». ولم أعهد في الهند سلسلة يشد بها الباب، ولكنني وجدت أهل الحديدة (في اليمن) يجعلون جلجلًا (جرسًا) على طرف مرس أو سلسلة، ويخرجون الطرف الآخر من جانب الباب، حتى إذا اجتذبت السلسلة من الخارج طنَّ الجلجل من داخل البيت فتنبه صاحبه. وقد رأيت مثل ذلك في الهند أيضًا.
وفي هذه الأبيات أيضًا نرى طاغور قد سلك مسلكًا خاصًّا. فإنه قد جعلها صالحة لأن يكون هو أو غيره المتكلم بها، وجعل الفتاة الموصوفة المخاطبة، بحيث يسهل على المتغني بالقصيدة أو المطالع لها أن يتصوَّر الموقف المراد تمثيله فيقرَّ عينًا ويطيب نفسًا بما يتخيله من أمر تلك الحبيبة التي تعلم أن حبيبها قد جاء، بعد ذهاب صبرها في انتظاره وترقب ساعة قدومه، ثم إنها لا تخفُّ إلى استقباله، بل تركض إلى مرآتها؛ لتنظر وجهها قبل أن تقع عينها على وجهه، وتقضي دقائق معلومة في إصلاح زينتها، وقد يأخذها الحياءُ فيكون فيها غنجًا ودلالًا أو توانيًا مجردًا، فتتقاعد عن واجبة هي أحب شيء إلى قلبها، ألا وهي فتح الباب للحبيب الزائر والتأهيل به ضيفًا قد أتاها مستأذنًا وهو من قبل في قلبها نزيل مقيم.
الترجمة النثرية
خلي عنك العمل، يا عروس، وأصغي، فقد جاء الضيف، ألا تسمعين، إنه يهز سلسلة الباب، وإذا خرجت لاستقباله فلا يعلون لخلاخلك صوت، وتمهلي في خطواتك، ثم خلي عنك العمل، يا عروس، لقد جاءك الضيف في المساء.
وإن اقتضت الحال فحجبي وجهك، وإن غلب عليك الحياءُ فلا تنبتي ببنت شفة، وإذا سألك أسئلة، فإن شئت فحسبك إغضاء الجفون. ولا يكوننَّ لأساورك من رنين وأنت داخلة به، وإن استحييت فلا تحادثيه.
ألم تفرغي بعد من عملك يا عروس؟ أصغي، لقد جاء الضيف. ألم تنيري السراج في الفناء؟ أما أعددت سلَّة الأزهار لأجل العبادة المسائيَّة؟ أما وضعت علامة السعد على مفرق شعرك بعد؟ أما فرغت من زينتك؟ يا عروس اسمعي، جاء الضيف، فخلي عنك العمل الذي أنت فيه.
•••
•••
هوامش
(تلقي الزهرة.)
أما «البشيرة» فقد أردت بها «العلامة السعيدة» التي تقرؤها في الترجمة الحرفية. ولا إخال المقصود بها إلا النقطة الحمراء التي ترسمها الفتاة على وسط الجبين، وهذه شذرة من عجالة كتبتها لمجلة «الهلال» تحت عنوان «أخلاق وعادات هندية» (عدد ١، مجلد ٢٥): أما العلامة الطقسية الخاصة فهي سمة بالصندل والزعفران تراها على جبين الهندي فتعرف أنه هندوي؛ أي لا مسلم ولا مجوسي. وهي إما نقطة حمراء يرسمها ابن هذه الطائفة على البلجة فوق الحاجبين، وابن الطائفة الأخرى يدنيها من الحاجب الأيسر أو الأيمن؛ أو خط مستقيم أو معوج، أو خطان أو ثلاثة تختلف بين طول وقصر ولون، فتتعين الطائفة بتعين هذه السمة. والاتِّسام من الفرائض الدينية الواجبة. إلا أن الهندويات يرفقن بجباههن أن تشوهها كثرة الخطوط الهندسية فقد تكتفي الفتاة منهن برسم نقطة حمراء تكاد تخال شامة أو نكتة في البلج.