المفاوضة في لندن
بعد أخذٍ وردٍّ قَبِل عدلي باشا أن يقدِّم موعد سفره إلى باريس إجابةً لطلب سعد في العشرين من شهر مارس.
ولم تكن هذه الدعوة ابتغاء الوساطة في لقاء بين الوفد واللجنة كما أشاع بعضهم في تلك الأيام؛ فقد كان ملنر في الشرق حتى ذلك اليوم، وكان محتملًا أن يمر بباريس عند عودته خلال ذلك الأسبوع، قبل ذهاب عدلي إلى باريس على أي تقدير.
وإنما دعاه سعد؛ لأنه أراد أن يَعرف بالمحادثة ما لا يُعرف بالمراسلة، وأن يطلع على الحقيقة قبل أن يبت بالرأي الحاسم في مسألة اللجنة، عن يقين لا تشوبه الظنون.
وهنا بدرت من عدلي بادرة جديدة من البوادر التي لا تني تدل على نيَّات الوزراء «الأصدقاء» فيما يتخذون من علاقة بسعد خاصةً وبالوفد عامةً، فلما أبرق سعد إلى عدلي يرجوه «تقديم موعد حضوره إلى باريس بقدر المستطاع» كان هَمُّ عدلي الأول أن يتمسك على سعد وعلى الوفد بوثيقة مفصلة قبل أن يجيب هذه الدعوة! فأبرق إليه يقول إنه «قبل تعيين ميعاد السفر يكون سعيدًا لو تسلم خطابًا تفصيليًّا منكم». وليس هذا مسلك تعاون خاص، ولكنه مسلك تقييد بالأسانيد المكتوبة، قد يكون فيه مصلحة لعدلي ولكن، لا مصلحة فيه للقضية المصرية، ولا للمساعي المنتظَرة في المستقبل.
فإن القضية المصرية لا تستفيد من وثيقة يبسط فيها الوفد أغراضه المفصلة قبل الاطلاع على فحوى الحالة كلها من محادثة عدلي والموازنة بين المعلومات الأخرى.
لقد كان عدلي ينتظر من الوفد خطابًا «مفصلًا»، يكشف فيه نياته نحو اللجنة ونحو مستقبل المفاوضة إن كانت هناك مفاوضة. فأي مصلحة وطنية في كشف هذه النيات؟! ولماذا هذا الحرص على تقييد الوفد بخطة مفصلة قبل تعيين موعد السفر؟! ليس في ذلك إلا أنه دليل على بواطن السرائر وعلى الفرق بين مسلك المعاونة الخالصة ومسلك التمسك بالوثائق والقيود كما يتمسك الخصوم.
وغنيٌّ عن القول أنَّ سعدًا لم يُجِب هذا الطلب الغريب، ولكنه كرر الرجاء على عدلي بالإسراع في السفر «لتبادل الآراء».
فبرح الإسكندرية في السادس عشر من أبريل، ووصل إلى باريس في الثاني والعشرين منه، وفي هذا دليل على أن الغرض الأول من دعوته لم يكن هو السعي في تدبير مصادفة للقاء بين الوفد وأعضاء اللجنة الملنرية في أثناء اجتيازهم بالعاصمة الفرنسية، وإنما كان الغرض الأكبر منه استيفاء المعلومات التي ينبني عليها رسم الخطة التالية بعد تجربة اللجنة في البلاد المصرية.
أما اللورد ملنر فقد عاد من مصر، وهو يعتقد أنَّ مفاوضة الوفد أمر لا محيص منه قبل تقرير النظام الذي يوصي الحكومة البريطانية باتباعه؛ لأنه إذا فرض نظامه فرضًا على الأمة المصرية قابلته لا محالة بالنفور والمقاومة، وضاعت المنح التي لعله يوصي بها هدرًا في تيار هذه المقاومة، فلا هو احتفظ بها للمساومة والأخذ والعطاء، ولا هو أرضى الأمة المصرية، ولا هو جرى على سنة تقرير المصير التي يهم الدولة البريطانية أن تجري عليها بعد شيوعها على الألسنة في أثناء مؤتمر الصلح، والتحدث بمبادئ الرئيس ويلسون، وقيام عصبة الأمم الجديدة بما لها من حق الإشراف على الوصاية والانتداب وما إليهما من العلاقات بين الدول القوية والأمم التي لا تملك استقلاها وسيادتها. وخيرٌ للحكومة البريطانية أن تُعامل مصر على أساس التعاهد والاتفاق من أن تحسبها غنيمة مملوكة تدخل في حساب المقايضات والمنافسات بين الدول الاستعمارية؛ فإن معاملة مصر على هذا الأساس تخرج بها من حساب المقايضات والمنافسات بين الدول الاستعمارية، وتحفظ لبريطانيا العظمى سمعة الديمقراطية وحسن العلاقة بينها وبين الشعوب العزلاء المطالبة بحقوق الحرية.
ورأى اللورد ملنر أنه لو أهمل الوفد المصري كل الإهمال، ومضى في وضع تقريره بغير اكتراث به ولا رجوع إليه، لأوجب على الوفد خطة المقاومة، وعلى الأمة أن تُجاريَه في هذه الخطة، وقطع الرجاء في أعضائه المعتدلين والمتطرفين على السواء، فلا ينشط منهم أحد — بعد إهمالهم أجمعين — لترويج المقترحات المعروضة على الأمة وجلب الأنصار إليها ولو وافقته تلك المقترحات.
ثم ما العمل في الوزارة التي تبرم المعاهدة وتستفتي فيها الأمة؟! أيؤلفها الإنجليز من المنبوذين الذين لا مطمع لهم في أنصار كثيرين أو قليلين؟! إن فعلوا ذلك فرْفض المعاهدة محقق بغير جدوى، وقد يجرُّ ذلك إلى مجافاة «الوزراء الأصدقاء» أيضًا وإلجائهم مختارين أو غير مختارين إلى مسايرة الوفد والإجماع، والوقوف من المقترحات موقف المعارضة أو الإعراض.
أما إن كان الإنجليز يؤلفون الوزارة من عدلي ورشدي وأصحابهما، فهل يرجو اللورد ملنر منهما أن يقبلا تأليفها بمعزل عن الوفد كله دون أن يطمعا في تأييده أو تأييد فريق من أعضائه؟! إنهما لا يُقدِمان على ذلك كما يعلم اللورد ملنر، وخير ما يرجوه أن ينتظرا حتى تكون هناك مفاوضات مع الوفد، ويكون هناك أمل في استمالة بعض الأعضاء الموافقين على المقترحات، فهما يُقدِمان حينئذٍ على تأليف الوزارة بتأييد من أولئك الأعضاء.
فكل عمل كان يعمله ملنر قبل مفاوضة الوفد عبث:
عبث أن يلقي إلى الأمة بمقترحات يقاطعها الوفد بالإجماع، وهو معذور لديها ولدى جميع المنصفين.
وعبث أن يسلم المقترحات إلى وزارة منبوذة تجني عليها من الخطوة الأولى.
وعبث أن يطمع في قيام وزارة عدلية تناصب الوفد العداء ولا تعتمد من أعضائه على أحد.
فمفاوضة الوفد هي الطريق الوحيد الذي لا طريق غيره، وعلى هذه العزيمة عاد ملنر من القاهرة بغير جدال؛ فلا اعتداد بما قيل يؤمئذٍ عن وساطة الوسطاء وكياسة الأكياس الذين جذبوا اللورد ملنر إلى مفاوضة الوفد على غير قصد منه ولا ارتياح، ولا يزالون ينقذون سعدًا من الورطات كلما احتاج الأمر إلى وساطة أو كياسة!
غير أن اللورد ملنر يعلم أنَّ سعدًا يرفض المفاوضة مع لجنة يقال إنها لجنة تحقيق تبحث عن شكايات المصريين وتنظر في تنظيم الحماية، ولكنه يفاوضها على اعتباره وكيلًا عن الأمة، يطلب لها الاستقلال التام ويسعى في إلغاء الحماية. فلا بد من تمهيد يصحح الأمور، وينفي عن المفاوضة صبغة الاعتراف بالحماية والخروج عند حدود التوكيل؛ ولهذا أوعزت الحكومة البريطانية إلى أحد النواب أن يلقيَ سؤالًا في نحو منتصف شهر مايو يقول فيه: «هل صحيح أنَّ لجنة اللورد ملنر قد ذهبت إلى مصر لتثبيت الحماية البريطانية عليها، ومن أجل ذلك كان معقولًا أن يجفل المصريون منها؟» فأجابه مستر بونارلو قائلًا: «كلا! لم يكن هناك شيء من ذلك، ولكن اللجنة قصدت إلى مصر؛ لتشير بأحسن النظم الصالحة لحكم البلاد.»
لو كان الممثلون المصريون على استعداد للمناقشة في الضمانات المعقولة الكافية لصيانة المصالح البريطانية فيما يتعلق بقناة السويس والمصالح التجارية والمالية مقابلة لوعد بريطانيا العظمى باحترام استقلال مصر، لكانوا اغتنموا فرصة بلاغ اللورد ملنر الذي نص على إطلاق حدود المناقشة.
وقد سأل المستر كنورثي بعد ذلك: «هل من الممكن مع هذا أن يُفْتَح باب المناقشة من جديد حتى يتيسر الوقوف على رأي هؤلاء السادة المصريين في الاتفاق الذي سيُعقد بين البلدين؟»
فقال مستر بونارلو: «إنني على يقين من أنَّ كل مناقشة يكون وراءها نتيجة مرضية تُقبل بلا إبطاء، ولكن يجب أن تقدِّر الحكومة فائدة هذه المناقشة والنتائج التي تُنتظر من ورائها.»
وقابل سعد هذه التصريحات بما يناسبها، فقال لمراسل صحيفة الجورنال حين سأله في هذا الصدد: «لا أنكر قيمة هذه التصريحات، ولا أنكر أنَّ فيها ما يُقرِّب المسافة بين وجهة النظر الإنجليزية ووجهة النظر المصرية، على شريطة أن يصاحبها ما يجعلنا نترقب لها نتائج فعلية، ومن الصعب مع هذا أن يعرف الآن ما تراه مصر في هذه التصريحات؛ إذ يجب ألا يغرب عن الذهن أنَّ إنجلترا عدَّلت أخيرًا — بمحض إرادتها وبغير استشارتنا — نظام وراثة العرش بمصر، وليس هذا بخير السبل للتقريب بين البلدين بأواصر الثقة والمودة، وإنما تكسب مودة المصريين وثقتهم بالاعتراف باستقلالهم والكفِّ عن التعرض لخاصة شئونهم.»
ثم قال سعد: «إنه لا يوافق مستر بونارلو على قوله: إنَّ المصريين ضيعوا فرصة المناقشة مع لورد ملنر.» وأضاف إلى ذلك أنهم لم يتلقوا دعوة من لورد ملنر للمفاوضة باعتبارهم ممثلين للأمة المصرية، ثم سأله المراسل: هل هو استعداد للمفاوضة على أساس إعطاء الضمانات المعقولة لمصالح إنجلترا في قناة السويس ومصالحها التجارية والمالية إذا هي وَفَّت بعهودها؟ فقال: «إننا مستعدون لإعطاء كل الضمانات المعقولة للتوفيق بين مصالح إنجلترا واستقلال مصر، ولا نرفض الدخول في المفاوضات اللازمة باعتبارنا وكلاء الأمة المصرية إذا كان من وراء ذلك الوصول إلى هذه النتيجة.»
وعقب ذلك بأيام وصل إلى باريس مستر سسل هيرست — أحد زملاء ملنر — لدعوة الوفد إلى الاجتماع باللجنة في لندن للمناقشة في قواعد الاتفاق بين مصر وبريطانيا العظمى؛ ففضَّل الوفدُ — كما جاء في رسالة سعد إلى لجنة الوفد المركزية بالقاهرة — أن ينيب عنه محمد محمود باشا، وعبد العزيز فهمي بك، وعلي ماهر بك، في السفر إلى لندن لاستطلاع الحالة والتحقق من استعداد بريطانيا العظمى نحو استقلال مصر، قبل الانتقال بهيئته الكاملة إلى العاصمة الإنجليزية. وقد لقي هؤلاء الأعضاء اللورد ملنر فذكر لهم أنَّ إنجلترا تعترف باستقلال مصر التام إذا هي ضمنت مصالحها الخاصة وانتهت من المفاوضة إلى هذه النتيجة، فكتبوا إلى سعد بما سمعوه، وشفعوا ذلك باستحسان حضور الوفد كله إلى لندن للبدء في المفاوضة، فلبى الدعوة وأبرق إلى لجنة الوفد المركزية بالقاهرة يعلن للأمة اعتزام السفر في الخامس من شهر يونيو عسى أن يصلوا بالمفاوضات إلى حلٍّ مُرضٍ «مستمدين القوة من اتحاد الأمة وحكمة أبنائها، والحجة من وضوح الحق والمعونة من الله ناصر الضعفاء».
ولسنا نعرف مبلغ ما كان يرجوه سعد للقضية المصرية من وراء هذه المفاوضة، ولكنه لم يكن مستطيعًا أن يرفضها دون أن يُعرِّض الوفد للانشقاق والتنازع، ويهيئ للمغرضين أسباب اتهامه بتضييع الفرص وسوء السياسة، والخوف من مواجهة الحقيقة التي اضطلع بها دون أن يعتمد على وسيلة أخرى مضمونة الفلاح والجدوى. وهو لو رفض المفاوضة مكتفيًا بنشر الدعوة بين الشعوب الأوروبية لم يعد هنالك من يُلقي عليه اللوم ويبرئ بريطانيا العظمى من التهمة؛ لأنها مهَّدت له سبيل التفاهم والمناقشة الحرة، فأعرض هو عنها وأشفق على نفسه وعلى أمته من مناقشتها ومساجلتها! وفي وسعه أن يعود إلى نشر الدعوة متى احتاج إليها يوم ينجلي سوء النية من جانب السياسة البريطانية، وينجلي عذر المصريين في رفض مفاوضتها بعد الاستجابة إليها، ولكن ليس في وسعه أن يقنع الناس جميعًا بإخفاق المفاوضة قبل الدخول فيها، ولا أن يمنع الفتنة أن تدب دبيبها بين أعضاء الوفد، ومنهم من ودَّ لو رجع سعد إلى القاهرة وقبل نصيحة «الوزراء الأصدقاء»، حين زيَّنوا له مفاوضة اللجنة الملنرية قبل رجوعها إلى بلادها، فإذا رفض مفاوضتها في هذه المرة وأغلق باب المفاوضة إغلاقًا لا رجعة فيه، فماذا ينتظرون؟! وعلامَ يصبرون؟!
ومن العجز أن يتهم الإنسان نفسه ويتهم قومه بالخوف من المناقشة لإظهار حقهم وإثبات مطالبهم، فإذا كان مقدَّرًا للوفد أن يختلف، لا مناص، فخير للأمة المصرية ألا يختلف قبلها؛ لأن الخلاف يومئذٍ يكون على أمور مذكورة مسطورة تظهر من ورائها النيَّات والدعاوى، ويسهل الدفاع عنها وبيان وجه القوة والضعف في جانبيها، ولكن الخلاف قبل المفاوضة إنما تقوم به حجة من يقبلونها وتسقط به حجة من يرفضونها، ويتاح لمن يشاء أن يتهم الرافضين بالعبث والتعنت وإهمال الوسائل المعروضة، لأسباب مبهمة أو لغير سبب على الإطلاق.
وقد وازن سعد بين جميع الدواعي والموانع، فاستقر رأيه على إجابة الدعوة، واعتزم السفر، ووصل إلى لندن في مساء الخامس من شهر يونيو ومعه زملاؤه.
فاستقبلهم المصريون هناك أحسن استقبال، وتمت المقابلة الأولى بينهم وبين لجنة ملنر في اليوم السابع، فقام بالتعريف بين الفريقين عدلي باشا الذي كان قد سبق أعضاء الوفد إلى العاصمة الإنجليزية. وبدأت المفاوضة في اليوم التاسع، فبسط اللورد ملنر غرض الحكومة البريطانية منها، وهو عقد اتفاق ودي بين الأمتين الإنجليزية والمصرية تعترف فيه باستقلال مصر، وتطمئن به إلى الضمانات الضرورية لمصالحها ومصالح الأجانب واستقرار النظام والسكينة، ومن هذه الضمانات إقامة حامية عسكرية في أماكن يقررها الخبراء، وإبداء الرأي في التشريع الذي يمس الأجانب إلى أن ينزلوا لبريطانيا العظمى عن امتيازاتهم التي تعود باستقلال البلاد، وتوطيد حكومة ملكية دستورية يُنص عليها في المعاهدة.
ثم دارت المناقشة بجلسة أخرى في مسألة المستشارين الإنجليز وغيرها من المسائل التي تلحق بها، وكان وكلاء الوفد في جلسات المناقشة: رئيسه، ومحمد محمود باشا، وأحمد لطفي السيد بك، ووكيلا اللجنة الملنرية: رئيسها، وسمرت رنل رود. ويحضر عدلي باشا الاجتماعات بِرِضًى من الطرفين.
ولا نطيل في سرد التفصيلات؛ فالخلاصة أنَّ البحث انتهى منتصف شهر يوليو إلى تدوين كلا الطرفين مذكراته بما فهمه كلاهما من نتائج المناقشات السابقة؛ فاشتملت مذكرة اللجنة الملنرية على ما يأتي:
- أولًا: تتعهد بريطانيا العظمى بضمان سلامة مصر واستقلالها باعتبارها دولة ملكية ذات أنظمة دستورية.
- ثانيًا: تتعهد مصر من جهتها بألَّا تعقد معاهدة سياسية ما مع دولة أخرى بغير موافقة بريطانيا العظمى.
- ثالثًا: نظرًا للتبعة التي أخذتها بريطانيا العظمى على عاتقها في المادة السابقة، ونظرًا لما لبريطانيا العظمى من المصلحة الخاصة في حماية المواصلات في أملاكها بالشرق والشرق الأقصى، تمنح مصر بريطانيا حق إبقاء قوة عسكرية على الأرض المصرية وحماية مواصلات بريطانيا العظمى مع تلك الأملاك. أما الموضع أو المواضع التي يعسكر فيها الجنود فتعين في المعاهدة.
- رابعًا: توافق مصر على تعيين مستشار مالي باتفاق مع حكومة جلالة الملك تعهد إليه جميع السلطات التي لأعضاء صندوق الدَّينِ الآن لحماية حملة الأسناد المصرية، ويكون تحت تصرف الحكومة المصرية لكل أمر آخر ترغب في استشارته فيه.
- خامسًا: تتعهد بريطانيا بمساعدة مصر في تحرير نفسها من القيود التي تقيد حريتها في التشريع والإدارة بسبب الامتيازات والضمانات التي يتمتع بها الأجانب في مصر، وأن تساعدها في إقامة نظام يكون من شأنه تطبيق القانون المصري على المصريين والأجانب على حدٍّ سواء.
- سادسًا: نظرًا لتخلي الدولة الأجنبية عن الامتيازات الخاصة التي يتمتع بها رعاياها حتى الآن، ولضرورة تأمين تلك الدول على أنَّ حقوق الأجانب المشروعة ستُحترم مع هذا، تمنح مصر بريطانيا العظمى حق التدخل بواسطة معتمدها في مصر لتوقف تنفيذ أي قانون يخالف حقوق الأجانب المشروعة، أو يخالف المتبع في البلاد المتمدنة، وإذا ادعت الحكومة المصرية في حالة من الحالات أن حق التدخل هذا استُخدم استخدامًا لا ينطبق على العقل، فيصح عرض الأمر على عصبة الأمم.
- سابعًا: يبقى نظام المحاكم المختلطة، أو أي نظام آخر مساوٍ له يحل محله، ويوسع بحيث يتناول القضايا الجنائية، وجميع القضايا الأخرى التي تمس الأجانب في مصر.
- ثامنًا: توافق مصر على تعيين موظف بريطاني في وزارة الحقانية بالاتفاق مع حكومة جلالة الملك، يكون له مركز وسلطة تكفي لتمكينه من ضمان تنفيذ القانون تنفيذًا عادلًا فيما له مساس بالأجانب.
- تاسعًا: ترضى حكومة جلالة الملك بأن تأخذ على عاتقها تمثيل مصر في أية دولة لا يعين فيها معتمد مصر، ولكن مصر لا تعهد بتمثيلها على هذا النحو إلى أية دولة غير بريطانيا العظمى.
- عاشرًا: تعترف الحكومة المصرية بأن لمركز المعتمد البريطاني في مصر صفة خاصة، وأنه باعتباره ممثل دولة حليفة تكون له الأولوية على جميع المعتمدين الآخرين.
- حادي عشر: يسوى مركز من عدا المذكور في المواد السابقة من الموظفين البريطانيين والأجانب باتفاق خاص يعقد بين الحكومتين البريطانية والمصرية يعد جزءًا من الاتفاق الذي يُعقد بينهما.
وظاهر من هذا المشروع أنه لم يخرج بمصر عن الحماية الصريحة في أضيق حدودها، وأنَّ اللجنة لم تتقرب به خطوة واحدة إلى موقف المصريين، ولم تزد على أن جمعت فيه ما تريده بريطانيا العظمى بحذافيره إلى أقصى مداه، وليس فيه شيء يصح أن يقال إنه كان موضع تفاهم واتفاق بين المندوبين الإنجليز والمندوبين المصريين؛ لأنه دون المطالب من جانب واحد، ولم يتزحزح فيها قِيدَ أنملة إلى جانب المطالب الأخرى.
… إني أبادر، فأعرض على فخامتكم طي هذا، مشروع اتفاق يحوي النقط التي جرت المناقشة بشأنها في أحاديثنا، وهي النقط التي يلوح لي أنكم تقبلونها …
ونحن نعتقد أنَّ هذا المشروع — بالصفة التي هو عليها — من شأنه أن يُرضيَ الطرفين. فعلى هذه القواعد يمكننا أن نضع دعائم صداقة متينة، وتعاون عماده الإخلاص بين الشعبين الإنجليزي والمصري. ومن المتفق عليه بيننا أن النقط التي لم تُبحث بعدُ تكون موضوع اتفاق يعقد فيما بعد.
ولي الثقة التامة بأن أعمالنا التي توليتم رئاستها بتلك الكياسة، يمكن أن تنتهيَ قريبًا بحيث يتيسر لي السفر إلى شاتل وفيشي قبل فصل الخريف للاستشفاء الذي لا بد منه لصحتي على ما يظهر.
- أولًا: تعترف بريطانيا العظمى باستقلال مصر، وتنتهي الحماية التي أعلنتها بريطانيا العظمى على مصر والاحتلال العسكري البريطاني، وبهذا تسترد مصر كامل سيادتها الداخلية والخارجية، وتؤلف دولة ملكية ذات نظام دستوري.
- ثانيًا: تسحب بريطانيا العظمى جنودها من الأرض المصرية في مدة، ابتداءً من وقت نفاذ المعاهدة الحالية.
- ثالثًا: تتعهد الحكومة المصرية بأنها عند استخدام حقها في الاستغناء عن خدمات الموظفين الإنجليز، تعامل هؤلاء الموظفين المعاملة الممتازة التالية: فيما عدا الإقالة لبلوغ نهاية سن الخدمة، أو عدم القدرة على العمل، أو الأحكام التأديبية، أو انتهاء مدة التعاقد والاستخدام؛ يُمنح الموظف الذي يُقَالُ من الخدمة تعويضًا إضافيًّا مقداره مرتب شهر عن كل سنة من سني خدمته. وتتناول هذه المعاملة الممتازة الموظفين الذين يتركون خدمة الحكومة المصرية من تلقاء أنفسهم في بحر سنة من نفاذ هذه المعاهدة.
- رابعًا: لتخفيف وطأة نظام الامتيازات إلى حين إلغائها تقبل مصر أن تستخدم
بريطانيا باسم الدول حقوق الامتيازات التي لهذه الدول الآن، ويكون ذلك
بالصفة الآتية:
- (أ) تكون الإضافات والتعديلات في النظام القضائي المختلط معلقة على موافقة بريطانيا العظمى.
- (ب) جميع القوانين الأخرى التي لا يمكن أن تسريَ الآن على الأجانب المتمتعين بالامتيازات إلا بعد موافقة الدول، أو مداولة الجمعية التشريعية للمحكمة المختلطة أو جمعيتها العمومية، تصير نافذة عليهم بموجب قرار يُسنُّ لذلك، إلا إذا عارضت الحكومة البريطانية في ذلك، وتبلغ هذه المعارضة لوزير الخارجية المصرية في مدة، من نشر القرار في الجريدة الرسمية. ولا تكون المعارضة إلا فيما يحتويه القانون من أمور لا مثيل لها في أي تشريع من تشريعات الدول المتمتعة بالامتيازات، أو إذا كان القانون خاصًّا بضرائب وكان في هذه الضرائب إجحاف بالأجانب دون الوطنيين.
وفي حالة اختلاف الحكومتين على أحقية هذه المعارضة لمصر أن تعرض المسألة على عصبة الأمم للبت فيها.
- خامسًا: في حالة إلغاء محاكم القنصليات وإحالة النظر في الجرائم والجنح التي يرتكبها الأجانب إلى المحاكم المختلطة توافق مصر على تعيين أحد رجال القضاء البريطانيين في مركز النائب العام لدى المحاكم المختلطة.
- سادسًا: تقر الحكومة البريطانية بأنها على استعداد لأن تنظر الحكومة المصرية بعد خمس عشرة سنة في مسألة إبطال تقييد سيادة الحكومة المصرية الداخلية الناشئ من الامتيازات التشريعية والقضائية التي للأجانب، وتحفظ مصر لنفسها الحق عند الاقتضاء في عرض هذه المسألة على عصبة الأمم بعد مُضي المدة المتقدمة.
- سابعًا: في حالة إلغاء لجنة الدَّين العمومي تُعيِّن مصر موظفًا ساميًا، تقترحه بريطانيا العظمى، وتكون له الاختصاصات الحالية التي للجنة الدَّين، ويكون الموظف السامي المذكور تحت تصرف الحكومة المصرية لكل الاستشارات، أو المهمات التي ترى تكليفه بها في المسائل المالية.
- ثامنًا: للحكومة البريطانية — إذا رأت ضرورة — أن تنشئ على نفقتها نقطة عسكرية على الضفة الآسيوية لقناة السويس للاشتراك في دفع أي اعتداء أجنبي يُحتمل حدوثه على القناة. وتُعيَّن حدود هذه النقطة فيما بعد بواسطة لجنة من خبراء حربيين، يُعيِّن كل فريق نصفهم. ومن المتفق عليه أنَّ إقامة هذه النقطة لا يُخوِّل بريطانيا أي حق للتدخل في شئون مصر، ولا يمكن أن يمس بأية حالة من الحالات حقوق السيادة التي لمصر على المنطقة المذكورة التي تبقى خاضعة لسلطة مصر محكومة بقوانينها، كما أنَّ إقامة النقطة لا يقيد السلطات التي اعتُرف بها لمصر بموجب اتفاق الآستانة المعقود في سنة ١٨٨٨ خاصًّا بحرية قناة السويس. وبعد مُضي عشر سنوات من تاريخ سريان المعاهدة الحالية، يفحص الطرفان المتعاقدان مسألة ما إذا كان يصح أن يترك لمصر وحدها تولي حماية القناة، وفي حالة الخلاف تعرض المسألة على عصبة الأمم.
- تاسعًا: في حالة ما إذا لم تجد مصر — التي لها الحق المطلق في تعيين سفراء لها — ضرورة لتعيين ممثل سياسي مصري في أي بلد من البلدان، تعهد بالمصالح المصرية في هذا البلد إلى ممثل بريطانيا العظمى الذي يتبع تعليمات وزير الخارجية المصرية.
- عاشرًا: يعقد الطرفان المتعاقدان بالعقد الحالي محالفة دفاعية للغايات
التالية:
- (أ) تتعهد بريطانيا العظمى بالمساعدة على الدفاع عن الأراضي المصرية ضد كل اعتداء تقوم به دولة أجنبية.
- (ب) في حالة وقوع اعتداء من دولة أوروبية على الإمبراطورية البريطانية تتعهد مصر — ولو لم تكن سلامة أرضها مهددة مباشرة — بأن تقدم لبريطانيا العظمى في أرضها تسهيلات المواصلات والنقل لحاجتها الحربية، ويحدِّد اتفاق خاص طرق هذه المساعدة.
- حادي عشر: تتعهد مصر أيضًا بألَّا تعقد أية معاهدة تحالف مع دولة أخرى دون اتفاق سابق مع بريطانيا العظمى.
- ثاني عشر: هذه المحالفة معقودة لمدة ثلاثين عامًا يمكن للطرفين المتعاقدين بعد انتهائها النظر في أمر تجديدها.
- ثالث عشر: تكون مسألة السودان موضوع اتفاق خاص.
- رابع عشر: جميع النصوص المخالفة للمواد الحالية والواردة في جميع المعاهدات الأخرى خاصة بمصر تعتبر ملغاة وكأنها لم تكن.
- خامس عشر: تُودَعُ المعاهدة الحالية في مكتب عصبة الأمم لتسجيلها بها، وتقر الحكومة البريطانية من الآن بأنها توافق فيما يختص بها على دخول مصر عصبة الأمم دولة حرَّةً مستقلةً.
- سادس عشر: تصير المعاهدة الحالية سارية المفعول بمجرد تبادل عقود إبرامها بين
الطرفين المتعاقدين.
ويكون إبرامها فيما يختص بمصر على أثر إقرارها بواسطة جمعية قومية، تعقد للاقتراع على الدستور المصري الجديد.
هذا هو مشروع الوفد كما لخصه في مذكراته، وظاهر منه — كما أسلفنا — أنه مشروع أناس يَجِدُّون في طلب الوفاق ما استطاعوا، ولا يتلاعبون بالألفاظ في التقريب بين حقوق الاستقلال ومصالح بريطانيا العظمى، التي لا تفرضها على مصر وعلى العالم إلا بحكم القوة. وقد احتفظوا من معالم السيادة الوطنية بالقسط الضروري الذي لا ترضى أمة تطلب الاستقلال بأقل منه، فمن يطالبهم بالتبرع من عندهم بقبول قسط أقل من هذا، فهو كأنما يطالب الأمة المصرية بالثورة والتضحية لغير نتيجة إلا أن تصحح مركز بريطانيا العظمى في مصر، وتزودها بقوة النصوص المشروعة والموافقة الودية فوق ما لها من قوة السلاح والسطوة! وهو أمر لا يُعقل أن يكون موضع اتفاق ومفاوضة بين طرفين وفيه الربح كل الربح من جانبٍ، والخسارة كل الخسارة من الجانب الآخر؛ وإنما المعقول المفهوم أن يكون ما قَبِله الوفد أقل ما يسعه قبوله ما دام المرجع فيه إلى الاختيار والاتفاق، فإذا تجاوز هذا الحد فهو يعطي بريطانيا العظمى كل مزايا الاتفاق الحر ويبوء — والأمة المصرية معه — بكل مساوئ الإكراه، ومع هذا استغربوا في إنجلترا «جرأته» — كما سموها — وقالوا: إنَّ سعدًا يحسب أنه هزم الدولة البريطانية، ويُملي عليها شروطه إملاء الظافر في ميدان القتال!
•••
توقفت المفاوضات، وقيل إنها تنقطع أو انقطعت؛ لأن الوفد رفض مذكرة اللجنة، كما رفضت اللجنة مذكرة الوفد، ثم توسط عدلي يكن باشا في الأمر؛ فاضطر سعد إلى إرجاء السفر ريثما تتم هذه الوساطة، وبقي في لندن حتى تسلم مذكرة اللجنة الثانية في الخامس من شهر أغسطس، فانفتح بها باب جديد للمناقشة، وجرى التعديل مرة أخرى في بعض العبارات، وتعذر الاتفاق على جميع المسائل، فاستمر البحث فيها إلى منتصف أغسطس، وهنا اختلفت آراء الأعضاء بين القبول والرفض ومعظمهم إلى القبول، واقترح بعضهم عرض المشروع الأخير على الأمة لتبديَ ملاحظتها عليه ثم يعاد بحثه بين الوفد واللجنة بعد الوقوف على جملة الآراء ومواضع الملاحظة والاستدراك.
ويغلب أن يكون هذا الاقتراح إنجليزيًّا في منشئه، أوحاه إلى اللجنة ما كانت تسمعه من سعد وزملائه من الاعتذار بوكالة الأمة وتعذُّر الخروج عن حدود هذه الوكالة؛ لأن الأمة ترفض كل ما يخرج على تلك الحدود — لا محالة — ولو قبله الأعضاء. فكان أعضاء اللجنة يقولون: إنما الوكالة برنامجكم أنتم، وفي أيديكم أن ترجعوا إليه بالتعديل والتحويل إن اقتنعتم بصواب ما تعرضونه على الأمة التي أوكلتكم. وكان من الطبيعي أن يخطر للجنة اقتراح الرجوع إلى الأمة تخلصًا من هذا الاعتذار، وسعيًا وراء الخلاف إن لم يكن سعيًا وراء الإقناع.
فتردد سعد في العمل بالاقتراح مخافة الانقسام والشتات، ولكنه رأى بوادر الانقسام والشتات تبدو في داخل الوفد، فآثر أن يتداركها وأن يرجئ ظهورها ما استطاع، وهو يرجو أن يستعين بجلاء رأي الأمة على معالجة تلك البوادر أملًا في رأب الصدع وتوحيد الصفوف، فتقرر إيفاد أربعة من الأعضاء إلى القاهرة، وهم: محمد محمود، وأحمد لطفي السيد، وعبد اللطيف المكباتي، وعلي ماهر، ينضم إليهم في القاهرة مصطفى النحاس، وويصا واصف، وحافظ عفيفي لعرض الموضوع على طوائف الأمة واستطلاع رأيهم فيه، وتقييد ملاحظاتهم عليه والرجوع بها إلى الوفد في النهاية لاستئناف البحث فيها جميعًا مع اللجنة الملنرية، وإن كان رئيسها قد أعلن أنَّ المشروع تضمَّن أقصى ما توصي به اللجنة وتطمع في إقراره من لدن الحكومة البريطانية، وأنها تشك في إقرارها لبعض ما فيه.
قواعد الاتفاق
- (١)
لأجل أن يُبنى استقلال مصر على أساس متين دائم يلزم تحديد العلاقات بين بريطانيا العظمى ومصر تحديدًا دقيقًا، ويجب تعديل ما تتمتع به الدول ذوات الامتيازات في مصر من المزايا، وجعْلها أقل ضررًا بمصالح البلاد.
- (٢) ولا يمكن تحقيق هذين الغرضين بغير مفاوضات جديدة تحصل للغرض الأول بين ممثلين معتمدين من الحكومة البريطانية وآخرين من الحكومة المصرية، ومفاوضات تحصل للغرض الثاني بين الحكومات البريطانية وحكومات الدول ذوات الامتياز؛ وجميع هذه المفاوضات ترمي إلى الوصول إلى اتفاقات بُنيت على القواعد الآتية:
- أولًا: تُعقد معاهدة بين مصر وبريطانيا العظمى تعترف بريطانيا العظمى بموجبها باستقلال مصر كدولة ملكية دستورية ذات هيئات نيابية، وتمنح مصر بريطانيا العظمى الحقوق التي تلزم لصيانة مصالحها الخاصة، ولتمكينها من تقديم الضمانات التي يجب أن تعطى للدول الأجنبية لتحقيق تَخلِّي تلك الدول عن الحقوق المخولة لها بمقتضى الامتيازات.
- ثانيًا: تُبرم بموجب هذه المعاهدة نفسها محالفة بين بريطانيا العظمى ومصر، تتعهد بمقتضاها بريطانيا العظمى أن تعضد مصر في الدفاع عن سلامة أرضها، وتتعهد مصر أنها في حالة الحرب — حتى ولو لم يكن هناك مساس بسلامة أرضها — تقدِّم داخل حدود بلادها كل المساعدة التي في وسعها لبريطانيا العظمى، ومن ضمنها استعمال ما لها من الموانئ وميادين الطيران، ووسائل المواصلات للأغراض الحربية.
- (٣)
تشمل هذه المعاهدة أحكامًا للأغراض الآتية:
- أولًا: تتمتع مصر بحق التمثيل في البلاد الأجنبية، وعند عدم وجود ممثل مصري معتمد من حكومته تعهد الحكومة المصرية بمصالحها إلى الممثل البريطاني، وتتعهد مصر بألا تتخذ في البلاد الأجنبية خطة لا تتفق مع المحالفة أو توجِد صعوبات لبريطانيا العظمى، وتتعهد كذلك بألا تعقد مع دولة أجنبية أي اتفاق ضار بالمصالح البريطانية.
- ثانيًا: تمنح مصر بريطانيا العظمى حق إبقاء قوة عسكرية في الأرض المصرية لحماية مواصلات الإمبراطورية، وتعين المعاهدة المكان الذي تعسكر فيه هذه القوة، وتسوي ما ستتبعه من المسائل التي تحتاج إلى التسوية، ولا يعتبر وجود هذه القوة بأي وجه من الوجوه احتلالًا عسكريًّا للبلاد، كما أنه لا يمس حقوق حكومة مصر.
- ثالثًا: تعين مصر بالاتفاق مع الحكومة البريطانية مستشارًا يُعهد إليه في الوقت عينه بالاختصاصات التي لصندوق الدَّين، ويكون تحت تصرف الحكومة المصرية لاستشارته فيها.
- رابعًا: تُعيِّن مصر بالاتفاق مع الحكومة البريطانية موظفًا في وزارة الحقانية، يتمتع بحق الدخول على الوزير، ويجب إحاطته علمًا على الدوام بجميع المسائل المتعلقة بإدارة القضاء فيما له مساس بالأجانب، ويكون أيضًا تحت تصرف الحكومة المصرية لاستشارته في أي أمر مرتبط بحفظ الأمن العام.
- خامسًا: نظرًا لما في النية من نقل الحقوق التي تستعملها إلى الآن
الحكومات الأجنبية المختلفة بموجب نظام الامتيازات إلى الحكومة
البريطانية، تعترف مصر بحق الأجانب في رفض أي قانون مصري يستدعي
الآن موافقة الدول الأجنبية، وتتعهد بريطانيا العظمى من جانبها ألا
تستعمل هذا الحق إلا حيث يكون مفعول القانون جائرًا على
الأجانب.
صيغة أخرى لهذه الفقرة:
نظرًا لما في النية من نقل الحقوق التي تستعملها الآن الحكومات الأجنبية المختلفة بموجب نظام الامتيازات إلى الحكومة البريطانية، تعترف مصر بحق بريطانيا العظمى في التدخل بواسطة ممثليها في مصر لتمنع أن ينفَّذ على الأجانب أي قانون مصري يستدعي الآن موافقة الدول الأجنبية، وتتعهد بريطانيا العظمى من جانبها ألا تستعمل هذا الحق إلا في حالة القوانين التي تتضمن تمييزًا جائرًا في مادة فرض الضرائب، أو لا توافق مبادئ التشريع المشتركة بين جميع الدول ذوات الامتيازات.
- سادسًا: نظرًا للعلاقات الخاصة التي تنشأ عن المحالفة بين بريطانيا العظمى ومصر، يمنح الممثل البريطاني مركزًا استثنائيًّا في مصر، ويخول حق التقدم على جميع الممثلين الآخرين.
- سابعًا: الضباط والموظفون الإداريون، من بريطانيين وغيرهم من الأجانب الذين دخلوا خدمة الحكومة المصرية قبل العمل بالمعاهدة، يجوز انتهاء خدمتهم بِناءً على رغبتهم أو رغبة الحكومة المصرية في أي وقت خلال سنتين بعد العمل بالمعاهدة، وتحدد المعاهدة المعاش أو التعويض الذي يُمنح للموظفين الذين يتركون الخدمة بموجب هذا النص زيادة على ما هو مخول لهم بمقتضى القانون الحالي. وفي حالة عدم استعمال الحق المخول بهذا الاتفاق تبقى أحكام التوظيف الحالية بغير مساس.
- (٤)
تُعرض هذه المعاهدة على جمعية تأسيس، ولكن لا يُعْمَل بها إلا بعد نفاذ الاتفاقات مع الدول الأجنبية على إبطال محاكمها القنصلية وإنفاذ الأوامر العالية المعدلة لنظام المحاكم المختلطة.
- (٥)
يُعهد إلى جمعية التأسيس في وضع قانون نظامي جديد، تسير حكومة مصر في المستقبل بمقتضى أحكامه، ويتضمن هذا النظام أحكامًا تقضي بجعل الوزراء مسئولين أمام الهيئة التشريعية، وتقضي أيضًا بإطلاق الحرية الدينية لجميع الأشخاص، وبالحماية الواجبة لحقوق الأجانب.
- (٦)
تحصل التعديلات اللازم إدخالها على نظام الامتيازات باتفاقات تُعقد بين بريطانيا العظمى والدول المختلفة ذوات الامتيازات، وتقضي هذه الاتفاقات بإبطال المحاكم القنصلية الأجنبية لكي يتيسر تعديل نظام المحاكم المختلطة وتوسيع اختصاصها، وسريان التشريع الذي تسنه الهيئة التشريعية المصرية دونه التشريع الذي يفرض الضرائب على جميع الأجانب في مصر.
- (٧)
تنص هذه الاتفاقات على أن تنتقل إلى الحكومة البريطانية الحقوق التي كانت تستعملها الحكومات الأجنبية المختلفة بمقتضى نظام الامتيازات.
وتشمل أيضًا أحكامًا تقضي بما يأتي:
- أولًا: لا يسوغ العمل على التمييز الجائر على رعايا أي دولة وافقت على إبطال محاكمها القنصلية، ويتمتع هؤلاء الرعايا في مصر بنفس المعاملة التي يتمتع بها الرعايا البريطانيون.
- ثانيًا: يؤسَّس قانون الجنسية المصرية على قاعدة النسب، فيتمتع الأولاد الذين يولدون في مصر لأجنبي بجنسية أبيهم، ولا يحق اعتبارهم مصريين.
- ثالثًا: تخوِّل مصر موظفي قنصليات الدول الأجنبية نفس النظام الذي يتمتع به القناصل الأجانب في إنجلترا.
- رابعًا: المعاهدات أو الاتفاقات الحالية التي اشتركت مصر في التعاقد عليها في مسائل التجارة والملاحة؛ ومنها اتفاقات البريد والتلغراف تبقى نافذة المفعول. أما في المسائل التي ينالها مساس من جراء إبطال المحاكم القنصلية فتعمل مصر بالمعاهدات النافذة المفعول بين بريطانيا العظمى والدول الأجنبية صاحبة الشأن؛ مثل معاهدات تسليم المجرمين وتسليم البحارة الفارين، وكذلك المعاهدات التي لها صفة سياسية، سواء كانت معقودة بين أطراف عدة أو بين طرفين. مثال ذلك اتفاقات التحكيم والاتفاقات المختلفة بسير الحروب، وذلك كله ريثما تُعقد اتفاقات خاصة تكون مصر طرفًا فيها.
- خامسًا: تضمن حرية إبقاء المدارس وتعليم لغة الدول الأجنبية صاحبة الشأن، على شرط أن تخضع جميع هذه المدارس من جميع الوجوه للقوانين السارية بوجه عام على المدارس الأوروبية بمصر.
- سادسًا: تضمن أيضًا حرية إبقاء أو إنشاء معاهد دينية وخيرية كالمستشفيات … إلخ. وتنص المعاهدة أيضًا على التغييرات اللازمة في صندوق الدَّين، وعلى إبعاد العنصر الدولي عن مجلس الصحة في الإسكندرية.
- (٨)
التشريع الذي تستلزمه الاتفاقات السالفة الذكر بين بريطانيا العظمى والدول الأجنبية، يُعمل به بمقتضى مراسيم تصدرها الحكومة المصرية، وفي الوقت عينه يصدر مرسوم يقضي باعتبار جميع الإجراءات التشريعية والإدارية والقضائية التي اتُّخذت بمقتضى الأحكام العرفية صحيحة.
- (٩)
تقضي المراسيم العالية المعدلة لنظام المحاكم المختلطة بتخويل هذه المحاكم كل الاختصاص الذي كان مخولًا إلى الآن للمحاكم القنصلية الأجنبية، ويترك اختصاص المحاكم الأهلية غير ممسوس.
- (١٠)
بعد العمل بالمعاهدة المشار إليها في البند الثالث تبلغ بريطانيا العظمى نصها إلى الدول الأجنبية، وتعضد الطلب الذي تقدمه مصر للدخول في جمعية الأمم.