أين الشياطين؟!
يبدو أنَّ وقوع المقر السرِّي الصغير للمنظمة أمام «بانوراما الأهرام» قد أثَّر كثيرًا على الشياطين وأفكارهم ومشاعرهم.
ففي التقرير الدوري لمركز الدراسات النفسية للمقر، ظهرَ أنَّ أكثر الموضوعات التي قام الشياطين بالبحث فيها عَبْر شبكة «الإنترنت» كانت عن الأهرامات والشكل الهرمي.
وقد كان ذلك مثار ارتياح رقم «صفر» … فقد كانت المهمة التي ينوي تكليفهم بها تخصُّ أيضًا الأهرامات … والمنطقة التي تقع فيها.
وقد كان بالتقرير تفاصيل كثيرة … مثيرة … عمَّا قام به الشياطين من دراسات وتجارب على الأهرامات والشكل الهرمي … وتفاصيل أخرى عن نتائج توصَّلوا إليها وتأملات كثيرة تستحق الاهتمام.
وبدلًا من استكمال قراءة تلك التقارير، قرَّر رقم «صفر» الاتصال بهم، وتحديد موعدٍ لعَقْد اجتماع … يناقش فيه معهم … كلَّ ما عرفوه وما توصَّلوا إليه من نتائج … إلا أنَّ الاتصال بهم رغم تكرار المحاولة … لم يُسفر عن استجابة … ممَّا أثار تعجُّب رقم «صفر» وحنقه … وكثيرًا من علامات الاستفهام.
فأين هم الآن … وليس لديهم مغامرة أو مهمة توجَّهوا لأدائها؟!
ولا يمكن توقُّع حدوث مكروه لهم … لأنَّهم ليسوا في مواجهة مع أحد!
وبالاتصال بإدارة أمن المقر … وإدارة الاتصالات … خرجت وحدات كثيرة مزودة بأحدث الوسائل العلمية والتكنولوجية، للبحث عنهم … واكتشاف سبب تعطُّل أجهزة الاتصال الخاصة بهم.
ومسحت هذه الوحدات «جمهورية مصر العربية» من أدناها إلى أقصاها … فلم تَجِد لهم أثرًا … ولم تتمكَّن من الاتصال بهم.
كذلك لم يُسفِر الاتصال بالمقر السرِّي الكبير بالصحراء الغربية إلا عن مزيد من الغموض وعلامات الاستفهام!
ولم يكُن الأمر يدعو للقلق، بقَدْر ما هو مُحيِّر … فكيف يختفي ثلاثة عشر عميلًا للمنظمة؟ ولماذا؟ وأين؟ ولماذا في وقت واحد؟ ومَن هم؟ إنَّهم الشياطين اﻟ «١٣»!
إنَّها سابقة فريدة … ولكن … لن يكون من المستحيل التعامل معها … أو كشف غموضها بالنسبة لرقم «صفر» ومن معه.
وأوَّل ما طرأ على ذهن رقم «صفر» … هو الرجوع إلى تقارير الشياطين عن تجاربهم في الفترة السابقة … وعمَّا كان يشغلهم.
إلا أنَّه آثَر البدء بمفكراتهم الشخصية … والتي يُدوِّنون بها أدق أسرارهم رغم أنَّه لا يجوز لأحد أن يطَّلع عليها إلا بإذنهم، حتى وإن كان رقم «صفر» … إلَّا أنَّ الضرورات تُبيح المحظورات.
وكان على رأس الموضوعات، التي امتلأت بها أوراق مفكراتهم … ذلك المخلوق العملاق الذي سمعوا صوته … عند معامل «سايبر سبيس» في «سويسرا» وهذا الأنبوب الضخم جدًّا الذي كان يعيش فيه … وهل مات … أم لا يزال حيًّا؟
وأيضًا النتائج التي وصلت إليها بحوث الهندسة الوراثية في العالم … ولم يُكشف عنها النقاب، فلولا مطاردتهم لأعضاء «سايبر سبيس» ما عرفوا شيئًا عن وجود هذا الأنبوب ولا ذلك المخلوق.
إلا أنَّ أهرامات الجيزة … والشكل الهرمي … أخذت منهم اهتمامًا أكبر ومساحة تأمُّل وتساؤل أوسَع.
وقد اتضح ذلك جليًّا … في ملاحظاتهم المُسجَّلة عن عصر بُناة الأهرام … وكيف أنَّ أرض «مصر» مزدحمة بالأهرامات … ولا يقتصر الأمر على هرم «خوفو» و«خفرع» و«منقرع» … أو «هرم سقارة» المدرَّج.
وهناك الكثير من الأهرامات لم تكتمل … والكثير أيضًا منها … لم يجدوا به مومياوات … وفي تقرير عن اجتماع تم بينهم عَبْر أجهزة الكمبيوتر … عن طريق الشبكة الموحدة للمقر … تسائل الشياطين عن الهدف الحقيقي من بناء الأهرامات. غير أن يكون مدفنًا للملوك والملكات.
وقد ثار هذا التساؤل بعد قراءتهم لدراسة قام بها بعض علماء المصريات … توصلوا فيها إلى حقائق مبهرة عن الشكل الهرمي.
إلا أنَّه لم يجد لهذه الدراسة أثرًا بين صفحات تقريرهم … وعلى ديسكات أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم … وتساءل عن السرِّ في اختفائها … وهل لاختفائهم علاقة بهذه الدراسة؟ وهل هناك المزيد من التقارير … تحمل الجديد من النتائج والمثير من المفاجآت؟
وهل سيجد إجابة على هذه التساؤلات في وقت قريب؟ أم أنَّ المهمة بدون شياطين ستستغرق وقتًا؟
وفي اجتماع مع كبار رجال المنظمة، طرح رقم «صفر» تساؤلاته حول اختفاء الشياطين اﻟ «١٣»؟!
وقد كان الموقف مهيبًا … ففي قاعة ضخمة حَوَت أكثر أجهزة الاتصال تقدُّمًا … والعديد من شاشات الكمبيوتر الضخمة … اجتمع قادة أركان المنظمة، مع عدد من كبار رجال الأمن والمخابرات … حول مائدة مستديرة ضخمة … تتوسطها نافورة بديعة الضوء … تقبع في فقاعة زجاجية ضخمة.
إلَّا أنَّ رقم «صفر» لم يكُن ضمن الجالسين … بل الْتَقى بهم عَبْر إحدى شاشات الكمبيوتر … والتي ظهرت عليها مجموعة من الخطوط المتراصة يتغيَّر طولها ارتفاعًا وهبوطًا تعبيرًا عن مستوى انفعاله.
وقد عبَّر الجميع عن دهشتهم لحالة الاختفاء المفاجئ للشياطين … ورفضهم لفكرة أن يكون وراء ذلك قوًى غامضة من خارج الكرة الأرضية … واندهشوا لهذا الأسلوب في التفكير … وطلبوا مناقشة أصحابه … فاستدعاهم رقم «صفر» على شاشة أخرى من شاشات الكمبيوتر الموجودة بالقاعة، ودارت بينهم مناقشات ساخنة … أجاب فيها كبير رجال الأمن عن سؤال أحد العلماء قائلًا: نعم … نحن لم نرصد أيَّة تحركات مُريبة داخل حدود الجمهورية، خلال الفترة السابقة … ولم تُشِر تقارير رجال أمن المطار عن محاولات مغادرة البلاد بصورة غير شرعية.
رقم «صفر»: ورجال حرس الحدود؟!
قائد حرس الحدود: لم يرصد رجالي أيَّة محاولة لاختراق حدود «مصر» خلال الفترة السابقة، ورجالنا والحمد لله على قَدْر كبير من اليقظة … ويتمتَّعون بثقة رؤسائهم.
رقم «صفر»: وطبعًا الشياطين لن يغادروا البلاد بوثائق سفر مزورة.
كبير ضباط المخابرات: ولكن … ذلك لا يعني أنَّ قُوى من كوكب آخَر … اختطفتهم!
أحد رجال المنظمة: سيدي القائد، ألم تُصرِّح أجهزة مخابرات دولة عظمى … أنَّها رصدت منذ زمن بعيد … زيارة أطباق مجهولة للأرض مرات عديدة … لم تتوقف حتى الآن؟
ضابط المخابرات: بل أزيد عليك … بأنهم نشروا صورًا لكائنات فضائية خضراء … عثروا عليها مقتولة … بين حُطام أحد الأطباق الطائرة.
ولكن … ليس علينا أن نصدِّق كل ما يقولون … فقد وقعت هذه الحوادث منذ أكثر من عشرين عامًا … وحتى الآن … لم يُعلَن شيء عن نتيجة فحصهم لها.
رقم «صفر»: تقصد أنَّه نوع من الدعاية؟
ضابط المخابرات: نعم … وله أهداف سياسية بعيدة!
رقم «صفر»: أو نوع من التمويه … لِلَفْت نظر الناس بعيدًا عن تجارب علمية يقومون بها في مجال التسليح وتطوير الأسلحة.
الضابط: نعم.
رقم «صفر»: ولكن يتبقَّى لدينا موضوع اختفاء الشياطين.
كبير الضباط: لا أعتقد أنَّ هناك خطرًا يُحدق بهم … غير أنْ يكونوا قد تناولوا طعامًا مخدرًا … أو مشروبًا سامًّا.
اضطربت الخطوط البيانية على شاشة رقم «صفر» … فقد أقلقه ما سمعه … فهو تصوُّر قريب جدًّا من التصديق … ولكنه استبعد أن يكون مخدرًا، فلهم ثلاثة أيام غائبون … وارتفع صوته وهو يسأل نفسه: ولكن مَن له مصلحة في قتلهم؟!
الضابط: مَن لهم مصلحة في قتلهم كثيرون … ولكن علينا ألا نعتمد على هذا التصوُّر وحده فقد يُضلِّلنا عن أحداث أخرى تقع لهم الآن.
رقم «صفر»: ألا أجد في تقارير جهات المخابرات … أحداثًا غير عادية … أو ظواهر ترتبط بالهرم … من حيث المنطقة … أو التكوين … أو غيره؟
كبير الضباط: نعم … وأذكر جيدًا أكثر هذه التقارير غرابة … وقد كان عن عالِم ذرة كندي … مُولَع بالحضارة المصرية القديمة … وله فيها دراسات مثيرة، وقد كانت آراؤه ونظرياته محل بحث واهتمام، من كثير من علماء المصريات.
وقد اختفى هذا الرجل تمامًا بعد عودته من رحلة إلى منطقة الأهرامات … بعدة شهور … وقد أثار اختفاؤه قلقَ أجهزة المخابرات الكندية والأمريكية، لِمَا يحمله هذا الرجل من أسرار غاية في الخطورة عن البرنامج النووي الكندي.
وبالبحث والتحرِّي … اتضح أنَّه بعد عودته من مصر … انتقل إلى مقاطعة «كيبك» … واشترى فيلَّا فسيحة … تُحيطها أرض فضاء مُسوَّرة بسور عالٍ … وقد عثر بداخل هذا السور على حُطام هرم ضخم … مصنوع من ألياف مواد عازلة.
وفي محاولة لتجميع هذا الهرم مرة أخرى. اتضح أنَّه قام بترميمه بصورةٍ تختفي معها أبعاده … واتجاهاته الجغرافية … ممَّا جعلهم يربطون بين اختفائه وتدميره للهرم بهذه الصورة.
رقم «صفر»: نعم … فتدمير الهرم بهذه الصورة يوحي بأنَّه توصَّل إلى كشف علمي خطير وأراد أن يستأثر به لنفسه.
كبير الضباط: صحيح … ولكن المدهش في الأمر أنَّه اختفى تمامًا … ولم يحاول الاتصال بأيِّ شركة لتسويق اكتشافه والاستفادة منه أو الإعلان عنه.
خبير المنظمة: ومن الجائز جدًّا … أن تربط أجهزة المخابرات بين سر اكتشافه وبين ما لديه من معلومات وأسرار عن البرنامج النووي!
كبير الضباط: هذا ما حدث … فقد اتهمت أجهزة المخابرات الغربية بعض الدول بإخفاء هذا العالِم … لصُنع سلاح نووي أسطوري.
ضحك رقم «صفر» وقال: وهكذا تعيش أجهزة المخابرات في هذه الدول في حالة ترقُّب ورعب!
قائد حرس الحدود: الغريب … أنَّه برغم كل أجهزة التجسس الغاية في التقدم، التي بحوزتهم … والأقمار الصناعية، وكل هذا العدد من الجواسيس … فقد استطاع هذا العالِم أن يختفي!
كبير الضباط: ولمدة طويلة!
رقم «صفر»: أشعر أنَّ هذا الرجل قريب منَّا جدًّا.
خبير المنظمة: أفهمك يا سيدي … ونحن نحتاج لبعض الوقت لبلورة هذا التصور.
رقم «صفر»: وسيادة القائد … هل سيوافيني أولًا بأول بمعلوماته عن هذا الموضوع؟
كبير الضباط: بالطبع … ولحسن الحظ … فإنَّ جهازنا يتعاون مع هذه الأجهزة لكشف غموض اختفاء هذا العالِم.
رقم «صفر»: إذَن … اسمحوا لي بأن نُنهي اجتماعنا مع تقديري لكم جميعًا، وثقتي في تعاونكم المستمر والمثمر معنا.
ردَّ الحاضرون تحيَّة الشكر لرقم «صفر» … وانصرفوا … تحيطهم مجموعة كبيرة من رجال الأمن المحترفين.
وانطفأت أنوار القاعة … إلا أنوار الفقاعة الزجاجية التي تحوي النافورة … ولم يلتفت أحد لغموض هذه الأنوار … ولم يلتفت أحد أيضًا إلى أنَّ قاعدة هذه النافورة على شكلٍ هرمي … وأخيرًا، لم يلتفت أحد لذلك الطيف الذي كانت تولِّده حوائط ذلك الشكل الهرمي عند جريان تيار الماء عليه.
وبعد فترة من الإظلام التام، انطلقت في فضاء القاعة … كرات ماء مُضيئة … تسبح ضد الجاذبية الأرضية … وكأنَّها تحمل قوى مضادة لها … وتسلك سلوك السوائل في الفضاء الخارجي … فتصطدم بأحد الحوائط … ثم تنزلق عليه … وكأنَّها تتحسَّس طريقَها بحثًا عن شيء.
وعندما لامست الأرض … قفزت لأعلى؛ لتسبح مرَّةً أخرى في فضاء الغرفة يمنةً ويسارًا … إلى أن اصطدمت بحائط آخَر … فانزلقت عليه … إلى أن قابلها الباب فأكملت انزلاقها عليه … إلى أن وصلت إلى ثقب المفتاح … فتسرَّبت منه إلى ممر طويل مُظلِم أيضًا … فأكملت سباحتها … غير أنَّها شعرَت بقدوم بعض العاملين في المنظَّمة فارتفعت … إلى أن اصطدمت بالسقف … وظلَّت عالقة به في سكونٍ … حتَّى مرُّوا واختفوا، فهبطت مرة أخرى تكمل تحليقها في اتجاه باب الخروج.
إلا أنَّ جهاز التكييف له فتحة كبيرة في نهاية الممر … يسحب من خلالها الهواء الساخن الموجود في المكان … وشعرت بقوة تجذبها بشدة … إلى هذه الفتحة، إلا أنَّ قوة اندفاعها أنقذتها … فانطلقت صَوْب باب الخروج … فلم يكُن بالمبنى كله ثقب واحد يسمح بمرور حتى الهواء.
ومن خلال ثقب مفتاح باب الخروج … انطلقت إلى خارج المبنى، ثم ارتفعت وارتفعت لأعلى … حتى جاوزت كل العوائق … فانطلقت في اتجاه الصحراء الغربية.
وفي السماء كانت طائرة هليكوبتر … تتابع كرة الماء عن بُعد … عند خروجها من قاعة الاجتماعات، وكاميرات المراقبة في الممر … تتابع حركتها … وضباط الأمن … يتعجَّبون لِمَا يرونه على الشاشات … وقد أبلغوا قيادة المقر فقامت معهم بمتابعة سيرها … وسلوكها … ولم يجدوا مفرًّا من مطاردتها عن بُعد لمعرفة كُنهها … فقد حارت أجهزة الكمبيوتر في تقديم تفسير معقول لهذه الكرة. ولم يعرف كلُّ علماء المقر كيف يفكِّرون … وفي أي علم يبحثون عن تفسيرٍ لِمَا رأوه بعيونهم على شاشات أجهزة المراقبة. فهل هي كائن فضائي عاقل يستطيع اتخاذ القرار كما رأوا؟ أم إنَّها مُوجَّهة عن بُعد عن طريق الأقمار الصناعية؟ ولكنها لا تحوي شيئًا، ولا يمكنها حمل أجهزة استقبال، فكيف يمكن توجيهها؟ وكيف تسير كل هذه المسافة بلا طاقة؟ وإن كان بها طاقة، فمن أين حصلت على هذه الطاقة؟
اشتد الجدل بين علماء المنطقة في المقرِّ، وفي المقر الرئيسي … الْتَفُّوا حول أجهزة الكمبيوتر في اجتماع مفتوح عَبْر شبكة «الإنترنت».
واختلفوا كثيرًا في تحديد مدى خطورة هذه الكرات على سطح الأرض، وعلى الكرة الأرضية … وفجأة … جحظت أعينهم … وفُتحَت أفواههم وتصلَّبت عضلاتهم وهم يشاهدون على شاشات الكمبيوتر إحدى كرات الماء … وهي تُهاجم الطائرة!