مصرع فرانسوا!
صدمت المفاجأة «فرانسوا»، وأخرجته عن شعوره، فأطلق صراخًا هيستيريًّا … كمَن هاجمه عفريت من الجان … وظلَّ يدور حول السيارة في غير تركيز … ويَهْذي بكلام غير مفهوم … وهو يرى كرة الماء تقبع بالسيارة ولا تريد الخروج … وكرات الماء حوله تندفع يمينًا ويسارًا … في حركات عشوائية … ومن خوفه أن تصدمه إحداها، انبطح على الأرض، واضعًا رأسه بين ذراعيه … مغمضًا عينيه في استسلام.
ومن داخل غرفة المكتب رأى «أحمد» أنَّ حال «فرانسوا» — في هذه اللحظة — سيسهل عملية قيادته … فخرج وبيده الهوائي، وأغلق المكتب على بقية الشياطين … ومشى يتصيَّد به الكرات من هنا وهناك … ويدفع بها إلى غرفة مصفحة، ويغلق بابها عليها … ودأب على هذا العمل قرابة الساعة، و«فرانسوا» مستسلم في نومته، حتى انتهى تمامًا من القبض على كلِّ الكرات … فأشار لبقية الشياطين … الذين لحقوا به، وهو في سيارة «فرانسوا»، فركبوا جميعًا … وأغلقوا الأبواب، وفي هذه اللحظة، نادى «أحمد» عليه قائلًا: «فرانسوا» لقد انتهى الأمر … انهض يا رجل … سأتركك هنا سجينًا حتى أعود إليك … «فرانسوا».
وكرَّر «أحمد» النداء أكثر من مرة … إلا أنَّه لم يجبه … فظنَّ أنَّه يخدعه … فشهر مسدسه، وذهب إليه محاولًا إيقاظه … فقد يكون الإرهاق قد أسلمه للنوم … إلا أنَّه لم يجد به نفَسًا … فقد مات «فرانسوا» … لقد كان مفعول كرة الماء المشع سريعًا.
وهنا، شعر بخوف شديد على الشياطين الذين هربوا … فأطلقَ العنان لسيارته، واتصل بالمقر السري الكبير … يطلب منهم خروج مجموعة من طائرات الهليكوبتر للبحث عنهم ومعاونتهم … وأن تحضر إحداها … لحملهم ليشاركوا في البحث.
وبالفعل … وبعد عدة دقائق … شاهد «أحمد» ومَن معه … طائرة المنظمة، تحلِّق فوقهم … فرفعوا أيديهم يُشيرون لها بالهبوط … إلا أنَّها لم تهبط، وظلَّ قائدها يحلِّق بها حول المكان … ثم يعود إليهم مرَّة أخرى.
وفرغ صبر «أحمد» … فقد كان قلبه يرتجف خوفًا على الشياطين المطاردين، إلا أنَّ كرة ماء كبيرة ظهرت خلف الطائرة … جعلته يعذر الطيار … الذي ما إن استطاع أن يضللها … حتى هبط مسرعًا … ليحمل مجموعة الشياطين، وينطلق صاعدًا مرة أخرى.
في تلك الأثناء، كان «عثمان» و«إلهام» و«ريما» و«فهد» يختبئون في أحد الكهوف، وقد سدَّوا فتحته بصخرة … ساعدهم على دفعها … انحدار التلِّ … الذي يحوي الكهف، ولكن خارج الكهف … كانت تلهث مجموعة من الكلاب آكِلة لحوم البشر … ومعها مجموعة من الحراس، يحاولون إبعاد الصخرة … وقد كادوا أن ينجحوا، إلا أنَّهم أسرعوا بالابتعاد، فبمجرد انفراج الصخرة، انهالت عليهم الطلقات من مسدسات الشياطين … وقد أصابت إحداها أحد الكلاب فأَرْدَته قتيلًا … فأحاطت به بقية الكلاب، ينبشون فيه بأظافرهم وأسنانهم … ولم يتركوا منه غير هيكله العَظْمي.
ومن داخل الكهف، تابع الشياطين ما يدور، وهم يتساءلون عن فرصتهم في النجاة … فقد فرغت مسدساتهم، ولم يعُد لديهم وسيلة للدفاع عن أنفسهم، ولمحت «إلهام» بريقًا في عينَي «عثمان»، انتظرت بعدها أن تسمع منه اقتراحًا ذكيًّا … إلا أنَّ ما قاله لم يكُن اقتراحًا، بل أمر بأن يسلموه أسلحتهم … وبنظرات كلها تساؤل … أعطوه مسدساتهم … فقذف بها خارج الكهف، من خلال الفتحة الصغيرة بجوار الباب الصخري … مما أشعر الحراس بالتفوُّق … فعادوا إلى زحزحة الصخرة مرَّة ثانية … وكانت فرصة «عثمان»، الذي أخرج كرته الجهنمية، وأطلقها قذيفة على أحد الحراس … فسقط مغشيًّا عليه، وبجواره مسدسه.
وشعرت به الكلاب … والتي كانت قد انتهت لتوِّها من الكلب الميت … فالْتَفتوا له … وأحاطوا به، يتدافعون لنيل أكبر قسط من لحمه … إلا أنَّ زملاءه أشفقوا عليه من هذا المصير … فأطلقوا رصاصاتهم عليها كلها … فلم يتبقَّ لهم كلب واحد حي.
وعندما نقل «عثمان» هذه الأخبار لهم — والتي كان يتابعها من الفتحة الصغيرة، ما بين الصخرة والكهف — تصايحوا في سعادة.
إلا أنَّ سعادتهم لم تدُمْ، فقد رأوا على بُعد منهم كُرات الماء، تحلِّق في الهواء … والحراس يطلقون عليها رصاصاتهم … فتتناثر رزازًا … ثم تتجمَّع مرة أخرى، وتُكمل تحليقها … فصاح «عثمان»: يا له من يوم … لم نكَدْ ننتهي من الكلاب … حتى هاجمتنا كرات ماء مشع!
إلهام: إنَّها ستهاجم الحراس أولًا!
فهد: على العكس … فالحراس أحسن حالًا منَّا.
إلهام: لماذا؟
فهد: لأنَّ حركتنا في الكهف مُحدَّدة، واصطيادنا سهل.
ريما: والحراس في مكان مفتوح … وعندهم فرصة في الحركة والهروب.
عثمان: فرصتنا الوحيدة … هي أن نتمكَّن من إشعال نار في الكهف.
إلهام: أنا معك، فالموت حقًّا حرقًا أفضل من التلوث الإشعاعي والسرطان … ورغم صعوبة الموقف … لم يتمالك نفسه من الضحك … وقال: لا أقصد ذلك بالطبع … ولكنَّي أعرف أنَّ الماء والنار عدوان.
ريما: وقد تطفئ الماء النار!
عثمان: إنَّه مبدأ التفوُّق … ومَن يتفوَّق منهم عن الآخر، يقضي عليه.
إلهام: وماذا تقصد بالتفوق؟
عثمان: إنَّ كرات الماء التي ستهاجمنا صغيرة الحجم، فإذا أشعلنا نارًا كبيرة، فسوف تبخرها قبل أن تصل إلينا.
فهد: فكرة رائعة … ولكن، أين مقومات النار؟
إلهام: نعم، نحتاج لحطب وشعلة.
عثمان: الشعلة معي … المهم، ماذا سنحرق؟
فهد: إنَّ الأقوى من الحطب في الاشتعال والأسرع هو الكاوتشوك.
عثمان: وأين هو الكاوتشوك يا «فهد»؟
فهد: حذاؤك وحذائي.
عثمان: ماذا؟ وأسير بعد ذلك حافيًا؟!
إلهام: وحذائي أنا الأخرى.
وبدأ الجميع يخلعون أحذيتهم … حتى «ريما».
فاضطر «عثمان» للانصياع إلى أمرهم … وخلع هو الآخَر حذاءه، وصنع به ثقبًا عميقًا … أفرغ فيه محتويات رصاصة … ثم دقَّ عليه بكعب المسدس، فاشتعل البارود، وشبَّت النار في الحذاء … وارتفعت ألسنة الدخان … فأحاط فردة الحذاء ببقية الأحذية … واشتدت كثافة الدخان … وبعد أن كانوا يظنون أنَّهم وحدهم في الكهف … رأوا عشرات الفئران تخرج في فزع من أركانه.
واشتدت كثافة الدخان … وملأت الكهف عن آخره … ولم يعُد هناك سنتيمتر واحد للأكسجين … ولم يتحمَّل الشياطين البقاء فيه … فآثروا الوقوع في أيدي الحراس … على الموت اختناقًا.
فدفعوا الصخرة بقوة … وخرجوا يجرون … والدموع تخرج بغزارة من عيونهم … ولا يستطيعون التنفس من شدة السعال.
والحرس حولهم يضحكون بما فعلوه في أنفسهم.
إلا أنَّ ضحكهم لم يدُم طويلًا … فقد انطلقت الضربات القوية كالصواريخ.
ورأوا قردة تقفز … ونمورًا تنقضُّ … فأخرجوا مسدساتهم … وأطلقوا في الهواء عدة طلقات … وهم يجرون في فزع، لتصطدم كرات الماء برءوسهم فتتناثر رزازًا … ثم تتجمَّع مرة ثانية … وعيون الشياطين تراقبهم في حذرٍ وخوف … فهذا العدو بالذات لا يمكن التعامل معه.
ورأى «عثمان» أن يحتموا بألسنة الدخان التي تخرج من الكهف … وقد كانت فكرة صائبة … فقد تجنبت كرات الماء الاقتراب منهم.
شعروا أخيرًا أنَّهم أصبحوا في مأمنٍ … بعد أن قُتلت الكلاب، وأصابت كرات الماء رءوس الحراس … وها هي أخيرًا ألسنة النيران تحميهم من الماء المشع.
إلا أنَّ ظنهم خاب في الحراس، كأنَّما أصابتهم كرات الماء بالجنون … فقد انطلقوا يصرخون، ويُطلقون النار بشكل عشوائي … ويجرون هنا وهناك … وهم لا يستطيعون التحرُّك … فبمجرد ابتعادهم عن ألسنة الدخان، سوف تصطادهم كرات الماء المشع.
ولكن لحسن الحظ، لفتت ألسنة النيران نظر «أحمد» ومن معه في الطائرة … فهبطوا في المكان يبحثون عنهم … وكان اللقاء حارًّا … وكانت الرسالة إلى رقم «صفر» سعيدة للغاية، فقد انتهت أغرب مهمة، قبل أن تبدأ.