مسرحية الفُرس
المقدمة
عُرِف عن أيسخولوس وَلَعه بالمظاهر، ومن المعقول أن نفرض تفخيمَ أثرِ هذه المسرحية بتشكيلة فاخرة من الثياب الشرقية، وبمحاولة تصوير أخلاق العدو المهزوم وتمثيل كلامه أيضًا، تسليةً للظافرين كما فعل شكسبير في مسرحيته «هنري الخامس». وهناك أدلة على هذا في النص نفسه. نجد هذا في القوائم الطويلة للأسماء الغريبة الطنَّانة، وعددٍ من الألفاظ الفارسية، وبعضِ إيقاعات الكوروس التي تتفق وإيقاع الموسيقى الشرقية (وقد لا يُعتبر رفع شبح داريوس مجردَ أبهة شرقية؛ حيث إن شبح كلوتايمنسترا قد ظهر أيضًا في مسرحية «يومينيديس» رغم أن استحضار الأرواح ليس من طرق التنبؤ الإغريقية العادية). بيْدَ أنه لا توجد بهذه المسرحية خطةٌ حقيقية. وفضلًا عن المناظر التاريخية والشعر، لا بد أن تقع المتعة الرئيسية في فخامة سرد الرسول الحماسي.
أشخاص المسرحية
- كوروس من شيوخ الفرس.
- أتوسا Atossa: والدة إكسيركسيس.
- رسول.
- شبح داريوس Darius: والد إكسيركسيس.
- إكسيركسيس Xerxes: ملِك فارس.
- المنظر: قصر إكسيركسيس الملكي في صوصة Susa، قبر داريوس.
- الزمن: عام ٤٨٠ق.م. أو أوائل عام ٤٧٩. بعد معركة سالاميس ببضعة شهور (سبتمبر سنة ٤٨٠ق.م.).
***
(يدخل الكوروس، المستشارون المبجلون لملِك فارس.)
ولكنْ متى سيرجع إكسيركسيس ملِكنا وجميع حاشيته المرتدية الذهب؟
إن قلوبنا لَتخفقُ في صدورنا، وتصرخ بمخاوف تتنبأ بها.
إن زهرة الشباب الآسيوي قد غادَرت الوطن، وما من
إشاعةٍ أو رسول راكب، يأتينا بكلمةٍ عنهم.
من صوصة، ومن إكتابانا Ectabana، ومن الأسوار الكيسيانية Kissian العتيقة، ومن كل باب من أبواب الأجداد،
تتدفق القوة الفارسية شطرَ الغرب؛
البحارة في السفن بالألوف،
والفرسان والمشاة يسيرون
في صفوف القتال القاسية.
فالزعماء ذوو الأمجاد الفارسية،
والموظفون الملكيون لذلك الملك العظيم،
أميستريس Amistres وأرتافيرنيس Artaphernes،
وميجابازيس Megabazes، وأستاسبيس Astaspes،
يسيرون قُدُمًا إلى وجهتهم البعيدة،
سادة القوس واللجام؛
منظر يبث الرعب في الحواس،
ويصدم العضلات لدرجة الشلل
بقسوة الروح؛
فهذا أرتيمباريس Artembares، الذي جرت عربته
عدة مرات مع الموت، وماسيستريس Masistres،
ذلك الفارانداقيس Pharandaces العديم الخوف،
وسوسثانيس Sosthanes، الذي طارت جياده الأربعة بقيادته الثابتة.
بعد ذلك اجتمع هناك من النيل
(ذلك الماء الشاسع الكثير الثمار)،
وغيرهم: سوسيسكانيس Susiscanes، وبيجاستاجون Pegastagon، وأرساميس Arsames حاكم ممفيس المقدسة؛ وأريوماردوس Ariomardus، مُصْدِر القوانين لطيبة القديمة،
وأخيرًا أولئك المجذفون الماهرون،
من ساكِني المستنقعات الذين لا يُحْصَون عدًّا،
الذين مَلَئوا القائمة المصرية.
ثم سارت جماعة من اللوديين Lydians الرقيقي البشرة،
سارت مع الباقين ممثلين
قبائلَ البلاد الأصلية كلها،
الذين يوحي حماسهم إلى قوادهم
أركتيوس Arcteus وميتروجاثيس Mitrogathes،
وإلى ذهب سارديس Sardis،
بينما يتقدَّم صف على صف
من العربات ذات الثلاثة والأربعة الخيول،
فيلقي الرعب في كل وجه حتى يمتقع لونه،
ورجال تمولوس Tmolus المقدسة،
ثاروبيس Tharybis الجريء وماردون Mardon،
سندانا الرمح هذان،
مع الرماحين الموسيين Mysian الخفاف،
يُقْسمون بأن يدمروا هيلاس الفخورة،
ويُقَرِّبون وقت استعبادها.
من بابل الذهبية،
مثل أمواج المياه المختلطة،
يظهر مزيد من الجيوش المتنوعة:
البحَّارة الذين يثقون في السفن،
والنبَّالين الذين تشد أصابعُهم الباسلة
السهامَ إلى الأذن.
من كل مملكة في آسيا
يتدفَّق الشرق إلى الأمام مسلَّحًا.
لقد صدرت كلمة الملِك المفزعة،
فسمعها مليون سيف.
هكذا كانت زهرة الرجولة،
فخر الشجاعة الفارسية،
التي أبصرناها تسير؛
ومن أجلهم تحزن الأرض التي ربَّتهم
بشوقٍ حادٍّ،
وتَعُدُّ كل يوم يمر بغير عمل
فيزلزل قلوبنا، ويطيل المهلة الطويلة.
من مدةٍ طويلة، منذ أن قاد قواته المدمرة
فوق المضيق إلى أرض أوروبا المجاورة،
وعبر قنال هيلي Helle على طريقٍ عائم؛
يتكوَّن من شريطٍ من السفن المربوطة والألواح المسمرة،
تُطَوِّق عنقَ البحر بجسرٍ من القوارب.
وهكذا يُنزِل الملك العظيم، في سيلٍ واحدٍ متدفق،
هذا القطيعَ الكثير الملايين، هذا العجب العجاب
من الجيوش الهاجمة بطريقتَين، من البر ومن البحر،
وإن عزيمته لجريئة ضد العالم كله،
يُؤيدها الإخلاص الوحشي لقواده،
وهو نفسه نظير الآلهة، الذي زُرعت عشيرته في الذهب،١
في الظلام، تتألَّق من نظرته
عينُ تنين دموية.
انظر، مجاذيفه الألف تتقدَّم!
انظر، سهامه العشرة آلاف تطير!
وتسير العربة الملكية في المقدمة؛
وتتحدَّى قِسِي آسيا القاهرة
رمَّاحي هيليني Hellene الذائعي الشهرة في الحرب؛
لأنه عندما تقفز الجيوش وتزمجر
في زهوها، كطوفان عظيم.
إذن، فما من شهرة حربية يمكن أن تكون أكيدة
لكي تصدَّ مَدَّ المحيط ذاك،
وما من تحصينات قوية تكون مضمونة لذلك.
لا تستطيع أية قوة أن تُوقِف الأسلحة الفارسية،
وما من خوف يمكن أن يؤثر في القلوب الفارسية. احتمال.
ومع ذلك، فعندما تعمل السماء بخطة ملتوية
وتنفِّذها جيدًا، فماذا بوسع الإنسان الفاني
أن يفلت من خداع الآلهة الخالدة؟
أين هو ذلك الذي قَفْزته السريعة
تزيل الشرك المحدق، في خفة؟
إن ابتسامة التملُّق لربه الغرور Delusion الناعمة
لا تقود إلا إلى حيث يكمن شركها؛
هناك يدفع المرء دَيْنه المميت؛
فيقبض القضاء على مَن تركه الموت.
منذ زمن بعيد، وَضعت القوى السماوية
على الاسم الفارسي
شروطًا: أن يذيع شهرتها على الأرض.
أما ضوضاء الفرسان، وتحطُّم القلاع،
ونهب المدن؛ فهذه لنا.
ولكننا تعلَّمنا مهارة أخرى،
فأذنبنا على المنظر المحرَّم،
حيث تزمجر ريح العاصفة بحدَّة،
فتُلهب بالسوط قنوات البحر العريضة حتى تَبْيَضَّ،
وسار ألف سيف بثقة
إلى الحرب على حبالٍ من الكتان.٢
هذه هي صور الظلام
التي تلفُّ قلبي في عباءة من الخوف؛
لأن جميع الرجال الذين ذهبوا إلى هناك،
إن لم تسمع مدينتنا العظيمة
أن الهلاك الذي يبتلع الرجال
قد جرَّد أرض وطننا؛
وإن لم تُرَدِّد أحجارُ صوصة العتيقة
والسور الكيسياني الشاهق
صدى تأوُّهات ألم الارتباك
الصادرة من النساء على موتاهم،
وهن يضربن الصدرَ والرأس،
بينما تقع الأصابع الممزِّقة
على أثوابٍ من أدق الخيوط.
سارت، كسِربٍ من النحل،
جميعُ قوتنا الفارسية،
واختفى كلٌّ من المشاة والفرسان
فوق البحار الضيقة —
وامتدت حدود إمبراطوريتنا
بالسفن من أرضٍ إلى أرض —
حيث يشاء قائدها.
بينما هنا، كل زوجة فارسية،
اشتاقت إليه، أسرعت
مسلحة إلى الحملة الوحشية،
ونثرت فراشها الخاوي
بالدموع الرقيقة عبثًا،
تبكي على حياتها المنفردة.
هلموا، أيها الفارسيون، واجتمعوا عند هذا السُّلَّم العتيق لقصر
إكسيركسيس؛ فإننا بحاجةٍ إلى المشورة،
وإلى الحكمة، وإلى الشجاعة. ماذا عمل إكسيركسيس؟
أي حظٍّ نال الوارث الملكي
لبرسيوس، مؤسِّس عشيرتنا الفارسية؟
هل أضعفَت القوسُ المشدودةُ من قوة هيلاس؟
أو هل سيطرت قوة الرماح البرنزية الرءوس؟
(تدخل أتوسا في عربة، يتبعها الخدم.)
انظروا! ها هي والدة الملك، متألقة كعيونالآلهة الخالدة؛ الملكة أتوسا، تقف!
ويقع الفارسيون منبطحين أرضًا عند قدمَيها ثم ينهضون
ويُحيِّونها بصوتٍ واحد: تحيا ملكتنا،
أنبل سيدات الأراضي الشرقية!
تحيا زوجة داريوس، ووالدة إكسيركسيس!
إنكِ والدة إله، وكنتِ زوجة،
إلا إذا كانت الأقدار قد قلبت أيديها
ضدنا، وفشل معروفها القديم.
تنتابني، أنا أيضًا.
لذا تركتُ المخدع الذهبيَّ الأثاث الذي
كنتُ أُقاسِم فيه الملِك داريوس، لأبوح بمخاوفي الشخصية،
من أن تنقلب ثروتنا الواسعة، في طريق التهور.
ذلك السلام الجميل الذي بناه داريوس بمساعدة السماء.
تملأ بالي القلِقَ فكرتان وُلِدتا من هذا الخوف،
ومع ذلك، فإنني لا أجرؤ على الكلام؛ فأولًا، دنيا
الثروة هذه عديمة القيمة،
إذا افتقرنا إلى الرجال. ثانيًا، لن يبتسم الحظ
للرجال العديمي الثروة حسب ما تستحق قُوَّتهم.
هنا، الثروة تكفينا، بيْدَ أن مخاوفنا تكمن في أعزَّائنا.
وهل هناك شيء أثمن للبيت من سيده الحي؟
إنكم تعرفون كيف تسير الأمور، في مثل هذا القلق.
زوِّدوني بنصيحتكم، أيها الأصدقاء الفارسيون المُسِنُّون
والموثوق بهم؛
إذ كلُّ أملي في النصيحة الأمينة موضوعٌ فيكم.
أو لنتكلم، كما يحلو لسُلْطتكِ أن ترشدنا.
إليك ولاءَنا ومحبتنا، مع نصيحتنا الطيِّبة.
ليدمرَّ أيونيا Ionia،٣ أخذت الأحلام تنتابني في كل ليلة،
ولكني حتى الآن لم أَرَ حُلمًا واضحًا كالذي رأيته
في هذه الليلة الماضية. فأصغوا إليَّ: ظهرت لي
سيدتان، جميلتا الهندام،
إحداهما ترتدي الزيَّ الفارسي، والأخرى الزيَّ
الدورياني Dorian،
وكانتا رائعتَي الجمال، وفي قوامٍ
وقَدٍّ يَفُوقان مثيلَيهما في نساء عصرنا.
كانتا شقيقتَين من عشيرةٍ واحدة، لكلٍّ منهما ميراثُها،
إحداهما بلاد الإغريق، والأخرى آسيا. ويبدو أن هاتين،
السيدتين، كانت كلٌّ منهما تثير الأخرى إلى العراك.
فجاء ابني،
ومنعهما وروَّضهما، وربطهما إلى نير عربته،
وربط الأعِنَّة في عنقَيهما. وكانت إحداهما
فخورة بهذه السيور فخضعت للأعِنَّة.
أما الأخرى فناضلَت، ونزعت السيور من العربة،
وقذفت باللجام، وكسرت النير الخشبي قطعتَين.
فوقع ابني على الأرض، ووقف أبوه إلى جانبه.
وقف أبوه داريوس وأشفق عليه. فرفع إكسيركسيس بصره
فرآه، ومزَّق ثوبه. هكذا كان حلمي في هذه الليلة.
فاستيقظت، وغمستُ يدي في الينبوع الرائق المتدفق؛
وبعد أن تطهَّرتُ، ذهبت إلى وطيس المذبح، لكي أُصَلِّي
من أجل الخلاص من الشر، وأقدِّم
الضحية لمن يستحقونها. وبينما أنا واقفة، رأيت
نسرًا يطير طالبًا المأوى في وطيس أبولو،٤
فراقَبته فَزِعةً، في سكون؛ ثم جاء عُقاب،
وانقضَّ بأجنحةٍ مندفعة، فأمسك بمخالبه
رأسَ النسر؛ وإذ لم يقاوم هذا، قبع هناك،
مستسلمًا إلى الجِراح.
واجَهَتْ عينيَّ هذه العلاماتُ
بخوفٍ لا يقل عنه خوفُ آذانكم؛ لأنه — تأكَّدوا من هذا —
إذا تغلَّب ابني، غدا أعجوبةَ العالم؛ ولكنه
إذا أخفق، فما من حكومة يمكن أن تسأله،
سواء ربِحَ أو خَسِر. فطالما هو حي، فهو ملِك فارس.
ولئلا نبثَّ فيكِ الأمل. صلِّي للآلهة بخشوع،
واطلبي منهم أن يدرءوا عنكِ أيَّ طالعِ شؤمٍ رأيتِه،
وأن يُتموا الخير لكِ ولابنكِ،
ولفارس أيضًا، ولجميع أصدقائكم. بعد ذلك يجب أن تَسْكبي
السكائبَ للأرض وللموتى، وتحثِّي
زوجَكِ المفقود داريوس، الذي رأيتِه في هذه الليلة،
على أن يرسل لكِ ولإكسيركسيس، البركةَ من الأعماق،
وأن يحتفظ بكل ما ليس بركةً مُكَفَّنًا بأكفانٍ سميكة
في ظلامِ جوف الأرض. تخرج نصيحتُنا هذه
من قلوبٍ مخلِصة وحكم رزِين، وإنا لنتنبَّأ
بأنه إذا كانت هذه الطوالع طيبة أو رديئة، فإن
كل شيء سيكون خيرًا.
قد قرأتم حُلمي بما يناسب كُلًّا من ابني
والبيت الملكي. عسى أن يأتي كل شيء للخير.
سأعود، وسأعمل بنصيحتكم،
وأقدِّم هذه الطقوس للآلهة، وللموتى المحبوبين.
ولكن نبِّئوني: أين بُنِيَتْ أثينا، تبعًا لتقارير البشر؟
جنود أَنزَلوا، ذاتَ مرة، بالأسلحة الفارسية ضربةً مُفزِعة.
من الثروة في وطنهم؟
ولكنهم يحملون تروسًا قوية، ويحارِبون بالرماح يدًا ليد.
لقد أبادوا جيشَ داريوس العرمرم النبيل.
لمَن كان أبناؤهم في الجيش الآن.
(يدخل رسول.)
مقر الثروة المناسبة! لقد أطاحت ضربة
بعزَّتكم السعيدة؛ فسقطت زهرةُ كل شبابكم.
من القَدَر السيئ أن آتي بأول أخبار الهزيمة؛
غير أنه يتحتم عليَّ أن أفضي إليكم، الآن، بكل حقيقة الكارثة؛
أيها الفرس، ما عاد لأسطول مملكتكم ولا لجيشها وجود.
فَلْيبكِ كل قلب يسمع،
هذا الألم غير المرغوب فيه.
وأنا لا أزال أرى النور، وراء كل أمل، ورجعتُ ثانية.
إن محصول السنين الناضجة
لَهُو الحزن الجديد، والدموع المفاجئة.
وفي مقدوري أن أقص عليكم تفاصيلَ تلك الهزيمة العظمى.
ذهب جيشنا القوي
في السهام والسيوف والرماح،
إلى أرض هيلاس المقدسة.
تعجُّ بالجثث المتناثرة المقتولة في تعاستها.
غنيمةً للمحيط،
مقذوفين على قاعة المائج،
وانتشرت عباءاتهم المطوية على مساحةٍ واسعة
فوق المدِّ المغْرِق.
الحيازيم المصطفقة، راقَبنا أُمة تغرق وتموت.
على القَدَر القاسي الساحق
لأولئك الذين حكم عليهم مقْتُ الآلهة
بالهلاك هناك.
أما أثينا، فاسم يولِّد الألم في ذاكرتنا!
أثينا! مَن يمكنه أن ينسى
دَيْن سيداتنا الفارسيات،
وتلك الدموع البريئة التي سقطت
من أجل الزوج المفقود، أو الابن،
منذ ذلك الوقت البعيد في ماراثون Marathon؟٥
مبهوتةً بسوء الحظ؛ فهذه الأخبار بالغة الفظاعة، سواء في روايتها
أو في الاستعلام عنها. ومع ذلك، فإذ كُنَّا بشرًا،
يجب أن نتحمل الحزن عندما ترسله الآلهة. لهذا قف وأخبِرنا
بالكارثة كلها، رغم أن صوتك تخنقه العَبَرات. مَن منهم لم
يمُت؟ ومَن يجب علينا أن نحزن عليه
من قوَّادنا، الذين يترك الموت مكانهم شاغرًا؟
لمنزلي، كالفجر الأبيض بعد الظلام.
فيطفوا جريحًا بجانب صخور الشاطئ السيليني Silenian.
وأصاب رمحٌ داداكيس Dadaces، الذي كان يقود عشرة آلاف رجل،
فقفز مندفعًا إلى الماء من فوق سفينته.
وأما تيناجون Tenagon البكتريُّ Bactrian المولد،
والأول في صفوفهم،
فيغشى الآن الساحل المتآكل بفعل البحر، لجزيرة٦
موطن أجاكس Ajax.٧
وثلاثة آخرون، هم: ليلايوس Lilaeus، وأرساميس Arsames،
وأرجيستيس Argestes أُصيبوا، وشُوهدوا فوق سطح الماء حول
جزيرة اليمام،٨ ينطحون الصخور الجرانيتية. وأما ميتالوس
Metallus الخروسياني Chrysean،
الذي كان يقود عشرة آلاف جندي من المشاة، وثلاثين
ألف فارس،
كان يُطلَق عليهم اسم «الفرسان السود»؛ فعندما
قُتل، صُبغ شعر لحيته الكثة الصفراء، باللون الأحمر الدموي،
وغُمس في البحر القرمزي. ومات ماجوس العربي،
وبقي أرتاميس Artames البكتري في الخارج،
مقيمًا في أرض مقفرة. ومات ثاروبيس Tharybis، قائد خمسة
صفوف كل منها من خمسين سفينة، وهو
لوريناني Lyrnean المولد؛
لقي وجهُه الجميل نهايةً غير جميلة،
مسكين هذا البائس؛ لأنه لم يُدفن!
ونال سوينيسيس Syennesis، أشجع رجل في الجيش كله، وقائد القوات الكيليكية Cilician، الذي أهلك بذراعه الوحيدة عددًا من الأعداء أكثر ممَّن أهلكم أي فردٍ آخر؛ نال مجدًا عظيمًا، وهو الآن في عِداد الأموات.
هذه هي قائمة القوَّاد الذين لقوا حتفهم،
ومع ذلك فلم أذكر للآن سوى القليل من عدة آلاف ميتة.
التي جلبت على فارس، العار والخسارة وألم الحزن.
ولكن ارجعْ بقصتك الآن إلى الوراء، وأخبِرني بهذا:
كم كان عدد السفن الهيلينية التي
تجاسَرت على مهاجمة أسطولنا، حيزومًا بحيزوم؟
كانت كل القوة الهيلينية مكوَّنةً من ثلاثمائة سفينة،
غير عشر سفن حربية منتقاة.
وأعرف أنه كان لدى إكسيركسيس
ألف سفينة في القيادة، من بينها مائتان وسبع سفن سريعة بصفةٍ خاصة، هذه هي النسبة. والآن، هل تقولين إننا دخلنا المعركة بقوةٍ ضعيفة؟ كلَّا، فإن النتيجة كانت توضِّح كيف كانت الآلهة تُمسِك الميزان
ضدَّنا بأيدٍ محابية، فأهلَكَتنا جميعًا.
إن الآلهة هي التي تحافظ على أن تبقى مدينة أثينا سالمة.
مَن تَقَدَّم أولًا وضرب الضربة الأولى؟ أهُم الأغارقة،
أو ابني الجريء المبتهِج بسفنه التي يخطئها الحصر؟
جاء رجل هيليني من الجيش الأثيني، وأخبر ابنَكِ إكسيركسيس بهذه القصة: بأنه ما إن يُرخِي الليلُ سدولَه،
حتى لا يبقى الهيلينيون، وإنما يقفزون إلى ظهور السفن ويركنون ويركنون إلى الفرار من طريقٍ سريٍّ،
فيجذفون ناجين بحياتهم. فعندما سمع إكسيركسيس هذا، ولم تكن لديه أية فكرة عن خدعةِ ذلك الرجل، أو عن غيرة الآلهة، فأرسَلَ هذه الكلمة لجميع قوَّاده: «عندما تكفُّ الشمس عن إطلاق لهيبها ليُدفِئ الأرض، ويسيطر الظلام على بلاط السماء، صُفُّوا القِسم الأساسي لأسطولنا في ثلاثة صفوف، لحراسة المداخل والمضايق الملتوية.» ثم أرسَلَ سفنًا أخرى لتسير بالمجاذيف حول الجزيرة، مهدِّدًا بأنه إذا شقَّت السفن الإغريقية طريقًا للنجاة من الموت، فإنه سيقطع رأسَ كل قائد فارسي. فأظهَرَ بهذه الألفاظ كيف طمس تجاهُلُه للآلهة عقلَه.
وعلى ذلك كان بحَّارتنا في نظامٍ جيد، وطاعة لأمره تناوَلوا طعام العشاء، ثم ربط كل مجذِّف مجذافَه إلى وتدِ التجذيف الناعم، وعندما غربت الشمس وأقبَلَ الليل، أقلع جميع المجذِّفين، وكل الجنود الثقيلي التسليح، ونادوا من صفٍّ إلى صف، وهتف كل واحدٍ للآخر مجذِّفين في طريقهم تبعًا للأوامر الصادرة إليهم. واحتفظ القوَّاد طول الليل بكل قواتهم تَجُوب البحرَ هنا وهناك خلال المضيق.
وكان الليل قد أخذ في الرواح، ولم تَبْدر من الهيلينيين أيةُ بادرةٍ تدل على محاوَلتهم التسلُّل خُلْسة،
حتى أضاءت أخيرًا على الأرض خيولُ النهار البيضاء،
فملأت الجو جمالًا. بعد ذلك صدرت من السفن الهيلينية
صيحةُ الحرب الحادة كأنها أغنيةُ الفرح،
فأجابتها صيحةٌ مدوية من صخرة الجزيرة.
عندئذٍ عرف الفرس خطأهم، وتملَّكَ الذعرُ كلَّ رجل.
لم يكونوا هاربين أولئك الذين أنشدوا تلك الأنشودة المفزِعة
وإنما كانوا الهيلينيين يهجمون بقلوبٍ جريئة
إلى المعركة. ودوَّى البوق عاليًا بين صفوفهم.
وفي الحال تحرَّكت مجاذيفهم المحوطة بالزَّبَد، على وتيرةٍ واحدة،
تضرب الأمواج المِلْحة على نغمة «أشعة الشمس»،
وسرعان ما لاح كلُّ أسطولهم أمام البصر،
ظهر جناحهم الأيمن في بادئ الأمر،
في نظامٍ دقيق، ثم أقبلت جميع الصفوف،
وفي تلك اللحظة بلغت آذانَنا صيحةٌ عظيمة:
«إلى الأمام، يا أبناء هيلاس! حرِّروا مملكتكم!
وحرِّروا أبناءكم، وزوجاتكم، ومقابر أسلافكم،
ومعابد آلهتكم. فالجميع في خطر: هيَّا، إلى القتال الآن!»
وردًّا عليهم، من جانبنا، علَتْ ضجَّة
كبرى من الأصوات الفارسية، لقد أتت الساعةُ الحاسمة.
وفي الحال، اصطدمت سفينة بأخرى، بمقدمها النحاسي.
بدأت الهجومَ سفينةٌ هيلينية، فقصفت كلَّ مؤخر
سفينة حربية فينيقية. ثم تلا الهجومَ هجومٌ
من كل جانب. فأولًا، بكامل عزمه الضخم، قاوَم أسطولنا.
ولكن سرعان، في تلك المدة البسيطة،
ما انشقت سفنُنا بالمئات، ولم تستطِع أية واحدة منها
أن تساعد الأخرى.
فأخذت كلٌّ منها تضرب الأخرى بمقدمها البرنزي، وبعضها تجرَّد من كل مجذاف. في تلك الأثناء، أحاط بنا
العدو في حلقةٍ وهَجَم. فانقلبت سفنُنا،
واختفى سطح البحر مفروشًا ببِساطٍ من الحطام،
والقتلى، وامتلأت كل الشواطئ والحواجز بالموتى.
بعد ذلك خرجت كل سفينة لدينا من الصف،
وأخذت تجذِّف لتنجو بحياتها.
فأمسك الهيلينيون بقِطَع كثيرةٍ من الحطام ومن المجاذيف المكسورة،
وشطروا رجالَنا السابحين في البحر، وطعنوهم
كما يقتل الصيَّادون سمكَ التونة أو أي صيدٍ في الشبكة.
وكان البحر كله صرخة واحدة من الصياح وأنين الموتى،
حتى جاء الليل والظلام، فأخفيا هذا المنظر، ولو تكلمتُ لمدة
عشرة أيام وعشرِ ليالٍ، لَمَا أمكنني أن أخبركم بكل آلام ذلك اليوم، ولكن اعرفوا هذا: لم يسبق أن مات في يومٍ واحد مثل هذا العدد العظيم من الرجال.
الذي حاق ببلاد الفرس وبكل عشيرة شرقية!
تأكَّدوا أن ما بقي منها يربو على ضِعف ما سبق.
ماذا بوسع أسلحتنا أن تتكبَّد ليربو على كل الآلام السابقة؟
فأولًا، في ولاءٍ ثابت للملِك نفسه،
غاصوا في حمأة الموت الزُّؤَام.
جزيرة صغيرة، لا تصلح لرسو السفن؛
حيث يسير بان Pan١٠ الراقص على طول شاطئها الملحي،
فأرسلهم إكسيركسيس إلى هناك، حتى إذا ما نزل الأعداء
من سُفنهم وناضَلوا للوصول إلى شاطئ تلك الجزيرة،
استطاعت القوة الفارسية أن تنقضَّ عليهم في غير ما عناء
وتنقذ البحَّارة الفرس من الغرق في البحر؛
فيا له من سوء تصرُّفٍ قاتل! وعندما منحت السماء،
في الموقعة البحرية،
المجدَ للهيلينيين، في نفس ذلك اليوم،
أتَوْا مسلَّحين بتروس ورماح برنزية، وقفزوا من سفنهم،
وضربوا حصارًا حول الجزيرة كلها، حتى لا يعرف رجالنا أين يذهبون؛ فنزل عليهم أولًا وابلٌ من الضربات بالحجارة المقذوفة باليد، ثم من أوتار القِسِيِّ المشدودة
انطلقت السهامُ لتقتل، وأخيرًا بصرخةٍ وحشيةٍ واحدة
انقضَّ عليهم الهيلينيون، فقطعوا وبتروا
أعضاءهم كالجزَّارين، حتى مات آخِر رجل تعيس منهم.
رأى إكسيركسيس مبلغَ الفظاعة هذه، بجانب البحر
وهو جالس فوق ذُرْوةِ تلٍّ مرتفع، حيث يستطيع أن يراقب بوضوح
كلَّ قواته في البحر وفي البر. فولول بصوتٍ مرتفع،
ومزَّق ثيابه وهو يبكي، وفي الحال صَرَفَ
جيشه، وحثهم على الفرار بسرعةٍ في غير نظام.
وهكذا يأتيكم هذا بحزنٍ جديدٍ ليختلط مع الأول.١١
خرج ابني ليذوق حلاوةَ الانتقام من أثينا،
فوجدها مُرَّة. ألم يكْفِ مَن ماتوا قبلًا في ماراثون؟
لم يربح إكسيركسيس لنا الانتقام،
بل جرَّ علينا عالمًا من الآلام.
ولكنْ، خبِّرْني الآن، أية سفن من تلك هربت؟
أين تركتها؟ ألديك أية أخبار معينة؟
وعذَّبهم الجوع والعطش والتعب. ناضَل بعضُنا في الوصول أخيرًا إلى فوكيس Phocis والخليج الميلياني Melian،
حيث يتجول سبرخيوس Spercheius خلال السهل الظمآن.
وبعد ذلك وصلنا إلى أخايا Achaea، ثم إلى تساليا،
نصفَ أمواتٍ من افتقارنا إلى الطعام؛ فماتت هناك أعداد كبيرة
من الظمأ والجوع؛ لأننا قاسَينا كليهما. ومن هناك بلغنا ماغنيسيا Magnesia، ومقدونيا، ومخاضة نهر أكسيوس Axius، ومستنقع بولبي Bolbe، الزاخر بعيدان الغاب، وجبل بانجايوس Pangaeus في إيدونيا Edonia.
في تلك الليلة، أيقظ أحدُ الآلهة الشتاءَ قبل موعده بمدةٍ طويلة؛ فتجمَّدَ سطح سترومون Strymon المقدَّس. فمَن كانوا من قبلُ مُلحِدين، خرُّوا رُكَّعًا عابدين الأرضَ والسماء؛
وارتفعت من الجيش كله صلواتٌ عِدَّة.
بعد ذلك ساروا فوق الجليد الصلب؛
فالذين بدءوا يَعْبرون، منا،
قبل أن ترسل الشمس أشعتها المقدَّسة،
نجوا. ولكن سرعان ما سطعت أشعتُها كاللُّهُب الثاقبة،
فصهرت الجليدَ في وسط المجرى؛ فزلَّت أقدامُهم مُكْرَهة،
وسقط الرجال فوق الرجال في الماء. فمَن مات
بسرعة كان أسعد حظًّا. والحفنة التي نجت،
كابَدَت متاعبَ جمة، فشقَّت طريقها بصعوبةٍ عبر تراقية
إلى بر الأمان، وأخيرًا وصلت إلى أرض الوطن.
وهكذا يحقُّ لمدن فارس أن تحزن على شبَّانها المفقودين.
ما قلتُه هو الصدق، ومع ذلك فجميع ما رويته ليس سوى جزءٍ
يسيرٍ من كل البلاء الذي أرسَلَه الله لتحطيم فارس.
هجومكِ ووَطْأَكِ الأمةَ الفارسية كلها!
أيها الحُلْم الحي الذي أضأْتَ ظلامَ نومي،
ما أوضح ما حذَّرتني من قبلُ بتلك المصيبة!
وأنتم، أيها المستشارون، ما أخفَّ تفسيركم!
ومع ذلك، فبما أنكم نصحتموني بالصلاة، فقد نويتُ أولًا: أن أنادي آلهة السماء، ثم أُعِدَّ في بيتي دقيقًا وزيتًا وعسلًا، ثم أعود فأقدِّمها هديةً للأرض وللموتى.
أعلمُ أن ما حدث، حدث؛ ورغم هذا، فسأقدِّم ذبيحةً أملًا في أن يأتي الزمن بقضاءٍ أفضل.
وفي تلك الأثناء، يجب عليكم أن تتشاوروا، فيما
يختصُّ بخسارتنا الحاليَّة،
مع مستشارين أُمَناء آخَرين، فإذا رجع ابني وأنا غائبة،
فهوِّنوا عليه الأمر، وأوصِلوه إلى البيت بسلام،
لئلا يعمل اليأس على تراكُم حزنٍ فوق حزن.
(تخرج أتوسا مع الخَدَم والرسول.)
كبرياءَ الدولة الفارسية الواسعة المتغطرسة،
ولفَّتْ شوارع صوصة١٢
في ضباب من الحِداد الكئيب،
فترى الآن نساء عديدات، مشتركات في حزنٍ واحد،
يشققْنَ الخمار نصفَين بأيدٍ رَخْصة بيضاء،
ويبللْنَ صدورَهن المطويَّة
بدموعٍ دافقةٍ كالأنهار،
وتخرج العرائس الحديثات الزواج من فُرُشهن الحريرية
من الشباب والمتعة والتَّرف الناعم،
يعوِّلْنَ بتأوُّهاتٍ رقيقة
من أجل سادتهن المنتزَعين منهن،
بينما يأكل الألمُ الشديدُ القلبَ كأنه الجوع.
ننضمُّ نحن إلى هؤلاء في الحِداد
على مصير أولئك الراحلين.
اسمعوا هذه الأنَّةَ المُتَّهِمة التي ترتفع الآن
من كل أرضٍ آسيوية تجرَّدت من الرجال:
مَن قادهم إلى هناك، غير إكسيركسيس؟
مَن خَتَمَ بالموافَقة على موتهم، غير إكسيركسيس؟
خطأ مَن، ذلك الذي أرسل كلَّ رجالنا في السفن بحرًا،
وفقدنا الجميع، ما عدا إكسيركسيس؟
ابن داريوس، الذي لا يُقهَر،
قائد النبالين الفارسيين
المحبوب من جميع شعبه!
وضع رجال البر، ورجال البحر، ثقتَهم
في مراكبَ ذات أجنحة من القماش وعيون في زُرقة البحر،
وحَمَلتهم سفنٌ من الوطن،
وأخيرًا أهلكتهم سفن؛
سفن يديرها الأيونيون، في مقدمها الموت،
وهرب الملك نفسه
في رحلات شتوية شاقة،
ناجيًا بحياته عبرَ سهول تراقية.
وأولئك الذين كانوا أول مَن ماتوا،
تُرِكوا هناك، الآن قسرًا عاجزين،
وجُرِفوا على طول الشاطئ الكوخرياني Cychrean.١٣
ارفعوا أحزانكم عاليةً إلى السماء، وابكوا
بألمٍ مرير، وتأنيبِ ضميرٍ عديم الجدوى،
إلى أن يكلَّ القلب، ويمرض اللحم.
هناك ترقد تلك الصورة المحبوبة كثيرًا،
محصورة بحركة جَزْر التيارات المائية،
فتولم عليها أسراب عديمة الصوت،
أولاد المحيط الطاهر.
هنا، يبكي كلُّ بيتٍ رجلًا،
وينوح الآباء الذين ثَكِلوا أبناءهم
فالمتاعب التي أرسلتها الآلهة
تُنهِي بالحزن حياتَهم الطويلة المدى.
ما عادت الأمة الآسيوية، من الشرق إلى الغرب،
تابعةً لسلطاننا الفارسي؛
ولا عندما يجبرها الملك
أن تدفع الجِزْية، ولا تضع وجوهَها في الأرض
خضوعًا؛ لأن القوة الملكية
قد ضاعت واختفت منذ هذه الساعة.
ما عاد الخوف يُلجِم الكلام،
وسيثرثر اللسان العادي بغير ضابط،
في حرية؛ لأن نِير الحكومة
يرقد مكسورًا على الشاطئ الدامي،
وفي حقول سالاميس التي تُخفي
خرائبَ عزَّتنا الفارسية.
(تدخل أتوسا وحدها.)
عندما تهجم علينا أمواجُ المتاعب، فكل حادث جديد
يملؤنا فزعًا، ولكن عندما تهبُّ ريحُ الحظ رقيقةً،
نفكِّر في التمتع بنفس الطقس اللطيف طول حياتنا.
والآن، إذ تنتابني المخاوف، أرى غضب السماء في كل تهديد،
وترنُّ في أذنيَّ نغمات لا تحوي أية تعويذات شافية؛
لقد صدمَتْ هذه الأخبار المحزِنة عقلي صدمةً فظيعة؛
لذا جئتُ على قدميَّ وبغير خَدَم
عائدة من القصر، ومعي الهدايا التكفيرية
لوالد ابني، كي تلطف الأرواح الراحلة.
جئتُ باللبن، الحلو والأبيض، من بقرة عديمة
البقع، وبإبريق
العسل المُحَلَّى برحيق الأزهار، وبالماء الرقراق، المأخوذ
من ينابيع بِكْر، ومن الحقول، هذه الجرعة غير الممزوجة،
تلك الروح المسرعة لوالدتها الكرمة العتيقة،
وهنا أيضًا، الزيت الطيِّب الرائحة،
المأخوذ من الزيتون الزاهي، الذي
يزدهر في الأشجار الدائمة الخضرة، وأخيرًا هذه
الأكاليل، المضفورة بالأزهار،
أطفال الأرض منتجة الجميع.
لذا، ساعِدوني يا أصدقائي، في تقديم هذه السكيبة للموتى،
وبتراتيل الخشوع، استدعوا داريوس من قبره،
بينما أقوم أنا، تكريمًا للآلهة التي تحكم في العالم السفلي،
بسكب هذه الهدايا لتهبط في الأرض الظمأى.
أن تصبِّي سكيبة النبيذ في الأرض ذات القصور،
بينما نستدعي نحن بالأناشيد
مُرشِدي أرواح الموتى، للصالح.
اسمع، يا ملك الظلال، وأنتم يا جميع القوات السفلى،
هيرميس، والأرض: أرسلوا هذه الروح إلى النور؛
لأن داريوس وحده،
قد يعرف، بما فوق حكمتنا،
علاجًا ما، يُرينا كيف ننقذ أرضنا.
وهل ملكنا المبارك، الشبيه بالآلهة، يسمع الآن
توسُّلنا القوي المنشود
بنغماتٍ متغيرةٍ من نغمات الألم والخوف
باللغة الفارسية الصعبة؟
أو هل يلزم أن نجعل أحزاننا الصارخة تدوي
لتخترق الأرضَ غير المكترثة
وتوقظ أُذنَ داريوس؟
اسمعوا، يا جميع القوى السفلى، والأرض:
امنحوا ذلك الرأس الشبيه بالآلهة،
الذي ولدته صوصة،
ذلك الروح العظيم، أن يصعد؛
أرسِلوه من الأعماق حيث يرقد الآن،
الذي لا يرقد مثيله بين الموتى الفارسيين.
لقد أحببنا داريوس حُبًّا جمًّا،١٤
ونُعزُّ قبره أيما إعزاز،
حيث يرقد قلبه الآن مُخَبَّأً،
الذي كانت أفكاره عزيزة لدينا.
أطلقوه، أيدرونيوس Aidreneus!
أرسِلوا ملكنا الشبيه بالآلهة!
اسمع، يا أيدرونيوس المرهوب!
لم يحدث قط للملك داريوس
أن تأثَّر بحماقة الحرب الجشعة،
فأرسل أرواحًا لا تحصى إلى الجحيم.
كنا نسمِّيه «حكمة الله»،
وكانت تقوده حكمة الله،
فقاد شعبه بحكمة.
يا ملك الأيام الماضية، يا سلطاننا!١٥ تعالَ، واظهر!
قف فوق أعلى صخرة على قبرك، يا ملك ملكنا،
مرتديًا الزيَّ الملكي، الذي اعتدتَ أن تلبسه،
الحذاء الزعفراني، شعار الملكية!
اسمع يا داريوس، يا أبانا وحافِظنا،
قصتنا ذات الآلام غير المنتهية والصعبة التسمية!
ينزل الظلام والفزع بأجنحة ستوجية Stygian؛
شبابنا قبض عليهم الموت وازدردهم.
اسمع يا داريوس، يا أبانا وسيدنا وحافِظنا!
أيها الملك الذي نبكي على فقده بمحبةٍ وبدموع،١٦
سفننا ذات السطوح الثلاثة، لم تعُدْ سفنًا، أبدًا، أبدًا!
(يصعد شبح داريوس.)
يا أعظم الناصحين إخلاصًا، أي عمل يشغل بال حكومتنا؟
لماذا تشقَّقت الأرض المتأوِّهة وجُرِحت؟ أرى
زوجتي تزور قبري، ويأمرني الخوف بقبول
سكائبها بسرور. كذلك أراكم على قبري
تبكون بطلباتٍ مُلِحَّة وبألمٍ شديدٍ حاد،
تستدعون روحي الراحلة. لذلك رغم أن الصعود
من هاديس Hades١٧ ليس بالرحلة السهلة، وقوات
الأرض على استعداد لتتسلم أكثر منها لتسمح بالذهاب،
إلا أنني لما كنتُ أحظى بالعظمة بينهم، أتيتُ.
تكلموا بسرعة، حتى لا أتأخر أكثر من المهلة المحددة لي،
أيُّ عبءٍ مفاجئ من الأزمات يُثقِل كاهلَ فارس الآن؟
كما يمنعنا الاحترام من التكلم في حضرتك؛
إننا نرهب جلالتك الآن كما كنا نرهبك من قبلُ.
اطرحوا عنكم رهبتَكم للعظمة، وقصُّوا حكايتَكم غير مطولة،
أوجِزوا وأخبروني بما تريدون أن تقولوا.
ومنا أجل الاحترام لا نجرؤ على الكلام أمامك،
ومن أجل الإخلاص لن نتكلَّم لئلا نُحزِنك.
تكلَّمي، أيتها الملكة أتوسا، يا شريكةَ فراشي الملكية؛
كُفِّي عن هذا النحيب والعَبَرات، وكوني بسيطة.
فالحزن من نصيب الرجال،
ويجب عليهم أن يتحمَّلوه. تأتي الأحزان من البحر ومن البر،
وتتضاعف شرور البشر مع تقدُّم السنين الفانية.
كنتَ مباركًا في حياتك، أنت الذي بينما كنتَ ترى الشمس،
عشتَ سنين طويلة لا تَشُوبها شائبة، كإله فارس المحسود،
وإنك لَمحسودٌ الآن في الموت الذي لم يؤلمك
برؤية هاوية الدمار. إذن فاسمع كل شيءٍ باختصار:
لقد وُضِع اسم فارس العظيم وإمبراطوريتها في التراب.
ضرب زوس، في خلال جيل واحد، فوقعت
على ابني فحْوَى تلك الإيماءات التي كنتُ
أثِق بأن الآلهة ستُرجِئها عدة سنوات.
ولكن السماء تلعب دورها، سواء بالخير أو بالشر، في حياة الإنسان الخاصة.
إذن، فقد فُتِح لبيتي كله الآن ينبوعٌ من الأحزان لا يَنضبُ مَعِينه،
وكان ابني، بتهوُّر الشباب،
وبغير أن يعلم طرقَ الآلهة، السببَ في كل هذا.
كان يأمل في أن يُوقِف ذلك المجرى المقدس، البوسفور،
ويقيِّد الهيلليسبونت بالأغلال كما يُقَيَّد العبد؛
يريد أن يغير مسيرَ الطبيعة، ويحوِّل البحر إلى أرضٍ يابسة، ويقيِّد
مضيقًا بالحديد، ليعدَّ طريقًا لجنوده.
ظنَّ في حماقته البشرية أنه سيتغلَّب
على الآلهة الخالدة، حتى بوسايدون Poseidon١٨ نفسه!
ألم يكن هذا جنونًا استولى عليه؟!
والآن، أخشى أن تقع ثروتي التي ربحتها بكل عناء،
فريسةً لأول ناهب.
أخبروه بأنك، والده، قد ربحتَ بسيفك
ذهبًا أثرى به أولادك؛ بينما هو كشخصٍ جبان،
لم يربح مزيدًا، وقام بدور المحارِب في وطنه؛
فوضع خطةَ هذه الحملة على هيلاس، هذه الأسلحة
الشاسعة الامتداد،
ضاعت بالتقريعات المستمرة لمثل أولئك الرجال الأشرار.
والتي لا تُقاس، لم يحدث قطُّ أن جعل مثلُها أرضَنا الفارسية
بلقعًا، منذ أن أصدر زوس هذا الأمر، أولًا،
أن رجلًا واحدًا، قابضًا على زمام العرش والصولجان،
يجب أن يكون
سيدَ كل مَراعي آسيا المستوية. فجاء ميدوس Medus أولًا،
وقاد هذه الأمة، ثم ابنه، الذي سيطرت حِكمتُه على إرادته،
وقام بمنصب الملك. وكان قورش Cyrus المحظوظ ثالث ملك؛
ذلك الذي، بينما كان يحكم، بارَكَ الأرضَ بالسلام؛
فأضاف إلى إمبراطوريته لوديا Lydia وفروجيا Phrygia،
وأخضع أيونيا بالقوة، ولم يُثِر
أيَّ غضب للآلهة؛ لأن قلبه كان حكيمًا.
والرابع بعد ذلك هو ابن قورش، الذي حكم البلاد.
والخامس ماردوس Mardus، الذي جلب العار
على مملكته وعلى العرش القديم.
بيْدَ أن أرتافيرنيس Artaphernes الشجاع وأصدقاءه تآمروا عليه
وقتلوه في قصره. وأخيرًا نِلتُ أنا ذلك المركز
الذي كنتُ أصبو إليه. وكان لديَّ كثيرٌ من الجيوش،
وقدتُ عدة حملات،
ولكني لم أُنزِل ببلدي ضربةً كهذه.
إكسيركسيس ابني صغير، وعقله شاب،
نسي جميع تعليماتي. تأكَّدوا من هذا
يا مستشاريَّ: انظروا تجدوا أن جميعنا،
نحن الملوك الفارسيين مجتمعين،
لم نسبِّب لبلادنا مثلَ هذا الضرر.
من جميع ما قلتَ؟ كيف، بعد هذه النكسة،
نعمل نحن وفارس، لخير صالحها؟
ما كانت عليه،
لا تستخدموا أية أسلحة ضد أرض هيلينية.
لن تستطيعوا النصر، والأرضُ نفسها ستقاتل إلى جانبهم.
بالقحط أيةَ قوةٍ تربو على الحجم المتوسط.
ستعود سالمةً إلى الوطن.
إذا كنا نعلم من دليل هذا اليوم، أن نصدق
النبوءة الإلهية، التي ستتم بكل تأكيد
لآخِر حرفٍ فيها. لذلك، كانت الآمال عبثًا، التي
بها ترك إكسيركسيس الآن خِيرةَ رجاله
حيث ينشر الأسوبوس Asopus تيارَه الثمين ليخصب
السهل البيوتي الجاف، الذي ينتظرونه. وهناك أيضًا
ينتظر الدمار والألم غير المعروف الذي يجب أن يقاسوه؛
الجزاء الوفاق للزهو والوقاحة في حق الآلهة؛
فقد ساروا خلال هيلاس، وبغير وازع، حطَّموا
تماثيلَ الآلهة، وأحرقوا المعابد، وسَوَّوْا بالأرض المذابح والمباني
المقدسة، حتى صارت الآن كومًا واحدًا من الأنقاض؛
لذلك سيتعادل تدنيسهم لمحارم الآلهة، مع آلامهم.
وسيأتي أكثر من هذا؛ لأن ينبوع ألمهم
لم يجفَّ بعدُ، وسرعان ما سيتدفَّق بلاءٌ جديد.
فوق السهل البلاتاياني Plataean، سيسكب
الرمح الدورياني
الدمَ في تضحيات لا حدودَ لها، وسيتراكم الموتى فوق الموتى
ليشهدوا لمدة ثلاثة أجيال من الآن
على أن الإنسان فانٍ، ويجب أن يتعلَّم كبْحَ جِماحِ كبريائه؛
لأن الكبرياء ستزهر، وسرعان ما ستغدو ثمرتُها الناضجة
إغراءً، ومحصولُها المرير الدموعَ.
انظروا إلى حماقتهم وإلى جزائها، وتذكَّروا
أثينا وهيلاس. ولا يحتقرنَّ أيُّ رجل
ما لديه من ثروة، طمعًا في المزيد،
فيضيِّع ثروته بدون ثمرة؛ لأن زوس، المتوَّج في الأعالي،
يكبح بقسوةٍ جِماحَ البشر المزهوين والمتغطرسين.
أمَّا بخصوص ابني، فبما أن السماء حذَّرته، كي يكون حكيمًا،
فعلِّموه بعقلٍ سليم، وانصحوه
ليكفَّ عن إهانة الرب بالصَّلَف والمحاوَلات التهوُّرية.
وأنتِ، يا زوجتي العزيزة، عُودِي إلى البيت، وأحضِري ملابسَ جميلة، واذهبي لمقابَلته؛ فالثيابُ التي يرتديها عبارة عن أسمال ممزَّقة؛ بقايا ثياب ملكية فاخرة،
تمزَّقت إبَّان ألمه الشديد، هي كل ما ترك الحزنُ له.
تحدَّثي إليه في رِفق؛ لأنني أعرف أن صوتكِ وحده،
سيمتلكه ويهدِّئ من روعه.
والآن يجب أن أعود إلى الظلام السفلي.
وداعًا، أيها المستشارون!
وَلْتتذوَّق روحُكم مَسرَّات كل يوم، على الرغم من الأحزان؛
فلا فائدةَ للموتى من كل كثرة.
(يخرج شبح داريوس.)
التي أصابت الآن الجيش الفارسي، والتي لا تزال تنتظره!
بيْدَ أنه ما من حزنٍ أشد من هذا؛
أن أسمعَ مبلغَ تعاسة ابني في ثيابه، ممَّا يُخلُّ بشرفه.
سأذهب
وأحضِر ثيابًا من القصر وأُعِدُّ قلبي
لمقابَلته، ولن أتخلى عنه في ساعة الحاجة.
(تخرج أتوسا.)
والذي لا يُقهَر، يَحكم على فارس كإله،
زَيَّنَت العظمةُ والثروة مدينتَنا،
وكسبت لنا جيوشُنا شهرةً في عيون العالم،
فكانت قوانيننا حِصنًا يحمي الحكومة ويرشدها،
وعاد رجالنا من القتال بدون خسائر، وبغير تعب،
منتصرين لأوطانهم.
فكم من مدينةٍ استولى عليها دون أن يَعْبر
نهرَ هالوس Halys أو يغادر أرضَ وطنه!
فالمناطق القريبة من مصبِّ نهر سترومون، والمساكن التراقية،
وكثير من ولايات الجزر، والمدن البرية
المحوطة بالأحجار، تعترف به سيِّدًا؛
وكانت المدن المطلة على الهيلليسبونت بفخر،
وبروبونتيس Propontis القصية، ومَصب النهر الشمالي،
والجزر المحاذية للأرض التي يبلِّلها البحر
على شاطئنا الغربي ساموس، بستان الزيتون،
ولسبوس Lesbos وخيوس Chios وباروس Paros،
وموكونوس Myconos؛ من ممتلكاته،
وكذلك ناكسوس Naxos وأندروس Andros الواقعة بقرب
تينوس Tenos.
كما حكم داريوس، فضلًا عن هذه، على الجزر الداخلة في البحر الواقعة في منتصف المسافة بين أوروبا وآسيا: ليمنوس، وإيكاروس Icaros، ورودس Rhodes، وكنيدوس Cnidos، والمدن الكوبرية بافوس Paphos، وصولي Soli وسالاميس اللعينة ذات الاسم المرهوب، سبب كل دموعنا.
وله في أيونيا أيضًا، تلك المدن الهيلينية الغنية والآهِلة بالسكان.
فقد حكم داريوس بحسب رغبته،
وكانت تتحرك بكلمته قوةٌ من المحاربين لا تعرف الكَلَال،
هي خليط من كل جنس.
أمَّا الآن، فقد أعلن الربُّ مشيئتَه، وعَكَس حظنا؛
فحطَّمَنا البحرُ والحربُ وهزمانا.
(يدخل إكسيركسيس، ممزَّق الثياب، يَتْبعه جنديان أو ثلاثة جنود.)
عليَّ دون أن أراه. كم هي مريرة لعشيرتي
ضرباتُ مَقتِ السماء الوحشي!
إلى أين أذهب لأُخفِي رأسي؟
لقد فقدَتْ أعضائي المرتجفة فائدتَها
عند رؤية أولئك الرجال الحازمين. أواه، يا زوس!
ها قد لفَّنِي الموت مع الموتى!
وا أسفاه، على كل ذلك الجيش النبيل!
زهرة الرجولة، وفَخْر آسيا،
الذي حكمت عليه الآلهة بالعار المميت!
إن أرضنا لَتَنُوح على الرجال الذين ولَدَتهم،
الذين قتلهم إكسيركسيس، الذي أَطعَم
فكَّي الجحيم الجائعين بموتى فارسيين؛
سادة القوم، وفخر مملكتهم،
ساروا في الطريق القاتم وماتوا،
غاب ألفُ ألفٍ من الوجود.
وا أسفاه، وا أسفاه، يا سيد مملكتنا!
تلك القوة التي وضعنا فيها ثقتنا،
تضعضعت أمام السيف الهيليني،
فأحنَتِ الركبةَ وعضَّت الثَّرَى.
الطريد المقيت والمأسوف عليه،
المولود لأحطِّم عشيرتي.
بموسيقى غير محبوبة،
وبحِدادٍ شرقي،
وبوجهٍ مُقنَّع دامع.
ذات النغمات المحزِنة غير المنسجمة؛
فقد هجَرَني الحظ والسرور،
وحلَّ محلَّهما الحزن.
ولتحطيم أسطولنا،
نُنشِد أنشودة حزننا
حتى يكلَّ القلب ويُبَحَّ الصوت،
بدموعٍ وأنين يُردِّد صدى
حِدادِ الوطن الأم
على أبنائه الذين ذهبوا إلى الحرب.
القوية في سُفنها الحربية المعدنية؛
غير أن أريس Ares١٩ ساعَدها أكثر من السفن
في حصد المحصول الدموي
لذلك الشاطئ المنكود الحظ.
أين المحاربون الشجعان
الذين كانوا يقفون إلى يمينك؛
صوصاس Susas، وفارانداكيس Pharandaces،
وأجداباتيس Agdabates وبساميس Psammis،
ودوتاميس Dotames وسوسيسكانيس Susiscanes؛
سادة أرضنا العزيزة؟
تركتُهم حيث سقطوا
قَتْلى من سفنهم، وطفوا
محطَّمين على الصخور المسنَّنة
بقوة البحر الرقيقة.
وأريوماردوس Ariomardus؛ وكلهم أمراء باسلون؟
وليلايوس Lilaeus وممفيس وثاروبيس،
وهوستايخماس Hystaechmas وأرتيمباريس؟
لماذا تترك حزنًا واحدًا دون أن تخبرنا به؟
رفعوا عيونَهم
ورأَوْا أسوارها العتيقة؛
فكل رجل أبصرها ارتعد،
ونزل إلى الموت يائسًا،
وهناك يرقد إلى الأبد.
الذي عدَّ كل جيوشك،
ابن باتانوخوس Batanochus،٢٠ ألبيستوس Alpistus،
هل هو من المفقودين؟
أهناك مزيد من الأحزان لفارس؟
أين بارثوس Parthus وأويباريس Oebares العظيم؟
هل تركتَهما هناك، تركتَهما
وقد حطمَتهما الصخورُ وتقاذفَتهما الأمواج؟
إنكم تمزِّقون قلبي شوقًا
إلى كل صديقٍ نبيل.
إكسانثيس Xanthis الذي قاد المارديين،
ودياكسيس Diaexis وأنخاريس Anchares،
لماذا لم يتبع أحدهما
عربة سيده الملكية؟
ولقوا جميعًا حتفهم.
الواضحة وضوح الغضب القاسي،
المشيرة إلى لمحة إحدى الفوريات!
سلاسل هذا البلاء.
مَن كان بوسعه أن يتنبَّأ بمثل هذا الألم؟ فبحَّارة الهيلينيين
في يوم نحس فارس،
أحضروا سفنهم للقتال،
وانتزعوا منا عِزَّتنا.
وجَعْبة سهامي هذه.
المُنقَذ من ذلك العتاد الضخم؟
ووحشيةٌ هي الأعمال التي قاموا بها.
وشققتُ ثوبي نصفَين.
انصرفوا، انصرفوا، إلى بيوتكم.
واقرعوا صدوركم من أجلي.
يا يد القضاء المُبْكِية!
أيها الملك، إننا نبكي من أجلك.
ونوحوا عاليًا من أجلي.
تختلط الضربات الجارحة بعويل الحزن.
بأصابع ممتدة وبكاءٍ مرير.
بأصابعَ ممتدة وبكاءٍ مرير.
الأرضَ الفارسية التي جُلِّلت بالعار.
في سفننا الحربية ذات السطوح الثلاثة!
سنرافقك بالدموع
إلى بيتك، إلى قصرك الزاخر بالأحزان.