سجل تشين الثالث
لمَّا مات ملك تشو بعيدًا عن أرض الوطن
لمَّا مات الملك «هوي» حاكم تشو، أثناء نزوله ضيفًا على دولة تشين، وكان ولده الأمير «هنغ» مقيمًا في دولة تشي رهينة لضمان السلام الدائم بين البلدين، حدث أن ذهب سوتشين إلى شوكون وقال له: «لا أدري ما الذي يمنعك من احتجاز وتحديد إقامة أمير دولة تشو المُقيم بأرضكم وذلك بهدف المساومة على الجانب الشرقي من تشو والملاصق لحدود تشي؟» فأجابه: «ليس هذا برأيٍ سديد، لأني لو احتجزت الأمير، فلن تتوانى إينغ — عاصمة تشو — عن تنصيب أحد أمرائها ملكًا على البلاد، وبذلك نكون قد احتجزنا الأمير بلا طائل، وظهرنا أمام الدويلات والمَمالك بمظهر الجائرين الغاشمين.» فقال سوتشين: «ليس الأمر هكذا، لأنه لو تمَّ تنصيب أحد الأمراء ملكًا في تشو — حسب تصورك — فيمكنك أن تنتهز الفرصة لتُطالب الحاكم الجديد بالتنازُل عن أجزاء من الأراضي الواقعة على الحدود شرق البلاد بين تشو وتشي على أن تقوم من جانبك بالتخلص من الأمير (الرهينة) المُقيم عندكم في تشي، فإذا لم يقبل منك هذه المساومة، فلك أن تُهدِّده بإمكانية لجوئك إلى الاتفاق مع الدول الثلاث: هانكو، وي، تشين على تنصيب الأمير (الرهينة) ملكًا لدولة تشو، بإجماع الأطراف على ذلك، ولا شك أنك ستجد تلك المنطقة الحدودية من أرض تشو قد آلت لسيادتكم بكل سهولة.»
الجزء الثاني من الفصل نفسه
كانت خطة سوتشين في التحفُّظ على أمير دولة تشو (الأمير الرهينة) تقبل العديد من الاحتمالات، أولها المُطالبة بتنفيذها بادئ ذي بدء، أو مطالبة ملك تشو الجديد بسرعة تسليم دولة تشي مساحاتٍ من الأراضي الواقعة إلى الشرق بمُحاذاة المنطقة الحدودية مع تشي، بالإضافة إلى احتمال المُطالبة بمساحاتٍ أكبر (كلما لاحت بوادر الموافقة المبدئية من جانب تشو)، وكذلك احتمال ممارسة الضغوط على تشو للتنازل عن الأراضي دون المساس بكرامة الأمير الرهينة، بل مع الإبقاء على المستوى الكريم واللائق في التعامل معه، هذا مع احتمال طرد الأمير الرهينة من تشي وإعادته إلى بلاده، حيث يجد نفسه وجهًا لوجهٍ مع الملك الجديد، وكذلك احتمال إكرام الأمير الرهينة، بل المُبالغة في إكرامه على نحوٍ يدفعه هو نفسه للإسراع في العودة إلى وطنه بل المُحتمل أيضًا إفساد العلاقة بين سوتشين وشوكون، مثلما يمكن التقدُّم إلى تشو (باسم سوتشين) بالتفضل والتكرم عليه بمنحه إقطاعًا يليق بمكانته، ويبقى من المُمكن أيضًا إيفاد وسيط إلى شوكون لإقناعه وحثِّه على تعميق عُرى الود والصداقة بينه وبين سوتشين نفسه إلى تصفية الأجواء وتنقية ما شاب علاقته مع شوكون من سوء فهم.»
الجزء الثالث من الفصل نفسه
(ثم التقى) سوتشين بشوكون وقال له: «بلغني فيما يضرب الناس من أمثال أنه لا فلاح لمن أفشى الأسرار، ولا نجاح لمن تقاعس عن تنفيذ خططه بعد إمعان التدبير والتروي، إذا كان هدفك من التحفظ على أمير تشو هو مساومة بلاده على التنازُل عن منطقة الأراضي الواقعة عند الحدود الشرقية، فكيف تقعد عن إتمام هذا المسعى؟ ولشدَّ ما أخشى أن تبدل تشو خططها: إذ إنك — لو حدث هذا — لن يُجديك ما تُخطط شيئًا سوى الخسران والظهور أمام الدويلات بمظهر الرجل المُتجبِّر غليظ القلب الذي ينتهك المواثيق والعهود ولا يراعي حقوق الرهائن المُقيمين ببلاده.»
ورد عليه شوكون قائلًا: «قل لي — إذن — كيف أُعالج هذا الأمر الآن؟» فأجابه: «كل ما أرجوه منك أن تفوضني بالذهاب إلى تشو وللتحدث هناك بموجب هذا التفويض، نيابة عنك، حيث أطلب من ملك تشو سرعة تسليمك الأراضي الواقعة عند الحدود الشرقية والمتاخمة لحدودكم، فإذا ما استطعت تسوية هذه المسألة معهم (في تشو) فسوف يثبت مقامك ويتحصَّن جانبك.» وهنا وافقه شوكون على رأيه وأنفذه إلى تشو بغير إبطاء، فذلك هو ما يشار إليه بأن الخطة المذكورة آنفًا تنطوي على احتمال المطالبة الجادة بسرعة تنفيذها.
الجزء الرابع من الفصل نفسه
قال سوتشين لحاكم تشو: «إن دولة تشي تسعى جديًّا في التعاون مع سمو الأمير الرهينة، بل تبذل جهدًا لتنصيبه ملكًا، وقد أدركت جدية هذه المساعي مما لمسته من إصرار شوكون على بقاء سمو الأمير الغائب لدى بلاده، ويبدو أنه يريد بذلك أن يساوم جلالتك للتنازل عن الأراضي المتاخمة لدولة تشي عند حدودكم الشرقية، وفي حال رفض جلالتكم لهذه التسوية، فإن سمو الأمير المُقيم في تشي سيسارع إلى التنازل عن مزيدٍ من الأراضي للعرش الحاكم هناك رغبة منه في استمالة تشي إلى جانبه وحثها على مساندته.» وعندئذٍ أجابه ملك تشو قائلًا: «إنه ليُشرفني أن أوافق على توصياتكم الجليلة في هذا الشأن. وهكذا، فقد تم التنازل عن المناطق الواقعة شرق دولة تشو المطلوبة لدولة تشي، فذلك هو المقصود بالاحتمال المشار إليه في الخطة المذكورة من دفع دولة تشو للإسراع بتسليم الأراضي المطلوبة.
الجزء الخامس من الفصل نفسه
قال سوتشين ﻟ «شوكون»: «إن الأوضاع التي اطلعت عليها في تشو تسمح باقتطاع المزيد من الأراضي منها.» فلما سأله شوكون عن كيفية تحقيق ذلك أجابه: «يمكنك أن تبلغ الأمير المُقيم لديك عن السبب الذي دفع تشو إلى سرعة التنازل عن أراضيها الشرقية لكم، واطلب منه تحديد مقابلة عاجلة لتعرب أثناءها عن عظيم تقديركم وإخلاصكم لسموِّه، فإذا بلغ هذا الخبر مسامع ملك تشو، فسينشأ لديه استعداد للتنازل لكم عن مزيد من الأراضي.» فذلك هو المَغزى في الاحتمال الوارد بالخطة الأصلية، ومفاده أنه من المُمكن الحصول على مزيدٍ من أراضي دولة تشو.
الجزء السادس من الفصل نفسه
قال سوتشين للأمير: «إن دولة تشي ترى من دواعي حرصها على التعاون معك أن تقوم بتنصيبك ملكًا على عرش تشو، وخلع الملك الآخر القائم الآن على العرش الذي تنازل طواعية لدولة تشي عن أراضي الحدود الشرقية سعيًا لاكتساب ثقة المسئولين في تشي وحثهم على استبقائك أطول فترةٍ مُمكنة، ولا أدري ما الذي يمنعك من أن تتبرَّع أنت لدولة تشي بمساحاتٍ مضاعفة من الأراضي، فتحظى أنت دون الرجل الآخر بالرضا والمساندة؟» وبالفعل فقد سارع سمو الأمير إلى التبرُّع بمساحات مضاعفة (عما قدمته تشو) من الأراضي لدولة تشين أملًا في أن تعدل هذه عن الانسياق وراء مطلب تشو باستبقائه وتقييد حُرياته، لكن ملك تشو أصابه الفزع الشديد عندما علم بأمر هذا التنازل من جانب الأمير، وبالتالي فقد عرض التنازل عن مزيدٍ من الأراضي لدولة تشي، خشية أن تتراخى قبضتها أو تتراخى قيودها المضروبة حول الأمير الرهينة، لذلك فقد ورد ضمن الاحتمالات المُمكنة في الخطة سالفة الذكر أنه من الممكن دفع حاكم تشو إلى التنازل عن المزيد من الأراضي.
الجزء السابع من الفصل نفسه
ثم إن سوتشين قابل حاكم تشو وقال له: «إن السبب الأساسي في أن دولة تشي تستطيع أن تقطتع (من بلادكم) المزيد من الأراضي يرجع إلى ما تملكه من سلطة تقييد واستبقاء الأمير الرهينة على أرضها، وبالطبع فإن مطالبها لن تقتصر على أراضي الحدود الشرقية، وستظل تستغل بقاء الأمير عندها وإمكانية تنصيبه ملكًا وسيلة للضغط والتهديد، وإني لقادر على تسهيل خروج الأمير من دولة تشي، مما يفوت الفرصة على كل من يريد أن يستخدمه على هذا النحو المشار إليه، وينزع من يد تشي الأداة التي تُهددكم بها وتمكنها من الغدر بكم، وأرى أن تُبادر جلالتكم فورًا إلى التحالف وعقد أواصر الصداقة مع تشي، وهو الأمر الذي سيفرض عليها فتح أبواب الحوار معك والإصغاء إليك، وهكذا تزول الشحناء بينكما ويحل الود وتتوطد عرى الصداقة والإخاء.» وهنالك تهلل ملك تشو فرحًا، وأجاب: «اسمح لي يا سيدي أن أُعرب لك باسمي، وباسم بلادي عن عظيم سعادتي واستعدادي للأخذ بنصحك ومشورتك.» لذلك، فقد ورد في الخطة احتمال التعاون مع ملك تشو في إعادة الأمير الرهينة من تشي إلى بلاده.
الجزء الثامن من الفصل نفسه
قال سوتشين لأمير دولة تشو المقيم بصفته رهينة سلام في تشي: «إن ملك تشو هو المسيطر الفعلي على الأوضاع في البلاد الآن، أما سموُّك، فلا يزيد دورك عن مجرد القيام بحلقة اتصال واهية وشكلية (بين تشي ومصالحها في تشو) وهو ما يفقدك المصداقية لدى تشي ويعزز — بالمقابل — من فعالية وإيجابية ما هو ملموس وعملي فيما تؤديه تشو، فإذا ما قام التحالف بين البلدين، فسيتهددك الخطر من كل ناحية، فلا بد أن تراجع موقفك، وتحدد قرارك.» وعندئذٍ أجابه الأمير قائلًا: «قل لي، أسمع منك، فأنا على ما تُشير به.» ثم إنه جهز عربة فاخرة وخرج وسط الليل متسللًا حتى غادر تشي فهذا هو ما أشارت إليه تصورات الخطة الأساسية من احتمال دفع الأمير الرهينة إلى سرعة الخروج من تشي.
الجزء التاسع من الفصل نفسه
أوفد سوتشين إلى شوكون مَن تخابَث عليه قائلًا: لئن كان سوتشين هو الذى نصح لك باحتجاز أمير تشو وتحديد إقامته، فقد أخذت النصح من لئيمٍ وصدقت ما أشار عليك به أسوأ الناس بك ظنًّا وأخبثهم لك طويَّة، فقد كان يهدف بكل ما قاله أو فعله، إلى شيءٍ واحد فقط، ألا وهو مصلحة تشو وما يعود عليها وحدَها بالنفع. ولمَّا كان يخشى أن يفتضح لديك سره، فقد اتخذ من مطالبة تشو بالتنازل عن المزيد من الأراضي ستارًا يُداري به خباياه الدفينة، وقد كان هو الذي أوعز خفية إلى أمير تشو بالتسلُّل هاربًا تحت جنح الليل من تشي، وهو ما لم تكن تفطن إليه أو يخطر لك على بال، فإنما قد جئتُ إليك لأكشف لك عما حجبَتْه سُتُر الظنون راجيًا أن تحتاط للأمر.» وثارت ثائرة شوكون وتميز غيظًا مما ارتكبه سوتشين وتغيرت نفسه من ناحيته، وهذا بالضبط هو ما ورد في الخطة من إمكانية إفساد العلاقة بين شوكون وسوتشين.
الجزء العاشر من الفصل نفسه
كما أوفد سوتشين إلى ملك تشو، من همس له قائلًا: «اعلم أن سوتشين كان هو الذي أوعز إلى شوكون باحتجاز الأمير وتحديد إقامته في تشي، ولئن كان يبدو أمامك بمظهر الحريص على رفعة شأنك والتعاون معك، فهو يقف — في الوقت نفسه، وللعجب! — موقف المساند والمؤيد لتنصيب الأمير الرهينة ملكًا على تشو، بينما كان هو أيضًا يحث بلادكم على التنازل عن أراضي الحدود الشرقية إلى تشي، ويدفعكم دفعًا للتحالُف معها، هذا وبرغم ولائه لسيده ملك البلاد، فلم يتورَّع أن يُسهل للأمير الهروب ليلًا من تشي، وهناك الآن من يسعى في إفساد العلاقة بين شوكون وسوتشين مُتعللًا بما يُبديه سوتشين من تعظيم الاهتمام بمصالح تشو مقابل التقاعس عن خدمة تشي، فالمرجو من جلالتك النظر بعين الاعتبار لمُجمل هذه الأحوال.» فعندئذٍ أجاب الملك بقوله: «أنا على استعداد للتصرُّف وفق ما تشيرون به.» وكان تكرم جلالته على سوتشين بمنحه اللقب الفخري «أوجن» وكذلك ورد من بين احتمالات الخطة المشار إليها (في بدء هذا الفصل) احتمال الإيعاز إلى ملك تشو بالتفضل على سوتشين بمنحِه أثمن المنح الملكية.
الجزء الحادي عشر من الفصل نفسه
وقام سوتشين بإيفاد «جينلي» — رئيس وزراء تشو — إلى شوكون ليقول له: «لئن كنت قد أصبحت في المكانة التي تحتلها الآن، حيث الكل يرنو إلى تألُّق نجمك وعزيز سلطانك، فقد تم لك الأمر على هذا النحو بفضل تزكية ذوي الفضل والعلم والرياسة لك، فمن ثَم حُزتَ موقع السيادة في دولة تشي وتقلدتَ مقاليد السلطة بموجب ما قد علمت، أما سوتشين فهو أفضل وأمهر الخطباء والمُخططين السياسيين فوق الأرض، وليس له في ذلك المجال نظير، وأرى أن الأجواء المُلبَّدة المُحيطة بالعلاقة بينكما ستخنق كل الفرص المواتية أمام الخطباء والمُخططين الأكفاء، واعلم أن علاقة سوتشين بملك تشو طيبة للغاية على العكس منك؛ لأنك بدلًا من أن تحاول التودُّد إليه وإزالة ما بينكما من جفاء، تزيد الهوة اتساعًا والشحناء بغضًا مقيتًا، فلذلك تفوتك الكثير من الفرص التي تسنح لك، ولا أرى إلا أن تبادر أنت إلى تبجيله والعرفان بمكانته وقدره، فذلك أول الطريق إلى اكتساب مودته وضمان مساندته وتأييده.» فمن ثم صفا ما تكدر بين سوتشين وشوكون، فعادت المياه إلى مجاريها، وتبدَّل الجفاء ودًّا موصولًا، حسبما ورد في الخطة الأولى من إمكانية مد جسور الصداقة بين سوتشين وشوكون.
لمَّا ماتت قرينة حاكم دولة تشي
ماتت قرينة ملك دولة تشي، وكان لدى جلالته سبع محظيَّات صغيرات السن، وكان هؤلاء هن الأثيرات لدَيه من بين الأخريات، وذلك لحظهنَّ الوافر من الجمال ولشبابهن، وأراد شوكون أن يُميز من بينهن، الأكثر قبولًا لدى الملك والأوفر حظًّا في الترشيح للاقتران بجلالته، فأهدى الملك سبع أزواج من الأقراط الذهبية الثمينة، وجعل من بينها زوجًا واحدًا تميز عن الباقِين ببديع زُخرفِه وبراعة تكوينه ودقيق سبكه وصناعته، وراح يتحيَّن الفرصة في اليوم التالي ليتطلع إلى المحظيات السبع كي يرى أيهنَّ قد تزيَّنت بهذا القرط البديع، فيُشير على جلالة الملك بالاقتران بها رسميًّا.
لمَّا عزم شوكون على السفر إلى دولة تشين
لمَّا اعتزم شوكون السفر إلى دولة تشين، تقدَّم إليه الكثيرون ينصحون له بالعدول عن ذلك، دون جدوى، ثم حضر إليه سوتشين ليحاول إقناعه بعدم السفر، فابتدره شوكون قائلًا: «كل ما صار إلينا من أمور البشر فنحن أدرى به، أما ما خفي عنا من مجاهل الشياطين فلا نملك لمعرفته وسيلة.» فأجابه سوتشين قائلًا: «ما كان لي أن أحضر إليك لأكلمك في مسائل البشر، بل سعيتُ إلى هنا كي أحدثك عن أمر الشياطين.»
الجزء الثاني من الفصل نفسه
قال سوتشين ﻟ «شوكون» في معرض كلامه: «مررتُ في طريقي وأنا قادم إليك بنهر «تسي» ففي أثناء عبوري النهر، لمحتُ بقرب الشاطئ منظر تمثالين على هيئة البشر، أحدهما مصنوع من الطين والآخر منحوت من جذع شجرة، وبَدَا لي كأنهما يتحادثان، فقال المحفور على جذع الشجرة للآخر الطيني: «أنت مصنوع من الطين الذي على الضفة الغربية للنهر ولستَ إلا مجرد تمثال على هيئة آدميٍّ، قد صنعك البشر بأيديهم، فانظر حتى إذا جاء الشهر الثامن وهطلت السماء مطرًا مدرارًا، وطفا الماء بين ضفتي النهر أسالت المياه صحيح بدنك (فأتلفت أعضاءك وفرقتك بددًا).» وهنالك أجابه التمثال الصلصالي قائلًا: «كلَّا، بل إذا امتلأ النهر وطمرني الموج وبدَّدني السيل، فلستُ إلا من طين الشطآن وإلى الطين أعود، فكيف بك وأنت ابن الغصن النابت عند الضفة الشرقية، فانظر كيف تصنع إذا انسكب السيل وفاض النهر فتقاذفك الموج وسبح بك، تغطس تارة وتطفو تارة أخرى، لا تدري لك مثوًى ولا مصيرًا؟!» فاعلم أنك قاصد إلى بلد [تشين] عالي الأسوار منيع الحصون، الداخل إليه كالمُطأطئ رأسه بين فكَّي النمر الرابض فهو يملك أن يمد عنقه، لكنه لا يدري كيف يخلص من بين أنياب مكشرة، فلئن كنت تعرف طريق الذهاب إلى تشين بكل ثقة فلا أظنك تعرف يقينًا متى وكيف تسلك طريق العودة.» وكان أن تراجع شوكون عن فكرة السفر إلى تشين.
لمَّا كان شوكون مقيمًا بأرض شيودي
كان شوكون مقيمًا بإقطاعية شيودي (الإقطاعية المُهداة إليه)، عندما قامت دولة تشو بمهاجمة هذه الإقطاعية، فأوفد ملك تشي صهره النبيل «تشونيون» إلى دولة تشو (بهذا الخصوص) فلمَّا كان النبيل في طريق عودته من سفارته فقد مر على الإقطاعية المذكورة، وكان شوكون في استقباله بنفسه، فأكرم وفادته بترحابٍ بالغٍ مقيمًا له مراسم التبجيل اللائقة بمكانته الرفيعة، وقال له أثناء اللقاء: «لا تشغل نفسك كثيرًا بمسألة هجوم تشو على إقطاعية شيودي، إلا أني لن أستطيع في قادم الأيام أن أقوم على خدمتك (كما كان الحال فيما مضى).» فأجابه تشونيون: «لك السمع والطاعة بكل ما وجب عليَّ من تقدير واحترام لشخصكم الكريم.»
الجزء الثاني من الفصل نفسه
لمَّا عاد تشونيون سالمًا إلى تشي، كتب إلى الملك تقريرًا وافيًا (حول سفارته إلى تشو، فاستدعاه الملك) فسأله: «كيف رأيت الأحوال في تشو؟» فأجابه: «القوم هناك عنيدون جدًّا وعازمون على أمر لا أراهم يتراجعون عنه، بينما الأهالي في إقطاعية شيودي غير عابئين بما يتهددهم من خطر ولا يدركون ضآلة قوتهم مقابل ما أعدته لهم تشو من بأس شديد.» فسأله الملك عما يعنيه بقوله هذا، فأجابه: «الأمر على ما ذكرت لجلالتك، ذلك أني وجدتُ أهالي شيودي لا يأبهون بالزحف الذي يتهدَّدهم برغم قلة عددهم وضعف قوتهم، ولا يشغلون أنفسهم إلا بإقامة المزيد من المعابد الملكية باسمك واسم أجدادك المُعظمين، ولو أن مثل تلك المعابد لن تصمد طويلًا تحت سنابك خيول تشو ورماحها المعاندة العازمة على تهديد قلةٍ مغلوبة على أمرها لا تريد أن تخضع أو تعترف بعدم تكافؤ المواجهه بينها وبين الغزاة الجبارين.»
وعندئذٍ تبسم الملك فاهمًا وهو يُتمتم في خشوع: «فنِعم الأمر إذن، ما دامت المعابد الملكية قائمة هناك على حالها.» وأسرع الملك «مين» حاكم تشين بإرسال حملة عسكرية عاجلة لمساندة إقطاعية شيودي.
الجزء الثالث من الفصل نفسه
رغم أن شوكون هرع إلى طلب المساندة وراح يستجدي العون مطأطئ الرأس بكل احترام وتبجيل لكل يدٍ تبذل له المساعدة، فلم يحصل إلا على النذر اليسير منها، ذلك لأن رجلًا مثله يملك لسانًا ذربًا وإدراكًا جيدًا وفهمًا عميقًا للخطط والحلول (المُمكنة) كان جديرًا بأن يؤثر في الآخرين بدرجةٍ هائلة تجعلهم يشعرون كما لو كانوا هم أنفسهم أصحاب المحنة وأطراف الأزمة المُستعصية (بحيث يصيرون مطالبين بالدفاع عن أنفسهم بالدرجة الأولى)، وبالتالي فلم يكن هناك داعٍ أن يمنحوه الكثير من المساعدة [ما داموا سيقومون هم بالجانب الأكبر من مهمة الدفاع!]
لمَّا قام شوكون بالإنفاق على أحد أقاربه
أنفق شوكون على أحد أقاربه (والملقب ﺑ «شياهو جان») ما يوازي مرتب مائة موظف من كبار رجال البلاط، وقرَّر له أربعة خيول مُسرجة، فلما تحقَّق من حُسن معاملته والترفق به على هذا النحو داخله شعور بالطمأنينة والسعادة، إلا أن شياهو جان — وبرغم ذلك — لم يكن يفتأ يقدح في شوكون ويروج عنه الوشايات كلما سنحت لذلك المناسبات والظروف، فذهب البعض وأبلغوا شوكون بذلك الأمر، فقال لهم: «لا عليكم من هذا كله، فقد عزمت على أن أترفق به وأُحسن إليه في كل الأحوال.» ومن ثم فقد ذهب «دونشي فان» — أحد موظفي دولة تشي — إلى شياهو جان وتكلم معه في هذا الشأن، فأجابه قائلًا: «ليس شوكون بالرجل الذي ينظر بعين الإكبار والتبجيل إلى النبلاء والأمراء، ومع ذلك فها هو ذا يتكرم عليَّ بتخصيص راتبٍ رسمي يساوي ما يحصل عليه مائة موظف دفعة واحدة بالإضافة إلى الخيول والركائب المسرجة، وقد حظيتُ بتلك المعاملة الكريمة دون جدارة من ذكاء أو فطنة، أو فمٍ ينطق بقول سديد، فلئن كنتُ أتناوله بلسانٍ قادح فيه بهتانًا وزورًا فإنني بهذا أرفع من قدره وأعظم من شأنه في واقع الأمر، ذلك أن جزءًا كبيرًا مما يحظى به شوكون بين الناس من نُبل أخلاق وعظيم خصال مُستمَد من واقع الحال الذي يشهد بإساءتي إليه وافترائي عليه، ويشهد له بالتغاضي عن ذلك بقلبٍ رحيم وصدر واسع، إلا أني في الحقيقة، أقدم له خدمة جليلة تساوي عمري وسُمعتي وكرامتي كلها بينما لا يكلفه ذلك الشيء الكثير.»
لمَّا كان شوكون جالسًا
كان شوكون جالسًا في بعض ساعات فراغه من العمل، يتحدث إلى ثلاثة شيوخ مُتقدمين في السن، فقال: «ليت كل واحدٍ منكم يدلُّني على طريقة أتدارك بها نقائصي وأصلح بها من شأني.» فأجابه أحدهم: «إني على استعدادٍ أن أدافع عنك ضد من يتَّهمك بأي عيبٍ سواء من النبلاء أو من الأمراء (ذلك أني أراك بغير عيوب) حتى لو اضطررتُ أن أنثر في وجه مُبغضيك دمي.» ثم قال له الشيخ «تيانماو» أحد مواطني دولة «جنغ»: «أما أنا يا سيدي فلن يُعضلني أن أسافر معك إلى أقصى البلاد (إلى أبعد مكان تصله كل عربة مسرعة «هكذا حرفيًّا») كي أواري عنك كل نقيصة وأمتدح فيك كل منقبة، حتى يسعى إليك كل ذي سلطان عريض، (يطلبك لمنصب ذي شأن) ويحث الخُطى إليك كل ذي سلطة (من رؤساء الوزارات) يرجو تشريفك له بالعمل معه.»
وأخيرًا تحدث إليه الشيخ العجوز «شنغ» فقال: «تمنيت لو كانت لي مفاتيح خزائنك، كي أغترف منها (المال) وأُغدق على كل ذي علمٍ وأجمع إليك صفوة الحكماء ليُعينوك على حل كل المعضلات والتدبر لكل حادث، مثلما كان للملك «ونهو» — حاكم وي — (حكيمان يُرشدانه ويُجنبانه مواضع الزلل) هما: «تيان زيفان»، «توانكان مو»، فتلك هي الوسيلة التي أرتئِيها من أجل صلاحك.»
لمَّا كان أحد أقارب شوكون على علاقة
لمَّا كان أحد أقارب شوكون قد أقام علاقةً سرية مع زوجته الحسناء، وجاء أحدهم يُبلغ شوكون بهذا الأمر قائلًا له: «إن الرجل الذي هو قريبك، المُقيم في بيتك شوهد في وضعٍ مُخِلٍّ مع امرأتك، فهو انتهك بذلك حرمة البيت والحق والكرامة، ووجب عليك قتله.» فأجابه: «إن للجمال سلطانًا على القلوب، والعشق طبع وفطرة، فلا عليك من ذلك، لا تشغل نفسك بهذا الأمر ولا تعاود مُحادثتي فيه.»
الجزء الثاني من الفصل نفسه
فلمَّا مر عام، استدعى شوكون ذلك الرجل ذا العلاقة السرية مع الزوجة، وقال له: «دامت صحبتك معنا سنين كثيرة، ولا أراك أفلحتَ في الحصول على منصبٍ ذي شأن، ولا رضيتَ حتى بالمناصب البسيطة (المتواضعة) التي عرضتُها عليك، فدعني أُهيئ لك سفارة فخمة وأُعد لك الركائب وجلود الأيائل والمنسوجات الحريرية (الهدايا التقليدية للوزراء والملوك قديمًا) تحملها إلى حاكم دولة «ويه» ودًّا وكرامة، وسأوصيه بك خيرًا، وأعرف أنه سيكرم ضيافتك لأجل خاطري، فالودُّ ما بيننا قديم.» وبالفعل فقد لقي الرجل الذاهب إلى دولة «ويه» كل حفاوة وتقدير.
الجزء الثالث من الفصل نفسه
لمَّا ساءت العلاقات بين دولتي «تشي» و«ويه» وتعرض التحالف القائم بينهما للانهيار، دعا حاكم «ويه» «قوات الدويلات والإمارات إلى القيام بهجوم موحَّد على دولة تشي، وعندئذٍ ذهب الرجل المبعوث من قبل شوكون (صاحب الزوجة الخائنة) للقاء حاكم «ويه» وقال له: «الآن تحققت يا مولاي أن شوكون لم يكن يُدرك طوال الوقت أن مواهبي محدودة للغاية وأني أكاد لا أصلح لشيء، فأرسل بي إلى جلالتك على سبيل الخديعة والدهاء، إلا أني كنتُ قد سمعت أن الملوك السابقين لدولتي ويه، وتشي قد عقدوا ميثاق الحلف [ذبحوا الشياه والخيل وشربوا دماءها على سبيل التحالف الأبدي] فيما بينهم وتعاهدوا على ميثاق الدم إذ أقسموا على ألا تقع حرب بين الأبناء والأحفاد في الدولتَين المُتعاهدتَين، وأن يُراق دم الآثم المخالف للعهد كما تذبح الشاة الذليلة. فلئن كنت تدعو قوات الدويلات الآن يا جلالة الملك لمحاربة تشي، فإنك تبرهن على مخالفتك للعهد التليد، وتخون ميثاق الصداقة مع شوكون، لذلك فإني أرجو أن تصرف النظر عن فكرة مهاجمة تشي، فإذا أخذتَ بنصيحتي ووثقت بي فما ظلمت، أما إذا عدلت عن ذلك فما تظن أن ينالك من أحمق مثلي إلا أن أنثر دمائي فوق قميصك.» فمن ثمَّ تراجع حاكم «ويه» عن فكرة الهجوم على تشي.
الجزء الرابع من الفصل نفسه
فما إن بلغ ذلك الخبر دولة تشي، حتى أشاد الناس بدهاء وألمعية شوكون؛ ذلك أنه استطاع تصريف الأمور على نحوٍ بارع فتمكن من تحويل البذرة الفاسدة إلى ثمرة طيبة واعدة بالخير.
لمَّا وقعت الكراهية في قلب شوكون
وقعت الكراهية في قلب شوكون تجاه أحد أقاربه، فصار ساخطًا عليه وأراد إبعاده ونفية خارج البلاد، فجاء «لوليان» (أحد مواطني تشي، أراد القيام بالوساطة سعيًا للمصالحة) إلى شوكون وقال له: «ما ظنك بقطيع من القردة ترك أغصان الشجر ليعيش في الماء، أما تراه عاجزًا عن مجاراة أدنى سلحفاة برمائية في الغوص والطفو والسباحة، أما تجده قد فزع إلى المنحدرات الصخرية فتسلق النتوءات وحواف الصخور؟ وكذلك لن تفلح الجياد الأصيلة أن تحيا حياة الثعالب، ولئن كان المُقاتل المظفَّر «تصاومو» قد ضرب بسيفه البتار فهزم وأسر الأمراء والنبلاء بقبضة يدٍ ودرع واحد، إلا أنه ما كان ليصلح أن يتناول فأسًا ليزرع الأرض ويجني الحصاد كأي فلَّاح بسيط، لذلك فإن الاهتمام بالجانب السلبي للأمور دون الوجه الإيجابي فيها لا يليق بمن أراد انتهاج الحكمة والسبيل القويم، فتكليفك الناس بما لا يقدرون عليه إجحاف يُبرز لك تقصيرهم وعجزهم، ونُصحك لهم بما لا يفقهون، تحامل بغيض يُصور لك جهلهم وغباءهم، ثم إنك من بعد ذلك تُبادر إلى طرد المقصِّر وإقصاء الجاهل، فإذا قام كل واحد من الناس بنفي وإبعاد من لا يحسن صحبته، أصبح الناس فريقَين مُتباغضَين تنهشهم الكراهية وتُبيدهم الثارات. أفلا يجدُر بنا أن نتواصى بالموعظة ونقرَّ المبادئ التي يستقيم بها شأن الناس جميعًا؟!»
وهنالك أقرَّه شوكون على رأيه وتراجع عن قراره باستبعاد الشخص المشار اليه.
لمَّا خرج شوكون يجوب البلدان
خرج شوكون يجوب البلدان، فلمَّا دخل دولة تشو، أهدوه سريرًا من العاج، وكان «دنتو» وهو أحد المُكلفين بحمل الهدية إلى شوكون مقيمًا بمدينة «إينغ» (عاصمة تشو) فلما تقرر إرساله ضمن الأفراد الموفدين لحمل الهدية إلى شوكون انزعج وتردَّد وأراد الاعتذار عن القيام بهذه المهمة، فقصد إلى واحد من أتباع شوكون (اسمه «كونسون شو») وقال له: «أنا مُقيم بالعاصمة إينغ، واسمي دنتو، وقد تقرر تكليفي مع آخرين بحمل السرير العاج وهو من أغلى الهدايا كما تعرف، وأخشى إذا مسَّه سوء أن أعجز عن دفع قيمة التعويض المطلوبة حتى لو أنفقت في ذلك كل ما أملك، فإذا أعفيتني من هذا الأمر، فسوف أهبُ لك سيفًا من السيوف الأثرية النادرة التي خلفها لي أجدادي.» ووافقه كونسون شو على هذا الاقتراح.
الجزء الثاني من الفصل نفسه
وذهب كونسون شو للقاء شوكون، ثم قال له: «أيمكن أن تقبل حقًّا ذاك السرير العاجي هديةً من تشو إليك؟» فلما ردَّ عليه بالإيجاب عاد يقول له: «لكني أرجو منك ألا تقبل تلك الهدية.» فلمَّا استفسر منه شوكون عن السبب في ذلك، أجابه قائلًا: «ما كان لدولةٍ صغيرة مثل هذه أن تهديك هدية ثمينة على هذا النحو إلا لأنها تعرف جيدًا مدى تفانيك في دفع أسباب البلاء عن المنكوبين، وتعرف استقامتك وحرصك على وصْل ما انقطع من طقوس القرابين إلى المعابد، وإقامة ما تداعى من أركان الدولة المُهددة بالتآكل والانهيار، وإذا كان النبلاء والأماجد في الدولة الصغيرة ينزلون على رأيك فيما يمسُّ أخطر قضايا دويلاتهم؛ فلأنهم يُكبرون فيك نزاهتك وشرفك وصِدق إخلاصك، وعندما تنزل اليوم ضيفًا على تشو وتقبل إهداءها السرير العاجي إليك، فإنك تُربك وتُحيِّر باقي الدول التي في طريق زيارتك عما ينبغي أن تُهديك هي الأخرى، وأرى أن تريح نفسك وتريح الآخرين وترفض قبول الهدية.» وعندئذٍ وافقه شوكون على رأيه.
الجزء الثالث من الفصل نفسه
ومشى كونسون شو خارجًا، فما كاد يصل إلى بوابة القصر حتى ناداه شوكون ليُكلمه، فرجع إليه، فقال له: «كنت نصحت لي منذ قليل بعدم قبول الهدية، فهذا أمر مفهوم ولا بأس به، لكن غير المفهوم عندي هو أسلوب مشيتك وأنت ذاهب منذ لحظة؛ إذ بدت قامتك أكثر شموخًا، وبدت هيئتك أشدَّ ثقة، فما السبب يا تُرى؟» فأجابه: «هي ثلاثة أشياء أسعدتني للغاية، بالإضافة إلى شيءٍ ثمين اقتنيتُه وهو عبارة عن سيفٍ قديم أُهدي لي.» فلما أمره شوكون أن يُفصح عما يريد قوله، أجاب: «هناك أكثر من مائة رجل وراء بابك كلهم حكمة ونجابة ومع ذلك فلم يجسُر على الدخول عليك والنصح لك غيري هذا هو أول ما أسعدني، أما الشيء الثاني فهو أنك قد أخذت بنصيحتي، وثالثًا، فإن شعوري بأني قد جنَّبتك الوقوع في خطأ، كان أكثر شيءٍ أدخل الفرحة على قلبي، (وأريد أن أخبرك بأمر آخر هو أن) أحد مواطني العاصمة ويدعى دنتو، كان راغبًا عن الاشتراك في قافلة إرسال السرير العاجي إلى جنابكم الكريم، وقد بلغ الأمر أن وعد بإهدائي أحد السيوف النادرة من مُقتنياته القديمة.» فسأله شوكون: «وهل قبلتَ تلك الهدية؟» فأجابه بأنه لم يجسُر على القبول، فعاد شوكون يقول له: «لكني أقترح عليك سرعة القبول دون تردُّد!» وتناول شوكون فرشاة وكتب لوحة كبيرة علَّقها عند مدخل الباب، نصها كالتالي: [من أحبَّ أن يعظِّم شأني بين الناس، فليُخلص لي النصح، ويُقيل عثرتي، وليكن أسرع الناس إلى انتقادي هم الذين وعَدُوني في الخفاء بأثمن الهدايا.]
لمَّا قام النبيل تشونيون بترشيح سبعة موظفين
قام صهر الملك شيوان (حاكم تشي) النبيل تشونيون بترشيح سبعة أشخاص (للعمل بالقصر الملكي) وقد جاءت هذه التزكية للأشخاص السبعة في يومٍ واحد، فقال له الملك: لو كنتَ جئتَ وأبلغتني أن أحد العلماء المُبرزين يُقيم على مبعدة ألف لي لما ظننتُ مسافةً بعيدة نظرًا لندرة أعداد العلماء بشكلٍ عام، ثم إن ظهور واحد فقط من أمثال أولئك الحكماء العباقرة كل قرن من الزمان، لا يُعَد بالشيء القليل (إنه نادرًا ما يتعاقب مثل هؤلاء الناس إلا بعد قرون، ولكنك تأتي اليوم وترفع لي طلب استخدام سبعة منهم دفعة واحدة!) أوَلَا تظن أن في الأمر شيئًا من المبالغة؟! فأجابه: ليس هناك أدنى قدْر من المبالغة، فمن منَّا يُنكر حقيقة أن الطيور ذات الأجنحة المُتشابهة تجتمع في أسرابٍ متجانسة كل واحد منها يُشبه الآخر ويتكامل معه، (وكذلك) السباع والوحوش التي تتماثل مخالبها وحوافرها تتكتل في قطعانٍ كبيرة تقيم وترتحل مع بعضها بعضًا؟ هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى فأنت إذا ذهبت لتجمع جذور نباتات (تشايخو)، (جية قنغ) [نباتات طبية قديمة] من المُستنقعات، فلن تعثر على أثر منها، بينما إذا بحثت عنها في تلال «شوشان»، و«ليانفو» فستجد منها ما تنوء به الأحمال، فالعالم مليء بأعداد لا حصر لها من الأنواع المُتماثلة فما من شيء إلا له عشرة آلاف نظير، ولئن كنت أنا واحدًا من المتعلِّمين النابهين فلا بد أن هناك آلافًا من النظراء، وعندما طلبت جلالتك إليَّ ترشيح من أراه مناسبًا من الأكفاء، كنتَ كأنك أمرتني بجلب المياه من البحر الزاخر، أو البحث عن قبس من نار في جوف التنور، فلا تعدنَّ أولئك السبعة كل ما في الجعبة، بل هناك المزيد وسأوافيك بالمزيد إذا شئت.»
لمَّا استعدت دولة تشي لمهاجمة وي
كانت دولة تشي قد أعدت العدة لمهاجمة وي، وذهب النبيل «تشونيون» إلى ملك تشي وقال له: «بلغني يا مولاي أن هناك نوعًا من الثيران في دولة هان يُطلق عليه الثور الأسود، ويتميز بسرعته الشديدة في الجري مسافاتٍ طويلة على نحوٍ غير مسبوق، وقيل أيضًا إن أسرع الأيائل في الجري هو ذلك النوع الذي يعيش في جبال «دونقو»، وتحكي الحكايات أن أحد الثيران من الفصيلة المذكورة راح يعدو خلف أيلٍ بجبل دونقو، وبلغ من سرعة عدْوِهما أنهما دارا حول الجبل ثلاث دورات ثم انطلق الأيل صوب الجبال الخمس فعبرَها جميعًا والثور وراءه، الأول يتقافز دون كلل، والآخر يتبعه بغير عناء، وظلَّا كذلك حتى أدركهما الإعياء وانحلَّت قوتهما وماتا في بعض الطريق، فرآهما أحد المُزارعين فكانت له الغنيمة كاملة دون أدنى مشقَّة؛ وأرى اليوم دولتي تشي ووي تتنازعان وقد ركبهما العناد حتى انحلَّت عزيمة الجُند وخارت قوى الناس، فلشد ما أخشى أن تنتهز دولتا تشين وتشو القويتان هذه الفرصة فتنقضَّان بهجوم لا يُبقي ولا يذر، فتغنمان غنم المُزارع المذكور آنفًا.» ووقع الفزع بقلب حاكم تشي، [فعدل عن الهجوم] فعزل القائد العام، وأمر بالترفيه عن الجنود لتخفيف حالة التوتر.
لمَّا قال الحكيم كوزي
قال الحكيم كوزي (من مواطني دولة تشي): «إن دولة تشين استطاعت أن تهزم قوات القائد جاوكو(دولة جاو) وحاصرت العاصمة هاندان، ثم إن دولتي تشي ووي قدَّمتا المساعدة لدولة تشين في محاولة الهجوم على العاصمة وقامت تشي بمهاجمة منطقة «زيشو» (التابعة لدولة جاو) وأغارت على مدينة «إيشي»، وسارع أحد النبلاء بدولة وي، وهو المدعو «شين لينغ جون» بوضع خطة سياسية بارعة (جرى بمُقتضاها) قتل القائد العسكري «جين بي» (قائد قوات وي) ثم قاد بنفسه القوات لفك الحصار المفروض حول العاصمة «هاندان»، مما أعاق محاولة تشين للهجوم على العاصمة، وأحبط التأييد الشعبي الجارف الذي كان يؤيدها في تحركاتها الهجومية، وكان الأمر كله نتيجة غير مباشرة لما قامت به تشي من احتلالٍ لأراضي وي، لأن الذي حدث هو أن الاحتلال كان الباعث على ظهور المُخطِّط السياسي الداهية «شين لينغ جون» وهو الرجل الذي تمكن من حماية ومساندة العاصمة «هاندان» [وفي ذلك الوقت كان التقسيم الإداري للأقاليم يُسجل المدن الثلاث الرئيسية كالتالي:] مدينة «آن» عاصمة دولة وي، ومدينة «جين يانغ» عاصمة دولة جاو، أما مدينة «يانينغ» فقد كانت عاصمة دولة تشو، وكانت الدول الثلاث تشترك في حدودها جميعًا مع دولة تشين،[كان معنى ذلك أنه] إذا أغارت هذه الأخيرة على وي، فسوف تستولي على العاصمة «آن»، فإذا هاجمت جاو، احتلَّت عاصمتها جين يانغ، وكذلك إذا ضربت تشو، انتزعت منها العاصمة يانينغ، ومن ثم تفرض نفوذها وتُملي إرادتها على ملوك الدول الثلاث، وتستولي على أراضي دولتي جو الشرقية والغربية، ثم تُهاجم دولة هان وتحتل أرضها، وبهذه الطريقة تتمكن تشين من الهيمنة على نصف الممالك التي تحت السماء [ولا أظنها تكتفي بذلك فهي] اليوم تمارس ضغوطًا على وي وجاو للخروج على ميثاق التحالف مع مجموعة دول السهول الوسطى، وقد سبق لها أن اقتطعت مساحاتٍ هائلة من الحدود الشرقية لأرض ويه، واستولت على منطقة «خينان» وعزلت إقليم «دونيانغ» عن دولة جاو، وهو ما يُعرِّض كلًّا من وي وجاو لخطرٍ بالِغ، وهو الخطر الذي يضرُّ بمصالح دولة تشي أيضًا، ومن ثم فالمَغزى الذي تقصد إليه كلٌّ من: هان، وي، وجاو، تشو يتمثل في إحباط مسعى قوات تشين في الاستيلاء على الدول كلها وتخفيض مرتبة ملوكها إلى مجرد وزراء عاديين تحت سلطانها، ذلك أن الخطر الذي تتعرض له الدول الثلاث المتاخِمة لدولة تشين من جراء اشتراكها مع هذه الدول العاتية في خطوط حدودية، أشد وطأة وأقرب احتمالًا مما يمكن أن يُصيب دولة تشي البعيدة عن مناطق التماس الحدودي معها، فلذلك وعلى ضوء هذا الوضع فإنه ينبغي على كل الإمارات والدويلات أن تهتمَّ بمصالحها مع تشي وإذا تمكنت تشين من أن تحصل على مساندة وتأييد تشي فسوف يتعاظم نفوذها وسُلطانها في منطقة السهول الوسطى. أما إذا سارعت كل من جاو، وي، وتشو بكسب تشي إلى صفوفها، فسوف تقدر جميعها على صد محاولات الهيمنة من قبل تشين (سواء في ذلك أكانت تشين أم جاو أم وي) ستكون هي السباقة إلى نيل الحظوة والمكانة والنفوذ بين الإمارات والدويلات، بينما يتوارى الآخَرون في ظلال الإهمال، فتسقط هيبتهم ويتقلَّص نفوذهم. والسؤال إذن هو: كيف تعجز تشي عن أن تحصل على ما تستحقُّه من اهتمامٍ وإكبار ما دامت تملك هذه المزايا؟ والإجابة هي أنها (فيما يبدو) تتبع خططًا سياسية خاطئة.»