سجل تشي الرابع

لمَّا كان في دولة تشي رجل فقير

كان في دولة تشي رجل يُدعى «فنغ شوان» وكان فقيرًا، عاجزًا عن اكتساب الرزق، فطلب من الناس أن يدلُّوه على بيت شوكون عساه أن يجد عند بابه ما يتقوَّت به، (فكان له ما أراد) فلمَّا سأله شوكون عما يطيب له من هوايات مُسلية، أجابه بأن ليس له شيء من ذلك، فسأله عما يُجيد من مهارات أو حِرف وقُدرات، فأجابه بالرد نفسه، فضحك شوكون ووافق على استضافته، ووقع في ظن الحاضرين [التابعين والعاملين في منزل شوكون] أن سيدهم قد أبدى الموافقة استصغارًا لشأن ذلك المُعدم، فألقوا إليه بأردأ الطعام.

الجزء الثاني من الفصل نفسه

وما كاد «فنغ شوان» يستقر بصحبة أتباع شوكون، حتى صار يقف مستندًا إلى الأعمدة الضخمة في فناء المنزل مُتقلدًا سيفًا قديمًا، يهزُّه عاليًا ويرفع صوته بالغناء الصادح: (… عودي بنا أيتها الأيام، عُد بي أيها السيف السقيم نفرش الطرقات، ونطعم طعامًا أزكى فلا خير في وليمةٍ لا تسد رمقًا!) وراح الخدم إلى سيدهم شوكون يقصون عليه ما حدث من أمر الغناء المذكور، فأمرهم بأن يُقدموا له أطيب الطعام على نحو ما يفعلون مع كل النازلين في دار ضيافته العامرة، وما هي إلا أيام قليلة حتى أصبح فنغ شوان ذات صباح مُمسكًا بسيفه مرددًا صوته بأغنية يقول فيها: (إيه يا سيفي القديم، أما آن لنا أن نعود، لكن كيف نعود راجلين حفاة وليس ما يحملنا من عربات مطهمة وجياد؟!) فسخر منه السامعون، وعجبوا من أمره وأبلغوا سيدهم شوكون بما تغنَّى به «فنغ شوان» فأمرهم أن يُجهزوا له عربة فخمة تُقله إلى أي مكان يشاء شأنه في ذلك شأن كل ضيف كريم.

فلما ركب الضيف العربة رفع سيفه عاليًا وساق إلى منزل أحد أصدقائه القدامى حيث التقى به وقال له: «قد نزلت على شوكون فأكرمني وأحسن إليَّ كما يصنع مع أكرم ضيوفه.» وما هي إلا بضعة أيام حتى وقف ثانية وسط الدار ورفع سيفه يتغنَّى بصوت مسموع: (أما قلت لك عد بي أيها السيف … فما النفع إذا شبعتُ وجاعت عيالي؟!) فلما سمعه الحاضرون ضجروا وقاموا عنه استياء ونفورًا مما بدا من جحوده وجشعه، وسألهم شوكون عما إذا كانوا يعرفون له أقارب أو ذوي صلة فأجابوا بأن ليس له سوى أمٍّ أقعدها العجز والكبر، فأرسل إليها شوكون طعامًا وكسوةً وأجزل لها العطاء فلم يدع لها حاجة إلا قضاها، وهنالك أمسك فنغ شوان عن الغناء وهجره بالكلية.

الجزء الثالث من الفصل نفسه

فلمَّا كان صبيحة ذات يوم علَّق شوكون إعلانًا كبيرًا على جدار دار الضيافة، يطلب فيه إلى النزلاء الكرام أن: «يتقدم من له معرفة بالحسابات التجارية وذلك لعمل تصفيات للديون بمنطقة «شودي» فذهب فنغ شوان ووقَّع باسمه أسفل الإعلان موضحًا مقدرته على القيام بهذا العمل، فلما اطلع شوكون على التوقيع أخذته الدهشة وسأل عمن يكون صاحب هذا الاسم؟» فأجابه خاصته قائلين بأنه ذلك الرجل صاحب «السيف القديم» المُقيم عندك المُتغني بأغنيات (عد بنا أيها السيف، عودي أيتها الأيام …) فضحك شوكون قائلًا: «فالرجل صاحب علمٍ ومهارة إذن، وقد أسأت إليه دون حتى أن أعرف له وجهًا [لم أقابله مرة واحدة!].» ثم استدعاه، فلمَّا مثل بين يدَيه قام إليه شوكون مُعتذرًا، قائلًا: «قد شغلتني عنك المشاغل، أرهقتني لواعج القلق وألوان الهموم، فقد انغمست في شئون العمل حتى تغافلت عمَّن يقتضي الواجب صلتهم، والحفاوة بهم، فلا تحملنَّ عليَّ إصرًا لِما بدر من إساءة، ولا تحجبنَّ عني أمرًا لسابق جفوة بيننا، واصدُقني القول إن كنت راضيًا بالقيام على جباية الضرائب المُقررة على منطقة شودي.» فلما أقر فنغ شوان أمامه برغبته المُخلصة في القيام بهذه المهمة أوكل إليه شوكون إتمام الأمر وهيَّأ له عربة وجهزه بما يلزم من كسوة وأغطية وفرش، ودفع إليه مستندات الديون، فلمَّا حانت ساعة توديعه وقد خرج إلى السفر، سأله فنغ شوان قائلًا: «فماذا تريد أن أشتري لك بعد تصفية الديون؟» فأجابه: «أترك لك تقدير هذا الأمر، فتدبَّر وانظر ما الذي ينقصني من متاع فابتعه لي.»

الجزء الرابع من الفصل نفسه

وانطلقت العربة براكبها فنغ شوان إلى منطقة شودي، فما إن بلغت الرحلة نهايتها حتى أوفد فنغ شوان إلى الأهالي بعض الكتبة والموظفين ليبلغ المُطالبين بسداد الديون بالحضور إليه، فلمَّا اجتمعوا لدَيه أمر بمراجعة سندات الديون وصكوك القروض، فانشغلوا بذلك وقتًا غير قليل، حتى إذا فرغوا من المُراجعة [وأبلغوه بالحصر الشامل لجميع المُستندات] نهض واقفًا وأعلن باسم شوكون التنازل عن جميع المُستحقَّات المالية من ديون وقروض وخلاف ذلك [باعتبارها] منحة لا تُرد، ويسقط عن الأهالي — بموجب ذلك — واجب السداد، ثم إنه جمع الصكوك والسندات وأشعل فيها النار حتى احترقت عن آخرها، وانطلقت أفواه الناس بالهتاف والدعاء بطول البقاء.

الجزء الخامس من الفصل نفسه

ركب فنغ شوان عربته، وأسرع عائدًا إلى عاصمة تشي، فبلغها مع انبلاج الصبح، وذهب من فوره لمقابلة شوكون الذي أخذته الدهشة من سرعة إنجازه للمهمة الشاقة الموكولة إليه، وأسرع ليرتدي أبهى حلله، وتناول قبعته وخرج إليه، فسأله عن سر ذهابه وعودته بهذه السرعة القائقة، وعما إذا كان قد حصَّل الديون المُستحقة، فردَّ عليه بالإيجاب، فعاد شوكون يسأله عما اشتراه لأجله بقيمة ما تم تحصيله، فأجابه فنغ شوان قائلًا: «كنت قد تركت تقدير ما ينبغي شراؤه من متاع ضروري لبيتك، فلما تأملتُ الأحوال جيدًا، نظرت فوجدتُ لديك أكداس الذهب والفضة، وفي حظائرك ما لا يُحصى من الخيل والجياد، بينما قد ملكت يمينك صفوفًا متراصَّة من السرائر والمَحظيات والجواري الحِسان، ولم يعُد ينقص بيتك من المتاع شيئًا سوى البر والعدل والإحسان، فاشتريتُ لك منه الشيء الكثير.» فسأله شوكون: «ماذا يعود عليَّ من ذلك؟» فأجابه: «قد نظرتُ فوجدتُ إقطاعك بمنطقة شودي ضئيلًا للغاية [كأنه بيت عائلة قليل المساحة متواضع الأركان ومع ذلك] فأنت لا تبذل للمُقيمين هناك ما يليق من الرأفة والعناية الواجبة بوصفك الأب الحاني والسيد الحامي حِمى قومه، بل تتعامل معهم بمنطق التاجر الساعي وراء الربح، [ولكي أُصحح مفهوم العلاقة] قررتُ أمرًا من تلقاء نفسي، لكني تحدثتُ باسمك فأمرت بحرق المُستندات والصكوك، وتنازلتُ عن الديون المطلوبة، وجعلتها منحة للأهالي، فتهللوا وهتفوا لكم بدوام العز والبقاء، فكانت تلك أحسن وسيلة للفوز بخير متاعٍ وهو العدل.» فابتأس شوكون، وقال ساخطًا: «فالأمر إذن، ما قد حصل!»

الجزء السادس من الفصل نفسه

فلمَّا دارت دورة الأيام، وانقضى من الزمان عام، حدث أن التقى شوكون بملك تشي، فقال له جلالته أثناء اللقاء إنه لم يعد من المقبول أو اللائق [حسب الأصول] بالنسبة له وهو الرجل الجالس على عرش تشي بأن يستبقي إلى جواره الرجل نفسه الذي عمل رئيسًا للوزراء إبَّان حكم والده الملك الراحل [وكان المقصود من ذلك تنحية شوكون عن منصبه] فلم يكن أمام شوكون إلا أن يذهب إلى إقطاعيته الكائنة بمنطقة شودي، فبينا هو على الطريق وقبل أن يبلغها بحوالي مائة لي تقريبًا، خرج الأهالي واصطفُّوا على جانبي الطريق يحملون صغيرهم ويسندون كبيرهم في انتظار وصوله، فمال شوكون على فنغ شوان وقال له: «ها قد رأيت بعيني رأسي اليوم ما اشتريتَه لي بالأمس من الرحمة والعدل.» فأجابه قائلًا: «الأرنب الماكر يحفر لنفسه ثلاثة جحور لينجوَ من خطر الموت مرة واحدة، وليس لك إلا جُحر واحد، فلا أظنُّك تهنأ بالأمان يقظانًا أو تحلم بالهناءة نائمًا، فائذن لي أن أُهيئ لسيادتك الجُحرَين الباقيَيْن.» وهكذا أعطاه شوكون خمسين عربة وخمسمائة (جين) [مائتي جنيه] من الذهب والفضة وأوفده إلى دولة وي [الواقعة غرب البلاد] ليقوم بالمناظرات والدعايات السياسية اللازمة لإتمام خطته، فلمَّا التقى فنغ شوان بجلالة الملك هوي — حاكم وي — قال له: «قد بلغك أن دولة تشي قامت بإبعاد رئيس وزرائها شوكون ونفيه في البلاد، فأول من تستضيفه من الدول ستتمكن من تحقيق موارد مالية وفيرة وتأسيس جيش قوي.» وبالفعل فقد استجاب ملك وي لهذا التصوُّر وقام بإخلاء أرفع منصب قيادي في حكومته وذلك بنقل رئيس الحكومة من مكانه ليتولَّى منصب قائد عام القوات المسلحة وأوفد بعثة تحمل مائة عربة فخمة وهدايا ثمينة إلى شوكون، بالإضافة إلى خطاب تكليف رسمي له من قبل الملك، وأسرع فنغ شوان بالسفر إلى شودي ليقول ﻟ «شوكون»: «إن ألف جين من الذهب [خمسمائة وزنة] هدية لها قيمتها بمناسبة تكليفك لدى البلاط الملكي وكذلك فإن مائة عربة تجرها جياد مُطهمة تعد صلة كريمة وسفارة راقية، ولا بد أن دولة تشي قد بلغتها أنباء ذلك [الكرم ذائع الصيت].» وتردد الرسل ذهابًا وإيابًا بين ملك وي والسيد شوكون دون أن يبدي هذا الأخير أية موافقة على التكليف الموجَّه إليه، أما ملك تشي فقد أحس بالارتباك هو ورجال دولته عندما بلغتهم هذه الأخبار، وأسرع جلالته بإيفاد «تايفو» [أحد كبار الموظفين] إلى شوكون مُحمَّلًا بأكثر من ألف جين ذهبًا، وعربتَين مزخرفتَين على نحو بديع، وسيفًا بحمَّالة وخطاب اعتذار من جلالته شخصيًّا، موقِّعًا عليه بإمضائه، ونص الخطاب جاء فيه: [اعلم أنه قد جانبنا الصواب فيما قرَّرناه بشأنك، ولئن كنتُ قد أسأت إليك فقد حلَّ عليَّ سخط الأسلاف، ووقعت في شَرك الضلال بما دبَّره حسَّادك ومُبغضوك، وبعد، فحاضِرُ صفحك أنبلُ من سابق إساءتي إليك، وأرجو أن تحضرك ذكرى من تقدَّسَت أضرحتهم من سادتنا الملوك الأقدمين (وأستحلفك بتلك الذكرى) أن ترجع إلى بلدك، لتقوم على شأن الآلاف المؤلَّفة من بني وطنك] هنالك أسرع فنغ شوان إلى شوكون لينصح له بأن يبادر إلى تقديم طلب عاجل للملك يرجوه فيه أن يُرسل إليه بأواني القرابين المقدَّسة الخاصة بأضرحة أجداده من الملوك السابقين؛ كي يُلحقها بما ينوي أن يُشيده من معابد ملكية في شودي، فلما تم بناء المعابد ذهب فنغ شوان إلى شوكون ليقول له: «قد صارت لك الآن ثلاثة جحور، فطِب نفسًا واهدأ بالًا ونم قرير العين.»

الجزء السابع من الفصل نفسه

وبقي شوكون في منصبه رئيسًا لوزراء البلاد فوق العشر سنوات، مرت بغير أدنى قدْر من القلاقل أو الاضطرابات فكان الفضل في ذلك لما سار عليه من انتهاج السياسات والخطط التي وضعها فنغ شوان.

لمَّا شرع شوكون في تنفيذ سياسة التحالف

لمَّا شرع شوكون في تنفيذ سياسة التحالف مع المحور الشمالي الجنوبي، حضر إليه «كونسون هونغ» (أحد مواطني دولة تشي) وقال له: «أرى يا سيدي أن من الأحسن أن توفد أحد رجالك إلى دولة تشي ليقف على طبيعة [سمات شخصية] حاكم البلاد هناك (الملك جاو) فإذا ما أشارت الاستنتاجات إلى ميوله الإمبراطورية التوسُّعية، فلعلك تُدرك من الآن استحالة قبولك للعمل تحت إمرته وزيرًا في دولة التحالف، وبالتالي يتضح لك عدم جدوى السعي لتنفيذ السياسات الرامية إلى عقد التحالف، أما إذا كشفت الاستطلاعات عن ضعفه وسقوط همَّته، فلا بأس من أن تواصل لتنفيذ سياسات التحالُف حتى وإن أعضل بك الأمر معه، ولن يكون قد فاتك من الوقت الكثير.» فرد عليه شوكون قائلًا: «لا مانع عندي، وأرجو أن تبادر فورًا بالسفر لتقوم أنت بمُراقبة الأمور عن كثب.»

الجزء الثاني من الفصل نفسه

فلمَّا أذعن «كونسون هونغ» وتهيأ للرحيل، قام وأشرف على قيادة عشر عربات فسافر بها إلى تشين، وما إن بلغ نبأ ذلك إلى حاكمها جلالة الملك جاو، حتى فكر في أن ينتهز فرصة اللقاء به ليوجِّه إليه إهانات لفظية، وعندما مثل «كونسون هونغ» بين يدَيه، سأله الملك قائلًا: «ما مساحة إقطاعية شودي؟» فأجابه بأن مُحيطها يبلغ مائة لي، فقال له الملك بتهكم: «إن مُحيط الأراضي التابعة لي تبلغ ما يزيد على الألف لي، ومع ذلك فلا أجسر على أن أعادي أحدًا، فما بال شوكون يريد أن يُعاديني ولمَّا تزد أرضه عن بضعة الأميال التي ذكرتها لي؟» فرد عليه «كونسون هونغ» قائلًا: «من المعروف عن شوكون أنه يُصادق الحكماء والنابهين، أما جلالتكم فلا يؤثر عنكم شيء من ذلك.» فسأله الملك عما يقصد بميل شوكون إلى الحكماء، وما هي صفاتهم فأجابه: «إنهم أولئك النفر الذين يتمسكون بما هو حق وصدق وعدل، دون خضوع لصاحب نفوذ، ولا يتملَّقون ذوي السلطان، والذين إذا علت أقدارهم صاروا السادة والملوك عن جدارة، فإذا تردَّت مكانتهم، استنكفوا أن يذلوا أعناقهم للناس، وعمومًا، فليس بين الناس جميعًا من تتحقق فيهم هذه الخصال سوى ثلاثة فقط، [هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن] النابهين القادرين على إدارة شئون الممالك على أساس من العدل، حسب وصايا وتعاليم (الحكيمين) «كوانجون» و«شانيانغ» فهم الذين يُخططون للسياسات التي ترفع من قدْر أمرائهم إلى مرتبة الملوك، وترقى بمكانة ملوكهم إلى مصاف الأباطرة العظماء، وليس هناك من هذا النوع من النابهين سوى خمسة فقط، وعندما يلجأ سادة الممالك من ذوي الهيبة والسلطان والملك الواسع إلى إهانة الرسل، فلن يملك هؤلاء إلا أن يقتلوا أنفسهم بأيديهم ويلوثوا بدمائهم القمصان الملكية الناصعة، فأنا واحد من أولئك الذين يبلغ عددهم عشرة أفراد.» فضحك حاكم تشين وقال لكونسون هونغ — فيما يُشبه الاعتذار: «لا أدري ما الذي يُثيرك إلى هذا الحد، فإنما قد أردت أن أتجاذب أطراف الحديث معك، وليس بيني وبين شوكون سوى الإخاء والمودة الصادقة، وكل ما أرجوه منك هو أن تنقل إليه أصدق مشاعري وأخلص تحياتي.» وهنالك أومأ كونسون هونغ برأسه علامة الطاعة والإيجاب.

الجزء الثالث من الفصل نفسه

ويستحق كونسون هونغ أن يُعرف بين الناس بصفته كريمًا، عفيفًا، عزيز النفس، مثلما يستحق ملك تشين أن يُوصف بأنه الرجل القوي الذي يحكم دولة قوية أما شوكون فلم يزد عن كونه واحدًا من كبار الموظفين [من ذوي الأملاك والثروات الطائلة] أما ما يؤثر عنه من إقرار لأصول المعاملات ومراعاة للعدل والكرامة والإباء، فقد كان الفضل فيه لما قام به كونسون هونغ من دور نشيط، وهذا بالضبط هو ما يؤهل هذا الأخير للقيام بدور المبعوث الذكي بكل جدارة وتفانٍ.

لمَّا تكلم لوجون ليان مع شوكون

تحدث «لوجون ليان» إلى شوكون، فقال له: «هل تحب الحكماء حقًّا؟ قد كان في قديم الزمان واحد من الوجهاء يُدعى يونمن [تحدثت عنه سير التاريخ بأنه …] كان يتكفل بأمر النابهين [فمن ذلك أنه] قام برعاية «جياوتش» [أحد التابعين له]، وكذلك فعل الشيء نفسه الوجيه الأمثل «يانغ ديتس» الذي أخذ على عاتقه رعاية الأكفاء والموهوبين، حتى إنه كان يُطعمهم ويكسوهم مما يأكل ويلبس، فحفظوا له جميل صنيعه معهم. وكادوا يبذلون له أرواحهم لرد الجميل، ها أنت أوفر مالًا وأعزُّ جاهًا من «يونمن» و«يانغ ديتس» ومع ذلك فليس هناك من يبذل لأجل خاطرك أدنى جهد.» فأجابه: «هذا لأني لم أجد بعدُ مثل أولئك النابهين، فلو كنت قد عثرت عليهم، لفزت بولائهم وتفانيهم من أجلي.» فرد عليه لوجون ليان قائلًا: «في حظائرك مائة جواد من أفضل السلالات لكل جواد كسوة من الكتان وقد امتلأت الآنية بالذرة والأعلاف [فهل أغدقت على أحد مثلما فعلت مع جيادك؟] ولئن كان في قصرك عشر محظيات، لكل واحدة منهن ثوب مُطرز بأبهى زينة، وخادمات يطُفنَ عليهن بأطباقٍ شهية وأكواب أصفى شرابٍ [فهل أنعمت على أحد بمثل هذا الكرم؟] ثم إنك — في كل ذلك — ابن زمانك الحاضر الذي تقتني فيه الجياد وتعشق فيه المحظيَّات، ففيمَ انتظارك لحكماء مضى زمانهم؟ فمن ثم أقول لك: إن ما تُبديه من حُب وإكبار لأهل الحكمة محض كلمات جوفاء.»

لمَّا كان شوكون في طريق عودته

لما كان شوكون عائدًا إلى تشي التي سبق لها أن لفظته، فقد وجد في استقباله رجلًا يُدعى «تان شيتس» تقدم منه وحيَّاه قائلًا: «لعلك تجد في نفسك شيئًا من الضغينة تجاه الحكماء والنابهين بدولة تشي!» فأجابه: «هذا صحيح تمامًا.» فقال له «تان شيتس»: «وهل يَشفي غليلك أن تثأر لنفسك بقتلهم جميعًا؟» فلما رد عليه شوكون بالإيجاب قال له: «[يقال في الأمثال …] للأمور عواقب لا رادَّ لها، وللطبائع مبادئ لا مَحيد عنها، أتفْهَم معنى هذا القول؟» فلما أجابه شوكون بالنفي، راح يوضح له المَغزى قائلًا: «إن العاقبة التي لا رادَّ لها هي الموت، وأما الأساس الذي لا يتبدل في جوهر الطبائع فهو محاباة الناس للغني القادر ومجافاتهم للفقير المعدم [ ذلك هو مغزى ما ذكرته لك آنفًا!] فإن شئت أن أضرب لك مثلًا بما يجري في الأسواق والمتاجر فانظر كيف يكون السوق مزدحمًا في أول النهار ثم يصير بلقعًا خاليًا من الباعة الجائلين في آخر الليل، أترى السبب في ذلك أن الناس تُقبل على الشراء نهارًا وتمقُته ليلًا؟ كلَّا، بل إنهم إذا رغبوا في الشراء قصدوا المتاجر صباحًا، حتى إذا مر الوقت بين بيع وشراء وجاء الليل، نفدت السلع، وخلت الحواصل من البضائع، وهجر الناس الأسواق زرافاتٍ ووحدانًا، [فتأمل ذلك … وتبصر] وانزع ما في قلبك من ضغائن.» وبالفعل فقد تناول شوكون قصاصات الأوراق التي سطر عليها أسماء مُبغضيه والمُتحامِلين عليه، فمحا الأسماء كلها، ولم يعُد يطرق باب الحديث حول هذا الموضوع بعد ذلك أبدًا.

لمَّا التقى الملك شيوان بالزاهد الحكيم

لمَّا التقى الملك شيوان، حاكم تشي، بالزاهد الحكيم «يانشو»، قال له: «تعال ها هنا أمامي يا «يانشو»!» ورد عليه يانشو باللهجة نفسها آمرًا: «بل أقبل أنت يا جلالة الملك وقف أمامي!» فتغيَّر وجه الملك من الغضب، وضجَّ الحاضرون جميعًا وصار المُتحلقون حول جلالته يقولون للرجل: «ما الذي دهاك حتى ترد على الملك الذي أمرك أن تمثُل أمامه بأن يذهب هو إليك ويقف قبالتك؟! أما عرفتَ أنه الملك سيد الناس جميعًا، وما أنت إلا مجرد واحد من الرعية؟!» فأجابهم يانشو قائلًا: «إن ذهابي إليه (لو ذهبت) تملُّق وطمع في جاه، بينما امتثاله بالوقوف بين يديَّ تواضُع ومودة للحكماء.» فزاد غضب الملك واشتدَّ هياجه وهو يجيب قائلًا: «مَن الأكثر استحقاقًا للتوقير والإكبار؛ الملوك أم الحكماء؟» فلما ردَّ عليه يانشو بأن الحكماء هم الأجدر بذلك، سأله الملك عن السبب في هذا وعلى أي أساسٍ يبني ذلك التقدير؟ فانطلق «يانشو» يقول له: «هناك بالطبع منطق يحكم مثل هذه التقديرات [لكن دعني أقص عليك حكاية قصيرة، فقد] قامت دولة تشين، فيما مضى بمهاجمة تشي، وأثناء القتال، أصدر حاكم تشين أوامر تقضي بإعدام كل من يحاول أو يشرع في قطع الأشجار المُحيطة بمدفن المُفكر والفيلسوف الراحل «ليو شياوي» بحيث يُعَد الحكم بذلك نهائيًّا غير قابل للطعن أو النقض على أي نحوٍ كان، وفي الوقت نفسه أصدر حاكم تشين أيضًا قرارًا آخر متزامنًا مع الأمر السابق ذكره وينص على «مكافأة من يأتيه برأس ملك تشي بمنحه عشرين ألف أوقية ذهبًا خالصًا، وإلحاقه بمركز وظيفي مرموق في الدوائر الحكومية العُليا؛ ففي ذلك ما يدل على مدى التبجيل والتقديس والاحترام الذي حظِيَ به رفات رجل حكيم مما لم يتوافر لرأس ملك على قيد الحياة.» وهنا أطرق الملك بوجهٍ عابس ولم ينطق بشيء.

الجزء الثاني من الفصل نفسه

وتحدث المُجتمعون حول الملك إلى الزاهد الحكيم يانشو قائلين له: «تريَّث في أحكامك أيها الزاهد (الفيلسوف)، أما قد علمتَ أن جلالة الملك يمدُّ سلطانه فوق أراضٍ شاسعة [تحوطها ألوية وكتائب وتحرسها آلاف مؤلفة من العربات العسكرية] وأن له المعابد المشيدة [وله تدق النواقيس بأجرامها الهائلة المُعلقة] وأن كل من تحت السماء من أهل الحكمة [بما في ذلك أشهر المجادلين والمتناظرين] والداعين بين الناس بالحق والعدل، جميعهم بغير استثناء قد قصدوا أعتابه الملَكية ولم يستنكفوا أن يهتدوا بنُصحه وإرشاده، كما لم تأبَ دولة من الدول التي فوق الأرض أن تخضع لنفوذه وتأتمر بأمره [وتأتيه طوعًا بما يحتاج أن يفرضه عليها قسرًا]، فالكل مُستجير به ملتجئ إلى عونه ومساندته، أما الحكماء [الذين تتحدث عنهم] فإن أعلاهم قدرًا يمشي بين آحاد الناس على قدمَيه ويُقيم بأطراف الحقول والمزارع، أما أدناهم مكانة، فيسكن الأحراش ويهيم في البرية، أو يقبع عند مداخل الأزقة والحواري الضيقة [وضيع الشأن، حقير المنزلة]، فليس الحكماء، والزهاد على شيء مما يستوجب التوقير والإكبار!»

الجزء الثالث من الفصل نفسه

وردَّ يانشو قائلًا: «مال بكم الرأي وجانبكم الصواب؛ أما عرفتم أن الأمراء والحكام في زمن الإمبراطور الأكبر «يو» [مؤسس عرش أسرة «شيا» الحاكمة] كانوا يقومون على شئون إماراتهم ودويلاتهم مُهتدين في ذلك بمبدأ «مراعاة التقاليد الأخلاقية النبيلة» ومُستندِين إلى ما شاع بين الجميع من تبجيلهم لرجال الحكمة والأماجد والنبهاء، وهكذا [فقد كان ذلك هو المبدأ الذي بواسطته] جرت ترقية الملك شون من مجرد عامل زراعي يجوب المزارع والمحلات البعيدة إلى مرتبة الإمارة، وقد بلغ عدد الحكماء [من هذا النمط [في زمن الملك تانغ] أسرة شانغ الملكية] ثلاثة آلاف فرد، أما في زماننا هذا فلم يعد هناك من الملوك الجنوبيين الذين تسبق أسماءهم ألقاب: «المتواضع»، «المسكين»، «الخادم الفقير» سوى أربعة وعشرين حاكمًا فقط، وهذا في حدِّ ذاته دليل واضح على أن التسويات والمُساومات السياسية قد جاءت بأوخم العواقب، حتى صار الملوك والأمراء يتقاتلون ويزاحِمون بعضهم بعضًا في الاستئثار بحُكم الدويلات أو الاستيلاء على عروش الأباطرة، فأبادوا الديار وشتَّتوا الناس وأفنوا القبائل والعشائر، ولم يعد هناك — من الأمراء — من يفكر في أن يذهب ويقبع بجوار بوابات الأزقة والشوارع [كالحكماء والزهاد، فيما مضى] وهو المعنى الذي نُطالع شيئًا منه في «كتاب التغيرات» حيث يرد النص التالي: «إذا ما تولَّى المرء منصبًا مرموقًا دون جدارة أو استحقاق بموجب مزايا أو مواهب أصيلة ثم راح يتباهى بين الناس فخورًا بما أوتي من جاهٍ وشرفٍ ومكانة، فسوف يتطبع بطابع الصلف والغرور، وهي صفات قريبة من معاني النفاق والنذالة والكبر والهمجية، ومن ثم فالساعي إلى المجد بغير امتلاك لأسباب المجد قمين بالانكسار والمذلة، وكالباحث عن لذيذ العيش دون سندٍ من خصال أو أخلاق، فدرْبُه وعر، ومسالكه عسر، ومصيره محتوم، بعد اللِّين، بالضيق والشدَّة، ومن كسب مالًا أو جاهًا بغير جهدٍ أو فضل، فالهوان قدره المقدور؛ ونكبته النكباء لا تزول …» [ فمن ثَم كان] المُتشدِّق بالفضل ليس له أي فضل، والراجي من دون سند للرجاء لا يُنال له رجاء.» وكان الحكماء قديمًا حريصين على أن ينالوا المجد بما يبذلون من جهد، حتى إن الملك «ياو» اضطر [لكثرة ما تراكم عليه من مشاغل] أن يستعين بتسعة من المساعدين، أما الملك شون الحكيم، فقد كان له سبعة من المعاونين، وكان للإمبراطور العظيم «يو» خمسة من المعاونين، بينما تضاءل العدد إلى ثلاثة فقط في عهد الملك تانغ ولم يحدث على مرِّ الزمان أن ترقى إلى أوج المجد من لم يتزوَّد بزاد الحكمة، فمن ثم لم يرَ الملوك عيبًا في طلب العِلم والنصح والمشورة، ولم يتحرَّجوا عن استصواب آراء العامة والدهماء أن نطق فيهم ناطق الحكمة؛ فكان سلوكهم هذا هو سبب ذيوع شهرتهم وبلوغهم آفاق المجد بما وطَّدوا أنفسهم عليه من مبادئ سامية وما اكتسبوه من أخلاقٍ وفضائل، ومن بين الملوك والأباطرة الذين ساروا على هذا النحو: ياو، شون، يو، تانغ، أون.

ولقد كان يُقال دائمًا [في مأثور الأمثال]: «إن الخفي الباطني من الأمور هو الذي يُحدد ويسود على الظاهر الملموس منها، وكل ما لا يُعلم له بداية يصبح هو الأساس لكل بداية.» إن كل من يسبر غور الأشياء ويعي منطلقاتها، هو وحده الذي يفهم مسار تطورها، ويبلغ في ذلك ما بلَغه القديسون والعلماء، من تمكن وفهم أسرار العلم وبواطنه، [… وإن كنت أعجب لشيء] فإني أعجب لمن يُنكر الخير والصواب لمن يسلك ذلك السبيل! ومما يذكر عن [ الفيلسوف الحكيم] لاوتسي في هذا الصدد، قوله: «لا [بلوغ ﻟ …] رفعة وتوقير بغير [سابق عهد ومقام في] مذلة وتحقير، ولا مجد لمن لم يسقط في قاع الحضيض.» وهكذا يُطلق الملك «خو» على نفسه لقب «الضعيف»، «المسكين»، «الحقير»، انطلاقًا من مبدأ التوسُّل بالضعة والمذلة، بلوغًا لأرفع مقام شريف؛ ذلك أن جلالته يختار لنفسه لقبًا لا يُطلَق إلا على من تدنَّت مكانته من العامة والبسطاء، أوَليس ذلك دليلًا على استعداده للنزول الى أدنى موقع اجتماعي يُمكِّنه من التطلع بعين التبجيل إلى مرتبة الحكماء الزهاد؟ إن ذلك هو ميراث العلم والحكمة والزهد من «ياو» إلى «شون» ومن بعدهما إلى «يو» والملك تشنغ حاكم «جو» وأخيه الأصغر الذي خلفه على عرش البلاد والملك «كندان»، فأولئك هم الملوك الحكماء، الذين أشاد الناس على مر الأجيال بسيرتهم وفضلهم، وفي هذا ما يكفي لتبيان مدى ما يناله الحكماء الزاهدون من احترام وتقديس.»

الجزء الرابع من الفصل نفسه

تنهد الملك شيوان عميقًا وهو يقول: «كيف يمكن لملك أن يقف هذا الموقف غير اللائق؟ لكني أنا الذي جلبتُ على نفسي كل ذلك، وكنت جديرًا بالذم والتوبيخ، وقد سمعت منك اليوم يا «يانشو» ما بصَّرني بحقائق الأشياء، وأرجو أن تقبلني منذ اللحظة واحدًا من تلاميذك وحوارييك، وسيطعم كِلانا، أنا وأنت، طعامًا واحدًا، وتركب في تجوالك عربة تجرُّها الجياد، وتلبس زوجتك وبناتك أفخر الثياب.»

الجزء الخامس من الفصل نفسه

اعتذر يانشو بأدب قائلًا: «إذا كانت تصفية الشوائب عن حجر الماس تستوجب تغيير ملامحه وإعادة تشكيل حالته الخام الطبيعية فهي لا تعني فقدانه لقيمته، بل تعني تغيير شكله الظاهري، وإذا قُدر للحكيم الزاهد المقيم في القفار الوحشية أن [يلتحق بوظيفة مرموقة] ويحظى بدخل هائل وثروة وافرة فسيسعد بذلك كثيرًا لأنه لا يكره الشهرة والثروة والنفوذ — أصلًا — لكنه سيخسر روحه ويبدِّل جوهره، [وكل ما أرجوه يا مولاي أن …] أعود إلى بلدتي، وأمضغ طعامي على مهل، كأني أتلذَّذ بالْتهام أصناف من اللحوم، وأمشي على الطرقات هانئًا سعيدًا كأني أركب عربة فارهة، وتمتلئ روحي بالثقة والرضا كأني صاحب ثروة وجاه عريض، أعيش حياة سعيدة هادئة، لا يُراجعني أحد في آرائي سوى جلالة الملك، الذي لن أتوانى عن أن أبذل له كل الإخلاص والصدق. (والآن) وقد فرغت من ذكر أهم ما في جعبتي من الكلام، فأرجو أن يأذن لي الملك في العودة إلى مسقط رأسي حيث أرجع إلى بيتي وحجرتي الصغيرة.» ثم انحنى بجسده راكعًا، واستأذن الملك في الانصراف.

الجزء السادس من الفصل نفسه

كان يانشو صادقًا في رضاه، مخلصًا في قناعته، وقد آب أوبًا حسنًا إلى نقي طبعه وأصيل جوهره، فسلِم من الخزي طوال حياته.

لمَّا وقف السيد واندو أمام القصر الملكي

وقف السيد «واندو» أمام القصر الملكي يريد مقابلة جلالة الملك شيوان حاكم تشي، فأرسل إليه جلالته من اصطحبه إلى داخل القصر[فلما سُئل الرجل عما يريده من المقابلة] قال: «أريد أن أسأل أولًا إن كان جلالة الملك يُفضل أن يلقاني وأنا أسرع إليه الخُطى كأني طالب منفعة أو ساعٍ لمآرب ذاتية، أم يتكرَّم جلالته بالإسراع نحوي (بوصفه) تكريمًا لي كأني واحد من الحكماء والنابهين؟» فراح الحاجب يسأل الملك في هذا الشأن فأجابه: «دع الرجل يتقدم إليَّ على مهل وسأستمع إليه [مثلما أستمع إلى العلماء] وآخُذ بمشورته ورأيه.» وأسرع جلالته بنفسه للقاء السيد واندو عند بوابة القصر، فاستقبله وأدخله معه وهو يقول له: «إن شخصي المسكين لن يتوانى عن التفاني في خدمة الأحياء والأموات جميعًا، فأنا أتقدم بالقرابين والنذور لأجدادي [عسى أرواحهم ترضى عني] مثلما أدافع عن وطني وأحمي عرضي، وقد بلغني أنك آتٍ بصادق الرأي وخالص النصيحة فقل ما شئت ولا تثريب عليك.» فردَّ الرجل، وقال: «لا تصدق يا مولاي ما يصل إلى أسماعك لأنه لا يذاع عندك إلا أكاذيب مُلفقة، ولئن كنت أنا واحدًا من الأحياء في زمنك، فإنما قد شهدت أيامًا مضطربة وفوضى عارمة، وخدمت تحت إمرة الحمقى والخبالى، فكيف أصدُقك القول وأخلص لك النصح؟!» وعند هذا الحد تغير وجه الملك من الغضب وتكدَّرت نفسه للغاية.

الجزء الثاني من الفصل نفسه

وسكت «واندو» قليلًا ثم قال: «كانت أحب الأشياء إلى قلب جلالة الملك الأسبق «هوانكون» الاجتماع إلى الأمراء وكثرة التودُّد إليهم، فاستطاع [بهذه الطريقة] أن يضبط أمور الممالك، فأقطعه الأمراء الكثير من الأراضي، ونصَّبوه ملكًا عظيمًا وسيدًا حاميًا للدويلات كلها، وللحق يا مولاي، فإن جلالتك تتشابه مع الإمبراطور «هوانكون» في أربع خصال.» فسُر الملك شيوان كثيرًا وقال: «وأين أنا من ذلك الإمبراطور العظيم وأنَّى لي أن أشترك معه في أربع خصال وأنا قليل العلم، بليد الذهن، خامل الفطنة والذكاء، أحاول قدر جهدي أن أصون بلادي وأحميها من المخاطر وأشعر أني مُقصر حتى في القيام بحق هذا الواجب الأساسي.» فرد عليه واندو قائلًا: «على رِسلك يا مولاي، بل إنك تجتمع مع جلالة الإمبراطور في أربع خصال حقًّا، ذلك أنك تُحب تربية الخيول، وتقتني الكلاب، وتُعاقر الخمر، وتهوى النساء مثلما كان يفعل تمامًا، لكن الفرق الوحيد بينكما أنه كان يُجالس الحكماء ويُقربهم إليه، وليس هذا من جملة عاداتك.» فأجابه: «وماذا أصنع إذا كان زماننا خلوًا من الحكماء؟» فقال واندو: «وزماننا أيضًا لم يعُد فيه ذلك الصنف الجيد من الخيول التي كان يُربيها الإمبراطور المذكور ومع ذلك فحظائرك تمتلئ بالجياد التي تجرُّ عربتك الملكية، ولديك العديد من الكلاب برغم أن السلالات الجيدة التي اشتهر الإمبراطور بتربيتها لم تعُد موجودة اليوم، وفي قصرك السرائر والمحظيات أشكالًا وألوانًا وليس من بينهن ربَّات الحُسن أو صاحبات الصون والعفاف مثل أولئك اللائي كنَّ يقمن في الخدور في سالف الزمان، وكل ما في الأمر يا مولاي أنك لا تُحب الحكماء، فلماذا تشغل نفسك بأمرهم؟» فرد عليه بقوله: «إن «شخصي الضعيف» يحب بلده وشعبه ويهتم بكل شئونه، ويرى من ثم أن الحكماء هم خير سند لسياسة أمر البلاد.» فقال له محدثه: «لكن اهتمامك يا مولاي بشئون بلدك وحبك لشعبك يكاد لا يرقى إلى درجة اهتمامك وحبك لقطعة من الحرير طولها ذراع واحدة.» فدُهش الملك وسأله عما يقصد بذلك فأجابه: «أريد أن أقول لجلالتك إنك إذا أردت أن تصنع لرأسك عمامةً قصدت الحائك ليصنعها لك، وأعرضت عن كل أوفيائك وأصدقائك المُتحلقين حولك، وذلك لأنك تعلم أن الحائك هو الوحيد الذي يُقدر على إتمام ما كلفته به بحكم تخصُّصه وتجربته ومهارته، فإذا ما عرض أمر من أمور الحكم ومسئولياته، قصدت إلى حاشيتك وأصفيائك، فاتخذت منهم الوزراء دون غيرهم من الناس، فلهذا قلت إن ذراعًا من الحرير [تصنع به عمامة …] أهم عندك من الدولة والأهالي.» وهنا خفض الملك رأسه، وقال معتذرًا: «قد جانبني الصواب، إذن!» ثم إنه تخير خمسة من الحكماء وولَّاهم مناصب رسمية (كبرى)، فاستقرت أحوال دولة تشي وسارت الأمور فيها سيرًا حسنًا.

لمَّا أوفد ملك تشي رسولًا

أوفد الملك شيانغ رسولًا من طرفه إلى سيدة القصر الحاكم بدولة جاو [زوجة الملك هوي حاكم جاو ووالدة الملك شياوتشين الذي تسلم العرش صغيرًا فصارت الأم وصيةً على العرش وحكمت البلاد] ليُبلِغها التحية وأطيب الأمنيات، فلمَّا مثل الرسول بين يدَيها بادرته قبل أن يفضَّ الرسالة بوابلٍ من الأسئلة: «كيف أحوال موسم الحصاد هذا العام؟ وهل أضرت الفيضانات الموسمية بالمحاصيل أو الأهالي؟ وكيف صحة جلالة الملك؟» فاستاء المبعوث وتكدَّر خاطره للغاية وقال لها: «قد تم إيفادي إلى جلالتك تنفيذًا لتكليف رسمي من قبل ملك تشي ومع ذلك فلم يكن السؤال عن أحوال الملك هو أول مشاغلك واهتمامك، بل بدأت بالاستفسار عن أحوال الحصاد والمزارعين، فهل من المقبول أن يفتتح السؤال بذكر السفلة والدهماء، ويتذيَّل بالإشارة (العابرة) إلى الأماثل والعظماء؟» فأجابته: «ليس الأمر على ذلك النحو، بل ما أقصد إليه أن كمية المحصول السنوي إذا تعرضت للنقصان، فلن يجد القصر الحاكم وسيلةً لإعاشة الأهالي، وإذا أُصيب الأهالي بنكبةٍ هائلة من جراء ذلك، فكيف تثبت أركان العرش الحاكم؟ لذلك فمن المعقول أن نبدأ شجرة الاستفسار بما رسخ من جذورها وليس بما تشعَّب من فروعها.» ثم إنها استدركت تسأل المبعوث: «كيف أخبار العالم الزاهد «جون ليتز» المُقيم لديكم بدولة تشي؛ أهو بخير؟ وإنه واحد من ذوي السلوك المُتفرد بين الناس؛ فهو يطعم الجائع الذي يعدم القوت، ثم إنه يطعم الشبعان أيضًا، ويمد رداءه فوق العاري المسكين مثلما يكسو المتأنق في رداء من حرير، وإني لأعجب كيف يقصى مثل هذا الرجل عن الموقع الجدير به؛ حيث يستطيع أن يكون خير عون لجلالة الملك في إعاشة الأهالي وسياسة شئون حياتهم.

وأسألك أيضًا عن الزاهد الحكيم بأرضكم، ذلك المدعو «إيانزي» ما أخباره؟ وما كان لي أن أستفسر عن مثل هذا الرجل لولا ما عرف عنه من خصالٍ مثالية، إذ إنه يؤنس وحشة البائسين، ويواسي المنكوب، ويعين المكروب، ويجدد الثوب الخلَق لمن تهرأت أسماله، ويمد الأسمطة، وينصب الموائد لكل ذي مسغبة، فلماذا لا يُقرِّبه البلاط الحاكم ويجعله ضمن خاصته؟ لعله يعين الملك على تنفيذ خططه الرامية إلى الارتقاء بالأحوال العامة [وزيادة الحرث والنسل] وماذا عن ابنة بلادكم البارة الزاهدة «بايكون إينر» التي نزعت أقراط أُذنَيها وأضربت عن الزواج حتى بلغت من العمر عتيًّا لتبقى خادمة وفيَّةً لأبويها العجوزين، ولا أدري ما الذي يمنع القصر الحاكم عندكم من أن يتكرم عليها بالإنعام اللائق ويمنحها لقب ومكانة «السيدة الملكية الجليلة» عساها تدعم سياسة الحكم التي تستهدف إشاعة روح البر والطاعة بين الأهالي. ولئن كان اثنان من الحكماء يُستبعَدان من شغل المناصب الرسمية، وواحدة من أشهر الفتيات برًّا ووفاءً، تُحرَم من شرف الدخول في معية الصفوة المُقربة من البلاط الملكي، فما الذي تستندون إليه في إدارة سياسة البلاد، وما الذي يضمن لكم القيام بواجب القيادة والرعاية لمصالح شعبكم؟ [قل لي بهذه المناسبة …]: أما زال العالم الزاهد «زيكون» على قيد الحياة، ويعيش أيامه في مقر إقامته ببلدة «أولينغ»، أما زال كعهده زاهدًا في الجاه والسلطة والنفوذ [مما لدى الملك]، مترفعًا عن الدعوة إلى الإصلاح وضبط الأحوال [بين الناس]، مُتجافيًا عن مواثيق التحالُف مع أمراء الدويلات، [ذاهلًا عن الدنيا بأسرها] مما يجعله مثالًا [فاسدًا] للامبالاة وسقوط الهمة والاستخذاء، ثم إنكم تتركونه حيًّا إلى الآن ولا تزهقون روحه؟!»

لمَّا ذهب رجل من تشي وقابل أحد الدعاة

ذهب رجل من تشي وقابل أحد دعاة المذاهب الفكرية، الملقب ﺑ «تيان بيان»، ثم قال له: «بلغني يا سيدي أنك رجل فاضل ذو خلق وعلم ومكانة وضمير حي لا يقبل الضيم، فإن كنت قد قررت [كما أشيع، وحسب ما تروج له من أفكار …] أن تهجر الوظائف العامة، فمرحى! وإني ليُشرفني أن أقوم على خدمتك [تعظيمًا وإكبارًا].» فسأله تيان بيان: «من أين لك بهذه الأقاويل؟» فأجابه: «ابنة جاري هي التي أبلغتني بذلك.» فلما استفسر منه الداعية عما يقصد أجابه الرجل قائلًا: «إن أحد جيراني له ابنة جميلة، كانت قد أشاعت بيننا أنها نذرت ألا تتزوَّج أبدًا، ثم لما بلغت الثلاثين من عمرها فوجئنا بأن لدَيها سبعة أبناء، [فلما نظرنا في الأمر وجدنا أنها] وبرغم عدم ثبوت قيام العلاقة الزوجية، إلا أنها فاقت المتزوِّجين أنفسهم في الإنجاب، حتى صار لديها أكثر مما يصير للمرأة المتزوِّجة من أبناء، وها أنت اليوم تدعو الناس إلى عدم الالتحاق بالوظائف [زهدًا وتقشفًا] برغم ما في خزائنك من أجولة الطعام المكدَّسة، والمئات من الأتباع والأشياع الذين يأتمِرون بأمرك، ويذهبون أينما أطلقتهم ليأتوك بما تريد، فأنت في ظاهر القول قد هجرت الوظائف الرسمية [مجاهدة وتعففًا]، لكنك — في واقع الحال — قد استغنَيت عن العمل الوظيفي بما حزتَ من ثروةٍ ونفوذ.» ولم يلبث تيان بيان أن حنق على الرجل وطرده شر طردة.

لمَّا جمع كوانيان أتباعه

جمع «كوانيان» [أحد الدعاة للمذاهب الفكرية] أتباعه وتلامذته إليه، بعد أن أصدر الملك حُكمه عليه بالإعدام، وقال لهم: «أيُّكم يُحب أن يرافقني في مسعى طلب اللجوء إلى كنف أحد أمراء الدويلات المجاورة، طلبًا للنجدة؟» فصمتوا جميعًا، ولم ينطق لهم ناطق، فانكسر قلب كوانيان من الأسى، وبكى بكاءً مُرًّا حتى تحدَّرت الدموع على وجنتَيه، وصار يقول لهم: «وا أسفا على العلماء ذوي الفضل والحكمة! كيف يسهل العثور عليهم بينما يتعذَّر الاحتفاظ بهم وتوليتهم أرفع المناصب الرسمية؟» وهنالك رد عليه «تيانشو» [رئيس وزراء دولة وي، فيما بعد] قائلًا: «إن العلماء ذوي الفضل والحكمة لا يجدون من الطعام ما يُشبعهم؛ وفي حظائرك أصناف وألوان من الداجن الذي سمن وزاد عما مُدَّت به الأسمطة لك، وقد ملكت يمينك ما لا يُعد من أجمل السرائر والمحظيات؛ يخطرن في قمصان حريرية ويأتزرن بأشرطة من قصب موشَّى ساهمات الطرف، ينسجن الدمقس بأصابع مخملية، غير أن العلماء الزهَّاد يربئون بأنفسهم عن الانغماس في تلك الملذات، ثم إن المال فيض من غيضك، حتى زاد عن حاجتك، في حين أن الموت، عند العالم الحكيم، أمر ذو خطر وشأن؛ فأنت تأنف أن تمنح الزاهد بعض ما يتيسر لك، ويرخص لديك لأنه زاد عن حاجتك، بينما تطلب منه أن يبذل لك ما لا يهون عنده — فالأمر إذن — ليس على النحو الذي ذكرت، والمسألة لا تُقاس بدرجة السهولة التي تعثر فيها على العالم [المثقف] الحكيم دون أن تحتفظ به أو توليه منصبًا رفيعًا.»

لمَّا حضر سوتشين إلى دولة تشي

حضر سوتشين إلى دولة تشي قادمًا من دولة يان، والتقى عند الباب الجنوبي لمدينة «هواجان» بجلالة الملك «مين»، حاكم البلاد، وقال له جلالته: «ما دمت قد حضرت إلينا، فأُحب أن أطلعك على ما قام به حاكم تشين من إرساله المبعوث «ويرانغ» إليَّ، حاملًا قراره الرسمي بمنحنا اللقب الإمبراطوري، وأريد أن أعرف رأيك في هذا الموضوع؟» فأجابه سوتشين قائلًا: «أراك تتعجل الأمور بسؤالك هذا؛ لأنه من السابق لأوانه التكهُّن بما سينجم عن هذا الأمر من مزايا أو مساوئ، ذلك أن جلالتك لو أقدمت على رفض الإذعان لما تُمليه دولة تشين، فسوف تجلب علينا وعلى نفسك المتاعب بما ستصبُّه فوق رأسنا من سوْرات الغضب؛ أما إذا أبديتَ استجابتك لتصوراتها، فستُثير استنكار باقي الدول واستياءها، وأرى أنه من الأفضل لجلالتكم أن تقبلوا ما تعرِضه عليكم تشين [فيما يتعلَّق بالتحالُف معها لشن هجوم مشترك ضد دولة جاو] وكي يتسنَّى لها تسوية الإجراءات المُتعلقة بإعلان نفسها إمبراطورية عظمى؛ وذلك دون أن تشرع في استخدام اللقب الإمبراطوري الذي تعرضه عليك؛ حتى تستميل إلى صفك تأييد الناس في الممالك المختلفة، فإذا ما نادى ملك تشين بنفسه إمبراطورًا ووافقَتْه على ذلك كل الدويلات التي تحت السماء، فلن يبقى أمامك إلا أن تعلن موافقتك وارتياحك؛ لأن الأمر سيكون — عندئذٍ — في حكم تحصيل الحاصل، باعتبار أنك إنما وافقت بعد إجماع الكل وأنك لم تكن تريد الخروج عن قرار الأغلبية، وهكذا، يصير القبول باللقب الإمبراطوري أمرًا سائغًا دون أية عقبات أو أضرار؛ أما إذا قوبل إعلان ملك تشين نفسه إمبراطورًا من جانب الإمارات والدويلات الأخرى بالرفض والاستنكار، فلك حينئذٍ أن تعدل عن موافقتك لقبول اللقب الإمبراطوري؛ فتكسب تأييد الناس لك [والتفاف] أفئدتهم حولك، وهذا أعظم وأكبر عماد لدوام الملك.»

لمَّا تحدث سوتشين إلى الملك مين

تحدث سوتشين إلى جلالة الملك «مين» حاكم تشي، فقال له: «إذا افترضنا — جدلًا — أن صارت الدولتان تشي وتشين جناحي الإمبراطورية الغربية، فأي البلدين كفيل بأن يُثير في الناس المهابة والاحترام؟» فأجابه الملك: «لا بد أن الناس ستنظر نحو تشين بكثيرٍ من الاحترام طبعًا.» فعاد شوتشين يسأله: «فإذا نحَّينا مسألة اللقب الإمبراطوري جانبًا، فأي البلدين يحظى بين الممالك بالحب والتأييد؟» فأجابه: «لن يحظى بالحب والتأييد سوى تشي، ذلك أن الناس لن تشعر نحو تشين إلا ببالغ الكراهية!» وسأله سوتشين قائلًا: «وعندما تتلقَّب كل من تشي وتشين باللقب الإمبراطوري وتتحالفان للإغارة على أطراف أخرى، فهل تظن أن هدف الهجوم في هذه الحالة سيكون دولة جاو أم سونغ، وأي هاتين الدولتَين يمكن أن يكون هدفًا أسهل منالًا وأكثر نفعًا للأطراف المغيرة؟» فأجابه: «من الأفضل — في هذه النقطة — أن نُهاجم سونغ!» فقال له سوتشين: «هذا طبعًا هو ما يتم النظر إليه حسب ما تنصُّ به معاهدة التحالف بين الأطراف المهاجمة [لكن الواقع ستكون له أحكام مغايرة؛ ذلك أن قيام جناحي الإمبراطورية في تشي وتشين، لن يضمن لكِلا الطرفين أنصبة مُتعادلة في نقاط كثيرة، فمثلًا، ستظل تشين [في ظل التسمية الإمبراطورية] هي التي تحظى بالهيبة والاحترام والتقدير بينما يهمل شأن تشي تمامًا، أما إذا أسقطت التسمية الإمبراطورية، فستنال تشي كل الحب والتأييد من جانب الدويلات والممالك بينما تبوء تشين بالازدراء والكراهية، فإذا أضفنا إلى ذلك أنكم ترون غزو سونغ أنفع لكم من مهاجمة جاو، فإننا نكون بإزاء مواقف دقيقة تتطلَّب حُسن التقدير، وإني [بناء على ذلك] أرجو من جلالتكم التنازل — لو ظاهريًّا — عن التسمية الإمبراطورية وما يرتبط بها من سلوكيات مما قد يُقرب ما بينك وبين الدويلات والممالك حتى لو تطلَّب ذلك خرق معاهدة التحالف وما يستتبِعه من إقصاء وإزاحة لنفوذ تشين دون الصدام معها تجنبًا لأي منافسةٍ أو ضغط تُمارسه هذه ضدنا لانتزاع الهيمنة، بل تستطيع جلالتك أن تستغلَّ الظروف الناشئة عن ذلك لمهاجمة سونغ، فإذا تسنى لك احتلالها، أصبحت دولة «ويه» في وضع ضعيف بما يتهددها من مخاطر قريبة من منطقة «ياندي» التابعة لها، فإذا تقدمت بقواتك لتحتل شمال نهر «هواي» تعرضت منطقة شرق دولة تشو لخطرٍ مُحدق، ثم إذا تيسر لك التمركز في غرب نهر «جي»، أصبحت قاب قوسين أو أدنى من منطقة «بياني» التابعة لدولة جاو، فإذا تقدَّمت بخفة وسرعة نحو «إيندي» و«بنجي» فستكون قد أغلقت أبواب عاصمة دولة وي على نفسها من كل ناحية وكتمت أنفاسها، وبالطبع فإن تنازلك عن التسمية الإمبراطورية وهجومك على سونغ [كل ذلك] سيكون بمثابة إشارة واضحة لما يعتمل في صدرك من تردد وتهافت نحو تشين، وهو ما سيسلط عليك الأهمية ويمنحك الاحترام والتقدير والشهرة الذائعة.

أما من ناحية دولتي يان ووتشو فلك أن تطمئن لأن أوضاعهما تفرض عليهما الولاء والخضوع، وهو ما سيُخضِع لك رقاب الإمارات والدويلات التي تحت السماء [وقد كان ذلك التصرف الذي قام به الملكان الحكيمان «تانغ» (مؤسس أسرة شانغ الملكية) والملك «أو» حاكم جو …] فاجعل لدولة تشين الاحترام — ظاهريًّا — على أن تدفع الدويلات والممالك إلى إزدرائها وكراهيتها، فذلك هو ما يطلق عليه «استخدام طرق التحقير المرذولة لخلخلة بنيان الاحترام الجليل[هدم الاحترام بمعول التحقير»] فلتنظر جلالتك في هذا الأمر جيدًا وتأمل!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤