سجل تشي السادس
لمَّا كان المدعو هونشوان
كان المدعو هونشوان يقيم بإحدى ضواحي عاصمة دولة تشي، وقد اشتهر بالصراحة والتعبير عن الرأي والنصيحة لذوي الشأن دون مواربة، إلا أن جلالة الملك «مين» حاكم «تشي» أصدر ضده قرارًا بالإعدام، وجرى تنفيذ الحكم بمدينة «تانشو»، ومن ثم فقد ارتاب الناس في أمره، وتوجسوا منه شرًّا. ثم ظهر رجل آخر من آل تسونغ (قومية تسونغ) — أحد بطون دولة تشي — وأخذ يتحدث بالآراء الصريحة والنصائح الجريئة فأعدمه الملك مين عند البوابة الشرقية للعاصمة، فتغيرت قلوب آل تسونغ وقلبوا للملك ظهر المجن، ولم يكتفِ جلالته بذلك، بل إنه أعدم أيضًا أحد كبار مستشاريه السياسيين ويُدعى «يانغ جو»، مما باعد بينه وبين وزرائه جميعًا. وكان ذلك هو السبب الذي شجع دولة «يان» على شن حملة عسكرية ضده؛ إذ أرسلت جيشًا بقيادة «شانغ كوجن» للهجوم على «تشي» [تنطق كما في — الدوتشي] وردَّت هذه على ذلك التحرك بإرسال قوات بقيادة كبير الوزراء «شيانزي» لمُلاقاة جيش يان، إلا أنها لاقت الهزيمة على يدَيه، وفر شيانزي هاربًا فوق أحد المركبات ناجيًا بنفسه، فقام «طازي» [الوزير الأعظم بدولة تشي] بتجميع فلول قواته المُشتتة وأعاد تنظيم الصفوف واستعاد للقوات ما تبدَّد منها ماديًّا ومعنويًّا، واستعد للالتحام بقوات «يان» المعتدية، وطلب من جلالة الملك أن يُرسل إليه بمدد من المقاتلين وأن يمنحه لقبًا شرفيًّا بوصفه جنديًّا مقاتلًا في الميدان، فرفض الملك تلبية طلبه، ومنيت قواته بهزيمة نكراء وتفرقت صفوفها بِددًا.
الجزء الثاني من الفصل نفسه
فرَّ الملك «مين»، حاكم «تشي»، إلى دولة «جيو»: فاستقبله هناك أحد كبار رجال الدولة، ويدعى «ناوتشي»، فلما التقى به راح يحصي عليه جرائمه، قائلًا: «هل بلغك، يا مولاي، ما حدث بأرضك فيما بين منطقتي «تشيان شن» و«بوشان» — وهي بقعة تبلغ مساحتها تسعمائة لي مربع — من سقوط المطر الغزير من السماء مختلطًا بالدماء، حتى فزع الأهالي وقد تلوثت ثيابهم بالدماء؟» فرد عليه الملك بالنفي. فعاد «ناوتشي» يسأله: «وهل بلغك ما حدث بين مدينتي «إينغ»، و«بوا» من تصدُّع الأرض في خط مستقيم بلغ مشارف (هوانشيوان)؟ فأجابه بقوله: «لا أعرف شيئًا من ذلك؟»، وسأله السائل: «وهل علمت بما حدث من تردُّد صوت بكاء الناس أمام قصرك، فلما حاول المسئولون تتبع آثار الصوت اكتشفوا أنه صوت ينطلق من حناجر غير مرئية؛ إذ إنهم لما عادوا إلى مكاتبهم، تردَّد الصوت ثانية، بغير صائت.» فأجابه الملك بأنه لم يبلغه شيء من هذا، فأفصح له ناوتشي بما وراء تلك الموضوعات من دلالات قائلًا له: «أما المطر المختلط بالدماء التي تخضبت به ثياب الناس، فقد كان نذيرًا إليك من السماء والصدع الذي انشقَّت به الأرض، فقد كان صوت غضب الأرض بلاغًا لك، فلم تنصِت إليه، فأما الصوت الباكي أمام قصرك، والذي لم يُرَ صاحبه، فقد كان شكوى الناس إليك، لكنك لم تسمع شيئًا، قد أنذرتك السماء والأرض ورفع الإنسان إليك شكايته، فلم تأخذ الحذر، فما الذي يعفيك من حكم السماء؟»، ثم إنه أخذه إلى منطقة بوسط العاصمة، يقال لها «كولي» وقتله هناك؛ فذلك ما كان من أمر إعدام الملك «مين» حاكم تشي.
الجزء الثالث من الفصل نفسه
(وعلى إثر ما سبق من الأحداث) فقد آثر الأمير «فاجان» — أمير تشي — الفرار إلى بيت «هوجياو»، كبير مؤرخي القصر، وذلك بعد خلع ملابس الإمارة وألقى عنه شارة الحكم، وصار مقيمًا بمنزل الرجل، بوصفه بستانيًّا يزرع الورود ويشذب الأوراق. وأعجبت به ابنة المؤرخ الرسمي — وهي التي ستصبح فيما بعد — ملكة تشي؛ لِما عُرف من كريم أخلاقه، صارت هي التي تقوم بخدمته ورعاية شئونه.
وفي تلك الأثناء تمكَّن «تيان دان» من تحويل منطقة «جيمو» إلى حصن منيع ومركز لتجميع القوات الشاردة، مما ساعد على إعادة بناء القوة الضاربة من جديد فتمكنت من إنزال الهزيمة بجيش دولة يان بعد أن نجح تيان دان في مُخادعة وتضليل القائد «تشي جيه»، ثم عادت ﻟ (تشي) أراضيها المسلوبة، وعمل تيان دان على عودة الأمير من دولة «جيو» إلى بلاده، وتنصيبه ملكًا، فكانت تلك هي بداية ولاية من سُمي فيما بعد بالملك شيانغ على عرش تشي، ونصبت ابنة المؤرخ ملكة على البلاد — بعد اقترانها بجلالته وكانت هي التي أنجبت — من أصبح فيما بعد — الملك «وانجيان».
لمَّا كان وزير شئون القصر الملكي
لمَّا بلغ «وان سونجيا» (وزير شئون القصر بدولة تشي، فيما بعد) عامه الخامس عشر صار موكلًا بخدمة الملك «مين»، فلما هرب جلالته، على إثر الأحداث سالفة الذكر، فكر سونجيا فيما يمكن أن يكون الملك قد حل به من المواطن، دون أن يهتدي إلى شيءٍ منها، فقالت له أمه: «اخرج في الصباح الباكر، فابحث عن جلالته، ولا تعد إلا في المساء، وسأبقى في انتظارك متكئة على مصراع الباب، ثم اخرج تحت ظلمة الليل باحثًا عنه وسأظل مكاني لا أغادره، فأنت المنوط بك خدمة مولانا، ففيمَ بقاؤك وقد غاب عنا؟ اذهب وراءه، فإن لم تجِدْه فلا تعُد أبدًا.»
الجزء الثاني من الفصل نفسه
ومشى «وان سونجيا» حتى دخل السوق، ثم صرخ في الناس: «هلمُّوا إليَّ، أما دريتُم بما أوقع «ناوتشي» من الاضطراب في بلادنا، وما اقترفه من اغتيال مولانا الملك الأعظم، فمن أراد منكم الذهاب معي للثأر من القاتل فليكشف عن ذراعه اليُمنى.»، فمضى معه زهاء أربعمائة فرد، بغية الثأر للملك المقتول، ثم إنهم ساروا حتى أنفذوا غايتهم وقتلوا ناوتشي بأيديهم.
لمَّا أغارت دولة يان على تشي
لمَّا أغار يان على تشي وغلبتها واستولت على أكثر من سبعين مدينة وإقليمًا، سوى إقليمي «جيميو»، «جيو» فلم تستطع السيطرة عليهما وهو ما أتاح ﻟ «تيان دان» أن يجعل من جيمو معقلًا حصينًا في وجه يان، ثم كان هذا المعقل هو الخطوة الأولى في توجيه الضربة القاضية إلى قوات دولة «يان» وقتل القائد العسكري «تشي جيه».
الجزء الثاني من الفصل نفسه
لمَّا كان القائد العسكري لقوات دولة «يان» على وشك إسقاط دفاعات مدنية «لياو» بدولة (تشي) فقد وصل إلى سمعه أن أحدهم قد وشى به لدى جلالة الملك — قائده الأعلى — مما أوغر صدر جلالته ضده، فخشي على نفسه أن تناله يد الغدر فلزم مواقعه بمدينة «لياو»، محاذرًا من العودة إلى الوطن، مما جعله عرضة لهجوم قوات «تيان وان» التي ظلت تحاصره وتضربه مدة تزيد على العام، حتى هلك الكثير من جنوده وتفرق عنه مقاتلوه دون أن يستسلم وبقيت مدينة «لياو» صامدة برغم كل ذلك.
الجزء الثالث من الفصل نفسه
وهنالك تناول «لوجون ليان» ورقة وقلمًا، وكتب رسالة ثم ربطها إلى سهم وأطلقه إلى داخل المدينة، وكان نص ما كتبه إلى القائد المتحصن بالمدينة على النحو التالي: «قد بلغني أن العاقل الذكي لا يضيع حظه مما ينفعه ولا يدع الفرصة السانحة تسقط من بين يديه. إن الرجل الشجاع لا يلطخ سمعته خشية موت وشيك أو خطر محدق، والمخلص الشريف لا يهمل حق مليكه ليتدارك ما يشغله من أمر نفسه، وأنت قد أهدرت أمر سيدك جلالة الملك المعظم، وتغاضيت عن الآلاف المؤلفة من أرواح الجند التي زهقت بسبب غضبة جاش بها صدرك، فلا أراك وفيت الإخلاص والشرف حقهما. كما لا أرى من الشجاعة أن تبقى مكانك حتى تموت كمدًا، فلا أنت نفعت نفسك، ولا أفدت دولة «تشي» شيئًا مما تراه عنصرًا فاعلًا في الاحتفاظ بقوةٍ أو ميزة أو نفوذٍ ما، وليس من الحكمة أن تضيع ما سبق لك في سالف الأيام من فضل، فتخسر كل ما اختزنته لك الأيام من صيت ذائع وشهرة طيبة، فلا يبقى لك الثناء في فم الأجيال اللاحقة، فالحكيم لا يتردد، والجريء لا يجزع من الموت، فهذا وقت الحسم بين أقدار الموت والحياة، والشرف والعار، والرفعة، والذلة، والإجلال والاستصغار. فأرجو أن تتأمل الأمر جيدًا وتنظر فيه بالعقل الراجح وتنأى بفكرك عن خواطر الدهماء وظنون العامة التي لا تستبطن في قلوبها مراجع الحكمة.
ثم إن ما قامت به كل من دولة «تشو» من مهاجمتها لمدينة «نانيانغ» ودولة «وي» باعتدائها على مدينة «بينلو»، لم يحرك لدى «تشي» ساكنًا؛ إذ لم تتحرك صوب الجنوب لمهاجمة «تشو» أو «وي»؛ لأننا في دولة «تشي» قد رأينا أن خسارتنا في مدينة «نانيانغ» لا تساوي شيئًا بالمقارنة بما نكسبه في الشمال (حيث نضع أيدينا على مدينة «لياو») ومن ثم فقد صممنا على التشبث بتلك المدينة، وإذا كانت دولة «تشين» قد سارعت بدعم «تشي»، فسيكون من نتيجة ذلك شل ذراع «وي» الممتدة للهجوم من ناحية الشرق وهكذا يتحقق التحالف الأفقي بين جهتي «تشي»، و«تشين»، مما يضع دولة «تشو» في خطر بالغ. أضف إلى ذلك تجاهل بلادنا للقلق الذي تُثيره «تشو» بمحاولاتها الهجومية في «نانيانغ». وذلك لأننا في تشي نعلق أهمية كبرى على إحباط الهجوم ضد بينلو وحماية مدينة لياو وسوف نحسم خطتنا على هذا الأساس.
وقد اتضح أن دولة «تشو»، و«وي» قد سحبتا قواتهما تمامًا قبل أن يصل المدد الكافي لإنقاذ دولة «يان»، في الوقت الذي لم تشهد فيه أية محاولة من قبل الدويلات أو الإمارات الصغيرة للغدر بدولة «تشي»، وأستطيع أن أؤكد لك بما توصلت إليه من تقدير للموقف وحساب الخسائر التي مُنيتم بها نتيجة إصراركم على الاحتفاظ بمدينة «لياو» طوال عام كامل أؤكد لك أن النصر لن يكون حليفك؛ ولا بد من أن «تشي» سوف تدخل معك في معركة حاسمة في مدينة «لياو» ولن تجد في جعبتك الكثير من الحيل أو الخطط الجيدة، إن بلادك — يان — أصبحت ساحة فوضى عارمة بعد أن فشلت كل تدابير الملك والوزراء والسياسيين وخططهم وصار الجميع أسرى الاضطراب والحيرة من كبيركم إلى صغيركم، حتى قائد جيشكم المظفر «ليفو» أمسى يلعق جراحه بعد أن تبددت قواته ذات المليون كتيبة؛ خصوصًا بعد أن أصيب بضربات قاصمة في خمس جولات حربية خارج الوطن، وبالنسبة لبلد — مثل بلدكم — كان لديه في يوم من الأيام عشرة آلاف مركبة عسكرية، يستيقظ فجأة فيجد على أبوابه حصارًا شديدًا من دولة «جاو»، وتقع أطنان من الهموم في قلب قائده وهو يرى بعينيه انتهاك سيادته الوطنية فوق أرض بلاده، حتى انسحقت كرامته أمام الدويلات والإمارات الصغيرة، ولا أدري إن كان لديك طرف من هذه الأنباء أم لا، لكن الأمر المؤكد هو أن الملك «شي» — حاكم «يان» — في الوقت الراهن قد فترت عزيمته وخارت همته وقد جلس مهمومًا بغير سند أو معتمد؛ فلا وزراؤه يهبون لنجدته، ولا المصائب تتحول عن بلاده، ولا شعبه يُذعن بالخضوع والانقياد له، ولئن كنت تتقوى الآن بأهل مدينة لياو الذين أرهقهم الحصار ونالت منهم تحديات المقاومة في مواجهة جيش تشي المترصد لك طوال عام كامل فلا أظن هذه إلا حيلة حربية في تحصين المدن قد تعلمتها من فن الحرب عند «موتسي» (فيلسوف الموهية)، أما بقاؤك وصمودك داخل المدينة، وأنت تأكل الجيفة وعظام الموتى وتتحالف مع جنودك على البقاء معًا حتى الموت بغير خيانة؛ فتلك طريقة «سون بين» (مفكر عسكري) في التحصن بالمدن وهكذا، فإن أفكارك معلومة لنا وطرائقك الحربية مكشوفة لكل الناس.»
الجزء الرابع من الفصل نفسه
لذلك فقد تدبرت أمرك ورأيت أن من الأفضل لك أن تحقن الدماء وتغمد سيف الحرب، وأن ترجع إلى بلادك بكامل جيشك وعدتك وعتادك وأن ترعى حق مليكك عليك. لعله يرضى عنك ويبتهج قلبه بعودتك، ويستقبلك الأهالي بكل ودٍّ واحترام كأنهم يلقون عزيزًا عليهم، ويشمر أصدقاؤك ورفاقك عن أكمامهم ويشيرون نحوك بأيديهم زهوًا وافتخارًا بك أمام العامة فتذيع مآثرك ويعلو قدرك، فيجد فيك الملك ناصحًا ومشيرًا (حرفيًّا: بعد أن عزَّ وجود الناصح الأمين) وتصير الأعلى سطوة فوق المولاة والوزراء ويجد فيك الرعية أبًا وراعيًا ونصيرًا وتصبح سيرتك البطولية نموذجًا يقتدى به، ويتناقله الرواة والخطباء، ويشرق نجم صعُودك؛ إذ تمتدُّ بك يد الصلاح إلى أحوال البلاد السياسية وأعرافها الاجتماعية، ومن ناحية أخرى، دعني أسألك بصراحة … ألا يمكنك أن تدفع بأمور دولة يان كلها وراء ظهرك، ألا يمكنك أن تتجاهل تخرصات السوقة والدهماء وآراءهم فيك وتضرب صفحًا عن ذلك، وتسرع الخطو باتجاه الشرق دولة تشي، ألا يمكنك أن تأتي إلينا؟ باستطاعتي أن أتقدم إلى جلالة ملك تشي بطلب يمنحك بموجبه إقطاعًا سخيًّا، فتحوز من الثروة والجاه ما لم يبلغه قط كل من القائد العسكري الأشهر «يرانغ»، و«شان بانغ» على الرغم مما يحظيان به من المكانة والشرف، ويطير صيتك في الآفاق ويبقى ذكرك مخلدًا جيلًا بعد جيل، ما بقيت الدولة (دولة تشي) قائمة، فتلك حيلة بارعة تستطيع أن تتدبر بها مخرجًا مما أنت فيه، فدونك طريقتان تبلغ بهما آفاق المجد وتنال غاية الشهرة والفوز العظيم، فتدبر أمرك جيدًا بمنتهى الحرص والحذر، واختر لنفسك طريقًا!»
الجزء الخامس من الفصل نفسه
«وبالإضافة إلى ذلك، فقد بلغني أن من اتخذ من صغائر الأمور معلمًا ومرشدًا، فلن يبلغ الرفعة والعلا، ومن كانت تتأذى نفسه بالِغ الأذى من مجرد أحقر الصغائر، فلن يكون ذا شأن عظيم وصيت ذائع.
وقد قام كوانجون فيما سلف من الزمان بإطلاق سهامه على مشهد إزار الحاكم تسي هوانكون وكانت تلك محاولة لاغتصاب العرش؛ وكان من قبل قد تخلى عن كون تسي جيو، ولم يبذل له حياته دفاعًا عنه، وكانت تلك خسة ونذالة، ثم إنه ألقى القبض عليه وتعرض للعقاب فوضعت يداه في القيود وقدماه في الأصفاد، وتجرع كأس المذلة وعرف طعم الهوان، إن امرأً جرت عليه تلك الأحوال الثلاثة لن يلقى من مواطنيه إلا التجاهل وستوصد أمامه أبواب الصعود إلى مرتقى الشرف، وهكذا، فلو كان صدر قرار باعتقال «كوانجون» وذاق في سجنه — مرارة الهوان وضيق الحال حتى وافاه الموت — وهو بعد، في محبسه — لكان قد أصبح مكروهًا من الناس، ونموذجًا ماثلًا على الضعة والصَّغار. وبرغم ارتكابه للوقائع الثلاث المخجلة، فقد اعتلى العرش وصارت إليه السلطة النافذة في البلاد، فقام بإصلاحات واسعة في أرجاء الممالك، وعقد ثمانية تحالفات مع أمراء الدويلات، وجعل من دولة تشي واحدة من خمس إمبراطوريات عظمى فارتفعت رايات مجده في سماء الدنيا بأسرها، وانتشرت ظلال أنواره فوق أرض الولايات المجاورة، وعندما تولى «تساوكوي» منصب قائد الجيش في دولة «لو» قام بثلاث جولات حربية خسرها جميعًا وعاد مهزومًا مدحورًا وقد خسر أرضًا هائلة المساحة ثلاث آلاف لي (مربع)، (ومع ذلك، فقد آثر أن يفكر بطريقة عملية؛ بحيث يتجنب الوقوع في مزيد من الخسائر، وهكذا فإنه …) لو كان قد بقي في ساحة القتال، يواصل محاولاته الهجومية اليائسة — دون أن يعمل حسابًا للمستقبل — لوقع في الأسر، وصار أكبر الأسرى رتبة وسط جيش مهزوم، لكنه لم يكن يريد لنفسه ملاقاة ذلك المصير الذي رأى فيه إذلالًا لكرامته، وتضييعًا لمآثره، وإخمادًا لسيرته فلا تبقى له مع الأيام بقية من الذكرى لدى الأجيال اللاحقة، ولا يلهج فم بالثناء عليه، ولا يرد له في سجل التاريخ وارد من ذكرى حكمته وعبقريته، فنحى عن نفسه خزي هزائمه وغض الطرف عما يمكن أن يكون لحقه من شعور بالعار، وتراجع عما كان ماضيًا إليه، وراح يناقش الأمور مع حاكم «لو» معتبرًا أن ما حدث له كان مجرد فرصة ضاعت على الرغم منه.
ولمَّا ذهب الأمراء في زيارة رسمية لجلالة الإمبراطور هوانكون — حاكم تشي — (وقد أصبح ملكًا متوجًا فوق الممالك)، قام تساوكوي (المشار إليه آنفًا) وصعد إلى المنصة الكبرى وقام باختطاف جلالته، مشهرًا سيفه في وجهه، ومهددًا باغتياله، وهكذا، قدر للأرض التي خسرها في هزائمه الثلاث أن تعود إليه دفعة واحدة، وفي ساعة واحدة أيضًا، مما كان له وقع الصاعقة على البلاد من أقصى الأرض إلى أقصاها، ومنذ يومئذٍ انعقد النفوذ والهيبة للدولتين: «أو» و«تشو» وطار صيتهما في الآفاق وكتب لهما المجد الذي تناقلت سيرته أجيالًا وراء أجيال.
إن الرجال من أمثال «هوانكون»، و«تساوكوي» ليسوا ممن يغمضون عيونهم على قذى المهانة، حتى لو كان بالقدر الضئيل (هم في ذلك مثل كل الناس، لا فرق بينهم وبين من يتألم بسبب أدنى شعور بالخزي)، لكنهم رأوا أن من خطل الرأي وسوء التدبير أن يضحوا بأرواحهم، فيموتوا وتندثر، على المدى، آثارهم؛ لذلك لا يظفر المرء بشهرة ذائعة ومجدٍ باقٍ على الدهر إلا من استطاع أن ينزع من جوفه جذور السخط والغضب؛ ولا يُقيم من المآثر ما تخلد به ذكراه إلا إذا نحَّى عن نفسه ما تذل به الجباه من العار، فمثل هذا الشخص هو الذي يحوز من الإجلال والرفعة ما يترقَّى به إلى مكانة لصيقة بالملوك الثلاثة (الحكماء القديسين)، وينعقد له من الصيت وخلود الذكر ما يدوم بدوام الأرض والسماء، فانظر فيما قلت لك وتدبَّر.»
الجزء السادس من الفصل نفسه
وهنالك أجاب القائد العسكري لدولة «يان»، قائلًا: «وإني لأنزل على رأى سيادتك بكل احترام وتقدير، وآخُذ بما تأمرون به!» ثم راحت قوات دولة يان تغمد سيوفها وتنزع أقواسها وتُخلي مواقعها استعدادًا للجلاء عنها؛ فلهذا قيل إن الفضل في فك الحصار عن دولة تشي وتخليص أهلها من براثن الموت ومهالك القتال، يرجع إلى براعة اللفظ وحسن العبارة (فيما صدر عن «جونليان» من منطق وبيان).
لمَّا قامت يان بمهاجمة دولة تشي
قامت يان بمهاجمة دولة تشي واقتحمت عاصمتها فهرب الملك «مين» إلى دولة «جيو»، حيث لقي حتفه على يد «ناوتشي» وكان «تيان دان» — في تلك الأثناء — يتولى حماية مدينة «جيمو» وقد أبلى بلاء حسنًا في مقاومة دولة يان، بل إنه استطاع أن ينازل قواتها ويردَّها على أعقابها ويهزمها شر هزيمة، ثم راح بعد ذلك، يُجدد عمارة العاصمة ويبني بدل ما تهدَّم من مبانيها، وجرى إقرار الملك شيانغ وليًّا على العرش بوصفه الأمير الوريث، فلمَّا كانت تشي قد ردَّت يان على أعقابها وأنزلت بها هزيمة مُنكرة، فإن كثيرًا من الشكوك ثارت حول مدى جدية «تيان دان» في تنصيب خليفة للملك المقتول ووقع في ظن أهالي دولة تشي أن الرجل يتحيَّن الفرصة ويُهيئ لنفسه الظروف ليقوم بنفسه مقام الملك، فإذا به يؤازر الأمير شيانغ ويقوم إلى جواره مساعدًا له حتى تولَّى العرش، ملكًا على البلاد، ولم يقصر في خدمته.
الجزء الثاني من الفصل نفسه
كان تيان دان مارًّا ذات يوم في طريقه بجوار شاطئ نهر «زيشوي»، فرأى رجلًا متقدمًا في السن يجلس قرب حافة الماء وقد أخذ يرتجف من شدة البرد بعد أن عبر النهر سيرًا على الأقدام، وفكر تيان دان في أن يأمر رجاله بأن يُلقوا إلى الكهل الذي أقعده البرد والإنهاك عن المشي برداء يُدفئه، لكنه لم يجد عند أحدٍ منهم فضلة من الثياب، فخلع رداءه وأعطاه للمسكين.
فلمَّا وصلت أخبار تلك الواقعة إلى الملك شيانغ، تكدَّرت نفسه للغاية، وحدَّث نفسه قائلًا:
«هو ذا «تيان دان» ينثُر على الناس من عطفه الشيء الكثير فما أراه إلا ظافرًا بما يؤهِّله للوثوب إلى العرش فيُقصيني ويقوم مكاني، فلأعجِّل باتخاذ الحيطة الواجبة قبل أن تنقضي الأمور وينفلت الزمام.» ونظر الملك حواليه فلم يجد أحدًا بالقُرب منه، فتطلَّع في المدى، فشاهد بالقُرب من القصر واحدًا من رجال البلاط … يُدعى «كوان شو» فأدناه الملك إليه بإشارة منه، وسأله: «أسمعت ما كنتُ أحادث به نفسي بصوتٍ عالٍ منذ قليل؟» فلما رد عليه بالإيجاب سأله الملك: «فكيف تراني أصنع معه؟ وبماذا تُشير عليَّ في هذا الأمر؟» فأجابه كوان شو، قائلًا: «أرى من الأفضل أن تجعله من رجال حاشيتك المُحسنين، فتمتدِح سيرته وتُثني على أفعاله، وتُصدر أمرًا تقول فيه، بالنص «لمَّا نما إلى علمنا أن أفرادًا من الشعب يُقاسون الجوع، فقد أصابنا ذلك بمزيد القلق والضيق، فدفعنا إلى «تيان دان» بما يسدُّ أبواب المجاعة من الحبوب والغذاء، وإذ جزعتُ لمصاب الناس من البرد وقلة الكساء؛ فقد أراد «تيان دان» أن يُدخل على قلبي السرور بما أقدم عليه من خلع ردائه كي يستدفئ به من يُقاسون الزمهرير، وكم يُحزنني أن يشقى الناس ويرهقهم ضيق العيش، وهو الأمر الذي انتقل تأثيره إلى قلب تيان دان ومشاعره، فصار هو الآخر يَنزعج لما يُضايقني؛ مما جعله يترفَّق بالناس، لما يعلمه من إشفاقي عليهم.»
وهكذا، فكلما سلك «تيان دان» بين الناس بالعطف والرفق والرحمة، ونال منك الثناء والتقدير، بَدَا الأمر (للناس كلهم) وكأنك أنت العطوف، والبَر الرحيم.»
وهنالك استحسن الملك رأيه، وقرر مكافأة سخية ﻟ «تيان دان» وأهداه من الخمر واللحم ما لا مزيد عليه وأثنى على أفعاله كثير الثناء.
الجزء الثالث من الفصل نفسه
وما هي إلا أيام قليلة حتى عاد «كوان» لزيارة الملك «شيانغ» فلمَّا التقى بجلالته، قال له: «أرى أنه من اللائق — يا مولاي — أن تنتهِز فرصة وجود الأمراء في قصرك بعد أيامٍ قلائل، لتقدم التحية على رءوس الأشهاد، ﻟ «تيان دان»، وتتكرم عليه بالهدية المناسبة والمكافأة السخية، ثم تُصدر أمرًا ملكيًّا في الحال بالبحث عن المحرومين والجائعين، لاتخاذ الإجراءات العاجلة لإيوائهم والعناية بأحوالهم، ثم تُرسل بعيونك إلى الضواحي البعيدة [هكذا] لمُراقبة ردود أفعال عامة الناس، والإنصات لما يقولونه في أحاديثهم، حيث ستجدهم جميعًا يُردِّدون، قائلين: «لئن كان تيان دان يعطف على الناس ويترفَّق بهم من الرحمة والود والشفقة، فالفضل في ذلك يرجع إلى جلالة الملك نفسه»!»
لمَّا كان «دياو بو» يقدح في أخلاق تيان دان
كان «دياو بو» [من أهالي تشي] يقدح في أخلاق وسمعة «تيان دان»، قائلًا عنه: «إن ذلك المدعو آن بنجون [لقب تيان دان] رجل حقير دنيء، لا قدْر له.» فلما بلغ ذلك القول سمع تيان دان أسرع بعمل وليمة فخمة دعا إليها «دياو بو»، وقال له وهو حاضر: «لئن كنت قد أسأت إليك في بعض المواطن، فقد امتدحتني لدى البلاط الحاكم، وأثنيت عليَّ داخل أروقة القصر الملكي» فأجابه: «إن الكلب الذي كان يُربيه السيد «طاوجي» كثيرًا ما جعل ينبح على السيد «باو»؛ وبالتأكيد فهذا لا يعني أن الكلب يبجل السيد طاوجي، أو ينقص من قدر السيد «باو»، فالكلب، عادةً ينبح على الرجل الغريب، ثم إننا لو افترضنا أن السيد كونسون رجل حكيم ذو فضل وعقل راجح، بينما السيد شيوتسي رجل خائب لا يُرجى منه خير ولا نفع، ثم قام كلاهما وتعاركا، فلا بد من أن كلب السيد شيوتسي سيُهاجم خصم سيده ويعض ساقه، فإذا باعدْنا بين الكلب وسيده الأول الخائب قليل المروءة (كونسون) ثم أعطَيناه للرجل ذي الفضل ليقوم على تربيته، حتى صار كلبه الوفي، فهل يظل — مثل حاله الأول، مع سيده الخائب — يُهاجم الناس ويعقرهم كلما واتته الفرصة؟ فهنالك قال له تيان دان: «قل ما شئت إذن، وسأُصغي لك بكل احترام وإجلال.» وفي اليوم التالي قدَّم توصيته إلى جلالة الملك يُزكيه ويوصي بتوليته وظيفة مرموقة.
الجزء الثاني من الفصل نفسه
ثم إن الملك شيانغ — حاكم تشي — جمع إليه الوزراء التسعة الذين كانوا محل ثقته التامة؛ وذلك بغرض التآمُر على تيان دان فما كان من الوزراء التسعة إلا أن أشاروا على الملك بقولهم: «عندما هاجمت يان دولة تشي، أسرع حاكم تشو بإرسال القائد العسكري «ناوتشي» على رأس عشرة آلاف مقاتل لمساندة تشي في مقاومة عدوان يان عليها، أما وقد تم ردع العدوان و… بناء ما تهدم، وإعادة تعمير عاصمة البلاد وانتشار الأمن والاستقرار في الأنحاء كلها، فما الذي يمنع جلالتك من إرسال مبعوث إلى حاكم تشو تعبيرًا عن تقديرك وشكرك لما قام به نحوك من جميل؟» فسألهم الملك عما يَرونه مناسبًا للقيام بهذه المهمة من مساعِديه، فأجابوه بأن أنسب من يختاره لذلك الغرض هو «دياو بو».
وبالفعل فقد ذهب الرجل مبعوثًا إلى بلاط «تشو» الحاكم وتقبل جلالة الملك مشاعر الودِّ والشكر من طرف دولة تشي وامتنانها لما قام به نحوها، واستبقى «دياو بو» لديه وقدم له المآدب العامرة، يأكل ويعبُّ كئوس الخمر على هواه، وظلَّت الحال على ذلك عدة أيام دون أن يعود المبعوث إلى بلاده، وحدث أن اجتمع الوزراء التسعة مرةً أخرى وتحدثوا إلى الملك، قائلين: «من الغريب أن يتم استبقاء رجل عادي ذي سلطة ومكانة مُتواضعة في بلد يحوز عددًا هائلًا من السلاح والجنود والمعدات، ويبقى طوال هذا الوقت في كنف حاكم تلك البلاد، ويدور بخلدنا أنه ما كان يمكن للرجل أن يبقى هناك دون أن يكون مُستندًا في ذلك إلى قوة ونفوذ تيان دان، ومن ناحية أخرى فإنا نلاحظ أن تيان دان هذا كثيرًا ما يتجاوز حدود اللياقة والأدب مع جلالتكم دون مراعاة للفرق بين الأسياد والأوغاد، هذا فضلًا عما يجيش به صدره من نوايا الغدر والتآمُر، إذ يسوس أمور الناس — داخل البلاد — ويُهدئ خاطرهم، ويمد يد الإحسان للناس ويعين المكروب، أما في الخارج، فهو يُهادن البرابرة المسلحين ويشمل بعنايته ذوي العلم والحكمة، ويتحالف سرًّا مع المبرَّزين من المُقاتلين والأبطال في الدويلات والممالك، وقد انطوت جوانحه على اغتصاب العرش؛ فلعل جلالة الملك يفتح عينَيه ويرقب الأحوال بمنتهى الحرص والدقة.»
ثم إن الملك شيانغ نادى بالأمر، ذات صباح طلب استدعاء وزيره الأكبر تيان دان، فصدع هذا بالأمر، وجاءه عاري الرأس (دون أن يرتدى القبعة الرسمية) حافيَ القدمين مكشوف الصدر (بغير إزار أو قميص فوق جذعه) فلمَّا مثل بين يديه، تأخر للخلف قليلًا طالبًا من جلالته إصدار الحكم بإعدامه والإطاحة برأسه، وبعد خمسة أيام تكلم معه الملك، قائلًا: «لا أراك ارتكبت ما يوجب إعدامك، فلم أعهد منك خيانة لي». فلتبذل غاية جهدك في الوفاء بحقي عليك، وستجد مني كل الوفاء بحقوق معاملتك كوزير رفيع القدر تحت سلطاني، وليقُم الأمر على ذلك ما بيني وبينك».
الجزء الثالث من الفصل نفسه
وحدث أن رجع دياو بو من بعثته في دولة تشو، فأكرمه الملك غاية الإكرام وخلع عليه، وأقام له مأدبة، وملأ له بنفسه كئوس المُدام، ولمَّا شرب الملك الخمر، بلغت به النشوة مداها وانبسطت أساريره فأمر باستدعاء تيان دان إلى الحفل قائلًا: «أحضروا «تيان دان» إلى هنا.» وهنالك قام «دياو بو» من مقعده وتوجَّه إلى الملك وركع أمامه مؤديًا التحية أكثر من مرة، وتحدث بكل احترام قائلًا لجلالته: «عفوك يا سيدي، كيف يصدر عن فمك مثل هذا القول الذي يمكن أن يعرض البلاد للخطر؟ ولتنظر فيما مضى من سيرة الملوك العظماء، مثل الملك أون حاكم جو، ولتتأمَّل، وتسأل نفسك أيكما أوفر حكمة واقتدارًا أنت أم الملك أون؟» فأجابه: «بل الملك أون أكثر نجابة وأعظم نجاحًا.» فسأله دياو بو ثانية: «نعم يا مولاي، قد علمت أنك ستجيب بذلك، فدعني أسألك عمن وراءك من الملوك، مثل الملك هوانكون حاكم تشي؟ أترى، إذا قارنت بينك وبينه، أيكما أكثر سدادًا في الرأي ورجاحة العقل؟» فأجابه: «بل هوانكون الأكثر رجاحة وحكمة.» فقال له دياويو: «قد عرفت ذلك قبل أن أسألك يا سيدي، لكنك ما دمتَ قد قلت ذلك بنفسك، فدعني أُذكِّرك بما فعله الملك أون — حاكم جو. عندما اتخذ لوشانغ وزيرًا في بلاطه الحاكم، إذ منحه اللقب الفخري «تايكون»، ولما اتخذ الملك هوانكون وزيره كوانجون رئيسًا لحكومته، فقد لقَّبه باللقب الرسمي الفخم جونفو؛ فانظر يا مولاي وقد اتخذتَ آن بنجون وزيرًا أعظم في بلاطك، فإنك تُناديه باسمه المجرد «دان»، هذا بالإضافة إلى أنه لم يُوجَد على ظهر الأرض منذ بدء الخليقة من يُنازع آن بنجون في مآثره الجليلة وحسن قيامه على شئون البلاد، ومع ذلك فلا تُناديه جلالتكم إلا بالاسم المجرد دان [يعني، في الصينية: ضحل خفيف معزول …] فكيف يَصدُر عنك مثل هذا اللفظ المجرد الذي يمكن أن يودي بالأوطان إلى المهالك؟ ولمَّا كنت جلالتك غير قادر على تقديم الدعم والحماية لِما تبقى من عرش الملك «مين»، فقد استغلَّت دولة يان الفرصة وقامت بحشد الحشود وشن الغارة على عاصمة تشي، فولى جلالته الأدبار واختفى في تلال «تشنغ يان». أما «آن بنجون» (… تيان دان) فقد وضع يده بيد أهالي مدينة جيمو (… على الرغم مما أحاط بالأجواء من الخوف والقلق …) وحشد وراءه أهالي المدينة الداخلية ذات الأميال الثلاثة، بالإضافة إلى الضواحي الخارجية ذات الأميال الخمسة، وعلى الرغم من فلول الجيش المنهكة، فقد استطاع أن يجهز قواتٍ قوامها سبعة آلاف مقاتل، وتمكن بكل تلك العوامل أن يوقع بقائد القوات العادية في كمين (يقصد «تشي جيه») وأعاد إلى تشي آلاف الأميال من الأراضي المسلوبة، وكانت تلك، وغيرها، بعضًا من مآثره الجليلة، ولو كان قد فكر في مثل تلك الظروف أن يغلق أبواب المدينة، ويُنصِّب نفسه ملكًا على عرش البلاد لما منعه أحد في طول البلاد وعرضها، سواء في الممالك كلها أو مدينة «تشنغ يان» لكن «تيان دان» لم يكن بالرجل الذي يمكن أن يصدُر عنه مثل هذا التصرف؛ انطلاقًا من إيمانه بالمبادئ وعملًا بالأصول الأخلاقية في كل ما يُدبره من خطط؛ لذلك فقد سارع بإقامة الدروب الخشبية المعلقة وذهب من فوره إلى منطقة التلال الكائنة بمدينة «تشنغ يان» ليستقبل جلالة الملك والسيدة حرمه، ويقودهما في طريق العودة إلى الوطن ليجمع شمل الملك وشعبه مرة ثانية وهكذا فقد كان للرجل الفضل في أن ينتشر الاستقرار والأمن في ربوع البلاد، فيهنأ الناس بسعادة أيامهم … ثم يأتي جلالة الملك، اليوم، ويناديه باسمه مجردًا من دون ألقاب … «دان» … ولا أظن أن صبيًّا عابثًا يمكن أن يدور بخلده مُناداة الرجل بهذه الطريقة، ولا أرى إلا أن يُسرع مولاي الملك بالتخلُّص من أولئك التسعة ثم يُبادر بعد ذلك إلى تقديم الاعتذار إلى «آن بنجوان» وإلا تعرضت البلاد لمخاطر جمة واضطربت الأحوال. وبالفعل، فقد أقام الملك السيف على رءوس المُستشارين التسعة وطرد ذويهم خارج البلاد، ثم تكرم بمنح «آن بنجوان» إقطاع بلدة «إيه».
لمَّا أعدَّ تيان دان العدة لمهاجمة أرض دي
لمَّا كان تيان دان على وشك الإغارة على «دايدي»، فقد توجَّه للقاء «لوجون ليان».
(… وذلك ضمن ترتيبات الإعداد للهجوم …) ودار بين الرجلين حوار بدأه «لوجون ليان»، بقوله: «لا أظنك تستطيع احتلال دايدي»، فقال له تيان دان: «إنني أعتمد في خطتي على مجموعة من العناصر القوية؛ إذ قمت بتهيئة الأجواء في المواقع الداخلية للمدينة البالِغة مساحتها خمسة «لي» وعلى الضواحي التي بأطراف المدينة بمساحتها البالِغة سبعة «لي» وبرغم الحالة المُتردية للقوات فقد استطعت الإغارة على دولة يان — ذات القوات العسكرية الهائلة — وألحقت بجيشها الهزيمة، وتمكنت من استعادة الأراضي المُحتلة، فلماذا أعجز عن ضرب واحتلال منطقة دايدي؟» وما إن فرغ تيان دان من قوله، حتى ركب العربة العسكرية وانطلق عائدًا دون استئذان مُحدِّثه؛ ثم إنه قاد الجيش وهاجم أرض «دايدي»، لكنه لم يستطع التغلُّب عليها مدة ثلاثة أشهر كاملة.
الجزء الثاني من الفصل نفسه
وكان مما تردَّد في الأهازيج التي تغنَّى بها الأطفال في دولة «تشي» أغنية تقول كلماتها:
وهنالك وقع الخوف بقلب «تيان دان»، وذهب إلى لوجون ليان يستفسر منه عن حقائق الأمور، قائلًا: «كنت قد كلمتني يا سيدي بشأن منطقة «دايدي»، وذكرت لي صعوبة مهاجمتها، فهل لي أن أعرف وجهة نظرك في ذلك الموضوع؟» فقال له: «قد لاحظت أنك كنت قائدًا للجيش في إقليم «جيمو»، تتصرف بكثير من التواضع والعزم، فكنت تغزل السلال بنفسك، وتحفر الخنادق بالمعول والجاروف، وتحث جنودك على القتال بقولك: «فلنحمل على أعدائنا! ففيمَ قعودنا وقد تهدَّمت المعابد، وطارت أرواح أهلنا شعاعًا، وتهدمت البيوت!» ولمَّا كنتَ قد نذرت حياتك فداءً لوطنك، فقد استهان جنودك بالحياة وسلكوا على دربك، عازمِين على خوض المعارك الحاسمة وهم يلوِّحون بأيديهم ويمسحون عار الجبن عن جباههم، وكانت لهم الغلبة آخر المطاف على دولة «يان».»
أما اليوم، وقد صارت لك بالمنطقة الشرقية الإقطاعات التي تُغل عليك المال الوفير (… الضرائب والإيجارات)، وانشغل قلبك بمباهج منظر الأنهار الجارية، وقد تدلَّى فوق ردائك علائق من الحلي والزينة، وتركب الجياد الرامحة في السهول بين الأنهار الجارية [نهري زيشوي، ميان شوي] تبتهج بلذَّة العيش، وتتناسى عن ملاقاة الموت في ساحات القتال، وهو ما لن يمنحك أوسمة النصر بأي حال من الأحوال.»، فقال «تيان دان»: «لكني، منذ اللحظة، عازم على أن يكون النصر حليفي … فاذكر قولي هذا، ولسوف تنبئك الأيام بما قد عزمت عليه!»
وفي اليوم التالي، ذهب في جولة تفقد فيها حشود القوات على الجبهة، وراح يستحثهم على القتال، ويستنهض معنوياتهم، بل قام واقفًا عند حافة خطوط المواجهة مع العدو [حرفيًّا حيث تسقط السهام ويقع النبل!] يضرب طبول الحرب، ولم يمضِ من الزمان الكثير حتى استسلم أهالي داي.
لما قُتل قائد قوات دولة تشي
لما قُتل «شن تشي»، قائد قوات تشي في معركة نهر «بو» [تنطق كما في «البوصيري»]، لم يلبث نائبه «جانغ تسي» أن هرب من الميدان، ولم يبقَ من القادة الكبار سوى «تيان بان»، الذي ذهب إلى الملك شيوان — حاكم تشي — وقال له: «أرى من الأفضل [للخروج من الأزمة] أن نُرسل بفائض الحبوب إلى دولة سونغ، وهو ما ستتلقاه ببالغ السرور ومن ثم يتعذَّر على دولة «وي» عبور أراضي سونغ لمهاجمتنا، واعلم يا مولاي أني ما كنت لأقترح على جلالتكم مثل هذا الرأي في استرضاء دولة سونغ [حرفيًّا: رشوتها] إلا لما هو معلوم من تردِّي أحوالنا في دولة تشي حتى إذا ما بدلتنا الأيام من بعد ضعف قوة، فلَنا أن نُطالب دولة سونغ — حينئذٍ — بتسديد ما عليها من ديْن لنا، فإذا تقاعست عن ذلك صار من الوارد أن نتخذ من موقفها هذا تُكَأة للهجوم عليها.»
لمَّا قُتل الملك مين على يد ناوتشي
لمَّا لقي الملك «مين» — حاكم دولة تشي — حتفه على يد «ناوتشي»، فقد سارع ولده الأمير «فاجان» بتغيير لقبه ونزل في بيت السيد «جياو» كبير مؤرخي الدولة الكائن بمنطقة «إيندي» أجيرًا، وذلك دون أن يتعرف أحد على شخصيته إلا ابنة المؤرخ التي راقبت سلوك وتصرفات هذا الخادم الجديد، وخالجها شعور بأنه ليس كعامة الناس، ثم إنه شغفها حبًّا، فهامت به عشقًا، وانفطر قلبها عليه حنانًا وشفقة، وصارت تُحضر إليه أحسن المأكل والمشرب في الخفاء، وأمسى كلاهما يختليان خلوة الرجل بامرأته.
وكان الوزراء الهاربون من دولة «تشي» قد اختلطوا بأهالي منطقة «إيندي» وأخذوا يبحثون في كل مكان عن الأمير «فاجان»، ولد الملك المقتول «مين»؛ إذ اجتمعت إرادتهم على تنصيبه حاكمًا على دولة «تشي»، خلفًا لأبيه، وحدث أن الأمير «فاجان»، حكى حكايته وكشف عن شخصيته وسيرة حياته لأهالي إيندي، فتعرفوا عليه، واجتمع لديه الوزراء وقاموا بتنصيبه ملكًا على البلاد [فذلك هو الملك المُلقب ﺑ «شيانغ»] فما استقر فوق العرش، حتى أصدر قرارًا بتنصيب ابنة المؤرخ الرسمي ملكة على تشي بوصفها (زوجة الحاكم)، وكانت قد وضعت له مولوده الذي أسماه ﺑ «طاي تشيجيان»، وهنالك تكلم المؤرخ الرسمي السيد جياو، وقد بلغ به الغضب مبلغه قائلًا: «إن الفتاة التي أنا أبوها، قد ارتبطت برجل، دون إقامة مراسيم الزواج على النحو المعهود، فهي ليست ابنتي منذ الآن، ما دامت قد جلبت عليَّ العار، وداست على كرامة عائلتي ولوَّثت شرف الأسرة الكريمة.» وهكذا، فقد امتنع الرجل عن زيارة ابنته طيلة ما بقِيَ من عمره، أما هي فقد حرصت — وهي زوج الملك الحاكم — على التحلِّي بالخلق الكريم والفضائل الجمَّة؛ إذ بقيت حريصة على التزام قواعد الأخلاق نحو أبيها، على الرغم من مجافاته لها.
الجزء الثاني من الفصل نفسه
فلمَّا توفي الملك شيانغ، خلَفَه ولده طاي تسيجيان على العرش وكانت جلالة الملكة [زوجة الملك الراحل شيانغ ووالدة الملك القائم] حريصة على القيام بما يراعي مصالح دولة تشين، وتتوخى الحذر في ذلك، حتى عُرفت بين أمراء الدويلات بحفظ العهود، والتمسُّك بالمواثيق، فكان ذلك من بين الأسباب التي ساعدت على بقاء الملك طاي تسيجيان في الحكم مدةً تزيد على الأربعين عامًا، دون أن تتعرَّض بلاده لأهوال الحرب والمعارك. وكان الملك «جاو» — حاكم تشين — قد أوفد الرسل إلى جلالة الملكة الأم بهدية عبارة عن مجموعةٍ من الحلقات المتداخلة في سلسلة مترابطة من الأحجار الكريمة مرفقة برسالة من ملك «تشين» يقول فيها: «أما وقد عرفت أن دولة تشي تُئوي بين جنباتها الكثير من الأذكياء، فهلَّا استطاع أحدهم فك عقدة الحلقات المُتداخلة ليحرز هذا اللغز؟» فعرضت الملكة أمر تلك الحلقات المُلغزة إلى الوزراء علَّهم يهتدون إلى تبيان طلاسمها، فعجزوا عن ذلك. فما كان من الملكة إلا أن تناولت مطرقةً وانهالت بها على الحلقات المتداخلة فتكسَّرت، فقدمت اعتذارها لمبعوثي دولة تشين، قائلة: «لم أجد سوى تلك المطرقة لفكِّ الحلقات بعضها عن بعض.»
الجزء الثالث من الفصل نفسه
لمَّا اشتدت وطأة المرض على جلالة الملكة، وأوشكت على الموت؛ نصحت للملك جيان بقولها: «احفظ عني أسماء الثقات المُخلِصين من وزرائك، فهم قليل.» وعندما طلب إليها التصريح بأسمائهم وافقته على ذلك، فطلب قلمًا ولوحًا من البامبو ليكتب ما يُملى عليه من وصايا الملكة المُحتضرة، ثم لمَّا سألها عمَّن تراه موضع ثقةٍ من الوزراء والمسئولين ردت قائلة: «إنها نسيت أسماءهم وما عادت تذكر شيئًا.»
ولمَّا وافاها الأجل المحتوم، تم تنصيب الوزير «هوشنغ» رئيسًا للوزراء، ثم إنه لم يجد غضاضةً في أن يقبل ما أغدقه عليه جواسيس دولة تشين من الأموال والهدايا الثمينة، وقام من فوره، بإيفاد الوفود إلى تشين، فلمَّا عادوا تحدَّثوا بلسان التضليل والكذب؛ بعد إذ دبَّروا تدبيرهم وأوقعوا في روع الملك بأن من مصلحته التوجُّه إلى «تشين» لتقديم التحية للعرش الحاكم، وكان الإهمال قد امتد ليشمل أحوال وأدوات الاستعدادات الدفاعية والهجومية للبلاد بأسرها.
لمَّا كان جيان في طريقه إلى دولة «تشين»
لمَّا كان الملك «جيان» — حاكم تشي — في طريقه قاصدًا التوجُّه إلى دولة «تشين» لتقديم دلائل الطاعة والاحترام، فقد أقبل عليه «يونغمن صما»، وقال لجلالته: «أتظنُّ جلالتك أن الناس يُنصِّبون الملوك فوق عروش بلادهم لأجل حماية الأوطان أم لمجرد الرغبة في إقامة التيجان الملكية؟» فأجابه الملك: «بل لحماية الأوطان.» فقال له القائد: «فما دام الأمر كذلك، فما الذي يدعوك يا مولاي لمُغادرة الوطن والذهاب إلى تشين»؟ وهنالك استدار الملك عائدًا إلى القصر.
وظن مدير إقليم «جيمو» أن نزول الملك على وجهة نظر يونغمن، والعمل بنصيحته، علامة طيبة على استعداده لأن يسمع المزيد من الخطط والآراء، فتشجع وذهب لمقابلة جلالته، فلمَّا الْتقى به، قال له: «تعرف يا مولاي أن مُحيط دولة تشي يزيد على بضعة آلاف «لي» وأن عدد المقاتلين من لابسي الدروع يتجاوز المليون مقاتل، وتعرف أيضًا أن مديري المناطق المُسماة ﺑ «سان جين» قد تركوا المناطق المخصصة لنفوذهم وجاءوا للإقامة في مناطق متاخمة لدولة «تشين»، فما رأيك في أن تجمعهم إلى صفك وتضع في أيديهم العدة والعتاد الكافِيَين لاستعادة مناطق نفوذهم السليبة، وهو الأمر الذي لا تقف دونه الكثير من العقبات، ثم إن عددًا هائلًا من مديري ولايتَي «يان»، و«إينغ» يُبدون السخط والتبرُّم من نفوذ تشين فوق ولاياتهم، ويُعلنون رفضهم الإذعان لسلطة تشين، وهو السبب في مغادرتهم المناطق التي كانوا يرأسونها وتفضيلهم الإقامة في «تشنغ نان شيا» فلماذا لا تُسارع إلى حشد صفوفهم، وشد أزرهم بالقوات اللازمة لاسترداد هيبتهم ونفوذهم، والأرض التي تم اقتطاعها من دولة تشو؟ وهو الأمر الذي لن تجد القوات أي مشقةٍ في تحقيقه، حتى لو كانت المناطق المطلوب استردادها تقع في مضيق «أكوان» فإذا ما تحقَّق هذا كله، فسوف تنعقِد لدولة تشي — تحت سلطانكم — الثقة والهيبة النافذة بين الممالك، وتنخسف الأرض بمملكة تشين الكبرى، فلا تقوم لها بعد ذلك قائمة، ولا أريد لجلالتكم إغفال أهمية هذا الاقتراح، لِما فيه من تقديرٍ عظيم لدوركم ومكانتكم ونفوذكم فليس هناك أسوأ من الخضوع لإرادة «تشين».» ومع ذلك، فقد أغفل حاكم تشي أهمية الاقتراح وصرف عنه النظر تمامًا.
الجزء الثاني من الفصل نفسه
أرسلت دولة تشين من طرفها السيدة «تشن تشي» [… يقال إنها إحدى مَحظيات القصر الحاكم لدولة تشي] لإقناع الملك جيان حاكم تشي بضرورة السفر إلى تشين، بزعم أن البلاط الحاكم هناك لدَيه استعداد لعقد اتفاقية يمنح بمُقتضاها دولة «تشي» أرضًا تبلغ مساحتها خمسمائة لي مربع، ولمَّا كان جلالة الملك قد أغفل نصيحة مدير إقليم جيمو، وآثر التصرُّف وفق ما أغرته به السيدة تشن تشي، فقد سافر إلى دولة تشين التي ما إن نزل بأرضها حتى ألقي القبض عليه، وأجبر على الإقامة بإحدى غابات الصنوبر حيث تم تحديد إقامته، فبقِي هناك رهن الاعتقال حتى مات جوعًا. وقيل في الحوادث إنه قُبيل وفاة الملك المحبوس، ذاعت في دولة تشي إحدى الأغنيات التي تقول كلماتها:
لمَّا وقعت المشاحنة بيد دولتي تشي وتشين
صارت دولة «تشي» تشعر ببالِغ الكراهية نحو دولة «تشين» بسبب ما اقترفه «ناوتشي» من التهوُّر والحماقة وعلى إثر ذلك فقد انتهزت دولة «تشين» ذلك الوضع وراحت تجري محاولات لإقامة الوحدة مع دولة تشي؛ فأرسلت «صواجون» إلى تشو، وأوفدت — أيضًا وفي نفس الوقت — مبعوثها «رانقو» إلى دولة تشي. وهنالك اجتمع «تشيمنع» — كبير وزراء تشو — إلى الملك، وقال له: «يبدو لي أن الملك تشاو — حاكم تشين — متلهِّف على إقامة الوحدة مع تشي، أكثر من لهفته على إقامتها مع تشو، وهو إذ يُرسل مبعوثه صواجون إلى جلالتك (في دولة تشو)، فإنما يقصد من ذلك أن يبلغ دولة تشي رسالة فحواها أنه ينظر إلى مصلحته في تقوية العلاقة معكم، بحكم الجوار وهو المعنى الذي يدعم محاولات رسوله رانقو إلى تشي، في استمالة مُضيفه إلى صفه، ثم إن حاكم تشي سيُسارع، على الفور بتلقُّف ما يَعرضه رانقو عليه من وجهات نظر، خشية أن تسبقه تشو إلى التحالُف مع «تشين» لما تتميَّز به من أنها تقع إلى جوارها مباشرة.
فإذا ما انطلى كلام صواجون على جلالتك، كنت كمن يُقدم خدمة جليلة لمهمَّة رانقو في تشي، حيث ستسارع هذه إلى عقد اتفاق الوحدة مع تشين؛ وهو الأمر الذي إذا ما قَدِّر له أن يتم فسوف يمثل خطورة هائلة لدولة، تشو، أضف إلى ذلك أن ما سيقوله صواجون إلى جلالتك، سيختلف ويتناقض، بالتأكيد، مع ما سيبلغه رانقو إلى تشي؛ ولذلك فالأفضل أن تبلغ دولة تشي بكل ما قيل لك على لسان صواجون، كي تفتح عينَي أهل تشي على مقدار الغش والتضليل الذي جاءهم به رانقو، وهو ما سيعوق قيام الوحدة بين تشين وتشي، وبذلك تتحقق لك مكانة بارزة ويُصبح دورك أكثر أهمية وتتاح لك مجالات اختيارات عديدة … فإذا أردتَ التحالُف مع تشي ضد تشين، أُتيح لك مهاجمة هذه الأخيرة، لاستعادة منطقة السهول عند مُنخفض نهر «خان»، وإذا ما فكرت في الاستفادة من علاقة الجوار مع تشين لمُحاربة تشي صار من المُمكن استعادة وادي نهر «هواي»، ونهر «سيشوي».»