سجل تشو الثاني
لمَّا توفي رئيس وزراء دولة «وي»
لمَّا توفي «جاي تشيانغ» رئيس وزراء دولة «وي»، ذهب إلى الملك «هواي»، حاكم «تشو»، من نصح له باختيار «كانماو» رئيسًا للوزراء، خلفًا للراحل الكريم قائلًا: «ربما كان في نية دولة وي تعيين الوالي «كونزجين» رئيسًا لوزرائها، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعمق العلاقات الودية بينها وبين دولة تشين، وعندما تشتدُّ عُرى الصداقة مع تشين فسوف تشعر دولة تشو بأنها لا تلقى من جانبك ما تستحقُّه من أهمية، ولهذا أرى من الأفضل أن تجري مناقشات مع دولة تشي بهدف الاتفاق على ترشيح كانماو لمنصب رئيس الوزراء، ولا بدَّ من أن الملك شيوان — حاكم تشي — سيسعد جدًّا عندما يعلو قدره، ويرتفع اسمه عاليًا فوق أي حاكم آخر، وعندما نُبلغ سفراء تشي بضرورة مشاركة دولتهم معنا في تنصيب رئيس الحكومة الجديد، فلا بد أن بلادهم ستفرح كثيرًا (لما أدركت من مكانتها عندك). أما إذا أصرت وي على عدم الالتفات إلى هذه النصيحة وضربت صفحًا عن ذلك، فسوف تسوء علاقاتها مع تشي، وتقع العداوة والبغضاء بينهما، فإذا ما تدهورت العلاقات بينكم وبين تشي، فلا بد أن هذه سوف تُسارع إلى كسب ودِّ دولة تشو، أما إذا استمعت وي إلى نصيحتي، فسوف تشتدُّ العداوة والكراهية بين كلٍّ من «كانماو» و«تشو ليز»، وتتَّقد في قلبها نار البغضاء حتى يتمنَّى أحدهما أن يسحق رأس الآخر، مما ينجم عنه تدهور العلاقات مع دولة تشين، وسيكون من جرَّاء ذلك أن الجميع سيسعى إلى تأكيد روابطه الودِّية مع دولة تشو.»
لمَّا تم الاتفاق بين تشي وتشين
تم الاتفاق بين «تشي» و«تشين» على مهاجمة دولة «تشو»، فبادر حاكم هذه الأخيرة بإيفاد قائد قواته «جين تسوي» ليعرض على دولة تشي (التراجُع عن خططها الهجومية مقابل …) أن يُهديها ستة محلات من أرض بلاده، بالإضافة إلى إرسال ولده الأمير ليُقيم في تشي رهينة لضمان السلام بين البلدَين، وهنالك التقى جاوجي بالقائد جين تسوي، وقال له: «ربما كانت دولة «تشين» تفكر في الضغط على دولة تشو للتنازل لها عن أجزاء من أرضها، وهي تمارس هذا الضغط بواسطة كل من «جين لي» [رئيس وزراء تشو] و«سولي» [أخو سوتشين، المُقيم وقتئذٍ في تشو]؛ فإذا تنازلت عن أجزاء من أرضك على سبيل التودُّد والتقرب من دولة تشي، فسوف يُطالب كل من سولي وجين لي دولة تشو بالتنازل لدولة تشين عن أقاليم وأجزاء هائلة من أرض بلادكم إرضاءً لخاطرها، وهو ما سوف يُحبط مهمتك ويصيبك بالعجز عن أداء دورك وأرى من الأفضل أن يسارع حاكم تشو إلى إغداق الرشوة على كلٍّ من سولي، وجين لي، على أن يتم إيفادهم إلى تشين، وعندئذٍ فإن دولة تشي سوف تساورها الشكوك والمخاوف، مما سيحول بينها وبين المطالبة بالتنازل لها عن الأراضي، بل ستسارع إلى عقد الوحدة مع تشو، وعندئذٍ فقط، تواتيك الفرصة الذهبية لعقد ميثاق الصداقة بين البلدين.»
لمَّا تقدم القائد شوشي على رأس القوات
لمَّا تقدم القائد شوشي على رأس قوات تشين لمهاجمة دولة تشو، فقد أمر حاكم هذه الأخيرة قائده العسكري جاوشو بقيادة جحافل الجيش لدخول منطقة هانجون والمرابطة فيها، هذا وقد تمكن جاوجي من هزيمة قوات تشين في موقعة جونشيو، وهنالك التقى سولي مع جاوشو [القائد العسكري العام]، وقال له: «إن ملك تشو يفكر في أن يأمر جاوجي بانتهاز فرصة انتصاره على قوات تشين والوثوب على دولة تشين نفسها لمهاجمتها، وبهذا فسوف يصدر إليك الأمر بدفع جزءٍ من قواتك مددًا لقوات جاوجي، فإذا علمت دولة تشين بهذه التجزئة للقوات، فسوف تقوم باحتلال هانجون، فاسمح لي (أن أُساعدك في هذا الأمر؛ وذلك ﺑ …) أن أبعث «شين رونغ» [أحد مواطني تشو ممن تربطهم علاقة حميمة بدولة تشين] إلى ملك تشو ليقول له: «إن قوات دولة تشين توشك على مهاجمة هانجون» … وهو الأمر الذي سيحول دون تجزئة القوات ويُعفيك من معاناة نقص عدد الجنود.»
لمَّا تحالفت الدول الأربع لمهاجمة تشو
لمَّا تحالفت الدول الأربع: تشين، وتشي، وهان، ووي، وحشدت قواتها لمهاجمة تشو، أصدر حاكمها أمرًا إلى جاوجي بقيادة القوات لصد هجوم دولة تشين، وكان ملك تشو (في تلك الأثناء) يُبيِّت النية على مهاجمة تشين في عقر دارها، وهو الأمر الذي لم يكن يرُوق كثيرًا للقائد جاوجي، وهكذا فقد ذهب «هوان صان» [ربما كان أحد المُقربين إلى جاوجي!] إلى حاكم تشو، ليقول له [على لسان جاوجي]: «اعلم يا مولاي أنه إذا كان النصر حليف قائد قواتك، جاوجي، فسوف تشتدُّ كراهية الدول الثلاث الأخرى وسخطهم عليك وعلى بلادك، وربما بدا لهم تردُّد «تشين» وميلها إلى مُسالمتك والخضوع لشروطك أمرًا وشيك الحدوث مما قد يدفعهم إلى الصمود وتعزيز قوتهم لمُحاربتك دعمًا لحليفتهم الكبرى تشين هذا من ناحية، ومن جانب آخر فإن ملك «تشين» إذا ذاق مرارة الهزيمة أمامك، فسوف يستجمع كل طاقته لقتالك بكل ما أوتي من قوة، وهو ما يعني دخولك في معارك مطولة مع تشين تستنزف فيها جهدك وطاقتك، وبالطبع فإن المُستفيد الوحيد من ذلك الموقف هم الدول الثلاث الأخرى؛ ثم إننا إذا عجزنا عن الانتصار على تشين، فلا بد أنها ستتقدَّم لضربنا؛ لذلك كله فإني أرى من الأوفق أن نُعزز قوات جاوجي ونترك له حسم الموقف بالشكل الذي يراه مناسبًا (لتحقيق النصر دون النيل من كرامة تشين). ومن المعلوم أن ملك تشين لا يبغض شيئًا قدر بغضه لدخوله معارك طويلة مع تشو يُبدد فيها طاقته على النحو الذي لا ينال به إلا الضرر بينما تستفيد باقي الدويلات. وهكذا فقد تكتفي تشين باقتطاع جزءٍ من أراضيك لتنهي حربها معك. فإذا ما قامت الوحدة بين تشين وتشو، فلن تملك الدول الثلاث يان، وجاو، ووي إلا الإذعان لهما، مما يُشيع فوق الجميع أجواء الهدوء والاستقرار.»
لمَّا قام حاكم دولة تشو بتحديد إقامة تشانغي
قام الملك هواي بتحديد إقامة تشانغي تمهيدًا لإعدامه، فذهب الوزير «جين شان» [أحد المُقربين لجلالته] إلى الملك، وقال له دفاعًا عن تشانغي: «إن قيامك بحبس تشانغي سيثير ضدك شعور البلاط الحاكم في تشين، فإذا ما تبين لباقي الدويلات تدهور العلاقات بين البلدين؛ فلن ينالك إلا الاستهانة بقدْرك، وضياع مهابتك وسط الجميع». ومن ناحية أخرى فقد تحدث تشانغي، نفسه، إلى السيدة جنغ شيو [إحدى زوجات الملك القريبات إلى قلبه]، قائلًا: «لا بد أنك تعرفين تمامًا، يا سيدتي، ما سوف يحل بك من استصغار الملك لشأنك وابتعاده عنك في قادم الأيام، وتعلمين السبب في ذلك أيضًا!» فلما دُهشت وسألته عن مغزى كلامه هذا، فرد عليها الوزير جين شان بقوله: «إن تشانغي من أخلص الوزراء وأقربهم وأكثرهم ثقةً عند حاكم تشين، ولا بد أن جلالته سيسعى بكل جهده لتخليصه من الحبس بعد أن علِم بتقييد إقامته، ومن المعلوم أن لحاكم تشين ابنة رائعة الجمال، يسهر على إرضائها وتدليلها بشتَّى الوسائل، حتى إنه اختار لها، من بين فتيات القصر، أملحهن وجهًا، وأبرعهن مسامرة وعزفًا للموسيقى، للترويح عنها، وإدخال البهجة على قلبها، بحيث تبقى معها تتبعها كظلها، وتذهب بها لتقيم في بيتها كقطعةٍ من أثاث منزلها بعد الزواج، وقد أهدى الملك إلى ابنته أروع الجواهر والحُلِي، ثم أقطعها ست مناطق بولاية «شاتيون» هدية لعقد قرانها، وهو يُرتب لتزويجها من ملك تشو وذلك عبر رسوله تشانغي ولا بد أن حاكم تشو سيهيم بها حبًّا، ثم إنها ستأتي إلى دولة تشو موفورة الحظ من شرف مكانة قومها وبلدها بين الأمم، وفي شوارها ما تتيه به فخرًا من الأراضي والأقاليم والمال الذي ليس له حصر، ولا بد أنها ستطرق أبواب القصر الحاكم في تشو بوصفها زوجة جلالة الملك، الذي سيجد من فرحته بها ومتعته بصحبتها ما تدور له رأسه من النشوة، وعندئذٍ فلن يسعه إلا المقام بين يدَيها والتقرُّب إليها بما يرضيها، ومن ثم يهجرك ويحقر قدْرك يومًا بعد يوم.» فقالت له: «فليكن لك التصرُّف في هذا الأمر، على الوجه الذي تريد، لكن قل لي: ما الذي ينبغي عمله، وما السلوك الواجب اتباعه؟» فأجابها: «لا أرى إلا أن تُسارعي إلى إقناع الملك بالإفراج عن تشانغي. الذي — إذا ما عادت إليه حريته — فلن ينسى لك الجميل، وسيعمل على إفساد مشروع تزويج ابنة ملك تشين لحاكم تشو، ويُعظم قدرك لدى دولة تشين بأسرها، وتخلص لك ساحة الشرف والجاه في تشو، لا ينافسك فيها منافس، وتُصبح لك اليد الطولى في إقامة صلات الود مع تشين ويصير لك تشانغ مثل ربيبك الذي يتصرف رهن مشيئتك، ويصبح أبناؤك أمراء تشو، فيما بعد، وهو مطمح لا مزيدَ عليه وشرف ليس أعظم منه.» وهرعت جنغ شيو إلى الملك فأقنعته، بالإفراج عن تشانغي، فأخلى سبيله.
لمَّا أقدم ملك تشو على الإفراج عن تشانغي
اتخذ ملك تشو كل الإجراءات التي تقضي بالإفراج عن تشانغي غير أنه كان يخشى، في قرارة قلبه أن يُسيء الرجل إلى سُمعته، وسط الممالك، وتحدث بهواجسه إلى خُلصائه … فقال له وزيره المُقرب إليه جين شان: «دعني أتبع خطاه أينما ذهب، فإذا ما بدرت منه بادرة سوء في حق جلالتك، فلتأذن لي بقتله.» وكان في قصر حاكم تشو أحد أفراد الحاشية ممن يبغضون جين شان، فتكلم سرًّا مع جانماو [وزير عظيم بدولة وي] قائلًا: «يبدو أن ما يحظى به تشانغي من ذكاء وحصافة رأيٍ يؤهلانه للترقي في بلاط كلٍّ من دولتي تشين وتشو، ما يعنى المزيد من المتاعب لك في المستقبل، وأرى من الأفضل لك أن ترصد له من يقوم باختطافه وقتله، وبالطبع فسوف تثور ثائرة ملك تشو، وقد ينجم عن ذلك أن يتحرَّج موقف تشانغي، وبالتالي يعلو نجمك، وتحظى بما كان وقف عليه من تقدير وتكريم، فإذا ما اندلعت الحرب بين تشين وتشو، تجنبت دولة وي الويلات وانزاحت من طريقها العقبات.»
وبالفعل فقد أوصى: «جانماو» بالرجل من اختطفه ودق عنقه، فهاج ملك تشو وماج، واشتعل أوار المعارك بين تشو وتشين، وتأجج نطاها بمرور الأيام، وراحت كلتاهما تتقرب من دولة وي وتخطب ودَّها، ثم إن جانماو تَرَقَّى في مراقي التقدير وبلغ غاية التكريم.
لمَّا أغارت تشين على هانجون
أغارت تشين على هانجون وكبَّدت قوات دولة تشو خسائر فادحة، وهزمتها شر هزيمة، واقتيد ملك تشو، بالخديعة، إلى دولة تشين، حيث جرى اعتقاله والتحفُّظ عليه، وذهب أحد المُناظرين السياسيين لينافح عنه لدى ملك تشين، حيث قال لجلالته: «لو كان في نية جلالتكم تكبيل يدي ملك تشو، وإلقاؤه في الحبس كي يخلو لكم طريق مهاجمة بلاده بالتحالف مع باقي الممالك والدويلات، فهذا تدبير غير أخلاقي، يُسيء إلى هيبتكم، أصلًا، ولا يجدُر بكم اللجوء إليه؛ فإذا رأيتم مهاجمة تشو وحدكم دون التحالف مع باقي الدويلات، فذلك أمر يضر أبلغ الضرر بمصالح بلادكم، والأصوب من ذلك كله، أن تقوم بعقد حلفٍ مع ملك تشو وتدعه يعود إلى بلاده، إذ قد لمستم مدى خشيته من قوة بلادكم بالدرجة التي تحُول بينه وبين خيانة مواثيقه معكم، وحتى لو حدث أن خرج على اتفاقه معكم فستستطيعون وقتئذٍ تنسيق هجوم مشترك مع الدول الثلاث: تشي، وهان، ووي؛ ولن يُماري أحد في أنها ستكون حربًا عادلة بحق.»
لمَّا كان ملك تشو مُقيمًا، وهو أمير صغير بدولة
عندما كان الملك شيانغ، حاكم تشو، مقيمًا بدولة تشي، رهينة لضمان استقرار السلام، وهو بعدُ أمير صغير، بلغَه في تلك الآونة خبر وفاة الملك هواي، فذهب إلى الملك «مين» — حاكم تشي — ليستأذنه في العودة إلى الوطن، فرفض جلالته، قائلًا: «لن أسمح بعودتك إلا إذا تنازلتَ لي عن منطقة «هوايبي» الملاصقة لحدودنا مع بلادكم والتي تبلغ مساحتها خمسمائة لي.» فقال الأمير: «دعني أتكلم في هذا الأمر مع أستاذي الذي تلقيتُ العلم على يدَيه.» ثم قصد إلى أستاذه «جنزي»، وكان مما أجابه به هذا المعلم: «أرى أن تجيب الملك طلبه، وتُهديه الأرض التي اشترط الحصول عليها، صونًا لحياتك، ثم إنه ليس من البر أن تجعل من حرصك على الأرض سببًا يحول بينك وبين حضور جنازة أبيك؛ لذلك فمن الصواب أن تُذعن بالموافقة.» وهكذا فقد طلب الأمير الإذن بالمثول بين يدي الملك ليُنهي إليه قراره، قائلًا: «بمزيد الاحترام نهدي إلى جلالتكم الأرض التي مساحتها خمسمائة لي». وعندئذٍ، أشار الملك بالسماح للأمير بالعودة إلى وطنه.
الجزء الثاني من الفصل نفسه
وبعد أن عاد الأمير إلى الوطن اعتلى سُدة العرش، وقد تمَّ تنصيبه ملكًا على البلاد، وحدث أن دولة تشي أرسلت خمسين عربةً عسكرية مع وفدٍ رسمي إلى القصر الحاكم في تشو؛ وذلك لاستلام منطقة «هوايبي» الملاصقة للحدود بين البلدَين، فتكلم الملك مع مُعلمه جنزي، قائلًا: «ها قد وصلت وفود من تشي لاستلام أرض هوايبي، فما العمل؟ وكيف نتصرف إزاء ذلك الأمر؟» فأجابه: «أقترح عليك أن تطلب من الوزراء عندما يحضرون غدًا للقائك، تقديم وجهات نظرهم في هذا الشأن.»
فلما حضر إلى القصر كبير الموظفين الرسميين المدعو «تسي ليان» لحضور الاجتماع، ابتدره الملك قائلًا: «ما كنت أستطيع العودة إلى البلاد، والمشاركة في تشييع جنازة الملك الراحل، والالتقاء بالسادة الوزراء والمسئولين في بلادنا، واعتلاء العرش الملكي إلا لِما وعدت به دولة تشي من أن أتنازل لها عن أرض هوايبي، التي تقدر مساحتها بخمسمائة لي، وها قد وصلت الوفود من تشي تريد استلام الأرض وإنجاز الوعد، فما القول في ذلك الأمر، وكيف نتصرف لمعالجة تلك المسألة؟» فأجابه الرجل بقوله: «ليس لجلالتك أن تمتنع عن تسليم الأرض لهم؛ فكلامك له وزنه وأهميته، وما دمت قد وعدت المسئولين في بلد كبير، مثل تشي، ذي قوة ومهابة (وعتاد عسكري يبلغ عشرة آلاف عربة عسكرية) فليس لك أن تخلف الوعد، وإلا فقدت مصداقيتك، وتزعزعت ثقة القوم فيك، وتعذر عليك منذ اليوم، أن تعقد المواثيق والمعاهدات مع أيٍّ من الدويلات والممالك، فالمطلوب منك أن تُنجز وعدك، ولك بعد ذلك أن تسترد الأرض بالقتال. فإنجازك الوعد يدعم الثقة فيك، واستردادك الأرض بالقتال تصرُّف يليق بالشجعان؛ ولذلك كله فإني أرى من المناسب أن تعطيهم الأرض التي وعدتهم بها.»
الجزء الثالث من الفصل نفسه
فلمَّا انصرف «تسي ليان»، دخل الوزير الأعظم «تشاو شانغ» لمقابلة الملك، الذي قال له: «قد أرسلت دولة تشي في طلب الأرض ذات المساحة البالغة خمسمائة لي، فماذا ترى للخروج من ذلك المأزق؟» فأجابه: «لا تسلمهم شيئًا، ولا يهولنَّك ما يُقال من امتلاكهم عشرة آلاف عربة مقاتلة، فإنما هذا مجرد زعم يناسب بلدًا هائل المساحة مُمتد الأطراف، ثم إذا سمحت لهم باقتطاع منطقة هوايبي بمساحتها الخمسمائة لي، فإنما تقتطع ما مقداره نصف أراضي بلادك كلها، ولئن كنا نزعم (من باب التهويل) أننا نملك عشرة آلاف عربة مقاتلة، فإن مبلغ مقدرتنا الحقيقية لا يتجاوز ألف عربة، كلَّا، لست أوافق على إعطاء الأرض لهم، بل أرجو أن تسمح لي جلالتك بالذهاب إلى تلك المنطقة تأهبًا للدفاع عنها.»
ولمَّا خرج تشاو شانغ من عند الملك، دخل جين لي ليمثُل بين يدي جلالته، حيث كلَّمه، قائلًا: «تُرى ما الذي تشير عليَّ به إذ أرسلت تشي تريد ضم أرض هوايبي بمساحتها التي لا تقل عن خمسمائة لي؟» فأجابه: «مُستحيل أن توافق على ذلك، غير أني أرى من الأوفق ألا نركن إلى قوتنا المحدودة في الدفاع عن أرضنا، وقد تكلمت كرجل دولة مسئول، فإذا تقاعست عن تحقيق ما وعدت به ذاع الأمر في الممالك والتصقت بك سمعة رديئة مفادها أنك غير ذي ثقة، لكننا يجب أن ننتبِه إلى أن دولة تشو لن تتمكن وحدها، من الوقوف في وجه محاولات اقتطاع أرضها؛ لذلك أرجو منك التوجه غربًا لطلب العون من دولة تشين».
الجزء الرابع من الفصل نفسه
لمَّا انتهت مقابلة «جين لي» مع الملك وخرج من عنده، دخل جنزي إلى جلالته، فأخبره بأمر الخطط الثلاث التي ارتآها المسئولون البارزون الذين التقوا به، قائلًا: قابلت «تسي ليان» فقال: «لا بد من أن تُعطيهم الأرض ولك أن تستردها بالقتال بعد ذلك.» ثم لمَّا قابلت تشاو شانغ، قال لي: «لا تفرط في الأرض بل أرجو أن تأذن لي بالتحصُّن فيها والدفاع عنها.» فلما سألت جين لي عن رأيه، أجابني بقوله: «لا تسلمهم الأرض غير أنك لن تقدر بالاعتماد على قوتك فقط أن تحمي موقفك، فاسمح لي بالذهاب إلى تشين طلبًا للعون.» … فما هي الخطة الأنسب من بين تلك الثلاث؟» فأجابه أستاذه: «كلها معًا، في وقتٍ واحد يا مولاي!»، فتغير وجه الملك من الغضب، قائلًا: «ماذا تقصد بقولك هذا؟» فأجابه: «ائذن لي بتوضيح ما ذكرت لك حتى ترى الأمر على النحو الذي أبينه لجلالتك، وبادئ ذي بدء فإنك ستقوم بإيفاد تسي ليان (أكبر الموظفين الرسميين) لقيادة خمسين عربة عسكرية تتجه شمالًا نحو دولة تشي لتسليم الأرض ذات الخمسمائة لي، وفي اليوم التالي مباشرةً، توفد تشاو شانغ بوصفه قائدًا للفرسان وتأمره بالدفاع عن أرض هوايبي، ثم تقوم في اليوم التالي بإرسال جين لي على رأس بعثة قوامها خمسين عربة عسكرية ليتجه إلى دولة تشين طلبًا للتدخل والعون.» وهنالك أقره الملك على رأيه معلنًا موافقته التامة، ثم إنه أرسل تسي ليان شمالًا تجاه دولة تشي لتسليم الأرض، وفي اليوم التالي قام بتعيين تشاو شانغ قائدًا للفرسان وأمره بالتوجُّه إلى هوايبي لحمايتها والدفاع عنها، ثم أوفد جين لي إلى تشين طالبًا تدخلها العاجل لإنقاذه.
الجزء الخامس من الفصل نفسه
ما إن وصل تسي ليان إلى دولة تشي، حتى أسرع حاكمها بإرسال الجنود (من لابسي الخوذات والدروع) تحت قيادة موفدِه بغرض استلام أرض هوايبي، فلمَّا وصلت القوات إلى هناك وجدت تشاو شانغ وقد قام معترضًا طريق الوافدين قائلًا: «أنا المسئول الأول عن حماية منطقة أرض هوايبي، ولن يقترب منها أحد إلا على جثتي [حرفيًّا: أنا والأرض سواء، بقائي ببقائها وهلاكي في استلابها!] وقد حشدتُ لكم الحشود من الشيوخ والشباب حتى اجتمع لديَّ جيش قوامه ثلاثمائة ألف مقاتل وسنصبر على حربكم، ولو كانت الدروع صدئة، وسنثخن فيكم وإن كانت النصال كليلة.» ثم إن حاكم تشي تكلم مع تسي ليان قائلًا: «ما دمت قد جئت يا سيدي لتُنهي إليَّ مسألة استلام الأراضي، ففيمَ مرابطة تشاو شانغ للدفاع عن الإقليم المزمع التنازل عنه؟» فأجابه: «لكني قد تلقيتُ الأمر الذي أنهيته إلى جلالتك عن حاكم تشو شخصيًّا، ولا بد من أن تشاو شانغ يتصرف على مسئوليته الشخصية متعللًا بحجةٍ واهية ينسبها إلى مليكه، سيد البلاد، دون سند أو دليل، فاضربه حيث وجدته.» فجهز ملك تشي الجيوش وأغار بحملة كثيفة الرجال والأسلحة على هوايبي، يريد الظهور على تشاو شانغ، فلمَّا اقتربت القوات من المنطقة المطلوبة، فوجئت في طريقها بجيشٍ قادم من دولة تشين قوامه خمسمائة ألف مقاتل، يزحف تجاه حدود تشي في المنطقة الغربية، واقترب منها قائد قوات تشين ليقول: «إن الحيلولة دون عودة الأمير إلى وطنه للمشاركة في تشييع جثمان أبيه الملك المتوفَّى، يعد سلوكًا مُجانبًا للإنسانية، هذا بالإضافة إلى أن استغلال الأوضاع لاقتطاع ما مساحته خمسمائة لي من منطقة هوايبي، يُعد مسلكًا ظالمًا لا عدل فيه ولا رحمة، فإذا رجعتم من حيث أتيتم فنعم الأمر إذن، وإلا (إذا استمرأتم المُضي قدمًا) فانتظروا الحرب …» فلمَّا كان حاكم تشي يرهب جانب تشين للغاية، فقد استدعى تسي ليان، وطلب إليه سرعة العودة إلى تشو، اجتهادًا في إظهار نوايا المصالحة، كما أرسل جلالته وفدًا إلى الغرب لزيارة دولة تشين بهدف توضيح ملابسات الأمور، وسعيًا لإزالة التوتر وسوء الفهم بين البلدَين، وهكذا استطاعت دولة تشو أن تحتفظ بإقليم هوايبي دون أن تدفع بقواتها إلى ميدان القتال.
لمَّا تكلمت مربية أمير تشو مع سوتشين
تحدثت خادمة الأمير [المرأة التي تولت تربية أمير تشو] إلى سوتشين، فقالت له: «كنت أنت السبب في اعتقال ملك تشو بدولة تشين، وتحديد إقامته بها، مثلما كنت السبب في المصائب التي حلت بأمير البلاد؛ وذلك لأنك ترى في عودة الملك من محبسه، والأمير من القيود المفروضة عليه، خطرًا عليك، وأيَّما خطر، وأرى من الأفضل لك أن تبعث من يقول للأمير: «لو نما إلى علم سوتشين أنك تبغضه، فسوف يفكر في شتى الطرق التي لن تجلب عليك إلا المزيد من المصائب، فلا مَعدى لك من التودُّد إليه، وعقد أواصر الصداقة معه؛ مما سيدفعه إلى مساعدتك في العودة إلى الوطن».» وبالفعل، فقد أرسل سوتشين إليه من أقنعه بتلك الأفكار، وهكذا أخذ الأمير يسعى من جديد، في إقامة جسور الثقة والمودة مع سوتشين.