سجل تشو الثالث

لمَّا تحدث سوتشين مع الملك هواي

تحدث سوتشين إلى الملك هواي، حاكم تشو، فقال له: «(اعلم) أن الرجل الفاضل الكريم يُحب الناس ويعطف على رعيته بكل صدق وإخلاص، ويتحدث إليهم بأطيب الكلمات، (كما أن) الأبناء البررة يبذلون كل مادي ومعنوي شفقة ورفقًا بأبويهم، كذلك فإن الوزير المخلص هو من يرشح ذوي الحكمة والرشاد ليكونوا أعوانًا لمليكهم (في إدارة شئون الحكم).

غير أن رجال الملك ووزراءه لم يعودوا يسلكون هذا النحو، بل أصبحوا مولَعين بالإساءة إلى الحكماء، تزكية لأنفسهم، وطمعًا في ترقي مراتب الشرف وحدهم، وأثقلوا على الناس وعلى الشرفاء والنابهين بما فرضوا عليهم من الضرائب الباهظة، حتى أوقعوا في قلوب الأهالي السخط على سيد البلاد، فلا يمكن أن يكون مثل هؤلاء الوزراء مخلصين لمليكهم. ثم إنهم، بعد إذ رموا وجه الملك بكل نقيصة أمام شعبه، قاموا باستغلال أرضه في رشوة من يروق لهم من أمراء الدويلات والأقاليم، فأزاحوا من طريقهم كل الوزراء الذين وجدوا حظوة لدى جلالته (كي يفوزوا وحدهم بأقرب المواقع إلى قلبه واهتمامه) فهؤلاء، أيضًا ارتدوا قناعًا زائفًا من الإخلاص، فأوقعوا بالبلاد في أدهى الكوارث، وكل ما أرجوه من جلالتك هو ألا تُصدق ما يشاع على أفواههم من الوشايات والافتراءات والأكاذيب، وأن تتوخَّى بالغ الحذر والفطنة عند تعيين رجال الدولة والولاة؛ وذلك بأن يقع اختيارك على أكثر الناس قبولًا من الشعب، كما أرجو منك أن تضبط مُيولك وأهواء نفسك، كي تبسط فوق الجميع مظلة الأمن والاستقرار. إن أصعب ما يمكن أن يُواجهه رجل الدولة المسئول، هو أن يتولى بنفسه ترشيح ذوي الحكمة للترقي في المناصب العُليا دون أدنى شعور بالغيرة أو الحسد. وقد يكون من السهل على الكثير أن يضحُّوا بأنفسهم فداء لجلالة الملك، بل قد حدث بالفعل أن عددًا غفيرًا من الناس قتلوا في المعارك الدامية دفاعًا عن التاج الملكي، وقد يسهل على المرء أن يُوصَم بالمخازي وأن يتلقى كل ألوان المهانة ليسلم الشرف الملكي من النقائص، ثم إن الجميع، بما في ذلك أكبر موظفي القصر إلى أدنى عامل بسيط، لن يتوانَوا عن مقاساة التجريح والإهانة لأجل العاهل الكريم. (كل ذلك ممكن ووارد بكل تأكيد …) أما أن يقوم المرء بترشيح ذوي الكفاءة والخلق الكريم (في المواقع الوظيفية المرموقة) دون إحساس بالغيرة أو الحسد؛ فهذا ما لم أسمع أن أحدًا قام به (على هذا الوجه من السهولة …) من قبل؛ لذلك فإنه ينبغي على الحاكم ذي البصيرة الثاقبة أن يختبر وزراءه، ليقف على مدى ما يعتمل في قلوبهم من مشاعر الغيرة، ودرجة ما يتمتعون به من القدرة على (النزاهة والموضوعية التي تُمكنهم من …) ترشيح الأكْفاء من الناس، فإن أولئك الموسومين بالاقتدار والحكمة، هم بدورهم القادرون على التفاني في العمل مع الملك، وفي ترشيح نظرائهم للعمل في البلاط الحاكم دون تباغُض أو تحاسد؛ حيث إن مكمن الصعوبة في هذا، هو أن الوزير الذي يقوم بترشيح أكفأ الناس لخدمة جلالته، يخاطر بأن يأتي بمن يتفوقون عليه، فيرذل في عين مولاه؛ ذلك أن صعود الآخرين على سلم المجد يعني سقوطه وضياع قدره، وهو ما يشق على المرء احتماله.»

لمَّا وصل سوتشين إلى دولة تشو

لمَّا وصل سوتشين إلى دولة تشو، فقد بقي ثلاثة أيام جالسًا في انتظار أن تُتاح له فرصة مقابلة جلالة الملك، (وعندما التقى بجلالته و…) انتهت المباحثات بينهما، استأذن سوتشين في الانصراف عائدًا إلى بلاده، فقال له الملك: «قد سمعت الكثير عنك، وبلغني ما يُشنِّف الآذان من شهرتك ومجدك وعلو قدرك، فأكبرتك بما يليق بك، بل بذلت من الاحترام مثلما أبذل ما في قلبي للحكماء والقديسين، من الأقدَمِين والحاضرين، وإني لأعجب إذ أراك تقطع كل تلك المسافة الطويلة مسافرًا إلينا، ثم تبادر (إثر انتهاء اللقاء معنا) إلى السفر حالًا، دون أن تبقى للمقام قليلًا، فما الذي يمنعك من البقاء ها هنا (… أخبرني بالسبب)، إذا سمحت لي بهذا السؤال، من فضلك [هكذا حرفيًّا].» فأجابه سوتشين، بقوله: «قد لبثتُ في بلادكم قليلًا، فإذا بي أفاجأ بأن ثمن الطعام أغلى من سعر المجوهرات الثمينة، وأن الحطب (الذي توقد به النار) أعز من النباتات والأعشاب الطبية، واكتشفت أن السعاة والمُوظفين المكلَّفين بترتيب الإجراءات الإدارية والعمل على تسهيل مهمتي، يمرقون من أمامي كالأشباح الهاربة، فلم أجد منهم من أستعين به في قضاء المهام الضرورية، وبَدَا لي أن اللقاء مع جلالتك أعز طلبًا من مقابلة رب السماء، وعلى أية حال، فها قد أُتيح لي — أخيرًا — أن أطعم الجواهر الثمينة وأن أستعمل الأعشاب الطبية في إشعال الوقود بدلًا من الحطب، وأن ألتقي بمقامك الأشرف كما لو كنت ألتقي بإله السماوات.» فقال له الملك: «أرى أيها السيد الكريم أن تذهب إلى دار الضيافة لتريح جسدك فقد فهمت ما ترمي إليه.»

لمَّا طلب الملك الحاكم من دولة وي

طلب الملك هواي حاكم تشو، من دولة وي القيام بطرد تشانغي من البلاد، فلما سأله تشين جين عن السبب في طلبه هذا، أجابه الملك بقوله: «لم أعهد فيه، كرجل دولة مسئول، أي قدر من الإخلاص ولا أية دلائل من الثقة.» فقال له تشين جين: «إن كان غير مخلص، فلا تتَّخذه وزيرًا، وما دمتَ قد وجدته غير جدير بثقتك، فلا تعقد معه ميثاقًا أبدًا، وفوق ذلك كله، فما الذي يضيرك إذا كان الرجل الذي تراه غير أهلٍ للثقة والإخلاص أحد وزراء دولة وي وليس أحد رجالك المُقربين؟! وما النفع الذي كان يعود عليك لو كان تشانغي على القدر التام من الإخلاص والثقة؟ والآن، وبعد أن رأيت أنه من المناسب أن يتم طرد تشانغي من منصبه الوزاري، فيمكنك أن تُعبر عن رغبتك هذه لملك وي، وربما يستجيب جلالته لطلبك، ولو سار الأمر على هذا النحو لما كانت هناك أية مشكلة، لكن افترض أنه رفض طلبك، فكيف بك وأمراء الأقاليم والدويلات يرَون طلباتك تلقى الرفض، وتوسلاتك تقابل بالاستهانة، أما تصير في مأزق شديد، وأزمة على درجة بالغة من الحرج؟ ثم انظر إلى الأمر من الجهة المقابلة، وتأمل الوضع الذي يمكن أن تجد دولة وي نفسها فيه، خصوصًا أن دولة وي بعتادها العسكري البالغ عشرة آلاف عربة مقاتلة، هي التي يراد منها أن تسحب الثقة من وزيرها الأعظم … وأقل ما يمكن أن يقال عنها أو أن توصف به عندما توافق على طلبك هذا، أنها تذعن لإملاءات تُفرَض عليها تحت التهديد والضغط، وكفى بهذا إهانة بالغة.» [وكانت مشكلة تشانغي، أنه، وهو الوزير الأعظم لدولة وي، يُخطط لعقد تحالف بين وي وتشين وهان لضرب كلٍّ من تشي وتشو؛ فلذلك أراد حاكم تشو عزلَه من منصبه وطرده].

لمَّا ذهب تشانغي في زيارة إلى دولة تشو

ما كادت تنقضي فترة من الوقت بعد وصول تشانغي إلى دولة تشو، حتى نفدت الأموال التي كان يحملها معه في سفارته، فضج العاملون الذين كانوا يقومون بخدمته ورعاية شئونه، وفكروا في العودة إلى بلادهم فقال لهم تشانغي: «لا بد أنكم تريدون العودة، لأن ملابسكم قد تهرأت، فانتظروا حتى ألتقي بملك تشو (وأتدبر أمر توفير بعض المال!).» وكان ملك تشو في تلك الأثناء يقرب إليه امرأتَيه: السيدة نانهو، والسيدة جنشيو، ويميل إليهما بكل قلبه، فلما ذهب تشانغي لمُقابلة جلالته، بَدَا عليه الضيق والتبرُّم بهذه المقابلة، فابتدره تشانغي قائلًا: «أريد أن أعرف طلبات جلالتك من دولة سان جين [… أي دولة «وي»، وهي تسمية اشتهرت بها تلك الدولة أثناء فترة الدول المُتحاربة].» فأجابه: «لدينا في تشو كل ما تشتهيه الأنفس من الذهب، والعاج، وقرن الكركدن [هكذا] فليس هناك ما يمكن أن نطلبه من دولة وي.» فقال له تشانغي: «ألا تُحب النساء يا مولاي؟» فأجابه: «ماذا تقصد بقولك هذا؟» فقال: «ألا ما أجمل وأشهى وأحلى نساء «الهان» و«جاو» ببشرتهن البيضاء وشعرهن الأسود الفاحم، إنهن يخطرن في الطرقات فيتهيأ لمن لا يعرفهن أنهن الحور أو بنات الآلهة قد نزلن من الجنان أو هبطن من علياء السماء.» وهنالك قال له الملك: «ها قد أدركت أن دولة تشو شديدة البعد (عن لمسات التحضر والجمال) بموقعها المتطرف وحدودها النائية؛ إذ لم يسبق لي أن رأيت في حياتي، مثلما وصفتَ من تلك الروعة والحسن والجمال، فلماذا أنأى بنفسي (أنا الآخر) عن الاستمتاع بالجمال الأنثوي الفتان؟» وهكذا فقد سارع ملك تشو إلى الإغداق على تشانغي بالكثير من المجوهرات والأحجار الكريمة واللآلئ الثمينة.

الجزء الثاني من الفصل نفسه

فلمَّا علمت المرأتان: نانهو، وجنيشو بما عزم عليه تشانغي من إدخال السرور على قلب الملك باللهو مع الحسناوات، تكدر حالهما وبلغتا من الخوف مبلغًا عظيمًا، وأرسلتا إلى تشانغي من همس له: «إنه قد بلغنا أن فخامة القائد ذاهب إلى دولة وي (في مهمة عاجلة) ولما كنا نجد بحوزتنا ما يكفي من المال والجواهر، فقد رأينا أن نُهديك منه ما تسخو به على عمالك وتتجهز به في حملتك [حرفيًّا: تشتري به علفًا لجيادك!]» ثم إنهما أرسلتا له ما مِقداره خمسمائة مثقال من الذهب.

ولمَّا أوشك تشانغي على الرحيل، تكلَّم مع الملك قائلًا: «قد صارت كل الطرق مغلقةً بسبب ما أقدمت عليه الممالك من سدِّ كل الممرات المؤدية إلى مواقعها الحصينة، ولا أدري [إذا خرجت في سفري هذا] متى أعود إليك، فكم أتوق إلى شراب معك نخب الوداع». وأبدى الملك كل الترحيب وقدم له أقداح الخمر، ولعبت النشوة بالرءوس وأصاب تشانغي قدرًا من الثمالة، وتكلم مع ملك «تشو» بكلام مشوب بسكرة الشراب وراح يشكره ثانية ويرجوه قائلًا: «ليتك يا مولاي، تدعو إلى جلستنا هذه من تطيب لك صحبته، فنشرب جميعًا ويصفو لنا الوقت.» وهكذا فقد وافق الملك على هذا الاقتراح، ودعا برفيقتيه جنشيو ونانهو لمشاركته تلك الجلسة الرائقة، وهنالك أثنى تشانغي على الملك وقال له فيما يُشبه الاعتذار: «أريد أن تغفر لي ما اقترفته في حق جلالتك من إساءة بالغة.» وعندما استفسر منه جلالته عن سبب قوله هذا، أجابه: «قد طفت بأرجاء البلاد والممالك كلها، فلم أرَ مثيلًا لهاتَين السيدتَين في حسنهما ورقتهما وظرفهما، فكم كنت ضالًّا ومخادعًا وكاذبًا عندما طالعتك بموضوع النساء الفاتنات وما إلى ذلك.» فقال الملك: «لا عليك من هذا الأمر، فلطالما ظننتُ أن ليس على الأرض كلها نساء في مثل جمال وفتنة هاتين المرأتين.»

لمَّا قام الملك هواي بإيفاد جاوجي

قام الملك هواي حاكم تشو بإيفاد جاوجي إلى دولة تشين، وذلك للقيام بحملة دعاية سياسية تهدف إلى إقناع المسئولين هناك بتعيين تشانغي (في منصب بارز)، لكن القدر لم يمهل حاكم تشين (جلالة الملك هواي) الذي توفي في تلك الأثناء، فما كان من خليفته على العرش (الملك أو) إلا أن قام بطرد تشانغي من البلاد، ومن ثم فقد تحرك ملك تشو على الفور وقام من جانبه بإلقاء القبض على جاوجي في محاولة منه للتودُّد إلى دولة تشي، وقد حاول «هوان سان» أن يخرج جاوجي من تلك الأزمة بأن ذهب مباشرةً إلى ملك تشو، وقال له: «تعرف جلالتك أن التحالف بين الدول الثلاث: تشين، وهان، ووي، لم ينجح بعد، ويرجع ذلك إلى حجم السلطة التي يملكها تشانغي في تصريف الأمور بدولة تشين ثم إن علاقته وثيقة جدًّا بذلك المدعو جاوجي، فلئن كان الملك هواي قد تُوفِّي وقام مكانه الملك أو، وتم طرد تشانغي؛ فلا بد أن نفوذ كلٍّ من كانماو، وكونسون هاو سيبلغ شأوًا كبيرًا، ولك أن تعرف أن علاقة كانماو بدولة «وي» قوية جدًّا، وكذلك فإن صلة كونسون هاو بدولة هان متينة للغاية، وإذا عرفنا أيضًا أن علاقة هذين الرجلين ﺑ «جاوجي» بالغة السوء، فلا بدَّ أنهما سيقترحان على دولة تشين التحالف مع كلٍّ من وي وهان، وإذا كانت هاتان الدولتان تُعظمان شأن تشانغي (في وقتٍ ما من الأوقات)؛ فلأنه كان الرجل الذي يقبض على زمام السلطة الفعلية في تشين، بل كان جاوجي يُعظم شأنه أيضًا، ويُبجِّله كل التبجيل معتمدًا على قوة دولة تشو؛ وبالنظر إلى ذلك كله وإلى ما نراه اليوم ماثلًا أمامنا؛ إذ نجد تشانغي مطرودًا من تشين وجاوجي تحت الاعتقال، فلا بد أن كلًّا من هان ووي ستسعيان إلى توثيق علاقتهما ﺑ كانماو وكونسون هاو، إذا ما بَدَا لهما أن تستميلا «تشين» لمؤازرتهما، ولا بد أن هذين الرجلَين سيحثان هان ووي على مهاجمة دولة تشو، تحقيرًا واستصغارًا لشأن تشانغي، وهو ما يعرض مصير مدينة «فان» للخطر الشديد، وأرى يا مولاي أن من الأفضل إعادة الاعتبار إلى جاوجي وتمكينه من سلطاته السابقة، مما سيدفع بدولتي وي، وهان إلى تنصيب تشانغي في أهم المواقع الوظيفية، وهكذا يتمكن، في موقعه الجديد، من مهاجمة تشين، معتمدًا على قوة تشو وقوة منصبه ونفوذه في وي. وعندما تقلع دولة وي عن أي نشاط للتحالف مع تشين، فلا بد من أن دولة هان (هي الأخرى) ستمتنع عن أن تكون مجرد ذيل تابع ﻟ «تشين» وهنالك تزول سحابات الخطر المنعقدة فوق مدينة «فان».»

لمَّا قام تشانغي بطرد هويشي

قام تشانغي بطرد هويشي [أحد مواطني سونغ، عمل رئيسًا لوزراء وي، ويقال إنه كان فيلسوفًا مشهورًا في زمانه] من دولة وي، فقصد إلى دولة تشو، حيث استقبله حاكمها وشمله برعايته مما دفع بواحدٍ من المسئولين (ويدعى فنغهاو) إلى أن يقصد جلالته، ليقول له: «(اعلم) يا مولاي أن الرجل الذي قام بطرد هويشي هو تشانغي، ومع ذلك فها أنت تستقبل الرجل لاجئًا في أرضك وتكرم وفادته؛ وهو ما يمكن أن يوصف باعتباره خداعًا وغدرًا بما بينك وبين تشانغي من المواثيق؛ لذلك فإني أستطيع الحكم على تصرفك هذا بأنه سلوك غير صائب؛ ذلك بأن لجوء هويشي إلى تشو مطرودًا بيد تشانغي يمكن أن يفسد أجواء علاقتك مع تشانغي، وهو أمر لن يرضاه اللاجئ المسكين، هذا بالإضافة إلى ما يعلمه الجميع من قيمة هذا الرجل والاحترام البالغ الذي يشغله في قلب ومشاعر ملك سونغ.

وتقديري أن الإقدام على تصرف من شأنه أن ينقل أحد أخلص وأنبل أصدقائك من صف الموالين المُبجلين إلى صفوف الأعداء الناقمين؛ يُعد قرارًا بالِغ التسرُّع والتخبط، (فمن ذا يمكن أن يقتنع بأن قرارك يهدف إلى تحقيق مصالح البلاد العليا؟) وهكذا، فالأفضل أن ترسله إلى دولة سونغ، حيث ينخرط في صفوف مواطنيها (بكل ترحيب وقبول) ثم تبلغ تشانغي بما نصه: «أرجو الإحاطة بأني سوف أقوم بإبعاد «هويشي» عن بلادنا، لأجلك أنت، رعاية لحقك علينا!» ولا بد أن تشانغي سيشعر ببالِغ الامتنان لجميلك هذا، (هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى) فإن جلالتك ستبدو أمام اللاجئ الكريم وكأنك لم تشأ أن توقعه في مزيدٍ من التعقيدات والمِحَن التي يمكن أن تواجهه (إذا ما أقام بأرضك) ومن ثم فقد رأيت من الأوفق أن تصحبه إلى طريق سفره نحو دولة سونغ، وهو ما سيحمده لك ببالِغ الشكر والاحترام، وبهذه الطريقة تكون قد ساندت موقف تشانغي على نحوٍ ملموس، وأثرت في قلب هويشي مشاعر الامتنان لك.» وعندئذٍ فقد أبدى الملك موافقته التامَّة على هذا الرأي، وبالفعل فقد بادر إلى إرسال هويشي إلى دولة سونغ حيث يتم استقباله بكل سرور.

لمَّا قامت الدول الخمس بمهاجمة تشين

قام تحالف الدول الخمس: تشو، وجاو، ووي، وهان، ويان بمهاجمة دولة تشين، ورأت دولة وي أن تسعى في إقرار المصالحة مع تشين، ومن ثم، فقد أرسلت هويشي إلى دولة تشو، حيث تم الإعداد لإيفاد هويشي إلى تشين ليرأس مباحثات الصلح معها.

وهنالك، ذهب دوها إلى تشاويانغ [وزير عظيم بدولة تشو] وقال له: «من الملاحظ أن الدول الخمس المهاجمة لدولة تشين قد تحركت تحت قيادة دولة تشو، التي تستقبل اليوم هويشي قادمًا إليها باسم دولة وي، ثم إنكم ستوفدونه إلى تشين لعقد المصالحة، والمعنى المبطن في الأمر كله، والذي ستفهمه تشين بوضوح هو أن الحرب إذا قامت فإن «تشو» لها اليد الطولى والزعامة في إشعال فتيل النار، أما إذا تعلق الأمر بالسلام فإن وي هي التي تتزعم الجميع، وأرى من الأفضل أن تضرب صفحًا عما يقوله لكم هويشي، على أن ترسلوا، من قبلكم، وفدًا يُطالب بالمصالحة والإذعان لمطالب «تشين» …» وبالفعل فقد وافق تشاويانغ على هذا الرأي، وقال ﻟ «هويشي»: «(كما تعرف) فإن كل الدول المهاجمة لدولة تشين كانت تتحرك ضمن فريق بزعامة دولة وي، فإذا ذهبتَ معي الآن إلى تشين لعقد مباحثات الصلح، فسوف تكون الفوائد الطيبة من نصيب دولة تشو، أما بلادكم (وي) فلن تجني سوى الحسرة والمرارة، فارجع الآن إلى بلدك، وسوف أوفد من طرفي رسولًا إلى وي ليرتب معها اتفاق السلام مع تشين بحيث تتم الوساطة في ذلك عن طريقها.»

الجزء الثاني من الفصل نفسه

ثم عاد هويشي إلى دولته، وقد صار قلب الملك مشغولًا، ودارت برأسه الأفكار وركِبته الهموم، وحدث أن ذهب دوها إلى تشاويانغ، وقال له: «تعرف أن دولة وي لم تبادر إلى إشعال فتيل الحرب إلا لأجلكم، وتعرف أيضًا أنها خسرت نصف قواتها في هذه الحرب وعندما أبلغتكم بما تعرضت لها قواتها من أزمات ومشاكل، تغافلتُم عنها، بل عجزتم عن إقرار السلم عندما طالبت الجميع بالنهوض إليه، ولا أظنكم تستطيعون الخروج من المأزق الحرج الذي يمكن أن تضعكم فيه إذا ما عنَّ لها أن ترجع القهقرى؛ لتطلب المدد والعون من دولتي تشي، وتشين، فهل حقًّا تملكون الخروج من تلك الورطة لو وقعتم فيها؟ (من الوارد جدًّا) أن تجد دولة تشو نفسها داخل إطارٍ كبير من العزلة تُحيط بها من كل جانب، حيث تكمن لها جهة الشرق، دولة «يوي» بما يمكن أن تخلفه لها من عقبات (ومضايقات) وإلى الشمال تقبع دولة وي، التي لن تتحمَّس لتقديم أي عون يذكر، هذا بالإضافة إلى أن تشو لم تبادر حتى الآن إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع كل من دولتي تشين، وتشي. وهكذا فليس أفضل من الإسراع إلى طلب الصلح مع دولة تشين، وهنالك أقره تشاو على وجهة نظره، وأرسل مبعوثًا إلى كل من وي وتشين لإبلاغهما برغبة تشو في الصلح معهما.

عندما طلب تشن جن من ملك تشين الإذن بالسفر

طلب تشن جن من حاكم تشين الإذن بالسفر إلى دولة وي، وكان تشانغي قد التقى بحاكم وي وتحدث إليه بما يسيء إلي تشن جن أشد إساءة، قائلًا: «(ولتعلم جلالتك) أن المدعو تشن جن ما فتئ يعمل لما فيه مصلحة دولة تشو، ويبذل كل جهد ممكن للحصول على مساحات من الأرض كي يضعها تحت سيادة تشو.» وهنالك تحدث تسو شوان [أحد مواطني دولة وي] إلي تشن جن، قائلًا: «إن العلاقة بين تشانغي وجلالة ملك وي لا تنفصم عراها، وهو موضع ثقة جلالته للغاية، ومهما حاولت أن تقنع القصر بوجهة نظرك فلن تجد أذنًا صاغية، وهكذا، فإني أرى من الأفضل لك أن تتَّخذ من مقالة تشانغي ضدك تُكَأة (للاحتجاج) والعودة إلى تشو.»

فاقتنع تشن جن بكلام مُحدِّثه، وأرسل من قبله من قام بنشر افتراءات وأكاذيب تشانغي وسط الممالك، كي تصل الأخبار بذلك إلى مسامع ملك تشو، وبالفعل فقد علم جلالته بما قيل وسُر بالِغ السرور وعزم على سَحب مبعوثه تشن جن من دولة وي.

لمَّا قامت قوات «تشين» بغزو عاصمة دولة هان

قامت قوات تشين بمهاجمة «إيانغ» عاصمة دولة هان، وحدث أن تكلم الملك هواي حاكم تشو، مع تشن جن، فقال له: «بلغني أن «هانشي» [رئيس وزراء دولة هان] يتمتع بذكاء خارق، وأنه يعرف تفاصيل ودقائق الأمور والأحداث في مختلف الولايات والدويلات، وأكبر الظن أنه سيجد وسيلةً ما يحفظ بها العاصمة إيانغ من السقوط في براثن الاحتلال؛ ولذلك فقد واتتني الفكرة بأن ندفع بقواتنا كي تقوم بالتحصُّن في العاصمة لحراستها، على سبيل المؤازرة له في ذلك الوقت العصيب، وهو ما سيظل يذكره لنا بوافر الامتنان.» فأجابه تشن جن: «دعك من هذه الفكرة، يا مولاي، فلست في حاجة للدفاع عن العاصمة إيانغ، ثم إن ذكاء وعبقرية ودهاء هانشي، لن ينفعه بشيءٍ عندما يتعلق الأمر بالعاصمة، بل أظن أنه سيقع في مأزق كبير هناك … (وقد قيل في الحكايات …) إن الأيائل البرية الكائنة بجبال «شانزي» هي أكثر الدواب دهاءً ومكرًا (وعلى الرغم من ذلك …) فإنها عندما تشعر بالصياد وقد أعد شباكه وأقبل نحوَها يريد أن يوقع بها في أحابيله، تلتفِت نحوه وتثِب عليه تريد أن تنطحه بقرونها، مما يُمكِّنه من صيدها بسهولة، وقد أدرك عاداتها، بتكرار محاولات اصطيادها والوقوف على طبائعها وألاعيبها، وها هي ذي الدويلات قد عرفت أن الأمور تنطوي على الكثير من الألاعيب والمؤامرات الخفية، ولا بد أنها قد نثرت شباكها وأعدت أحابيلها وتقدمت بخطواتٍ حريصة ومحسوبة، فالأسلم لنا ولك يا مولاي، أن تصرف النظر عن فكرتك تلك، ولا شأن لك بالدفاع عن إيانغ، خصوصًا بعدما صار ذكاء الرجل الداهية هانشي محل اختبار صعب.» وهكذا، فقد أخذ الملك بنصيحة الرجل وحدث فيما بعد أن سقطت العاصمة إيانغ، بالفعل، في أيدي قوات «تشين»، وهو ما كان قد توقَّعه تشن جن وعمل له ألف حساب.

لمَّا ذهبت تانجيو لزيارة رئيس وزراء دولة تشو

ذهب تانجيو لزيارة شونشن جوين [رئيس وزراء دولة تشو، في عهد الملك كاولي] وقال له: «يتظاهر أهل دولة تشي بامتلاك ناصية القول وفنون الكلام ومهارات العلوم أملًا في الحصول على المناصب والثروات، وهو ما أراه سلوكًا معيبًا ومشينًا للغاية ويحسن بالمرء ألا يُحاول تحصيله والسير على منواله.

وقد عزمت على أن أخوض غمار البحار وأن أجوب الطرق والمسافات الطويلة كي ألقاك؛ لأني أحترمك وأُعظِّم قدرك النبيل، وألمس صدق مشاعرك الكريمة، وأرى أنك بالِغ في مسعاك غاية النجاح والتوفيق. ثم إنه قد بلغني أن الممالك تنظر إلى السيدَين «منغ بن» و«جوانجو» بوصفهما بطلَين من أشجع الرجال، مع أنهما، في الواقع، لا يحملان في قلبيهما إلا العداوة ونوايا الغدر [حرفيًّا: يُخبئان داخل صدريهما المِدى والمخارز المُدببة القاتلة] وعلى هذا النحو فإن الناس جميعًا يتطلَّعون بعين الإعجاب إلى «شيس» ويَعدُّونها أجمل امرأةٍ في الدنيا، برغم أنها لا ترتدي إلا الخشن (الرديء) من الثياب.»

ولئن كنت تجد نفسك غير قادرٍ على بلوغ ما تؤمِّل من النجاح وما تصبو إلى تحقيقه من الأهداف على الرغم من موقعك الوظيفي كرئيس لوزراء دولة تشو ذات القدرات العسكرية الجبارة [حرفيًّا: دولة تملك عشرة آلاف مركبة عسكرية] على الرغم ممَّا نعقد لك من السيادة التامة فوق الحشود العسكرية المتمركزة في دويلات السهول الوسطى؛ فإنما السبب في هذا يرجع إلى قلة مُساعديك من الوزراء، وكذلك فإن الرُّخ [قطعة رئيسية في لعبة الشطرنج الصيني القديم] يمتلك قدرة هائلة على التصرُّف والتحرك بفضل ما تمدُّه إياه القطع الخمس من السانزي التي تُحيط به، فإذا ضاعت تلك القطع وصار الرُّخ وحده، عجز عن الظفر بأنداده على الشطر المقابل، وهذا أمر مفهوم بالبداهة، فما الذي يمنعك من أن تُصبح الرُّخ فوق رقعة الممالك ويصير الوزراء أعوانك الخمسة المُحتشدين حولك لنصرتك؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤