سجل تشو الرابع
لمَّا تحدث أحدهم إلى جلالة الملك كاولي
ذهب إلى الملك كاولي، حاكم دولة تشو، من قال له: «قد بلغني أن أولئك الذين يدعون إلى خطة التحالُف الرأسي بين الأمم، إنما يبغون من ذلك أن يجمعوا إليك أمراء الدويلات وقد ائتلف حشدهم تحت رايتك ليُعظموا أمرك ويخضعوا لسلطانك وسطوتك، فانظر فيما أقول لك من كلمات لا أريد بها إلا النصح لك … ألا إنه لا مناص من أن تبادر إلى العدل؛ فتصلح به ما جار عليه الظلم، وأن تُسدِّد خلل المِحَن بما مددتَ من يد العون، فذلك ما لا تقصر دونه همَّة ذوي المروءة. واعلم أن مِن الطرق الحكيمة في تصريف الأمور أن تعمد إلى النحوس فتُحيلها إلى طوالع السعد والتفاؤل، وأن تجعل مع القليل الكثير (واذكر) أن الكريم من لانت له مقاليد الأمور، وأدرك مغزى تقلب الأشياء، وتبدل الأحوال من كسب وخسارة أو شقاء وسعادة؛ فالكرب قرين الفرج، والموت رفيق الحياة، فلا ذكر لمن طغت به كفة الموت، ولا حكمة لمن استبدت به مطالب الحياة … وغفل عن الموت، واعلم أنه لن يسلم من يد أعدائه، من لم تقع بلاده تحت نير الاحتلال الغاشم، ولطالما طعنت دولة تشين فوق الأرض وعاثت فسادًا دون أن ترعى للخلق الكريم ذمةً أو تُقيم لمنهاج السماء اعتبارًا، وأهل الممالك، عن ذلك غافلون. إن من يسيرون بين الأمم، اليوم، يدعون بلسان معسول وقول فصيح إلى خطة التحالُف الأفقية (مع دولة تشين)، لا يريدون بذلك إلا مرضاة الولاة وسلب الناس أقواتهم أكثر من ذي قبل، ويتظاهرون بالعمل لما فيه مصلحة الدولة، غير أن قلوبهم تتستر على المطامع والأهواء الذاتية، وقد هانت عليهم هيبة السلطة الحاكمة، فاستصغروا شأنها، حتى غدت مقاليد الحكم في البلاد أهون من ريشة في جناح طائر، بينما تراكمت الفتن والمصائب حتى أمست أرسخ وأطول من الجبال والتلال.»
لمَّا أهدى ملك دولة وي إلى حاكم تشو جارية حسناء
أهدى الملك «آي» حاكم دولة وي امرأة بارعة الجمال إلى الملك هواي حاكم تشو، فأعجب بها جدًّا، وعلمت امرأته جنشيو بذلك الخبر، ولمست بنفسها مدى افتتان الملك بعروسه الجديدة، فأحبَّتها وبذلت لها العطف والحنان، وصارت تأتي لها بما تُحب من الثياب وأدوات الترويح عن النفس، ومنحتها من الأثاث والحجرات ما حسُن في عينها أن يكون في حوزتها، حتى فاق حُبها للمرأة الجديدة حُب الملك، (مما أثار دهشته …) حتى قال: «إن السيدة، حرمنا الغالية [المقصودة هنا هي جنشيو] لم تقصر في خدمتنا بأغلى ما لديها، حتى لقد بذلت في ذلك ما لا تبذله عامة النساء؛ إذ الغيرة طبع فطري فيهن؛ ولئن كنت ما ألحظه من الحُب الذي تشعر به السيدة جنشيو نحو الزوجة الجديدة (صادقًا وغامرًا) زائدًا عما أُكِنُّه لتلك العروس من مشاعر، فإنما هو البر الذي يبذله المرء لوالدَيه، والإخلاص الذي تفيض به جوانح أكثر المُعاونين (الوزراء) بمنتهى التفاني.»
الجزء الثاني من الفصل نفسه
وعرفت السيدة جنشيو أن الملك يدهش لعدم شعورها بالغيرة مثل باقي النساء (وساءها ذلك كثيرًا) فذهبت إلى العروس الجديدة وأسرت لها قائلة: «إن جلالة الملك مُعجب بملامحك الجميلة ووجهك الفاتن، لكنه، للأسف الشديد، يبدو ناقمًا على شكل أنفك، ولذلك فقد رأيتُ أن أنصح لك بأن تداري هذا الأنف التعس، كلما التقيتِ بسيدك الملك.» ولاحظ جلالته أن العروس الجميلة تحجب أنفها بيدِها إذا ما التقت به فاستغرب جدًّا وراح يسأل السيدة جنشيو عن سر هذه الظاهرة، قائلًا: «إني أدهش لأمر تلك المرأة التي كلما صادفتني غطَّت أنفها بيدها، أتعرفين السبب وراء ذلك؟» فأجابته: «نعم، أعرف السبب يا مولاي … لكني لا أدري كيف أقول لك؟» فاستحثها بقوله: «أخبريني بما تعرفين مهما كان السبب.» فتكلمت قائلة: «الحقيقة أنها لا تحتمِل رائحة جسدك، وتزعم أنها لا تُطيق ما تشمُّه من رائحة كريهة.» فصاح جلالته غاضبًا: «يا للوقاحة!» ثم أصدر أمرًا ملكيًّا بجدع أنف تلك المرأة الجميلة مع التنويه بسرعة التنفيذ دون قبول أي نقضٍ أو إبطاء مهما كانت الأسباب.
لمَّا توفيت امرأة حاكم تشو
توفيت امرأة حاكم تشو، (ومضى وقت طويل) دون أن يختار جلالته من تخلُفها لتصير زوجة له، فذهب إلى تشاويو [وزير عظيم بدولة تشو] من قال له: «لماذا لا تطلب من جلالة الملك الإسراع في اختيار امرأةٍ أخرى لتصير زوجة ملكية لترث موقع المرأة المتوفاة؟» فأجابه: «أخشى إذا لم يكترث الملك بكلامي ألا تلقى وجهات نظري أي قبول عنده، مما يعني الوقوع في الكثير من الأزمات والمشاكل، بل قد يصل الأمر إلى حدوث القطيعة بيني وبين الزوجة الملكية الجديدة، فيحل الجفاء معها محل الود والتفاهم.» فاقترح عليه مُحدثه أمرًا؛ إذ قال له: «فإذا كان الأمر على هذا النحو حقًّا، فلماذا لا تُبادر إلى شراء خمسة أقراط، مما تتزين به النساء في آذانهن، على أن تجعل بينها قرطًا واحدًا يتميز دون الباقي، بروعة تصميمه وحُسن منظره وجودة سبكه، ثم تُهديها جميعًا إلى جلالته، ثم تتطلَّع في اليوم التالي إلى آذان نساء القصر فمن رأيتها ترتدي القرط المُميز، كانت هي موضع ترشيحك إذ تخاطب الملك بشأنها فتقترح عليه اتخاذها زوجة ملكية.»
لمَّا تحدث الوزير جوانشين إلى الملك
تحدث الوزير جوانشين [وزير عظيم بدولة تشو] إلى جلالة الملك شيانغ حاكم البلاد، وقال: «أراك يا مولاي قد قربت إلى مجلسك، عن يمينك وشمالك، كلًّا من (الوزيرين) جوهو، وشياهو؛ وجعلت من خاصة أتباعك (الذين يسيرون خلف موكب عربتك) الوزيرَين «يان لينجون»، و«شولينجون» (وفي أجواء تلك الصحبة) صرتَ تتقلَّب في مراتع اللهو والاستهتار والخلاعة والتبذير والإسراف، دون أن تُعطي الانتباه الكافي لأخطر قضايا البلاد، مما سيُعرض مصير العاصمة «إينغ» للخطر الشديد.» ورد عليه الملك. قائلًا: «هل جُننت أيها الرجل؟ هل فقدت صوابك؟ أم أنك تراني نذير شؤمٍ على الوطن؟» فأجابه: «بل أستطيع أن أتصوَّر النتائج المؤكدة، المترتبة على تصرفات جلالتك وليس لي أن أجرؤ على القول إنك نذير شؤم على البلاد، لكني أرى أنك ما دمت قد عزمت على أن تقرب إليك أولئك الأربعة المشار إليهم، فسوف تنهار البلاد وينتهي مصيرها إلى الزوال. ولي رجاء عند جلالتك بأن تذهب إلى دولة «جاو» سرًّا، دون أن تفصح عن شخصيتك على أن تقيم هناك بعيدًا عن الأنظار، وتراقب تطور الأحوال.» وغادر جوانشين دولة تشو ذاهبًا إلى جاو وأقام هناك مدة خمسة أشهر، وبالفعل فقد قامت دولة «تشين» بالإغارة على عدة مناطق في تشو منها: يان، وإينغ، وأو، وشان تساي، وتشن. وكان الملك شيانغ مختبئًا في مدينة «تشن يانغ»، حيث طلب سرعة إرسال مبعوث خاص لاستعادة الوزير جوانشين من دولة جاو، وقد لبَّى الرجل أمر الملك، فلما عاد إلى تشو ومثل بين يدي جلالته ابتدره قائلًا: «لم أكن أستطيع أن آخُذ بنصيحتك فكيف العمل الآن وقد وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ ما الذي تقترحه علينا للخروج مما نحن فيه؟»
الجزء الثاني من الفصل نفسه
ورد عليه الوزير جوانشين، قائلًا: «قيل في المثل الشعبي السائر: «قد تنصلح الأحوال، حتى بعد فوات الفرصة وضياع الغنيمة [حرفيًّا: قد يمكنك أن تستحث كلبك على مطاردة الأرنب البري، حتى بعد فراره، وربما أفلح من أصلح باب حظيرته حتى بعد ضياع ماشيته!]» وقد بلغني أن الإمبراطورَين (الحكيمَين) «طانغ» (من آل شانغ) و«أو» (آل جو) استطاعا في قديم الزمان أن يُقيما عروش حُكم إمبراطوري وطيد الأركان، بما تمكنَّا من استغلاله من أراضٍ لا تتجاوز مساحتها مائة «لي» مربع، (ومن ناحية أخرى) فقد كان الملكان الطاغيتان: تشو (أل تشانغ)، وجيه (آل شيا) يحشدان وراءهما شعوبًا ويتسيَّدان فوق الممالك، ومع ذلك فقد تبدَّد ملكهما وعفَّت الأيام آثارهما.
ولقد يُقال الآن إن دولة تشو صغيرة المساحة، لكنها ما زالت تحوز عدة آلاف «لي» مربع (أي أكثر من مساحة تلك الدويلات التي لم تزد عن مجرد مائة لي مربع).
الجزء الثالث من الفصل نفسه
«ألم يسبق يا جلالة الملك أن تأمَّلت أحوال حشرة اليعسوب الطائر؟ هو يا سيدي مجرد مخلوق ضئيل الجسم له ستة أقدام وأربعة أجنحة، ويطير في الهواء، ويصطاد البعوض والذباب، وعندما يعطش يرفع رأسه ويلعق قطرات الندى، يمرح في أجواء الفضاء دون أن تُهدده الأخطار، وبما أنه لا يؤذي أحدًا من الناس، فلا يتوقَّع أن تمتدَّ إليه يد العدوان، ومع ذلك فهو لا ينجو من أحبولة يصنعها له صبي، يكاد لا يتجاوز طوله ثلاثة «تشي» [حوالي المتر]؛ إذ يرفع في الهواء قصبة رفيعة قد طُليت بالغراء والمواد اللاصقة، فيقع عليها اليعسوب ويلتصق بها جسده، ثم يموت ويصير حطامًا تأكله دواب الأرض والنمل؛ بل ربما كان ما يلقاه العصفور الأصفر أسوأ مآلًا من مصير اليعسوب؛ ذلك أن مثل هذا النوع من العصافير قد اعتاد أن يهبط من عليائه فيلتقط حبوب الأرض، حتى إذا شبع، وطار، وجثم فوق الأغصان النضرة، وهو إذ يمد جناحَيه ويُرفرف مزهوًا في أجواز الفضاء، ويمرح آمنًا مُطمئنًا دون أن ينغص عليه مكروه؛ فهو لا يضمر أية نوايا سيئة لأي إنسان، ولذلك فقد أمن جانب البشر، وعلى الرغم من ذلك، فإن كثيرًا من أبناء الأمراء وذوي الجاه يعمدون إلى اصطياده، وقد جهزوا (لاصطياده) المقاليع والحجارة [حرفيًّا: في اليد اليسرى المقلاع، وفي اليمنى أمسكوا بالحجارة] ثم رموها وهي تحلق في قلب الفضاء، وجعلوا أعناقها هدفًا لوابل من الحصى والحجارة (وهكذا …) فإذا الطيور اللاهية بين الأغصان الزاهية في الصباح، تتحول إلى شرائح من اللحم المطهي في أطباق الموائد العامرة وقت المساء؛ ذلك أنها بين طرفة عين وانتباهتها، قد وقعت في الشرك الذي نصبه لها الأطفال الأشقياء.» [يقول المُحققون: إن في النص تقديمًا وتأخيرًا، فكان يجب أن تتقدم هذه العبارة الأخيرة على سابقتها].
الجزء الرابع من الفصل نفسه
«ولا أبالغ إذا قلت لك إن أمر العصفور الأصفر يهون كثيرًا، إذا ما قورن بحال الإوز البري الذي لا تراه إلا سابحًا في مياه البحار، أو قابعًا في جنبات الأنهار، يلتقِط بمنقاره أسماك الشبوط، أو طحالب الماء، وبين الحين والآخر يشرع جناحَيه ويضرب بهما في الهواء ثم يطير مُحلقًا في الأعالي، ولا يصدُّه عن الطيران شيء، ولا يُفزعه تقلُّب الأحوال والأقدار، وقد انعقدت بينه وبين بني البشر معاقد الأمن والسكينة؛ لأنه لا يؤذي أحدًا منهم، ومع ذلك فلم يكن يدري ما يُخبئه له القدر على يد الرماة الذين أصلحوا سهامهم، فركبوا عليها الأوتار وتنكَّبوا السهام (السوداء)، بعد أن ربطوها بالأشرطة الحريرية الرفيعة، ورموا بها الإوز الطائر في الأجواء العالية المُمتدة في السماء لمسافةٍ تزيد على سبعمائة تشي [حوالي مائتين وثلاثين مترًا] حيث تنغرس في الأجساد السابحة في الهواء، وقد تدلَّت منها الخيوط الحريرية، فيجذبها بها الرماة بأيديهم فتهوي بالطيور الدامية إلى الأرض؛ وهكذا فإن الطيور التي كانت تلهو في الصباح بين شطآن الأنهار والخلجان، لا يأتي عليها المساء إلا وقد صارت لحمًا سائغًا للآكلين على مآدب العشاء.»
الجزء الخامس من الفصل نفسه
«ثم إن حكاية الإوز البري تُعد هينة إذا ما قابلناها بموضوع النبيل «تساي شنهو»؛ الذي دأب على السفر إلى الجنوب للَّهو والمتعة في إقليم «قاوبي» (ثم إذا قضى وطره من الرحلة هُرع …) إلى الشمال ليواصل المجون والعربدة فوق تلال «أوشان»، وينزل إلى سفح التلال ليشرب هنيئًا من مياه نهر شيانغ، ويأكل مريئًا من أسماكه، وإذ تغمره نشوة الترف الماجن، يُحيط عنق محظيته بيده اليسرى، ويُمناه تضم إليه صدر فتاته الحبيبة، ويدور معهما في دائرة الأيام على هواه، وقد أطلق لجواد القصف الماجن كل العنان، يرمح أينما رمحت به الليالي، فلا يدَع موطنًا للمجون إلا حلَّ به، حتى لم يعُد يكترث لشئون البلاد ومصالح الوطن، وهكذا فلم يكن له أن يُدرك ما يُدبر له من قبل القصر الحاكم، حيث أصدر جلالة الملك شيوان، حاكم تشو، أمرًا بسرعة القبض عليه وإحضاره إليه مقيدًا بحبال حمراء اللون، وهو الأمر الذي أصدره جلالته إلى رئيس وزرائه «تسي فا» بينما صاحبنا غارق حتى أذنَيه في تهتُّكه وعربدته.»
الجزء السادس من الفصل نفسه
«ولربما كان موضوع تساي شنهو أقل فداحةً مما يمكن أن يعتري أحوالك أنت يا سيدي؛ إذ تُصر على أن تجعل من «جوهو» نصيرًا لك، كساعدك الأيسر، وتنصب «شياهو» سندًا لك كذراعك الأيمن، وترضى بأن يكون «يان لينجون» و«شولينجون» من أتباعك الذين يسيرون إثر خطواتك، فينزلون حيث نزلت، ويُقيمون حيثما تُقيم، بل قد رضيت لنفسك بأن تأكل مما جنته الإقطاعيات، وأن تغترف مما عمرت به خزائن المال، فركضت مع الراكضين، تمرح ملء أيامك كيفما بدا لك أن تمرح، حيثما عنَّ لك هواك تلهو مع اللاهين، وقد ضربت صفحًا عن الاهتمام بشئون العرش ومصلحة البلاد. ولا بدَّ أنه غاب عنك علم ما حدث من أن «رانخو» [رئيس وزراء تشين] إذ تلقى الأمر من حاكم البلاد [الملك تشاو حاكم تشين] بأن يقتحم عليك حدود وطنك، فقد صدع بالأمر وتوجَّه إليك على رأس قواته حتى نزل بمضيق «منغساي»، وسدَّ عليك الطريق إلى الجنوب، عازمًا على مطاردتك حتى الحدود الشمالية.»
نزلت هذه الكلمات على الملك شيانغ، [حاكم تشو] كالصاعقة، فاربدَّ وجهه، وارتعدت أوصاله، وأسرع إلى اتخاذ الوزير جوانشين مستشارًا له فمنحه أذكى لقب نبيل [لقب «جيجوي»، أي حامل اليشم الكريم] وأقطعه أرضًا بناحية «يان لين». ولم يمضِ من الزمان الكثير حتى كان ذلك الوزير النابه «جوانشين» قد استطاع أن يُعيد إلى السيادة الملكية في تشو أرض «هوايبى».
لمَّا حاول تشي مين أن يقنع تشوهوا
حاول «تشي مين» [وزير عظيم بدولة جو الشرقية أن يستميل «تشوهوا» [أحد مستشاري التخطيط السياسي بدولة تشو] إلى جانبه بُغية إقناعه بضرورة مهاجمة دولة تشين، فلم يُوافقه تشوهوا على رأيه، فقال له تشي مين: «ما جئت هذه المرة، إلى بلدكم، إلا لكي أنوب عن «تشوليز» في محاولة الوقوف على أحوال الصداقة بين تشو وتشين، وقد دعوت كبار رجال الدولة عندكم إلى الإقرار بخطةٍ مشتركة لمهاجمة تشين، فوافقَني الجميع ولم يُعارضني سواك، وسأبلغ هذا الرأي إلى تشوليز بطبيعة الحال. وهنالك أخذ «تشوهوا» يهتم بأمر تشي مين بمزيدٍ من الجدية.
لمَّا تحدث المتحدث إلى «هوان تشي»
ذهب إلى «هوان تشي» [وزير عظيم بدولة تشو] من قال له: «يرى الناس كلهم أن علاقتك بالوزير الأعظم «فوجي» ليست على ما يرام ولست أدري إن كنت قد علمت شيئًا مما قاله «لاو ليتسي» [أحد مواطني دولة تشو في زمن الربيع والخريف] ﻟ «كونفوشيوس» وهو يُعلمه مبادئ العمل في البلاط الإمبراطوري [أصول اللياقة في خدمة جلالة الإمبراطور]؟ وقد قيل إن الرجل كشف أسنانه كي يتأمَّلها كونفوشيوس جيدًا، فإذا هي قد تآكلت بفعل الزمن بعد أن تجاوز عمر صاحبها ستين عامًا، ولم تعُد قوية سليمة كما كانت في سني الشباب الأولى؛ ذلك أن طول الاحتكاك بين الفكَّين قد نال كثيرًا من بِنية العظام ومتانتها. (فإذا انتقلنا للحديث عن موضوعنا الذي نحن بصدده …) فأنت رجل موهوب، ذو جدارة واقتدار، لكن الجفاء بينكما مُستحكم، والتطاحُن على أشدِّه، والأمر أشبه ما يكون بما بين صفَّين متقاتلَين من الأسنان في الفم الواحد يتطاحنان فيتآكلان ويهلكان معًا، والمَثل السائر يقول: «ينبغي على المرء إذا ما صادف شيخًا نبيلًا راكبًا ركوبته، أن ينزل عن جواده، وكذلك لا بد للكريم إذا ما مرَّ به عجوز يتوكأ على عصاه أن يقف له إكبارًا وتبجيلًا».
وها أنت ترى جلالة الملك نفسه يحب فوجي، ويُجله ويعظِّم قدره، بينما تمقتُه أنت وتزدريه، وهو ما لا يليق برجل يشغل منصبًا وزاريًّا مثلك.»
لمَّا وقعت الكارثة بأرض تشانغشا
لمَّا وقعت الكارثة بإقليم تشانغشا [تفاصيل الحدث غير معلومة] تم إيفاد «طاي تسيخوان»، أمير دولة تشو إلى دولة تشي ليبقى هناك رهينة سلام، وحدث أن توفي الملك، هواي حاكم تشو، فقام شوكون بإعادة الأمير طاي تسيخوان إلى بلاده، وأعلن، في تلك الأثناء عن قيام التحالف بين قوات دولتي وي، و«هان» وبدء الهجوم على منطقة هوايبي بدولة تشو، وهي المنطقة المتاخمة لحدود تشي، وهنالك أحس الأمير طاي تسيخوان برهبة الموقف (الذي يواجِه بلاده) فتكلم معه تشاوكاي [وزير عظيم بدولة تشو] قائلًا: «أرى من الأفضل أن تأمر قائد قواتك، «تشيوشو» بأن يسارع إلى التفاوض للمصالحة مع دولة تشي (وذلك بأن يهديها إقليم هوايبي) وهو الأمر الذي سيكون له بالِغ التأثير في موقف دولة تشين، التي ستنظر بعين الحذر والخوف إلى ما يمكن أن يتحقق لدولة تشي من سطوة هائلة فوق الممالك إذا ما تم لها الحصول على ذلك الإقليم من دولة تشو، مما يدفعها إلى تقديم العون لنا.» فوافقه الأمير على رأيه وأصدر أوامره الفورية إلى «تشيو شو» بأن يعرض على دولة تشي التفاوض بشأن إقليم هوايبي سعيًا للمصالحة معها، فلما بلغت أنباء ذلك مسامع الملك تشاو، حاكم تشين اعتراه القلق، وأصدر أوامره إلى «تشين رونغ» بأن يبلغ دولة تشو بما نصه: «لا حاجة لكم بأن تسلموا أرض هوايبي إلى دولة تشي أعرضوا عن ذلك، وسنبادر إلى تنسيق العمليات الحربية بين قواتنا.»
لمَّا ذهب إلى ملك تشو من أهدى له
ذهب إلى بلاط تشو الحاكم من أهدى إلى القصر الملكي إكسير الحياة [دواء يطيل العمر] واستلم الحاجب الهدية ودخل بها إلى المقصورة الملكية، فسأله الموظف المسئول عن الأمن، قائلًا: «هل يؤخَذ هذا الدواء عن طريق الفم؟» فلمَّا رد عليه الحاجب بالإيجاب انتزع منه الدواء وابتلعه كله، فلما عرف الملك بذلك ثار غاضبًا وكلف أحد رجاله بإعدام الموظف المسئول عن أمن جلالته، إلا أن موظف الأمن قام من جانبه، بتوكيل أحدِهم كي يذهب إلى جلالة الملك ويشرح باسمه، حقيقة الموقف، قائلًا: «ليتك يا مولاي تستجوب في هذا الشأن، حاجب قصرك، فهو الذي زعم بأن الدواء يؤخَذ عن طريق الفم، فلم أزد على أن صدقتُ زعمه ووضعت الدواء في فمي وابتلعته، فلم يكن الذنب ذنبي وإنما يسأل في ذلك الحاجب الذي يتحمَّل مسئولية ما حدث بنفسه، ثم إن الهدية التي أرسل بها إلينا الضيف عبارة عن دواء يُطيل العمر، وإذ يصدر الأمر بإعدامي من قبل جلالته، فكأن الدواء لا قيمةَ له، أو قل إن الدواء كان سببًا في التعجيل بموتي، ثم إن صدور الأمر بإعدام بريء معناه أن أحدهم قد استطاع أن ينجو بفعلته الآثمة ما دام رجل آخر بريء يموت بدلًا منه، وأنه قد نجح بذلك في خداع جلالة الملك.» وهنالك ألغى الملك الحكم الصادر ضده وعفا عنه.
لمَّا تكلم أحد الضيوف مع «تشون شن»
تحدث أحد ضيوف (البلاط الملكي) إلى الأمير تشون شن [أحد أشهر أربعة نبلاء في زمن الدول المُتحاربة، تولَّى رئاسة وزراء دولة تشو] في محاولة لإقناعه بأحد الخُطط السياسية، قائلًا: «اعلم أنه ما كان للإمبراطور طانغ (آل تشانغ) أن يؤسس عرشه الإمبراطوري إلا مُستندًا إلى حاضرة الدولة «بوجين»، وما كان للملك أو (حاكم جو) أن ينجح في تأسيس قواعد حكم راسخ ومزدهر إلا بحُسن استغلاله لمزايا عاصمة البلاد «هاوجين»، وعلى الرغم من أن مساحة كلٍّ من المدينتَين لم تزد عن مائة «لي» مربع، إلا أنهما صارتا حاضرتَين لعروشٍ بسطت نفوذها فوق الممالك بأسرها، وإني لأنظر اليوم في الحوادث فأراك قد أنعمت على «شيون تسي» بإقطاع ذي شأن، تبلغ مساحته مائة لي مربع، وهو ما يمكن أن يُضفي المزيد من النفوذ والمهابة على رجلٍ يتميز أصلًا بالنبوغ والنجابة، ولئن سألتني الرأي؛ فسأُجيبك بأن مثل هذا التصرُّف ليس في مصلحتك، فأنت وذاك، والرأي رأيك.» واستحسن الأمير كلامه وأرسل إلى شيون تسي من صرفه عن منصبه في أدبٍ وهدوء، فغادر الرجل دولة تشو ولجأ إلى دولة جاو حيث جرى تعيينه في منصب وزير عظيم بالبلاط الحاكم. وهنالك أسرع الضيف النازل على بلاط تشو إلى مقابلة الأمير تشون شون، وقال له: «يذكر في الحوادث الماضية أن «آبين» [أحد حكماء العصر القديم تولَّى رئاسة وزراء الملك طانغ في أسرة شانغ] كان قد ترك دولة شيا مغادرًا إلى دولة يين، حيث تمكن حاكم هذه الأخيرة (بفضل مساعدة وذكاء ضيفه الجديد) أن يؤسس إمبراطوريةً كبرى حازت السيادة فوق الممالك، بل قد أخضعت تحت سيطرتها دولة شيا، التي تضعضعت أركانها وسقط ذكرها آخر المطاف، (وكذلك رحل كوانجون عن دولة «لو» ذاهبًا إلى دولة تشي، حيث عظمت مكانة هذه الأخيرة.) وتدهورت أحوال «لو» حتى زالت هيبتها وضاع كيانها؛ ذلك أنه ما من بلدة يحل بها رجل حكيم إلا أحرزت الازدهار والرفعة، ونال حاكمها السيادة والنفوذ، وقد كان لك في «شيون تسي» خير مثال للرجل النجيب الذكي ذي الحكمة والعقل الراجح، فما الذي دعاك إلى التخلي عنه؟» واستصوب الأمير تشون شن رأي محدثه، وأرسل إلى شيون تسي، وهو في دولة جاو، من يُبلغه بدعوة الملك إياه للعودة إلى البلاد.
الجزء الثاني من الفصل نفسه
وتناول شيون تسي ورقة وكتب خطاب اعتذار جاء فيه: «… «هناك مقولة مفادها … أن أعجب العجب هو أن تجد الرجل المُصاب بالجذام والبرص يبكي حر البكاء على الملك الذي غدر به أعوانه.» وعلى الرغم مما في هذا القول من إساءة للأدب والذوق السليم إلا أنه لا ينبغي أن تغفل عن تأمُّل دلالاته العميقة؛ لأنه يستهدف الإشارة إلى حال الملك، الذي تتربص به حبائل الغدر والخيانة، خصوصًا عندما يكون صغير السن، حديث العهد بالملك، شديد الثقة بنفسه مع قلة التمرُّس بفنون الحكم ودقائق السياسة، غير قادر على إدراك بوادر الفتن والمؤامرات وهي بعدُ في منبت جذورها، فحينئذٍ يعمد كبار الوزراء إلى التخلُّص من الملك العجوز، وتنصيب الأمير الصغير مكانه، بل قد يزيحون من طريقه أكبر أبناء الملك (من زيجاته الملكية) ليثبتوا أقدام أبعد الناس عن الرحمة والعدل؛ بغية تحقيق أطماعهم والاستبداد بما في أيديهم من المناصب، خلاصًا لرقابهم من الفتك والتنكيل.
وقد ورد في كتاب «الربيع والخريف» [مدونات تاريخية] تحذيرًا في هذا الشأن، جاء فيه …«إن رجال الدولة في بلاط تشو الحاكم، قد أوفدوا الأمير في زيارة إلى دولة «جنغ» وقبيل مغادرة الأمير حدود البلاد في مستهل تلك الزيارة الرسمية، بلغه نبأ اشتداد المرض على أبيه جلالة الملك، حاكم البلاد، فألغى إجراءات السفر وعاد على الفور للاطمئنان على صحة الملك المريض، ثم إنه مال عليه وهو راقد وخنقه بشراريب قُبعته حتى أزهق روحه، وجلس مكانه على العرش. (وفي نموذج آخر يُثبت مصداق قولي لك. فإن …) الوزير المشهور تسويجو [الوزير المقرب من الملك هواي حاكم تشي، كانت له كلمة نافذة في شئون الحكم] كانت له زوجة بارعة الجمال ونشأت علاقة سرية بينها وبين النبيل جوانكون مما استدعى من الوزير تشويجو أن يجمع أنصاره لمحاربته، فعرض عليه جوانكون أن يقتسم معه ما يملكه من أراضٍ فرفض، فأبدى الرجل رغبته في الانتحار داخل جدران المعبد (خلاصًا مما يُعانيه من مطاردته له) فرفض أيضًا، فعزم على الفرار خارج البلاد، وبينما هو يقفز فوق أسوار الحدود رماه تشويجو بسهمٍ اخترق ساقه، ثم وثب على عرش البلاد. ثم إننا إذا تأملنا الأحداث القريبة طالعتنا الوقائع التالية: في دولة جاو — مثلًا — نجد أن «لي توي» القائم على مسئوليات الحكم، هو نفسه الذي قام بنفي الملك السابق إلى منطقة «شان تشيو» [التلال الجبلية] وتركه هناك حتى هلك جوعًا بعد مائة يوم؛ (وكذلك فعل) ناوتشي، قام بانتزاع (الخيوط العصبية من جسد) الملك «مين» ثم علَّقه في العوارض الخشبية المُتقاطعة في سقف المعبد، وتركه حتى مات قبل طلوع فجر اليوم التالي. ولقد ظننتُ أننا إذا قارنَّا بين المعاناة التي يجدها المريض بالجذام (المريض الذي يولد مصابًا بتلك العاهة) طوال حياته وبين مقاساة الملوك الأقدمين المقتولين غدرًا وغيلة، لما وصلت إلى حدِّ الألم الناتج عن «خنق الرقاب بالأشرطة أو رمي السيقان بالسهام»، وإذا عقدنا المقارنة بين مبلغ معاناة مرضى البرص الجلدي وبين ما تعرض له ملوك الزمن القريب من فظائع، لما وصلت في بشاعتها إلى درجة … «انتزاع خيوط الأعصاب أو التجويع حتى الموت»، بل إني لعلَى اقتناع بأن ما كان يلقاه الملوك من ضحايا الغدر والخيانة عند موتهم، من ألوان البؤس والألم النفسي والبدني ليكاد يبلغ درجة المأساة التي يُعانيها مرضى الجذام طول عمرهم، فمن ثم، نستطيع أن نفهم ونصدق ما قد يُقال من تعاطف هؤلاء مع الملوك المُعذبين حتى الموت.»
ثم إن شيون تسي كتب «رباعية» شعرية، نصها كما يلي:
لمَّا تحالفت الممالك لمقاومة دولة تشين
تحالفت الدويلات والممالك للوقوف في وجه دولة تشين؛ فأرسلت دولة جاو الوزير الأعظم «ويجيا» لمقابلة تشون شن، المسئول البارز بدولة تشو، فلما التقى به سأله: «هل قُمتم بتحديد القائد العسكري العام؟» فأجابه: «نعم، ولقد قمنا بتكليف «لينوجون» [أحد أكبر القادة العسكريين بدولة تشو] ليكون القائد العام للقوات.» فرد عليه ويجيا، قائلًا: «أريد أن أقول لك إني عندما كنتُ صبيًّا حدثًا، أحببت الرماية جدًّا (حتى صرت أهيم بفنونها والحديث عنها دائمًا) فهلَّا سمحت لي بأن أجيبك مستخدمًا رموز وإشارات فنون الصيد والرماية؟» فلمَّا أذن له مُحدثه في أن يتكلم كيفما يريد، قال له ويجيا: «يُقال إن ملك دولة وي كان يجلس، ذات مرةٍ فيما مضي من الزمان مع رجل يُدعى «كنلي»، وكانت جلستهما أسفل إحدى المنصَّات العالية، والطيور تُحلِّق فوقهما في الأعالي فتطلع إليها كنلي وهو يقول لجلالته: «أستطيع أن أعرض عليك يا مولاي مشهدًا سحريًّا بارعًا لاصطياد الطيور، بحيث أرفع القوس وأجذب الوتر، دون أن أطلق السهم، وسيسقط الطائر المستهدف أمامك بغير أن أرمِيه بسهم حقيقي.» فاستغرب الملك، قائلًا له: «أمعقول أن تكون قد بلغت مثل هذا الحد من البراعة في الرمي، بحيث تسقط الطائر بدون إطلاق السهم؟!» فرد عليه مُحدثه بالإيجاب، وبعد هنيهة، ظهر فوقهما أحد طيور الإوز البري محلقًا جهة الغرب، فقام كنلي وجذب سِيَة قوسه ورمى رميةً شكلية بغير سهمٍ رائش، وإذا بالطائر يسقط من عليائه، ودُهش ملك وي للغاية وقال: «أيمكن أن يبلغ المرء في فن الرماية هذه الدرجة من البراعة؟!» فأجابه الرجل قائلًا: «بل هو طائر قد أصابه سهم قاتل، حتى قبل أن أُصوِّب قوسي نحوه.» فسأله الملك مُستغربًا: «وكيف عرفت ذلك؟» فأجابه: «لاحظت بطء طيرانه، ورنة الأسى في صوته؛ فأما طيرانه البطيء فبسبب جرحِه المؤلِم، وأما صوته الأسيان؛ فلطول افتراقه عن إخوانه، ولما كان الجرح داميًا لحداثة إصابته، فلم يبلُغ حدَّ البُرء التام، وبالتالي فقد كان تحت تأثير بقايا الفزع الذي ألمَّ به وقت الرمية القاتلة؛ قد سمع صكة القوس فقد شرَّع جناحَيه يُريد التحليق عاليًا وسريعًا وهكذا فقد اتسع الجرح وتجدَّد النزيف وتضاعف الألم، فسقط في الحال، كما رأيت …» (فتأمل ذلك) وتذكر أن «لينو» — ذلك الذي من المقترح أن يكون قائدًا عامًّا لقوات التحالُف ضد تشين — قد سبق أن لقِيَ هزيمةً نكراء على يد قوات تشين نفسها؛ فهو أشبه ما يكون «بالطائر الجريح الذي أسقطته رمية قوس وهمية» مما يستحيل معه تكليفه بمهمة القيادة الرئيسية لحشود التصدي لدولة تشين.»
لمَّا ذهب خانمين للقاء تشون شن
نزل خانمين ضيفًا على الأمير الأعظم تشون شن، فلما طلب مقابلته، قيل له أن ينتظر ثلاثة أشهر، وبالفعل فبعد انقضاء تلك المدة، تم اللقاء بين الرجُلَين، وبعد أن انتهت المناقشات بينهما، كان تشون شن قد انبهر بمحدثه، ومال إليه بمشاعر الود والإعجاب، وكذلك شعر «خانمين» بأن الحوار والمناقشة مع سمو الأمير تدور في أجواء ودية للغاية، حتى إنه تمنى لو أمكن مواصلة اللقاء واستمرار المناقشات بغير نهاية، وهنالك قال له تشون شن: «قد وعيت وأدركت تمامًا فحوى كلامك يا سيدي، وحان وقت الراحة، فاذهب لتسترح قليلًا.» وشعر خانمين بشيءٍ من الحرج، وهو يقول له: «بل أتمنَّى الآن أن أستزيد من عِلمك ومشورتك، وعندي سؤال أرجو ألا يبدو لك ساذجًا … «تُرى، من الأكثر حكمةً والأوفر عقلًا وكياسة، أنت أم (الإمبراطور المقدس) ياو»؟» فأجابه: «ما كان يصح، يا سيدي، أن تتصوَّر عقد مقارنة على هذا النحو (بين رجل بسيط مثلي، وقديس حكيم خلدته الدهور مثل ياو)!» فقال خانمين: «فمن إذن تراه الأكثر اقتدارًا ونجابة؛ أنا أم القديس شون؟» فأجابه سموه: «بل أراك تُشبه القديس الحكيم في خصاله كلها يا سيدي.» فقال خانمين: «على رِسلك يا سمو الأمير، واسمح لي بأن أقول لك كل ما عندي بصراحة؛ ذلك أنك بكل ما تتميز به من حكمة فلا يمكن أن تكون موضع مقارنة مع القديس الملك ياو، ومهما كان حظِّي من النجابة فلا يمكن أن أبلغ مرتبة القديس الحكيم شون، بل إن القديس ياو، ببصيرته الرشيدة وحكمته الفذة لم يستطع أن يسبر غور مساعده الأمين (القديس الملك، فيما بعد …) الشيخ الحكيم ياو، إلا بعد انقضاء ثلاث سنوات، ولئن كنت قد استطعت، بجلاء بصيرتك، أن تُدرك خصالي في وقت وجيز، فقد كنتَ جديرًا بأن تفوق القديس «ياو» فهمًا وإدراكًا، وكنت أنا أزكى من القديس شون موهبةً وبراعة.» وهنالك استحسن الأمير منطقه وأثنى على تقديره قائلًا: «قد أحسنت القول.» ثم إنه استدعى الضابط المُكلف بحراسة البوابات، وأمره بتدوين اسم خانمين في سجل الزائرين على أن يتجدَّد له التصريح بلقاء الأمير كل خمسة أيام بصفةٍ دائمة.
الجزء الثاني من الفصل نفسه
وقال خانمين: «أظنك تعرف يا سيدي، حكاية الجواد الأصيل؛ فهو ذلك الجواد الذي إذا بلغ سنَّ القوة واكتمال النمو البدني، استطاع أن يجر العربات المُحمَّلة بالملح [هكذا في المتن] متجهًا نحو مرتفعات جبل «طايهان»؛ حوافره الأربعة مفرودة بينما ركبتاه مثنيتان، (يرفع قوائمه) لكن ذيلَه منسول إلى أسفل، قد تآكلت بواطن أقدامه، وسال الزبد من فمه، ونضح جسده عرقًا غزيرًا حتى إذا بلغ أول طريق المنحدر الطالع إلى تلال «طايهان» لبث مكانه وقد تعذَّر عليه التقدم بالعربة ذات العريش المنبسط فوق الأحمال الثقيلة، وهو منظر لم يتمالك أمامه الفارس الشهير «بولا» إلا أن ينزل من مركبته، ويتقدم إلى الجواد فيمسك عنانه، وقد غامت عيناه في سحابة من الدموع، ثم إنه ما لبث أن خلع رداءه الكتاني، وأسدله على جسد الجواد النبيل الذي طأطأ له رأسه، ونفث بقوة من منخاره، ثم رفع رأسه بصهيلٍ ارتجَّت له الأجواء، وكأنه صوت طبول من نحاس.
أتعرف حقًّا دلالة ذلك؟! (أقول لك): إن المغزى وراء تلك الظواهر الغريبة التي بدت على الجواد، إنما تدل على أن المسكين أدرك، بحاسَّته، أن الفارس «بولا» كان خير من يفهم أحواله، ويُقيل عثرته.
وها أنا ذا اليوم أمامك، لا يُرجى مني نفع، ولست أفقه شيئًا، وقد صرتُ مكدودًا بأشقى وأحقر الوظائف في أدنى درجات السلم الوظيفي بالإدارة الرسمية، ولا يُئْويني إلا بيت من الطين يقع في زقاق متواضع الحال، وإن طال بي المدى في أتعس حال وأشأم ظروف يمكن أن يمرَّ بها إنسان، فهلَّا انتشلتني من الضعة، وطهرتني من دنس الظروف المُزرية، فلعلِّي صائح لك في الوديان (بآيات الثناء العطر)، صادحًا بمدحك في كل الأجواء؟»
لمَّا كان الملك كاولي رجلًا عاقرًا لا ذرية له
كان الملك كاولي، حاكم تشو [ولد الملك تشينغ شيانغ، تولى العرش من ٢٦٢ إلى ٢٣٨ق.م.] رجلًا عاقرًا، لا ذرية له، وفكر الأمير (النبيل) تشون شن في أن يزوج الملك بامرأة ولود، وكان جلالته قد تزوَّج أكثر من مرة، بغير طائل.
وجاء رجل من مواطني تشو [يدعى ليوان] إلى القصر بأخته، يريد تزويجها الملك، لكنه عندما سمع أن جلالته ربما كان غير قادر على الإنجاب أصلًا، فقد خشي أن يردَّه دون أن ينال حظوةً لدَيه، وهكذا فقد حاول الرجل أن يتقرَّب إلى الأمير تشون شن، بل إنه تقدم إليه راجيًا أن يتَّخذه تابعًا أو حتى خادمًا يعمل عنده في بيته، فلما وافق الأمير وأبقاه معه بقي يعمل في خدمته فترة من الوقت، ثم استأذن في العودة إلى بلدته، ليعود بعد أجل معلوم، لكنه تعمد أن يتأخر عن الموعد المُقرر، وعندما ذهب إلى الأمير ليُسلِّم عليه، استفسر منه عن سبب تأخُّره، فأجابه: «كان ملك تشي قد أرسل رسولًا ليخطب أختي زوجةً له، فسهرتُ مع رسول جلالته أسامره وأشرب الخمر، فثملت وفاتني الوقت وتأخرت عن العودة حسب الميعاد.» فسأله تشون شن: «وهل تمَّت إجراءات الزواج؟» ولما رد عليه بالنفي، عاد الأمير يسأله: «وهل لي أن أقابل أختك؟» فأجابه الرجل بأن هذا ممكن جدًّا وبكل سرور، وهكذا سارع ليوان إلى تقديم أخته إلى الأمير تشون شن ليتم التعارف بينهما، وتوثقت الصلة بين ليوان والأمير، ووجد حظوةً لديه، وكان أن عرف ليوان (فيما بعد) بأن أخته قد صارت حُبلى، فذهب إليها واتفق وإيَّاها على تدبير خطة ماكرة.
الجزء الثاني من الفصل نفسه
وانتهزت المرأة التي هي أخت «ليوان»، فرصة القرب من تشون شن وراحت تنصح له قائلة: «أرى أن جلالة الملك يحترمك ويُحبك كثيرًا، ويضعك في مكانة يكاد لا يبلغها أي واحدٍ من إخوتك، وها أنت قد بقيت في منصب رئيس وزراء جلالته مدة تزيد عن عشرين عامًا، لكنك عندما تدقق النظر في بعض الأمور المهمة، تجد أن المشكلة تكمن حقًّا، في أن هذا العرش العظيم ليس له وريث من صلب الملك، فإذا ما توفي جلالته، فسيتولى الحكم أحد إخوته، ومعنى هذا أن إخوة الملك باعتلائهم منصة الحكم الملكي سيعملون على اتخاذ أقاربهم وتابعيهم في المناصب الكبرى، فمن يضمن حينئذٍ أن تبقى موضع حُب واحترام الجميع، في ظل تلك الظروف المُستجدة، ولأطول فترة ممكنة؟ هذا من جانب، أما من جانب آخر، فلربما يتذكر لك أولئك الإخوة وقد اعتلوا سدة العرش، ما كنت قد أغضبتهم به من تصرُّف غير لائق أثناء وجودك في المنصب طوال المدة الماضية، التي كنتَ فيها مسئولًا حكوميًّا بارزًا عظيم المكانة، بل من المؤكد تمامًا أنه إذا آل الحكم الملكي إلى أحد إخوة جلالته، فلن تلقى إلا المصائب تترى عليك من كل ناحية، فكيف ستتمكن، وقتئذٍ، من الحفاظ على مكانتك، أو حتى الاحتفاظ بإقطاعاتك الكثيرة بأرض جيانتون [منطقة جنوب نهر اليانغتسي حيث بلغت بها جملة إقطاعات الأمير المذكورة نحو اثنتي عشرة محلة]؟ وقد تأكدت الآن من أني أحمل جنينًا في أحشائي، وهو أمر لا يعرفه أحد غيرنا أنا وأنت، ولمَّا يمضِ وقتٌ طويل على ما خصصتني به من حُب واهتمام، وأرى أنك إذا قدَّمتني إلى جلالة الملك، أو ذكرتني عنده، فلا بد أني سأحظى بتفضيله لي عمن سواي، وذلك طبعًا بفضل مكانتك الأثيرة لديه وكلمتك المسموعة عنده، وإذا تفضلت عليَّ السماء وقدَّرت لي أن أُنجب مولودًا ذكرًا، فسيكون ولدك هو الذي يصير فيما بعد حاكم دولة تشين (بجلال قدره وقدرها)، ويُصبح البلد كله خاضعًا لهيبتك ونفوذك أنت وأولادك، ألستَ ترى معي بأن مثل هذا المصير أفضل كثيرًا مما قد يجرُّه عليك تربُّص إخوة الملك بك وبُغضهم إياك لو صار الأمر بأيديهم؟»
واقتنع تشون شن بكلامها واعتقد أن قولها هو الرأي الصائب بكل تأكيد، وهكذا فقد أمر بأن يتم إعداد مسكنٍ ملائم لإقامة المرأة أخت ليوان بحيث تنتقل للسُّكنى به على وجه السرعة، وقام من جانبه بالتحدث مع الملك (بشأن الزواج منها) فاستدعاها جلالته إلى قصره، ودخل بها مخدعه، فبات وإياها على فراشٍ واحد، وكان أن وضعت مولودًا ذكرًا تم إعداده ليكون وريثًا للعرش، وأصدر الملك قرارًا يقضي بأن تكون أخت ليوان زوجة ملكية (جلالة الملكة) كما تفضل جلالته على ليوان بتعيينه في أرقى منصبٍ رسمي، فصار متنفذًا ذا شأن في أروقة البلاط الإمبراطوري.
الجزء الثالث من الفصل نفسه
وهكذا، فقد تحقق للمدعو ليوان الكثير مما أراد؛ إذ صارت أخته ملكة على البلاد، وبذلك فقد ضمن أن يكون وليدها وريث العرش الملكي؛ وعلى الرغم من هذا، ظلت الهموم تساوره خشية أن يفتح الأمير تشون شن فمه، ويفشي كل الأسرار، فيتوطَّد مركزه وتنعقد له المهابة فيتيه فخرًا، أو يستبد طغيانًا واقتدارًا، ومن ثم فقد راح يفكر في قتله، تصفية لوجوده، فينغلق فمه إلى الأبد. وتسرب شيء من هذا الخاطر إلى أجواء العلن وذاعت النوايا بين كثيرين (وأصبح معلومًا أن ليوان يدبر مكيدة ما للتخلُّص من تشون شن!).
واشتد المرض على الملك، وبات طريح الفراش، وقام تشون شن بإدارة شئون القصر وكان قد ظل يعمل رئيسًا لوزراء جلالته مدة خمسة وعشرين عامًا، وهنالك تحدث إليه تابعه الأمين «جويين» [من مواطني جاو، وهو من أخلص أتباع الأمير تشون شن] قائلًا: «إن المصادفات تحمل في طياتها الحظ السعيد مثلما تحمل الكثير من نُذُر الشؤم بل الأنكد من ذلك أنك تعيش وسط أناس يتحركون كيفما سارت بهم الأهواء التي يصعب التكهُّن باتجاهاتها، وتبذل جهدك في خدمة ملك مريض لا تعرف ما تُخبئه له المقادير، ولئن كنت أعجب لشيء، فإنما أعجب لك إذ تُواجِه كل تلك الأحوال الغريبة وحدك، دون أن تُكلف نفسك عناء البحث عن رجلٍ تدخره لك الأقدار!» فسأله تشون شن دهشًا: «فماذا تقصد أولًا بمصادفات الحظ السعيد؟» فأجابه جويين قائلًا: «قد مضى عليك خمسٌ وعشرون سنة وأنت رئيس لوزراء تشو، وعلى الرغم من قيامك على شئون منصبك الرفيع كمسئول حكومي عالي المستوى إلا أنك كنت في الواقع تدير شئون البلاد باعتبارك الملك الحقيقي، وكان أبناؤك الخمسة يعملون كمعاونين لأمراء الدويلات، ويبدو الآن أن الملك، وقد اشتد عليه المرض، لن يُعمِّر طويلًا، فلا بد أنه سيقضي نحبَه في غضون أيام قليلة، والأمير وريث العرش ما زال صغيرًا وستتولَّى أنت الوصاية عليه، ومن ثم فستئول إليك مقاليد الحكم باسم الأمير الناشئ ونيابة عنه، تمامًا مثلما حدث في حالة كلٍّ من «أيين»، والملك «جوكون»، حيث يظل الصغير تحت وصايتك، ولا تُعيد إليه مقاليد السلطة إلا بعد وصوله سن البلوغ، ويبقى هناك احتمال آخر وهو أن تستأثر وحدك بالسلطة وتعلن نفسك ملكًا على البلاد، وتبسط نفوذك بالكامل فوق دولة تشو … ذلك هو ما قصدت إليه من قولي لك بأن المصادفات تأتي أحيانًا بمفاجآت الحظ السعيد.» فسأله الأمير: «فما هي إذن المصادفات التي تحمل نُذُر الشؤم؟» فأجابه جويين: «أنت تعرف أن ليوان ليست له أية صلة بشئون الإدارة السياسية للبلاد في مجلس الوزراء، وإنما هو فقط مجرد خال السيد الصغير (الأمير الوريث) فهو شقيق والدة ذلك الطفل الملكي، ليس أكثر من ذلك، فهو مثلًا لا يملك القدرة على قيادة الجيش وتوجيه القادة الكبار، ثم إنه متورط في تدبير خطط سرية بالاتفاق مع عدد من الانتحاريين، ولا بد أنه سيسارع إلى التمركز داخل القصر، إذا ما توفي الملك ليشرع في تنفيذ خُططه متذرعًا بأنه يتصرف طبقًا لأوامر شفوية من الملك، مستهدفًا القضاء عليك بتصفيتك جسديًّا (حرفيًّا: بإغلاق فمك وإبادة لسانك) فذلك هو ما أشرتُ إليه باعتباره نذير الشؤم الذي تومئ إليه المقادير.» فسأله الأمير: «فمن الرجل الذي تُخبئه الأقدار؟» فأجابه: «عليك أولًا أن تأمر بتعييني في منصب «لانجون» [رئيس الشئون الداخلية (بالقصر الملكي)] حتى إذا مات الملك فجأة، وحاول ليوان أن يسارع بدخول القصر (لتنفيذ تدابيره السرية) قمتُ إليه وطعنته في قلبه ودققت عنقه؛ فهو ذا أنا الرجل الذي تُخبئه لك المقادير.» فزجره الأمير تشون شن، قائلًا: «دع عنك هذه الأفكار، ولا تعُد إلى الحديث في تلك الأمور نهائيًّا، فإنما ليوان رجل ضعيف، لا حول له ولا قوة، ثم إنني أُعامله بكل الخير، ولي عليه أيادٍ كثيرة، فكيف يمكن للأمور بيننا أن تصل إلى هذا الحد؟»
واستشعر جويين الخوف، وداخَلَه إحساس بعدم الأمان، فقام وهرب خفية خارج دولة تشو.
الجزء الرابع من الفصل نفسه
ولم تكد تمر سبعة عشر يومًا بالتمام، حتى مات الملك «كاولي»، وكان أن هرع ليوان إلى القصر الملكي (لما بلغه الخبر) واتصل بأفراد الفرقة الانتحارية وأعد لهم مخابئ یكمنون بها داخل القصر، وما إن دخل الأمير الأعظم تشون شن من الباب الكبير، حتى وقع في قبضة المتآمرين عليه، فاعتقلوه، ثم وثبوا عليه وفتكوا به فقطعوا رأسه وألقوا بجثته خارج القصر وهي بغير رأس، وفي تلك الأثناء كان ليوان قد أمر المسئولين بإبادة عائلة تشون شن من الوجود، فأنزلوا في كل أفرادها القتل وأثخنوا فيهم الجراح حتى فنوا عن آخرهم.
وكان مبتدأ الأمر كله أن أخت ليوان قد حملت من الأمير تشون شن، ثم دخلت القصر الملكي (زوجة للملك الحاكم) ووضعت طفلها، وصارت ملكة [تتصرف في الواقع باعتبارها ملكة] من وراء ستار.
وفي تلك السنة نفسها، كان قد مضى على حكم الإمبراطور (الأشهر) تشين شيهوان [أول إمبراطور حكم الصين كلها تحت عرش واحد] تسع سنوات، (وللغرابة) فقد كان الخصيُّ المدعو «لاواي» [أشهر خصيان القصر بدولة تشين، كان «ليوبوي» قد أهداه للملكة الأم، فراح يحيك الدسائس مع الزوجة الملكية ويقود العصيان، فلمَّا اكتشفت مؤامراته أُعدِم، وأُبيدت أسرته عن آخرها [يشار لذلك في الصينية ﺑ «الأفرع العائلية الثلاثة»: أقارب الأم، الأب الأصهار [وتم إقصاء ليوبوي عن منصبه الرسمي نهائيًّا].
لمَّا تحدث الوالي يوشين إلى الأمير الأعظم
تحدث الوالي يوشين [أحد دعاة الخطط السياسية، أنعم عليه ملك جاو بإقطاعات هائلة وعيَّنه في منصب «شانغ تشين» (الوالي)] إلى الأمير الأعظم تشون شن [نلاحظ أن المتن يشير إلى الأمير هنا وهو بعدُ على قيد الحياة، بينما في الجزء السابق يذكر تفاصيل الفتك به، مما يدلُّ على أن «ليو شيانغ — مُحقق الكتاب الأصلي — لم يكن يُعنى بدقة تتابع الأحداث!] فقال له: «قد بلغني شيء مما ورد في كتاب «تشون شيو» الربيع والخريف: (مدونة تاريخية) [مفاده أنه ينبغي على المرء، في وقت السِّلم، أن يعمل ألف حساب للخطر، مثلما يجب عليه، وسط أهوال الخطر أن يتدبر وسيلة لإعادة الهدوء والسلم. أقول لك ذلك وأنا ألاحظ أن الملك قد بلغ من العمر أرذله، ولمَّا تحصل منه على تحديدٍ نهائي فيما يتعلق بالإقطاع الممنوح لك وهو أمر لا يمكن التسويف فيه وإذا سألتني حول ما ينبغي لك في هذا الموضوع، فإني أرى أن تحرص على أن تختار إقطاعك من أقصى الأرض، أبعد المناطق عن الإدارة المركزية في تشوو هناك سوابق لمثل ذلك التفكير، فهناك مثلًا الوالي شياو — من دولة تشين — لمَّا أراد أن يقطع «سون إينغ» أرضًا فقد اختار أن يقطعه من أرض شانغ، فلما مات الوالي شياو، لم ينجُ «سوان إينغ» من غدر الملك به، ولما أراد الملك تشاو، حاكم تشين أن يُقطع «ران تسي» أرضًا في إقليم «رانغ» فقد ظل الأمر معلقًا في الهواء حتى إذا تولى الحكم من بعده حاكم آخر، استولى على الإقطاع المخصص للرجل، وغلبه على حقه (هذا على الرغم من أن …) الوالي «سون إينغ» كان واحدًا من أعظم رجال الدولة فضلًا وعطاء مثلما كان «ران تسي» يرتبط مع ملك تشين بصلة المصاهرة والنسب ومع ذلك فلم ينجُ أحدهما من استلاب الحاكم أرضه، والآخر من إزهاق الملك روحه، وكان السبب في كلتا الحالتين يرجع إلى قرب منطقة الإقطاع من تخوم العاصمة.
(ومن الجدير بالذكر أن) «تايكون وان» قد حصل على إقطاعه في أرض تشي [وهو مكان بعيد جدًّا عن الدولة التي ينتمي إليها] بينما تقرر أن يكون إقطاع «شاوكون شي» على أرض دولة يان، وهي أماكن تبعد كثيرًا عن مركز دولة الحكم؛ فهذا هو السبب في أنهما عاشا حياة هانئة وماتا على فراشهما في سلام.
وقد وردت الحوادث، اليوم، بما مفاده أن دولة يان قد ارتكبت أسوأ جرائمها، على الإطلاق بالهجوم على جاو، مما فجَّر الغليان المكتوم في صدر هذه الأخيرة ومن ثم فإني أقترح عليك أن تدفع بقواتك صوب الشمال؛ مما سيحقق ميزتين: أولاهما: امتنان دولة جاو لك، والثانية: سحق رأس دولة يان، المنسحقة في التراب أصلًا، وبذلك تحصل على حقك كاملًا في الإقطاع الممنوح لك، حيث تتاح لك الفرصة لتحقيق ذلك وهي فرصة نادرًا ما تتكرر.»
الجزء الثاني من الفصل نفسه
وردَّ عليه تشون شن قائلًا: «إن طريق الهجوم على دولة يان، سيمر بأرض دولة تشي أو دولة وي، وهما دولتان تبغضان تشو وتكنان لها أسوأ النوايا، فقل لي، إذن، من أي طريق تتقدَّم قوات دولة تشو، إذا ما أرادت الهجوم على يان؟ فأجابه يوتشين، بقوله: «تستطيع أن تتفضل بطلب وعد رسمي من دولة وي بأن تُعيرك طريقًا عبر أراضيها». فسأله تشون شن عن الوسيلة المُمكنة للحصول على هذا الوعد، فأجابه: «ائذن لي بالسفر إلى وي كي أشرح للمسئولين هناك المغزى المهم في طلب استخدام طريق للمرور عبر أرضهم، عسى أن أقنعهم بالحجة والبرهان.»
وسافر يوتشين إلى وي، حيث التقى هناك بجلالة الملك، وقال له: «ليس لدولة تشو أي أعداء على وجه الأرض، وذلك لما يعرف الجميع من قوتها ومنعتها، وكل ما في الأمر، أنها تدبر للهجوم على دولة يان.» فسأله الملك قائلًا: «ذكرت لي في أول كلامك أن دولة تشو ليس لها أعداء، ثم ما لبثتَ أن قلت إنها تدبر لمهاجمة يان، فما الداعي لذلك (ما دامت على ثقة بأن في قوتها ومهابتها ما يُغني عن طلب الصراع مع الآخرين؟)» فأجابه يوتشين: «إذا قلت لجلالتك الآن، إن الجواد ذو قوة وجلد، (من بين الدواب جميعًا) فهذا قول يحتمل الصحة والصواب؛ أما إذا زعمت أمامك بأن للحصان القدرة على حمل ما مقداره ألف جوين [ما يقرب من خمسة عشر ألف كيلو جرام من الأحمال] فهذا زعم باطل وغير صحيح على الإطلاق، لماذا؟ لأن أي حصان لا يقدر بتاتًا على احتمال مثل هذا الثقل فوق جسده.
أما ذكرت لك أن دولة تشو ذات قوة عظيمة، فهذا صحيح، فإذا كان الموضوع هو مدى احتمال تشو لتكاليف الاشتباك مع دولة يان عبر أراضي أيٍّ من جاو، أو وي، فهذا أمر يفوق قدرة تشو، ومعنى ذلك أنها لو أصرت على المضي قدمًا في هذا الطريق فستعرِّض قوتها للتدمير، وتستحيل إلى الضعف، وتعرف جلالتك أن الخصم من قوة تشو معناه الزيادة في طاقة بلادكم (دولة وي) والعكس صحيح أيضًا فانظر في الأمر وتأمَّله جيدًا، وأمامك أحد خيارين، فاختر لنفسك الأنفع لك.»