سجل جاو الأول

لمَّا قام جيبو بحشد قوات وي وهان

جمع جيبو قوات دولتي وي وهان وتقدم لمهاجمة جاو، وقام بحصار «جين يانغ» وحوَّل إليها مجرى النهر فأغرقها تحت طوفانه، حتى بلغ منسوب المياه نحو اثني جانغ وأربعة تشي [نحو سبعة أمتار] وهنالك تحدث شيتشي [من مواطني جاو، ومستشار جيبو للتخطيط السياسي] إلى جيبو، قائلًا: «إني لعلى يقينٍ من أن حاكمي البلدَين وي، وهان يخدعانك.» فسأله جيبو عن السبب في اقتناعه هذا، فأجابه: السبب هو ما ظهر من تصرفاتهما، فقد تقدَّمت معك قوات البلدين لمهاجمة جاو فإذا اندحرت هذه الدولة تحت القتال فلا بد من أن شيئًا من الآثار السيئة لهذا الاندحار سيجد طريقَه إلى كل من الدولتَين المذكورتَين. ولذلك فعندما يحين الوقت للاتفاق معهما فيجب أن تبذل لهما الوعد بأنك ستقتسِم معهما أراضي جاو، في حالة الظهور عليها، باعتبار أن أرضها ستوزع بالتساوي بينكم كأطرافٍ ثلاثة متحالِفين معًا في القتال، وإذا تأمَّلنا حال المدينة الكبرى جين يانغ الآن، وجدنا أنها صارت أنقاضًا تغمرها المياه، وما بقي من أثاث المنازل فيها، كمدقَّات الأرز والمواقد، باتت كهوفًا تسكنها الضفادع ورواسب النهر، والأحياء من أهلها لا يجدون ما يقتاتونه، حتى إنهم اضطروا إلى أكل الجياد الهزيلة والجيفة، وعلى الرغم من أنه كان يحقُّ للدول التي شاركت في تحطيم المدينة المنيعة أن تفرح بما أوقعته بها من تنكيل، إلا أنك تجد حكام وي و«هان» ينظرون بعينٍ ملؤها القلق والحذر والهموم، ولمَّا يمضِ على انتصارهم في موقعة جين يانغ الوقت الطويل، أفلا تجد فيما ذكرت لك نُذُر الخيانة ودلائلها المبكرة؟

وما كاد يطلع نهار اليوم التالي، حتى كان جيبو قد التقى بحكام الدولتَين وي وهان وذكر لهما ما أثاره (مستشاره) شيتسي من موضوعات قائلًا: «قال لي شيتسي إنكما ستتآمران عليَّ بالخيانة.» فتكلم العاهلان الكبيران، قائلَيْن: «قد قام الاتفاق بيننا على أن نقوم ثلاثتنا باقتسام أرض جاو فيما بيننا، عندما يتم لنا الانتصار التام عليها. وها هي ذي المدينة الحصينة (… جين يانغ) توشك على السقوط في أيدينا، ولا يمكن بأي حال، مهما بلغت درجة غبائنا وجهلنا أن نضيع المكاسب التي صارت قطوفها دانية، أو أن نخالف العهد الذي بيننا، ونهدر مواثيقنا سعيًا وراء مطمع لا سبيل لنواله وأمور لا يرجى منها نفع، وتلك مسألة واضحة وبديهية، لا ينبغي أن تفوتك ملاحظتها وأنت الألمعي النجيب، فصاحبك شيتسي إنما يعمل لمصلحة دولة جاو، ويخطط لما يعود عليها بالنفع؛ ولذلك فهو يريد إقناعك بضرورة الشك في إخلاصنا لك، فيفتر حماسك للهجوم على جاو، لكن يبدو أنك أصغيتَ طويلًا لحديث مستشاريك الذين يطعنون في مصداقية حلفائك، فأنكرت ما بيننا من التفاهم والود، وإننا لنأسف على تلك الحال ونأسف أيضًا على حالك، ويُحزننا ما أنت صائر إليه!» فلما انتهوا من كلامهم معه خرجوا من عنده بخُطًى سريعة، فهرع شيتسي إلى جيبو وقال له: «لماذا أخبرتَ قادة وي وهان بالقول الذي ذكرته لك؟» فسأله جيبو بدهشة: «وكيف عرفت أنت بأني قلتُ ما قلته؟» فأجابه: «لما رآني حاكما البلدَين أرقبهما مُتفحصًا حركاتهما، ابتعدا عني سريعًا واختفَيا عن ناظري.» وأدرك شيتسي أن كلامه لم يؤخَذ بعين الاعتبار، بل لم يوثَق بصدق وإخلاص وجهة نظره، فتقدم بطلب إيفاده إلى دولة تشي، فوافق جيبو على طلبه. وحدث أن كلًّا من قادة وي وهان قد نكثا ميثاقهما مع جيبو، وغدرا به.

لمَّا تولى جيبو قيادة قوات الدول الثلاث

تولى جيبو قيادة قوات جاو، ووي، ووهان لمهاجمة قبيلتي فان «وجون هانغ» فأثخن فيهما حتى استأصل شأفتهما. ثم ركن إلى الراحة بضع سنوات، وبعدها أرسل إلى دولة هان يُطالبها بنصيبه في الأرض (التي حرَّرها من سيطرة القبائل المذكورة) إلا أن «كانزي» — حاكم دولة هان — لم يستجب إلى طلبه فنصح له توانكوي [مستشاره لشئون الخطط السياسية] قائلًا: «ليس من الصواب أن ترفض ذلك الطلب الذي تقدم به إليك جيبو؛ فهو بطبيعته شديد الجشع، قوي البطش، إذ طمع في الحصول على شيء فلن يتورَّع عن ارتكاب الفظائع في سبيل الحصول عليه، وما دُمت قد رفضت أن تُعطيه نصيبه من الأرض التي طلبها، فلا بد أنه مُتوجه إليك بقواته، عازم على التنكيل والبطش، والأفضل أن تُجيبه طلبه، فمثل هذا التصرُّف من جانب جلالتك كفيل بأن يُوسع صدره للجرأة على طلب المزيد من الأراضي التابعة لباقي الدويلات والممالك، التي ستجد نفسها مضطرة إلى أن تُذعن له، تجنبًا لما قد تُلاقيه من ويلات القتال معه، ومعنى ذلك أن دولة هان ستُصبح في موقف تأمن فيه شرور النزال مع ذلك الجامح الجشع، ومن ناحيةٍ أخرى فستتمكن من أن تُراقب تطور الأحداث دون انزعاج.

وعندئذٍ وافقه كانزي على رأيه، وأوفد من قِبله مبعوثًا إلى جيبو لإهدائه بلدة آهلة بالسكان [هكذا حرفيًّا: بمعنى أنها بلدة عامرة بأسباب الحياة، تُغل الحصاد والضرائب] مما أدخل السعادة إلى قلب جيبو، ودفعه إلى مُطالبة دولة وي بأن تُعطيه نصيبه من الأرض المُستحقة له، فلما أراد الملك شيوانزي — حاكم وي — الامتناع عن إجابته إلى طلبه أسرع إليه مستشاره للتخطيط السياسي، جاوجيو، قائلًا له: «تذكر يا مولاي أن دولة هان أذعنت لمطلبه عندما تقدم إليها يُريد تسليمه الأرض التي أشار إلى حقه في الحصول عليها، وعندما يتقدم بطلب مُماثل إلى دولة وي، ثم يفاجأ بالرفض، فسوف يُستدل من ذلك على أنها قد بلغت من الإحساس بالقوة المُتزايدة ما يدفعها إلى استفزاز الآخرين وإثارة غضبهم، وأول هؤلاء الآخرين هو جيبو نفسه، وهو ما سيدفعه إلى استخدام القوة العسكرية ضد وي! ولذلك فالتصرف الأمثل في هذه الأحوال هو أن توافقه إلى الطلب الذي تقدم به إليك.» وبالفعل فقد أخذ شيوازي بنصيحته، وأرسل إلى جيبو برسول يحمل إليه هدية تتمثل في بلدة عامرة بالأهالي، وهو الأمر الذي انشرح له صدر جيبو وملأ قلبه بالابتهاج. ثم إنه أوفد إلى دولة جاو سفارة تطلب منها تسليم بلدتي «لين»، و«كاولن» إليها، فلم يذعن الملك شيانزي — حاكم جاو — إلى هذا الطلب، فتدبر جيبو خطة سرية، بالاتفاق مع دولتي وي وهان للهجوم على جاو في غفلة من أهلها.

الجزء الثاني من الفصل نفسه

استدعى الملك شيانزي، حاكم جاو، مستشاره للتخطيط السیاسي «جان منتان». وقال له: «إن الظاهر من سلوك وتصرفات جيبو يشير إلى أنه قريب من أفكارك وتصوراتك، لكنه في واقع الأمر أبعد من أن يتفق معك في شيء، لاحظ مثلًا أنه أرسل بوفوده ثلاث مرات متتالية إلى دولتي وي، وهان دون أن يتصرَّف على هذا النحو معي، وبالتالي فلا بد من أن أستنتج أنه عازم على تحريك قواته ضدي، فانظر أي المواقع أنسب للتحصُّن فيها — استعدادًا لملاقاته؟» فأجابه الرجل: «كان المدعو جيان تسي من أكفأ رجال الدولة الذين عملوا في خدمة الأمير «تون آنيو»، وقد بذل وقته كله للعمل على إصلاح أحوال «جين يانغ» وقد بلغت تلك الإصلاحات حدًّا من البراعة لدرجة أن رجل دولة آخر، مثل الوزير آيطو [أحد وزراء جاو] سار على دربه الذي بدأه في إصلاحاته، متخذًا نفس الوسائل، ومن ثم فقد خلف لنا كِلا الرجُلين تراثًا باقيًا في الفكر السياسي ما زال قائمًا حتى اليوم وسيظلُّ هذا التراث باقيًا ما دمت تؤثر البقاء في جين يانغ، وهذا هو ما أراه لك: أن تبقى في تلك البقعة من الأرض، ولا تبرحها.» فوافقه شيانزي على رأيه وأرسل من طرفه «يان لينشن» [وزير عظيم بدولة جاو] كي يبدأ في تحريك المركبات والخيَّالة تجاه جين يانغ على أن يلحق به فيما بعد.

فلما وصل شيانزي إليها، راح يتفقد أحوال تحصيناتها ومتانة أسوارها ومخازن وحواصل الحبوب والخزائن الكبرى الكائنة فيها، ثم إنه استدعى إليه «جان منتان»، ليقول له: «قد رأيت الأسوار في أحسن حال، والحواصل مليئة، والمخازن عامرة بما يكفي، بل لدينا من الحبوب ما يزيد عن الحاجة، ولكن المشكلة الوحيدة تكمن في أننا لا نجد ما يكفي من السهام فما العمل إذن؟» فأجابه: «مبلغ علمي أن الأمير تون آينو كان قد بذل عناية فائقة في بناء جدران القصر الملكي الكائن بمدينة جين يانغ، وذلك إبان إصلاحاته الشهيرة التي قام بها في تلك المدينة، وقد بلغني أنه استخدم في بناء حوائط المباني أجود أنواع الأخشاب حتى بلغت الجدران غاية الصلابة بأحجامها الضخمة وارتفاعاتها التي تصِل إلى أكثر من «جانغ» [أربعة أمتار] وهكذا، فيمكنك أن تستخدم تلك الأخشاب (لتعويض ما ينقصك من مواد صناعة السهام).»

وبالتالي فقد شقوا الجدران واستخرجوا مادتها على سبيل التجربة، فوجدوا في صلابتها ما لا يزيد عليه، بيد أنها كانت أجود من أخشاب البامبو، وهنالك تحدث شيانزي، قائلًا: «قد وجدنا من الأخشاب ما يكفي، لكننا ما زلنا بحاجةٍ إلى المزيد من النحاس [هكذا حرفيًّا: وإن كان المقصود، حقيقة، هو معدن الحديد] فما العمل؟» فقال له: «كنت قد سمعت أن الأمير تون آنيو، إبان إصلاحاته المعروفة وإنشاءاته العديدة في جين يانغ. قد استخدم النحاس المصهور في أعمدة القصر الملكي، فتستطيع أن تجد فيها مادة وفيرة لما تحتاج إليها، وستجد ما يمكن أن يسد الحاجة.» واستصوب شيانزي رأيه، فلما صدر الأمر بتمام الاستعداد واتخاذ كل الاحتياطات، صارت كل المواد المطلوبة للدفاع جاهزة على أتم وجه».

الجزء الثالث من الفصل نفسه

فلمَّا وصلت قوات الدول الثلاث إلى جين يانغ، دار القتال بين الطرفَين واستمر الحال على ذلك مدة ثلاثة أشهر، دون أن تسقط المدينة، فقامت القوات المهاجمة بعملية انتشار وتطويق، وتم تسريب المياه من سد نهر جين، عندما أحدثت القوات شرخًا في جدار السد، فسالت المياه وأغرقت المدينة المحاصرة، التي ظلَّت تحت الحصار لفترة امتدت إلى ثلاث سنوات، حتى لجأ بعض السكان إلى المناطق العالية (البعيدة عن المياه) فابتنوا بها الكهوف للسُّكنى وطهي الطعام، وهنالك أوشك المال والغذاء على النفاد، وفتك المرض بالجنود وأورثهم الضعف والهزال، وعندئذٍ تحدث شيانزي إلى جان منتان قائلًا له: «قد نقص الطعام، وشح المال، وفترت حماسة الجنود بعدما صرعهم المرض، وما عدت أستطيع الصمود بعد اليوم، وأفكر، جادًّا، في أن أتقدَّم على رأس القوات مذعنًا بالخضوع رافعًا راية التسليم، فهل ترى ثمة أمل في شيء؟» فأجابه: «قد سمعت يا سيدي قولًا أجد صداه في مسمعي، مفاده … «أن من عجز عن استنهاض إرادة بلاده، واستعادة طاقة وجودها بعد تعرضها للانهيار، فقد ضيع الحكمة واستهان بالعقلاء، ومن تقاعس عن استرداد الأمن لبلده الذي استبد به الخطر، فقد أساء إلى أولي العزم والقوة والنجابة.» فالزم الفطنة، ودع عنك تلك الأفكار، وأرجو ألا تعد إلى مثل القول الذي سمعت منك توًّا، وليتك تسمح لي بالذهاب لمقابلة قادة دولتي وي وهان!» وأجابه شيانزي إلى هذا الطلب.

وحدث أن «جان منتان» استطاع أن يلتقي سرًّا بقادة البلدين المذكورين، وقال لهما: «أما سمعتما القول المشهور الذي يفيد ما معناه أن … «الشفتين للأسنان خير حجاب وحماية؛ فإذا تقلصت الشفتان (في جو عاصف) تعرضت الأسنان إلى تيارات من البرودة القارسة!» … ها أنتم تشهدون جيبو وهو يقود قوات بلدَين كبيرَين لضرب جاو التي ستنهار بالتأكيد تحت ضرباته، لكن الأمر الذي يجب أن تعلَماه جيدًا هو أن سقوط جاو سيستتبع على الفور سقوطكما معًا.» فأجابه الرجلان بقولهما: «قد عرفنا وتأكدنا أيضًا من صدق استنتاجك في هذه الناحية (ونثق أن ذلك هو ما سوف يحدث، إذا ضاعت دولة جاو.) فقد عهدنا في جيبو الجشع والقسوة والغلظة، وسرعة الغدر بأقرب المُقربين إليه، فإذا اتفقنا على خطة ثم ذاع أمرها ووصلت أنباؤها إلى مسامعه، فسوف تكون العواقب جد وخيمة، فقل لنا كيف العمل، ما الطريقة المُثلى التي نتجنَّب بها حدوث أية تعقيدات؟ فأنبأهما جان منتان عن نفسه قائلًا بصراحة: «إذا خرج الكلام من فمكم إلى مسامعي أنا فقط، فلن ينتقل من عندي إلى أي طرفٍ آخر».» وهكذا فقد أسرَّ الرجلان إلى جان مونتان بالاتفاق حول تحركات الجيوش الثلاثة وحددوا فيما بين ثلاثتهم موعدًا وليلة للتنفيذ، ثم سارا برفقته حتى أوصلاه إلى مشارف مدينة جين يانغ، ولم يكد يبلغها الرجل حتى قدم تقريره إلى شيانزي، فلم يسعه إلا أن يُعبر له عن شكره واحترامه وعميق امتنانه.

الجزء الرابع من الفصل نفسه

وفكر جان منتان في زيارة جيبو دفعًا لأي شكٍّ يمكن أن يسيطر على ذهنه وهكذا فقد ذهب إليه، والتقى عند البوابة الخارجية للمقر الرسمي بمُستشاره الخاص لشئون التخطيط السياسي، وهو المدعو جيكاو، فلمَّا انتهى اللقاء ذهب مستشار التخطيط إلى جيبو، وقال له: «أخشى أن يكون قادة وي وهان يدبرون للقيام بتمرُّد عسكري.» فلمَّا سأله جيبو عن السبب الذي دعاه إلى مثل هذا القول، أجابه: «كنت قد التقيت عند البوابة الخارجية بجان منتان، ورأيت الثقة المشوبة بالغرور تكتسي ملامح وجهه، وخطوات أقدامه تدق الأرض في زهو وخيلاء.» فقال له جيبو: «لا أظن أن تصل الأمور إلى حدِّ تدبير عصيان عسكري؛ فهناك اتفاق ومعاهدة موثقة مع كل من وي وهان، ولقد قطعت عهدًا على نفسي أمام الجميع بأن يتم اقتسام أراضي جاو، بعد هزيمتها، بالتساوي بين الأطراف الثلاثة المهاجمة، فلا أظنهم يُخادعونني، دع عنك تلك الفكرة، كما أرجو منك ألا تردد ذلك القول فيما بعد. ثم قام جيكاو بزيارة إلى حاكمي وي وهان، وعاد أدراجه إلى جيبو ليقول له: «تأملت الرجلَين، فوجدت أمارات الخيانة بادية على الوجوه، فسيماهم تنطق بالغدر ونواياهم تنضح بالمخادعة، فاضرب الأعناق، تسلم مما يمكرون بك.» فقال له جيبو: «منذ ثلاث سنوات والقوات تحاصر جين يانغ حتى أنهكتها ولا بد من أن النصر قريب، وأيًّا ما كان فستكون لنا الغلبة في النهاية. ونقتسم الغنيمة، ومن غير المعقول أن تنقلب النوايا في مثل هذا الوقت بالذات خصوصًا وأننا أوشكنا على الظفر بأرض جاو.» فقال جيكاو: «فإن لم تكن ضاربًا أعناقهم، فعلى الأقل لا تدعهم يبتعدون عن ناظريك، بل اقترب منهم، وراقب أحوالهم عن كثب.» فسأله جيبو عن كيفية ملاحظة أحوالهم على النحو الذي يقترحه، فأجابه بقوله: «الملك شيوان حاكم وي يستعين بمستشار سياسي، اسمه «جاوشيا»، وبالمثل فالملك كانزي — حاكم هان — يستشير أحد خبراء التخطيط السياسي، ويُدعى «توان كوي»؛ وهذان الخبيران يستطيعان تغيير خطط سادتهما وتحويلها من النقيض إلى النقيض، وأرى أن تجري مع هذَين المُستشارين اتفاقًا ينصُّ على أن ينال كل منهما جائزته، وهي عبارة عن محلة آهلة بالسكان والعمران في حال التغلُّب التام على دولة جاو واقتحام أراضيها. فمثل هذا الاتفاق يضمن لك ثبات حكام وي وهان على بنود الاتفاق ومثابرتهما على الالتزام والإخلاص للمواثيق المُبرمة معك، (ومن ناحية أخرى) يحقق لك السيطرة الكاملة على الأرض التي كنت تسعى للحصول عليها.» فرد عليه جيبو، قائلًا: «معنى هذا أني سأضطر إلى التخلِّي عن قطعتَين من الأرض لأعطيهما لهذين السيدَين، بالإضافة إلى خطة تقسيم الأرض التي تقوم على توزيع حصص مساوية للأطراف الثلاثة الرئيسية، مما يعني تقلص المساحة النهائية التي ستخصُّني في المحصلة الأخيرة، وهو ما لا يُمكنني القبول به أبدًا.» ولمَّا أدرك جيكاو أن جيبو لم يعد يقيم لآرائه وزنًا أو يعتد بكلامه، فقد خرج من المقر الرسمي، وقام بتغيير اسمه ولقبه إلى فوشي، وغادر البلاد نهائيًّا، ولم يعُد للعمل عند جيبو من يومئذٍ.

الجزء الخامس من الفصل نفسه

فلمَّا وصلت أنباء تلك الأحداث إلى مسامع جان منتان، توجه على الفور، لمقابلة الملك شيانزي، وقال له: كنت قد التقيت بجيكاو، عند البوابة الكبرى، ولاحظت أنه طوال الوقت يتطلع إليَّ في ريبة، ثم إنه دخل ليتحدث إلى جيبو، ولمَّا خرج، قام بتغيير اسمه ولقبه، وأرى أنك إذا بادرت الليلة إلى مهاجمة جيبو، فسوف تنال منه وتُلقنه درسًا لا ينساه، ولتسرع لئلَّا تضيع منك الفرصة، ويفوتك الوقت. وأومأ الملك برأسه علامة الإيجاب، وأوفده لمقابلة قادة دولتي وي وهان حيث اتفق معهم على قتل حراس سد النهر، وفتح ثغرة في جنب ذلك السد ليقتحمها الماء، ويهدر منها بغزارة فيغرق قوات جيبو، التي إذا ما أوقعها فيضان الماء في الارتباك والفوضى، انقضت عليها قوات دولتي وي وهان المتربصتَين بها عن اليمين والشمال، وانطبقتا عليها انطباق الجناحَين على جانبي فرخ الطائر، بينما قام الملك شيانزي حاكم جاو على رأس قواته وضرب في الصميم فأصاب من قوات جيبو مقتلة عظيمة، وأثخن فيهم، وقبض على جيبو حيًّا.

وكان أن انتُهبت البلاد وهلك الرجال (حرفيًّا: قتل جيبو) وصار هزأة بين الأمم، وذلك كله بسبب استيلاء عقدة الجشع عليه، وعدم إصغائه إلى خطط جيكاو، مما عُدَّ أحد أهم أسباب انكساره، وضياع بلاده، (بل لقد قيل إن ذلك كان سببًا في) القضاء على كل من تلقب باللقب جي (جيبو، جيكاو، وأمثالهما) وانقطاع المُتسمِّي بهذا الاسم من الوجود، ولم ينجُ من تلك العائلة إلا رجل واحد غيَّر اسمه إلى فوشي.

لمَّا قام جان منتان بتثبيت أركان دولة جاو

لمَّا فرغ جان منتان من تثبيت أركان دولة جاو، وتقوية قبضتها فوق أرضها وتوسيع حدودها، فقد راح يُغذي الروح الطامحة إلى السلطة والسيادة فوق الممالك (حرفيًّا: على طريقة الأباطرة الخمسة [أولئك الذين حكموا إبان زمن الربيع والخريف وكانت لهم الغلبة فوق الأمم]) فكان كلما اجتمع إلى مولاه الملك شيانزي، أخذ يثني على وصايا الملك القاهر جيانزي حاكم جاو الأسبق، قائلًا: «يؤثَر عن الإمبراطور جيانزي، إبَّان حكمه لدولة جاو فيما مضى، قوله: «إن السبب الأساسي فيما أبداه الأمراء من دعم للملوك الخمسة (الذين ملكوا القلوب والأفئدة حتى انصاعت لهم الأمراء والدويلات) يكمن في عدة نقاط بسيطة للغاية، خلاصتها، أنه ينبغي العمل على أن يكون للملوك اليد العليا فوق الوزراء، لا أن تكون للوزراء السطوة النافذة فوق ملوكهم؛ لذلك لم يكن يسمح مثلًا لمن نال رتبة الشرف (النبالة) من الدرجة العليا الثانية، أن يتولى رئاسة الوزراء، ولا كان مسموحًا للضباط الذين تتفوق رتبتهم على رتبة القائد العام للجيش أن يعملوا في منصب «دافو» [مسئول عظيم في الدولة].»

أما اليوم، فإن أي وزير ينال قدرًا من الصيت والشهرة، ينظر إليه بوصفه واحدًا من النبلاء الجديرين بالتعظيم والإجلال ويتعاظم نفوذه، وتصير له الكلمة المسموعة فوق الناس؛ لذلك فقد نويت جادًّا، التخلي عن الألقاب، والتنحي عن كل سلطاتي، والانعزال عن الدنيا بأسرها.» فتأثر شيانزي وتهدج صوته بالحزن وهو يقول له: «لا أرى سببًا يدعوك إلى ذلك، ثم إنه ليقال أحيانًا، (وبعض القول صحيح!) إن أكثر من يساندون ويدعمون سلطة ملوكهم هم الأكثر شهرة، وكذلك فإن أصحاب المآثر والإنجازات الكبرى يُصيبون حظًّا من المجد والتقدير الذي يرفع بهم إلى مراتب النبالة، كما أن أصحاب المناصب والسلطات المرموقة مثل رؤساء الوزارات، يتمتعون بنفوذ عظيم، لكنهم إذا ما أضافوا إلى سلطتهم قيمة الإخلاص والصدق، نالوا ثقة الناس وطاعتهم. (وليس ذلك شيئًا أقوله من عندى بل …) هو من ميراث الحكماء والقديسين الأقدَمين فيما درجوا عليه من التنسيق مع ذويهم وأقاربهم في تولِّي شئون البلاد وقيادتها بغية استقرار الأوضاع فيها، فلماذا تخرج عن مثل هذا المنهاج؟» فأجابه: «إن جلالتكم بهذا الكلام، تشيرون إلى روعة العمل الدءوب والفخر بإنجاز المآثر العظيمة وهذا صحيح تمامًا في نطاق ذلك المعنى، ولكن ما أقصد الحديث عنه، يدخل في إطار الأساليب والقواعد التي تحكم العمل السياسي فتحمي الأوطان، وقد درست الكثير من قضايا الإنجازات الكبرى، وسمعت ما تتناقله الحكايات من سيرة الأقدمين، فوجدت أن معاني المجد ودلالات الإنجاز والروعة، تتصف جميعًا بخصائص واحدة ومشتركة في كل مكان تحت السماء، لكني لم أهتدِ إلى ما يُفيد الإقرار بكمال وروعة الفكرة القائلة بإن الملوك والوزراء يتقاسمون النفوذ والمسئوليات على نحو متكافئ ومتساوٍ، دون أدنى فرق.

إن في خبرات ودروس الماضى ما يصلح لأن يؤخَذ به أو أن يكون موضع اعتبار في قادم الأيام، فإذا لم يستطع الأباطرة أو الملوك تأمُّل تلك الأمور بدقةٍ ووعي، فإن الوزراء أعجز من أن يقدروا على ذلك.» ولاحت على وجه «جان منتان» نظرة وداع مشحونة بالأسى والشجن، فأذن الملك شيانزي له بالإنصراف، فذهب إلى بيته وبقي مدة ثلاثة أيام وهو راقد على الفراش، وأخيرًا فقد أرسل إلى الملك «شيانزي» رسولًا من عنده يسأله: «ما هو رد الفعل المتوقَّع من جانب جلالتكم، لو أني تقاعست أو امتنعت عن تنفيذ الأوامر الرسمية؟» فأجابه الملك برسالة موجزة كتبها معاونوه، تقول في كلمتَين اثنتَين: «رد الفعل هو الحكم بالإعدام.» ورد عليه «جان منتان»، قائلًا: «لقد عمل الحصان العجوز في خدمتكم وخدمة البلاد، وبذل جهده من أجل استقرارها، ولكي يثبت لجلالتكم حسن إخلاصه وتفانيه، فهو لن يهرب من قدر الموت على أيديكم، فاعجل بما صح عليه العزم!» وأجاب شيانزي (بدوره) قائلًا: «فاذهب وافعل ما بَدَا لك فقد عفوت عنك.»

وهكذا فقد أقره الملك على اختياره، ومضى جان منتان — بكل شجاعة وثقة — يسلك فيما اقتنع به، وتنحى عن سلطاته ومناصبه وألقابه (فإذا به يرسِّخ لنفسه اسمًا أشهر ولقبًا أكثر ذيوعًا وسلم للحكومة إقطاعاته والأراضي الممنوحة له، فلما ألقى عن كاهله مسئوليات العمل الرسمي وأبهة المناصب العُليا وألقابها الفخمة، ذهب ليزرع قطعة أرض صغيرة كان يملكها في منطقة تلال «فوتشين»، لذلك يقال إن مسلك جان منتان يشهد بأنه أحد أولئك الحكماء القديسين (الذين يرِد ذكرهم في كتب الأقدمين) كما إن السياسة التي اتبعها شيانزي، حاكم جاو، هي بحق نموذج للسياسة الرشيدة التي انتهجها واحد من أكثر الحكام رجاحة ووعيًّا.

الجزء الثاني من الفصل نفسه

وبقي جان منتان يزرع أرضه، فلما انقضت ثلاث سنوات، حدث أن الدول الأربع: هان، ووي، وتشي، وتشو، جميعًا قد نقضت ميثاقها الذي عقدته في الماضي، وأخذت أُهبتها لمهاجمة جاو، التي هرع حاكمها شيانزي إلى لقائه (أي: جان منتان) ليقول له: «عندما جرى تقسيم أراضي آل «جي» فيما مضى من الزمان، فقد اقتطعت عائلة جاو لنفسها، عشر مدن إضافية، (وها قد عادت الأيام سيرتها الأولى … وعاد أولئك الطامعون مرة أخرى …) فاليوم أرى أمراء الدويلات قد أعدوا العدة لمهاجمتنا، فما العمل، وكيف التصرف؟» فأجابه جان منتان: «احملني إلى العاصمة في إحدى المركبات، وائذن لي في الإقامة هناك، بأحد المعابد قريبًا من القصر وامنحني بعضًا من السلطات المُقررة لرجال الدولة، وسأضع لك خطة مناسبة لمواجهة تلك الأزمة.» فأجابه الملك إلى ما طلب، وهكذا فقد خرج معه جان منتان وقصد إلى طريق السفر، ثم إنه أرسل زوجته إلى دولة تشو، وبعث أكبر أبنائه إلى دولة هان، وثاني الأبناء إلى دولة وي، ثم أمر الأصغر بالذهاب إلى تشي وهو التصرف الذي أثار دهشة وحيرة الدول الأربع، وألقى بظلال من الشك حول التقديرات المختلفة بشأن مهاجمة جاو، وكان من جراء ذلك أن فشلت خُطط الهجوم وتقطعت خيوط المؤامرة.

لمَّا كان المدعو «ويرانغ» يعمل في خدمة

كان المدعو ويرانغ — أحد الفرسان المشهود لهم بالوفاء والإخلاص [وهو أيضًا حفيد بيانغ، أحد الفرسان المشهورين بالشجاعة في دولة جين] — يعمل في أول الأمر، لدى كل من «آل فان»، و«تشون هان»؛ وإذ لم يشعر بالارتياح، فقد سئم العمل لديهما، وترك خدمتهما وذهب ليعمل لدى جيبو الذي أحبه وأغدق عليه من الفضل الشيء الكثير، وحدث أن تفرق آل جيبو أيدي سبأ، لما أصابهم من المحنة على يد الدول الثلاث: هان، ووي، وجاو، التي سلبت أرض تلك العائلة واجتزأت كل دولة منها قسمًا لتضمَّه إلى رقعة أملاكها، وكان الملك شيانزي أشد الجميع بُغضًا وتحاملًا على جيبو، حتى إنه (لم يكتفِ بقتله، بل قطع رأسه وأفرغ جمجمته وجعل منها قنينة يشرب فيها الخمر، فلما رأى ويرانغ ما حدث لسيده … فقد أسلم ساقَيه للريح) وفر هاربًا إلى منطقة شانجون، وكان إذ ذاك يُناجي نفسه قائلًا: «الويل لي؛ إذ تركت دم سيدي يضيع هدرًا، ألا إن الشجاع الكريم لا يتوانى عن أن يبذل روحه فداءً لمن أحسن إليه، وأغدق عليه إحسانًا وعرفانًا، بل إن الفتاة الحسناء تتزين وتتجمَّل لمن أثرها بحبه [هكذا حرفيًّا] … (إن الشيء الذي يُحسِّن صورتي لدى جيبو، هو أن …) أنتقم له!»

ثم إنه انتحل اسمًا ولقبًا آخرين، وتظاهر بأنه أحد المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة، ودلف إلى القصر الملكي، بحجة أنه مكلف بتنفيذ العقوبة لدى القصر، وأمسك بالفرشاة والطلاء وذهب ليطلي جدران الحمام الملكي، لينتهز فرصة وجوده بالداخل فيثب على الملك ويقتله، فلمَّا همَّ الملك بدخول الحمام لقضاء حاجته أخذته رعدة مفاجئة وانتبه إلى الرجل المتربص له فقبض عليه، واستجوب العاملين في الحمام عنه، فتكشَّف له أنه ويرانغ بلحمه ودمه وأقر المذكور بحقيقة حاله وأشهر في وجه جلالته المدية التي خبَّأها في أدوات الطلاء، صارخًا في وجهه: «لا بد أن أنتقم لسيدي جيبو!» فأحاط به الحراس يريدون أن يفتكوا به، فنهرهم الملك قائلًا: «هو ذا فارس نبيل وشجاع دعوه، ولا تؤذوه بشيء ويكفيني أن أحترس منه وأتقي شره … هذا الرجل ذو مروءة حقًّا) … فعلى الرغم من أن جيبو قد مات دون أن ينجب أنجالًا، فإن مساعده المخلص، آثر أن ينتقم له بنفسه، وتلك خصلة من خصال الشرف العظيم.»

وهكذا فقد أُطلق سراح يوارنغ، لكنه ما فتئ يتحيل كل ما في وسعه للثأر، فدهن جسده بدهانٍ يوهِم الناس بأنه مُصاب بالبرص، وأزال لحيته وحاجبَيه وشوَّه قسمات وجهه، واتخذ هيئة شحاذ، وعاد إلى بلدته يتسوَّل في الطرقات، فلما رأته زوجته أنكرته، قائلة: «إن صوته كصوت زوجي، لكن وجهه ليس الوجه الذي ألفته.» فلم يلبث يوارنغ أن وضع الفحم في حلقومه فصار أجش الصوت وتغيَّرت نبرة نطقه المعهود، وقال له صديقه وهو يحاوره: «أراك تتوسَّل بأصعب الحيل لتنفيذ مأربك، ومع ذلك فلا أظنك تنال بغيتك [حرفيًّا: الوسائل صعبة ومُعقدة، لكن النجاح بعيد ومستحيل] فقد أصبت من العزم والإرادة أكثر مما أتقنت من الدهاء والمكر، فماذا لو استعملت عقلك ومهارتك وأظهرت الطاعة للملك شيانزي وقمتَ على خدمته بكل تفانٍ، حتى إذا ما غمرك بعطفه وشملك بإحسانه، كنت أقرب إليه وأدل عليه من الآخرين وأصبحت — من ثم — أقرب إلى تنفيذ ما عقدت عليه عزمك فنلت منه أقرب طريق، وتحقق لخطتك النجاح على النحو الذي تريد.» وإذا ﺑ «يوارنغ» يُجيبه ساخرًا: فهكذا، إذن، أنتقم للرجل الكريم الذي غمرني بعطفه وإحسانه من رجلٍ آخر أكثر كرمًا وشرفًا وإحسانًا، تلك إذن هي الطريقة المثلى كي أثأر للسيد الأول من السيد الثاني، إن ما تقترحه عليَّ لا يختلف كثيرًا عما يلجأ إليه المُنتهكون لمواثيق سادتهم، والمخربون والمجرمون في حق أولياء النعمة عليهم، واعلم أن السبب الذي يدفعني ويدفع أمثالي فيما انتويته هو تبيان للمسلك القويم الذي يتأسس على الحق والعدل في العلاقة مع الملوك والوزراء، وربما كنت متخذًا في تحقيق ذلك أصعب الطرق والأساليب، لكن المسألة، هنا، لا تتعلق بالصعوبة أو السهولة وإنما بمشروعية المبدأ وأصالته هذا، وليس من المقبول أن أرفع لسيدي الهدايا وأقسم له على الطاعة وأنذر روحي فداءً لحياته، بينما أحمل له بين جوانحي نية الغدر به، فذلك وفاء يستبطن نفاقًا وغشًّا، وإذا كنت أسلك في طريق وعر، وأتحيَّل حيلة أعسر من العسر فإنما أردت من وراء ذلك أن أُلقن درسًا لكل الخونة والمنافقين والمُرائين لأسيادهم على مرِّ الأيام والدهور، لعلَّهم يستشعرون العار والخجل.

الجزء الثاني من الفصل نفسه

فما هي إلا أيام حتى قام الملك شيانزي وخرج في بعض شئونه، فكمن له ويرانغ تحت أحد الجسور التي طالما عبر عليها في طريقه، فما درى به شیانزي وهو يقترب من الجسر إلا عندما أجفل جواده واضطرب بشدة، فصاح الملك من فوره قائلًا: «قلبي يُحدثني أن ويرانغ مختبئ ها هنا.» وأرسل أحد رجاله يتحسَّس له الخبر، فإذا هو قد قبض على ويرانغ وأحضره إليه، فلما مثل بين يدَيه، عاتبه الملك عتابًا شديدًا، قائلًا له: «أما كنت قد قمت على خدمة أسيادك من بني فان وآل تشونهان؟ فماذا فعلت إذ نكَّل بهما مولاك جيبو وقضى عليهما بعد أن أعمل فيهما السيف وأنزل بهما الدمار، فلماذا لم تنتقِم لأسيادك حينئذ؟ بل الأدهى من ذلك أنك جنَّدت نفسك لخدمة جيبو، قاتل ولاة أمرك من قبل، ففيمَ إيثارك للرجل بكل هذا التذكار والعرفان، وهو قد مات وشبع موتًا، مثل الباقين؟» فأجابه ويرانغ قائلًا: «صحيح أني خدمت آل فان وتشونهان من قبل، لكني لم أكن عندهما سوى عامل كباقي العاملين عندهم، وبالتالي فقد تصرفت حيالهما مثل الآخرين، وما كانوا قد آثروني بشيء لأرده لهم على نحو خاص، فلم يختصوني بجميل ولا عاهدوني بفضل أو مأثرة كي أنتقم لهم دون غيرهم، لكن جيبو عرف لي قدري واتخذني لديه وزيرًا كما يتخذ السادة العظماء أمراءهم ورجال دولتهم؛ ولذلك فقد كان لزامًا عليَّ أن أقتص لموته، كما يقتص الوزراء لسادتهم وذوي الفضل عليهم.» فتنهَّد شیانزي طويلًا ثم كلم ويرانغ بصوتٍ تخنقه العبرات: «وا آسفا عليك أيها الرجل! قد قضيت على نفسك بعد أن خلدت اسمك في الخالدين فما عدت لأعفو عنك ثانية بعد أن سامحتك آنفًا، فانظر ما أنت صائر إليه وتأمَّل أحوالك؛ إذ لن يعود بإمكاني إطلاق سراحك.»

وأمر الملك رجال الحرس فأحاطوا به، فقال له ويرانغ: «كنت قد سمعت أن العاقل الحكيم لا يحول بين المرء وبين أن تذاع على الناس مآثره، ويُذكر له على الدوام محاسن عمله، هذا على الرغم مما هو معروف من أنه «لا يجتمع في امرئ الإخلاص والحرص على الشهرة.» وقد امتدحك الناس لسابق فضلٍ منك إذ عفوت عني في المرة الفائتة، ولا أذكر أنه كان من المتوقع أن يخترط جسدي بسيوف جنودك إثر ما وقع اليوم من وقائع، وأن ألقى في الحال جزاء فعلتي؛ ومع كل ذلك، فلكم تمنَّيت أن تأذن لي بقطعةٍ من ثيابك فأغمد فيها السكين، فأموت هانئًا وقد وفيتُ بعهدي فأفرغ قلبي من البغض لك والتحامُل عليك، وما كان ذلك هو مُبتغى جهدي في أول الأمر، لكني لا أملك الآن، إلا تلك الرغبة وقد صارحتك بما يعتمل في صدري.»

وتأمل الملك برهة، وعرف أن للرجل ذمة وشرفًا، فأرسل إليه بقطعة من ملابسه مع أحد العاملين، فأخذها ويرانغ، واستل مديته ووثب صائحًا بأعلى صوته وهو يقطع الثوب بحد السكين: «ألا هل وفيت بجميلك وأفضالك عليَّ يا سيدي جيبو؟» ثم طعن نفسه ومات منتحرًا، فلمَّا انتشر خبر موته، في ذلك اليوم، بين العاملين في القصر فقد غلبهم التأثر وترقرق الدمع في العيون.

لمَّا طلب الملك أونهو من دولة جاو السماح له

تقدم الملك أونهو — حاكم دولة «وي» — إلى دولة جاو بطلب السماح له بعبور أراضيها؛ وذلك لمهاجمة (دولة) جونشان، وكان الملك ليهو — حاكم جاو — قد اعتزم الرد عليه برفض طلبه، فتقدَّم إليه جاولي [أحد المخططين السياسيين من آل جاو] وكلَّمه قائلًا: «قد جانبك الصواب يا مولاي، فتأمَّل إذا قامت دولة «وي» بمهاجمة جونشان، ثم عجزت عن هزيمتها واحتلالها، ألا تكون وي، حينئذ، قد نالها من الإرهاق ما يميل بكفَّتها في حساب القوة ويرفع سهم جاو ويُعزز من نفوذها ووزنها؟ وهب أن دولة وي انتصرت على جونشان، فهي لن تقدر على تجاوز تلك المسافة لتبسط نفوذها فوق جونشان عبر أرض جاو، وهذا معناه أنه إذا كان الجيش جيش «وي» والحرب حربها، إلا أن الفائز بالغنيمة هو «جاو» نفسها: فالأفضل أن تجيب «وي» إلى طلبها، لكن حذارِ من أن يبدو الاغتباط عليك وأنت تُوقع على الموافقة فإذا بدت عليك السعادة، فسوف يتضح للناس غرضك ونواياك المُبيتة لاستغلال قواتهم لما فيه مصلحتك، فيحجمون عن الهجوم وتضيع عليك ثمار الفوز، ومن ثم فإني أقترح عليك أن تُوافق على طلبهم؛ بحيث تبدو أمامهم كمن ألجأته الظروف القاهرة إلى الموافقة رغم أنفه.»

لمَّا قامت تشين وهان بتطويق دولة ليانغ

قامت كل من دولتي تشين وهان بتطويق ومهاجمة دولة ليانغ، فهبَّت لنجدتها كل من يان وجاو، فذهب إلى الوالي «شان يانجون» من قال له: «(اعلم) أنه إذا انتصرت تشين على الدول الثلاث، فسوف تخترق أرض جو وهان للاستيلاء على أرض ليانغ؛ أما إذا كانت الغلبة للدول الثلاث على تشين، فإنها جميعًا وعلى الرغم من عجزها أن توقع ﺑ تشين هزيمة ساحقة فسوف تتمكن من مهاجمة واحتلال أرض «جنغ» وأرى، من الأفضل لما فيه مصلحة هان، سرعة التحالف. مع الدول الثلاث لمهاجمة دولة تشين.»

لمَّا شيد الوزير لنفسه قصرًا عظيمًا

أمر الوزير «فوجي» [أحد الوزراء العظام بدولة جاو] بتشييد قصر عظيم ليقيم فيه، فأسرع الوزير «شينغ كان» بإبلاغ هذا الأمر إلى جلالة الملك، (فاستدعى جلالته فوجي إليه) فقال له: «ما السبب الذي دعاك إلى بناء القصر الشامخ؟» فأجابه فوجي، قائلًا: «إني، يا مولاي، وبرغم مكانتي ومرتبتي الاجتماعية الفائقة، أقيم في مكان بعيد (في مسكن مؤجر!) وذلك لتواضع المُخصصات المالية الممنوحة لي، وكان الناس ينظرون إليَّ وأنا أقيم في بيتٍ ضئيل، وليس معي من الأهل والأقارب سوى عددٍ محدود جدًّا، فكان البعض يتهامسون قائلين: «ليس فوجي بالرجل الذي يؤْبَهُ له ولمكانته، ولا وزن له في الأحداث والشئون الجارية مع أني موضع ثقة جلالتك، وواحد من رجالك المسئولين؛ فلهذا شيدتُ دارًا عظيمة، لعلي أحوز بها ثقة الناس وتقديرهم.» فاستحسن الملك إجابته.

لمَّا ذهب سوتشين إلى «لي توي»

ذهب سوتشين إلى «لي توي» (ليعرض عليه «بضاعته» من الخطط السياسية)، وقال له: «أنا سوتشين، المولود في «شوانلي»، من أعمال لويانغ، ابن أسرة فقيرة، قاست شظف العيش والحرمان، وقد طعن الآباء في السن، فلم نجد من نلتجئ إليه أو نلتمس عنده ما يسد الرمق وقد جئتك أجرُّ عربة ذات عجلات خشبية متهالكة، إذ لم أجد فرسًا ولا فارسًا، وفى يدي حقيبة من القش، وحول ساقي رباط، (ليشتد الخطو عبر مراحل السفر والطريق) وقد انحنيتُ سائرًا وكتبي على ظهري. وفوق كتفي جُوالِق أودعته أمتعتي، وظللتُ ماشيًا تنهال عليَّ عواصف التراب، ويلفحني البرد والريح، حتى عبرت النهرين: «جانغ» و«خه»، ولم أتوقف خلال الرحلة إليك، فتشققَتْ مني الأقدام، وبعد مسيرة أيام طوال وجدت نفسي أمام بوابة قصرك، فمنَّيْت النفس بلقائك، كي أحدثك حديثًا عن أحوال الممالك.» فقال لي توي: «فأهلًا بك إذا كنت ستحدثني بأمر من أمور الجن والشياطين، أما إذا أردت أن تكلمني عما يتصل بدنيا الإنس وشئون البشر، فهذا أمر أعرف عنه ما يكفي ويزيد.» فرد سوتشين بقوله: «ما جئتُ أزورك إلا لأفاتحك بالكلام في شئون الجن والعفاريت، وليس في جعبتي شيء يختص بأحوال البشر.» فرحَّب به لي توي وأدخله عنده، فقال له سوتشين: «ما كدت أصل باب المدينة حتى كانت السماء قد أظلمت ظلمة الليل، فأغلقت الأسوار أبوابها، فأردتُ أن أبيت على بساطٍ من الحصير فما وجدت شيئًا منه، فما وسعني إلا أن أبيت في أرض يملكها أحد معارفي، وكان إلى جوار الأرض بستان أشجار كثيفة، فلما انتصف الليل، تراءى لي تمثال من الطين يتحدث مع تمثال من الخشب وكان يقول له: «على رِسلك … لست في شيء مما تظنُّه بنفسك، وأين أنت مني، فأنا من طين، لا أعبأ بعواصف الريح والمطر، فإذا اجتاحتني السيول فما عليَّ من شيءٍ سوى أني إذا جرفَني التيار وحطم جسمي، فسأعود ثانية إلى الأصل الذي منه التأم كياني؛ أما أنت فلستُ إلا مجرد غصن جاف (بل إنك لم تكد حتى أن تبلغ مكانة الجذر العريق المُمتد في باطن الأرض) فإذا عصفت بك العواصف، فسوف تلقي بك في مجرى تيار نهر جانغ السابح جهة الشرق، نحو البحر الأعظم، حيث تتشرَّد في الآفاق بغير مأوى تصير إليه.» وأظن، يا سيدي أن التمثال الطيني على حق، بل هو (الفائز في تلك المناظرة). فلئن كنت تريد القضاء على الملك الوالد وقطع دابر حاشيته، لكي تخلفه على العرش، فأنت كمن يجعل البيض في كومة كبيرة متراكمة تكاد تتداعى فتتحطم كلها معًا، (وإني قائل لك نصيحة) فإن أخذت بقولي نجوت، وإلا فأنت وشأنك.» فعندئذٍ قاطعه لي توي قائلًا: «(أراك قد تعبت ونال منك الجهد) فاذهب الآن إلى مبيتك واسترح، وموعدنا في الغد.» فقام سوتشين وخرج.

الجزء الثاني من الفصل نفسه

وجاء إلى «لي توي» أحد مستشاريه، وقال له: «قد علمت ما دار بينك وبين سوتشين من حوار؛ إذ تابعت لقاءكما من وراء حجاب وأرى أن الرجل ذا علم ومعرفة واسعة، وعلى دراية تامة بفنون الإقناع والجدل والمناظرة، فهل اقتنعت بشيءٍ مما قال، أو هل فهمت شيئًا مما تحدَّث به إليك؟ فلما رد عليه لي توي بالنفي، قال له مستشاره: فإذا جاء ليتكلم معك في المرة القادمة فانتبه جيدًا إلى مقالته، فإن لم تفهم منه شيئًا، فأرجوك أن تضع أصابعك في أذنيك وتحكم غلقها جيدًا لئلَّا يبلغ مسامعك شيء من حديثة.»

فلما حضر إليه «سوتشين» في اليوم التالي وتحدث إليه طويلًا وظل سحابة النهار يتكلم إليه في مسائل شتَّى حتى آذن اللقاء على الانتهاء، وحان موعد الانصراف، جاء المستشار ليصحب سوتشين مودعًا إلى باب الخروج، فقال له سوتشين: «أعجب لهذا الأمير الذي حدثته بالأمس حديثًا مبهمًا مليئًا بالألغاز وجدته مدركًا فاهمًا مغزى كلامي، فإذا كلمته اليوم في موضوعات أيسر فهمًا وأكثر وضوحًا، وجدته متبلدًا ساكنًا كأنه لم يسمع مني كلمة واحدة، ولا أدري السبب في هذا التبدل الغريب!» فأجابه المستشار، قائلًا: «قد عرضت عليه خطة صعبة، يتعذر عليه الأخذ بها؛ ولهذا فقد كنت أنا الذي رجوته أن يسد أذنَيه عند لقائه بك، ورغم هذا فسوف أطلب إليه أن يبذل لك نفقةً سخية إذ تأتيه في الغد.»

وفي اليوم التالي، التقى سوتشين بالأمير وتحدثا في جوٍّ مفعم بالود، وأهداه لي توي الحجر الكريم (المُسمى ﺑ «القمر الوضَّاء») وياقوتة (تُسمى «الجدار العائلي الكريم») وجُبَّة من فراء السمور وألفَي ليانغ من الذهب [نحو مائة كيلوجرام]، فأخذها سوتشين ليُنفق منها على شئونه، ثم إنه توجَّه غربًا نحو دولة تشين.

لمَّا تحالفت جاو مع باقي الممالك استعداد لمهاجمة

تحالفت جاو مع باقي الممالك استعدادًا لمهاجمة دولة تشي بتلك القوة الكثيفة؛ وأرسل سوتشين إلي هوين، ملك جاو، كتابًا [يدافع فيه عن موقف تشي] يقول له فيه: «قد بلغني يا مولاي أن الخصال الكريمة للملوك الحكماء، فيما مضى من العصور القديمة، لم تكن تنتشِر من خلالهم لتعم الديار كلها، وتفيض على رعاياهم، ولا كانت مواعظ الرحمة وتعاليم العدل تسري في نفوس الناس جميعًا، ولا حدث، ولو مرة واحدة، أن كانت القرابين والأضاحي المهداة إلى المعابد سببًا في استجلاب رضا الأرواح من عالم الغيب، بل لم يهبط على الناس من علياء السماء سوى ندى شهي المذاق، ولا جاءت من لدن الغيب إلا الريح والمطر في أوقات معلومة (فعمرت الأرض بالخيرات)، وحصد الزراع حصادًا وفيرًا؛ فامتلأت الحواصل بالحبوب والغلال، وانشرحت صدور الناس عندئذٍ، فكان ذلك كله سببًا في عموم الرخاء والسعادة والرضا، إلا الملوك؛ إذ تكدرت خواطرهم لعجزهم عن أن يعطوا الناس كعطاء السماء، وجلالتك أيضًا مثل أولئك الملوك؛ لأنك إذ تعجز عن أن تقدم نفعًا ماديًّا ملموسًا، فإنك بدلًا من ذلك تقعد حزينًا، وتمتلئ نفسك بالقلق والتوتر والكراهية.

وإذا كان صحيحًا أن المراقب لقدراتك وطاقاتك، يلاحظ أنك لم تشتبك في قتال مع دولة تشين ولا حتى حاولت مهاجمتها، إلا أن الملاحظ أيضًا أن ما تحمله ﻟ تشين من ضغائن، وما تراكم في نفسك من الغضب والحنق عليها؛ يفوق كثيرًا ما تشعر به دولة تشي نحوها من كراهية ونفور. وقد أُتيح لي يا مولاي أن أنصت كثيرًا إلى ما يُردِّده الوزراء، بل العامة والدهماء، في كل مكان، فوجدتهم مُتفقين على أنك كنت تتشبث دائمًا بوجهة نظرك القائلة إن تشين لا تحمل إليك سوى الحُب والتفاهم، على عكس ما تُضمره ﻟ تشي من النفور والكراهية. واسمح لي بأن أصارحك بأني تأملت تلك المسألة على ضوء الحقائق، وعلى نحو سِري مضمر [هكذا في المتن] واستغربت جدًّا وأخذت أتساءل: متى كانت تشين تشعر نحوكم بأي صورة من صور الحب والتفاهم، ومتى كانت تبغض دولة تشي وتنفر منها؟! فإنما الحقيقة هنا هي أن تشين تتَّخذ من تشي تُكَأة أو طُعمًا لاصطياد أرض دولتي جو الشرقية والغربية وابتلاع دولة هان؛ إلا إنها تشيع في الأسماع (حكاية) كراهيتها لدولة تشي، رغبة منها في إقناع دول الجوار بذلك، وهي تخشى ألا تُكلل جهودها، في هذا الشأن، بالنجاح، ثم إنها تتظاهر أمام دولتي وي، وجاو بالإغارة على دولة هان، وتفزع من أن تفيق الممالك والدويلات وهو الأمر الذي دعاها إلى الاقتراب من (موضوع) الهجوم على هان (بشيء من الحذر) بغية إزالة الشكوك التي رانت على قلب باقي الممالك؛ فمثل هذه الشكوك تعد أسوأ ما يمكن أن تواجهه من عقبات، فمن ثم أفرجت عن كل من كانت تحتجزهم في أرضها من الرهائن التابِعين لمختلف الممالك والدويلات إظهارًا للثقة، ولا تفتأ دولة تشين تُطلق بين الحين والآخر التصريحات الودِّية فيما يتعلق بكتلة الدول المتحالفة، على الرغم من أنها في واقع الأمر قد أقدمت على مهاجمة دولتي هان وجنغ، وحسب ما توفر لي من ملاحظات عميقة لخُطط دولة تشين، فإني أتوقع أن يكون كل ما تُدبره من حِيل (ودسائس) نابعًا وظاهرًا من تلك النقطة تحديدًا.»

الجزء الثاني من الفصل نفسه

«وبالإضافة إلى كل ما تقدم، فقد انتهت تقديرات وتصورات المُخططين (السياسيين) إلى (مجموعة من الأفكار) خلاصتها أن … «بعد أن قامت دولة هان بإبادة منطقة سانسوان وكذلك بعد أن أقدمت دولة وي على تخريب منطقة جيانغ — الكائنة بدولة جين — فقد أصبحت دولة جاو بين براثن الخطر، وذلك حتى قبل أن تسقط منها مدينة «تساو».

هذا مع العلم بأن طابع مثل تلك الأمور كان ينطوي دائمًا أبدًا على حقيقةٍ مفادها أنه … «قد تتباين وتختلف أنماط المخاطر وراء واجهة واحدة من المواقف ذات الطبيعة المشتركة، وقد يحدث العكس … إذ تتشابه أو تتماثل صور الخطر بينما تختلف المواقف والظروف.

وقد تعرضت دولة تشو في قديم الزمان لغزوات مُتكررة، على مرِّ السنين والأيام من جانب الدويلات المُختلفة (فلم تنل منها كل تلك الغزوات شيئًا … سوى أن دولة جاو انتهزت الفرصة وانقضَّت على منطقة تشون شان فأنزلت بها دمارًا ساحقًا فكان ذلك نموذجًا واحدًا للخطر بين مواقف مُتعددة من التهديدات المُتعاقبة وها هي ذي دولة وي قد استطاعت اليوم الاستيلاء على الجانب الشمالي من دولة تشي، فيما يقدر بثلاثمائة لي تمتدُّ من منطقة شاتشيو إلى بلدة جيولو عند الحدود الشمالية، (بالإضافة إلى جزء آخر من الأرض) يمتدُّ بمحاذاة المنطقة الحدودية في الشمال مسافة ألف وخمسمائة لي من منطقة هانكوان إلى يوتشون (هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى) فقد قامت دولة تشين باحتلال كامل أراضي دولة هان، ومنطقة «شانتانغ» بدولة «وي» مما مكنها أيضًا من أن تبسط نفوذها على جزء ملاصق لحدودها مع دولة جاو، وهو جزء تبلغ مساحته سبعمائة لي، واستطاعت تشين أن تحشد عددًا هائلًا من فرسان ومقاتلي الدول الثلاث لتحصن بهم منطقةً لا تكاد تبعد كثيرًا عن هاندان [إحدى أهم عواصم الدويلات] إذ كانت تبعد عنها مسافة مائة وعشرين لي تمامًا.

ولم تكتفِ تشين بذلك، بل قادت جيوش الدول الثلاث لمهاجمة منطقة شانتانغ مما جعل تخومها الشمالية عرضة للخطر، بل نتج عن هذا الهجوم أيضًا أن صارت الأراضي الواقعة غرب جبل «جيوجو» خارج سيطرة حاكم البلاد، وهكذا (فقد أصبح بإمكان تشي) إغلاق طرق المواصلات عبر ممرات جبل «تشانغ شان»، وهي أرض تمتدُّ حتى منطقتي «تشيوني»، و«تاندي» — داخل حدود دولة يان — بمسافة تبلغ ثلاثمائة لي — وهو ما يعني أن جياد كل من «دايدي» و«هودي» لن يمكنها التوجه شرقًا لجلب الجواهر من تلال كونشان، ويعني أيضًا أن جلالة الملك (في ذلك البلد) لن يعود بإمكانه الحصول على ما يشتهي من الأحجار الكريمة ولا أن يمد سيطرته فوق تلك المنطقة الغنية بمواردها.

وكل ما أخشاه، يا سيدي، هو أن يكون اتِّباعك لدولة تشين، وسيرك على إثرها في معركتها الطويلة مع دولة تشي، سببًا في جر الويلات عليك.

كان حكام الدول الخمس الكبرى — فيما مضى — [الدول الخمس المشار إليها هي: تشين - تشي - وي - هان - يان] قد عقدوا النية على مهاجمة دولة جاو، بموجب ميثاق التحالف القائم بينهم، واتفقوا على تقسيم أرضها فيما بينهم إلى ثلاثة أجزاء، وعقدوا اتفاقًا رسميًّا لتوثيق ذلك التقسيم، وكتبوه على أوعية من النحاس والبرونز، وأقاموا على شرف الاتفاق وليمة كبرى، امتلأت فيها الكئوس وعمرت الأقداح للشاربين، فلما حان خروج قوات التحالف للقتال، سارعت قوات دولة تشي بالتقدم جهة الغرب فأوقفت تحركات دولة تشين ومنعتها من التقدم ونزعت عنها قلادة السيادة فوق الممالك وأجبرتها على إصدار قرار ينفي عن حاكمها التلقُّب «بالإمبراطور» وأن يرتدي جنودها الثياب البيضاء (علامة التكفير عن الأخطاء) وعلامة الخضوع والإذعان وأرغمتها على إعادة الأقاليم الثلاثة: «أوندي» و«جيدي» و«كاوبين» إلى دولة وي، وإعادة إقليمي «سانقون»، «شي تشين» إلى دولة جاو، وهو أمر تعرفه جلالتك تمام المعرفة.

ولا أتجاوز الحق إذا قلت إنه يجب على دولة تشي أن تبذل لدولة جاو ما تستحقه من الإجلال والاحترام والتقدير على النحو الذي ينبغي أن تقوم عليه العلاقات مع الدول ذات الشأن، ومع ذلك فإن الطرفين يستبدلان ذلك بتوجيه الاتهامات وإنذارات القتال، وأخشى يا مولاي، أن يكون مثل هذا الحال سببًا في إحجام المزيد من الدول عن توطيد العلاقات معك في المستقبل، أما إذا بادرت الآن إلى التحالف مع تشي، فسوف تقدر لك الدويلات هذا الصنيع وترى فيك سمات العدل والرحمة مما يسهل على تشي أن تدعو باقي الممالك إلى الوقوف وراءك صفًّا واحدًا والعمل على رفعة شأنك بمزيد الاحترام والتقدير والإكبار؛ وإذ يتأكد لدى تشي صدق وأصالة تَمسُّككم بالرحمة والعدل، فسيكون من دواعي فخرها أن تُقلدكم قيادة عرشها المجيد، (أما أن تتوقع في الوقت الحالي) أن يصدر عن تشي — وهي دونكم ودون مرتبتكم المعروفة بين الأمم — أية أعمال تنمُّ عن البطش والصلف والهمجية فهذا غير وارد بالمرة، إذ إنكم تستطيعون إيقافها عند حدودها بقوتكم وقوة التحالف القائم بين الدويلات.

فهذه، إذن، مقادير هذه الحقبة من التاريخ، وأقدار عهد من العهود قد صارت بأيديكم وتحت سلطانكم، فأرجو تاج عرشكم العظيم التشاور مع مساعديكم بمزيد الدقة والاهتمام فيما أعرضه عليكم من خطط ومراجعة ما تنطوي عليه من صحة المنطق أو فساده كدأب كل مراجعة مُستفيضة لكل عمل من الأعمال والإنجازات الناجحة.»

لمَّا قامت دولة تشي بالهجوم على دولة سونغ

قامت دولة تشي بالهجوم على سونغ، (فلما دُعي الملك فن يانغ [لقب آخر ﻟ «لي توي»] للمشاركة في الهجوم) ققد تراجع وأعلن رفضه للزج بنفسه في هذا المعترك، فذهب إليه أحد أصحاب الخطط والمشروعات (السياسية) قائلًا له: «قد بلغت سن المشيب، ولمَّا تحصل على إقطاعك المقسوم لك، فلا بد، إذن، من أن تتروى في التفكير، وتتأمل الأمور باستفاضة:) فانظر إلى أحوال الدول الماثلة تجد ما يلي: إن دولة تشين قد أعماها الطمع والجشع فلا يشغلها سوى السلب والنهب، ودولتي وي، وهان، تقعان على حافة الخطر، أما يان، وتشو، فمنعزلتان عن باقي الممالك، وبالنسبة لدولة جونشان، فهي لا تملك إلا أرضًا قاحلة مُجدبة، فإذا تأمَّلنا أحوال دولة سونغ، وجدناها مثقلة بمشاعر الإثم والذنب (في حق الجميع) أما دولة تشي، فغاضبة وحانقة، يتطاير من عينها شرَر العدوان.

ومن ثم فإن الهجوم على دولة سونغ — خصوصًا وهي تُعاني الارتباك والاضطراب في الوقت الراهن — خليق بأن يضمن لك الحصول على إقطاعك المأمول، هذا بالإضافة إلى ما سيغدقه عليك من شعور دولة تشي [القوية، ذات النفوذ]، فهذه فرصة لا يجود بها الزمان كثيرًا.»

لمَّا تحدث الملك تشاو إلى قون تسيتا

تحدث الملك تشاو — حاكم تشين — إلى [أخيه الشقيق] قون تسيتا، فقال له: «كانت دولة هان، إبان معركة شياوشيا، في العام الماضى تترأس قلب الهجوم، ثم إنها تحالفت مع باقي الدويلات وجاءت لتضرب بلادنا [تشين]، وكانت هناك منطقة مشتركة بيننا على الحدود تبلغ مساحتها (في الجانب الخاص بدولة هان) نحو ألف لي، (ولم يكن ذلك سببًا كافيًا لإقناعها) بالالتزام ببنود التحالف، إذ إنها كانت دائمة التقلُّب والتردُّد.

وتذكُر أنه … لمَّا نشب القتال، في الماضي بيننا وبين دولة تشو، في موقعة «لانتيان»، فقد سارعت دولة هان بإرسال نخبة مختارة من أفضل قواتها العسكرية لمساعدتنا، إلا أن نتيجة المعركة لم تكن في صالح تشين؛ فمن هنا تحولت عنا دولة هان وراحت تعقد تحالفها مع دولة تشو، مما يوضح أنها ليست بالبلد الذي يتمسَّك بوعوده، بل يلهث وراء مصلحته الذاتية دائمًا؛ لذلك فهي تمثل الخطر الدفين على بلادنا، وهو الأمر الذي يدعوني إلى الاستعداد لمنازلتها، فما رأيك في هذا؟» ورد عليه قون تسيتا، قائلًا: «إذا دفعت بقواتك تجاه دولة هان، فهذا كفيل بأن يُثير في قلبها الرعب، فإذا استطعتَ أن تُثير لديها تلك المشاعر حقًّا، فلن تحتاج إلى النزال معها، بل ستتمكَّن — بمنتهى السهولة — من اقتطاع ما تُريده من أراضيها.» فاستصوب الملك تشاو رأيه، وقام بتحريك قواته، فدفع أحد جيوشه للاقتراب من منطقة «شين يانغ» بينما أمر الجيش الآخر بالتقدم نحو إقليم «تايهانغ».

الجزء الثاني من الفصل نفسه

استولى الفزع على دولة هان وأرسلت «يان تشن» [وزيرها الأعظم] إلى دولة تشين، لتقديم الاعتذار اللائق، ومحاولة عقد مصالحة معها، بل عرضت عليها التنازل لها عن أرض شانتانغ، ولم يكتف الملك «هوان هوي» حاكم هان بذلك، بل أرسل أيضًا يان تشنغ إلى «جين هوانغ» محافظ إقليم شانتانغ ليبلغه بما مفاده «إن دولة تشين قد دفعت بجيشين من جيوشها لمهاجمة بلادنا وهو ما يمكن أن يعني إزالة هان من الوجود، وبناءً على ذلك فقد أمرنا، نحن ملك هان، بإرسال حملة عسكرية (إلى ساحة المعارك) [على أن تقوم، من ناحية أخرى وبالتزامن مع تعبئة القوات] بإهداء منطقة شانتانغ إلى دولة تشين، سعيًا للسلم وعقد التصالُح معها، وقد تم إيفاد رسولنا إليكم بهذا الغرض لعمل اللازم [حرفيًّا: لتقوموا — بصفتكم محافظ الإقليم — بإتمام عملية التسليم]، فأجاب جين هوانغ بقوله: «هناك مثلٌ سائر يُردِّده الناس، مفاده … «مهما بلغت سذاجة المرء، فليس له أن يُعِير الناس الأطباق التي يأكل فيها طعامه.» وللملك بالطبع أن يصدر أوامره بتعبئة ودفع القوات، ولكن من حقي أن أمارس سلطتي بوصفي محافظًا للإقليم، أقول هذا ولا أُبالي بما قد يثور في نفسك، أو في نفس جلالته من الشكوك بشأن قراري وموقفي هذا، فقط لي رجاء واحد، وهو أن يتم دفع كامل القوات للتصدي لهجوم تشين، فإذا لم تتمكَّن من الثبات في وجه تلك الهجمة الشرسة، فلن أتوانى عن أن أبذل روحي دفاعًا عن الوطن.»

وقام «يانغ» بإبلاغ جلالته بكل ما دار بينه وبين محافظ الإقليم، فردَّ عليه الملك قائلًا: «كنت قد عقدت اتفاقًا (بشأن هذا الموضوع) مع النبيل «إينخو»، فإذا نكصت عن اتفاقي الآن، فسيُعَد ذلك خيانة وخداعًا له.» وهكذا فقد أوفد الملك، من جهته، المدعو «فينغ تين» ليحل محل «جين هوانغ».

الجزء الثالث من الفصل نفسه

وقام «فينغ تين» على حماية الإقليم مدة ثلاثين يومًا، (إلا أنه راح يراسل ملك جاو سرًّا) وأرسل إليه يقول له: «لم يعُد في مقدور دولة هان الاحتفاظ بإقليم شانتانغ، بل إنها ستضطر إلى التنازل عنه لدولة تشين، غير أن أهالي الإقليم لا يرغبون أن يُصبحوا ذات يومٍ يجدون أنفسهم فيه من رعايا تشين، بل إنهم يتمنَّون أن يصيروا من رعاياكم المُخلصين، ومن الجدير بالذكر أن إقليم شانتانغ، بوصفه واحدًا من الولايات الكبرى، فهو يتكون من سبع عشرة محافظة، وإننا لنرجو أن نهديكم هذه المنطقة، وكلنا أمل في أن تسارع جلالتكم بإصدار قراركم بهذا الشأن، وكاد الملك يطير من شدة سعادته لِما بلغه في تلك الرسالة، واستدعى [أخاه الشقيق] «بين يانغ» وقال له: «بلغني أن دولة هان لم تعُد تستطيع الدفاع عن ولاية شانتانغ، ولذلك فسوف تُهديها إلى دولة تشين، لكن المشكلة تكمُن في أن أهالي الإقليم لا يريدون أن يصبحوا من رعايا هذه الدولة، بل يرغبون في أن يكونوا من رعايانا نحن، وها قد أرسل إليَّ «فينغ تين» مبعوثًا يعرض عليَّ قبول الحصول على الإقليم، فما رأيك؟» فأجابه أخوه جاوباو [لقب آخر للمدعو «بين يانغ»] قائلًا: «قد بلغني أن الحكماء القديسين يعدون «الجائزة التي ترد على المرء بغير سبب مفهوم» إيذانًا بحلول المصائب.» فقال له ملك جاو: «من قال لك إنها جائزة بغير سبب، أما قد علمت أن الناس يرغبون في أن يكونوا رعاياي، امتنانًا وشوقًا نبيلًا (لمن يجدون عنده النعمة السابغة)؟» فأجابه جاوبار بقوله: «إن تشين الآن بصدد الاحتلال التدريجي لأرض دولة هان، ولا بد أنها ستقطع خطوط المواصلات التي تربط بين شانتانغ وباقي أراضي هان، على النحو الذي يعوق وصول العون والإمداد إليها، ولذلك فإن تشين تثِق في أنها ستحصل على الإقليم (إن عاجلًا أو آجلًا) دون أن تحرك ساكنًا (هذا من ناحية، وأما من ناحية أخرى …) فإن السبب الذي يدعو دولة هان لكي تتنازل لك عن إقليم شانتانغ، يكمُن في أنها تسعى بكل وسيلةٍ لتفادي ما يمكن أن تلقاه من مخاطر تتعلق بهذا الإقليم وذلك بإلقاء تبعة ما يجلبه من مشاكل عليك وحدك؛ فتكون دولة تشين هي التي ذاقت مرارة الهجوم على الإقليم، في حين تجني دولة جاو أشهى ما يجلبه عليها من ثمرات ومنافع من دولة صغرى، فكيف نصدق أن دولة ضعيفة يمكن أن تستحوذ على كل المنافع لنفسها من بين براثن دولة كبرى على درجة بالغة من القوة؟ وهل تقتنع جلالتك، حقًّا، بأن هناك أسبابًا مفهومة لحصولك على منطقة شانتانغ؟ وهل تستطيع (في سبيل الحصول على تلك المنطقة) أن تُحارب تشين لتحصل منها على شانتانغ، بعد إذ حرثت أرضها وبذرت فيها الزرع وجعلت من مياهها مئونة لجيوشها المقاتلة، وأقامت لجنودها في كل شبر منها المتاريس والحصون وصفوف الجنود المتراصَّة، وأدارت شئونها الحكومية بنظام قانوني صارم ولوائح منضبطة سيرت بها أمور الحياة على نحو أكثر سلاسة ومرونةً ونظامًا؟ كلَّا، بل يحتاج الأمر منك يا مولاي المزيد من التأمُّل والمراجعة.» وهنالك استشاط جلالته غضبًا، ورد عليه بقوله: «إنني بعد كل تلك السنوات الطويلة التي خضتُ فيها معارك وحروبًا بقواتٍ يزيد عددها عن المليون مقاتل، لم أكسب مدينة كبرى ولا إقليمًا بمثل هذه الضخامة، وها أنا اليوم، أحصل على سبع عشرة مدينة دفعة واحدة، بغير حرب ولا قتال، فكيف أرفض هذا العرض؟» وعندئذٍ قام جاوباو، وتنحَّى عن مجلسه وخرج.

الجزء الرابع من الفصل نفسه

وأرسل ملك جاو في استدعاء جاوشن [لقب آخر للمدعو «بين يوان»] و«جاويو» [وزير عظيم بدولة جاو] وقال لهما: «بلغني أن دولة هان لم تعُد تقدر على حماية منطقة شانتانغ، حتى إن محافظها أرسل إليَّ يعرض تسليمها لنا على سبيل الهدية، (وللعلم) فإن تلك المنطقة تتكوَّن من سبع عشرة مدينة.» فأجابه كلاهما بقولهما: «قد طالما قمتَ على رأس قواتك وحاربتَ الحروب الكثيرة، لكنك لم تفُز بمدينة واحدة (من بين ما حاربت من المدن) ثم إذا بك تجد ذلك المُلك العريض والعدد الهائل من المدن ينتظِر إشارةً منك، وأنت جالس مكانك، لكي تتولَّى زمام السيطرة عليه، فذلك إذن، من علامات الخير الطائل والحظ السعيد.» وهكذا، أوفد الملك جاوشين لاستلام الإقليم المذكور.

فلمَّا انتهى جاوشين في رحلته إلى ذلك الإقليم، تحدث (إلى المسئولين هناك) قائلًا: «جئتُكم موفدًا من قبل حاكم جاو، فأنا وزير جلالته إليكم، وأُدعى «جاوشين»، وقد بلغتنا دعوة الوالي الكريم وإذ أوفدني الملك لمقابلة حضرتكم، فائذن لي أن أقول لكم ما يلي: «إننا نعرض عليك التكرُّم بقبول (إنعامنا عليك) بإهدائك مدينةً ذات ثلاثين ألف نسمة، كما نرجو تسليم وكيل الإقليم مدينة يبلغ تعدادها (ألف عائلة) على أن يجري ترقية كل الموظفين ثلاث درجات اجتماعية دفعة واحدة، والتكرم على العائلات (التي تقدر على حشد أفرادها في مجموعات كبرى) [هكذا في المتن] بدفع ما مقداره مائة وعشرين وزنة من الذهب لكل عائلة.» وهنالك أطرق «فينغ تين» برأسه وسالت دموعه على وجنتَيه وأخذ يقول: «قد أوقعت نفسي في ثلاث مثالب مُزرية وشائنة … أُولاها: أني عجزت عن أن أبذل كل جهدي (حتى الموت) دفاعًا عن الإقليم الذي أُنيطت بي مهمة الحفاظ عليه، وتخاذلي عن واجبي حين قررتُ التنازل عنه للآخرين، وثانيتُها: أني أهديت أرض الإقليم إلى دولة جاو مخالفًا بذلك الملك حيث طلب تسليمه إلى دولة تشين، وثالثتُها: التفريط في أملاك جلالة الملك والاستيلاء على خراجها.»

ثم إنه رفض، بأدبٍ جم، العرض السخي الذي تقدمت به إليه دولة جاو، وأرسل إلى ملك هان، يقول له: «لمَّا بلغ دولة جاو عجز هان عن الاحتفاظ بإقليم شانتانغ بين أيديها، فقد حركت قواتها واحتلَّت أرض الإقليم.» وأرسلت دولة هان إلى تشين كتابًا تقول فيه: «قامت دولة جاو بدفع قواتها واحتلت إقليم شانتانغ.»

فاستشاط ملك تشين غضبًا ووجَّه أمره إلى «بايتشي» [قائد الجيش] و«وانخي»: بسرعة إعداد القوات والتوجُّه بها للاشتباك مع جيش جاو في عقر داره [حرفيًّا: في قرية تشان بين داخل حدود جاو].

لمَّا ذهب سوتشين موفدًا من قبل ملك جاو

ذهب سوتشين إلى دولة تشين، موفدًا من قبل ملك جاو، فلما عاد أدراجه إلى جاو. بقي ثلاثة أيام في انتظار مقابلة جلالة الملك بغير طائل، فلما التقى بجلالته قال له: «كنت قد مررت في طريقي، منذ زمان بعيد، بجبل «تشو» فشد انتباهي منظر شجرتين هناك، وكانت إحداهما تنادي على صاحبتها، بينما كانت هذه تبكي بصوت أسيان يثير الشجن، فسألتهما عن أحوالهما وسبب تلك الظواهر التي اعترتهما [… الأولى تبث رفيقتها لواعِجها، والثانية تبكي حَر البكاء …]، فأجابت إحداهما قائلة: قد تقدمت بي السن ووهن العظم مني، ودبَّت الشيخوخة في أوصالي، واشتدَّ بي الذُّعر لمَّا رأيت النجارين يرفعون الخيط والأوتاد وهم يقيسون جسدي بالأمتار والأشبار، ويضعون علامات في أجزاء متفرقة من لحاء جسدي.» وصرَّحت الثانية بدفين مشاعرها، قائلة: «(لست خائفة مما تخاف منه رفيقتي) بل هو أكثر إيلامًا إذ يتَّخذ النجارون من جسدي مقابض وعُدَدًا وآلاتٍ يقطعون بها الأشجار ولشدَّ ما أبغض أن أجد نفسي جزءًا من يد مِثقاب، ينخر أجساد الشجر ويُفتت أكبادهم [حرفيًّا: إذ تثقب أجساد الشجر فيخرج منها نثار قلبها: نشارة خشبها] وها أنا ذا قد ذهبت موفدًا من قبلكم إلى دولة تشين، فلمَّا عدت ظللت أنتظر لقاءكم ثلاثة أيام بلياليها، فلربما كان هناك من يظنُّ أني مثل المثقاب الذي ينخر الأجساد ويُفتت كبدها.»

لمَّا قام كانماو بمهاجمة مدينة

قام كانماو بمهاجمة مدينة «إيانغ» التابعة لدولة هان، وذلك لمساعدة أهداف التحالف بين تشين ودولة وي، ثم توغل جهة الشمال، صوب دولة جاو، وهنالك تحدث «لن شيان مع تشيانقو [وزير عظيم بدولة جاو]، قائلًا له: «أرى أن أفضل ما يمكن أن تفعله دولة جاو الآن هو أن تقوم باعتقال كانماو، وتُحدِّد إقامته، تمهيدًا لعمل صفقةٍ بشأنه، مع كلٍّ من تشي وتشين، وهان؛ بحيث يطلب من تشي تقديم تنازُل عن الإقليم الذي تقطنه قبائل «هو» [تنطق كما في «الجمهور»] إذا كانت تريد أن يتم الضغط على دولة هان لكي تتنازل عن محافظتي «لو»، و«تشي» وقبائل توان، مقابل الحصول على مَوطئ قدم في مدينة إيانغ؛ وفيما يتعلق بالمساومات مع تشين فيمكن الاتفاق مع الملك «أو» حاكم تشين، على أن يتم تلبية طلبه في الحصول على مدينة إيانغ، بشرط أن يتخلَّى عن تمسُّكه الزائد بالمجوهرات والأحجار الكريمة [أي مقابل هدية سخية يُقدمها طواعية، من نفيس الدر والجواهر].»

وبالفعل، فقد أخذت دولة جاو بهذا الرأي و… قامت باعتقال «كانماو»، فأسرعت دولة تشين بتعيين كل من «كون صونهو»، و«تشوليجي» (في مناصب عُليا).

لمَّا ذهب إلى «بيشان كو» من قال له

ذهب إلى «بيشان كو» من قال له: «ما السبب في تعيين رجال من أمثال «جيان شينجوان» و«شيمن» [في مناصب حكومية عُليا] في وقتٍ يشهد ضعف وتهافت الأحوال داخل دولة جاو؟ (ولربما قيل) إن السبب في إسناد وظائف مهمة إليهم، يعود إلى براعتهم في إقامة خطة التحالف الرأسي [تحالف الدول الواقعة على محور رأسي ضد دولة تشين] (هذا مع العلم بأن دولة تشي ترفض قيام هذا التحالف، ثم إن جيان شينجوان يُدرك أن التحالُف الرأسي لن يُكتب له النجاح، فكيف يمكن إذن لرجل يعرف مقدمًا ما ينطوي عليه هذا التحالف من أسباب للفشل، أن يستخدمه في إيذاء أو تهديد دولة تشين؟ (وما دام …) يتعذَّر استخدام خطة تحالف متهافتة لتهديد تشين فلن يبقى أمام الرجل إلا أن يدفع بجيشه لمساعدتها (هي ودولة تشو) في هجومها ضد وي، لكي يقتسما معًا أراضي دولة تشي.

ذلك هو ما تفتق عنه ذهن جيان شينجوان، وآخر ما تبقى من عصارة أفكاره في تصور الحِيَل (السياسة). إن فشل كلٍّ من جيان شينجوان وتشون شن في إقامة التحالف الرأسي، يُمثل تهديدًا، أيضًا، لدولة تشين، كما أن النجاح في تقسيم أراضي دولة تشي، وتدمير دولة وي عن آخرها، يمكن أن يؤدي إلى عقد أواصر الصداقة والمودة مع تشين (فإذا كان الأمر على هذا النحو من الارتباك) فكيف يمكن القول إن جيان شينجوان وشيمن؛ يُجيدان تقدير ما هو ناجح أو فاشل من الوسائل، عند وضع خططهما [… فأين النبوغ والدهاء الذي يحلو نسبته إليهما!]»

لمَّا ذهب البعض إلى «بيشان كو»

ذهب البعض إلى بيشان كو، وقالوا له: «قد قامت دولة وي بإعدام قائد جيوشها (المدعو) «لولياو» ووقعت دولة ويه في براثن دولة تشين التي سلبتها منطقة «بيانغ» وبوقوع هذه المنطقة فقد تعرضت دولة وي لخطر شديد صار يجثم على أنفاسها، أما بالنسبة لدولة جاو، فسينالها خطر أشد هولًا وجسامة إذا لم يتم تحديد المنطقة الحدودية لإقليم «خيجان» التابع لها.

ومن جملة تكدُّر الأحوال أن الأمنيات التي ظل (رجل دولة عظيم مثل) ليوبوي، يحلم بتحقيقها، قد تبددت، وهو الأمر الذي أثار قلق الدول الثلاث: هان وجاو ووي، مما زاد شعور ليوبوي بالتوتر، وضاعف من هواجسه، إن الخزي الذي أصاب دولة وي (أمام الدول والممالك قاطبة) لم يتبدَّد، والهموم التي غاصت في قلب دولة جاو لم تزايلها.

كما أن إحجام دولة تشي عن الانضمام إلى دول التحالف الرأسي، أوجد إحساسًا عامًّا في الدول الثلاث، هان، ووي، وجاو، بالشك في إمكان قيام التحالف أصلًا. وكانت بعض من الدول التي أرَّقها الشعور بالقلق قد هرعت إلى الدخول في صفِّ دولة تشين دون سابق تخطيط جيد، بالإضافة إلى أن عددًا آخر من الدول التي انتابتها الشكوك في قيام التحالف الرأسي سارعت إلى العمل على التقرب إلى تشين.

وقد تم الاستقطاب بين دولتي «وي» وتشين قبل أن يجري توزيع حصص الأرض بينهما، وبادرت كلتاهما، بالإضافة إلى دولة تشو، بمهاجمة دولة تشي. ثم أقدمت تشين وحدها — ودون إشراك الآخرين معها — على ابتلاع دولة جاو، مما يعني أن دولتي تشي وجاو، لن تقوم لهما قائمة.»

لمَّا أهدى ملك جاو إقطاع المدينة

أهدى الملك «هوي أون» حاكم جاو. إقطاع مدينة «أوتشن» إلى منغ شان، فاستدعى هذا الأخير مُستشاريه وانتخب منهم عددًا ممن أوكل إليهم مهمة الإشراف على المدينة، فلمَّا حان وقت سفرهم لاستلام مهام العمل اجتمع معهم، وقال لهم: «أما سمعتم المثل السائر الذي يقول: «إن استأجرت عربة، فأسرع في قيادتها، وإن استعرت ملابس الناس، فاتخذها رداء فوق جسمك»؟» فردوا عليه بالإيجاب، فقال لهم «ومع ذلك فلست أوافق على الأخذ بنص هذا المثل؛ لأن الذين يستعيرون الملابس والعربات ليسوا سوى الأصدقاء والأقارب. وأرى أنه لا يصح أن يسرع المرء وهو يقود سيارة استعارها من إخوته أو أقاربه، ولا يليق أن يستعير قميصًا من أحد أصدقائه، ثم يستبقيه لديه ولا يعيده له.»

وأظن أن ملك جاو قد غاب عنه أني لستُ بالرجل المعروف بالفضل والحكمة، لكنه — مع ذلك — أهدى إليَّ مدينة «أوتشن»، فأرجو من الوكلاء الأفاضل الذين اخترتُهم للذهاب إلى المدينة أن يبذلوا كل جهدهم للحفاظ على الأمانة التي ستئول إلى أيديهم … فلا يقطعوا شجرة قائمة ولايهدموا منزلًا (وأن يتصرفوا على النحو الذي) يجذب انتباه الملك إلى تقدير خصالنا بطريقةٍ متوازنة وبوعي جديد يفطن إلى مزايانا وجدية إخلاصنا وحُسن نوايانا. وعلى الجميع أن يسلكوا، في أداء الأعمال بالحرص والتزام الحذَر البالِغ؛ بحيث نتمكن من إعادة الإقطاع إلى صاحبه، سليمًا صحيحًا، دون أن تمسُّه يد العبث والفساد (كأننا استعرناه منذ قليل).

لمَّا ذهب إلى حاكم جاو بعض الناس

ذهب واحد من الناس إلى الملك «أولينغ» [حاكم جاو، تولى العرش مدة سبعٍ وعشرين سنة من ٣٢٥ إلى ٢٧٨ق.م] وقال له: «(اعلم) أن في اتحاد الدول الثلاث، ضررًا بالغًا ﻟ (تشين)، مثلما أن تفرُّق كلمتهم يعود على تشين بالنفع، ويقوي مركزها، وهو أمر مفهوم وواضح لكل أهل الممالك، ثم إن تشين تستطيع — إذا تقاربت مع دولة يان — أن تغزو جاو، (أو …) أن تتقارب مع جاو فتهجم على يان، ثم يمكن ﻟ «تشين» أن تتحالف مع دولة ليانغ فتهاجم جاو، ثم تتحالف مع هذه الأخيرة لضرب دولة وي؛ وكذلك تقدر تشين أن تصادق دولة تشو ثم تهاجم دولة هان (أو …) أن تتقارب مع هان لضرب تشو. وتلك كلها موضوعات يفهمها الناس في شتَّى الدويلات والممالك بكل سهولة، وإذا كانت الدول الست الواقعة شرقي «هواشان» عاجزة عن عرقلة دولة تشين عن المضي قدمًا في طريق (ضم الدويلات إلى) التحالف الأفقي [التحالف القائم على محور أفقي ويضم الدول المجاورة المتاخمة ﻟ تشين، مقابل الدول الأخرى على الخط الرأسي]، فلأنها ضعيفة التسليح، ضئيلة القوة العسكرية، أضف إلى ذلك تفسخ علاقاتها البينية، وتفكك الروابط بينها، وهو أمر يبرز ذكاء وبراعة دولة تشين (في التخطيط السياسي) مقابل ما يصم الدول الست من غباءٍ شديد، هذه هي النقطة التي تُثير قلقي ومخاوفي بشأن موقف تلك الدول.

قد يقترب النمر من الفريسة، دون أن تشعر بخطورة تربصُّه بها، وقد يرقب النمر فريستَين تتقاتلان معًا حتى تتبدَّد طاقاتهما ويسقطان بعد أن يأخذ منهما التعب مأخذه، فتصيران غنيمةً للنمر الرابض؛ وهو الأمر الذي إذا عرف مغبته أي من المتعاركين، أدرك سوء العاقبة، فأمسك عن العراك، وقد أوشك قادة الدول الست أن يهلكوا جميعًا بعد أن طحنتهم المعارك، وكادت بلادهم تسقط في براثن تشين، فلا أظنهم قد بلغوا من الوعي والذكاء والبصيرة مثلما بلغت الفرائس من الوحش والبهائم، (فنصيبهم من الحكمة أدنى مما لدى الدواب السائمة)، وكل ما أرجوه من جلالتكم النظر في هذه الأمور ومعاينة دقائقها ومراميها.»

الجزء الثاني من الفصل نفسه

«وهناك الآن أمر على درجة بالغة من الخطورة، ألا وهو محاولة دولة تشين شن الهجوم على كل من هان، ووي، هذا بالإضافة إلى تطلُّعها الدائم جهة الشرق وتربصها بعرش آل جو [تنطق كما في «المانجو»] فهي لا تكاد تغفل عما تُدبره في تلك الناحية طرفة عين، ثم إن السبب فيما تقوم به دولة تشين في توجيه دفة الهجوم الآن صوب دولة تشو، في الجنوب، يعود إلى كراهيتها لقيام الوحدة بين الدول الثلاث، (ولنلاحظ) أن تشين قد احتلت مساحاتٍ شاسعة من الأراضى في السنوات الخمس الماضية، وهي الفترة التي أوقفت فيها هجومها ضد دولة تشي وأعفتها من الضرائب المُقررة عليها، بل قد أرسل ملك تشين لحاكم تشو، يقول له: سنرد على زيارتكم الكريمة لنا، بتوطيد أواصر الصداقة والأخوة بين بلدينا، وسنرد عنكم كيد دولتي هان، ووي؛ وذلك بمهاجمتهما، ودك حصونهما، واستعادة أراضيكم المسلوبة من بين براثنها.» مما أوقع في روع ملك تشو أن تشين قد رفعت له لواء الصداقة، وراح يتأمل ذلك وهو غاضب من دولتي وي وهان، لموقفهما المتخاذل منه، وعزم على زيارة البلاط الحاكم في تشين، بينما كانت الأخيرة تُعد العدة لإرسال مبعوثها إلى دولة جاو في محاولة منها لاستخدام خططهما المشتركة التي تهدف لضرب يان، طمعًا لإغواء دولة جاو، بحيث تتفكك عرى الوحدة بين الدول الثلاث.

ولربما ظن الملك محاولات تشين لعقد الصلات الأخوية مع تشو والشروع، من ثَم، في مهاجمة دولة يان هو الأمر الذي يبدو في ظاهره مؤمِّلًا واعدًا بأطيب النتائج، لكنه في الحقيقة، ينطوي على الكثير من أفدح العواقب.

وإذا ما ذهب ملك تشو إلى بلاط تشين، فسوف يقوم التحالف بين بلديهما، ثم يتجهان كلاهما لمهاجمة دولة هان في الشرق، وإذ تتلفت هان حولها، فلا تجد يد العون التي كان يمكن أن تقدمها لها دولة تشو في الجنوب، وتجد جاو قد تخلت عن نصرتها في الشمال، فلن تلبث حتى تهرع إلى أبواب تشين، تعرض عليها التنازل لها عن مزيدٍ من الأراضي فإذا ما صفت أجواء العلاقات بين تشين وهان، وتحوَّلت نُذر الحرب نحو دولة وي، ثم تجد نفسها، هذه الأخيرة في مواجهة تشين التي تعاظمت قوتها بإضافة طاقات كل من دولتي تشو وهان إليها، فلن تقعد حائرةً ملتاعة في انتظار كارثة الدمار الداهمة، بل ستهرول [حرفيًّا: تقفز أسرع من الخيل وتثب أفزع من أرنب مذعور] إلى عتبات تشين تعرض عليها أجزاء من أراضيها مقابل كف العدوان عنها، فإذا تحسنت العلاقات بين وي وتشين وحل الوئام محل العدوان، تبدلت نظرة تشين إلى جاو، فراحت تنظر إليها كأنها «النقطة المحاصرة داخل الدائرة» ثم إن دولة جاو ستجد نفسها، أمام قوة تشين الجبارة، المدعومة بكل من هان، ووي، وتشو، ويان (المشحونة، أساسًا، بالغضب ضد جاو) ستجد نفسها مضطرة إلى التنازل عن الكثير من الأراضي. وإذا وصلت أحوال البلاد هذه الدرجة، (فلا بد من التحرك لعمل شيء) فلهذا جئت اليوم إليكم، وها أنا ذا أقول لكم إنه يجب الإسراع في عمل أشياء كثيرة.»

الجزء الثالث من الفصل نفسه

«ولتنتهز الدول الثلاث فرصة تلكؤ ملك تشو في الذهاب إلى بلاط تشين لتوقع میثاق الوحدة فيما بينها تدعيمًا للروابط القائمة، ولتُرسل جيشًا كثيفًا لحماية الحدود الغربية لكلٍّ من وي وهان، وهو النبأ الذي إذا بلغ مسامع ملك تشو، فلن يُقدم على زيارة حاكم دولة تشين، التي ستغضب ويَحمَى وطيس ثورتها فتقوم بمهاجمة تشو، وهذا يعني أن تشين ستظل تطارد تشو بتهديداتها العسكرية، مما يعود بالنفع على الدول الثلاث.

أما إذا كان ملك تشو، قد حلَّ ضيفًا على بلاط تشين، بالفعل، فلا أظن أن البلاط الحاكم هناك — وقد بلغته أنباء الوحدة بين الدول الثلاث — سيدع ملك تشو يعود إلى دیاره دون التنازل عن المزيد من أراضيه لتشين، وهو ما يعني كذلك أن سيف التهديد العسكري سيظل يُلاحق تشو، مما ستعود نتيجته بالنفع على الدول الثلاث، فأرجو من جلالتكم سرعة اتخاذ اللازم بشأن وضع الخطط المناسبة في هذا الاتجاه.»

ومن ثم فقد أسرع ملك جاو بإرسال حملة عسكرية نحو الجنوب للدفاع عن مناطقه الحدودية الغربية لكل من وي وهان، فلما عرفت تشين ما حدث من قيام الوحدة بين الدول الثلاث وتوثيق التضامُن بينها، فقد ضغطت على ملك تشو حتى تنازل لها عن مساحات هائلة من الأراضي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤