سجل جاو الثاني

لمَّا انتقل سوتشين من دولة يان

انتقل سوتشين من دولة يان فذهب إلى جاو، وراح يدعو لآرائه وخططه السياسية الموالية لفكرة إقامة تحالف رأسي، ومن ذلك أنه التقى بالملك «شياوهو» — حاكم جاو — وأخذ يناظره ويحاوره، في سياق دعوته السالفة، قائلًا: «ما من أحد وسط رعاياك جميعًا إلا وهو يُثني على سياستك الرامية إلى استتباب أسس العدل والاستقامة، يستوي في ذلك النبلاء والوزراء مع العامة والدهماء، ولو شاءت الظروف لأظهرت لك مدى إخلاصهم ورغبتهم في إبداء الولاء لك والمولاة لسياستك الرشيدة بينهم منذ زمان بعيد، بيد أن «فن يانغ» وقف بينك وبينهم حائلًا دون ذلك، لشدة ما ران على قلبه من الحسد والغيرة والعداء لكل ذي براعة وحكمة واقتدار، بل أظن أن جلالتك قد وجدتَ العقبات دون تصريف شئون الحكم والقيام على أمر البلاد، أضف إلى ذلك تهيُّب الضيوف والدعاة للخطط (السياسية) من إبداء النصح والإخلاص لجلالتك في حضوره [يقصد الأمير فن يانغ]، أما وقد تُوفِّي سمو الأمير، فقد سنحت الفرصة، منذ اليوم لاستتباب الثقة بينك وبين وزرائك وأهل مملكتك، وهو ما يشجعني على تقديم أسمى دلائل الإخلاص والتفاني لشخصك الكريم، يا مولاي.

وإذا كان لي أن أتصور خطة (ناجحة) لجلالتك، فلا بد أن أضع في الحسبان أنه لا شيء يعدل — عند العامة — استقرار دعائم الهدوء والأمن والسكينة فيما يتعلق بأحوال البلاد، وهو الأمر الذي يحدُوني إلى النصح لجلالتك بألا تحرص على تغيير الأوضاع القائمة والتأكيد على بقاء الأحوال على ما هي عليه دون أدنى تغيير [مبدأ «اللافعل» (دعه يعمل!) الذي تدعو إليه الطاوية!]

(واعلم) أن أساس الاستقرار الذي تُريده الناس، يكمن في براعة اختيار العلاقات الدبلوماسية الصحيحة مع باقي الممالك، ذلك أن التحديد الصحيح لاتجاه هذه العلاقات هو الذي يشكل عناصر الاستقرار وأسس الحياة لكل الناس، أما الفشل في اختيار العلاقات الخارجية المناسبة فيترتب عليه ارتباك الأحوال.

وائذن لي بأن أتناول موضوع المخاطر الماثلة في الشئون الخارجية: وأتصور بداية أنه إذا صارت كل من دولتي تشين وتشي عدوتَين لبلادك، فلن يذوق شعبك طعم الاستقرار نهائيًّا، وإذا رأيت الاستناد إلى قوة تشين لضرب تشي، فلن ينعم الناس بأرضك بشيءٍ اسمه الأمن والسلام؛ وكذلك إذا قررتَ اللجوء إلى تشي لمهاجمة تشين، فستكون النتيجة واحدة.

وأرجوك أن تلاحظ أن هناك الكثير ممن يُخططون للسادة الملوك ويصوِّرون لهم ضرورة مهاجمة الدول الأخرى، فأولئك النفر من رجال التخطيط يسعون بكل وسيلة ويتحدثون بكل لسانٍ بليغ ومنطق عذْب؛ بهدف الإيقاع بين الدويلات لقطع علاقاتها الخارجية بعضها ببعض، فالزم الحذر يا مولاي واحفظ قولي لك سرًّا مَطويًّا في صدرك، ولا تُصرح به لأحد من الناس كائنًا من كان.»

الجزء الثاني من الفصل نفسه

«وأرجو من جلالتك أن تأمر مستشاريك (القائمين عن يمينك وشمالك) بالتنحِّي عن مجلسنا هذا، حتَّى يتسنَّى لي أن أشرح لك أسباب النجاح والفشل، أو منافع ومضار أساليب الاختيار المختلفة فيما يتصل بالعلاقات الخارجية، واعلم أن هناك وجهَين متناقضَين لكل اختيار، مثلما أن هناك محورَين للتحالُف بين الدول؛ المحور الرأسي والأفقي. وإذا شئتَ أن تعمل بما أقول لك، فستجد دولة، مثل يان، تقصد إلى أعتاب قصرك وتمثُل بين يدَيك؛ لتهديك أوفر أراضيها إنتاجًا للجياد والدواب والفراء؛ فما إن يصير لك ما تُريد منها، حتى تأتيك وفود دولة تشي تعرض عليك قبول أفضل الأجزاء المُطلة على البحر من أراضيها الساحلية المشهورة بثروتها السمكية والملحية. ثم لا تلبث دولة تشو أن تُرسِل إليك الوفود لكي تهديك أرض «يونمن» العامرة بأحسن ثمار البرتقال والليمون، بل ستجد أيضًا دولتي وي وهان تخطبان ودَّك بما تعرضان عليك من قبول الأموال الطائلة من رسوم إيجارات وضرائب أراضيها الكثيرة (فيعم الخير وتشملك الدنيا بالثروة والجاه والسلطان) فتتكرم بالإقطاعات الهائلة والألقاب الشريفة ودرجات النبالة على أقاربك وأصهارك؛ وقد طالما كانت الأراضي الممنوحة للعروش الحاكمة وأموال الجباية هما الهدف الذي من أجلِه بذلت الإمبراطوريات دماء جنودها حتى أهلكت الجيوش الجرَّارة (في سبيل تحقيقه)، بل كثيرًا ما اقتتل القادة وأُلقي في غياهب السجون بالأبطال (من أجل الحصول عليه). بل كان ذلك الهدف هو الذي أهلك عروش (طانغ) آل شانغ والطاغية (المخلوع عن الحكم) شياجيه، اللذَين تهالكا عليه رغبة في الإنعام على الأمراء والأصهار بألقاب الشرف والإقطاعات العامرة.

وتستطيع، اليوم، إن أردت يا مولاي أن تجني ثمار كِلا الجانبَين، وهو ما أرجوه لك وأتمنى ألا يغيب عن ناظريك.

ذلك أنك إذا انضممت إلى دولة تشين، فلا بد أن هذه الدولة الكبرى ستعمل على إضعاف طاقات كلٍّ من وي وهان؛ أما إذا تحالفت مع تشي، فلا بد أن هذه ستنال من قوة كلٍّ من تشو ووي، فإذا تناقصت قوة هذه الأخيرة، فلا بد أنها ستقدم الكثير من التنازلات من أرضها الواقعة وراء منطقة «خواي»، وكذلك إذا تبددت طاقة دولة هان فلا أظنها تتأخر عن التنازل عن أرض (العاصمة) إيانغ، فإذا ما حدث ذلك انقطعت خطوط الاتصال مع ولاية «شانجون»، وكذلك إذا تم التنازل عن أرض ما وراء «خواي» فستنقطع طرق المواصلات، وعندما تتبدَّد طاقة دولة تشو، فإن بلدكم يخسر أهم مورد من موارد المساعدة وقت الحاجة، ويفقد أهم سند؛ فهذه الخطط الثلاث التي عرضتها عليك، تحتاج التنقيح والتأمل المُستفيض.

ومن ناحية أخرى، (فإذا تصوَّرنا إمكان أن) تقوم دولة تشين بالهجوم عبر طريق «جيداو»، فسوف تترامى تأثيرات ذلك الحدث إلى منطقة نانيان، وربما أصيبت بالذعر والهلع، نتيجة ذلك، ثم إذا تم الاستيلاء على دولة هان ومحاصرة دولة آل جو، فستكون بلادكم قد آذت نفسها بيدَيها وجلبت حتفها بظلفها.

(واعلم أنه) إذا تم لدولة تشين احتلال «وايدي»، وأخذ نهر «تشي»، صار لزامًا على دولة تشي أن تهرع إلى بلاط تشين الحاكم إذعانًا لما يُملى عليها، ولمَّا كان الموقف شرقي منطقة هواشان مواتيًا لدولة تشين لأن تشرع في تنفيذ خططها، فسوف تسارع إلى تعبئة قواتها والهجوم على بلادكم، ذلك أن جيش تشين لن يتوقَّف عن التحرك مهما كانت العوائق أمامه وسيتخطَّى النهر الأصفر ونهر جانغ، ثم يقوم باحتلال منطقة «بوهو» التابعة لبلادكم مما سيفرض على قواتكما الالتحام في منطقة «هاندان»، وهو ما يُثير قلقي على موقفكم، ويبعث على الإشفاق عليكم.»

الجزء الثالث من الفصل نفسه

وإذا تأمَّلنا الأحوال في الوقت الراهن، فليس هناك دولة أقوى من بلادكم (جاو) خصوصًا في المنطقة الواقعة شرقي هواشان، إذ تبلغ مساحتها ألفي لي مربع، ويتجاوز عدد مقاتليها مئات الآلاف من الجنود، وتملك من المركبات العسكرية ألف عربة، ومن الجياد عشرة آلاف رأس، ولديكم من الحبوب ما يكفي استهلاك عشر سنوات قادمة، وإلى الغرب منكم يقوم جبل «تشانغ شان» ويحاذيكم من الجنوب النهر الأصفر ونهر جانغ، وإلى الشرق يمتد شريط نهر «تشينغ»، وعند الشمال تقع دولة يان التي لا يمكن أن تدخل في عداد الدول القوية؛ بمعنى أنها ليست مبعث خوفٍ على أمن بلادكم وتظل جاو (موطئ عرشكم الكريم) من أكثر البلاد التي تعمل لها دولة تشين ألف حساب، فهل سألتَ نفسك عن السبب في عدم إقدام تشين على مهاجمة جاو حتى الآن؛ [وتشين — كما تعرف — تريد أن تبسط نفوذها على أعتى وأقوى الممالك، لو اقتضى الأمر ذلك!]؟ السبب، يا مولاي يكمن في خشية تشين مما يمكن أن تدبره لها كل من وي وهان اللتَين تساندان جاو في طي الخفاء، من خطط ماكرة، فهاتان الدولتان بمثابة حاجز وقائي يحمي بلدكم من جهة الجنوب، ومع ذلك فسيختلف الأمر كثيرًا إذا أقدمت تشين على مهاجمتها، خصوصًا أن البلدين لا تحدُّهما موانع طبيعية من جبال أو أنهار كبرى، مما يسهل على تشين التقدم لابتلاعهما واحدة بعد الأخرى، ولن يوقف مسيرة تشين إلا حدود العاصمة، وبالطبع، فليس لكلتا البلدين طاقة بمدافعة هجوم تشين، ومن ثم فسوف تذعنان لها بالولاء والطاعة، وإذ تشرع تشين أسنة رماحها، فلن يوقف تقدمها بعد ذلك أي عائق ولن تمنعها موانع، مما ينذر بوقوع الكارثة على رأس جاو، وهو الأمر الثاني الذي يُثير خوفي وقلقي على بلدكم.»

الجزء الرابع من الفصل نفسه

«قد بلغني (من أخبار الملوك الحكماء الأقدمين) أن الإمبراطور الحكيم ياو لم يكن يملك أرضًا تتسع للحرث والزرع، ولا كان (الملك القديس) «شون» يحوز أدنى مساحة من الأراضي ومع ذلك فقد كانا كلاهما يبسطان نفوذهما فوق الممالك المُترامية، ولم يكن (الملك الحكيم) «يو» يملك قرية آهِلة بالسكان، ومع هذا فقد امتدَّت رقعة سلطانه لتشمل العديد من الدويلات والإمارات التابعة له، كما لم يكن جند أعتى الإمبراطوريات [طانغ (من أسرة شانغ الملكية) والملك أو حاكم جو] يزيدون عن ثلاثة آلاف فرد، ولا كانت المركبات الحربية تزيد، بأي حالٍ عن ثلاثمائة عربة، وعلى الرغم من ذلك فقد استتبَّت في أيديهم مقاليد الحكم ودانت لهم العروش بالطاعة، ولا أظن أنه كان مُمكنًا أن تسهل الأمور على هذا النحو، إلا بما اتخذوا من وسائل قويمة ومناهج سديدة في الحكم الرشيد؛ ولهذا فقد تمكَّن أولئك الملوك الحكماء من تقدير قوة أعدائهم من عدمها (فيما يتعلق بأحوال وعلاقات البلاد الخارجية) بالإضافة إلى ما مهروا فيه من الوقوف على التصوير الصحيح لحجم قوة جيوشهم (في الداخل) وما أدركوا عين الصواب فيه باعتبار مقاييس الحكمة، الطيش لا تتَّحد بمقارنة (حجم تسليح) القوات مقابل بعضها البعض، بل تكمن أساسًا، في القدرة على تحقيق النصر مقابل الهزيمة أو المُثابرة على البقاء مقابل التفكك والارتباك.

(وإذ رسخت تلك المفاهيم في عقل الملوك الحكماء) فقد كان من المُستحيل أن تنطلي عليهم الكلمات المُخادعة، بله التهور والطيش في اتخاذ القرار.»

الجزء الخامس من الفصل نفسه

«وقد تسنى لي أن أطالع خريطة الممالك — فيما كنت أتأمل الأمور بمفردي — (فوجدت أن) أرض الممالك كلها تكاد تبلغ خمسة أضعاف مساحة دولة تشين، ثم قدرت أن حجم قوات الدويلات مجتمعة، يبلغ عشرة أضعاف قوة تشين، فإذا ما اتحدت ست دول واتجهت صوب الغرب لمهاجمة تشين، فستكون الهزيمة الساحقة هي قدَر تشين الذي لا مفرَّ منه، ومع ذلك فالحاصل الآن هو أن تشين هي التي تعتدي على الدول مما يضطرها، جميعها، إلى الرضوخ لها والانضواء تحت نفوذها والسعي إلى خدمة مصالحها، (حتى صارت تُذعن بالكامل لإرادة تشين).

(والسؤال الآن هو:) هل يمكن أن يستوي طرح الأمور على صعيد واحد، بحيث يتساوى — مثلًا — أن تهاجم أعداءك أو أن يُبادروا هم إلى مهاجمتك، وهل يستوي أن تُذعن لمشيئة عدوك مع خضوعه لمشيئتك أنت؟

إن أولئك المُخططين والدعاة السياسيين المنافِحين عن خطة التحالف الأفقي، يطرحون فكرة مضمونها أن تقوم الممالك بتسليم أجزاء من أراضيها إلى دولة تشين، سعيًا للمصالحة وتوطيدًا لعلاقات السلم، ذلك أنه عندما يقوم السلام مع تشين، سيستمتع أولئك المخططون بالمقصورات العالية فوق التلال تجري من تحتها الأنهار وينمقون المباني ويشيدون الجدران العالية، تشنف آذانهم الموسيقى، وتلتذُّ أفواههم بأشهى المذاق، تقودهم المركبات إلى حيث يريدون بصحبة أجمل النساء والفتيات حيث تصدح الضحكات الرنانة في أحلى الأفواه، وفجأة تنعقد في الأجواء سحابات الكوارث الداهمة وقد أطلقتها تشين من عقالها، وعندئذٍ تطلب أولئك الداعِين إلى التحالُف مع تشين فلا تجدهم؛ لأنهم لن يكونوا مُستعدِّين لتحمُّل نصيبهم فيما حل من المصائب. (بزعم العجز عن مواجهة تشين) ومن ثم، لا يفتأ الدعاة إلى التحالُف مع تشين (التحالف على المحور الأفقي) يتخذون من قوة تشين ونفوذهما وسيلة لتهديد الممالك وإلقاء الرعب في نفوسها، سعيًا لاقتطاع المزيد من أراضيها. فهذه مسألة تتطلب التخطيط الواعي والدقيق من جانبكم.»

الجزء السادس من الفصل نفسه

«وقد علمت أن العاقل الحكيم لا يطأ موطئ الشك، ولا ينزل بساحة الوشاية (بصرف نفسه عن الاستماع للوشايات الكاذبة) وينبذ القيل والقال، ويترفع عن أن يمضي في طريق التواطؤ والتحزُّب مع الغير، فمثل تلك القِيَم هي الأساس في التخطيط لتوسيع رقعة الأراضي الإمبراطورية ودعم القوة القتالية، وذلك هو السبيل الذي يشد رجالك إلى ساحتك ويوردهم مورد الإخلاص لك والثقة بك.

وبناء على ذلك كله أستطيع أن أعرض عليك، وفي سرية تامة، خطتي التي أراها مناسبة لك، ومفادها أنه ليس هناك أفضل من قيام تحالف الدول الست التي يتشكَّل منها المحور الرأسي، وهي: هان - وي - تشي- تشو- يان - جاو؛ التي تتمكَّن بتقاربها وتكتُّلها من مناوأة دولة تشين.

فليجتمع رؤساء وزارات الدول المعنية في لقاءٍ عام بمنطقة نهر «خوان» ولتتبادل الدول رهائن السلام، ثم تُوقع جميعها مواثيق الصداقة بأيدٍ غمست في دماء جواد أبيض [هكذا، حرفيًّا]، ويقسم الجميع على القسم المنصوص عليه، كالتالي: نقسم نحن المُتحالفين على أنه …) إذا قامت تشين بمهاجمة دولة تشو، تقوم دولتا وي وهان بإرسال قواتها المسلحة بأقوى وأمضى الأسلحة لمساعدة تشو، وأن تقوم هان بقطع طرق الإمداد والتموين (تموين الحبوب …) على جيش تشين، وأن تدفع جاو بقواتها فتعبر النهر الأصفر ونهر جانغ حتى تتماس مع قوات تشين (وتبقى هناك إلى حين صدور أوامر أخرى) بينما تتشبث قوات بالدفاع عن منطقة «يونجون»؛ فإذا قامت تشين بمهاجمة دولة تشي، بادرت تشو إلى قطع الطريق على مؤخرة قوات تشين، بينما استماتت قوات هان في الدفاع عن المنطقة العسكرية الحصينة في «تشن قاو» في حين تسارع دولة «وي» إلى قطع طرق المواصلات في منطقة «أوطاو»، بينما تعبر قوات جاو النهر الأصفر ونهر جانغ، ثم تتمركز في منطقة «مضيق بوكوان»، أما دولة يان فترسل بأمضى الأسلحة وأقوى العدة والرجال والعتاد لمساندة دولة تشي.

فإذا ما كان هجوم تشين مبتدئًا بدولة يان، تقوم جاو بالدفاع عن منطقة «تشانغ شان» بينما ترابط قوات تشو في «أوكوان»، على أن تعبر قوات تشي نهر بوهاي، مرورًا بالنهر الأصفر، حتى تتمركز بالقُرب من قوات تشين وتكمن هناك انتظارًا للأوامر وفي الوقت نفسه، تُرسِل كل من وي، وهان بقوات كثيفة لمساعدة دولة يان.

وبافتراض أن تبدأ تشين بمهاجمة جاو، تُهرع قوات هان؛ لكي ترابط في العاصمة إيانغ، بينما تتمركز قوات تشو في منطقة «أوكوان»، وتنزل قوات وي بمنطقة خواي، وتمكث هناك (حتى صدور أوامر أخرى)، ثم تعبر قوات تشي فوق نهر تشينغ، في حين تُرسِل دولة يان بأمضى أسلحتها وأفضل قواتها لمساعدة جاو؛ فإذا صدرت عن إحدى الممالك أية مخالفة لهذا الميثاق بادرت الدول الخمس الباقية، إلى شن الغارة عليها، في تكتُّل جماعي.

ويصير لزامًا على دول التحالف الست التكاتف حول محور التحالف الرأسي ونبذ دولة تشين، ولا بد أنه سيتعذَّر على هذه الأخيرة محاولة العبور بقواتها من مضيق هانكو لتهديد التحالف السُّداسي بمنطقة شاندونغ.

فإذا تحققت أهداف التحالف على النحو المذكور، صار في حكم المُقرر اعتبار الائتلاف السداسي «قوة ذات هيمنة عظمى» [إمبراطورية عظمى].»

وهنالك قال له شياوهو، حاكم جاو: «(أنت ترى يا سيدي) أني ما زلت بعد، حدثًا صغير السن، ولم تمضِ عليَّ في الحكم سوى أيام قليلة، ولا عهد لي بتلك الأمور ذات الصلة ﺑ «خطط الإدارة السياسية طويلة المدى» وقد استمعت إليك وفهمت ما ترمي إليه أيها الضيف القدير، من التخطيط بهدف استقرار أحوال الممالك، وحماية أمنها، وسوف تعمل بلادي بما تُشير عليَّ من إرشادات وتوجيهات.» ثم أنعم على سوتشين بلقب «أوانجون» وأهداه مائة مركبة، وألفي مثقال من الذهب، ومائة زوج من اليشب (حجر كريم) وألف قطعة من القماش المُطرز، وطلب إليه البدء في محاولة ضم باقي الممالك إلى خطة التحالف الرأسي.

لمَّا قامت دولة تشين بمهاجمة دولة جاو

قامت تشين بمهاجمة دولة جاو، وراح سوتشين يقول لحاكم تشين: «قد بلغني أن الملك الحكيم يثابر على مد جسور العلاقة بينه وبين وزرائه، ولا يمل من توجيههم والعمل على تزويدهم بكل المهارات والقدرات المناسبة، مما يُساهم في إنجاز المسئوليات الجسام بغير إبطاء، وتخفيف الأعباء عن الناس، وينبغي على القائد الفطِن أن يحسن الاستماع والإصغاء إلى معاونيه وأن يأخذ بما يراه ملائمًا من مشورتهم، فذلك يضمن السداد والتوفيق في القيام على شئون الممالك، فتزدهر الأحوال، وتتراجع المساوئ والسلبيات، وأرجو من جلالتك أن تراجع ما أعرضه عليك من اقتراحات بمُنتهى الدقة، بحيث تتمكن من استخلاص ثمرة نتائجه الطيبة وتحقيق فاعليته على الوجه الأكمل وفي الوقت الأنسب.

وقد سمعت يا سيدي أن الناس لا تحمل النفائس والمجوهرات وتسير بها في الطرقات المظلمة، وسمعت أيضًا أن من يتولون أمور البلاد وشئونها الكبرى لا ينبغي لهم أن يستصغروا شأن أعداء بلادهم؛ لذلك فالعاقل الحكيم من يتصرف بالاحترام الواجب، وهو يحمل على كتفَيه المسئوليات الجِسام، وكذلك فالذكي من عظُمت إنجازاته وتواضعت كلماته، بحيث يعرف له الناس قدره بغير مقت ولا ضغينة، وتبجله العامة وتذكر فضله بغير حقد ولا حسد.

وبلغني أيضًا أن الناس تتسابق في الخضوع والإذعان لإرادة بلدٍ فسيح الأرجاء.

وعرفت أن العاقل الكفء ذا المهارة والاقتدار المنقطع النظير، لا يكون موضع اهتمام كبير لدى سيد البلاد والممالك. [حرفيًّا: لا يُعلي شأنه ولا يُعينه في منصب عظيم] كما أن فاقدي العزم وخائري القوى لا يجدون قبولًا، حتى لدى أطيب الناس قلبًا وأشدهم رحمة وعدلًا [حرفيًّا: لن يجدوا من يُوليهم الوظائف، ويضمن لهم لقمة العيش].

إن من يتعفَّف عن الإلحاح في الرجاء، مع شدة الحاجة والتلهُّف على الطلب فهو القديس الحكيم، وهذا دأبه على طول المدى.

إن العمل على توفير أسباب الحياة التي يسعد فيها الناس بأوقاتهم، ويُجددون بها طاقتهم ونشاطهم، بعد تمام الوفاء بالمهام الكبرى لهو من صميم مبادئ الجندية والتعبئة العسكرية.

ومع ذلك، فقد مضى زمان طويل، والحرب دائرة والقتال لا ينتهي، وقد كلَّت سواعد الناس، واستنزفت دماؤهم وما زالوا، على الرغم من ذلك، يجدون من يسند إليهم الأعمال دون توقف.

(واعلم) أنك إذا أثرت غضب جاو، فستستطيع (في آخر المطاف) أن تغلبها، وتضمها إلى أرضك كأنها مدينة من مدائنك، وتصير أرضها كلها لك! ومع ذلك، فليكن الحذر رائدك؛ لأن دولة جاو قد جربت الكثير من المحن والهزائم، فلا يكن كل همك وقصارى جهدك وكل خططك المستقبلية منحصرة في ذلك الاتجاه، حتى لو وقعت في يدك (المدينة الحصينة) هاندان.

وأظن يا مولاي أن أرضًا فسيحة الأرجاء بغير زرع ولا ثمر، وشعبًا مسوقًا إلى السخرة (يلهث من الكد ولا يرتاح) مقهورًا بسيف العقاب، مقيدًا بسلاسل الخوف والذل، لن يطول بقاؤه لديك، مهما أبدى من الخضوع والإذعان، وقد جاء في المثل: «إن النصر الذي يجلب على الوطن أجواء الخطر، يطيل أمد الحرب والكرب، وكذلك الهمم، العالية بغير سلطة نافذة، لا تضيف إلى مساحة الأرض شبرًا واحدًا … [… الهمة بغير ذمة جهد ضائع!]

ولذلك، فالوالد لا يستطيع أن يحصل من أبنائه على أكثر مما تتحمَّله طاقتهم، ولا يمكن للأمير أن يجد وزراء مُثابرين مخلصين ما دام يطلب منهم الوفاء بمتطلبات لا تنتهي إلى حدٍّ معلوم.

ومن ثم، فمن عرف كيف يحيل الذر الضئيل إلى أشياء بارزة ملموسة [من عرف كيف يستنبت الثمار من أضأل البذور …] هو وحده الذي يملك أعظم الطاقات الخلَّاقة، ومن أدرك أهمية توفير أسباب الحياة لشعبه من أجل إنعاش طاقاتهم، ودفع عزائمهم وهممهم، وبلغ قمة السيادة فوق الممالك، ومن استوعب كيفية تحويل مقاليد النفوذ البسيطة المتواضعة إلى مراتب النفوذ العظمى؛ فهو الملك الأعظم الذي وجبت له السيادة والسطوة الغالبة.»

الجزء الثاني من الفصل نفسه

وهنا، تحدث ملك تشين قائلًا له: «فماذا لو أوقفت تحركات الجيش، وتركت الناس يخلدون إلى الراحة، ألا تُبادر الممالك إلى إقامة التحالف الرأسي فيما بينها لمناوأة تشين؟» فرد عليه سوتشين بقوله: «إني لعلى يقينٍ من عجز الممالك عن تحقيق التحالف الرأسي في وجه تشين، وأرى أنَّ تصرُّف كل من السيدين: تيان دان، وروآر [من كبار رجال الدولة في وي] بعيدٌ عن الصواب تمامًا، فهل يمكن أن نستنتج أن ليس هناك مُخطئ آخر غيرهما؟ كلَّا، بل قد أخطأ الجميع، بما في ذلك حكام الدويلات والممالك كلها!

صحيح أنهم قد جمعوا شتات الدول، فضموا إلى حلفهم دولة تشي، المنهدمة الخربة؛ وتشو، المنهكة عن آخرها؛ ودولة وي، المنهارة على عروشها؛ وجاو التي لا تنظر إلى أبعد من قدمَيها [حرفيًّا: التي لا تعرف ما يُخبئه لها القدر من بقاء أو فناء] وذلك كله بهدف حشد قوتهم والترصد ﻟ تشين بغية وضع العراقيل في طريقها وخلق المتاعب لها، وإخضاع دوله هان، وهو ما يبدو لي تحركًا شديد الغباوة والغفلة.

وقد قام على عرش دولة تشي، اثنان من أعظم الحكام. هما: الملك «وي» والملك «شيوان» اللذان حازا من الخلق أكرمه ومن النفوذ أعظمه، حتى بلغت بلادهما من المجد والثروة ما لا مزيد عليه، وانقادت لهما جموع الناس إذعانًا وتسليمًا ورضًا بحكمهما الرشيد، وفاضت قلوب قادتهما العسكريين بالشجاعة والعزم، وانعقد لجيوشهما لواء العزة والقوة، حتى سيرهم الملك شيوان واقترب بهم من دولة هان وراح يُهدد دولة وي ثم انطلق جنوبًا لضرب تشو، واتجه غربًا للإغارة على تشين، بل قام بحصار قوات تشين في منطقة جبال «شياو» وفي مضيق «هانكو»، وظل طوال عشر سنوات يغتصب أجزاء متفرقة من أرض تشين قطعة بعد أخرى، حتى فر الأهالي من الذعر وهاجروا إلى مناطق نائية، لكنهم لم يستسلموا، وظلت تشي ترفع رماح الحرب حتى هجرها الناس وصارت أرضها خالية من السكان؛ أما السبب فيما حاق بجيش تشي من الهزيمة، وفي تدهور أحوال دولتي وي وهان؛ فيكمن في أن عدوانهما على تشين وتشو قد كبدهما أفدح الخسائر وأصابهما بأسوأ الكوارث.

(لكنا إذا تأمَّلنا ما هو قائم …) اليوم، وجدنا أن الممالك لم يعُد يتولى عروشها رجال أمثال الملك «شيوان»، أو الملك وي، (حاكم دولة تشي) لم يعد هناك، الآن، من يضارع هذين الرجلَين جاهًا وثروة، ولا عاد في الممالك جيش في مثل قوة جيش تشي وجرأته (عند حصاره وتهديده لدولتي وي وهان) كما أنه ليست هناك الآن خطط (عبقرية) يُبدعها تصور رجال مُحنكين، من أمثال تيان دان، وصمارانجو.

فلذلك أزعم أن محاولة ضم شتات دولة تشي المتهدمة الخاوية على عروشها و«تشو» المنهكة، «ووي» التي تخربت وتهدمت مبانيها، و«جاو» التي لا يُعرف لها بقاء من فناء [هكذا] وذلك بظن إمكان استخدام مجموع قوتهم في إثارة الأزمات أمام دولة تشين وإخضاع دولة هان؛ أزعم بأن هذا هو أفدح وأبشع الأخطاء جميعًا، وأرى استحالة نجاح التحالف الرأسي (في أداء مهامه وتوحيد كلمته)، بيد أن الكثير يقدحون في صحة آرائي ويلقون عليَّ باللوم، وهو أمر يثير لديَّ الكثير من القلق والتوتر.

[وهناك الآن اتجاه فلسفي من أصحاب مدرسة الجوهر والصفات] وهؤلاء يستشهدون على صحة مذهبهم بعبارة بسيطة و(مشهورة) مفادها: «إن الحصان الأبيض ليس حصانًا» [باعتبار أن الصفة اللونية أخرجت جوهر الاسم من كيانه ومنحته وجودًا آخر وآفاق تعريف أخرى] وكان الأجدر بهم أن يؤكدوا أن الحصان الأبيض لا يختلف عن باقي الأحصنة، أما انتشار المقولة المشهورة المذكورة آنفًا «… الجواد الأبيض ليس جوادًا» فهي من أكثر الأشياء الداعية للإحساس بالقلق والترقب.»

الجزء الثالث من الفصل نفسه

«كانت دولة تشين — فيما مضى من الزمان — قد أغارت بقواتها على منطقة هوايدي.» [أرض تابعة لدولة وي] وقامت بإخضاع أهلها، وكان الأمر يحتم على جاو، وتشي، وتشو أن يسارعوا بالهجوم على قوات تشين، إلا أنه — لمَّا كان قادة الجيوش آنذاك (رجالًا من أمثال) «جاوشي»، و«باونين» فإن دولة، تشو لم يخرج منها سوى أربعة رجال فقط، وقفوا في وجه اعتداءات تشين، وعلى الرغم من انهيار منطقة «هوايدي» فإن جيش تشين اضطر إلى الانسحاب لافتقاره إلى الدعم المطلوب (لمواصلة الهجوم).

ولا أعرف ما إذا كانت الدول الثلاث تبغض تشين وتشفق على هوايدي (مما تتعرض له)، أو إذا كانت تكره هوايدي نصرة لدولة تشين؟

صحيح أن القوات المعادية في تلك الحالة قد هاجمت بغير سندٍ أو دعم (من آخرين) وأن الجيش المهاجم اضطر إلى الانسحاب دون أن يواصل القتال، مما أوقع بقوات الدول الثلاث في أزمة حرجة، إلا أنه قد قام الدليل (بما لا يدعو للشك) على براعة كل من «باويين»، «جاوش» في القدرة على تقدير موقف العدو.

كانت الدول الخمس قد اتحدت، فيما سلف من التاريخ لضرب دولة تشي واقتسام أراضيها، وقام تيان دان على رأس خيرة قوات تشي، لكنه لمَّا كان (قبل حدوث تلك الواقعة) ينتهج في الداخل سياسة قائمة على العسف والاستبداد، بالإضافة إلى السنوات الطويلة التي قضاها بعيدًا عن ساحات القتال، فقد عجز آخر المطاف عن الإغارة على تشين، ودحر دولة هان، وهكذا فقد راح يرمح داخل حدود بلاده على ظهر حصانه، وقد اختلطت عليه الأمور، فلم يعُد يدري ما إذا كان هناك أمل في إمكان قيام التحالف الرأسي من عدمه».

وهكذا ففي ظل هذه الظروف، اتخذ الملك قراره بإيقاف القتال وعدم تحرك القوات إلى خارج الحدود، ونزع فتيل الحرب بين الدويلات والممالك، فهدأت الأحوال وحل الاستقرار تحت السماء وظل السلام منتشرًا في ربوع الممالك طيلة تسع وعشرين سنة.

لمَّا التقى تشانغي بالملك هوي

التقى تشانغي بالملك هوي، حاكم جاو، في إطار مساعيه لإقامة التحالف الأفقي الموالي لدولة تشين، وحاول سوتشين استمالة جلالته، قائلًا له: «إنه لمِمَّا يُشرف أرضنا ومليكنا ملك تشين أن يُوفدني إليكم كي أستأذن جلالتكم في السماح لي بأن أسلم لكم رسالة من طرفه، (هذا، ولا بد من الإشارة إلى …) أن جلالتك تقود الممالك والدويلات في حملة ترمي إلى إقصاء ونبذ دولة تشين، لدرجة أن جيشها ظل لمدة عشر سنوات غير قادر على الخروج من مضيق «هانكو» (ومن المعلوم جيدًا) أن لكم وسط الممالك هيبة، ولصوتكم صدًى مسموعًا في كل الأرجاء وقد تجاوز ما وراء جبال هواشان من جهة الشرق.

إن بلادنا تعيش في خوف وهلع؛ وهي تحاول أن تستفيد من الوقت فهي تُصلح أسلحتها وترمم ما انكسر من دروعها، وتشحذ إرادتها وقد أخذت في إعادة تنظيم فرق الفرسان والمركبات، وتدرب القوات على الفروسية والرماية، بجانب الاهتمام بزراعة الأرض وجني المحاصيل وحماية الحدود والثغور، وعلى الرغم من ذلك فهي تشعر بأن يدَها مغلولة؛ لِما أحاط بها من أجواء القلق؛ وذلك بسبب خشيتها من أن تؤاخذها جلالتك بأخطائها، وإذا كانت تشين قد تحركت صوب الغرب، فلم يكن يتم لها ذلك، لولا الاحتماء في ظل سلطانك وهيبتك، وحيث استطاعت أن تحتل منطقة «باجو» وأن تضم أرض «هانجون»؛ هذا بالإضافة إلى ما استولت عليه في الشرق من أراضي كل من جو الشرقية والغربية، حيث تمكَّنت (بعد احتلال البلدَين) من نقل «الجيودنغ» [الأواني التسع … الرمز المقدس القديم، الذي تسعى الدول للحصول عليه] إلى أرضها وأحكمت قبضتها فوق معبر «بايما» النهري.

وعلى الرغم من أن تشين بلد بعيد يقع في أقصى الأرض، فإنه قد اختزن في أعماقه غضب السنين وغيظ الأيام والدهور. (وعلى الرغم مما في أيدينا من) دروع قديمة محطمة ورماح صدئة، فقد قرَّر مليكنا أن ينزل بالقوات في منطقة «ميان تشي» أملًا في أن يعبر النهر الأصفر ونهر جانغ، للاستيلاء على «بوآو» [بلدة في دولة جاو] حيث يتسنى التصدي لقواتكم بالقُرب من مدينة هاندان، والأمل قائم في أن تدور رحى القتال، مثلما كانت تدور في ساحات حروب «جياتسي» [حرب قامت في قديم الزمان ضد الملك الطاغية «تشو» سليل آل «يين» والخطاب هنا يستعير دلالة الحرب ضد الطغاة في تهديد واضح لدولة جو وحاكمها!] حيث تدور دائمًا الحروب العادلة تأديبًا للطغاة من أمثال الملك تشو.

وإذ يشرفنا أن نلتقي بجلالتكم في هذه الزيارة الرسمية التي جرى تكليفنا بها فقد حرصنا على إطلاعكم وإبلاغ مساعديكم بما ذكرته لكم منذ قليل.»

الجزء الثاني من الفصل نفسه

وواصل تشانغي كلامه، قائلًا: «لا أكاد أشك لحظة، في أن كل ما قمتم به في هذا الشأن [تأسيس قواعد التحالف الرأسي] عن اقتناع وحماس، وإنما هو من تخطيط ووضع سوتشين، وهو رجل مُضلل، يصور الحق كأنه باطل، ويزين الباطل في إطار الحق واليقين، وقد حاول كثيرًا أن يُطيح بنظام الحكم القائم في تشي، لكن محاولاته باءت بالفشل، بل دفع حياته ثمنًا لذلك الفشل إذ حكم عليه بالإعدام بأن قُطِعَتْ أوصاله وربطت إلى عربات رامحة في الطرقات.

إن استحالة قيام الوحدة بين الممالك أمر مفهوم وواضح لكل ذي عينَين.

ثم إننا نُطالع الأحوال اليوم، فنجد أن دولة تشين وتشو قد عقدتا من المودة ما صارتا به كأنهما أختان شقيقتان بينما تحرص كل من وي وهان على أن تتصرفا بوصفهما تابعتَين مخلصتين لدولة تشين تحرسان حدودهما الشرقية. وإذ تسعى دولة تشي لإهداء تشين أفضل وأشهر أراضيها في إنتاج الملح وتربية الأسماك، فهي بذلك تقصم ذراع جاو اليمنى، فما ظنك بدولة فقدت ذراعها اليمنى وما زالت تسعى إلى الحرب مع الآخرين، هذا بالإضافة إلى فقدانها لرفاقها وانعزالها عن الدنيا بأسرها، على الرغم من العيش الآمن والسعي إلى الاستقرار، أتظن أن دولة تتصرف على هذا النحو يمكن أن تحصل على الأمن والاستقرار حقًّا؟»

قد أوفد ملك تشين ثلاثة من كبار القادة العسكريين كلًّا في وجهة محددة ولغرض معلوم؛ إذ أرسل أول القادة إلى منطقة «أوطاو» لإغلاق طرق المواصلات بها، والاتفاق مع دولة تشي على أن تدفع بقواتها لعبور نهر تشينغ والتمركز شرقي مدينة «هاندان». وأوفد القائد الثاني لقيادة القوات إلى منطقة «تشنكاو» بهدف حث دولتي وي وهان على الدفع بقواتهما للتمركز جنوبي النهر الأصفر، أما القائد الثالث فقد تلقى الأوامر بالتوجه إلى منطقة ميان تشي، والمرابطة فيها؛ حيث تم الاتفاق بين الجميع على … أن تتحالف الدول الأربع في الهجوم المشترك ضد جاو، والإغارة عليها من الجهات الأربع بهدف اقتسام أراضيها وهو موضوع يصعب إخفاؤه والتستر على مقاصده الحقيقية (ولذلك)، فقد آثرت أن أفاتح مساعديك بشأنه، وسوف أضع لك خطة سرية، أرى من الأفضل لكم أن تلتقوا فيها بملك تشين، لعلكم تدخلون معًا في ميثاق تحالف مشترك، (ومن ناحيتي) فسوف أتقدم لملك تشين برجائي في تجميد تحركات القوات، وأتمنى أن تتدبروا أمركم بعد التأمُّل العميق.»

الجزء الثالث من الفصل نفسه

وتحدث الملك هوي، قائلًا: «عندما كان «فنغ يانجون» يعمل رئيسًا للوزراء في عهد الملك الأسبق، فقد استبد وسار بالعسف وعمل على تضليل الملك، وفرض نفوذه على الحكم، وكنت — وقتئذٍ — أقيم بالقصر الملكي، وأتلقى العلم على يد أساتذتي، وأعمل تحت إشرافهم، ولم يكن لي حق المشاركة في التخطيط لشئون الحكم ولا القيام بأعباء الإدارة والاضطلاع بمسئولياتها الكبرى، حتى إني لم أكن قد كبرتُ وخرجت عن الطوق عندما أعلنت وفاة الملك الأسبق، ولا كنت قد قدمت الكثير من القرابين في المعابد (وبالتالي، فلم يُتح لي أن أبلغ مبلغ الكبار في التبصُّر بالأمور ومع ذلك …) فقد كنت، في قرارة نفسي متشككًا في جدوى ومغزى قيام التحالف الرأسي؛ ولطالما اعتقدتُ بأن أي تحالف بين الدول الست لن يأخذ مصالح تشين بعين الاعتبار، سيتغافل عن العمل بما يُناسب تطلعاتها ويخدم مصالحها على المدى الطويل؛ ومن ثم، فقد رأيت (أن من الأوفق والأجدى) أن يتم تغيير الفكرة الأساسية التي انطلق منها مشروع التحالف بحيث يقوم الجميع بالتنازل عن أجزاء من أراضيهم إرضاء ﻟ تشين وعرفانًا بدورها ومكانتها، وتصحيحًا لجملة أخطاء قديمة وقعنا فيها جميعًا دون استثناء وما كدت أنتهي من عمل الترتيبات اللازمة لإيفاد مبعوثنا الخاص إليكم بخصوص التنازل عن الأراضي لكم حتى فوجئنا بزيارتكم ومشاوراتكم معنا.»

ثم إن الملك — حاكم جاو — قام على رأس ثلاثمائة عربة عسكرية حتى بلغ منطقة «ميان تشي» حيث التقى هناك بملك تشين، وتنازل له عن أراضي منطقة «هيجيان» على سبيل إبداء النوايا الحسنة تجاه دولة تشين».

لمَّا كان حاكم جاو جالسًا إلى الوزير

كان الملك «أولينغ»، حاكم جاو، جالسًا في إحدى ساعات النهار، يتجاذب أطراف الحديث مع كبير وزرائه «فاي» الذي اقترب منه وقال له: «هل تأملت جلالتك تقلبات الأحوال الجارية، وتدبرت حالة القوات العسكرية، وتذكرت مآثر جیانزي، وشیانزي، مُسترشدًا بسيرتهم في وضع خطط لمجابهة أطماع قبائل الشمال ومنها قبيلتي «خو»، «وداي؟».» فأجابه الملك، قائلًا: «لا يحق لمن ورث عرش الملوك أن يتغافل عن ذكر مآثر الحكماء الأقدمين، فذلك أساس استحقاق الملك وشرط الشرف والسيادة، باعتبار أن الاهتداء بسبيل الملوك الأقدمين ومعرفة مناقبهم الحسنة، هو القاعدة المُثلى لمن وقف نفسه على إدارة شئون الممالك وانغمس في شئون السياسة وحكم الممالك، ومن ثم كان العاقل الرشيد هو من أدرك حكمة العمل على هداية الناس إلى السبل الملائمة لإنجاز الأعمال في يسر وسهولة، إذا ما كان الوقت رخاء والأجواء في الممالك مستقرة أما إذا كان الزمان داعيًا لتكبد المشاق، فالواجب على (الملك) الحكيم، الاعتبار بمآثر الأقدمين فيما سلكوه من منهاج، استطاعوا به الإتيان بأمجادٍ تجاوزت آثارها العظيمة حدود زمانهم (الماثل في تجربة حياتهم).»

وعلى الوزراء أن يلتزِموا السلوك الكريم القائم على الاحترام والإجلال للكبار، والتواضع، وذلك في وقت عسر الأحوال [هكذا] أما في أوان الشهرة والمجد فينبغي عليهم إقالة عثرة العاثر من الناس وتوسيع دائرة نفوذ أمرائهم.

تلكما هما القاعدتان الأساسيتان اللتان يجب على الأمراء والوزراء (كلٍّ على حدة) الالتزام بهما والعمل بمقتضاهما. وها أنا ذا، اليوم، أفكر في الاعتبار بمآثر سيدي الملك (السابق) شيانزي؛ حيث أنوي استصلاح أرض قبيلتي «خو»، و«داي»، وهو أمر لم يُنبه إلى أهميته كثير من الناس [في زماننا هذا].

إن اتخاذ الضعفاء أعداء يمكن أن يجعل المرء صاحب إنجاز رائع بأقل جهد مُمكن، وقد يستطيع المرء أن يُحقق الكثير من المآثر على غرار ما حقَّقه كل من «جيانزي» و«شيانزي»، وذلك دون أن يكلف الناس ما لا يطيقون من الأعمال.

إن من يحققون إنجازات تتجاوز طاقة مُعاصريهم فسيلقون أشد اللوم والتأنيب بوصفهم مُخالفين للأعراف والتقاليد السائدة، وكل صاحب رأي مُبدع خلاق، سيكون محطَّ بُغض وكراهية العامة والدهماء. وقد قررت اليوم، أن أرتدي زي أهل قبيلة «خو» [تنطق كما في «خوفو»] وأنزل إليهم كي أُعلمهم فنون الطعن والرماية، بيد أني أعرف تمامًا أن الناس [الآن] سيتناولونني بألسنتهم في أحاديث القيل والقال.»

الجزء الثاني من الفصل نفسه

فرد عليه «فاي»، قائلًا: «قد بلغني يا سيدي، ما مفاده أن التردُّد في الأمور لا يُثمر نجاحًا، وأن التلكؤ في أداء الأعمال لا يرفع الناس إلى مصاف الشهرة، فمهما كانت قراراتك مخالفة للمعهود بين الناس، فامضِ في سبيلك ولا تلتفِت إلى ما يمكن أن يثار حولك من أقاويل.

إن من يتناولون مآثر الحكماء (بالتقييم والبحث) لا يلتفتون إلى معايير الأعراف والتقاليد القديمة، كما أن ذوي الإنجازات العظمى لا يناقشون خطط أعمالهم مع العامة من الناس.

وقد حدث في قديم الزمان أن الملك الحكيم شون وقف وسط حلبة رقص وأمسك بفأس في يدٍ وحربة في اليد الأخرى وراح يرقُص وسط قبائل «يومياو» [قبائل صينية قديمة] (وكانت تلك هي وسيلته في إخضاعهم لنفوذه)، مثلما أن الملك (القديس) «يو» خلع ملابسه، ودخل وسط العراة [القبائل القديمة في المناطق النائية] (يرقص ويُغني بينهم) عاريًا كما ولدته أمه ليس رغبةً منه في اللهو والمجون أو إرضاء رغبة جامحة، وإنما استجابة لمظاهر طقوسية يجري بمُقتضاها توزيع الألقاب والوظائف على رعاياهم من أهل المناطق البدائية.

إن الأغبياء لا يفهمون ما تجلت به المعاني أمام أبصارهم، أما النجباء، فيُحيطون ببواطن الأمور قبل أن تتبدَّى لهم الإيماءات وظواهر الإشارات، فامضِ، يا مولاي، إلى ما عزمت عليه من ارتداء زي أهل خو في محاولةٍ لتدريبهم على فنون الرماية.» فقال الملك: «لا يُخالجني أدنى شعور بالتردد إزاء الذهاب إلى أهالي منطقة خو والتزيي بلباسهم وتعليمهم فنون الرماية، لكني أخشى أن يهزأ مني أهل الممالك، فيفرح الجهلاء المَغرورون، ويحزن النجباء، بينما يمتلئ قلب الأغبياء سرورًا، ويحزن الحكماء وتقطر قلوبهم أسًى ولوعة، لكني لو استطعت أن أفرض نفوذي فوق أهل الممالك [القبائل النائية] فسوف ينقاد الجميع، ويصير ما فعلته من التزيُّن بردائهم، وتدريبهم على مهارات الرماية إنجازًا رائعًا لا مثيل له تحت السماء وعندئذٍ لن أعبأ بالمُستهزئين والساخرين ما دمتُ قد أحكمت قبضتي فوق منطقتي «خو»، و«جونشان».»

الجزء الثالث من الفصل نفسه

وبالفعل، فقد قام الملك أولينغ، حاكم جان بارتداء الزي التقليدي لأهل «خو» وأرسل «وانصون شي» [أحد النبلاء إلى «كون زيش» [عم الملك] ليبلغه ما مفاده: «قد قررتُ بصفتي حاكم جاو ارتداء زي أهل خو، طوال فترة وجودي بالقصر الملكي، وأريد — جديًّا — أن يقوم العم الكريم [عمي — شقيق والدي] — بارتداء ذلك الزي أيضًا، إن طاعة الآباء والأمهات واجب على أفراد أي عائلة، مثلما أن الإذعان للأوامر الملكية أمر مُقرر على أهل الممالك، فهذا قرين بذلك، وتلك كلها وصايا ورثناها من قديم، بشأن السلوك القويم؛ فليس للابن أن يعصي والدَيه، ولا للوزير أن يخالف أمر سيد البلاد، ولطالما كان ذلك هو المبدأ المتوارث على مرِّ الزمان منذ العهود الملكية الفائتة. وبما أني قد أرسيتُ قاعدة تغيير الزي، بارتداء ملابس أهل خو، فلا بد للجميع أن يسيروا على هذا المنوال، وإلا … فإذا عصاني أقرب الناس لي (يقصد عمه) فسيتحدث أهل الممالك بهذا الأمر فيما بينهم. ثم هناك قواعد مُقررة تحكم شئون الإدارة الحكومية، وعلى رأسها جميعًا مراعاة المصلحة العامة، أي: مصلحة الناس، عامة الشعب، التي تتخذ بشأنها إجراءات أساسية محددة، وينتخب لذلك أقدر الناس على وضع تلك المبادئ والإجراءات موضع التنفيذ، لذلك فقد كان تدعيم قواعد الحكم الرشيد، وتوسيع آفاق الاستنارة والوعي والعدل لدى السلطة الحاكمة، يكمن في مراجعة أحوال البسطاء من الناس [من ذوي المواقع الاجتماعية المتدنية (هكذا حرفيًّا)]، كما أن مناط الأمر في الإدارة الحكومية مرهون بإسناد شئون الإدارة العليا إلى النبلاء.

إن ما قررناه بشأن تغيير الزي الرسمي، لا يهدف إلى إشباع رغبة طارئة، أو تلبية حاجة من حاجات الترف والتسلية، ولكل أمر عظيم فاتحته ومبتدأ مادته، كما أن لكل إنجاز كبير عاقبته ومُجتنى ثمرته.

فإذا ما ارتفع شاهد المجد على منصة الإنجاز، بدت بشائر الحكم الرشيد جلية للناظرين، ولشد ما يُثير قلقي أن أسمع بمخالفة العم الكريم لأُسس وقواعد الإدارة الحكومية في البلاد، موالاة لآراء النبلاء المناهضين لتغيير الزي.

وقد قيل إنه لا ينبغي للماجد أن يُضمر نوايا سيئة لما فيه مصلحة البلاد، وقيل أيضًا … إن من يتخذ أقرباءه — من النبلاء — أعوانًا له، يتمجد اسمه وتتنقى سمعته من أي سوء؛ لذلك أتمنى أن تكون — أيها العم الجليل — عونًا لنا، بالقول والفعل في إنجاز موضوع تغيير الزي، على الوجه الأكمل، ورسولنا إليكم هو النبيل «وانصون شي»، الموفد لمقابلتكم وإبلاغكم بطلبنا الخاص بتغيير الزي، ونرجو إجابة الطلب.»

الجزء الرابع من الفصل نفسه

فما كان من (العم) «كون زيشن» إلا أن أثنى على جلالته، بعد أن بدأ كلامه بتوجيه الشكر إليه، ثم قال: «عندما بلغني قرار جلالة الملك بتغيير الزي كنت ملازمًا الفراش لما أصابني من المرض، وبالتالي فلم أتمكن من الحضور لمقابلتكم، وبالتالي لم تُتَح لي الفرصة لتقديم آرائي إليكم، لكني إذ عرفت بقراركم الكريم الذي أصدرتموه بشأن موضوع الزي الرسمي فسأبذل كل جهدي في سبيل تنفيذ ما نص عليه القرار بكل إخلاص وتفانٍ.

وقد بلغني أن المنطقة الوسطى (من الممالك)، موطن الموعظة والحكمة والقداسة، وموئل العدل والرحمة، ومغرس الأدب والشعر والفن والموسيقى، ومنبت كل إبداع أصيل ونادرة عبقرية، ومقصد البلدان للعلم والمعرفة، ومحط آمال الشعوب والقوميات المُمتدة في آفاق الأرض في اقتباس التجارب والعلوم والمعارف، لكنك آثرت تنحية كل تلك الثوابت [حرفيًّا] جانبًا، وفضَّلت استخدام الزي الشائع في (البلاد النائية) أقصى الأرض، فبدَّلت تعاليم الأقدَمِين، ونهلت من غير معينهم، فخرجت عما استقر في الأذهان. وما درج عليه الدارسون والعلماء من أفكار ومناهج وما ترسَّخ في طول البلاد وعرضها من العادات والتقاليد، ومن ثم فإني أرجو من جلالتكم تأمُّل ومراجعة هذه الأمور بمزيدٍ من العمق والرويَّة.»

الجزء الخامس من الفصل نفسه

وعاد الرسول إلى الملك فأبلغه بما كان من «قون زيش»، فقال الملك «أولينغ»: «نعم، كنت قد سمعت آنفًا، بما أصاب العم من المرض الذي أقعده الفراش.» فقام في الحال قاصدًا بيت عمه، حتى إذا التقى به، تحدث إليه مباشرة، قائلًا: «ليست الملابس إلا أشياء نستعملها بقصد التيسير على أنفسنا فيما يتعلق بالمظهر اللائق، ولم تقم قواعد الأدب والأخلاق إلا لتيسير سبل التعامل (بين الناس) بمقتضى المعايير المهذبة؛ وهو الأمر الذي دفع الحكماء إلى التدقيق في ملاحظة الأعراف السائدة (والأذواق المعهودة) لاتخاذ الأزياء والملابس التي تتناسب مع الظروف المحيطة بكل بلد ومنطقة على حدة. مثلما وضعت قواعد السلوك والآداب وفق ما يتلاءم مع تسهيل المعاملات (والسلوكيات) المُعتادة، وهو التصرف الذي يستهدف العمل على دعم وتقوية كيان الأوطان.

ومثلًا فإن إسدال الشَّعر مسترسلًا على الكتفَين، مع نقش الوشم فوق الأجساد، والوقوف مع تقاطع الذراعَين أفقيًّا وحجب الجزء الأيسر من القمصان، هو مجموع المظاهر التقليدية المتبعة في (عادات وتقاليد) قومية «أويو»؛ بينما استخدام المساحيق العشبية في دهان الأسنان باللون الأسود، وتزيين العنق برسوم الأزهار والنباتات باللون الأحمر الفاقع، مع استخدام قبعات للرأس مصنوعة من جلود الأسماك وارتداء الخشن من الثياب (كل ذلك) من عادات وأعراف أهالي دولة «أو».

(وهكذا) وعلى الرغم مما يوجد من فروق واختلافات هائلة بين أزياء تلك الشعوب والقبائل وما تعارف عليه أهلوها من الآداب وقواعد السلوك والأخلاق، فإنها تتفق جميعًا في أنها تقوم على مبدأ تيسير القيام بأمور الحياة المختلفة.

ومن هنا فقد تنوَّعت الآلات، في مختلف البلدان، بتنوُّع الملابس والأزياء، مثلما تعددت قواعد وأصول المعاملات، بتعدُّد أساليب الحياة وشئون الناس في كل مكان.

وبناء على ذلك، فقد كانت سياسة القديسين والحكماء فيما يتَّصل بأمور الممالك وهي تتطلع إلى ما فيه مصلحة الناس تتجنَّب أي محاولة لفرض أسلوبٍ موحد في الأزياء، أو في نمط استخدام الآلات، بل إنها وهي تهدف إلى تيسير سبل التواصل السلوكي والأخلاقي، فقد كان طبيعيًّا أن تتحاشى إخضاع الجميع لنمط (قالب) واحد من آداب المعاملات.

أما رأيت إلى أتباع المذهب «الروجي» (الكلاسيكي) الذين يتخذون من كونفوشيوس أستاذًا وشيخًا ومعلمًا، ويتفقون جميعًا حول ريادته لهم، ومع ذلك فلهم طرائق شتى في تقدير أصول المعاملات وآداب السلوك. هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فهناك المنطقة الوسطى من الممالك، التي تتشابه فيها العادات والتقاليد وتتقارب أوجه الحياة فيها بدرجة هائلة، بينما تختلف في كل بلدٍ منها اللوائح والقوانين، وطرائق السياسة المحلية والعبادات والمعتقدات الدينية — وإذا كان الأمر على هذا النحو في المناطق الوسطى — فما بالك بالأقاليم الجبلية النائية، أليست — هي الأخرى — جديرة بما يناسب طبيعة الحياة فيها من أساليب ووسائل متباينة؟

فبما أن قواعد وأصول المعاملات تختلف فيما بينها حول ما ينبغي اتباعه، وما يتوجَّب اجتنابه، فليس للعاقل أن يتَّخذ نمطًا واحدًا منها باعتباره قالبًا واحدًا يفرضه على الجميع (دون مراعاة للفوارق القائمة)؛ فلا حاجة للقديس الحكيم أن يُوحِّد أسلوب الزي والكساء في المناطق الوسطى والنائية على حدٍ سواء.

إنَّ الفارق بين القاصي والداني من الأقاليم، يولِّد الاختلاف في الأعراف والتقاليد، مثلما أن التبايُن بين الآراء والمذاهب (صحيحها وسقيمها) يقود إلى الجدل والمناظرة. فمن ثم كان النظر بعين الحياد فيما يجهله المرء منقبةً كريمة، وكان التأمل فيما يناقض الرأي السائد دون التعجل بالدحض والنفي دليلًا على اعتدال النفس المُتطلعة إلى الحُسن التام.

وبعد، فإن ما يشغلك هو العادات والتقاليد (في المطلق وبأسلوب مجرد تمامًا) وإنما أحدثك عن السيطرة على التقاليد وإخضاعها تحت زمام سلطتك. (وإذ أتطلع إلى الخواص الطبيعية لبلادنا) أجد أن النهر الأصفر يحدُّ دولتنا من جهة الشرق، ويرفده في ذلك نهر «بولو»، حيث تقع منطقة نهرية كبرى بين حدودنا مع دولتي جونشان وتشي، ومع هذا، المنهاج القويم، وكل وكيفية استخدام القوارب، وعلى خط مُمتد من سلسلة جبال تشانغ حتى منطقتي «شاندانغ» و«داي» تترامى جهة الشرق المنطقة الحدودية مع كل من «خو» الشرقية ودولة يان، بينما تمتد حدودنا ناحية الغرب مع «لوفان» ودولتي تشين، وهان؛ وعلى طول تلك الحدود، لم نقم بعد، بإنشاء تحصينات دفاعية من الرماة والفرسان؛ وعلى ذلك فقد قمت بإعداد المواد اللازمة لاستخدام القوارب، وحشدت عددًا هائلًا من الأهالي المُقيمين عند المسطحات المائية، وأقمت معهم قوات للدفاع عن منطقة النهر الأصفر ونهر «بولو»، كما قمتُ بتغيير الزيِّ للمتدربين على الفروسية والرماية ضمن جهود التجهيزات الدفاعية ضد محاولات الهجوم أو الاختراق من جانب دولة يان أو منطقة سانجو [عبارة عن تجمُّع يضم ثلاث قبائل من الأقليات القومية وهي: لينجو — دونخو — لوفان] أو دولة تشين أوهان.

وكان الوالي «جيان» — فيما مضى من الزمان — قد فتح ما بين منطقة «جين يانغ» وبين باقي الأقاليم — مثل شاندانغ — من طرق مواصلات [مما مكَّنه من الانطلاق في المواجهة التي أرادها بغير عوائق!] أما النبيل «شيانغ» فقد احتل منطقة «رونغ الغربية» واستولى بالكامل على منطقة «دايداي» وذلك لكي يتمكن من مواجهة قبائل خو بأكملها؛ فهذا مبلغ ما عندي من معلومات مؤكدة، أعرفها عن ظهر قلب.

وكانت دولة «جونشان»، منذ وقت قريب، قد احتلت أرضنا بفضل ما قدمته دولة تشي لها من مساعدات عسكرية، فأثخنت في بلادنا، وأوقعت الأهالي في أصفاد الأسر، وحوَّلت مجاري الأنهار باتجاه بلدة «خاو» [في دولة جاو] فحاصرتها بالمياه، ولولا أن تداركت آلهة الأوطان «شيجون» هذه البلاد برحمتها وأسدلت عليها ستر حمايتها، لما كتب لبلدة «خاو» البقاء، وهو الأمر الذي أثار غضب السيد الجليل (جلالة الملك السابق) وقد مات دون أن يثأر لكرامته ويشفي غليله.

ثم إن قرار إلزام الفرسان والرماة بارتداء زي أهل «خو» (يُمكِّننا) من التنبُّه للمخاطر المحدقة بمنطقة شاندانغ ذات الأهمية الكبرى (وذلك في المدى القريب، أما في حسابات المدى البعيد فهذا تصرف يمكِّننا من أن) نثأر من دولة جونشان. ومع ذلك فإن العم الكريم (سيادتك) يأبى إلا أن يساير عادات وتقاليد البلاد — مهما كان في ذلك من خروج — عما أقره كل من الملِكين «جيان» و«شيانغ»؛ ذلك بأن سيادتك تمقُت كل ما له صلة بالزي الجديد، وتنسى ما يُجلل البلاد من العار والمهانة، ولا أحب لك، كما لا أتمنَّى، أن تقف مثل هذا الموقف!»

الجزء السادس من الفصل نفسه

ثم إن «قون زيشن» انبطح على الأرض وسجد للملك طويلًا [على سبيل التحية والإجلال] وقال له: «ما كنت — لشدة غبائي — لأُدرك حكمة جلالتك وتخطيطك للأمور على هذا النمط، مما حداني إلى الجهر بآرائي (السقيمة) بشأن الأزياء التقليدية، فامضِ لما تطلعتَ إليه من السير على منهاج الأباطرة السابقين، وأكمل مسيرة سلفيك الراحلين «شيانزي»، و«جيان»، وأنا لك مُطيع فيما تراه وتأمر به.» وهنالك تقدم الملك أولينغ بأسمى آيات الشكر — للمرة الثانية — إلى (عمه) القون زيشن وأهداه أردية من الزي التقليدي لشعب خو.

الجزء السابع من الفصل نفسه

وأقبل «جاوين» ورفع نصائحه قائلًا: «من الأعراف التي لا تتبدَّل في مفاهيم السياسة الحكومية أن يشقى المزارع لكي يشبع السيد (الملك)، ومن القواعد المُقررة في التقويم الأخلاقي أن يتحدث السفيه بكل ما يعتمل في صدره؛ كي يصحح له الأريب الفطن ما غمض عنه فهمه فتتجلى له حقائق الأمور وتكمن أسباب الخير والسعادة للأوطان فيما إذا عاهد الوزير نفسه بالإخلاص التام لسيده ومليكه، وألزم الملك نفسه بمصارحة وزيره فلا يُحجَب دونه شيء مما يعرض له من الموضوعات. وإذ أعترف بما يشوب فطنتي من الغفلة والغباء، فقد عاهدت نفسي على بذل الإخلاص التام (لجلالة الملك).» وقال له الملك أولينغ: «من أراد أن يتأمَّل الأمور بدقة واستفاضة، فلا ينبغي له أن يضيق بالرأي المُعارض له، وليس مع الإخلاص لوم ولا انتقاد فقل ما شئتَ، وأنا مُصغٍ لك.» فرد عليه جاوين، قائلًا: «إن مسايرة الأحوال الراهنة واتباع التقاليد السائدة أمر مُقرر من قديم الزمان، كما أن نمط الزي الشائع، مسألة تحكمها قواعد الأخلاق والسلوك القويم، (وكذلك فإن) اتباع المعايير الأخلاقية درءًا لما قد يقع فيه المرء من أخطاء وهفوات، واجب على الجميع [أساس الواجبات العامة] فتلك هى القواعد الثلاث التي أوصى بها القديسون القدماء خلفاءهم من الملوك بالسير على نهجها، فإذا بك تضرب بكل هذا عرض الحائط، وتوصي (بدلًا من الالتزام بالنهج المعهود) باستعمال الزي الذي لم نألفه في بلادنا وإنما قد اقتبسته من بلاد بعيدة عنا كلَّ البُعد، فبدلت وصايا القدماء، وغيرت المنهاج القويم، وكل ما أرجوه من جلالتك أن تُعيد النظر في الموضوع كله من شتَّى جوانبه.» وهنالك قال له الملك أولينغ: «إن ما ذكرته الآن جزء مما تُحيط به علمًا بشأن التقاليد السائدة، أما صاحب العلم والمعرفة، فيحصر اهتمامه بالعلوم والدلائل المعرفية التي تكوَّنت لديه بالسماع، وكلاهما (… الفرد العادي من الدهماء، والمتعلم الدارس) وسيلة جيدة لتنفيذ المهام والوظائف الحكومية يقومان في المجال الوظيفي الحكومي، بدورهما خير قيام، بمعنى أنهما قادران على الاستجابة البارعة لنصوص وبنود اللوائح الحكومية والعمل بمُقتضى ما تفرضه من التزامات، لكنهما يدخلان في عِداد العباقرة بعيدي النظر، القادرين على تناول المبادئ السياسية لسياسة الممالك وإدارة شئونها (بحكمة واقتدار).

أضف إلى ذلك أن الأسر الملكية الثلاث (الأشهر في التاريخ: شيا - شانغ - تشو) استطاعت أن تفرض سيادتها فوق الممالك، وذلك على الرغم مما بين ثلاثتها من تباين واختلافات، وكذلك كان يُوجد بين (الإمبراطوريات) الخمس العُظمى فروق هائلة فيما سارت على نهجه من المبادئ الأخلاقية، ومع ذلك فقد تمكَّنت جميعها من تنفيذ مآربها وإدارة سياستها وسط الممالك على خير وجه.

إن النُّجباء هم الذين يصوغون الوصايا والمواعظ، أما الأغبياء فيَعُدونها مناهج ثابتة الأركان. وإذا كان الحكماء يقدرون على التفكير في تعديل العادات والتقاليد السائدة، فإن الآخرين (من غير الحكماء) يحرصون باستمرار على التقيد بالسبل المعهودة. إن أولئك الذين انطبعت عقولهم بطابع الزيِّ الشائع ليسوا جديرين بأن نفتح معهم حوارًا صريحًا، ولا كان المُتزمتون المتبعون النمط السائد مُستحقِّين للتفاهُم الودي أو للإفضاء إليهم بمكنون القلب.

بيد أن العادات والعصور عُرضة للتقلب والتغير اللذَيْن يفرضان أحكامهما على القوانين والنظم (فيتطرق إليها التبدُّل أيضًا). تلك هي الحكمة التي ورثناها، حقًّا، عن القديسين والحكماء.

ولم يكن للعامة والدهماء سوى العمل وفق الأوامر الحكومية، واتباع اللوائح والقوانين دون إبداء أية آراء شخصية، وأما النجباء والمرموقون (العباقرة) فهم القادرين على التأقلُم مع مشاهداتهم وحصيلة معارفهم (التي تمدهم بآفاق المعرفة الداعية إلى الاستجابة للمتغيرات.) إن الفاهمين لضرورات تغيير وتبديل قواعد السلوك، هم الذين يسيرون إزاء الزمان المُتغير، ويحذون حذوه. (واعلم) أن الطامِحين إلى تهذيب النفس ونقاء الخلق الأسمى، لا تدفعهم دوافع الثناء والمديح، وأن إصلاح شئون الناس في زمانهم الراهن وعصرهم القائم لا يقوم أبدًا على تقليد الأقدمين وترسُّم خُطى الغابرين فاهدأ بالًا، ودع عنك أثقال الهموم.

الجزء الثامن من الفصل نفسه

ودخل «جاوتساو» على الملك، وقال له: «إن التنحي عن الإخلاص والتخلي عن العمل بعزم وجد، لون من ألوان النفاق والغدر، كما أن تضليل الأوطان (المصالح العامة) لتحقيق مآرب شخصية، يدخل في عِداد الأعمال التخريبية التي تمس مصالح البلاد العُليا.

ويجب أن يعاقب المسئول الحكومي المتهم بخرق القوانين (الإهمال وعدم توافر الإخلاص الكافي للعمل) بالإعدام (الذي يطال رقبته وحده) أما المسئول الحكومي الذي يضلل البلاد بأسرها بأساليب الغش والخداع، (فلا يكتفي بإعدامه وحده، بل) ينبغي إبادة قبيلته عن آخرها.

فتلك هي العقوبات التي أقرها القديسون الحكماء، من قديم بوصفها أقسى عقوبات واجبة على هذين النمطَين من رجال الحكم وعلى الرغم من أني لستُ ممن حباهم الحظ بحدة الذهن ووقدة الذكاء، فإني طالما وددتُ أن أبذل غاية الإخلاص والتشمير عن ساعد الجد. وهنا قال الملك أولينغ: «إن الصراحة والصدق دون التستر على خطأ أو إخفاء عيب هو دليل الإخلاص الحقيقي، وقد رأيت من دواعي الحكمة والجد ألا أصد أحدًا عن الحديث بحضرتي (عما يعنُّ له من الأمور) ثقة مني بأن المُخلصين لا يهربون من الخطر، وبأن رجل الدولة الحكيم لا يُكمم الأفواه، ولا يمنع من أتى إليه بنصيحةٍ أو رأي سديد، من التحدث إليه، فقل ما عندك.»

الجزء التاسع من الفصل نفسه

وواصل «جاوتساو» كلامه قائلًا: «كنت قد سمعت قولًا مأثورًا، مفاده أن القديس الحكيم مهما ألقى من مواعظ، فلن يغير الناس أو يبدل من طباعهم، وأن الذكي الأريب مهما سلك بالفطنة والنجابة، فلن يقدر على أن يقنع الناس بتغيير عاداتهم وتقاليدهم؛ بل إن الوصايا (التعاليم) الأخلاقية التي تستند إلى واقع حال الجماعة من الناس، هي التي تبلغ مبتغاها بأيسر جهد، والتخطيط الواعي المخلص (لتبديل السلوكيات) القائم على أسس من الأعراف الراسخة، يؤتي ثماره في سهولة وسرعة، وأرى أن ما أتيته يا مولاي من تغيير للعادات والقوانين والآداب، دونما مراعاة للتقاليد السائدة في (طول البلاد وعرضها) [حرفيًّا: المنطقة الوسطى … المركز الأوسط!] وإحلال الزي المُتبع بين شعب «خو» محل (الأزياء التقليدية السائدة) متجاهلًا رفض الناس ومعارضتهم — وهم السواد الأعظم من أهالي الممالك — (أرى أن ذلك كله) لا يمكن أن يكون الوسيلة (المُثلى) لحث الناس على اتباع القواعد الأخلاقية وآداب السلوك. ثم إن الذين بدلوا أزياءهم لا يلتزمون بمظهر الجد والوقار، بل يتصرفون على نحو غريب يُثير حيرة الناس وارتباكهم.

وبناء على ذلك، فليس لمن قام على الناس سيدًا وفوق البلاد ملكًا أن يرتدي أغرب الملابس وأعجب الأردية، ولا يجب — أيضًا — لأهل الممالك الوسطى، أهل البلد، أن يسلكوا على نحو ما يسلك به الهمج والمتوحشون من أهل القبائل النائية؛ ذلك أنه لا ضرر في التمسك بقواعد الأخلاق ولا ضير من التأدب بآداب المعاملات، فأرجو من سيدي الملك أن يتدبر تلك الأشياء جيدًا.»

الجزء العاشر من الفصل نفسه

وأجاب عليه الملك قال: «قد اختلفت كثيرًا عادات الأمس عن اليوم، فأي ماضٍ هذا الذي ينبغي علينا أن نتعلم منه؟! إن يد التبديل والتغيير مسَّت كل القوانين والنظم والعادات التي ورثها الملوك الأقدمون عن الأباطرة (الخمسة المشهورين) السابقين عليهم فأي من هذه القوانين أحق بالاتباع وأي الأنظمة أولى بالالتزام؟! وقد قيل إن زعماء وشيوخ العشائر والقبائل القديمة، مثل: «فوشي»، و«شن نون» لم يدَّخِروا وسعًا في تعليم الناس طرائق الصيد والزراعة، دون أن يُصدروا أحكامًا بالتغريم أو الإعدام على أحدٍ من الناس، (أما الملوك الثلاثة) الإمبراطور «هوانداي» والملكين: ياو، وشون؛ فقد أصدروا لوائح تفرض على الناس دفع الغرامات وتعاقب بالإعدام، لكن هؤلاء الملوك حرصوا تمامًا على روح الحياد في تطبيق القوانين (بحيث تصدر الأحكام بنزاهة وعدل). فلما كان زمن الإمبراطور يو (آل شيا)، والملك طانغ (آل شانغ)، والملك أون (آل تشو) فقد وضعت القوانين بما يلائم ظروف الزمان القائم وقتذاك، وتأسست قواعد الأخلاق على حقائق الأوضاع السائدة في حينها؛ ذلك أن مختلف الأحكام والأوامر والنواهي كانت تساير الظروف والأحوال الماثلة، في ذلك الزمان البعيد، بيد أن ما تفتق عنه إبداع الإنسان في الأزياء والملابس وأدوات الحياة، يتوخى، جميعًا اليسر والبساطة؛ ومن ثم، فليس من الحكمة، الآن، محاولة فرض نمط واحد من القوانين والنظم (الأخلاقية والتشريعية) إذا ما أردنا إصلاح أحوال البلاد، كما أن أي محاولة، من جانبنا، للتيسير (على الناس) واتباع قواعد السهولة والبساطة لن تلجأ أبدًا للتعلم من القدماء، بل إن روعة الإنجاز الذي قام به القديسون الحكماء (فيما مضى من العصور)سجلجاو الرابع تتمثل في أن أحدًا منهم لم يلجأ قط، وهو بصدد تأسيس عروش حاكمة وسياسات لإدارة شئون الممالك إلى استعارة عادات وتقاليد أقدم وأبعد عهدًا، (وقد علِمنا من أحداث الزمان) أن سقوط عرش الأسرتين الكبيرتين «شيا»، و«شانغ» لم يكن بسبب تغيير قواعد الآداب وأصول التقاليد. وبناء على هذا، فلا ضير من الاستغناء عن التعلُّم من القدماء بل أظن أن اتباع منهاجهم لن يكون محل تقدير عظيم. أما من جهة القول بأن ارتداء الأزياء الجديدة قد يُثير الشعور بالغرابة والاستهجان، ويودي بالجد والعزم، ويوهن الإرادة، (لو كان هذا صحيحًا، إذن) لما استطاعت دولتا «تسو» و«لو» [تنطق كما في «وادي الملوك»] أن تحوزا قواعد معاملات تفوق المعهود في بابها، وتجاوز السائد في مادتها؛ أما لو كانت غرابة العادات والتقاليد سببًا لنزوع الناس إلى السلوك الطائش والتصرفات المتهورة، لما حازت دولتا «أو»، و«يوي» أعظم الشخصيات وأنبل المرموقين من الناس بين الممالك كافة.

ومن ثم، أطلق القديسون على ما يستر البدن، الملبس والرداء، (واتخذ الحكماء) من كل ما تتيسر به سبل التفاهم والحياة بين الناس، قواعد الآداب والأخلاق. على هذا الأساس، فقد صارت أصول المعاملات التي تندرج في باب السلوك المهذب، وأشكال الملابس والأردية المختلفة مجرد وسائل لضبط المظهر الشكلي للناس، دون أن تكون — أبدًا — معايير لتقييم الأخلاق والفضائل، وهنا يكمن السبب في أن القديسين كانوا يبحرون وراء العادات المتغيرة (في كل تيار يهيمون!)، بينما كان الحكماء يسيرون حسب خُطى الزمان المتنقل في أطوار متباينة، وهنا أذكر ما يقوله المثل السائر (من أن:) «من أراد أن يقود المركبات، حسب ما تنص عليه قواعد السير، فلن يفهم طبائع الجياد والأفراس (التي تجر العربات)، ومن أقدم على استعارة قوانين الماضي لضبط تشريعات الحاضر، فلن يفقه سر تطور الزمان».

فلهذا نجد أن كل إنجاز كبير قام على قاعدة اتباع آثار الماضي القديم، لا يفوق قامة الحاضر ارتفاعًا، وكانت استعارة علوم الغابرين أسلوبًا ناجحًا في ضبط شئون الوقت الراهن وتنظيم مصالحه وأحواله، فأنا الذي أرجو من سيادتك عدم الاعتراض على اتخاذ ملابس شعب «خو» زيًّا رسميًّا!».»

لمَّا قام الملك أولينغ بتعيين جوشاو

أصدر الملك أولينغ قرارًا بتعيين «جوشاو» في منصب «المعلم المستشار للأمير» وقال: «كنت ذات مرة، أتفقد الأقاليم، فلما مررت في طريقى ببلدة «فانو» (رأيتك) وكنت وقتئذٍ صبيًّا حدثًا، أما ما شد انتباهي، فهو أن كل البالِغين في البلدة، أثنوا على طاعتك وبِرِّك بوالديك مما حَدَا بي أن أحمل إليك حجر اليشب [حجر كريم] والخبز والنبيذ، هدية لك، بل أرسلت إليك لألقاك، لكنك اعتذرتَ عن المقابلة بسبب مرضك، وجاءني من يعرفك جيدًا، وتحدث عنك، قائلًا: «إن البار بوالده هو المخلص الوفي لسيده.» وإني لمقتنع بأن ذكاءك وحلمك وحسن منطقك كفيل بالتأثير في الناس أيما تأثير كما أن إخلاصك وخلقك الكريم ونقاء معدنك خير مُعين في مواجهة المِحن والعقبات، وميزة الإخلاص أنك ستُصارحني بكلِّ ما يعتمل في ذهنك، وفضيلة البر والوفاء بالعهد أنك ستبقى على مرِّ السنين، مخلصًا لا تتبدل مع الأيام، وقد جاء في أحد أبيات الشعر (مجهولة المؤلف) ما نصُّه:

«استعن بالشجاعة على المحنة،
ولتضبط الحكمة ما بددته الفوضى
وما تركه العبث مهملًا سائبًا.
تلك هی عدتك للأيام،
وليكن مستشارك هو ساعدك الأيمن،
وقد تجلى لك أصيل معدنه،
وليكن العلم عمادك في
تهذيب الأجيال الناشئة،
فذلك منهاج العدل والحق،
وليس مع استقصاء المعرفة
خوف ولا محنة!»

فلذلك، وددت لو ارتديت رداء أهل «خو» وشمَّرت عن ساعد العون لأميرك، ملك البلاد».

الجزء الثاني من الفصل نفسه

ورد عليه جوشاو قائلًا: «جانَبك الصواب، يا مولاي إذ وقع عليَّ اختيارك، فلستُ بالرجل الذي يقدر على تحمل ما أسندت إليَّ من مسئولية.» فقال له الملك أولينغ: «ليس أخبر من الأب بولده، إذا ما وقع عليه اختيار (لمهمة ما) ولا أفقه من الملك بوزرائه، إذا عنَّ له أن يفاضل ويختار، وأنا، عندئذٍ، الملك، سيد البلاد.» وهنالك قال له جوشاو: «إن تنصيب المعلم المستشار يقوم على معيارٍ أساسي ذي ستة بنود.» فسأله الملك عن تلك البنود، فأجابه: «أن يدرك تقلبات الأمور بعين الحصيف الذكي غير المراوغ الداهية، وأن يكون مُلمًّا بقواعد الأخلاق، ذا حلم وقلب رحيم؛ وأن يكون ذا عزم وجد، في غاية الانضباط فيما يتعلق بواجباته الوظيفية دون تراخٍ أو تهاون وألا يفسد باطنه أمام المصلحة الأنانية مهما عظمت؛ وألا يتهاون فيما يتعلق بالهيبة والاحترام وأصول المعاملات (الأخلاقية)؛ وأن يكون ليِّن الجانب لطيف المعاملة مع مرءوسيه بغير تبذُّل أو رياء.

فمن حاز تلك الصفات الست، كان جديرًا بمنصب المستشار المؤدب لولد جلالته، بيد أني لا أجد في نفسي واحدةً منها، إذ إن أسوأ ما يَعيبني هو أني فاتر الهمة خامل الإرادة، لا أقول الحق في صراحة ووضوح وهو ما يعني أني إذ أُضطر إلى … الإذعان للأمر الملكي فسوف ينجم عن ذلك … انتهاك قدسية الوظيفة الرسمية مما يُعرِّض المسئول نفسه للمتاعب، ويلحق به الذل والمهانة؛ فلذلك أرجو من جلالتكم العدول عن اختیاري لهذا المنصب.»

الجزء الثالث من الفصل نفسه

وتكلم الملك أولينغ، فقال: «فبعد أن أحطتني علمًا بالبنود الستة، فإني أكلفك بتولي مسئولية هذه الوظيفة.» فرد عليه جوشاو، قائلًا: «إن الناس في كل أرجاء البلاد، الآن، ما زالت في حيرة وبلبلة، ولا تفهم بعدُ ما يقصد إليه الملك بشأن استعمال الزي المنسوب إلى شعب «خو»؛ وإذ أصبح وزيرك بعد أن تُكلفني بموقع وظيفي مُهم جدًّا ومرموق، فهل يصير من حقي الاعتراض على تنفيذ الأوامر خصوصًا في مثل هذه الظروف المُحيطة بنا؟» ولم يسع جوشاو إلا أن يشكر جلالة الملك على ثقته الغالية به، فتكرم عليه الملك بإهدائه كسوة من رداء «خو».

الجزء الرابع من الفصل نفسه

وقال الملك أولينغ: «إني إذ أسند إليك مهمة المعلم المؤدب للأمير، فإنما أريدك أن تبذل له الحُب والرعاية الواجبة، وأن تُبين له كيف يكبح جِماح نفسه، وأن يصد عن ذاته غوائل النفس وخبث الطويَّة؛ وذلك بأن تُرشده إلى سُبل الحق والعدل، ولا تدعنَّه يشقى بالدرس والمطالعة، ولتقُم على شئون البيت الملكي بما يوافق إرادة سيد البلاد، فلا تخالف له إرادة ولا تعصِ له أمرًا. ويجب على من يتولَّى للملك شأنًا أن يكشف عن أحسن الخصال وأن يرد النفس عما يعرض لها من المزالق.

إن بلدًا يقوم بين جنباتها مثل هذا الوزير لهي أسعد البلاد حظًّا، فإن سرت على هذا النحو، ووفيت حق الوظيفة وواجب المسئولية، فنعم إذن.

وقد ورد في كتاب «شانغ شو» [السجلات التاريخية] ما نصه: «إن عزمت على استئصال شأفة السوء، فلا تتردَّد، وإن اتخذت عاملًا حكيمًا فاضلًا، فلا تقهر.» وقد اخترتك وفضلتك على الجميع وقُضي الأمر على ذلك!».

ثم إنه خلع على جوشاو خلعة سنية؛ إذ أهداه رداء أهل خو وغطاء رأس مما يلبسونه، وزنارًا جلديًّا مطرزًا بأبهى زينة، مزودًا بقفل ذهبي بديع، تكريمًا له إثر تكليفه بالعمل مؤدِّبًا لولده الأمير.

لمَّا ارتدى الوزير الأكبر الزي الجديد

تناول جاويان [الوزير الأكبر بدولة جاو] الزي الجديد بيد مُترددة وارتداه على مضض، فلمَّا علم الملك أولينغ بذلك، أرسل إليه يُعاتبه بقوله: «إن من آداب العمل في خدمة الأمير (الملك، سيد البلاد) أن تدخر وسعًا في القيام بواجبات عملك؛ فإذا عنَّ لك أن تنصح بشيءٍ فقدِّم مشورتك بلغة المجاز والرمز في غير ضجة أو غلظة طبع، فإذا استفسر الملك عما بَدَا له من الأمور فلتكن إجابتك في صبرٍ وأناة؛ فلا تتبرَّم بما يوجه إليك من أسئلة واستفسارات ولا تعصِ أمر ولاتك، وتشمخ بأنفك صلفًا واختيالًا بما قدَّمَت يداك من الفضل أو جميل الصنيع. وحذارِ ثم حذارِ أن يكون منصبك الذي تشغله بقُرب الأمير تُكَأة لأن تتخذ لنفسك المقام الرفيع، ليزهو قدرك فوق قامته ومجده وسلطانه.

ليس على الولد تجاه أبيه إلا الإذعان للنصح والاسترشاد بالوصايا والمواعظ، دون عصيان أو مخالفة؛ وليس على الوزير تجاه الأمير إلا التواضُع له، والترفع عن معاندته أو التعصب ضده.

ذلك أنه إذا سلك الولد تجاه أبيه سلوكًا نابيًّا (عن جادة الحق) اختل نظام الأسرة ودبَّت الفوضى في أنحاء البيت، وإذا حاد الوزير عن مَحجة الصواب (مع جلالته) أحدق الخطر بالأوطان.

إنه ما من ولدٍ عقَّ والدَيه إلا نبذوه من وسطِهم، مهما بلغا من العطف والرحمة؛ وما من وزيرٍ اتخذ منصبه وسيلةً لتحقيق مآربه وتأسيس قواعد مجدِه (دون سیده مليك البلاد) إلا استغنى عنه، مهما اتسع صدر سيدِه بوافر الرحمة والتسامح. وبعد، فقد بلغَني امتناعك عن ارتداء ما قررناه زيًّا رسميًّا (مقتبسًا من ملابس شعب خو) وليس — لدينا — أسوأ من عصيان أوامر الملك جرأة وجناية.

إنك إذ تصرفت بهذه الطريقة فقد أقحمت آراءك الذاتية واعتبرت تغيير الزي الرسمي — وهو مسألة سياسية بحته — عبئًا شخصيًّا يثقل كاهلك، وجعلت من عصيانك لأميرك مجالًا للفخر والسؤدد، وإعلانًا للشرف الشخصي ورفعة القدر؛ فليس أفدح من هذا انصياعًا للهوى الشخصي وإقحامًا له في الشأن العام.

وأخشى أن ما اقترفته من اجتراء وجرم يوجِب تقرير عقوبة الإعدام [حرفيًّا: قطع الرقاب] لذا لزم التنويه على الجهات الرسمية والقانونية باتخاذ اللازم دون أدنى تهاون.»

وهنالك سجد جاويان فوضع جبهته على الأرض، وقال: «قد أبلغني المسئولون في هذه الآونة بالأمر الملكي النافذ بشأن ارتداء الزي الجديد، أما وقد غمرني جلالته، آنفًا بفضله وإحسانه، فإني أستشعر فداحة ما ارتكبته بمخالفتي الإذعان للأمر الملكي الصادر بالمعنى المذكور، لكني أعرف أيضًا أن جلالته لن يرضى بأن يضع العقاب والعذاب موضع النصح والإرشاد؛ فذلك ما علمته من جميل إحسانه وكريم أخلاقه، [لكني لمَّا كنتُ قد أُبلغت بالأمر شفويًّا، بواسطة الآخرين، فأرجو] مع عظيم الاحترام، أن أتشرف بالاطلاع على الأمر الملكي مُحرَّرًا بحيث يتسنَّى لي اتخاذ اللازم بشأن الشروع في ارتداء الزي الرسمي المُقرر، وأنا في خدمة مولاي ترقُّبًا لاستلام تلك الإحاطة.»

لمَّا أصدر الملك قرارًا بإلغاء الحامية

أصدر الملك أولينغ، قرارًا بإلغاء الحامية العسكرية المرابطة في «يوانيان» [مدينة في دولو جاو] وأقام مكانها القوات (الخيَّالة) الراكبة، فصارت يوانيان مركزًا لتدريب الخيَّالة، وهنالك تقدم «نيو سان» [وزير عظيم بدولة جاو] إلى البلاط الحاكم، بآرائه التي ضمَّنها تقديراته ونصائحه، وجاء فيها … «إن للبلاد قوانين أساسية وللجيش مبادئه العسكرية التي لا تتبدل على مر الزمن، وإذا كان المساس بالقوانين الأساسية حقيق بنشر الفوضى والاضطراب، فإن انتهاك المبادئ العسكرية يُعرض القوات للضعف والتفكك. وقد أصدر جلالته، اليوم، أمرًا يقضي بإلغاء الحامية العسكرية القديمة، التي ترابط في يوانيان، تمهيدًا لإقامة قوة جديدة من الخيَّالة، وتحويل يوانيان إلى مركز لتدريب الفرسان، هو أمر مُخالف للقوانين الأساسية، بل الأدهى من ذلك أنه يتجاهل المبادئ العسكرية. إن القادة والضباط الذين تمرَّسوا على استخدام أسلحتهم واتخاذ الإعداد اللازم (للقتال) هم وحدهم القادرون على ملاقاة العدو والاشتباك معه بغير تردُّد أو إبطاء. إن الذين تذلَّلت لهم مصاعب استخدام السلاح، ستتيسر لهم كل الصعاب.

(وفي بلادك الآن) الكثير من الذين تذللت لهم صعاب استعمال الأسلحة وإذ تفاجئهم، اليوم، باستبدال كل ما مهروا فيه وأجادوا استخدامه بأسلحةٍ أخرى ونظم مختلفة فهذا تصرف ينال من سمعة الملك ويضعف من قوة البلاد؛ ولذلك فلا يستحسن المساس بالعادات والتقاليد السائدة، ما لم تبلغ المزايا التي تعود على الناس من جراء ذلك مائة ضعف ما هو قائم ولا داعيَ لتغيير نظام التسليح، إلا إذا كانت الفائدة المرجوة تتجاوز عشرة أضعاف ما يتميز به النظام الحالي.

وعلى أية حال، فما دمت (یا مولاي) قد اتخذت قرارك النهائي في ذلك الشأن (إلغاء الهيئة العسكرية القائمة في يوانيان، سعيًا لإنشاء مركز إعداد الرماة والخيَّالة) فأخشى أن المكاسب التي يمكن أن يحققها في ميدان القتال ستتراجع كثيرًا وراء ما سوف يتحمله من تكاليف الخسارة.»

الجزء الثاني من الفصل نفسه

وتكلم الملك أولينغ، فقال: إن المزايا والمساوئ تختلف كثيرًا اليوم عنها بالأمس. من مظاهر هذا الاختلاف أنه يمكن استبدال المعدات والأسلحة فيما بين المناطق النائية والأقاليم الوسطى، إن لكل طرف بين حدَّين متناقضَين معياره ووزنه [حرفيًّا: لكل تغيُّر بين كفَّتَي اﻟ ين واﻟ يانغ (الأرض والسماء، الليل والنهار، الذكر والأنثى … إلخ) نظامه وميزانه] ولكل تبدُّل بين الفصول الأربعة طبيعته التي تُناسبه. ولهذا، فالعاقل من ارتفع بالتأمُّل والملاحظة والتعديل فوق العادات والتقاليد وليس من وقع في إسارها، وتقيد بسيرورتها.

إن الإنسان هو الذي يصنع السلاح وأدوات القتال، فلا يمكن أن يكون السلاح مقيِّدًا للإنسان.

أنت تهتم كثيرًا بلوائح وتدابير واختصاصات الإدارات الحكومية، لكنك لا تنظر إلى الفائدة المرجوة والممكنة المترتبة على استبدال نظم الأسلحة. ولا شك أنك تفقه الكثير عن استخدام الأسلحة والدروع، لكنك تكاد لا تعرف شيئًا عن الإجراءات المناسبة للتلاؤم مع مُتغيرات حياة الناس وأحوال الدنيا بأسرها.

وبناء على ذلك فإني أتساءل عما إذا كان هناك ما يمنع من استبدال سلاحٍ ما إذا ما اتضح أنه غير مُلائم للاستخدام الأمثل؟ (وأتساءل) ما الذي يحول دون استبدال العادات والتقاليد طالما باتت عصيةً على مسايرة الأحوال في يُسرٍ ومرونة؟

كان سلفنا، الملك الراحل شيانزي قد ذهب ذات مرة إلى المنطقة الحدودية المُشتركة بين بلادنا وحدود دولة «داي»، وتأمل المنطقة طويلًا، ثم أقام جدارًا كبيرًا لتحديد معالم الخط الحدودي الفاصل بين البلدين وأسماه بباب «أوتشيون» [بمعنى بوابة «طريق الأبد»] وكانت هذه التسمية إشارة رمزية تحمل رسالة إلى الأجيال القادمة، يرجو منها الملك أبناء الزمن القادم بالسعي الدءوب لفتح الطرق عبر الحدود نحو الآفاق البعيدة.

إن الدروع الثقيلة والخوذات المصفحة (التي كانت ذات يوم، ذخيرة قتال ذات شأن) والرماح الطويلة، لم تعُد تصلح اليوم لعبور المناطق ذات الأهمية الحاسمة في القتال، وبالقدر نفسه فإن إطلاق شعار المبادئ الأخلاقية والرحمة والإنسانية، لن يُخضع لنا رقاب أهل (شعب، قومية) خو بالإذعان. وقد علمت أن قيمة الثقة لا تتعارض مع مفهوم «استجلاب النفع». والذكي لا يدع الفرصة السانحة تُفلت من بين يديه.

لكنك تأتي اليوم بحديثك عن اللوائح الرسمية والإدارات الحكومية لتفسد عليَّ محاولاتي في تعديل الزي الرسمي وإنشاء قوات الخيَّالة والرماة، وتلقي بكل العراقيل في طريق دعم بناء الجيش والتطلُّع نحو الآفاق البعيدة وتلك أمور عليك سبر أغوارها وفهم حقائقها.»

الجزء الثالث من الفصل نفسه

وهنالك سجد نيوسان عند قدمي الملك، وضرب الأرض برأسه عدة مرات، قائلًا: «وكيف لي أن أجرؤ على عصيان أوامرك يا مولاي؟» ثم إن الملك خلع عليه أردية أهل خو، وقام على رأس قواته من الخيَّالة فاقتحم بها أرض شعب «خو»، متقدمًا من جهة ممر «تينكوان» مارًّا في طريقه بمنطقة «جيوان» [في أرض جاو] الحصينة، فعبر مضيق «جين شين» حتى وصل إلى منطقة «يوتشون»، حيث شق طريقًا عبر ما مساحته ألف لي في المنطقة الحدودية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤