سجل وي الأول

لمَّا تقدم جيبو بطلبٍ إلى أحد كبار رجال الدولة

تقدم جيبو إلى «ويهوان تسي» طالبًا منه تسليمه مساحاتٍ شاسعة من الأراضي [«ويهوان تسي» أحد رجال أربعة، الآخرون هم عظيم دولة جين، وملك جاو، وملك هان، قاموا بالقضاء التام على جيبو، ثم قسَّموا دولة جين فيما بينهم، واعتلى «ويهوان تسي» عرش دولة وي فيما بعد].

فلم يُجبه «ويهوان» إلى طلبه، فتكلم معه «رنجانغ» [رئيس وزراء ويهوان] قائلًا: «فما الذي يمنعك من أن تُجيبه إلى طلبه؟» فرد عليه قائلًا: «ليس هناك ما يُبرر هذا الطلب بأي حال، فمن ثم رفضتُ إعطاءه الأرض التي كان يطلبها.» فقال له رنجانغ: «إذا كان صحيحًا أنه يطلب منك أرضًا دون أية مبررات أو أسبابٍ مفهومة، فهذا كفيل — بحد ذاته — أن يُثير خوف وهلع جيرانه، وإذ يشتد نهمه للحصول على الأرض دون أن يقنع بما لدَيه، فستنطلق دواعي الرعب من مكامنها، حتى يعم الفزع أرجاء الممالك كلها. وهكذا، فلو منحته الأرض التي يرجو الحصول عليها فستمد له في طغيانه وصلفه مما سيجعله أكثر ميلًا للطيش والتهوُّر والاستهانة بأعدائه، أما جيرانه الخائفون فسيجتمع شملهم تحت مظلة الرعب الذي يتهدَّدُهم جميعًا بالانقضاض عليهم، وعندما يتشكل جيش واحد من قوات أولئك الذين اجتمع شملهم وتألفت مشاعرهم تحت رعبٍ واحد، ثم يتَّجه هذا الجيش الاتحادي لمواجهة ذلك البلد الذي يستهين بأعدائه، فلن يكون في عمر «جيبو» بقية!

وقد ورد في كتاب «تاريخ آل تشو» ما نصه: «مُدَّ يد العون لمن نويتَ أن تهزمه؛ وإذا أردت أن تحصل من امرئ على شيءٍ غالٍ فلا بد أن تُبادر أولًا إلى أن تغدق عليه بالكثير».

وأرى من الأفضل أن تُعطيه الأرض التي طالب بها لكي تزيد في غروره وطيشه وإن كنت أعجب لك إذ تحول بينه وبين كيد الممالك له والتآمُر ضده، فيجعلنا مطيته لتحقيق أغراضه في اقتطاع المزيد من الأراضي!» فوافقه ويهوان تسي على رأيه واقتنع بمقالته وتنازل ﻟ «جيبو» عن محلة كبيرة آهلة بالسكان، ففرح للغاية (واتجه نحو دولة جاو) ليُطالبها بتسليم أرض «تصاي» ومنطقة قاويليان، فلمَّا لم تستجب إلى طلبه، قام بتطويق منطقة «جين يانغ» وهنالك أظهر له («ويهوان تسي» «وقانزي»، ملك هان)، وجه التآمُر والغدر، بينما سلَّطت عليه دولة جاو — داخل أراضيه — الكثير من العناصر المُندسَّة، فكان في ذلك هلاكه فمات مقتولًا.

لمَّا تفاقمت العداوة بين هان وجاو

تفاقمت العداوة بين كلٍّ من هان وجاو، فتقدمت هان إلى دولة وي تطلب إمدادها بقوات عسكرية، قائلة: «نرجو إمدادنا ببعض القوات للإغارة على جاو.» فرد الملك أونهو [حاكم دولة وي ومؤسسها الأول]، بقوله: «أرجو أن تقبلوا اعتذاري عن تلبية هذا الطلب؛ لما يربطني بملك جاو من صلة رحم؛ فهو أخي الشقيق الذي لا يسوغ مُطلقًا أن أساعد على مهاجمته.»

ثم تقدمت جاو، هي الأخرى، إلى دولة وي تطلب مساندتها ببعض القوات لضرب دولة هان، فأجاب الملك أونهو، قائلًا: «إن بيني وبين ملك هان علاقة الأخ بأخيه ويؤسِفني عدم إجابتك إلى ما طلبت!» فلمَّا لم يتيسر لوفود الدولتَين الحصول على الإمداد اللازم من القوات رجَعا إلى بلديهما، ثم علم الجميع، فيما بعد، أن الغرض الأساسي من التصرف الذي اتخذه ملك وي كان يتمثل في رغبته في قيام علاقات سلمية بين بلاده وباقي الأطراف، فمن ثم قصد الجميع إلى قصره وجاءته الوفود وراء الوفود تترى بعضها في إثر بعض.

لمَّا قام «يويان» على رأس قوات وي لمهاجمة

قام يويان قائدًا على رأس حملة عسكرية انطلقت من دولة وي لمهاجمة دولة جونشان التي كانت تعتقل ولده، وفي تلك الأثناء بلغه أن ملك جونشان ألقى بولده المسجون في ماء شديد الغليان حتى مات، بل إنه أرسل إلى يويان نفسه ببقايا من الماء الذي تهرأ فيه جسم ابنه، فشرب من الماء، بل جلس تحت خيمة كبيرة وراح يعب الماء عبًّا (دون أن تطرف له عين!)

فتحدث في ذلك الملك أونهو — حاكم وي — إلى أحد رجاله (ويُدعى توستزان) قائلًا: «قد شرب يويان من الماء الذي غمر جسد ولده المقتول وأكل من بقايا لحمه، وما أظنه أقدم على هذا إلا لأجلي!» فأجابه الرجل، قال: «فإذا كان قد أكل لحم ابنه أتراه يعجز عن أن يلتهِم لحم الناس أجمعين؟» وحدث أن يويان قد تغلَّب على قوات جونشان، فأوقع بها الهزيمة، فأثنى عليه الملك أونهو، وأغدق عليه الصلات والمكافآت، إلا أنه صار يتوجس منه، ويتشكك كثيرًا في مدى إخلاصه.

لمَّا تم تعيين «شيمن باو» محافظًا لإقليم «هي»

تم تعيين «شيمن باو» محافظًا لإقليم «هي» [تنطق كما في «المقاهي»] لكنه اعتذر إلى الملك أونهو عن قبول المنصب، فقال له جلالته: «فلتذهب دون إبطاء وإني لعلى ثقة من أنك ستقوم بأداء واجبك على خير وجه، فيصير لك الاسم الشريف والشهرة الذائعة.» فرد عليه «شيمن باو»، قال: «فاسمح لي أن أسألك يا مولاي، هل هناك وسيلة مُمكنة لإنجاز المهمة الموكولة إليَّ؟» فأجابه الملك، قال: «نعم، فهذا أمر في منتهى السهولة، فما عليك إلا أن تدعو كبار القوم إليك فتنتقي من بينهم أعظمهم فضلًا وخلقًا، فتبذل لهم الاحترام والتبجيل، ثم ابحث عن أولئك الذين يُغضون عن محاسن الناس بينما يحرصون على فضح مساوئهم وتجريسهم، فتأمل أحوالهم جميعًا؛ فالأمور إذا طمَّت وتجاوزت أقصى مداها صارت ظواهرها لا تُنبئ عن باطنها، وتتناقض خفاياها عن المعلن الصريح منها، حتى إن المرء لينظر إلى العشب الكثيف فيحسبه شتلات النبات في أرجاء الحقول، بل قد يبدو الثور ذو اللون الأصفر الداكن، كأنه نمر وحشي. ويتراءى العظم الأبيض، كما لو كان صنوًا لعاج الفيل أو ما شابه، ويظهر الحجر الطَّفْل للناظر كأنه نوع من حجر اليشب الثمين … مما يدل بجلاء، على أن المَخبر قد يختلف في كثيرٍ من الأحوال عن المظهر.»

لمَّا خرج الملك أونهو في رحلة صيد

تواعد الملك أونهو مع أحد مسئولي المناطق الجبلية للخروج إلى رحلة صيد، وكان جلالته قد شرب حتى ثمل، وانتابته نوبة من الابتهاج، بينما هطلت السماء مطرًا مدرارًا، فلما همَّ الملك بالخروج من القصر، تحدث إليه وزراؤه (المرافقون له عن يمينه وشماله) قائلين: «ها أنت قد أسرفت على نفسك في الشرب، وقد اشتد سقوط المطر، في الخارج، فأين تريد المسير؟» فأجابهم: «قد تواعدتُ مع كبير مسئولي المناطق الجبلية على الخروج إلى الصيد، ما دمتُ قد انتشيت من الخمر، فما المانع من الذهاب إلى الموعد المُتَّفق عليه؟!» وبالفعل فقد خرج إلى الميعاد المضروب سلفًا، لكنه أصيب أثناء الطريق بالإعياء الشديد (لكن، وعلى النقيض مما أصاب الملك من الإجهاد والفتور، كانت …) دولة وي تسير نحو الازدهار بعزيمةٍ متجددة وقوة واعدة.

لمَّا جلس الملك مع مؤدبه يتحادثان

جلس الملك أونهو، حاكم دولة وي، مع مؤدبه «تيان تسي» يشربان كئوس الخمر ويتحدثان عن الموسيقى والغناء، فقال الملك: «أرى أن موسيقى الأجراس لا تُصدر أصواتًا متآلفة وذلك لما يبدو من أن مجموعة الأجراس التي إلى اليمين تصدر درجاتٍ عالية من النغم.» وهنالك تردَّدت الضحكات في فم المعلم «تيان تسي»، فسأله الملك مندهشًا عن سِر ضحكاته، فأجابه: «قد بلغني، يا مولاي، أن الملك الحكيم مُرهف الحس، يُجيد الإنصات إلى صوت المسئولين ورجال الدولة، أما الملك (ثقيل السمع) الذي أصيبت أُذناه بالوقر، فهو الأكثر ولعًا بالموسيقى والغناء، وأخشى أن تكون رهافة حسِّك فيما يتصل بشئون الطرب والأغاني دليلًا على ما أصاب أذنَيك من وقر بخصوص الإدارة والحكم الرشيد.» وعندئذٍ قال الملك: «فأنا، إذن، إلى علمك ونصحك أشد إصغاءً وتبجيلًا!»

لمَّا ذهب ملك دولة وي مع رجال الدولة إلى

خرج الملك «أوهو» حاكم وي، مع كبار رجال الدولة، للسباحة في بحر «شي»، فتحدث جلالته (مزهوًّا بما يراه من معالم طبيعية) قائلًا: «ألا ترون إلى منعة منطقة هيشان وأهمية موقعها، لقد ظننتُ أنها أشبه ما تكون بمنطقة حدودية ذات أهمية [استراتيجية] في التخطيط!» فرد عليه «وانصو» (موافقًا إياه في رأيه) قائلًا: «فذلك سبب قوة دولة جين، ولا بد أن محاولة ترميم واستغلال مزايا هذا الموقع ستعد بمثابة توفير الشروط الملائمة لبناء صرح إمبراطورية عظيمة.» وهنا، تدخل في الحوار «أوتشي» قائلًا: «إن كلام جلالة الملك على جانب كبير من الخطورة ولو وصل الأمر إلى التخطيط على أساس هذه الأفكار، لكانت تلك هي الطامة الكبرى ومع ذلك فأنت تساير جلالته في مقولاته وأفكاره، مما يزيد في احتمالات الخطر ووقوع الكارثة.»، فاحتدَّ غضب الملك وثارت ثائرته وهو يرد عليه بقوله: «ماذا تقصد بكلامك هذا؟ أفصح بسرعة عما تريد قوله!» فأجاب: «أقول لك الحق إن مناعة منطقة هيشان لا يمكن الاعتماد عليها في تقدير أية نواحٍ من الأهمية، فأين هذا من الادعاء بتوفير شروط قيام إمبراطورية كبرى.

كانت قومية «سان مياو» تقيم، فيما مضى من الزمان البعيد، بأرض تحدُّها من الغرب مياه بحار كبرى ومن الشرق بحيرة «طون تينغ» بمساحتها الشاسعة، وقد ترامت عند حدودها الجنوبية، وعلى الرغم من هذا كله، فلم يتيسر لها أن تضبط شئونها السيادية؛ إذ تغلب عليها (الإمبراطور الحكيم) «يو» وطردها خارج ذلك الموقع، فنزحت إلى إقليم بعيد.

وفي مثال آخر نجد أن دولة (الطاغية) جيه آل شيا كان يحدُّها من الغرب مضيق «تيان جينغ»، ومن الشرق ضفاف مجرى «تیانشي»، وقد امتدَّت سلال جبلَي «لو» و«قاو» عند حدِّها الشمالي، وقد تدفَّقت مياه نهرَي «إي» [تنطق كما في إيران]، و«لو» عند حدودها الجنوبية، وعلى الرغم من كل هذه المزايا (التي توفرها ظروف المكان) فلم تنجح في إقامة حكم رشيد، فغزاها «شانغ طان».

وبالمثل، فقد تميَّزت دولة — الطاغية — تشوآل يين — بظروف جغرافية ممتازة، بحيث كان يحدها من الغرب أحد الممرات المنيعة، ومن الشرق نهرا «جانغ»، و«فو» ويدور حولها — من جهة الجنوب — النهر الأصفر، ويمتدُّ جبل «تايشين» ظهيرًا قويًّا وحاجزًا منيعًا يصد عنها المخاطر، وعلى الرغم من تلك الشروط (الجغرافية) الرائعة، والمَواقع المنيعة، فلم تستطع أن تسوس رعاياها وفق مبادئ سياسية رشيدة مما مهَّد للملك «أو» حاكم دولة جو أن يغزوها.

(وفوق ذلك كله، وقبله) فقد كنت، يا مولاي، نموذجًا للحاكم الذي يقترب من أحاسيس شعبه وينصت إلى آراء وزرائه حتى تحقق لك النصر فوق المدائن الكثيرة التي كانت حصينة الأسوار، مأهولة السكان، ومع ذلك فقد أخضعتها تحت نفوذك وهيبتك، وما كان ذلك مُمكنًا، إلا) بسبب ما تفشَّى في جنباتها من الفساد والسياسة الغاشمة.

وهكذا يتضح، بجلاء، استحالة قيام إمبراطورية عظمى لمجرد توفر مزايا المناعة (الجغرافية) وأفضلية المكان!»

وهنا تكلم الملك أوهو قائلًا: «صدقت في كل ما ذكرت، ولا يسعني، اليوم، بعد أن سمعت مقالتك، إلا أن أعهد إليك بالقيام على أمر إقليم (حوض نهر) شي وإدارة شئونه الداخلية.»

لمَّا كان «قون شوصو» قائدًا عامًّا

كان «قون شوصو» قائدًا عامًّا لقوات دولة وي، وحدث أنه كان على رأس القوات في معركتها مع دولتي هان، وجاو لدى الضفة الشمالية لنهر كواي، واستطاع أن يأسر القائد العام لقوات جاو، (ويُدعى يوتزو) وهو الحدث الذي ابتهج له الملك هوي حاكم وي، حتى إنه خرج بنفسه إلى ظاهر المدينة لاستقبال «قون شوصو» وكافأه بجزيل العطاء؛ إذ أهداه ما مساحته مليون «مو» من الأراضي، عطاءً خالصًا له، يجني أرباحه ويستصفي غلته الدائمة لنفسه، وهنالك استدار قون شوصو وتراجع قليلًا ثم انحنى لجلالته مرتَين واعتذر له بقوله: «لم يكن لي من الفضل ما أستحق نيْل المكافاة عليه؛ ذلك أن الحفاظ على القوات متماسكة، وتامَّة دون تشتُّت أو فوضى، والتقدم بها للأمام في شجاعة وجرأة وملاقاة العدو ببسالة، كل ذلك، هو ما تعلَّمناه من آثار ودروس «أوتشي»؛ أما التقدم أمام القوات لاستطلاع خصائص الأرض [الطبوغرافيا] ورصد الموانع والعقبات، وتقدير الأحوال بمختلف جوانبها السلبية والإيجابية لعمل الاستعداد الدفاعي المطلوب بما يضمن تزويد الجيوش الثلاثة بالثقة ورباطة الجأش، كل ذلك كان مما يذكر الفضل فيه لكل من «بانين»، و«صوانشيان».

وبالنسبة لما تقرر من تأجيل البَت في كل ما يتصل بالثواب والعقاب (قُبيل الحرب) والعمل على نشر أجواء الثقة والصدق بين الناس (بعد انتهاء الحرب) فهذا مما يُنسَب إلى براعة أحكامك وخططك السديدة، ولا أرى لي فضلًا في شيءٍ سوى أنه بَدَا لي أن الهجوم على العدو مواتٍ، فتقدمت أدق طبول الحرب وأسير بالجُند بغير إبطاء. فما الداعي أن تتكرم عليَّ بتلك المكافأة الجزيلة؟ ألأني لم أتوانَ في أداء واجبي؟! أم لأني قدمتُ مأثرة عظيمة تستحقُّ مثل هذا التكريم؟ ثم أين تلك المأثرة إذا صح التقدير؟» وهنا رد عليه الملك بما يُفيد استحسانه لمقالته.

وبادر جلالته إلى مكافأة أتباع «أوتشي» فأوصى لهم بمائتي ألف «مو» من الأراضي، كما أهدى «بانين»، و«صوانشيان» مائة ألف مو من الأرض (لكلٍّ منهما) وتكلم جلالته، قال: «ألا يجدُر بنا أن نعد «قونشوصو» واحدًا من أكرم الناس خلقًا وأعظم الرجال فضلًا؟! كيف لا، وقد هزم أكبر أعدائي، ولم ينس فضل الحكماء ولا خلفائهم، ولم يغضَّ الطرف عن مآثر الرجال والأبطال، ولا أنكر مواهبهم وشجاعتهم، فكيف نُهمل نصيبه في الفوز بالمكافأة؟» وهكذا فقد أهداه أربعمائة ألف «مو» من الأراضي، بالإضافة إلى ما كان عرضه عليه في بادئ الأمر من الأراضي البالِغ مساحتها مليون «مو» فأصبح إجمالي ما أُهديَ له مليونًا وأربعمائة ألف مو. وهو الأمر الذي دعا «لاوتسي» إلى القول إنه:

«لا غِنى إلا لمن استغنى،
(فقد يُعطي الحكيم بسخاء،
دون أن يمنَّ بالعطاء)
ولا ينال النصيب الأوفى
إلا ذو سابق فضل.»
فذلك هو القون شوصو!

لمَّا أصيب القون شوصو بمرض عضال

أصيب القون شوصو بمرض عضال، فذهب إليه الملك هوي حاكم وي ليعوده في مرضه وقال له: «قد ألمَّ بك مرض شديد، لا سبيل إلى تجنُّبه أو الشفاء منه [كناية عن الموت بلفظ لطيف]، فكيف نصنع بشئون البلاد (وأنت على هذه الحال)؟» فأجابه: «لي ولد يُدعى «قون صونيان» قد حسنت مشورته وآراؤه فأرجو من جلالتك أن تأخذ بما ينصح لك به، فإذا لم يُقدَّر لآرائه أن تكون ذات قبول لديك، فلا تدعنَّه يُغادر دولة وي، مهما كانت الأسباب.» لكن ملك وي لم يكن لدَيه استعداد للوفاء بتلك الوصية؛ إذ ما إن خرج من عنده حتى قال لمن حوله: «انظروا كيف يتحدث رجل عهِدنا فيه الحكمة والنجابة (مثل قون شوصو) بمثل هذا الرأي الفطير والنصيحة السخيفة، فكيف نقبل بأن نُصغي لآراء ولده في أمور تتَّصل بإدارة شئون الدولة؟!» ثم مات قون شوصو، وأسرع ولده قوصونيان بدفنه، وما إن انتهى من مراسم الدفن حتى سافر غربًا تجاه دولة تشين حيث استقبله هناك شياوكون وولَّاه منصبًا مرموقًا، وراحت أحوال تشين تزدهر يومًا بعد يوم، بينما تدهورت أوجه الحياة المختلفة في دولة وي، ولم يكن مدار الأمر في ذلك على سخافة إحدى بنات أفكار (الراحل) قون شوصو، بل كان أصل تلك السخافة ومَنبتها متعلقًا (بآراء) الملك هوي، حاكم وي. والحق أن مبعث الخطورة وأصل الداهية والنكبة السوداء في موضوع السخافة وتهافت الآراء هذا؛ هو ما يعرض للمرء أحيانًا من التسرُّع في الحكم على الأمور بالتفاهة والفجاجة، مع أنها أبعد ما تكون عن ذلك.

لمَّا حاول سوتشين الانضمام إلى التحالف

بادر سوتشين إلى الانضمام إلى التحالف الرأسي، باسم دولة جاو، وكان أن حاول الدعوة (لموقفه) لدى ملك دولة وي قائلًا له: «إذ نظرنا إلى المعالم الطبيعية التي تتميز بها حدود بلادك، وجدنا أن أرضك يحدُّها من الجنوب عدد من المجاري المائية، والأقاليم، مثل: ترعة هونغ، وإقليم تشن، ورونان، وبلدة شيو، ويان وكونيان، وشاولين، وأويان، وشين تشي، وفى الشرق يحيط بها نهر «هواي» وسلسة أنهار: إينغ، ونهر «إي» وإيهوان، وجيتزاو، وهايان، وأوليو وفى الغرب يحيط بحدودها السور العظيم، وإلى الشمال تمتد أنهار: خاواي، وجیوان، یان وصوائزاو؛ كما تبلغ مساحة أرضك ما مقداره ألف لي مربع، وهكذا فعلى الرغم من أنها (نظريًّا) تبدو مساحة ضئيلة بعض الشيء فإنه قلَّما وجدت مساحات لزرع الحشائش أو للرعي بين المنازل والمزارع. بالإضافة إلى العدد الهائل من السكان والدواب والأدوات والعربات، والحركة الدائبة التي لا تهدأ نهار مساء، (والمنظر كله يبدو كأنه الجيش العرمرم؛ بكتائب جنوده المتعددة، ومُشاته وركبانه.) حتى إني توصلت، فيما بيني وبين نفسي إلى تقدير عام لمبلغ ما تتَّسم به بلادك من مزايا، ووجدتها لا تقل عما تملكه دولة تشو من خصائص ومع ذلك فها هم المخططون السياسيون الداعون إلى التحالف الأفقي [المحور الموالي لدولة تشين] يضعون التصورات أمام جلالتك لإقناعك بالدخول في علاقات دبلوماسية مع تشين (تلك الدولة التي تُشبه الذئب في نهمها والنمر في وحشيته) وذلك لكي تفرض تشين سطوتها على العالم كله [حرفيًّا: على الممالك التي تحت السماء] مما أودى بأوطانهم هم أنفسهم وجلبوا على بلادهم المحن والكوارث التي بقوا هم بعيدًا عنها، بمأمن من تبعاتها ونتائجها الوخيمة. ولطالما أوقعوا الرعب والتهديد بقلوب ملوكهم، استنادًا إلى ما تتمتع به تشين من قوة ومهابة مرتكبين — بذلك — أشنع الجرائم وأقبح الآثام (في حق أوطانهم).

فما بالك والأمر الآن يتعلق بدولة وي، وهي واحدة من أقوى الممالك التي تحت السماء، وعلى رأسها حاكم من أعظم الملوك قاطبةً وأكثر الزعماء حكمة وعبقرية. وعلى الرغم من هذا فالرغبة تحدوك إلى أن تضع نفسك تحت إمرة دولة تشين، وتصبح مجرد «دولة تابعة ﻟ تشين عند حدودها الشرقية» وتقتصر جهودك على بناء المقاصير والاستراحات الإمبراطورية الفخمة لملك دولة تشين. وأن تقبل سلطة ونظام التاج الملكي لهذا البلد وتبذل له مراسم وطقوس الفصول الأربعة المقدسة وترفع عند معابده التقدمة والقرابين. وهو ما يجعلني أشعر بالعار والخجل من أجلك.»

الجزء الثاني من الفصل نفسه

«قد قيل، يا مولاي، إن الملك قوجيان — حاكم دولة يوي — [حاكم يوي في أواخر عصر الدول المتحاربة، وهو ابن الملك يونشان (٤٩٧–٤٦٥ق.م) وكان قد لقي هزيمة شنعاء على يد دولة «أو»، فخضع لشروطها وجنح للسلم، وبعد سنوات استجمعت دولة يوي قوتها وتغلبت على دولة أو فدحرتها، وصارت في عِداد الدول ذات الشأن] استطاع بقوة من أراذل الجند البالغ عددهم ثلاثة آلاف فرد أن يقبض على الملك «فوشاي» حاكم دولة أو، وذلك في موقعة «قانصوي».

كما بلغني أيضًا أن الملك أو حاكم دولة جو كان قد تقدم على رأس جيش قوامه ثلاثة آلاف رجل وثلاثمائة عربة عسكرية وتمكن من أسر الملك (الطاغية) تشو آل شانغ وقتله في الأحراش. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن الآن هو: هل كان نجاح أولئك الأبطال في غاراتهم راجعًا إلى وفرة أعداد جنودهم؟ إن الأمر المؤكد هو أنهم بذلوا أقصى طاقاتهم فاشتعلت إرادتهم حماسة غامرة فاقتحموا الويلات.

وقد علمت (بطريقةٍ ما) أن لديك ما يزيد على مائتي ألف فارس، ومائتي ألف مقاتل (من ذوي العصابات السوداء فوق رءوسهم) ومائتي ألف آخرين من الجنود الشجعان [الاقتحاميين - قُل الصاعقة!] بالإضافة إلى مائة ألف من الجنود المأجورين، وستمائة عربة عسكرية، ومن الخيل خمسة آلاف رأس وهو ما يفوق، في مجموعه، قوة كلٍّ من الملك أو حاكم جو، والملك فوجيان حاكم يوي.

ومع ذلك فأنت تسير على نهج وزرائك في العمل على خدمة مصالح دولة تشين تحت إلحاح تلك الفئة الفاسدة من رجال الدولة وما يروِّجونه من أفكار. علمًا بأن العمل على خدمة تشين والاعتراف لها بالطاعة سيئول بك إلى التنازل عن مساحاتٍ من أرضك لتُهديها لها، بجانب الهدايا الثمينة والعطايا الكثيرة، وهو ما يعني تبديد مواردك من دون الدخول في حربٍ معها، واعلم أنه ما من وزير يطلب منك الاعتراف بطاعة تشين، إلا كانت نواياه منطوية على الغدر.

واعلم أيضًا أن أولئك النفر من الوزراء الذين يتنازلون عن أراضي بلادهم سعيًا وراء مصالحهم الخاصة مع الدول الأخرى إنما يتبعون أهواءهم الوقتية دون النظر إلى العواقب البعيدة المدى. إن الإضرار بمصالح الوطن سعيًا وراء مصلحة ذاتية والاستناد إلى قوة دولة ذات شأن لدفع الملك الحاكم (في اتجاه اتخاذ سياسات معينة) بحيث يتم التخلي عن أراضي البلاد لقاء توفير مناخ من الأمان العارض، لهو القضية الكبرى التي أرجو من جلالتك مزيد التأمل والتروي في النظر إليها بمنتهى الدقة.»

الجزء الثالث من الفصل نفسه

وجاء في «كتاب تشو» ما نصه:

«حتى أوهن سيقان الخيزران،
تمتدُّ بطيئًا جدًّا،
تتسحَّب خفيةً فتمتد وتطول،
ولن تملك أن تفعل إزاءها أي شيء
إذا ما تجاوزت المدى.
قل ماذا تفعل حينئذ؟
(واعلم أنه) ما لم تنزع عن حقلك
شجيرة فاسدة الجذور،
فستطول وتشتد،
ويتصلَّب منها عود يتحول
إلى فأس ذي رأس قاطع!
لأن الأمور التي
تَتَقلَّب في سراديب الشك والحيرة،
تنتفض، يومًا، لتنقض على الرءوس،
كارثة داهمة فادحة الخطر.»

فماذا تفعل إذ تطل الكوارث برءوسها؟ لو كنت حقًّا يا مولاي تريد أن تصيخ السمع لنصح خادمك الأمين [المتكلم بصيغة حرفية!] فاعلم أن التحالف لو قام بين الدول الست التي على المحور الرأسي، واجتمعت كلمتهم جميعًا على إرادة رجل واحد، فلن يبقى للكارثة المحتملة (في بزوغ نجم تشين) أي وجود؛ وهذا هو الموضوع الذي أوفدَتْني إليك من أجله دولتنا [الضئيلة … حرفيًّا] دولة جاو؛ لأعرض عليك الخطة المتواضعة، مقرونة بميثاق التحالف، دون لَبْسٍ أو غموض، والأمر كله مُعلَّق بما تصدرونه جلالتكم من قرارات لجعل مادة التحالف سارية المفعول.» وعندئذٍ تكلم ملك وي، فقال له: «أعترف بأني قد غابت عني الحكمة في هذه المسألة؛ نظرًا لعدم اتصالي بالإرشادات الذكية والنصائح الحكيمة، وبما أنك قد أثرت عندي الوعي بما يطرحه ملك جاو من آراء وقرارات (تنير الطريق وتهدي السبيل) فإني أعلن الآن، أنه مما يشرفني بوصفي قائدًا لبلادي، أن أنضم إلى التحالف الرأسي.»

لمَّا ذهب تشانغي إلى بلاط وي

ذهب تشانغي إلى بلاط دولة وي داعيًا حاكم البلاد إلى الدخول في مجموعة التحالف الأفقي، قائلًا له: «تأمَّل الأحوال العامة لبلادك، فستجد أن مساحة الأرض تكاد لا تبلغ ألف لي مربع، ولا يتجاوز عدد جنودك ثلاثمائة ألف مقاتل، أضف إلى ذلك أن خطوط اتصالك مع جيرانك ممهدة، نظرًا لطبيعة الأرض السهلية التي تُحيط ببلدك من الجهات الأربع، وتبدو الدويلات والإمارات الصغيرة وهي تكتنف حدودك، كأنها أغصان تلتفُّ حول جذع شجرة، أو قضبان تدور حول عجلة دائرية، يتركز اتجاهها نحو نقطة محصورة في مركز الدوران، هذا في الوقت الذي تخلو فيه تضاريس الحدود من المناطق الجبلية أو الخطوط النهرية التي تُعد بمثابة موانع طبيعية (في وجه الخطر).

والمسافة بين دولة جنغ وبلادكم لا تزيد على مائة لي، ومن دولة تشن إليها لا تتجاوز المسافة مائتي لي، ولا يكاد الماشي أو الراكب يبدأ طريق السفر نحوها، حتى يبلغها قبل أن يدركه التعب، وفي جنوبيها تتجاوز حدودها مع دولة تشو، بينما تكاد تتلاصق من جهة الغرب مع دولة هان، وفي الشمال يقترب الجوار بشدة مع دولة جاو، أما في الشرق فلا شيء يفصلها عن دولة تشي. وإذ يصطف الجنود بمحاذاة خطوط الحدود، في المواقع الدفاعية لحراسة القلاع والحصون القائمة في تلك المناطق، فسوف يحتاجون إلى ما لا يقلُّ عن مائة ألف «طان» من المياه [طان، مكيال صيني قديم يساوي مائة لتر] تصلهم عبر الأنهار بالإضافة إلى ما سينتقل إليهم من الحبوب والمؤن. (وإجمالًا) فإن أرض وي كلها تعتبر ميدان قتال فسيحًا.

ذلك أنكم إذا أردتم التحالف مع تشو في الجنوب، دون أن يستتبع ذلك إقامة تحالف آخر مع دولة تشي، فسوف تبادر هذه إلى مهاجمتكم من الجانب الشرقي؛ وكذلك إذا كان تحالفكم مع تشي، جهة الشرق، قد حال بينكم وبين التحالف مع جاو، فسوف تعمد هذه إلى الإغارة عليكم من الشمال، أما إذا لم يقُم التحالف بينكم وبين دولة هان، فسوف تعاجلكم بالحرب من الجهة الغربية. ثم إن عدم التقارب مع تشو يجعلكم عرضة لهجوم وشيك من الجنوب. وتلك الحال هي التي يمكن أن تؤدي بكم إلى ما يطلق عليه التفكك والانهيار الشامل.»

الجزء الثاني من الفصل نفسه

وفوق ذلك كله وبالإضافة إليه، فإن الهدف العام الذي يحرك أمراء الدويلات باتجاه الانضمام إلى التحالف الرأسي يتمثل في السعي إلى تحقيق الاستقرار في الممالك، وإعلاء سلطة ونفوذ ومهابة القادة والحكام، وتقوية الدفاعات العسكرية وتحقيق المجد والرفعة.

وقيام التحالف الرأسي يتطلب توحيد خُطى الدويلات كافة، وترسيخ المشاعر الأخوية والودية بين الأمراء والملوك المؤسسين لاتفاقية الوحدة، والتزامهم بالميثاق الذي يجري توقيعه عند ضفاف نهر «هوان» بعد أن يذبحوا فرسًا أبيض بالقُرب من مجرى النهر تعبيرًا عن إخلاصهم، وصدق وفائهم لبنود المعاهدة الموقَّع عليها بين الأطراف جميعًا، هذا مع العلم بأنه لا يمكن أن يكون النجاح والاستقرار من نصيب المتنازعين حول اقتسام الثروة الساعِين فيما بينهم وبين إخوانهم (أهل البيت الواحد) بالغش والمكر والخديعة، أولئك الذين يتبعون حيلة سوتشين ويتخذون أساليبه نبراسًا هاديًا.

إن عدم اعترافك بالطاعة، يا مولاي الملك العظيم، نحو دولة تشين، معناه أنها ستبادر إلى الهجوم عليك وضربك في إقليم «خاواي» والاستيلاء على «جيوان»، و«يان»، و«ین» و«صوانزاو»، وقيامها بتهديد دولة «ويه» والاستيلاء على منطقة «جين يانغ»، وهو ما يعني عجز دولة جاو عن تقديم المساعدة تجاه (المناطق الواقعة في الجنوب) فإذا لم يتيسر لدولة جاو مساعدة وي الكائنة ناحية الجنوب، فسيتعذَّر على وي التحالف مع الدولة القائمة في الشمال، وهنالك ينغلق الطريق أمام قيام التحالف الرأسي، وإذا حدث هذا فسيستحيل على بلادك أن تسلك طريقًا تتجنَّب به منزلقات الوقوع في الخطر. وستضغط تشين على دولة هان لمهاجمتكم، وهو ما لا تملك هان إزاءه أن تعصي أوامر تشين؛ وإذ تتحد إرادة البلدين معًا (هان، وتشين) تصبح كارثة ضياع وطنكم قد صارت قاب قوسين أو أدنى، وهو ما يثير خوفي وقلقي (لو كنت مكانك).

ولا أجد مَخرجًا لك من هذا القلق سوى أن تعترف بالطاعة لدولة تشين، وهو ما سيصرف عنك أية محاولات طائشة قد تستهدفك من جانب دولتي تشو، وهان. وإذ ينزاح عنك الخطر الذي تتهددك به هاتان الدولتان، تصفو لك الأيام، وتعيش في كنف السلام هادئًا رخيَّ البال.»

الجزء الثالث من الفصل نفسه

ليست هناك على وجه الأرض دولة تود تشين لو خربتها ودمَّرت كيانها كدولة تشو، وليس بين الممالك، كلها، دولة تملك أن توقع ﺑ «تشو» الخسارة الفادحة وتضعف بنيانها مثل دولة وي، وعلى الرغم مما تحظى به تشو من سمعة عالية، فإن طاقاتها الحقيقية مجرد خواء فارغ من أي مضمون للقوة؛ فهي، وإن كانت تجند في جيشها العدد الهائل من الأفراد والمقاتلين، فإنها الكثرة الكاذبة، التي تفر من ميدان القتال ساعة الجد، وتقع في إسار الهزيمة بأسرع من لمح البرق؛ لأنها لا تملك جرأة الاقتحام والظفر. أما قوات دولة وي فلا شك في قدرتها على الإقدام والزحف صوب الجنوب واستئصال شأفة دولة تشو فتجني النصر بعد أن تفتك ﺑ تشو أشد الفتك وهو ما ستلقاه دولة تشين بالابتهاج باعتبار أن إزاحة أسباب الخطر وإحلال الاستقرار أمر طيب العاقبة. واعلم أن أية خطة أخرى — غير التي أقترحها عليك الساعة — لن تجلب عليك إلا تحركات دولة تشين لمنازلتك، عندئذٍ، فلن يمكنك، حتى أن تبدي كل الاعتراف والطاعة والإذعان لها.»

الجزء الرابع من الفصل نفسه

ثم إن معظم أولئك الداعِين إلى الانضمام إلى محور التحالف الرأسي، يُجيدون التشدق بالألفاظ الرنانة والخطب البليغة، لكنهم أبعد الناس موضعًا للثقة. وتأمَّل أحوالهم جيدًا، وسترى أنهم يدخلون إلى الأمراء والملوك فيبذلون كل الجهد لإقناعهم بآرائهم وما إن يخرجون من عندهم حتى يُقبلوا على ألوان من الترَف مما عند الملوك … فيركبون عرباتهم. وينغمسون في التنعم والترف وما إن يعقدون ميثاقًا مع دولة من الدويلات، حتى ينقلبون عائدين إلى أوطانهم وديارهم، فتصير لهم الإقطاعات الهائلة والثروة العظيمة. ولذلك فأينما ولَّيت وجهك وسط الممالك فستجد أولئك الدعاة والخطباء [أصحاب الخطط والنظريات السياسية] مشغولين بإقناع الممالك للانضمام إلى التحالف الرأسي (وهم يبذلون في ذلك جل سعيهم، وتراهم يرفعون أيديهم ويقبضون على الأكف والأيدي ويحدقون بأعينهم تارة، ويعضون على شفاههم تارة أخرى ويفعلون كل ما يمكنهم …) لإقناع الناس بمزايا التحالف الرأسي. (وفي الحقيقة) فقد استطاعوا أن يأسروا الأمراء بكلماتهم المعسولة فتراهم يسيرون وراء مشوراتهم كأنهم مغمضوا الأعين وهل كان يملك الأمراء إلا أن يستسلموا لأقوالهم وينخدعوا بآرائهم؟

وقد قيل إن أعظم الخطر من أهون الشرر إذا تراكم واستفحل [حرفيًّا: إن التراكم المتواصل، حتى لو كان بكميات من ريش العصافير كفيل بأن يُغرق السفينة] ثم إن الحمولة الزائدة حتى لو كانت من أهون الأشياء كفيلة بأن تحطم عجلات العربة. وكلمة تتردَّد طويلًا في كل فم يمكن أن تذيب الحديد، وأقول لك ذلك وأتمنى أن تتأمل الأمر جيدًا وتتفحصه مليًّا.»

الجزء الخامس من الفصل نفسه

وهنالك تحدث ملك وي، فقال: «أقر بحماقتي وسوء تدبيري فيما سلف من الخطط، واسمح لي بأن نُلقِّب أنفسنا بالدولة التابعة لمملكة تشين، ولن نتقاعس عن أن نشيِّد ﻟ «تشين» القصور والأعتاب الملكية، ويشرفنا أن يتكرم علينا حاكم تشين بالقبعة والزي (المعلم بالشارة الرسمية) كي ندخل البلد العظيم ونقدِّم في معابده قرابين الربيع والخريف، (كذلك يُسعدنا) أن نهديكم أرض خاواي.»

لمَّا قررت تشي ووي الإغارة على

اتفقت تشي، ووي على الإغارة على دولة تشو، وقامتا بالتنسيق بينهما على ذلك، وكان المُقرر في هذا التنسيق المتبادل أن تبعث وي رهينة سلام يدعى طونشين ليُقيم في دولة تشي. وحدث أن كانت دولة تشو، هي المُتغلبة على تشي، وتقاعست دولة وي عن نجدتها، فثارت هنالك، ثائرة «تيان بي» [رئيس وزراء تشي] وأوشك، في غضبه، أن يقتل رهينة السلام طونشين. فهب أحد رجال دولة وي (ويدعى«كاني») دفاعًا عن الرهينة طونشين قائلًا: ﻟ «تيان بي»: «إن السبب الرئيسي في إحجام دولة تشو عن التوغل في أرض تشي، حتى بعد أن هزمتها شر هزيمة؛ هو أنها تخشى أن تكون دولة وي في حال الترصد لها عن كثب، وتنتظر حتى يتوغَّل جيش تشو إلى أعمق نقطةٍ في أراضي تشي، ثم تنقض عليه من الخلف، وهكذا، فإن إقدامك على قتل رهينة السلام يُعد بمثابة تصريح واضح لدولة تشو المُعتدية مفاده أن تشي لم تعُد تؤمِّل في تعاون وي معها. هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، فيجب أن نتقي غضبة وي لأنها إذا ثارت ثائرة غضبها وتعاونت مع تشو، فسوف تلقى تشي أسوأ العواقب، والأفضل أن تكرم وفادة (الرهينة) طونشين وتُجل قدره وتعظم مكانته فلعلك ترجو خيرًا، بذلك، من موقف وي تجاهك وتُثير حيرة وظنون دولة تشو.»

لمَّا تم اعتقال سوتشين في دولة

جرى اعتقال سوتشين في دولة وي، وأراد، وهو في الحبس أن يهرب إلى دولة هان، لكنه لم يستطع ذلك بسبب إغلاق وي أبواب المدينة، فأسرعت دولة تشي بإيفاد «سولي» [أخو سوتشين الأصغر] إلى قصر وي (ليتكلم مع جلالة الملك بشأن أخيه المعتقل) وكان أن قال للملك: «أرادت دولة تشي اقتسام أراضي دولة سونغ على أن تُقطِعها إلى (القون) «جين يانغ» إلا أن دولة تشين لم تقبل هذه الخطة، ومن المعلوم أن حصول تشين على أراضي دولة سونغ بالإضافة إلى ما تلقاه من عون دولة تشي لها، يعد مفيدًا لمصالح تشين (في المقام الأول) ومع ذلك فقد رفضت تشين خطة تشي المعروضة عليها؛ والسبب في ذلك هو أنها لا تثق في تشي ولا في سوتشين وإذ تلحظ تشين ما بين كل من تشي ووي من عدم التفاهم الذي وصل إلى أسوأ درجاته فقد قدرت أن تشي لا يمكن أن تخدعها، ومن ثم فقد وثقت تشين بها؛ وإذ تتَّحد الدولتان تشي وتشين ويحصل «جين يانغ» على أراضي سونغ، فسينشأ وضع تفقد فيه دولة وي أي نفع يعود عليها ومن ثم فالأفضل لكم أن تدَعوا سوتشين يعود إلى دولة تشي، مما سيثير حفيظة تشين ضد تشي، فتتعنت معها، وتتعمد إعاقة التفاهم معها، فإذا حل الشقاق بينهما، زالت أسباب القلق العلِقة في كل الأجواء، وأمكن غزو تشي بكل نجاح وتتسع أرضك ويمتد ظل نفوذك.»

لمَّا سافر تشنجن موفدًا من قِبَل

سافر تشنجن [أحد أمهر الموظفين، عمل ببلاط تشي حينًا وحينًا آخر بدولة تشين] موفدًا من قبل دولة تشين إلى دولة تشي، ومر في طريقه، وهو مسافر بدولة وي. وفي أثناء ذلك طلب لقاء كونسونيان، فاعتذر الرجل عن مقابلته، فقال تشنجن: «ما جئت إلا لأمورٍ تستحق (اللقاء وتبادل وجهات النظر) فإذا قوبلت بالاعتذار فسأرحل على الفور، ولن أبقى ليوم آخر.» فقابله كونسونيان، فقال له تشنجن: «هل تمقت المسائل السياسية؟ لماذا أراك تمرح وتتلذَّذ بطعامك وشرابك دون أن تتطرق إلى الموضوعات السياسية؟» فأجابه: «اعلم أنه ما كان لي أن أقف على تصريف الأمور إلا لما عُهِد فيَّ من فضل وحكمة، فكيف يمكن أن أمقت شأنًا من صميم عملي؟» فقال له تشنجن: «فلتأذن لي ما دام الأمر كذلك، أن أضع على كاهلك أعباء تصريف الشئون المتعلقة بسياسات الممالك التي تحت السماء.» فلمَّا سأله محدثه عن كيفية السبيل إلى ما يقترحه عليه، أجابه بقوله: «قد قام ملك دولة وي بإرسال «ليسونغ» [رئيس وزراء وي فيما بعد] على رأس مائة عربة عسكرية، مبعوثًا إلى دولة تشو، وأظنك تستطيع أن تدلف إلى تلك العربات فتركبها وتمضي في طريقك، فتبعث الشكوك في قلب ملك وي (ثم إذا التقيت بجلالته) فعليك أن تقول له: «أنا رجل تربطني صداقة قديمة بكلٍّ من ملك يان وحاكم جاو، وكثيرًا ما وجَّها لي الدعوة لزيارتهما، فوعدتهما بتلبية دعوتهما إذا ما انتهيت من مشاغلي، وها أنا ذا قد وجدت الوقت المناسب فائذن لي بالسفر للزيارة، ولن أبقى هناك طويلًا ولا أظنني أمكث أكثر من بضعة أيام.» … ولا بد أن جلالته سيوافق على سفرك، وهكذا تتمكن من الانطلاق في رحلتك الخارجية، بعد أن تذيع على كل الأسماع (بين رجال القصر) أنك ذاهب إلى دولتي يان، وجاو في مهام عاجلة وأنك تطلب سرعة تجهيز العربات ولوازم السفر.»

فوافقه كونسونيان على وجهة نظره، وانطلق إلى ملك وي الذي أجابه إلى طلبه، فسارع على الفور إلى التصريح عن سفره (في مهام عاجلة) إلى كل من جاو، ويان.

الجزء الثاني من الفصل نفسه

فلما سمع الأمراء النازلون ضيوفًا على دولة وي بهذا الأمر، أرسلوا إلى سادتهم الرسل ليبلغوهم بما نصه: «قد خرج «ليوسونغ» موفدًا إلى دولة تشو، على رأس مائة عربة عسكرية، وكذلك سافر كونسونيان إلى يان وجاو، وهو يقود ثلاثين عربة.» فلما بلغت تلك الأخبار مسامع ملك تشي، ساوره القلق من أن يسبقه الجميع إلى توطيد علاقاتهم بدولة وي، فأوكل إدارة الشئون السيادية في بلاده إلى كونسونيان الذي وافق على تولي أعباء الإدارة السياسية لدولة تشي، وهنالك قام ملك وي بإلغاء التفويض الممنوح له بوصفه مبعوثًا خارج البلاد (ليعود إلى منصبه السيادي الأصلي، داخل الوطن) كما بادرت كل من دولتي يان وجاو إلى تسليم مسئولية إدارة شئونهما السياسية إلى يد كونسونيان فلما علم ملك تشو، قال: «لقد سبق أن قام كونسونيان بتوقيع اتفاقية رسمية معي، وها هي ذى يان وجاو تريدان تكليفه بإدارة شئونهما السياسية وأعتقد أنه سيرحب بالتعاون معي، فلا معنى إذن، من تكليفه بالعمل في خدمتنا.» وهكذا فقد أسند إلى كونسونيان مسئولية القيام بأعباء الإدارة السياسية للبلاد، مخالفًا بذلك (نصائح) ليوسونغ.

وقال ملك وي: «كنت أهملت شأن كونسونيان لما بَدَا لي من قصوره عن القيام بمسئولية إدارة المهام السياسية العليا، أما وقد أوكلت إليه أربع دول مهمة القيام على شئونها السياسية، فلسوف أدفع إليه بذات التكليف أيضًا.» وصار كونسونیان قائمًا على ضبط شئون الممالك كافة، بل كوفئ، فوق ذلك كله، بالترقي إلى منصب رئيس وزراء دولة وي.

لمَّا فكر تشانغي في تلويث سمعة

أراد تشانغي الإساءة إلى تشنجن وتشويه صورته أمام ملك وي، قائلًا: «ما زال تشنجن يبذل كل جهده في خدمة دولة تشو، ويريد زيادة ممتلكاتها من الأراضي، دون أن يبخل في ذلك بكل غالٍ ونفيس.» [وذهب تسوهوا …] إلى تشنجن وقال له: «إن العلاقة بين تشانغي وملك وي في أحسن حال، والملك يغدق عليه من حُبه وعطفه الكثير، ولا أظنك تستطيع أن تبث في أذن الملك أي شيء يتعلق به مهما حاولت، فلن ينصت جلالته إليك، وأرى أن تتَّخذ من أقواله تُكأة تستند إليها في حديثك مع ملك تشو، وراقت الفكرة كثيرًا ﻟ «تشنجن»، وأسرع فأوفد إلى ملك تشو من نقل إليه حكاية ما جرى.

لمَّا دبَّر تشانغي مكيدة للإيقاع بالمدعو

أراد تشانغي أن يوقِع بالمدعو تشنجن في مأزق، فأوعز إلى ملك وي باستدعائه لتولي منصب رئيس الوزراء، بحيث يتم القبض عليه وإيداعه السجن فور قدومه، ولمَّا هم تشنجن بالسفر (تلبية لدعوة الملك له) وقف ولده تشنين في طريقه يحول بينه وبين الرحيل، قائلًا له: «إن الأمور كلها تبدو مُسربلة بالغموض، فلا بد من الحذر والفطنة واستقصاء المعمَّى منها، وقد بلغني ما قاله «جنشيان» وهو يغادر دولة تشين. إن دولة وي — وقد أزمعت قطع علاقاتها مع كل من تشو — وتشي، فسوف تستقبلك بحفاوة وإكبار. ثم إن أولئك الذين يُضمرون لك البغضاء من أهل العاصمة «إينغ» سوف يعملون على إبعادك ودفعك للرحيل عن البلاد، وسينصحون لملك تشو أن يزيد عدد العربات المرافقة لك، فإذا ما بلغتَ مشارف دولة سونغ، فتوقف على الطريق دون أن تتقدم خطوةً واحدة، ثم أرسل إلى ملك تشي من يُبلغه عنك بما نصه: «إن سبب دعوة دولة وي لزيارتها هو رغبتها في العمل من أجل إفساد التحالف بين تشي وتشو.»

(وقد سارت الحوادث على هذا النحو، تمامًا، ثم …) إن ملك تشي أجابه قائلًا: «ما دمت لم تذهب إلى دولة وي فمرحبًا بك عندنا؛ فنحن نتطلع إلى لقائك، بل إن الواجب يُحتم علينا التكرم بالإنعام عليك.» ثم إن جلالته ركب عربة «لوخو» وأسرع لاستقبال تشنجن بنفسه.

لمَّا غادر تشانغي دولة تشين ذاهبًا إلى

غادر تشانغي دولة تشين، ووصل إلى دولة وي وخفَّ حاكمها لاستقباله، إلا أن كبير الوزراء «تشانشو» تلقَّاه ونصح له بعدم استقبال تشانغي، فلمَّا لم يستجب الملك لرأيه، نكص عن طريقه، وراح يحاول تقديم النصح له ثانية، بقوله: «أظنك قد سمعت يا سيدي، بحكاية المحظية التي كانت خادمة للزوجة سيدة البيت، (فكما هو معروف في الحكاية) كانت المرأة لمَّا تقدمت بها السن، وكبر أبناؤها وذبل جمالها، أقدمت على الزواج من سيدٍ آخر، وهو ما يعني نهاية الشوط (وانقضاء سني العطاء والخدمة بالنسبة) للخادمة، وها أنا ذا أعمل في خدمتك مثل محظية عجوز في بيت السيد الكبير، الذي هو جلالتك يا سيدي (وبقية المعنى معروف وواضح).»

وهنالك أحجم الملك عن استقبال تشانغي.

لمَّا فكر تشانغي في إقامة التحالف بين

فكر تشانغي في إقامة تحالف بين دولة وي وتشين وهان لمهاجمة كل من تشي وتشو. (وبالمقابل) فقد أزمع هويشي [أحد مواطني سونغ، تولى في تلك الفترة رئاسة وزراء دولة وي] عقْد تحالف بين وي، وتشي، وتشو (في مواجهة التحالف المناوئ) مع الالتزام التام بالهدوء دون دفع أي قوات عسكرية (للمواجهة)، وذهب كثيرون إلى بلاط دولة وي في محاولة للدفاع عن موقف تشانغي، فبادر هويشي إلى لقاء ملك وي، وقال له: «إذا كان الناس ينقسمون إلى فريقَين فيما يتصل بالمسائل البسيطة؛ فيقف نصفهم موقف الرفض، بينما النصف الآخر يؤيد القرار بالموافقة، فما بالك بالأمور الصعبة والقضايا الكبرى؟

إن عقد التحالف بين وي وتشين وهان لمهاجمة تشي وتشو، واحدة من أهم وأخطر القضايا، ومع ذلك فكل وزرائك يرون أن الأمر برمته ممكن، وأن وسائله متاحة بلا عوائق.

مع أنه من الواضح والمنطقي جدًّا ألا يستطيع المرء، في مثل تلك الأحوال الجزم بما إذا كان الأمر كذلك، أفليس من الممكن أن يكون مستوى الوزراء ونصيبهم من فنون الحكم والسياسة متماثلًا عند درجة واحدة، ثم إنه إذا كانت المشكلة التي تواجهنا تقبل أحد وجهين إما الحل أو عدمه، في حين أن مستوى الوزراء وتمكنهم من فنون السياسة عند درجة متماثلة ومتكافئة، فمعنى ذلك أن هناك النصف — تقريبًا — من بينهم على درجة من سوء الفهم والوعي المرتبك، ومن ثم يمكنني الاستنتاج بأن أكثر ما أخشاه من تهديدٍ لقرار جلالتكم إنما ينبثق من خطأ التقدير القائم على وجهة النظر [حرفيًّا: الموعظة] التي يراها ذلك الفريق المرتبك الوعي من الوزراء.»

لمَّا تولى تشانغي منصب رئيس الوزراء في

تولى تشانغي وظيفة رئيس وزراء دولة وي، وذلك بوصفه واحدًا من رجال الدولة (السابقين) في دولة تشين، فاحتدم غضب تشي وتشو وأرادتا مهاجمة وي، وتكلم «يونجيو» [أحد مواطني دولة وي] مع تشانغي، فقال له: «ما كانت دولة وي توليك منصب رئيس الوزراء إلا لما تعتقده من تحقيق الاستقرار على يديك، ينعم فيه الناس بالأمان أما وقد أطلت مخاطر الحرب حتى بعد أن صارت لك السطوة النافذة وحللتَ في المنصب السيادي الذي كان من المأمول أن تعود به الفائدة على الأحوال العامة للبلاد، فهذا معناه الفشل الذريع للخطة التي وضعتها دولة وي بهذا الشأن ولا بد أنك ستواجه المخاطر ويحيق بك المكروه إذا ما قُدِّر لدولتي تشي وتشو أن تغزوَا دولة وي.» ورد عليه تشانغي، قال: «فما العمل، إذن؟» فأجابه يونجيو قائلًا: «دعني أفكر في طريقه تسمح لدولة وي بتجنُّب خطر غزو الدولتَين المذكورتَين لأراضيها.» ثم تحدث يونجيو إلى حاكمي البلدين تشي وتشو، قائلًا: «هل بلغكما ما اتفق عليه تشانغي مع حاكم تشين؟» (لقد تحدث تشانغي مع جلالته) قائلًا له: «لو أذنت لي، جلالتك بأن أصبح رئيسًا لوزراء وي، فسوف تثور ثائرة الدولتين تشي وتشو وتقدمان — بالتأكيد — على مهاجمة وي، فإذا ما كان النصر حليف وي، فسوف تتعاظم خسارة الدولتَين العسكرية، وعندئذٍ فسوف أحوز ثقة وي وأصبح محل تقديرها البالغ، أما إذا كان العكس، وعجزت وي عن تحقيق النصر فسوف ترتمي عند أقدام دولة تشين وتعترف لها بالطاعة المُطلقة وتطلب إليها مساعدتها في حماية كيانها، بل قد تتنازل لها — على سبيل الترضية والتقرب إليها — عن أجزاء من الأرض، وحينئذٍ، فقد تفكر دولتا تشي وتشو في معاودة الهجوم على وي، لكن قوتهما العسكرية ستكون قد تراجعت كثيرًا بما لا يكفي لمقاومة دولة تشين.»

وتلك هي الخطة المتفق عليها سرًّا بين تشائغي وملك تشين، وبما أن تشانغي قد صار الآن رئيسًا لوزراء وي التي تريدون مهاجمتها فإنكم بذلك، تدعمون خطة تشانغي (من حيث لا تدرون) وتجعلونها أكثر ملاءمة بدلًا من أن تعملوا على إثبات فشلها وتضعون تشانغي في مأزق جسيم.» واقتنع حاكما البلدين بالفكرة التي عرضها عليهم الرجل وتراجعا عن الاستعداد الهجومي ضد وي.

لمَّا أراد تشانغي أن يعمل رئيسًا لوزراء

أراد تشانغي أن يعمل رئيسًا لوزراء البلدين تشين ووي في وقتٍ واحد، وهكذا فقد ذهب إلى ملك وي، وقال له: «إننى أتقدم بطلب استخدام قوات تشين لضرب إقليم «سانشوان»، وتستطيع جلالتك أن تنتهز هذه الفرصة لمطالبة دولة هان بتسليمك أرض «نانيان» فتكون تلك هي الضربة القاصمة لدولة هان، التي لا تقوم لها بعد ذلك قائمة أبدًا.» وعندئذٍ تحدث «شيان» إلى «جاوشيان» قائلًا له: «فيمَ اعتمادك على دولة تشو في مساعدة تشانغي على تولي منصب رئيس وزراء دولة وي والذي يمكن أن يحدث الآن، هو أن دولة هان، وقد تولاها الفزع خشية التفتت والانهيار التام، فسوف تهرع إلى الجنوب تريد مساعدة دولة تشو، وما دام تشانغي يشغل منصب رئيس وزراء البلدين وي وتشين؛ فأنت بالمثل يا سيدي تستطيع أن تجمع إلى رئاسة وزراء دولة تشو، منصب رئيس الوزراء في دولة هان.»

لمَّا أوشك ملك وي على إسناد منصب

أوشك ملك وي على إسناد منصب رئيس الوزراء إلى تشانغي، وهو ما لم يكن في مصلحة كونسونيان، مما دعا، هذا الأخير، إلى إيفاد شخص من قِبله إلى [أحد كبار موظفي الديوان بدولة هان (ويدعى القون شو)] ليقول له: «قد استطاع تشانغي أن يقيم التحالف بين تشين ودولة وي، وقد صرح بما نصه: «عندما تقوم دولة وي بمهاجمة نانيان، وتُقدم تشين على غزو سانشوان، تكون دولة هان قد أوشكت على السقوط.» ولا غرو أن السبب فيما يجتهد فيه ملك وي من تعظيم مكانة تشانغي، انتزاع المزيد من الأراضي، مما يعني أن منطقة نانيان بدولة هان مستهدفة بالهجوم.

ولا أدري ما الذي يمنعك من أن تسند إليَّ المهمة الرسمية التي يشرفني أن تكون فرصة لإثبات جدارتي، بحيث يمكننى — بموجب ما يمنحني المنصب من حق — أن أقوم بفسخ التحالف بين وي وتشين، وهكذا تشرع دولة وي في الكيد والتآمر ضد تشين، بل تسارع إلى طرد تشانغي بعيدًا عن أراضيها، وتحاول في الوقت نفسه أن تعود إلى دولة هان وتستميلها لكي تقوم بتعييني رئيسًا لوزرائها.» وفكر «القون شو» في هذا الكلام ورآه مفيدًا لدولة هان، ومن ثم فقد أوفد بعضًا من المسئولين إلى كونسونيان الذي اعتبر هذا الحدث مبعثًا لشعوره بالفخر والاعتزاز، وتحققت خطته إذ أصبح رئيسًا لوزراء دولة وي.

لمَّا وعدت دولة تشو بتسليم

قدمت دولة تشو وعدًا بتسليم ست مدن من ممتلكاتها إلى دولة وي، ثم اشتركت معها في الهجوم على دولة تشي، في محاولة لحماية دولة يان. وأرد تشانغي أن يفسد هذا التدبير، فذهب إلى ملك وي، وقال له: «إن دولة تشي تخشى بأس التحالف الثلاثي، ولا بد أنها ستحاول أن تُعيد إلى دولة هان ما سبق أن استولت عليه من أراضيها، وتذعن لدولة تشي بالسمع والطاعة، وهو ما قد يترتب عليه ألا تفي بوعدها الذي قطعته على نفسها لدولة وي بأن تسلمها المدن الست (المتفق عليها)، مما يعد إخفاقًا جسيمًا فيما أعددتَه من خطة بشأن دولة تشو، بل يُعدُّ أيضًا استعداءً لكل من تشي وتشو، واستجلابًا لكراهيتها نحوك، وقد تقوم دولة تشي، بعد ذلك، بمهاجمة جاو والاستيلاء على تشوانيو، واستعادة أراضيها المسلوبة، مما يُعرِّض للخطر منطقتي شیو، وطونشیو بل تتمكن تشو من الاستيلاء على «نانيان جيوي»، ثم تتقدم إلى «بيدي» و«شيو»، و«يانلين» مما يزيد الوضع سوءًا. بينما لا تزيد حصيلتك (من ذلك كله) سوى الفوز بمنطقة «شينقوان»، غير أنه يلزمك، للعبور إلى هذه المنطقة أن تخضع — على كرهٍ منك — لإملاءات كلٍّ من دولتي ويه وسونغ، أما إذا فشلت محاولة غزو تشي، فسوف تجد نفسك مُضطرًا إلى الرحيل إذ ترغمك عليه دولة جاو؛ على عكس الأمر فيما لو نجحت في عملية اقتحام تشي؛ إذ يصير الحصول على منطقة شينقوان رهنًا بما تُقرره إرادة كل من دولتي ويه وسونغ.»

غير أن ملك وي لم يعمل بهذه النصيحة.

لمَّا أرسل تشانغي إلى رئيس وزراء

أرسل تشانغي إلى «القون تشوببن» [رئيس وزراء هان] يبلغه بأن ينتهز فرصة انتشار المجاعة في أرجاء دولة الهان لينصح للملك بضرورة إمداد منطقة خاواي بشحنات عاجلة من الحبوب. ويبدو أن أنباء ذلك وصلت إلى ملك وي فأوقعت الخوف في قلبه، وراح يستفسر من تشانغي عن فحوى الأمر فأجابه: «إن دولة تشين تريد أن تقوم بإنقاذ دولة تشي، أما دولة هان فتتطلَّع إلى الاستيلاء على منطقة نانيانغ، وأرى أن الأمر لن يختلف كثيرًا إذا ما اشتركت تشين مع هان في الاستيلاء على نانيانغ.

هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فإن هان تراقب تصرفاتك وتقوم بتقدير مواقفك على ضوء ما يمكن أن يقوم بينك وبين تشين من علاقات ودية، فإذا لم تقم تلك العلاقات الودية، فسوف تبادر دولة هان إلى حسم الأمر من جانبها.» وعندئذٍ تأكدت لدى ملك وي الرغبة في إقامة جسور الود مع دولة تشين، ثم إنه وضع ثقته في دولة هان سعيًا لتقوية وتوسيع نطاق نفوذ دولة وي بين الممالك، وإنقاذ دولة جاو مما تتعرض له، بل إنه أنحى باللائمة على أولئك القادمين من تشو الذين التقى بهم في منطقة «بيشيا»، وكانوا قد جاءوا إليه راكبين عربات البريد ليقصُّوا عليه طرفًا من وقائع «شيودي.»

وبهذه الطريقة، فقد زال خطر العدوان على دولة تشي وتقلصت عنها أيدي الدمار والتخريب.

لمَّا دقت طبول الحرب

دقت طبول الحرب لتعلن قرب اندلاع القتال في «شيوجو»، فذهب كونسونيان إلى ملك وي وقال له: «ما الذي يمنعك من أن تمد يد العون، جهارًا إلى دولة تشي، حتى تحرص على أن تتحالف سرًّا مع دولة تشو؟ اعلم أنه إذا ما قُدِّر لهذين البلدين أن يعتمدَا على مساندتك فسوف ينشب القتال بينهما.

وإذ يكون النصر حليف دولة تشي، فسوف تنال وي نصيبًا منه؛ لأنها (أي دولة وي) ستتمكن من الحصول على الأراضي الواقعة على مشارف منطقة «فانغ تشين». أما إذا كانت تشو هي المنتصرة على تشي، فسوف تجني وي معها ثمار النصر أيضًا، بمعنى أنها ستكون قد شفت غليلها مما وقع للأمير زيش من القتل غدرًا وغيلة.»

لمَّا ألحقت تشين الهزيمة ﺑ «جو» الشرقية

تمكنت دولة تشين من إلحاق الهزيمة بدولة جو الشرقية، كما دار القتال، كذلك، بينها وبين دولة وي، واستطاعت قوات تشين أن تجهِز على قائد جيش وي (المدعو شيهو) وأن تتقدم بخُطى منتشية بالانتصار، لتتمركز في مناطق داخل حدود دولة وي التي أسرعت بإيفاد كونسونيان إلى تشين سعيًا للمصالحة، مستخدمًا — في ذلك — وسيلة التنازل عن الأراضي، لكنه عبَّر عن هذه الرغبة بأسلوب رديء مُبتذل.

فذهب أحدهم إلى ملك وي ليتكلم معه عن لسان «طولو» [أحد مواطني وي] قائلًا لجلالته: «لا أعلم، على وجه اليقين مدى ما يمكن أن تأخذ به تشين من كلمات كونسونيان، وإلى أي حدٍّ يمكن أن تمضي في التعديل على ما يعرضه عليها، لكن يمكنني أن أقنع ملك تشين بقبول المصالحة مقابل التنازل له عن نصف ما وعد أن يُقدمه له كونسونيان من الأراضي.» [وكان أن سأله ملك تشين — فيما بعد …]: «ما العمل إذن؟» فأجابه، قائلًا: أرى أن توليه أحد المناصب الرفيعة ثم توفده في بعثة رسمية إلى دولة جاو، على أن تبذل له المكافأة الجزيلة والمال الوفير، وترصد تحركاته وتنقُّلاته خارج البلاد، ثم تبث في الأسماع قولًا مفاده أنه … «قد بلغنا أن جو الشرقية ودولة وي طلبتا من «طولو» التنازل عن (عدد من) أراضي وي للأمير «فن يانجون» [في دولة جاو]، وذلك إذعانًا وتسليمًا بمشيئة دولة تشين».»

وكان ما بين أمير جو الشرقية، وطولو، وفن يانجون، ورانخو ثارات وإحن وصراعات مشحونة بالعداوة والبغضاء وقد أصبح طولو، هو الذي يسعى الآن في إقرار المصالحة بينما وقف فن يانجون في وجه كل محاولة للتنازل عن الأراضي لدولة تشين [وكان القصر الحاكم في تشين يريد للجميع أن ينضوي تحت لواء رانخو …] وإذ تخشى جلالة الملكة (زوجة حاكم تشين) ألا يتبع الجميع خُطى رانخو، فستفكر في طريقة لتخريب الفكرة كلها من أولها إلى آخرها، وذلك بأن تتساهل كثيرًا في مطالبة دولة وي بالتنازل عن الأراضي؛ إذ تطلب منها تسليم مساحات محدودة سعيًا لإقرار المصالحة مع جلالة الملك، فيتمهد الطريق للتصالح بين تشين وكل من وي وجو الشرقية.

لمَّا استعد ملك تشي لمقابلة رؤساء الوزارات

استعد ملك تشي للقاء رؤساء وزراء تشو جاو ويان؛ وذلك في دولة ويه؛ للاتفاق معهم على نبذ واستبعاد دولة وي (من دائرة تحالفهم) مما أثار فزع الأخيرة خشية أن يتدبروا خطة لمهاجمتها، وأفضى ملك وي بمخاوفه إلى كونسونيان الذي أجابه بقوله: «كل ما أطلبه من جلالتك هو أن تدفع إلى يدي مائة وزنة من الذهب، وسترى بنفسك كيف أفض جمعهم وأخرب اتفاقهم.»

وبالفعل فقد أعد الملك ما طلب ووضع تحت تصرفه عربة محملة بالذهب، وضرب موعدًا للقائه بملك تشي في دولة ويه، وأبلغه بذلك الموعد، وقاد خمسين عربة تجاه دولة ويه والتقى هناك سرًّا، ببعض من رجال دولة تشي وأعطى مسئولي السفارة المائة مثقال من الذهب، راجيًا منهم أن يُرتبوا له لقاء ملك تشي، ثم إنه تحدَّد له الموعد وقابل جلالته. وتحدث إليه طويلًا وقد امتدَّ لقاؤه به فترة من الوقت حتى حقد عليه رؤساء وزراء الدول الثلاث الآخرين، وقالوا لجلالة الملك: «قد تم الاتفاق مع ثلاثتنا على نبذ دولة وي، فلما جاءك كونسونيان موفدًا من قبلها جلست تتجاذب أطراف الحديث معه طويلًا، ولا نرى إلا أنك تتآمر بنا أو تدبر لنا مكيدة ما.» فأجابهم ملك تشي، قال: «ليس في الأمر شيء سوى أن ملك وي لما عرف أني مُقيم الآن بدولة ويه، فقد أرسل النبيل كونسونيان لتحيتي، ولم يدُر بيني وبينه أية أحاديث سرية.»

وثار الشك في قلوب رجال الدول الثلاث، واهتزت ثقتهم بشأن التحالف معه، فلم تقم لهذا التحالف قائمة.

لمَّا أوفد ملك وي رسوله إلى دولة

كان ملك وي قد أوفد كونسونيان إلى دولة تشين سعيًا للمصالحة والسلام، فالتقى به «تشیمو هوي» [كبير وزراء جو الشرقية] وشرح له مسألة إقرار المصالحة والسلام ونصح له قائلًا: «أنصحك مشددًا بألَّا تقدم عروضًا بالتنازل عن كثيرٍ من الأراضي بمعنى أنه إذا نجحت مساعيكم في إقرار السلام فسوف تلقى بلادكم (وي) عظيم الاهتمام من جانب تشين (حتى يتشرف المرء بتمثيلها في حضرة الملوك) أما إذا تعثرت محاولات السلام، فلن يستطيع أي فردٍ كائنًا من كان أن يُقيم جسور العلاقة بين وي وتشين.»

لمَّا تولَّى كونسونيان قيادة جيش

تولی كونسونيان قيادة قوات دولة وي، إلا أن العلاقة بينه وبين «تيان شيو» ورئيس وزراء وي، لم تكن ودية بأي حال، وذهب «جيتس» ليتكلم مع ملك وي (منافحًا عن كونسونيان) قائلًا: «هل رأيت قطُّ يا مولاي عربة يجرها ثور وحصان؟ إن عربة مثل هذه لن تتحرك بضع خطواتٍ حتى تتوقف تمامًا، أقول هذا لما رأيت من تقديرك لكفاءة كونسونيان بما يؤهله للعمل قائدًا للجيش، لكنك تميل بأُذنك، في الوقت نفسه إلى آراء رئيس وزرائك وخططه العسكرية؛ فهذا أمر لا يختلف كثيرًا عما نفعله إذا أردنا العربة أن يجرها ثور (متثاقل الخطو) وحصان (يعدو ركضًا) فكلاهما قد تتحطَّم عظامهما دون أن يُفلحا في إتمام عملهما؛ والمعنى هنا أن بلادك هي الخاسرة بالتأكيد في ظل ذلك الوضع المشار إليه فأرجو من جلالتك مراجعة هذا الأمر جيدًا.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤