سجل وي الثاني
لمَّا أراد كونسونيان وتيان بان تعبئة القوات
أراد «كونسونيان»، و«تيان بان» أن يقوما على رأس قوات دولتي تشي ووي لمهاجمة دولة جاو، إلا أن حاكمي الدولتَين المشار إليهما لم يوافقا على تحريك القوات، مما حَدا ﺑ كونسونيان إلى توجيه الطلَب إلى الملك بقوله: «أرجو الموافقة على دفع قوات قوامها خمسون ألف مقاتل، وسنتمكن من غزو جاو فيما لا يزيد عن خمسة أشهر.» ومن جانبه، فقد علَّق تيان بان على هذا بقوله: «إن من يقود جيشه إلى مغامرات طائشة دون تقدير للعواقب يعرِّض بلاده للخطر العاجل، ومَن لا يُحسن تدبر الخطط، يوقع بنفسه في غمار المهالك، إن قولك يا سيدي بسهولة احتلال جاو ينطوي على مخاطر آجلة.» فأجابه كونسونيان قائلًا: «غاب عنك ذكاؤك أيها السيد، فهذان الحاكمان لا يريدان أساسًا، دفع قواتهما (نحو أي معترك) فإذا أضيف إلى ذلك كلامك عن المخاطر، فسوف يشتد خوفهما، مما يُعرِّض خُططنا لعقباتٍ جمة، حتى قبل أن نشرع في مهاجمة جاو ولا أرى داعيًا الآن لأية انتقادات لنا بالتسرُّع والاستعجال ما دُمنا قد مضَينا في الشوط أمدًا لا رجوع بعده، فما دامت حالة الحرب قد انعقدت في كل الأجواء، وقامت المواجهة بين الجيوش، وبرز حجم الخطر أمام عيني حاكمَي وي وتشي، فلن يجسرا على أن يدَعا مقاليد قيادة الجيوش لأحد غيرنا.» فأقر تيان بان بصحة منطقه ونصح لقادة البلدَين بالامتثال لوجهة نظر كونسونيان، وهكذا انعقدت لهما مقاليد السيطرة على جيشي البلدَين، وانطلقا على رأس قواتهما (صوب جبهة القتال)، وقبل أن يُغادرا بجيشهما المناطق الحدودية، لحق بهما حاكما وي وتشي على رأس قوات إضافية، قرَّرا إرسالها لدعم الجيشين تَوقِّيًا لما قد يقع بالقوات من الهزيمة ثم كان النصر حليف الدولتَين في حربهما ضد جاو.
لمَّا تكلم كونسونيان مع الملك
تكلم كونسونيان مع ملك وي، فقال له: «قد بذلت غاية الجهد وقدحت زناد الفكر لتوسيع رقعة البلاد التي تستظل بسلطانك، لتوطيد مركزك وإنفاذ رئاستك ونفوذك، ومع ذلك فهذا «تيانشيو» يستغل محاولاتي تلك لتشويه سمعتي والنيل مني وأنت تنصت له وتصدقه؛ مما يفتُّ في عضدي ويحرمني ثمرة الإنجاز والنجاح، فإما أن تصرفه فأقوم أنا بواجب طاعتك وخدمتك، أو تستبقِيَه فأذهب أنا، ولن ترى وجهي ثانية.» فرد عليه الملك، قال: «أما عرفت أن تيانشيو من أقرب وزرائي وأعزهم إليَّ! أفإن وجدت منه ضغينة أو مساسًا بمصلحتك، قمت إليه، فأخذت بعنقه وقتلته أو طردته ونفيته بعيدًا؟ ثم إني لا أجد في إقصائه خدمة لأي غرضٍ من أغراضي مع باقي الممالك، ولا أرى في وجوده (أي مشكلة يمكن أن تنال من قيمة) وزرائي! وعلى أية حال، فلأجل خاطرك سأطلب إليه أن ينأى بنفسه عن شئونك وألا يتدخل في أمرٍ من أمورك. فإذا بَدَا منه عكس ذلك فسأقتله أو أنفيه بعيدًا، فهل هذا يُرضيك؟» فأومأ كونسونيان برأسه راضيًا موافقًا وتوجَّه إلى الشرق والتقى ﺑ «تيان بي» [لقب آخر ﻟ «شوكون» وكان قائمًا بأعمال دولة تشي وقتئذٍ] وعقد معه اتفاقًا كان من نتائجه أن قام باستدعاء «أونزي» وولاه منصب رئيس وزراء وي، أما (كونسونيان، هو نفسه) فقد اختار أن يعمل رئيسًا لوزراء دولة هان.
لمَّا ذهب سوادي إلى ملك وي
ذهب سوادي لمقابلة ملك وي ليحدثه باسم تيانشيو، قائلًا: «أرجو أن تأذن لي جلالة الملك بسؤالك عمن ترى «تيانون» قائمًا على خدمته بهمة وعزم أكبر، أهي دولة وي أم دولة تشي؟» فأجابه الملك: «أرى أن عمله في خدمة تشي أجلُّ وأعظم مما يؤديه ﻟ «دولة وي» من خدمات.» وعاد الرجل يسأل الملك، قائلًا: «وأي البلدين يستأثر بعزم كونسونيان، وهمته، دولة وي أم دولة هان؟» فأجابه: «إنها دولة هان، هي التي تستأثر بجده أكثر من غيرها.»، وهنالك قال له سوداي: «سيقترب كونسونيان كثيرًا من دولة هان مبتعدًا عن وي، أما تيانون فسيقترب من تشي وينأى بنفسه عن أي علاقة، مع دولة وي.»
واسمح لي بأن أقول لك: «إن هذين الرجلين سيستفيدان من مكانة بلادك في مشروعاتهما السياسية وسط الممالك، وسيغنمان من ذلك كبير النفع، ولن يمكنهما اتخاذ موقف الحياد، وهو أمر لا أظنك قد سمعت به أو جاءك به خبر من الأخبار، وإذ أتأمل أحوال بلادك، فأستطيع القول إنك تستطيع، وعلى الرغم مما يعتري أحوال بلدك من ضعف عام، أن تنضم إلى محور التحالف الرأسي، والأفضل لكم (في هذه الحال) أن تستبقي إلى جوارك تيانشيو، ولك أن تتأمل حال هذين الرجلين وتراقب تصرفاتهما بدقة، وسيقولان لك (أحدهما بعد الآخر): «إن تيانشيو ليس شریكي ولا تربطني به علاقة، وإذا ما أتيت أمرًا حائدًا عن جادة الصواب، بعيدًا عما فيه مصلحة الوطن، فلن يتوانى تيانشيو عن انتقادي والتشهير بي أمام جلالتك!»
ومع ذلك فالأمر المؤكد هو أن الرجلَين كليهما لن يجسرا على اقتراف أي عملٍ أو سلوك خائن، وأيًّا ما كان من تصرفاتهما — وسواء عاد بالخير أم بالشر على دولة وي — فالأفضل لمصلحة البلاد، في كل الأحوال، إبقاء تيانشيو إلى جانبك ومُراقبة تصرفات كِلا الرجلَين.» ووافق ملك وي على هذا الرأي، (واستدعى) تيانشيو وأبقاه جانبه.
لمَّا ذُكر كونسونيان بسوء أمام الملك
كان (المدعو) «شيجيو» قد انتقد كونسونيان بشدة وعابه في حضرة ملك وي، فأراد كونسونيان أن يدبر له مكيدة توقِع به في داهية، فتحدث إلى تشانغي، قائلًا: ائذن لي أن أطلب إلى ملك وي أن يقوم بإسناد شئون الدولة إليك، فإذا ما تحدث معك بالطريقة التي تحدث بها الأباطرة القديسون القدماء «ياو»، و«شون»، فليس عليك إلا أن تتصرف بالطريقة التي تصرف بها «شويو» [ذلك الحكيم الفاضل في الأساطير القديمة، الذي رفض المناصب الحكومية المرموقة، ليعيش زاهدًا متفرغًا للعلم والتنسك في أحد الجبال] وهكذا، فسوف أرجوه أن يهديك محلة آهلة بالسكان بدلا من المنصب]. ففرح تشانغي، وأوعز إلى شيجيو بالتردد على كونسونيان، فلما عرف الملك بذلك، تبدَّدت ثقته بكلامه، وأسرع شيجيو بمغادرة دولة وي على الفور، دون حتى أن يقوم بواجب التوديع (المعهود).
لمَّا قام ملك تشو بمهاجمة إقليم
قام ملك تشو بمهاجمة جنوب إقليم «طاليان»، فانتهزت دولة هان الفرصة وقامت بحصار منطقة تشاينغ [من أرض دولة وي] وعندئذٍ ذهب «تشنهوي» [أحد مواطني وي] لمقابلة ملك هان، وكلَّمه (عن لسان) كونسونيان، قائلًا: «إن اشتدادك في مهاجمة منطقة تشيانغ سيدفع دولة تشو لتوسيع مدى هجومها بالدرجة التي تعجز معها دولة وي عن الصمود، مما يضطرها إلى الانحناء [حرفيًّا] أمام شروط تشو، فيتعاظم خطر هذه الأخيرة؛ لذلك فالأفضل أن تدع منطقة تشيانغ وشأنها (على الأقل في الأمد المنظور)، وعندما يلوح لدولة وي انتهاء الخطر المُحدق بها من جانب وي، فلا بد أنها ستحسم الحرب بينها وبين تشو، فإذا لم يكن النصر حليفها فلن يمكنها الاحتفاظ ﺑ «تشيانغ» (لا أظنها تقدر على صد هجومك، ثانية، ضد تشيانغ إذا ما بدا لك ذلك) أما إذا كانت هي المنتصرة على تشو، فلا بد أن قواتها ستكون قد بلغت من الإنهاك مبلغًا يحول دون صد هجومك على أرض تشيانغ فتغزوها بكل يسر.»
لمَّا تُوفي الملك هوي حاكم وي
تُوفي الملك هوي حاكم وي، وتم تحديد ميعاد الجنازة، غير أن الثلوج تساقطت بغزارة وتراكمت حتى بلغت مستوى «عيون الثيران التي تجر العربات» [هكذا حرفيًّا، ويقول المُحقق: إن بالنص الأصلي خطأ أو تحريفًا، وصحته، حتى بلغت مدة سقوط الثلج «نصف شهر»] فتهدمت أجزاء من سور المدينة، وصدر الأمر ببناء دربٍ خشبي معلَّق؛ لتُشيَّع جنازة الملك فوقه وانهالت على الأمير النصائح من كل صوب، تقول له: «أما وقد بلغ سقوط الجليد هذه الدرجة، فسينظر العامة إلى تشييع الجنازة بعين السخط والتذمر، بل ربما قصرت التكاليف الرسمية دون توفير المصاريف اللازمة، فالمرجو تغيير الميعاد المضروب أو تأجيله.» ورد الأمير [الملك شيانغ فيما بعد] بقوله: «ليس من المقبول أبدًا، بوصفي ولد الملك الراحل أن أحول دون إتمام الجنازة سواء بسبب ما قد يصيب الناس من إرهاق أم لما يتعلق بالنفقات المطلوبة، ولستُ أريد أن يُكلمني أحد في هذا الموضوع مرة ثانية.
فأحجم عامة الوزراء عن مفاتحة سموه في هذا الشأن، وتحدثوا في ذلك مع كونسونيان، الذي رد عليهم قائلًا: «ليس عندي شيء مما يجدر النصح به في هذا الموقف، ولا أجد أفضل من هويشي، هو وحده الذي يستطيع أن ينجز هذه المهمة، فعليكم به.» فلما ذهبوا وكلموه أبدى موافقته واستعداده.
الجزء الثاني من الفصل نفسه
ثم إنه ركب عربة وأسرع إلى سمو الأمير، وقال له: «لا بد أنك حددت ميعاد الجنازة، هذا أمر مفروغ منه بالطبع!» فلما رد عليه الأمير بالإيجاب، قال له: «كانت رفات الملك جيلي، فيما مضى من الزمان [الملك «جيلي» هو والد الملك أون أشهر حكام دولة جو] قد دفنت في طرف ناءٍ من جبل تشو، وحدث أن المياه تسربت إلى تابوت الدفن، فتعرى جزء من قائم التابوت، وهنالك قال الملك أون … «هو ذا جلالة الملك الراحل يريد أن يخرج إلى وزرائه وشعبه، والعلامة الصادقة على هذا هي أنه ترك سيل المياه ينفذ إلى تابوته المدفون.» ومن ثم فقد أخرج الصندوق الذي به الرفات وأعاده إلى القصر ونصب فوقه خيمة كبيرة، فوفدت إليه الناس زرافات ووحدانًا، وبعد ثلاثة أيام أقام له مراسم دفن (للمرة الثانية) أخرى، وكان ذلك من جملة ما اتصف به الملك أون من الفضائل العظيمة». ولئن كنت قد حددت موعد الجنازة، فقد انهمرت الثلوج بكثافة لا مثيل لها، حتى بلغت درجة كبيرة وأمدًا طويلًا، يتعذر معه خروج الناس من بيوتهم، ولا بد أن السبب القوي الذي يدفعك إلى التعجيل بالدفن هو الأجل المضروب للجنازة أليس كذلك؟ إن ما أرجوه منك يا سمو الأمير أن تضرب موعدًا آخر للدفن، بل إني واثق من أن جلالة الملك الراحل تحدوه الرغبة في البقاء بيننا عدة أيام يتمكن خلالها من «تقديم الولاء المقدس» لآلهة الزرع والأوطان؛ ويسكن جزَع شعبه الذي فُجع بوفاته؛ ولهذه الأسباب مجتمعة، فقد تعمد أن يرسل علينا كل تلك الثلوج، فلعلك تأمر بتأجيل موعد الدفن متعللًا بهذا السبب، ولتكن هذه واحدة من فضائلك الكبرى، ولا بد أن امتناعك عن تأجيل الدفن، هو في حدِّ ذاته إشارة واضحة إلى رفضك أن تأتي بتقليد في الفضائل الكريمة سبقك إليه الملك أون!» وهنا أبدى الأمير موافقته التامة، نزولًا على رأي كونسونيان، طالبًا منه تأجيل موعد الجنازة، واختيار يوم آخر غير مشئوم الطالع، ولم يكتف هويشي بإلقاء الموعظة وحض الأمير على هذا السلوك بالقول فقط، بل إنه قام وسط الناس، أثناء مراسم الدفن، وتكلم على رءوس الأشهاد مشيرًا إلى تلك الأخلاق الكريمة التي تحلى بها الملك أون (في وقت محنة) فهل يمكن أن تكون مثل هذه الإشارة إلى خصال وفضائل الملك أون، على مرأى ومسمع من أهل الممالك كافة … مسألة بسيطة، هل تمر مرور الكرام دون أن تسجل في قيد المآثر العظيمة؟
لمَّا قامت الدول الخمس بمهاجمة تشين
قامت الدول الخمس بالإغارة على تشين [كانت خمس دول هي: یان وتشي ووي وجاو — هان، قد قامت مجتمعة عام ٢٨٧ق.م. بالهجوم ضد تشين، وارتدت خائبة] فلمَّا لم تحرز نصرًا، عادت أدراجها، ثم حاولت دولة تشي، فيما بعد، الهجوم على سونغ، فأوقفتها تشين وصدتها عن ذلك، فأرسلت دولة تشي، من جانبها المبعوث سونقو «في زيارة إلى تشين طالبًا منها التحالف معها لمهاجمة دولة سونغ، وأبدى ملك تشين موافقته، وهنا وقع الفزع في قلب دولة وي، لما رأته من تحالف تشين وتشي وأرادت إجراء مصالحة سلمية مع تشين. (وبهذا الخصوص، فقد تكلم سوتشين مع ملك وي، قائلًا له:) «بلغني أن ملك تشين قال ﻟ سونقو: «إن من يقوم بضرب وتحطيم القوة الجبارة لدولة سونغ واقتسام أراضيها هي الدول الست مجتمعة، بينما أن دولتَين اثنتَين ستستغلان فرصة ضعف دولة سونغ وتقتسمان مع جلالة الملك مصالحه فيها، وهما وي وتشو. فائذن لنا بألا نقف في وجه تشو إذا أرادت مهاجمة وي، وساعتئذٍ فيمكن لجلالة الملك أن يفوز وحده بدولة سونغ، غنيمة سائغة له وإذ يقوم جلالته بمهاجمة سونغ، فلا بد له من أن يضع اليد القاسية مع اليد الرحيمة [هكذا حرفيًّا، بمعنى أن يستخدم كل والوسائل المتاحة له، سواء كانت عنيفة أم لينة]. إن الظهور على سونغ (وكسر شوكتها) يستحق توظيف كل الوسائل بما في ذلك تحقيرها والنيْل من كرامتها، وهو ما يُعد مشروعًا تمامًا، ولا يدخل في باب «الجرم أو الإثم الذي لا يُغتفر»، بل إن القضاء على تلك الدولة قضاءً مبرمًا وإزالتها من الوجود، لا يعد من قبيل البغض أو الشحناء. هذا ولا ينبغي لجلالة الملك المعظم أن يدخل في محاولات تصالح سلمي مع سونغ بهدف اقتطاع المزيد من أراضيها، فقد تم الحصول على ما يكفي، ولم يعُد يبقى سوى تعبئة الجيش لمهاجمتها؛ فالأمل في إفنائها معقود بدولة تشي …»
الجزء الثاني من الفصل نفسه
فلمَّا سمعت هذه الكلمات أحسستُ بین جوانحي بالحزن والأسى، لأجل الملك، ثم إن من المؤكد أن دولة تشين سوف تلجأ إلى نفس الوسيلة في معاملاتها مع جلالته، ولا بد أنها ستوقع به في مآزق لا خروج منها إلا بالتنازل لها عن بعض أراضيه، حتى بعد أن تحصُل منه على ما يكفيها من الأرض، فلن تتوانى عن اللجوء إلى القوة لمهاجمته. ثم إنها يمكن — بالتأكيد — أن تميل إلى السلم والمصالحة مع جلالة الملك، بحيث تقنعه باستصغار شأن دولة تشي حتى إذا فسد التحالف بين وي وتشي، راحت تتودَّد إلى هذه الأخيرة لكي تساعدها في ابتزاز جلالته.
وقد سبق لدولة تشين أن جربت هذه الخطة السياسية مع دولة تشو، بل جربتها أيضًا مع دولة هان، ومن ثم فأرجو جلالته أن ينظر إلى هذه المسألة بعين التَّأمل والاعتبار ذلك أن ما تُبديه تشين نحو دولة وي من نوايا ودية ما زال أمرًا يحوطه الغموض والترقُّب، وهو ما يحدوني إلى القلق والظنون خشية ما يمكن أن يصيب جلالته من مكروه، وأرى أن أنجح سياسة، هي الهجوم على تشين — هذا في المقام الأول — أما في المقام الثاني، فتأتي سياسة القطيعة مع تشين، وفي البند الثالث تقع سياسة توثيق الارتباط مع مجموعة دول التحالف مع التظاهر الشكلي بالحرص على علاقات السلام والمصالحة مع تشين، دون الدخول في عداوات مع باقي الدول. واعلم أنه لا يمكن الحفاظ على البلاد بمنأى عن الخطر ما دام التحالف قائمًا بين تشي وتشين، فأصغِ جيدًا لما أنصحك به وحذارِ من أن تقوم بالمصالحة مع تشين.
الجزء الثالث من الفصل نفسه
مما لا شك فيه أن دولة تشين ذات قوة وسطوة جبارة وهو ما يفهمه جيدًا واحد مثل ويرانغ، تمامًا مثلما يفهم أيضًا باقي أحوال الممالك، وهكذا فهو — وعلى الرغم مما يحاوله من إلحاق الضرر بدولة تشين (خدمة لكم) — فإنه لا يستطيع ولا حتى يجرؤ على أن يجاهر بسياسته تلك. وأنت قد تسمع صوتًا يصدر عن الممالك ينطلق بالدعوة إلى مهاجمة دولة تشين، ثم يترامى إلى سمعك أيضًا، وفي الوقت ذاته، أن آخرين اجتمعوا سرًّا (بأطرافٍ من الممالك) ونصحوا بالتريث مُعلنين خشيتهم من التآمر ضد تشين، وإذا لاح لهم أن الممالك توشك أن تنقض على تشين لتفتك بها، بادروا إلى نكث عهدهم وميثاقهم مع دول التحالف ولينأوا بأنفسهم عن الانخراط مع الآخرين فيما هم مقدمون عليه، واعلم كذلك أنه إذا ما تداعت الممالك إلى مقاطعة تشين، فسيقولون، [أولئك الذين أحدثك عنهم] إنهم مُضطرون إلى الانصياع رغم أنفِهم. وإذا ما بَدَا لهم أنه لم يعُد بيد الممالك أية حيلة، وبادروا إلى خيانة عهدهم معها، ونظروا إلى تشين بوصفها الحليف الأول الذي يمكن أن يحفظ عليهم كيانهم أو يحتموا هم بظلاله، فكيف يمكن لجلالته أن يستعين بهؤلاء على دفع الخطر عن نفسه، وهم الذين يستثمرون خيانتهم له أفضل استثمار [يعدون خيانتهم له هي رأس مالهم الوافر].
اعلم أنه لا بد لمن يدفعون الخطر عنك من أن يعتمدوا ثلاث خطط سياسية، على أن تكون الخطة الأولى منها هي الواجبة والمفروضة قبل أي اعتبار، فإذا لم يتسنَّ لهم ذلك، لجئوا إلى الخطة الوسطى، وإلا اضطروا إلى الأخذ بالأدنى، فإذا لم تكن أدنى خطة ممكنة التنفيذ؛ فسيفعلون ما بوسعهم لتوضيح موقفهم من أن مصيرهم غير مرتبط بمصير تشين، وبالتالي فسيُقدِمون على الإضرار بها مهما كانت النتائج، ويدركون تمام الإدراك أن استقرار أحوالهم منوط بدرء الخطر عن دولة وي [حرفيًّا: دون الوقوف موقف المتفرج عليها].
ولا يُمكنني، بأي حال، أن أدعوك إلى نبذ ميثاق التحالف سعيًا للتصالح مع تشين درءًا للمخاطر وتجنبًا للويلات؛ وذلك لأني لا أعرف على وجه اليقين مدى ملاءمة هذه السياسة، فهل يُمكنني ذلك حقًّا؟ فما دام الأمر على هذا النحو الذي شرحت لك، فلست أرجو إلا مزيد النظر والاعتبار والتأمل.
الجزء الرابع من الفصل نفسه
إن يان وتشي دولتان متعاديتان؛ وتربطهما مع تشين علاقات ودية وأخوية، فاذهب وحاول أن تدعوهما إلى التحالف معًا — على الرغم مما بينهما من البغضاء والعداوة — لضرب تشين (التي تربطها بدولة يان علاقة مصاهرة — حيث تزوج أمير يان ابنة ملك تشين — أكثر مما هي علاقة) أخوية وستجد أن الأمر أصعب مما تظن.
لقد قام (فيما مضى من الزمان البعيد) الإمبراطور الأعظم بشن حملة عسكرية ضد منطقة الأحراش في «جوالو» ومع ذلك فلم تنتفض قوات «رونغ الغربية» لمقاومته؛ وكذلك قام الإمبراطور الحكيم «يو» [كما تنطق في الفيوم] بمهاجمة قبائل «مياو» الثلاث، دون أن يثور ضده أهالي «إي [كما تنطق في «إيلات»]. (وهكذا ﻓ) محاولة تأليب يان ضد دولة تشين، مسألة في غاية الصعوبة، بالدرجة التي يتعذَّر، حتى على إمبراطور الزمان نفسه أن يجد إليها وسيلة، وكل ما أستطيعه هو أن أحض جيش يان على الخروج للقتال، ثم أقوم من جانبٍ آخر بدعوة قوات تشي على الخروج لملاقاته، كما أني أعمل ما في وسعي للاعتراف بطاعة المسئولين في سانجين، وأعمل بإخلاص في خدمة كل من «فنغ يانجون»، «منغ شانجون»، «هانمين»، و«جوتسوي» و«هانشيو» وأعرف لنفسي مكاني خلفهما. وقد بادرت إلى قطع كل علاقة تربطني بدولة تشين لئلَّا تساور المسئولين أية هواجس بشأن الوقوف في وجه تلك الدولة. بل كنتُ أنا أول من دعا أمراء الدويلات إلى حرق وثائق معاهداتهم واتفاقاتهم مع تشين، وكنت أنا أيضًا الذي جدد تلك الدعوة بين الجميع، ثم إني دعوتهم، كذلك، إلى دولة تشين. يومئذٍ لم يتفق معي في الرأي سوى فنغ يانجون، وهانشيو؛ أما «صوشيو» و«جوبي» [مبعوثا دولة تشو] فقد بقيا، سرًّا، في هاندان، ولم أكتفِ بذلك، بل حاولت أن أحث ملك تشي على المضي قدمًا في طريق مناهضة نفوذ تشين، وذلك بمحاولة تخريب الاتفاق القائم بين سونقو ودولة تشين.
إلا أن كلمة الأمراء اتفقت حول مصالحة تشين ثم أرسلوا «صوشيو» ليذيع ما توصلوا إليه من رأي موحد، واعتبروا أن دولة تشي أفضل حليف لهم، وطالبوا بدفع قوات لمهاجمة دولة وي، واحتدَّ الاختلاف بيننا، وصار الصراع معهم داميًّا. ثم ترامت إلينا من الغرب، أنباء بواسطة صوشيو، تفيد بعدم إقدام تشي على مهاجمة وي. (وفي كل تلك الحلقات والفصول من الصراع الكبير) فلم أكن — بالطبع — أجهل قوة ونفوذ تشين، لكني لم أذهب إلى ذلك المدى إلا لأجلك أنت.»
لمَّا كانت العلاقة ودية جدًّا بين ثلاثة
جرى الود مجراه بين كل من «تيانون»، «تيانشيو»، «جوشياو»، وأرادوا أن يحملوا كونسونيان أوزار كل شيء، وهو ما أثار خشيته وقلقه، فذهب إلى ملك وي وقال له: «إن مبعث القلق كلِّه ينصبُّ على دولة تشي، وأعرف أن حاكمها يميل بأذنه إلى كل كلمة يقولها له «تيانبي»، ولئن كنت تريد حقًّا، يا مولاي، أن تستحوذ على دولة تشي، فلماذا لا تعجل في استدعاء تيانون لتسند إليه منصب رئيس الوزراء؟ فهو الرجل الوحيد القادر على أن يجعل تشي كلها تقوم على خدمتك وتصبح كالخاتم بين أصابعك؟» فرد عليه الملك، قائلًا: «أوافقك تمامًا على ذلك.» وأرسل في استدعاء تيانون وكلَّفه بالعمل رئيسًا لوزرائه، ومن ثم استطاع كونسونيان أن يفرض سيطرته التامة على تيانون، بل باعد بينه وبين كل من تيانشيو وجوشياو.
لمَّا أوفد ملك وي رئيس وزرائه
أمر ملك وي رئيس وزرائه هويشي [من مواطني دولة سونغ، كان وقتذاك رئيسًا لوزراء وي] بالتوجُّه إلى دولة تشو، وأوفد كونسونيان إلى دولة تشي، وكان عدد العربات المرافقة للرجُلَين في بعثتيهما متساويًا تمامًا، وكان الغرض الأساسي من ذلك هو قياس مدى صدق ما تُبديه الدولتان من روح ودِّية نحو دولة وي، وهكذا فقد أرسل هويشي (من طرفه) مبعوثًا إلى دولة تشو، ليُصرِّح للجميع، هنالك، قائلًا: «قد أمر ملك وي كونسونيان بالتوجه إلى تشي مثلما أصدر أمره إلى هويشي بالمجيء إليكم في تشو، وأعطى كل واحد منهما عددًا متساويًا من العربات رغبة من جلالته في استجلاء موقف البلدَين الودي واتجه إلى مشارف العاصمة ليكون بنفسه، في استقبال هويشي.»
لما قام ملك وي بتعبئة الجيش
قام الملك هوي، حاكم دولة وي بتجنيد الأهالي في جيش كثيف، وجعل على رأس القوات ولده الأمير «شن»، قائدًا عامًّا وأمره بالتوجُّه لقتال دولة تشي. وكان أن أحد الغرباء القادمين من خارج البلاد ذهب إلى الأستاذ «القون تسيلي»، وقال له: «ما الذي منعك من أن تنصح لسيدك «القون» بأن يهرع إلى زوجة الملك ويرفع صوته عاليًا بالبكاء (حتى يؤجِّج مشاعر اللوعة عندها، لعلَّها تمنع ولدها الأمير من السفر في تلك المهمة؟ فإذا تكللت المهمة بالنجاح وحيل بين الأمير والذهاب إلى القتال، كان ذلك منه صنيعًا ومعروفًا يذكر بالخير، أما إذا كانت الأخرى، فربما تقلد زمام الحكم وصار ملكًا فوق البلاد؛ فالأمير ما زال شابًّا حَدثًا، لا عهد له بالحرب والقتال بينما كان «تيانيان» — أمير جيش دولة تشي — قائدًا محنكًا ذا بأس وتجربة طويلة في ساحات الوغى، (هذا، في الوقت الذي كانت دولة تشي تستفيد من خبرة رجل بارز في فن الحرب؛ فقد كان سون تسي، خبيرًا أيضًا في أمور المعارك وفنونها [الإشارة الحقيقية، هنا — إلى سون بين — تلميذ سون تسي — وثاني أشهر رواد فن الحرب قديما!] ولا أظن أن النصر حليف سموه لو خرج إلى القتال، بل قد يسقط في الأسر إذا ما حلت به الهزيمة. فليسرع القون إلى جلالة الملك الأعظم وليتشبث برأيه عنده. فإذا ما أخذ جلالته بوجهة نظره، فسيصله الملك بكثير من سخائه وأفضاله، أما إذا مضى الشوط إلى آخره (ودخل الأمير بقواته ساحة الحرب … فهو خاسر لا محالة، وعندئذٍ، فلا بد أن القون سيحل محله أميرًا شرعيًّا [يخلف الملك على العرش وقت وفاته] ومعنى هذا أنه سيرتقي عرش البلاد ملكًا بكل صولجانه وهيبته في الغد القريب.»
لمَّا اشتبكت دولة تشي مع وي في موقعة
وقع الاشتباك بين دولتي وي وتشي في موقعة «مالينغ»، وأنزلت تشي بغريمتها هزيمة نكراء، قتل فيها سمو الأمير «شن» أمير دولة وي، وهلك فيها مائة ألف فرد من جيشها، وعندئذٍ قام ملك وي باستدعاء هويشي، وأبلغه قائلًا: «إن تشي هي عدوتي اللدود، والبغضاء — كالحياة والموت — لا تُنسى مع الأيام، مهما طالت، وعلى الرغم مما عليه بلادنا من صغر المساحة (وقلة الموارد) فلطالما حلمت بأن أعبِّئ جيشًا مهولًا وأنطلق به نحو تشي فأدكُّها دكًّا، فما رأيك في هذه الفكرة؟» فأجابه هويشي، قال: «هذا ليس من الصواب في شيء وقد بلغَني أنه قيل: «لا يؤتى الرياسة إلا ذو التقدير الصائب والمنطق السديد، كما أنه لا يؤتى الملك إلا ذو فهم بالخطط المحكمة والتخطيط الواعي السليم.» وما قد سمعته منك الآن، يخلو من أي تقديرٍ صائب أو تخطيط بصير. وقد كنت وقعت في اللدد والخصومة مع دولة جاو، بادئ ذي بدء، ثم أشعلت فتيل الحرب مع تشي، بعد ذلك، دون أن تترك خلفك قوات دفاعية تحمي المقدمة التي سارت إلى جبهات القتال، ها أنت تريد أن تهجم بكامل قواتك على تشي، وهي خطة لا أنصح بها؛ فإذا كنت تريد أن تثأر لنفسك من تشي حقًّا، فالأفضل أن تبادر على الفور بتغيير ملابسك الملكية ثم ترتدي زيًّا بسيطًا، (وتطأطئ بعض الشيء لحكم الظروف) وتتجه نحو دولة تشي لزيارة بلاطها الحاكم، وهو ما سيشعل الغضب في قلب حاكم تشو. ثم ابعث إلى تشي وتشو من يسعى بكل وسيلة لإثارة الشحناء بينهما، فتقدم تشو على غزو تشي، وإذ تتكالب دولة قوية جبارة مثل تشو على تشي الضعيفة المتهافتة، فالنصر حليفها بكل تأكيد، بينما يعود الفضل في تحطيم تشي، أساسًا، إلى تدبيرك أنت وتخطيطك السديد.»
فوافق ملك وي على هذا الاقتراح وأرسل إلى دولة تشي يبلغها برغبته في الاعتراف لها بالطاعة والاحترام، فرد عليه «تيانبي»، بالموافقة والترحيب، وهنالك تكلم جانشو، قائلًا: «هذا لا يصح أبدًا؛ إذ لو كان ملك وي جاء إلينا اعترافًا بالطاعة لنا، قبل أن يقوم القتال بيننا وبينه، (لكان الأمر قد اختلف كثيرًا، لأنه كان من الممكن حينئذٍ أن نتحالف معه ونقوم بإخضاع تشو تحت سيطرتنا، مما يمكن أن يُعد انتصارًا عظيمًا ونجاحًا باهرًا لنا. أما الآن وقد ألحقنا الهزيمة بدولة وي وكبدناها خسائر فادحة في القوات (مائة ألف قتيل) وأوقعنا في الأسر بأمير البلاد، [هكذا، حرفيًّا، برغم ما ذكر في أول النص من أنه جرى قتل الأمير أثناء المعارك!] وكسرنا شوكة ذلك البلد الذي كان يباهي بامتلاكه عشرة آلاف عربة عسكرية، واستصغرنا شأن دولتي تشين وتشو، فلا يمكن أن يسير الأمر على النحو المقترح … وإلا فسيتعاظم إحساسه بالغطرسة ويزيد في جبروته، هذا بالإضافة إلى ما يتسم به سلوك ملك تشو من الجري وراء الشهرة والولع بالدخول في المناوشات القتالية، وهكذا فلا بد أن نعمل على أن تكون دولة تشو هذه هي التي تحطم صلف وغرور وغطرسة تشي وتصبح نكبتها النكباء».
لمَّا أراد هويشي إرساء العلاقات بين
أراد هويشي أن يوطد العلاقات بين دولتي هان ووي، فأرسل الأمير «مينغ» [ولد الملك هوي حاكم وي] رهينة سلام إلى دولة تشي، ولمَّا أبدى الملك رغبته في مقابلة ولده قبل مغادرته، تكلم «جوتسان» [كبير وزراء وي] مع جلالته قائلًا: «لا أدري لماذا لا تدَّعي أنك مريض، ثم ترسلني إلى تيانبي في محاولة للتأثير عليه، حيث أقول له … «بلغ ملك وي من السن عتيًّا، واعتلَّت صحته للغاية، فدع الأمير يرجع إليه، فيشكر لك هذا الفضل بكل امتنان وإلا فربما اضطرت دولة تشو أن تعيد إلى جلالته «القون» [النبيل]: «قاو» المقيم لديها فيحل محل الأمير الغائب؛ مما يعني أن تحتفظ تشي لديها بأمير رهينة (ليس له أدنى اعتبار أو قيمة) تمسكًا بأسباب غير إنسانية».»
لمَّا نال تيانشيو حظوة لدى الملك
نال تيانشیو حظوة لدى ملك وي، فكلَّمه هویشي، قائلًا: «لا بد أن تعامل حاشية الملك بأحسن وجوه المعاملة، انظر إلى شجرة الحور تلك القائمة هناك، وتأمل كيف أنك إذا غرست سيقانها أفقيًّا فسوف تنمو وإذا قلبت ساقها وغرسته رأسًا على عقب فسوف ينمو ويزدهر، وإذا نزعت عن الساق بعض الأغصان، فسيصلح للزرع والإنبات أيضًا، إن شجرة حور يزرعها عشرة أفراد، يستطيع فرد واحد أن يقتلعها، فلا يعود ثمة شيء يصلح للإنبات.
وهكذا يصير من السهل جدًّا أن تفسد شجرة قابلة للنماء على يد رجل واحد، حتى لو قام على تعهدها بالغرس عشرة رجال. أما دريت لماذا؟ هذا أمر واضح جدًّا، باعتبار أن الاقتلاع أيسر من الغرس فتأمل ذلك واعلم أن ما نلته من حظوة وثقة لدى الملك شبيه بما حدثتك عنه؛ إذ تجد غرسًا صالحًا لدى رجل واحد، بينما يترصد بك كثيرون لاقتلاعك، فاحذر فإنما قد بلغت مشارف الخطر.»
لمَّا قضى تيانشیو نحبه
مات تيانشيو وحدث أنه لما التقى جاويو [رئيس وزراء دولة تشو] مع سوادي، قال له: «قد مات تيانشيو، وأخشى أن يتولى أحد الرجال الثلاثة (تشانغي أو شوكون، أو كونسونيان) رئاسة وزراء دولة «وي».» فأجابه: «فمن، إذن، تراه الأنسب لهذا المنصب [بالأحرى: من تراه الأكثر نفعًا والأجدى لك؟!]» فقال: «أرى أن يقوم أمير دولة وي بمهام رئيس الوزراء.» فقال له سوادي: «فائذن لي أن أقابل ملك وي وسأبذل جهدي كي يتولى سمو الأمير هذا المنصب.» فسأله جاويو عن الوسيلة التي سيتمكن بها من تحقيق هذا الغرض، فأجابه سوادي قائلًا: «أرى أنك تتقدم بالاقتراح الذي تنطلق فيه مما تراه مفيدًا لجلالة ملك وي، فاسمح لي بأن أنقل لجلالته هذا المعنى (عن لسانك)» فرد عليه جاويو قال: «لكن أخبرني كيف ستفعل هذا؟!» فأجابه: «سأقول له إني قادم من دولة تشو حيث التقيت ﺑ «جاويو» الذي بَدَا عليه القلق الشديد، فلما سألته عن السبب في إحساسه هذا، أجابني بقوله … «قد مات تيانشيو، وأخشى أن يتولى رئاسة الوزارة واحد من بين ثلاثة؛ تشانغي، أو شوكون أو كونسونيان.» فقلت له: «لا داعي للقلق، فجلالة الملك قد بلغ من الحكمة والتجربة مبلغًا يحول بينه وبين تعيين تشانغي في هذا المنصب؛ لأنه لو صار رئيسًا لوزراء دولة وي؛ فسوف ينحاز إلى جانب تشين، مبتعدًا عما في صالح دولة وي؛ أما إذا تولى هذا الموقع شوكون، فسوف يقترب من تشي أكثر مما ينبغي مما يُباعد بينه وبين وي؛ فإذا حدث أن قام كونسونيان على رئاسة الوزراء فسوف يعمل على محاباة دولة هان مغضيًا النظر عما في مصلحة وي.» ولا بد أن جلالتك بما عجمت السنون من عودك، ولقَّنتك الأيام من الحكمة لن تُقدِم على تعيين أي واحد منهم رئيسًا للوزراء.» … ثم أُردِف هذا بأن أقول له … «والأفضل أن تسند هذا المنصب لسمو الأمير، ولا يخفى عن جلالتكم أن ثلاثة الرجال الذين ذكرت لك يرون أن سموه يجب أن يبقى بعيدًا عن رئاسة الوزراء، بل إنهم مُستعدون لعمل أي شيء في طاقاتهم، متوسِّلين في سبيل خدمتك والوقوع منك موقع الرضا بما تُبديه بلادهم نحوهم من اعتراف بالطاعة والإكبار لمكانتك (وسط الممالك) وكل ما يطمحون إليه هو الحصول على خاتم السلطة الوزارية العليا.
ولا شك أنه مما يبعث على الارتياح والشعور بالاستقرار أن تبلغ مكانة دولة وي هذه الدرجة من المهابة والنفوذ بحيث تخطب ودها وتعترف لها بالطاعة ثلاث دول تملك الواحدة منها ما مقداره عشرة آلاف عربة عسكرية؛ لهذا كله أرى أن التصرف الأمثل هو أن يسند منصب رئيس الوزراء إلى سمو الأمير.»
ثم إن سوداي قام وسافر صوب الشمال لمقابلة ملك وي، وقال لجلالته كل ما كان قد أعده من الكلمات آنفة الذكر، وبالفعل فقد تولى أمير وي منصب رئيس الوزراء.
لمَّا أرسل ملك تشين في استدعاء رئيس وزراء
أرسل ملك تشين في استدعاء «شينان جون» رئيس وزراء دولة وي، فتردد في الاستجابة إلى طلبه والذهاب إليه، فسارع سوداي إلى لقاء ملك تشين منافحًا عن الرجل، قائلًا لجلالته: «قد بلغني، يا سيدي، أنه ليس شرطًا أن ينضوي المخلصون لك في حزبك وشيعتك، كما أنه ليس من المؤكد تمامًا أن يكون الموالون لك هم أصدق المخلصين، وسأحاول فيما يلي أن أوضح لجلالتكم وجهة نظري المتواضعة وإن كنت أخشى ألا أكون مخلصًا لموظفي القصر وعُمَّال جلالتك الذين يأتمرون بأمرك، فأجلب على نفسي عقوبة الإعدام فيطاح بعنقي وتزهق روحي؛ ولذلك أرجو أن تتثبت من هذا الأمر وتسبر غوره جيدًا. ولنعد الآن إلى النقطة الجوهرية في موضوعنا فأنت قد أرسلت إلى دولة وي من يتولى شئون تصريف المهام الحكومية بها، حرصًا على توطيد العلاقات بين بلديكما، ومع ذلك فلا أجد ثمة أمل في تقوية جسور هذه العلاقة أصلًا، وهو ما يُثير قلقي الشديد. هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فإذا كنت ترمي من وراء توطيد علاقاتك الخارجية مع باقي الدويلات إلى كبح جماح دولة جاو، فأخشى ألا تُصيب غرضك في هذا، بل ستتقوى دولة جاو، وتبلغ أقصى درجات الصلابة والغطرسة.
إن ما يوليه ملك وي لرئيس الوزراء «شينان جون» من حُب وعطف قد بلغ ما لا يزيد عليه، وقد اعتاد جلالته أن يختار ذوي الكفاءة والموهبة للمناصب الرفيعة ويغدق عليهم الصلات الكريمة، ومن الواضح أن فخامته يخشى بل يفزع مما يمكن أن تحظى به بلادكم من الاحترام والتبجيل، ثم إنك إذا أرسلت إلى دولة وي من لن يحظى بأي اعتبار أو لا يؤبَه بما يحوزه من كفاءة واقتدار، فأنت تسعى فيما لا طائل وراءه؛ أما إذا حظي مبعوثك هناك بالاهتمام اللائق، وتم تعيينه في المنصب الجدير به، فسيكون منطلق دولة وي في ذلك، قائمًا على أساس الخشية من مكانتكم وليس الحب أو الود الصادق، وهذا كله سيصبُّ في المحصلة النهائية في جملة الأسباب الداعية إلى شعور ملك وي بمزيد القلق. ولا أتصور أن من السهل على «شينان جون» أن يتحول عن مهمة الإشراف على سياسة بلدٍ يملك عشرة آلاف عربة عسكرية (مهما كانت الأسباب) مثلما أتصور أيضًا أنه من المُستحيل أن تستمر طويلًا سياسة مؤدَّاها أن تتسبَّب في قلق مقيم لدى قادة وملوك البلدين، أو أن تضع قيودًا على حركة وعمل وتصرف رجال الدولة في أي مكان؛ ولهذا كله أشعر بالقلق المُتزايد على مستقبل العلاقات مع دولة وي (ويبدو لي أنه من المستحيل أن تقوم تلك العلاقة أصلًا!).
وبالإضافة إلى هذا كله، فإذا حدث أن انصرف شينان جون عن تسيير دفة السياسة في دولة وي، فلا بد أن خبراء التخطيط في جاو سيقولون (فيما بينهم) … «ها هي ذي دولة تشين تمسك بزمام الموقف كله، فتنحي شينان جون عن منصبه (في وي) ولا بد أنها ستعمل في المستقبل، على أن ترسل إلينا المقربين من حاشية الملك ليتولوا شئون الحكم في بلادنا، وهذا معناه القضاء علينا جميعًا (باسم الإبقاء على مصالح جاو) فيكون استقرار الأحوال مرهون بزلزلة كياننا.»
وهو أمر من شأنه أن يوقظ في رجال الحكم والمتنفذين روح الصراع والقتال في ساحة اشتباك. مع أعداء أجانب، ويزكي في نفوس الشعب [حرفيًّا: الناس في المرتبة الأدنى] حماس الدفاع عن أرض الوطن، فمن ثم انتابني الإحساس بالقلق، لأن تلك الحال كفيلة بأن تعمل على إعلاء كوامن القوة في دولة جاو، فتتعاظم طاقاتها للغاية.
الجزء الثاني من الفصل نفسه
ولئن كنت تريد الحفاظ على علاقات (دبلوماسية) مع دولة وي، دون أن تُثير كوامن النزوات الطائشة في نفس دولة جاو، فليس أفضل من أن تجعل شينان جون عاملًا من عمَّالك الذين يبذلون جهدهم في خدمتك، مستفيدًا من الشهرة التي أصابها (بموقعه كرئيس للوزراء) ومن سامق مكانته، أما إذا بَدَا أنه يعصي جلالة الملك، فسوف يطل الخطر برأسه من داخل دولة وي مما يُقلل من سلطاته التي يقبض عليها بيدَيه، أما إذا أبقيتَ له سلطاته ونفوذه فسيمكنك أن تجعله خادمك الذي لا يستعصي عليه أمر. وما كان المتنفذون [حرفيًّا: الذين في المرتبة العليا] يُثابرون على خدمة ملوكهم إلا لتبيان آيات الإخلاص، وما سعى العامة [حرفيًّا: الذين في المرتبة السفلى] سعيًا إلا كسبًا لمغنم وفير ومكافأة جزيلة. وما أظن شينان جون إلا باذلًا جهد طاقته في خدمة جلالته، وهو ما سيدفع رجال دولة جاو إلى القول بما نصه … «قد تحاذينا في المكانة وتساوينا في الجلال مع أهالي دولة وي، فما زادت ثمار أراضيهم عما تغله أراضينا.» ثم ها هو ذا شينان جون يسعى في خدمة ملك تشين، حتى أغدق عليه الصلات وأنعم عليه بالمودة والقربي فاستمتعت وي برغد العيش والاستقرار، وبلغ شينان جون المكانة العالية الشريفة. فما لنا قد عقدنا عقدة البغضاء والعداوة مع تشين، حتى صارت جنودنا أهدافًا حية لمرماها، وتردت أحوال بلادنا في حالٍ مُزرية من الضعف والخطر، فما نظن تلك إلا سياسة حمقاء من جانبنا؛ حيث القتال والشحناء على الحدود، والكوارث المُدلهمة في الداخل، حتى أوقعنا بأنفسنا في المأزق، فلا يمكن أن تكون تلك طريقة حكيمة في معالجة الشئون السياسية. ومن ثم يشعرون ببالغ الأسف لما بدر منهم فيما سلف من الزمان، ويطمحون لنيل فرصة أفضل ومغنم أمثل، وعندئذٍ فلا بد أنهم سيعرضون التنازل عن أجزاء من أراضيهم ترضية لجلالتك، حيث تأتيك الوفود تترى لتتنازل عن المزيد فالمزيد وأنت قاعد مكانك تنظر: [حرفيًّا: وأنت عاقد كفيك، مسبل إزارك] فيما لم يكن ممكنًا للإمبراطورَين الحكيميَن [حرفيًّا: الصالحين] «ياو»، «شون» أن ينعما به من السطوة والنفوذ والجلال، وكل ما أرجوه من جلالتك التأمل والتثبت بدقة وإمعان فيما قلت.»
لمَّا قامت تشين وتشو بمهاجمة
قامت تشين وتشو بمهاجمة دولة وي، وحاصرتا محلة بيشي [من أعمال دولة وي]، فذهب من يُكلِّم ملك تشو (عن لسان ملك وي) قائلًا له: «ستتغلب كل من تشين وتشو على دولة وي، وهذا حاكمها قد تولاه الفزع من اندحار بلاده، ولا بد أنه سيذعن بالطاعة لدولة تشين، فلماذا لا تغادر معسكر تشين (وتخرج عن حلفها) لتسارع إلى مصالحة مع وي؟ ولا بد أن حاكمها سيبادر — في غمرة سعادته — إلى تسليمك ولده الأمير؛ رهينة سلام بأرضك، فإذا خشيت دولة تشين من فقدانها التحالف معك، فلا بد أن تتنازل عن المحلات والأراضي، فلو اضطرت حينئذٍ إلى معاودة ضرب دولة وي بالاشتراك مع تشين فسيمكنك ذلك بكل سهولة.» وهنالك اقتنع ملك تشو بتلك الخطة، وخرق اتفاقه مع تشين ليجري مصالحة سلمية مع وي، وقامت هذه — بالفعل — بإرسال أميرها ليبقى رهينة سلام في أرضه، وعندئذٍ استولى الفزع على قلب تشين، ووعدت بإعطاء تشو الكثير من الأراضي والقرى (على سبيل الترضية) على أمل أن تعاود الكرَّة مع صاحبتها في ضرب وي. وثار غضب «تشوليجي» وأراد أن يتحالف مع وي لضرب تشو، إلا أنه قدر أن وي ربما خافت عاقبة ما يمكن أن يصيب أميرها المقيم هناك، فأحجمت عن المشاركة في القتال، وهنا فقد ذهب إلى ملك تشو من خاطبه (بالنيابة عن تشوليجي) قائلًا: «إن تشوليجي خادمك المُطيع وراء الحدود، قد أرسلني لمقابلة جلالتك لكي أبلغك بما نصه … «إن مليكنا يود لو كان بإمكانه أن يهديكم الأراضي والبلاد [المدن الصغيرة] إلا أن الشيء الوحيد الذي يعوقه عن هذا هو بقاء أمير البلاد رهينة سلام بيد دولة تشو، فإذا أطلقتم أمير دولة وي من عندكم، فائذن لي بأن أعرض عليكم قبول تنازلنا لكم عن أجزاء من الأراضي والمحلات الكثيرة، تمهيدًا لاستعادة سابق العلاقات الودية بين تشين وتشو، عسى أن نُشدد قبضتنا معًا في الهجوم على وي.» … فوافق ملك تشو على هذا الرأي وأعاد أمير وي إلى بلاده، وعندئذٍ قام التحالف الفوري بين تشين ودولة وي لمهاجمة تشو.
لمَّا تقرر إرسال أمير البلاد ومرافقه إلى
تقرر إرسال «بان تسون» مع أمير دولة وي إلى دولة جاو ليبقيا هناك رهينتي سلام، فالتقى بملك وي، قال له: «ماذا لو جاءك رجل وقال لك، يا مولاي، إن بالمدينة نمرًا يجوب أسواقها، هل كنت تصدقه؟» فلمَّا رد عليه الملك بالنفي، قال له: «فماذا لو كان اثنان من الناس قالا لك إن النمر يجوب السوق؟ أكنت تصدقهما؟» فأجابه: «كنت أميل إلى الشك قليلًا» … «فماذا لو كان الذي أبلغك بذلك ثلاثة أفراد؟» وهنالك أجابه ملك وي بقوله: «نعم كنت سأصدق بالتأكيد!» فقال له بان تسون: «مع أن أسواق المدينة كانت خالية تمامًا من آثار أي نمر عابر في الطرقات، إلا أن مقولة ثلاثة أفراد، مؤكدة لوجود النمر، أوحت بما يُشبه الحقيقة. والآن، فقد آن لنا أن نعرف أن ما بين هاندان وطاليان أبعد كثيرًا (عن التصديق) مما هو مأثور عن حكاية السوق هذه، ومع ذلك فإن الذين يُجادلونني في هذا الموضوع يزيدون كثيرًا عن ثلاثة أشخاص، فأرجو من جلالتك تأمُّل هذه المسألة بعمق!» فرد عليه الملك، قال: «(على رسلك …) فأنا أستطيع أن أميز بين الحق والباطل (وأهتدي إلى الحقيقة في هذا الشأن).»
وهكذا فقد ودَّعه بان تسون وانطلق في طريق السفر، ثم ما لبثت الوشايات أن ترامت من كل صوبٍ إلى أسماع ملك وي، مما عرقل إرسال أمير البلاد ليبقى في الخارج رهينة سلام، وهكذا فلم يقدَّر ﻟ بان تسون أن يحظى باستدعاء الملك لمشاورته.
الجزء الثاني من الفصل نفسه
أقام ملك وي لأصحاب الفخامة أمراء وملوك الدويلات حفل أنخاب كبير في «فانطاي»، فلما دارت الكئوس ولعبت الخمر بالرءوس طلب جلالته إلى القون [النبيل] أمير دولة لو أن يمزج الخمر ويرفع الكأس، فصدع الرجل بالأمر وقام واقفًا وانتحى بعيدًا عن مكانه وتخير مما جاءت به قريحته كلمات مناسبة، حيث قال: «كانت ابنة الأباطرة القديسين [إشارة إلى «ياو»، «شون»] قد أرسلت «آيدي» ليصنع خمرًا، فلما جاءها بشيء منه وجدته أحلى الخمر وأشهى الشراب. فقدمت منه إلى الملك «يو» الذي وجده سائغًا، عذب المنهل، فآثر الابتعاد عن (الصانع) «آيدي»، وأقسم ألا يقرب خمرًا صافي الشراب (مثل ما قُدم له آنفًا)، قائلًا: «سيأتي بعدنا من يضيعون بلادهم لقاء كئوس مترعة».
وكان الملك هوان، حاكم تشي قد اشتكى ألمًا أصاب معدته فأيقظه في منتصف الليل، فقام إليه «إيا» [وزيره المقرب إليه] وأعد له أطباقًا شهية المذاق، فأكل حتى شبع (وزالت عنه الأوجاع) فنام حتى وقت متأخر من اليوم التالي، فلما انتبه، قال … «سيأتي من بعدي (ملوك) يُبددون ملكهم مقابل أكلة شهية».
وحدث أن أُهدي للملك «أونقون»، حاكم جين، فتاة رائعة الحسن، تدعى «نانوي»، فشغلته ثلاثة أيام كاملة عن النظر في شئون البلاد، فأمر بها أن ترسَل إلى مكانٍ قصي حتى ينأى عن مشاهدة جمالها، وقال: «سيأتي في قادم الأيام من يلهون عن ملكهم اشتهاء لذَوات الخدور وربَّات الحجال.»
ومما يؤثر عن ملك تشو أنه صعد ذات مرة إلى قمة «تشيان» الصخرية العالية متطلعًا إلى جبل «بنع» وإلى يساره نهر «اليانغتسي» بينما امتدت إلى يمينه رقعة بحيرة «طونتين». وإذ وجد نفسه قد اعتلى قمة سامقة، ذاهبة في الارتفاع، أخذ منه التيه والكبر مأخذًا عظيمًا، وعزَّ عليه أن يكر راجعًا إلى أسفل القمة، وامتلأت نفسه من السعادة ونشوة الفرح ما ملك عليه كيانه فشُغل باللذة عن حياته، واستغنى بالتأمل عن ذاهل الموت. فلما انقضى من الزمان ما انقضى وفات رجع فأقسم ألا يصعد إلى ربوة «تشيان» مرة ثانية، قائلًا: «سيخلفنا من تُذهله لذة النظر إلى التلال السامقة والأنهار الجارية عن شئون الوطن» … والآن، وقد انعقد لعرشك معقد العزة والبهاء، فقد صرت تنعم بكل ألوان النعيم كيف شئت، وترفل في أثواب الترف كسوة بعد كسوة، فهذه الكأس بيدك مترعة الشراب (قد صبها لك «آيدي» — أعظم نادل)، وهذه صحفتك عامرة بطعام ذكي النكهة أعده لك أفضل طاه [ويدعى «إيا»] وإلى يمينك ويسارك تثنت في دلالٍ فتاتان رائعتا الحسن (هما: «باطاي» و«لوشو»)، وقد بلغتا من الملاحة ما فاق «نانوي» من بديع الجمال، وإذا نظرت أمامك تطلعت إلى غابة «شيا» بمناظرها الخلابة، وأروع منها ما ترامى خلفك من مشاهد الروعة بمنطقة «لانطاي»، مما لا تدانيه قمة تشيان سحرًا وجاذبية؛ فقد نلت من كل متعة نصيبًا، وهو ما يكفي إبادة (ليس بلدٍ واحدٍ فقط، وإنما …) دنيا بأسرها أو كتل متراصَّة من الأوطان والممالك.
وإذا كان لي أن أقول لجلالتك شيئًا، فاعلم أنه ما دمت قد مزجت المتع مزيجًا واحدًا، فالزم الحذر البالغ (أترى ثمة رأيًا آخر؟!)» وقد ظل الملك يُطاطئ رأسه موافقًا على رأيه، ولسانه لا يفتر عن القول … «نعم … هو ذاك تمامًا، صدقت!»