سجل وي الثالث

لمَّا اتفقت كلمة تشين وجاو على مهاجمة

تم الاتفاق بين تشين وجاو على مهاجمة دولة وي، مما أوقع بالفزع الشديد في قلب حاكمها [الملك شاو حينئذٍ]، فتكلم معه «مانماو» [أحد مواطني وي] قائلًا: «دع عنك القلق، يا مولاي، وربما أمكنك أن توفد «تشانهي» إلى ملك جاو، فيبلغه عن لسانك ما نصه: «أرى أنه لا ينبغي لي — حسب الأحوال المُقررة سلفًا — أن أقوم باحتلال أرض «هيدي»، ولذلك فأنا أقدمها إليك اعترافًا بهيبتك وسلطانك، وقد هالني وأدهشني ما تقوم به من تودُّد ومحاباة إلى دولة تشين مقابل العداوة والحرب ضد بلادنا (وي)».» وتهلل ملك جاو فرحًا، واستدعى إليه رئيس وزراء جاو وأصدر إليه أوامره قائلًا: «إن ملك وي يعرض عليَّ إهدائي أرض هيدى في محاولة للتقرب إليَّ والاعتراف بنفوذي، ثم إنه يهدف من هذا أيضًا أن أقطع علاقتي بدولة تشين.» فرد عليه رئيس الوزراء بقوله: «إن المزايا التي كان يمكن أن تعود عليك من التودد إلى تشين والهجوم على وي، لم تكن لتزيد بأي حال عن الحصول على أرض هيدي، فلم يعد بك حاجة الآن لدفع قواتك (التي كان الغرض الأساسي من تحركاتها، الاستيلاء على أرض هيدي) فلعلك تسارع إلى قبول عرض دولة وي.» وقال تشانهي لملك جاو: «إن المسئولين المُكلفين بتسليمك المدينة مقيمون بها الآن في انتظار تشريفك لهم (بالذهاب إليها) فما الذي ستكرم به دولة وي مقابل هذه الهدية؟» وفي الحال أصدر جلالته أمرًا ملكيًّا بقطع منافذ وطرق الاتصال مع دولة تشين، كما قطع علاقاته بها.

وكان مانماو (المسئول العظيم بدولة وي) لمَّا استقبل مبعوث دولة جاو، قال له: «ما كان لبلادنا أن تعلن اعترافها بالطاعة والاحترام لبلدكم ومليككم إلا دعمًا لأمن منطقة هيدي، وحفاظًا على سيادتنا الوطنية عليها، ودرءًا لما يمكن أن يُحيط بها من الخطر، أما مسألة التنازل عنها لكم فلم تخطر ببال المسئولين عندنا قط، ولا أعرف عنها شيئًا، والأمر كله أخطأ فيه موفدنا إليكم.» واستولى الخوف على قلب ملك جاو؛ إذ خشي أن تستغل وي فرصة المشاعر الغاضبة التي اجتاحت البلاط الحاكم في تشين لتتحد معها ضد بلاده، فأسرع إلى التنازل عن خمسة مدن فأهداها إلى وي على سبيل التحالف معها ضد (طغيان) تشين.

لمَّا تكلم مانماو مع ملك تشين

تحدث مانماو إلى ملك تشين، فقال له: «لم يستطع وزراؤك ورجال دولتك أن يجنِّدوا عناصر تابعة لهم في الدويلات المختلفة، وقد بلغني أن جلالتك قد قررت أن تمضي في تدبير سياستك دون اللجوء إلى هذه العناصر أو انتظار (ما يمكن أن تمدك به من معلومات). إن كل ما تريده من دولة وي هو أن تسلم إليك أراضي الأقاليم الثلاثة: «تشانيانغ» و«أوانو» و«لولين»، وقد علمت ذلك، وأتمنى أن تُتيح لي الفرصة لخدمتك، وهذا ممكن لو أذنت لي أن أذهب إلى دولة وي وأتولى منصب (رئيس شئون السكان والأراضي) هناك، حيث أعمل على أن يتنازل لكم البلاط الحاكم فيها عن هذه الأقاليم.

وهكذا فقد وافق الملك على هذه الفكرة، وراح يفكر في طريقة مناسبة لتوليته المنصب المشار إليه في دولة وي.

الجزء الثاني من الفصل نفسه

قال مانماو لملك وي: «إن أكثر ما يشغل بال جلالتكم هو موضوع الأراضي الشمالية [التي كانت تضم كل المنطقة الواقعة إلى غرب المناطق المشار إليها آنفًا: تشانيانغ — أوانوا — لولين] (ومن المعلوم) أن دولة تشين تريد الاستيلاء على أرض (الأقاليم الثلاثة) وأرى أن تبادر جلالتك بإهداء تلك الأرض إليها، فترفع عبئها عن كاهلك وتريح نفسك من همومها، ثم تطلب من تشين أن تعبئ جيوشها وتنطلق شرقًا لمهاجمة تشي فتتسع رقعة احتلالها (ويمتد نطاق سطوتها إلى الآفاق البعيدة).» فوافق ملك وي على هذه الخطة، وتنازل عن المناطق الثلاث إلى تشين، ثم إن قوات تشين لم تخرج لخطة الغزو في الجهة الشرقية (حسبما قام التصور بذلك) على الرغم من انقضاء عدة شهور منذ تسلمها المناطق الثلاث من دولة وي.

فقال ملك وي ﻟ «مانماو»: «ها قد انصرم زمان طويل منذ أن صارت أراضي الأقاليم الثلاثة في حوزة تشين، ومع ذلك فلم تحرك قواتها صوب الشرق، فما السبب في هذا؟» فأجابه مُحدِّثه قائلًا: «(في الحقيقة) لقد ارتكبتُ خطأ قاتلًا أستحقُ عليه حكمًا بالإعدام، ومع ذلك فلا أظن أن موتي يفيد في شيء، (ولن تستطيع أن تكسب من ورائه شيئًا، إذا ما أردت التفاوض مع تشين)؛ لأنك ستكون مثل الذي بدد صك الدَّيْن الوحيد الذي بيده، قبل أن يطالب الناس بتسديد مديونياتهم، ولن يصير معك حينئذٍ ما تحتج به ضد تشين، فاعفُ عني وأقِلْ عثرتي، (فقد تستطيع أن تستخدمني في شيء نافع؛) إذ أذهب إلى قادة تشين — فأتكلم عن لسانك — منددًا بنكثهم الوعد ومخالفة الاتفاق المبرم معهم.» وبالفعل، فقد سافر مانماو إلى تشين وقال لحاكمها: «ما كانت دولة وي لتُهديك أراضي الأقاليم الثلاثة، إلا لما تطلعت إليه من تحرك جيشكم شرقًا لمهاجمة تشي، أما وقد حصلتم على الأرض دون أن تتهيئوا للقتال، فقد عرضتموني للموت.»

(فاعلم أنه ما دامت الأمور تسير على هذا النحو …) فلن تجد من بين رجال «شانتونغ» من يُزاحم أقرانه ويسعى بكل وسيلة للعمل في خدمتك والتقرب إليك (إذ لن يجد حظوةً لديك بعد اليوم!).» فنزل هذا الكلام على الملك كالصاعقة، وأخذ القلق بمجامع نفسه لما تصور من ضياع مهابته ونفوذه، وأجاب مُحدِّثه، قائلًا: «لم تكن تسعفنا الأحوال على الخروج إلى القتال (فيما سلف) أما الآن، فستخرج القوات في إثرك، وتتوجه حيث تريد لها وستتحرك حسب توجيهاتك.» فما انقضت عشرة أيام بعدها حتى كانت قوات تشين قد اجتاحت الشرق وراء مانماو، الذي كان يرأس قيادة قوات البلدين تشين ووي في حملتهما المتجهة شرقًا لغزو دولة تشي، وكانت أثناء زحفها قد وطئت أرضًا تشمل اثنتَين وعشرين منطقة إدارية، وصارت جزءًا من التوسع الذي بلغ أقصى المدى.

لمَّا انتصرت تشين على دولة وي في موقعة

انتصرت تشين على دولة وي في منطقة «هوايانغ». واضطرت مانماو إلى الفرار والتنحي عن طريقها، فمضت في زحفها حتى حاصرت «طاليان». وذهب شيوجيا [أحد كبار رجال دولة وي] إلى رانخو ليكلمه نيابة عن ملك وي قائلًا: «قد بلغني أن الوزراء ورجال الدولة في وي، بالإضافة إلى إخوة الملك وأعمامه وأقاربه جميعًا قد تحدثوا إليه قائلين له … «كان الملك هوي قد بادر في أول أمره إلى غزو دولة جاو، وتمكن من أن يحرز النصر عليها في موقعة «سانليان» واقتحم بقواته البالغ تقديرها مائة ألف مقاتل (العاصمة) هاندان، ولم تحاول جاو (افتداء عاصمتها) بالتنازل عن أجزاء من الأراضي، بل تمكنت من أن تستعيد هاندان إلى نفوذها مرة أخرى (في آخر المطاف).

كما حدث أن تغلبت دولة تشي على يان وعاثت فيها؛ فقتلت «زيجي» ومرَّغت أنف يان في التراب، ومع ذلك فلم تحاول دولة يان أن تتنازل عن أية أجزاء من أرض الوطن، وكان أن استطاعت — فيما بعد — أن تستعيد السيادة والنفوذ، وما كان لكِلا البلدين: يان وجاو، أن تحفظا عليهما أوطانهما وأن تملكا (بعد الهزيمة) جيوشًا قوية وأرضًا ذات سيادة، (لا تتبع أيًّا من الممالك أو الدويلات الأخرى) إلا بمثابرتهما واحتمالهما الصعاب ودأبهما على حماية أرض الوطن، وعدم التفريط فيها بتسليمها للأطراف الخارجية، أما بالنسبة لدولتي سونغ وجونشان، فقد دأبتا على التنازل عن أراضيهما في كل مرة تعرضتا فيها للغزو، مما أسفر عن تبدُّد كيانهما ثم فنائهما في النهاية. ونرى أن تجربة دولتي يان وجاو جديرتان بالاعتبار، أما صنيع دولتي سونغ وجونشان فيلزم اجتنابه. إن تشين دولة ذات أطماع ورغبة في الاستبداد والطغيان، وليس لها دولة صديقة بين الممالك وها هي ذي في طريقها لالتهام دولة وي، بل تطمع في الاستيلاء على جملة الأراضي التي كانت من نصيب وي في أرض جين، وسوف تزداد تشين عتوًّا وافتراسًا إذا ما تغلبت على دولة هان؛ وإذ تتنازل لها وي عن أراضي ثماني مدیریات إقليمية، فسوف تُجهِّز تشين آلة الحرب الجبارة وتدفع قواتها للقتال، حتى قبل أن تنهي إجراءات استلام المناطق المتنازل عنها من قبلكم، فمتى كانت تشين تبلغ حد القناعة؟! ومتي فقدت شهيتها في الافتراس والابتلاع؟

أما الآن وقد أجبرت مانماو على الانسحاب أمام جحافلها التي شنَّت غاراتها على أراضينا الشمالية (في منطقة تشانيانغ فمعنى هذا أنها لن تكتفي بمهاجمة طاليان، بل إنها ستلجأ إلى تهديد جلالتك وابتزازك لتضطرك إلى التنازل لها عن قطاعاتٍ من أراضيك وهو ما لا يجب أن تقترفه أبدًا. وإذا ما بَدَا لك أن تبتعد عن دولتي تشو وجاو في طريقك إلى المصالحة، (فاعلم) أنهما سيثوران ضدك وربما يبذلان لدولة تشي أضعاف ما توليه لها من الطاعة والاحترام وسينجحان في مساعيهما الودودة تجاهها علمًا بأنها ستشجعهم وتفتح لهم ذراعَيها.

ثم تفاجئك دولة تشين ذات يوم وقد جاءت لمهاجمتك مصطحبة معها قوات دولتي جاو وتشو، مما يتعذَّر معه على وي أن تنأى عما يتربص بها من الضياع المحتوم.

لذا نرجو من جلالتكم عدم التصالح مع تشين، فإذا رأيت من الضروري إجراء الصلح معها، فلا يجب أن يكون ذلك على حساب مساحات كبيرة من الأراضي المتنازل عنها، واحرص على أن تشترط عليها أن تُسلمك رهينة لضمان السلام من أهلها، وإلا وقعت في براثن الغدر والخديعة.»

فهذا ما قد بلغَني وأنا في وي وكل ما أرجوه أن تتأمَّل فحوى ما قصصته عليك جيدًا.

الجزء الثاني من الفصل نفسه

وقد جاء في «كتاب تشو» ما نصه: «ليس للأقدار أعراف معهودة ولا قواعد معلومة!» وهي عبارة موجزة تعني أن أفضال السماء ليست محل تكرار (في أوقات كثيرة وبنمط متوالٍ!) ذلك أن الانتصار على قوة طاغية واقتطاع ثمانية أقاليم من أراضيها، لا يمكن أن يُعزى إلى شدة البأس وبطولة القوات ولا دقة الخطط وبراعة التخطيط، بل هو حظ غامر تنزَّل من السماء.

وإذ فر «مانماو» هاربًا أمام الزحف، ودخلت القوات منطقة «جايانغ» وحاصرت منطقة طاليان فقد وقع في الظن أن الحظوظ السعيدة يمكن أن تتوالى من السماء بلا انقطاع، وهو ما لا ينبغي أن يخطر في بال الفَطِن ذي العقل الراجح.

وقد بلغني أن دولة وي قد حشدت أفضل المقاتلين الذين اجتمعوا لديها من مختلف المدن والأقاليم لحراسة منطقة طاليان، وقد بلغوا من الكثرة بحيث إن عددهم لا يقلُّ في تقديري عن ثلاثمائة ألف جندي، يقومون على حراسة سور مدينة لا يقل ارتفاعه عن عشرة «رن» [الرن الواحد مقياس قديم يساوي سبعة أو ثمانية أذرع صينية أي حوالي مترَين ونصف] الأمر الذي يجعل من الصعب، بل من المُستحيل اختراق تلك المنطقة، حتى لو بُعِثَ من الموت الإمبراطوران [القاهران] طانغ [آل شانغ] و«أو» [آل جو].

إن التصرف على نحوٍ منفرد دون التنسيق مع الحليفتين تشو، وجاو؛ ومحاولة اقتحام سور منطقة يتجاوز ارتفاعه عشرة رن؛ ومواجهة جيش تعداده ثلاثمائة ألف مقاتل بجانب التصميم على الانتصار التام وإيقاع الهزيمة الساحقة بالطرف المقابل، كل ذلك لم يسبق أن قدَّرته السماء أو شهده شاهد الوقائع منذ أن تنزَّلت على الأرض الأقدار. فاعلم أنه إذا قُدِّر لشين أن تتقدَّم وتُهاجم دون أن تقوم بإخضاع غريمتها، فسوف ينال الإرهاق من قواتها، وتخسر بلدة «طاو»، ثم ينهدم صرح مجدك بعد كل ما بذلته فيه من دأبٍ وجهدٍ ومثابرة. وأرى أن تستغل فرصة ما أصاب دولة وي من الارتباك فتتفاوض معها على التنازل لك عن عددٍ محدود من الأراضي (تمهيدًا لتصفية الأجواء بينكما …) بل إن محاولة استمالة دولة وي إلى جانبك تأتي في موعدها المناسب تمامًا؛ بحيث لم تصل حتى الآن قوات دولتي تشو وجاو إلى منطقة طاليان. ولا بد أن وي، وقد انتابتها الهواجس والظنون (فيما يمكن أن يصل إليه سير الحوادث) سترى في المصالحة معك — مقابل تنازلها عن القليل جدًّا من الأراضي فرصةً طيبة وتصرفًا يدعو للارتياح، هذا بالإضافة إلى أنك ستكون قد حققت كل ما تصبو إليه، بهذه الخطوة؛ وإذ تغضب تشو وجاو؛ لأن وي سبقتهما إلى المصالحة مع تشين، فلا شك أنهما ستتنافسان على خدمتك والتفاني في الاعتراف بطاعتك. وهكذا ينهار التحالف الرأسي، فستستطيع بكل سهولة أن تشكل مجموعة تحالف من الدول وي، وجاو، وتشو.

ثم إنه لا حاجة بك إلى استخدام القوات في اقتطاع الأراضي ما دمت قد فرضت سيطرتك التامة على أرض دولة «جين». فقد تنازلت لك وي على مدينتي شانجيان [الإشارة إلى «شينتيان» عاصمة دولة جين] ومدينة آني، وقامت بتعبيد طريقَين للركبان، بدلًا من تسليم محلة آني، وسيمكنك الحصول على أراضي دولة سونغ البائدة، وتتنازل لك دولة ويه عن «طانفو» [اسم مدينة] فتأمل ما يمكن أن تُحرزه تشين من السطوة والنفوذ فوق كل تلك الأماكن دون أن تفقد أيًّا من عدتها وعتادها العسكري. فتحوز كل ما تطلعت إليه، وتعمل كل ما يروق لنفسك أن تعمله، فلعلك تتأمل الأمر وتتدبره بدقة واهتمام دون تسرع أو طيش!» فوافقه رانخو على رأيه، وفك الحصار المضروب حول طاليان.

لمَّا انتصرت تشين على وي في موقعة

كانت لدولة تشين النصرة على وي في موقعة «هوايانغ»، فلما أخذ ملك وي أُهبته لزيارة ملك تشين، قصد إليه جوصو [الوزير الأكبر بدولة وي] قائلًا: «كان في دولة سونغ طالب علم، سافر بعيدًا عن الوطن في الدراسة وطلب العلم، مدة ثلاث سنوات، فلما عاد، صار كلما طلب شيئًا من والدته، نادى عليها هاتفًا باسمها (مجردًا، مباشرة دون أية ألقاب) فقالت له أمه: «ها أنت قد سافرت في طلب العلم السنوات الطوال، ثم إذا بك، عندما عدت، تُناديني باسمي، فما الذي حدث لك؟ وما السبب (في هذه العادة الجديدة)؟» فأجابها: «لم يكن فيمن علمتُ من الحكماء والقديسين أحد يفوق «ياو» و«شون» حكمة ورجاحة وقداسة، (ومع ذلك، فقد جرت العادة …) بأن تذكر أسماؤهما مباشرةً بغير ألقاب ولم يكن في الدنيا بأسرها أعظم من الأرض والسماء (وعلى الرغم من ذلك …) فالناس تشير إليهما دون ألقاب. فمن ثم ناديتُ أمي باسمها وهي ليست بأوفر حكمةً من القديسَين الجليلَين ياو وشون ولا أعظم من الأرض والسماء.» … فقالت له أمه: «إذا كان لا بد لك أن تستفيد مما درست شيئًا فأنت وذاك، إلا أني أتمنى أن تنهج نهجًا آخر فيما يتعلق بمخاطبتي باسمي مجردًا (بغير ألقاب … حتى لو كان في ذلك خروج عما درست) وإذا كان هناك شيء يمكن أن تُهمله من جملة ما تعلمت، فأرجو أن تهمل النداء عليَّ بغير لقب».

(وعلى ضوء هذا) فهل يمكن لجلالتك — حتى على الرغم مما قد نويته من الاعتراف بطاعة دولة تشين — أن تلجأ إلى طريقة أخرى غير زيارة الملك في قصره؟ وذلك أني أتمنى أن تستبدل بهذه الطريقة أخرى، بحيث تأتي زيارتك للقصر الملكي في خاتمة المطاف.» فقال الملك: «هل تخشى من أن يكون ذهابي بلا عودة، أو أن يكون دخولي القصر، هناك بلا خروج؟ قد أقسم لي «شيوان» قائلًا: «لئن دخلت القصر، فمُنعت من الخروج، فسأجعل رأسي فداءً لك.» … فرد عليه جوصو، قال: أظن أنه لو جاء شخص وقال لي: «ادخل إلى كهفٍ سحيق وألقِ نفسك في هاوية لم يسبر أحد أغوارها، وسوف تخرج سالمًا، وإلا فسأفديك برأس فأرٍ ميت.» … فلن أتبع قوله ولن أذهب إلى حيث أشار. (فانظر، وتأمَّل …) أحوال تشين بغموضها ودروبها المُلتوية ومتاهاتها التي لم يقف أحد على كُنهها، أما رأس ذلك المدعو شيوان، فلا يساوي — عندي — إلا رأس جرذ عجوز حقير. إن الذهاب إلى بلد مُسربل بالغموض والأسرار مثل تشين، بضمان رأس فأر عجوز يدعوني إلى العدول فورًا عن هذه الفكرة، لو كنت مكانك يا مولاي — هذا من ناحية — أما من ناحية أخرى، فاسمح لي بأن أسألك عن أي الموقفَين إثارة للقلق والخطر: فقدان أرض طاليان، أم أرض «هونى؟» فأجابه ملك وي: «فقدان طاليان هو الأكثر مدعاة للخطر.»

فأي الأمرَين أشد مدعاة للقلق: خسارة طاليان أم خسارة حياتك؟

خسارة الحياة أفدح.

فالحياة — إذن — وكما يتبدَّى من بين هذه الخيارات الثلاثة هي الأهم على الإطلاق، وفقدان هوني يأتي في الدرجة الثانية من الأهمية، (ومع ذلك) فإن جلالتك تعرض على تشين حياتك (وهي الأغلى والأهم) قبل أن تُطالبك هي بالأدنى، فهل هذا أمر معقول، وهل يمكن للأمور أن تسير على هذا النحو؟!»

الجزء الثاني من الفصل نفسه

إلا أن ملك وي عاند وركب رأسه وأصر على خطته، فذهب إليه «جيتشي» [أحد مواطني وي] وقال له: «عليك بمراقبة حال ملك دولة تشو، فإذا لاحظت أنه مقدِم على السفر إلى تشين، فقم إليه واصدُده وحُلْ بينه وبين المُضي في مسيره، فإذا استجاب لك، تحالفت معه، بل أقمت معه وحدة تامة وأصبحتما معًا كبلدٍ واحد، بما يكفي لمقاومة تشين.» وهناك تراجع ملك تشو عن خطة سفره، وتكلم مع جيتشي، قائلًا له: «كنت في أول الأمر، قد وعدت دولة تشين — عن طريق إينهو [رئيس وزراء وي الأكثر قربًا إلى تشين] — وأخشى أن يفسر تراجعي عن الذهاب بأنه خيانة للوعد وخداع للناس.» فأجابه جيتشي، قائلًا: «لا يهولنك من الأمر شيء، يا سيدي، سوف أطلب من رئيس الوزراء مخاطبة تشين (بهذا الشأن) استباقًا لدعوتهم لجلالتك، بحيث يتم إلغاء الزيارة، فدع هذا الموضوع لي وأمهلني قليلًا ريثما أُدبر الأمور بطريقتي!» وكان أن ذهب جيتشي إلى رئيس الوزراء إينهو، وقال له: «أصدر جلالة الملك أمرًا باستدعاء رئيس الوزراء.» فقال إينهو: «ففيمَ يستدعيني جلالته؟» فأجابه: «لا أعرف، لكنه يأمرك بسرعة التوجه إليه.» فقال إينهو: «أوَتظن أن ترتيب زيارة الملك إلى دولة تشين يتم خدمةً لمصالح هذه الأخيرة؟ أبدًا، بالعكس تمامًا، فما كنت لأقوم بذلك إلا لمصلحة وي.» فرد عليه جيتشي قال: «لا تشغل نفسك بأمور دولة وي، بل اهتم بشأنك الذاتي (فلطالما كنت) تنشغل بتفاصيل شئونك الشخصية، وما يقوم عليه أمر حياتك أو موتك، أو غناك وفقرك، فانتبه لنفسك أولًا (كما كنت تفعل دائمًا!) ثم انظر بعد ذلك فيما يعود على البلاد بالخير والنفع.» فقال إينهو: «سيأتي لوهوان [من دولة جاو] لزيارتنا، فاسمح لي بأن أكون مرافقًا له أثناء الزيارة.» فقال إينهو: «الملك يستدعيك على نحوٍ عاجل، فإن لم تصدع بالأمر، فسيسيل الدم أنهارًا فوق قميصك [سوف يُقطع رأسك].» فمشي إينهو وجيتشي يتبعه قاصدين إلى مقصورة الملك، وتقدم جيتشي مسرعًا إلى جلالته، ليقول له: «ها هو ذا قد أقبل فتظَاهَرْ بأنك مريض تُعاني آلامًا مبرحة؛ فقد حدثته بما أوقع الرعب في قلبه.» ودخل إينهو على الملك الذي ابتدره بقوله: «قد ثقُل عليَّ المرض وأحاطت بي الأوجاع، ولا أدري كيف أتصرف وقد أعطيت الوعد الصادق (لدولة تشين). إن نفسي تحدثني بضرورة السفر، وفاء بالوعد، مهما كانت النتائج، حتى لو أدى ذلك إلى وفاتي في بعض الطريق.» فقال له إينهو: «لا داعي للسفر، يا مولاي، ولعلِّي أحادث المسئولين في تشين في إعفائك من الذهاب إلى هنالك، فلا تشغل قلبك بهذه الهموم.»

لمَّا قامت المعارك بين الجيشَين في موقعة

نشبت المعارك بين الجيشين في موقعة «هوايانغ»، ولم تتغلَّب دولة وي على تشين. وفي العام التالي أوفد ملك وي [أحد المسئولين] إلى ملك تشين للتنازل عن (أجزاء من) الأراضي في محاولة للصلح معها. فتكلم «صونشين» [من دولة وي] إلى جلالة الملك، قائلًا له: «ليس هناك ما يُلزم بلادكم (دولة وي) بالتنازل الفوري عن الأراضي ما دامت قد مُنيت بالهزيمة، بل العكس تمامًا، فيمكن تصوير عدم تنازلكم عن الأراضي بأنه تصرف ذكي وبارع بمحاولة استغلال الهزيمة في تحقيق مواقف إيجابية. ولا كان ينبغي على تشين فور انتصارها أن تُطالبكم بالتنازل عن الأراضي؛ لأن تصرفها كان سيُفسَّر باعتباره سوء استغلال لما حققته من انتصار. أما التنازل عن الأراضي الآن وبعد أن مرَّ عام من الزمان، فينطوي على أهواء شخصية تعتمل في صدور وزرائك دون أن تفطن إلى ذلك.

وعلى كلٍّ، فهناك (من رجالك) من يريد أن يحظى بتوقيع ملك تشين مصحوبًا بالختم الملكي الأفخم، مثل المدعو «طوانقوا نسو» وهو ما لا تفطن جلالتك إليه، فتبعثه في موضوع التنازل عن الأراضي إلى تشين أما من يريد أن يحظى بالحصول على أرضك فهي دولة تشين، ومع ذلك فأنت تُعطيها الفرصة كاملة، مقابل أن تمنح «طوانقوا نسو» الختم الملكي الأفخم.

وهكذا ينشأ وضع فريد في موضوعه، وهو أنَّ من يريد الختم الملكي هو من يملك النفوذ والسيطرة على الأراضي [المطلوب التنازل عنها] أما من يطلب الأرض فهو من يملك الختم الملكي بكل نفوذه وشرعيته. وهو وضع، لو تركناه لتطوُّراته، فسيؤدي في النهاية إلى ضياع دولة وي.

أضف إلى هذا كله، أن وزراءك (الخونة) كانوا يفكرون — منذ مدة طويلة — في استرضاء تشين والتقرُّب إليها على حساب أرض بلادك. إن التنازل عن أرض الوطن (للغير) على سبيل الاعتراف بطاعة هذا الغير يُعد تصرفًا غير مسئول، يزيد الأمور تعقيدًا، وهو أشبه ما يكون بإلقاء حزمة من الحطب على كتلة من النار في محاولة لإطفاء الحريق؛ فلا أظن أن النار تخمد تمامًا حتى بعد أن يفنى آخر عود من الحطب.

والمشكلة أنك ستكون قد تنازلتَ عن كل ما يمكن تقديمه من الأراضي قبل أن تصل تشين إلى حدِّ القناعة، فهذا أمر يشبه ما حدثتك به من قصة النار والحطب.»

ثم إن الملك أجابه، بقوله: «قد أحسنت قولًا، لكن على الرغم من كل ما قلت، فلا يمكنني أن أنكث ما قطعته من عهد تجاه دولة تشين.» فرد عليه «صونشن»، قال: «أما رأيت لاعبي الشطرنج وهم يُحركون القطعة الرئيسية على اللوحة؟ إنهم يُحركونها إذا أرادوا وفي أي اتجاه، وقد يُجمِّدون حركتها حسبما يشاءون.

فلئن كنت قد اضطررت تحت ضغط وزرائك، أن تقدم وعدًا ما لدولة تشين، وترى أنك لا تستطيع أن تتراجع عنه، فلماذا لا تتصرف على نحو ما يسلك لاعبو الشطرنج بالقطعة الرئيسية على اللوحة؟» وهنا وافقه الملك على رأيه، وقرَّر إلغاء سفر «طوانقوا نسو» إلى دولة تشين.

لمَّا أرادت تشي مهاجمة دولة وي

عقدت دولة تشي العزم على مهاجمة دولة وي، فأوفدت هذه الأخيرة أحد مسئوليها إلى (المدعو «شون إيكون») ليقول له: «ليس في الدنيا كلها أحد غيرك، يا سيدي، يملك أن يرفع عن دولة وي ما تجده من أهوال وما تتعرض له من اعتداء تشي عليها. وإذ يشرفنا أن نرسِل لك قطعتَين من اليشب الثمين [حجر كريم]، وعربتَين تجرهما أربعة من الخيول المطهمة، فنرجو قبولها على سبيل التحية، علمًا بأنَّا نرسِل لك أثمن ما في أيدينا.» فلمَّا علم شون إيكون بفحوى الرسالة أومأ برأسه، موافقًا، ومجيبًا ثم دخل إلى ملك تشي، وقال له: إن دولة تشو من ألد أعداء تشي، أما دولة وي فهي حليفتنا، ومهاجمة دولة حليفة يمكن أن يُصيبنا بقدر من الإرهاق يغري العدو اللدود بالبطش بنا، وهو وضع شائن، فضلًا عن أنه مشحون بالخطر، ومن ثم فإني أرى، إذا سمحت لي بأن التراجُع في مثل هذه الظروف أفضل كثيرًا.

واقتنع ملك تشي بكلامه وعدل عن مهاجمة دولة وي فجاء إليه أحد الضيوف العابرين ببلاده، وقال له: «ما كان يمكن ﻟ شون إيكون أن ينصح لك بالتراجع عن مهاجمة وي، إلا لأنه قبض من وي الثمن؛ إذ قَبِل ما أهدته إياه من اليشب الكريم والجياد المطهمة.» فتكلم الملك في هذا الشأن مع شون إيكون، قائلًا له: بلغني أنك تسلمت من دولة وي ما أهدته لك من الجياد الأصيلة والأحجار الكريمة، فهل هذا صحيح؟» فلما أقرَّ بما نُسب إليه، قال له الملك: «فماذا تراني فاعلًا بك إذن؟» فأجابه: «لو كان الهجوم على وي جالبًا أي نفع، فما الذي يعود على جلالتك من مزايا إذا قُتلت حتى لو بيد دولة وي نفسها؟ أما إذا كان الأمر، (على العكس) راجعًا بالضرر عليك، فماذا يضيرك حتى لو كافأتْني دولة وي أعظم مكافأة.

ثم إنه وعلى المستوى العام والتقدير (الإجمالي) ما دمت لم تتعرض لأية منغِّصات من جراء هجومك (الخاطئ) على وي، وما دامت دولة وي لم تتعرض لخطر الهلاك، ولا عانى شعبها أهوال الحرب والقتال، فما مبلغ الضرر الذي يقع على جلالتكم إذا كنتُ قد قبلت الأحجار الكريمة والجياد المسرجة؟»

لمَّا أوشكت تشين على مهاجمة وي

كانت تشين قد أوشكت على مهاجمة وي، ووصلت الأنباء بذلك إلى ملك وي، فلم ينتظر حتى يطلع النهار، بل أسرع ليلًا لمقابلة تيانون [رئيس الوزراء، آنذاك] وقال له: «ها قد عقدت تشين العزم على مهاجمتنا، فبماذا تُشير عليَّ وما العمل؟» فأجابه: «تستطيع أن تأمن شر هذا الهجوم بفضل ما ستجده من دعم الدويلات ومساندتها لك.» فقال له الملك: «ليتك تسافر الآن (إلى الدويلات المختلفة) في محاولة لاستمالتهم إلى جانبنا.» ثم إنه رتَّب له موكبًا مهيبًا من العربات العسكرية التي تجرها الخيول المطهمة، وبلغ عددها المائة، وكان تيانون لمَّا وصل إلى دولة جاو، التقى بحاكمها، وقال له: «أرجو من جلالتك أن تُعيرنا بعض القوات لنجدة وي.» فلما اعتذر له الملك عن عدم استطاعته تلبية هذا الرجاء، أجابه تيانون بقوله: «ما كنت لأجرؤ على مفاتحة جلالتك في هذا الطلب إلا لأننا قد قرَّرنا أن نتَّخذ من هذه المساندة بداية جديدة لعهدٍ من الولاء والإذعان لعظيم مكانتكم بين الأمم.» وعندئذٍ طلب إليه الملك أن يُفصح عما يقصده، فرد عليه قائلًا: «إن جيش دولة جاو ليس أشد بسالة ولا أمضى قوة من جيش وي، وبالمقابل فلا يمكن القول إن قوات وي أوهن عزمًا أو أضال شأنًا من قوات بلادكم، لكن أرضكم ليست عرضةً للتهديد الدائم (من قبل الغير) على مر الأعوام، ولا شعبكم يُعاني مخاطر الإبادة على كر الأيام، أما السبب في هذا الوضع الذي يجعل أرضنا وشعبنا معرَّضين لأسوأ المحن، هو أن بلادنا تقع على حدودكم الغربية بمثابة حاجزٍ طبيعي أو ساتر وقائي (مما يجعلنا نتحمل عنكم مسئولية مواجهة المخاطر التي تستهدفكم).

فإذا ما امتنعتم عن مساندة وي فستُضطر إلى التحالف مع تشين، وتُقسم معها على يمين الولاء والإخلاص [أن تتجرعا معًا كأس دماء أعدائهما كما جرت العادة في مواثيق التحالف ضد عدو مشترك] وهو وضع سينشأ عنه اعتبار جديد يجعل حدودكم أقرب إلى أن تكون ملاصقة أو مجاورة لدولة تشين [أو كأن قد …] مما يعني أن جاو ستجد نفسها عرضة للتهديد، عامًا بعد آخر، ويعيش شعبها تحت ظل مخاطر الفناء يومًا بعد يوم. فهذه خلاصة ما يمكن أن أعرضه وأُبيِّنه لجلالتكم بكل وضوح وإخلاص.» وهنالك وافق ملك جاو على الطلب المُقدم إليه، وأرسل إلى دولة وي قوة مقدارها مائة ألف مقاتل وثلاثمائة عربة حربية.

الجزء الثاني من الفصل نفسه

ثم توجه تيانون شمالًا، وقابل ملك دولة يان، وقال لجلالته: «كثيرًا ما اجتهد والِدُنا الراحل [الملقب ﺑ «القونزو» وهو والد تيانون] في استتباب العلاقات بين وي ويان وعقد مواثيق الصداقة بينهما، وقد صارت وي الآن، في مواجهة خطر غزو دولة تشين لأراضيها، فهي في أشد الحاجة لسرعة مساندتكم لها.» فأجابه الملك، قائلًا: «قد مرت بنا سنتان من السنوات العجاف حتى عدمنا القوت والغلال، فكيف السبيل (والحال هكذا) إلى استنفار القوات والانطلاق على طريق طويل يتجاوز عدة آلاف من الأميال لمساعدة وي؟» فقال له تيانون: «إن تجشُّمك مشقة السفر عبر كل تلك الأميال لنجدة بلد يستصرخك أن تُغيثه، سيعود على بلادك، أيضًا، بالنفع العميم، أما قد علمت أن ملك وي مُقيم الآن عند مشارف العاصمة يتطلع إلى قدوم قوات يان لمساندته! هذا في الوقت الذي تتابع فيه باقي الدويلات أحوالنا (وتعلم ما نحن بصدده …) ومع ذلك فلا أظنُّها تستطيع أن تفعل شيئًا لأجلنا حتى لو بذلت في ذلك أقصى الجهد!»

ثم إن ملك يان، وعلى الرغم مما قيل له لم يُغير رأيه، وظل على موقفه من التقاعس عن إغاثة وي.» فقال له: تيانون: «أراك ترفض الأخذ بما رأيته لك مخلصًا من خطة سديدة، وبناءً على ذلك فألتمس الإذن من جلالتك بالسفر، ولربما تغيَّرت أحوال الممالك (بما يستدعي تغييرًا في موقفكم).» فقال له ملك يان: «وما هي التغييرات التي يمكن أن تلحق بأحوال الممالك؟» فأجابه: «ستهاجم تشين دولة وي، لكنها لن تغلبها، ولن تزيد الخسائر عن إتلاف منصات المقاصير المنشأة فوق البنايات المرتفعة [التي تُمكِّن المشاهد من مطالعة المناظر البعيدة …] (وفى العبارة تورية واضحة … باعتبار أن الخسارة الفادحة هي التي تلحق بامكانات الرؤية المستقبلية!) وهو ما سيحول دون التمتع بمشاهدة المناظر الطبيعية البعيدة. وإذ تتخاذل دولة يان عن نصرة وي، فسيضطر الملك أن يتنازل عن أراضيه صاغرًا لما تمليه الشروط على المهزوم، وبعد أن يسلم نصف أراضيه إلى دولة تشين، فستكف عن قتاله وتسحب جيوشها، وهنالك يُحاول ملك وي أن يستجمع طاقته ويحشد إليه قوات وي وهان مجتمعة، ثم يتَّجه غربًا فيطلب الإمداد من دولة تشين، ثم يضيف إلى هذه القوى الثلاث قوة رابعة من جيش جاو، ويقوم على رأس الجيوش الأربعة فيهاجم دولة يان، وقتئذٍ لا أدري كيف ستتصرفون أمام ذلك المأزق. ولعمري، فأية فائدة تعود عليك، يومئذ، (من جراء امتناعك عن مساندة وي …)؟ وأي نفع يمكن أن تجنيه عندما تُصبح قوات الدول الأربع قريبةً من حدودكم (دون أن تتجشم مشقة السفر إليها) وتصير خطوط التموين والإمداد وراء جيشكم قصيرة للغاية، وأتظن هذا قد يُغنيك شيئًا؟» وأجابه ملك يان بقوله: «فاسلُك كيف شئت فإني متَّبعك ومهتدٍ برأيك.» وهكذا فقد قرر دفع قوات مقدارها ثمانون ألف مقاتل، ومائتا عربة حربية ووضعها جميعًا تحت تصرف تيانون، مما اهتز له طربًا ملك وي، وغمره البِشر والسرور، وهو يقول ﻟ (تيانون): «أراك قد نجحت في إمدادنا بأعداد وفيرة من القوات المساندة من دولتي جاو ويان، دون أن تضيع في ذلك، وقتًا كثيرًا!»

وارتعدت فرائص ملك تشين، وأقبل على ملك، وي فأوفد له الرسل وعقد معه المصالحة وتنازل له عن الكثير من الأراضي، ثم ما لبثت دولة وي أن أعادت قوات دولتي يان وجاو إلى بلادهما، ووصلت تيانون بمكافأة سخية.

لمَّا قامت وي بالتنسيق مع تشين لغزو

قامت دولة وي بالتنسيق مع تشين لمهاجمة دولة هان. فذهب أوجى [لقب آخر للمدعو «شين لينجون»] إلى ملك وي، وقال له: ليس ثَمَّ فرق كبير بين طبيعة دولة تشين والقبائل الهمجية [حرفيًّا: قبائل «رونغ»، و«طاي»] فكلاهما ينزع منزع السباع والوحوش، لا تُحركه إلا دوافع الافتراس والنهب لا خلاق له؛ (فمثل هذا الصنف من الوحوش) لن يتورع أن يفتك بأقرب أقربائه، إذا ما بَدَا له في ذلك مغنمٌ ما؛ (وهذا أمر ذائع ومعلوم للكافة) ذلك أن دولة تشين ليست بالبلد الذي يمد يد العطف والبر للآخرين، ولا الدولة التي تشيع في سياستها معاني الفضائل والأخلاق الكريمة.

فمن ذلك ما هو ذائع ومعروف من أن الملكة الأم نفسها، وهي والدة الملك شاو، وبكل ما لها من المكانة والنفوذ لم تسلم من الوحشية التي طبعت خصال تشين؛ فاغتمَّت وماتت كمدًا، بل إن رانخو، وهو خال الملك، وصاحب الأفضال والمآثر الجليلة عليه، كان مصيره النفي من البلاد، وعلى الرغم من أن شقيقَي الملك الصغيرَين: «قاولينجون» و«جين لينجون» لم يقترفا ذنبًا ولا جناية، فإن إقطاعاتهما سُلبت منهما مرَّتَين (ظلمًا وعدوانًا)، فلئن كان ذلك مسلك جلالته مع أقاربه وأفراد عائلته، فما بالك بدولة مُعادية! وبما أن جلالتك قد تحالفت مع تشين لمهاجمة هان، فستُضطر إلى الاقتراب كثيرًا من أسلوب ونهج تشين في التعامل مع الدنيا بأسرها وهو ما لا أفهمه. (وأظن) أنه غاب عن جلالتك ذلك النمط الذي يدمغ تشين بطابعه، فهذا إهدار للحكمة والصواب.

إن الوزراء ورجال الدولة، جميعًا يدركون الأمر على وجهه الصحيح. أما تقاعسهم عن النصح لك، فيطعن في صدقهم وإخلاصهم من الأساس.»

الجزء الثاني من الفصل نفسه

«إن دفة الأمور في هان بيد امرأة تقف بجانب الملك الطفل [(الصغير) … حيث صارت الملكة الأم تتولى الوصاية على ابنها الملك «هوان هوي»]، فلا غرو أن الفوضى ضربت بأطنابها في أرجاء البلاد، ولا أدري كيف يمكن لبلدٍ في مثل هذه الحال أن يقاوم جيوش دولتَين قويتَين هما تشين ووي.

فهل بعد هذا كله ما زلت تظن أن دولة هان تستعصي على الغزو؟ إنه إذا قُدِّر لدولة هان أن تهلك وتزول من صفحة الوجود، فسوف تقوم تشين ببسط سيطرتها على كل الأراضي التي كانت تخص دولة «جنغ» وبهذا تصبح في جوار منطقة «طاليان»، فهل يمكن لجلالتك (إذا ما تحقق مثل هذا الوضع …) أن تشعر بالأمان؟ وماذا إذا بَدَا لجلالتك أن تستعيد أرضك المفقودة، ثم تعرضت بسبب ذلك إلى ما لا تُحمد عقباه من دولة تشين، أتظن أن مثل هذا الحال لو نزل بك يمكن أن يكون مفيدًا على أي نحو؟

من المعهود في شأن دولة تشين أنها تبغض الدول المثيرة للقلاقل والاضطرابات، وهكذا، فلا بد أنها بعد القضاء على دولة هان ستعمل على افتعال ما من شأنه أن يُهيئ لها الأجواء لتسعى إلى بسط نفوذها فوق أرض أخرى تجني من ورائها المزيد من المكاسب، (وهي في كل ذلك، وبالتأكيد …) فلن تقدِّم علة مهاجمة دولة تشو أو دولة جاو؛ وذلك لأن عبورها الجبال العالية ومجاري الأنهار المُمتدة، واختراق منطقة «شاندانغ» — مرورًا بقلب دولة هان — بهدف مهاجمة القوية الجبارة جاو، سيكون بمثابة تكرار لفصول الهزيمة التي عانت ويلاتها قديمًا في موقعة يوي [ … وكانت تشين قد أرسلت في ٢٧٠ ق.م. قوات لمهاجمة جاو في منطقة يوي، فلقيت على يدي قائد قوات جاو هزيمة نكراء] وهو ما لن تقدم عليه تشين، بأي حال؛ فإذا اتخذت طريقًا عبر «هونيه»، وخلَّفت وراءها قرية «هيا»، ومنطقة «تشاوكي» ثم عبرت نهر «جانغ» وبحر «فو»، والتقت بقوات جاو عند أطراف العاصمة هاندان، مُحتكمة إلى السلاح ليحسم الصراع بينهما، فلسوف تلقى نفس الكارثة التي وقع في أحابيلها، من قبل، جيبو، [حيث كان جيبو على رأس قوات دولتي وي، وهان في حصار ملك جاو، عام ٤٥٥ق.م. واضطر بعد ثلاث سنوات إلى فك الحصار لفشله في مهاجمة منطقة «جين يانغ» مما أحنق عليه الدول الثلاث هان ووي وجاو، فاتفقت ثلاثتها على التخلُّص منه، فقتل صبرًا] وبالتالي، فإن تشين لن تفكر، على الإطلاق، في أن تُكرر مأساة سابقة.

فإذا أرادت أن تهاجم دولة تشو، وتجشمت — في سبيل ذلك — كل الصعاب، وقطعت الأميال الطوال لضرب مضيق «مياناي»، فستكون عليها أن تطوي المسافات البعيدة، وأن تُعد نفسها لأهداف تكاد تكون مُستحيلة التحقيق، ومن ثم، فلن تطرق هذا السبيل أبدًا. كما أنها لن تفكر — ولو مرة واحدة — في أن تسلك عبر «هواي» مُتجهة نحو طاليان، بحذاء منطقتي شان تصاي، وجاولين، لتشتبك مع قوات تشو عند أطراف منطقة تشندي.

وهكذا، فلا يمكن أن تقوم تشين بمهاجمة تشو وجاو أو حتى مجرد التفكير في الإغارة على يان وتشي؛ ولذلك فما إن تفرغ من أمر دولة هان، حتى تتَّجه بقواتها صوب دولة وي؛ إذ ليس لها وجهة أخرى إلا هذه.

ومن المعلوم أن تشين لها السيادة، أساسًا على مناطق هواي، وماو، وشين تشيو، وعلى الرغم من ذلك، فها هي توالي إنشاء المحلات والمدن وتقوم بتعمير منطقة «قويجين»؛ وذلك في محاولة للاقتراب من منطقتي «قون»، و«تشي» الكائنتَين بإقليم «هوني»، «وهواي» (وهو اقتراب محفوف بالمخاطر).

وليكن معلومًا أنها إذا استولت على أرض جنغ، وبسطت سيطرتها على منطقة «يوانيون»، وأزالت جسور بحيرة «إينغ» فسوف تغرق «طاليان» تحت طوفان المياه الجارية، فلا تقوم لها بعد ذلك قائمة أبدًا.

قد أخطأ سفراؤك لدى تشين خطأً شنيعًا إذ قدحوا في إمارة «آيلنينغ» [إحدى الإمارت التابعة لدولة وي] وتكلموا عنها بسوء، في الوقت الذي كانت تشين تتطلع فيه إلى احتلال أرض «شيودي»، فإذا أضفنا إلى ذلك أن بعض أقاليم تشين (مثل: «إيانغ» و«كونيان») تكاد تتجاور مع محلات تابعة لدولة وي (مثل: «أويانغ» و«قاولين») فسنفهم السبب في محاولة تشين الإسراع في القضاء على منطقة «أنلينغ» المشار إليها، لا سيما وقد بلغها (على لسان سفرائك ومبعوثيك لديها) من الطعن والذم لهذه المنطقة ما شجَّعها على المضي في عدوانها. وهكذا، فإذا قامت قوات تشين بتطويق الجهة الشمالية لمنطقة «أويانغ» في اتجاهها نحو شيودي في الشرق، فسوف تتعرض الحدود الجنوبية لدولة وي إلى خطرٍ داهم وحتى لو تصورنا أن حجم الخطر الذي يمكن أن يهدد جنوب البلاد (ليس بالدرجة التي يؤبَه لها) فهل يمكن لدولة وي — بعد ذلك — أن تستشعر الأمان حقًّا؟

وفي كل الأحوال، فمن الممكن القول إن حق دولة وي أن تبغض دولة هان، وأن تشعر بالجفاء نحو إمارة «آنلينغ»، لكن ليس من حقها أبدًا (ولا هو من الصواب، قطعًا …) ألا تنظر بعين الارتياب والقلق نحو ما قد تقوم به تشين من استيلاء على أراضيها الجنوبية.»

الجزء الثالث من الفصل نفسه

كانت تشين فيما مضى، وقبل أن تتسع حدودها إلى ما بعد غرب النهر [حرفيًّا: منطقة «هويشي»] فقد حاولت — منذ موقعة «لين شيان» وحتى الآن — مهاجمة دولة وي عشر مرات، هذا على الرغم مما كان يفصل بين مدينتي «آني»، وجيانغ [عاصمة دولة جين القديمة] وعلى الرغم أيضًا مما بين البلدين من (الفواصل الطبيعية …) الجبال والأنهار وفواصل التقسيم الإداري والسياسي … مثل وجود دولتي جو، وجونشان في منتصف المسافة بينهما، وقد استطاعت تشين، في خمس محاولات منها، أن تقتحم البلاد وتدخلها عنوة، وأن تعيث فسادًا في المدن والقرى الواقعة بالمنطقة الحدودية؛ حتى تهدمت مدينة «أونطاي» واحترقت «تشويدو»، وتقطعت أشجار الغاب، فقُضِي على الأيائل والغزلان البرية، ووقعت العاصمة تحت الحصار. ثم تقدمت قوات تشين في طريقها نحو شمال البلاد فدارت دورة كاملة حتى بلغت مشارف مدينتي وي، وطاو في الشرق وكانت قد استولت، في الشمال، على مناطق: «خوكان»، وجنوبي وشمالي جبل «تشوتياو»، بما في ذلك جنوبِي النهر الأصفر وشمالِيه حتى كان مجموع ما احتلته من مراكز المدن يزيد عن المائة، بينما بلغت حصيلة ما استولت عليه من المدن الكبرى ما يفوق العشرات.

فإذا كانت دولة تشين قد استطاعت أن تسلط سيف العدوان على هذه المناطق برغم طول المسافة بين طاليان وبين «جيانغ» عاصمة جين والمناطق الواقعة غربي النهر، فما بالك بما يمكن أن يقع، هذه المرة، لدولة وي لا سيما أن المسافة بين قوات تشين ومنطقة طاليان، سوف تقل كثيرًا، بحيث لا تكاد تبلغ المائة لي؟!» بينما تكون ميزة ما تمثله دولة هان من حاجز وقائي بين تشين ووي قد فُقدت تمامًا مثلما تسقط مزايا الفواصل الطبيعية من الجبال والأنهار البينية. ولا يعود وجود دولتي جو وهان مانعًا دون تقدم تشين فلا بد من أن خطر تشين، حينئذ، سيكون أعظم، وما يلحق بنا على أيديها من كوارث سيكون أفدح.

فإذا كنت تنتظر يومًا يُمكنك فيه الانضمام إلى التحالف الرأسي، فلا أظنك بالغًا هدفك بنجاح؛ إذ سيقع الشك في أفئدة دولتي وي وتشو؛ أما دولة هان فلن تستطيع الحضور إليك لتوقيع معاهدة سلام وصداقة معك. ثم إنه قد مرَّ عليها الآن ثلاث سنوات منذ أن مُنيت بأهوال القتال الذي لا تُريد له دولة تشين أن يهدأ إلا بإخضاعها تحت نفوذها، وإجبارها على المصالحة معها بأي وسيلة، بينما ما زالت هان تثابر على المقاومة والعناد، مهما كلَّفها ذلك من جهد، بل قد أرسلت إلى دولة جاو رهينة لضمان السلام معها، وتطلب الانضمام إلى الدويلات لتندمج وسطها كما يأتلف الطير مع سربه، ويطير معه حيثما يطير، ماضيةً في قتالها حتى النهاية [حرفيًّا حتى تنثلم نصال رماحها].

ويبدو لي أن دولتي تشو وجاو ستتحالفان بكل تأكيد، مع دولة هان في الهجوم على تشين؛ والسبب في ذلك يتمثل في وقوفها على مطامع، تشين، وجشعها الذي لا ينتهي عند حد معلوم، حتى لو تبدَّدت أمامها الجيوش وخضعت لها رقاب الناس بالطاعة والإذعان. فمن ثم أردتُ أن أؤيدك وأعينك عارفًا بحقك عليَّ معترفًا بالطاعة لك، وناصحًا لك للانضمام إلى التحالف الرأسي، وسرعة قبول عقد معاهدة مع كل من تشو وجاو. بالإضافة إلى تشديد قبضتك على رهائن دولة هان لديك، جاعلًا من الحفاظ عليهم أمرًا ذا أهمية قصوى، وانطلاقًا من هذه النقطة، تستطيع أن تُطالب هان بأن ترد إليك أراضيك (التي سبق أن سلبتْها منك) وستجدها طوع بنانك.

وهكذا تعيد إلى جيشك وشعبك أرضه المسلوبة دون أدنى جهد، وهو إنجاز يفوق كثيرًا (ما كنتَ تنويه من …) التحالف مع تشين في مهاجمة هان، هذا طبعًا، بالإضافة إلى ما تُجنب به نفسك وبلادك من ويلات التماس الحدودي مع دولة تشين.»

الجزء الرابع من الفصل نفسه

وفوق ذلك كله، فإن العمل على استتباب أحوال وي، والدفاع عن مصالح الدويلات وما يعود عليها بالنفع، يعد فرصة هائلة لدعم طموحاتك الجبارة.

إن مد خطوط المواصلات بين «شانتانغ» (في دولة هان) وكل من منطقتي «قونغ»، «نينغ» بما يساعد على رواج الاتصال بينهما، وما يستتبع ذلك من إقامة نقاط للتفتيش بحيث يتم تحصيل رسوم المرور من العابرين في الاتجاهَين، يُعد من قبيل التصرف السديد يزيد في قيمة «شانتانغ» بوصفها منطقة يمكن أن تخضع للمساومات المستقبلية. وباقتسام حصيلة الرسوم بين بلادكم ودولة هان، فسيكون هناك ما يكفي من الدخل الذي يُعزز الازدهار المادي في وي، ويجعل دولة هان في غاية الامتنان لكم؛ وإذ تلقون من دولة هان التأييد والودَّ والاحترام المقترن بالإكبار والتهيُّب، فستجدونها سائرة في فلككم لا تُخالف لكم أمرًا، بل تُصبح في الواقع، كإحدى الولايات التابعة لبلادك، وهو ما سيضمن السلام والاستقرار في ربوع «ويدي»، و«طاليان»، و«خواي» … أما إذا لم تعملوا على الحفاظ على هان، فسوف يحل القلق والتوتر في أنحاء دولتي جو الشرقية والغربية بل تتعرَّض منطقة «آنلينغ» لغارات قوات تشين، وإذا ما حاقت الهزيمة مرة ثانية بكل من تشو وجاو على يد جيش تشين، فسوف ينزل الرعب بساحة دولتي يان وتشي. وهو ما سينجم عنه هرولة الدويلات كافة باتجاه دولة تشين، وتقترب ساعة الاعتراف لها بالطاعة والإذعان والتسليم.»

لمَّا قام لي توي بعقد معاهدة تحالف مع وي

قام لي توي (باسم دولة جاو) بعقد معاهدة تحالف مع دولة وي، وأراد حاكم البلاد أن يصل ولده بمكافأة جزيلة، فذهب إلى جلالته من قال له: «لقد قمتَ جلالتك بنفسك، وعبرت نهر جانغ، وذهبت لمقابلة ملك جاو في (العاصمة) هاندان، وتفضلت بتسليمه المناطق الأربع «قا» و«شوي» و«يين»، و«تشنغ»، وهو ما لم يرُد عليك بمثله ملك جاو. فهل تجد داعيًا (بعد ذلك) لكي تتفضل بإهداء ولد لي توي (مناطق:) «هيانغ»، «كومي»؟ لست أرى ما يوجب مثل هذا التصرف.» وهنالك أمسك ملك وي عما كان قد اعتزمه من تقديم المكافأة.

لمَّا طلبت تشين إلى دولة جاو مهاجمة وي

طلبت دولة تشين إلى دولة جاو مهاجمة وي فأرسلت هذه إلى ملك جاو من قال له: «إن مهاجمة دولة وي، تُعد نقطة البداية الأولى للقضاء على دولة جاو. وكان أهل جين، فيما سلف من الزمان الغابر، قد عقدوا العزم على إبادة دولة «يو»، فشنوا غارات الهجوم على دولة «قوا» باعتبار أن البدء بمهاجمة هذه الدولة سيؤدي إلى القضاء على تلك.

وقصد «شونشي» إلى ملك يو وبذل له الصلات الوفيرة من الجياد الأصيلة واليشب والجواهر الكريمة، راجيًا إياه أن يُسهل له استخدام الطرق العامة لمرور قواته، وأسرع «قونجي تشي» [كبير رجال دولة يو] إلى الملك ونصح له (بعدم الموافقة، مُحذرًا إياه من عواقبها) إلا أنه لم يجد آذانًا صاغية؛ إذ وافق الملك على الطلب وسمح لدولة جين بالتسهيلات المطلوبة. مما مكَّنها من الإغارة على دولة قوا، لكنها بعد الانتهاء من حملتها العسكرية، وإبان عودتها … هاجمت دولة يو في عقر دارها.

لذلك، فإننا عند مطالعة حوليات التاريخ القديم المدونة في الكتاب الشهير بعنوان «الربيع والخريف» فيما سجله من أحداث تلك الواقعة، نجده ينحي باللائمة (فيما حدث) على ملك يو.

ومن يتأمل أحوال الممالك اليوم يجد أن دولة جاو الأقوى، لا يكاد يوازيها فيما بلغت إليه من مقدرات التفوق سوى دولتي تشين، وتشي.

وإنك إذ تتخذ رئيسًا للوزراء متسمًا بالنفوذ والسمعة الطيبة، بجانب ما هو معروف عنك من الحكمة والفطنة، فسوف تُثير قلق تشين، الدفين فلا ترى في الوجود بلدًا يُهدد مكانتها وهيبتها غيرك، وتصير دولة وي، كأنها تستعيد دور دولة «قاو» بالنسبة ﻟ جاو، بينما تصبح جاو (بالمقابل) كأنها تمثل قيمة يوم بالنسبة ﻟ «وي» ومن ثم فإن الأخذ بنصيحة تشين التي تحثك على مهاجمة وي، يُعتبر أقرب شيءٍ لما حدث في الماضي، مما قامت به يو؛ إذ استعارت طرق جارتها لاستخدامها في القتال. فأرجو من جلالتك مراجعة الأمر بمزيدٍ من التأمل والتحقُّق من دخائله وجوانبه المختلفة.

لمَّا أقام أمير دولة وي في تشو باعتباره رهينة

أقام أمير دولة وي، في تشو، بوصفه رهينة (لإقرار السلام) وكان أن أرسل إلى «لوبي» [كبير وزراء وي) وهو (في بلدة) يانلينغ، من قال له: «كان من المُقرر أن سيادتكم ستنتظرون ريثما يقوم التحالف بين دولتي تشي وتشين، لكي تقوموا بنجدة «بيشي» لكن يبدو من مظاهر أحوال البلدَين أنهما لن يتحالفا أبدًا، بالإضافة إلى ذلك، فمن الواضح أن السيد «تيشيان» [رئيس وزراء وي] لا يمقت أحدًا في الدولة كلها سواك، وكل رجاله يفكرون في التحالف مع تشي وتشين، ومجافاة دولة تشو، لا لشيء إلا تقليلًا من شأنك، ومن ثم فليس عليك إلا أن تقصد ملك تشي، فتقول له … «ما كان لدولة وي أن تُعاني مما هي بصدده من الهزيمة العسكرية بسبب ما قامت به تشين من الهجوم عليها (هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى …) فما كانت تشو تتفانى في الاعتراف بطاعتك والعمل على خدمتك، إلا لأنها تبغض وي بُغضًا لا مزيد عليه؛ ولذلك فإني اقترح عليك أن تنصح لدولة تشين بمهاجمة وي.» … وهكذا تنعقد نية ملك تشي على مهاجمة تشو، وإذ يمتلئ صدره غيظًا وغضبًا من تشو لعدم مصافاتها وموالاتها، فسيطلب من دولة وي أن تتصالح مع تشين والتقرب إليها بالتنازل لها عن الأراضي والاعتراف بطاعتها.

وكم سيشعر ملك تشي نحو تشانغي بالمقت والكراهية لما يُمثله من قوةٍ وما حازه من إمكانات هائلة تحت تصرفه، تتمثل في الطاقة التي أمدته بها كل من دولتي تشين وهان، كما أن ملك وي لن يستطيع أن يعتمد على تشانغي في أي شيءٍ بعد ذلك، أما الآن وقد لجأ «تيشيان» إلى مجافاة دولة تشو استنادًا إلى ما تمدُّه به تشين وتشي من قوة وافرة، في محاولة للنَّيْل من هيبتك وقدرك، فإني أشعر ببالغ القلق عليك.

وإذ تقوم دولتا تشي وتشو بالتصالُح مع تشين مقابل التنازل لها عن بعض أراضيها، فهل من الممكن أن يقود ذلك إلى موافقة تشين على إطلاق يد تشو لتتصرَّف على هواها؟

إذا قامت تشين بهجوم مباغت على تشو، فسوف تنسحب هذه بقواتها، ويقع الرعب في قلب ملك وي، عندئذٍ تستطيع أن تتنازل لدولة تشين عن الأراضي الواقعة شمالي نهر «فن» سعيًا للتصالح معها والتودُّد إليها عسى أن تستطيعا معًا عزل دولة تشي. وإذ تلقى عظيم الاهتمام لدى تشين وتشو فسوف تترقى إلى منصب رئيس الوزراء، وهو ما أظن أن ملك تشين وتشولنجي يتطلعان إليه، كما أرجو من سيادتك السماح لي بأن أقوم بحملة دعائية لأجلك.»

الجزء الثاني من الفصل نفسه

ثم إن المبعوث التقى ﺑ «تشوليجي»، وقال له: «إن جلالة ملك تشين يَعُد مهاجمة «بيشي» أول واجباته ذات الأهمية القصوى باعتبار أن أي تقصيرٍ في هذا الشأن قد يفقده العزة والمهابة أمام الدويلات والأمراء. فما بالك إذا كان الهجوم على بيشي يفتح الطريق أمام مهاجمة دولة هان ووي بكل سهولة؟!» فرد عليه تشوليجي قائلًا: «قد تفاوضت مع ملك وي وقمت بتسوية كل الأمور بعد التصالُح مع جلالته، ولم تعُد هناك ضرورة لاستئذانه في إعارتنا منطقة بيشي.» فقال الرسول: «أستطيع بتفكيري البسيط وعقلي الساذج الأحمق أن أقوم بتقدير الأحوال القائمة، فائذن لي بذلك ولا تسخر مني أو تهزأ بي لأن الحصول على منطقة بيشي مسألة مهمة جدًّا وذات نفع كبير للبلاد، وبالتالي فإن التنازل عنها أو إهداءها إلى دولة وي يقوم على افتراض أنكم ستعجزون إن آجلًا أو عاجلًا عن الاحتفاظ بها والدفاع عنها، وبالتالي فمن الأسلم إعطاؤها إلى دولة وي؛ لكنكم الآن، تملكون من القوة ما يفي باستردادها وحمايتها، فما الذي يمنعكم من أخذها عنوة (لو لزم الأمر)؟» فأجابه تشوليجى وقال: «وكيف السبيل إلى ذلك فيما ترى؟» فرد عليه المبعوث، بقوله: «إن أهم دولتَين تعتمد عليهما وي الآن، هما: تشي وتشو، وأهم رجلَين من رجال دولتهما، هما «لوبي»، و«تيشيان»، وأكاد أسمع ملك تشي وهو يُحادث ملك وي الآن، ويقول له: «إن جنودك يردِّدون كلامًا مفاده أن بلادكم تبغي شن الحرب علينا.» ومن ثم تمتنع دولة تشي عن دعم ومساندة وي. (وهنالك) تحنق دولة تشو على دولة وي وتحمل عليها أنها لم تقم بتولية لوبي أي منصب كبير، بل إنها أوفدت (بدلًا منه) تيشيان لإجراء المصالحة مع تشين، ومعنى ذلك أن دولة تشين (وقد بلغ بها الغضب هذا المبلغ …) سوف تقطع علاقاتها مع وي، وهو أمر لا مِراء فيه.

وإذ يخشى تيشيان ما قد تتعرض له دولة وي من خطر التفكك والانهيار فسيسارع إلى التحالف مع تشي وتشين، في استبعاد واضح لدولة تشو، مما يعني التقليل من شأن «لوبي» الذي سيعمل (من جانبه) على التحالف مع تشو وتشين مُستبعدًا من حساباته دولة تشي ومتجاهلًا دور ومكانة «لوبي».

وأرى أنه من الأفضل لسيادتكم الوقف الفوري لكل مفاوضات التصالح مع وي، على أن توفد إلى لوبي من يقول له … «هل لديك استعداد أن تُعطينا المنطقة الواقعة شمالي «فن»؟

فإذا كنت مُستعدَّا حقًّا، لهذا، فعليك بالتحالف مع تشو، وأن تتجاهل تمامًا دولة تشي لا سيما أنه مما يُهمنا كثيرًا اضطلاعك بدور قيادي بارز وتوليك المكانة والمنصب الرفيع.» … وعندئذٍ، لن يتوانى لوبي ودولة تشو عن الإسراع باتخاذ اللازم في إطار هذا التوجيه. ومن ناحية أخرى، فعليك أن تُرسل إلى «تيشيان» من يُبلغه قائلًا: «أتستطيع أن تتنازل لنا عن المنطقة التي تقع شمالي نهر «فن»؟ إذا كان ردك بالإيجاب، فلا بد من التحالف مع تشي، والتباعد عن تشو، فيكون لك النصيب الأوفى من الترقي (وسنعمل على تزكيتك في هذا الاتجاه)»، ومن المؤكد أن تيشيان لن يدخر وسعًا في السعي لإنجاز هذه الخطة، وبهذه الطريقة تستطيع أن تفرض نفوذك (فيما يتعلق بالشئون الخارجية) على دولتي تشي وتشو؛ كما تفوز (في المسائل الداخلية) باثنَين من التابِعين السائرين في فلكك، فما الذي يمنعك من الحصول على الأرض التي حدثتك عنها إذن؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤