سجل وي الرابع
لمَّا رفع الملك كتابًا
… [ثمة كلمات سقطت من المدونة الأصلية (القديمة)] … ذهب إلى ملك تشين من رفع إليه كتابًا جاء فيه ما نصه: «بلغني — فيما يبلغ الناس سرًّا وهمسًا من أنباء — أن جلالتكم تخطط للهجوم على دولة وي؛ فهي خطة غير ملائمة ولا سديدة، وأرجو إعادة النظر فيها بالدقة الواجبة. وتبدو لي دولة وي، أشبه شيءٍ بحزام تتمنطق به الدويلات الست في إقليم «شانتون»، أو هي أقرب ما تكون شبهًا بثعبان كبير مُلتف في دائرة إذا ضربت ذيله، دافع عنه برأسه، فإذا هويت على رأسه، تلقَّى الضربة بذيلِه، فإذا أردت أن تركُله في بطنه، حامت عنه الرأس والذَّنَب. وهكذا، يبدو لي ملك وي الآن، كأنه الخصر في جسد الدويلات. فإذا أقدمت دولة تشين على ضرب وي، فسيبدو أمام الممالك والدويلات التي تحت السماء، وكأنها تريد أن تقصم ظهر الدويلات الست في «شانتون» وسيتلو ذلك شيء أشبه بالرأس والذيل يصدان عن البطن.» وإذ تجد الدويلات الست نفسها على وشك أن تلقى الإبادة التامة فسوف ينتابها الرعب، وبالتالي تقوم بينهم التحالفات، مما يعني تفوق قوتهم المجتمعة، وأتوقع على ضوء ذلك، أن تتجسد أمام العيان المحنة التي ستعترض طريق تشين، وهو ما يجعلني أستشعر حرج موقفكم، ويدعوني — من ثم — إلى التأمل وتقليب الأمر على مختلف أصعدة الاحتمالات، ثم لا أجد مَخرجًا أفضل من دفع القوات صوب الجنوب للاشتباك مع دولة تشو، حيث تُعاني بشكلٍ عامٍّ من ضعف القوة العسكرية، كما أن أحدًا لن يُبادر إلى نجدتها أو مساندتها، وستكون النتيجة في صالح تشين؛ إذ تزيد في مساحتها أراضٍ جديدة تضاف إليها، فتتَّسع رُقعتها، وتعزز مواردها ويقوى جيشها، ويلقى عرشها التمجيد والمهابة والتعظيم. ألم تسمع يا مولاي بقصة هجوم الملك طانغ (آل شانغ) على [الطاغية] «جيه» «(أل شيا)؟ حيث جرى البدء بمهاجمة دويلة «ميشيو» [دويلة صغيرة في زمن أسرة شانغ الملكية القديمة] الضعيفة المتهافتة على سبيل اختبار القوة والتدريب القتالي، فلما تم اقتحام ميشيو، استطاع الملك طانغ أن يتقدم لإخضاع الطاغية «جيه» [أسرة شيا الملكية القديمة].
وبما أن دولة تشين تعلم تمام العلم ما تُضمره لها باقي الدويلات من الكراهية والعداوة، فلا بد لها أن تبدأ نشاطها القتالي مع دولة ضعيفة، وإلا كانت الهزيمة من نصيب قواتها، والمحنة أو النكبة النكراء مصير البلد كله.»
وبالفعل فقد تحركت قوات تشين إلى الجنوب، فاقتحمت «لانتيان» بالإضافة إلى منطقتي يان وإينغ.
لمَّا كان العام السادس من حكم الإمبراطور
لمَّا كان العام السادس من حكم الإمبراطور «تشين شيهوان» [عام ٢٤١ق.م.] (… ثمة بياض في المتن حيث سقطت كلمات من النص القديم) … ذهب إلى ملك وي، وقال له: «كانت دويلة، تصاو، فيما مضى تنظر إلى دولة تشي بوصفها (أهم سند لها بين الممالك) وعلى هذا الأساس راحت تُقلل من شأن دولة جين، وعندما انشغلت دولة تشي بالإغارة على دولتي «لاي» و«إينغ»، انتهزت دولة جين الفرصة وباغتت دويلة تصاو بالهجوم.
ثم إن دويلة «سنغ» تمكنت من صد هجوم دويلة «يوي» عليها بفضل استنادها إلى قوة تشي. فلما وقع في هذه الأخيرة العصيان المسلح (الذي قاده من داخل القصر، «تيان شي») انتهزت دويلة يوي هذه الفرصة وهاجمت مدن سنغ، ومن جانب آخر فقد كانت دويلة جنغ تستند إلى قوة دولة وي، وتنظر بعين الازدراء إلى دولة هان، فلمَّا قامت وي بمهاجمة منطقة «إيو» [تنطق كما في «إيوان»] استغلت هان وقوع تلك الأحداث، وهجمت على دويلة جنغ.
وكان إقليم «يوانكو» يُدين في وجوده بقوة كل من دولة تشين وقبائل «دي» [تنطق كما في «الوادي»] بينما يَعُد دولة جين غير جديرة بأدنى تقدير. فما إن دهمت السيول الجارفة دولتي تشين وقبائل «دي» حتى سارعت جين إلى شن الهجوم على يوانكو.
وكذلك كانت دولة جونشان تعتمد على مساندة كل من تشي ووي لها بينما لم تكن تنظر بعين التقدير إلى دولة جاو. فلما انهمكت وي وتشي في القتال مع تشو، هرعت جاو إلى مهاجمة جونشان، فدحرتها. وهكذا نجد أن السبب فيما أصاب تلك البلاد من ضياع وانهيار يكمن في تصوراتها بأنها ذات سندٍ تتَّكئ عليه يتمثل في دولة قوية تمدُّها بالدعم) ثم إن هذا الحال لا يقتصر فقط على تلك الدويلات الخمس، بل يُشاركها فيه الكثير من الدويلات والممالك، في كل مكان، خصوصًا تلك التي كان مصيرها الفناء.
إن الأسباب الداعية إلى عدم الاتكاء أو التعويل كثيرًا على ما تُقدمه الدول الأخرى من مساندة كثيرة ومُتباينة، كما أن ما ينجم عن ذلك من كوارث لا يحصرها عد. فمن هذه الدول — مثلًا — ما لا يصلح لأن يكون موضع مساندةٍ بسبب ما يعتوِر تعاليمها وأفكارها السياسية من خللٍ يحتاج إلى إصلاح وضبط وتقويم، أو أن يكون تفسُّخ إقليمها وانعدام الوحدة بين أجزائها حائلًا دون جدارتها كسندٍ لبقية الدول، ومنها ما يكون موقعه إلى جوار دول ذات أساليب خادعة وملتوية، هو السبب في عدم تمتُّعه بمكانة «حامي الحِمى»؛ ومنها ما تكون ندرة موارده الزراعية والحيوانية وقلة محاصيله مانعًا لمصالحه ووجوه النفع العائدة عليه. وهناك بعض الدول التي لا يمكن الاستناد إلى قوتها ومكانتها … لأنها اقتربت من حافة كارثة.
فلكل ذلك عرفنا أنه لا يمكن الاتكاء على قوة بلدٍ آخر، لكن جلالتك تعتد كثيرًا بمساندة تشين لك، وتعتمد عليها (في كل كبيرة وصغيرة) وتصدق كل ما يقوله لك الملك «شنجون»، ومن ثم فإن أي محاولة لمقاومة أو صد أو مواجهة تشين، لأي سبب كان، ستكون لها عواقب يصعب تقديرها. أما إذا تعرضت تشين لأية نكبات أو كوارث فلن يتحمل نتائجها سواك وحدك. فأنت — وعلى الرغم مما في حوزتك من بلدٍ ذي مقدرات عالية — تعتمد اعتمادًا كليًّا على أفكار رجل واحد وتُصغي له بأذن السمع والطاعة. وهذه — فيما أرى — طريقة غير سديدة، فأرجو مراجعة هذا الأمر مليًّا والتأمُّل في جوانبه بعُمق.»
لمَّا توجه ملك وي بسؤال إلى مُحدِّثه
توجه ملك وي بسؤال إلى «تشانغماو»، قائلًا: «ما رأيك فيما إذا اشتركنا مع دولة تشين في ضرب هان؟» فأجابه الرجل بقوله: «فلنتساءل هل ستقعد هان، حينئذٍ تنتظر نهايتها، أم تسارع إلى التنازل عن بعض أراضيها ترضيةً للدويلات واعترافًا بطاعتها؟» فرد عليه الملك، قال: «لا بد أن هان سوف تتنازل عن الأراضي إذعانًا وخضوعًا.» فقال له تشانغماو: «أي البلدين تمقته دولة هان بشدة، أهي دولة وي أم تشين؟» فأجاب الملك بأنها لا تكره بلدًا في الدنيا كراهيتها لدولة وي. فقال له محدثه: «وأي البلدَين تظنه هان الأكبر (والأقوى)، دولة تشين أو دولة وي؟» فأجابه الملك بأنها ترى تشين الأقوى والأعظم. فعاد تشانغماو يقول له: «إذا ما تنازلت دولة هان عن بعض الأراضي، أتظنها تُذعن للبلد الأقوى، وتتَّحد مع البلد الذي لا تبغضه؟ أم تراها عندما تتنازل عن أجزاء من أراضيها، تخضع للدولة الأضعف، وتتحد مع الدولة المكروهة؟» فأجاب ملك وي بقوله: «إن دولة هان؛ إذ تتنازل عن الأراضي فستخضع لمن تراه الأقوى وتتَّحد مع مَن لا تبغضه.» وهنالك قال له تشانغماو: «فامضِ، إذن لما أنت بصدده من مهاجمة هان، فأنت أدرى الناس بهذا الأمر وأملكهم لزمام التدبير فيه.»
لمَّا تحدث أحد الضيوف إلى كبير رجال دولة
تحدث أحد الضيوف إلى «سيما هي» [أحد كبار رجال دولة وي] قائلًا له: «لا يتحدث عن توحيد الممالك إلا رجل لا يفقه في أحوال الدول شيئًا، ولا يتكلَّم رجل عن وجوب قيام دولة وي، بمفردها بمناوأة ومقاومة دولة تشين إلا كان جاهلًا بأحوال وي تمامًا، ومن يزعم أن الرجل [المشار إليه هنا قد يكون أمير دولة لو] الداعي إلى التحالف الرأسي لا يدرك شيئًا عن تلكم الحقيقة، فإنما يدل بقوله هذا على عدم معرفته بذلك الرجل.
فكيف نحكم، إذن، على ذلك الرجل الذي يدعو إلى التحالف الرأسي؟ [والإجابة في رأيي هي أنه …] إذا ما قام التحالف الرأسي، فسوف يثبت أنه الرجل الأعظم أهمية، أما إذا تعثر مشروع هذا التحالف، فسوف تتوارى كثيرًا أهمية دور الرجل وتتضاءل مكانته إلى أدنى مستوًى، لكن حتى أولئك الذين تزداد أهميتهم رسوخًا وهم يدعون إلى التحالف الرأسي، سيجدون أنفسهم عاجزين عن اتخاذ قراراتٍ عملية وواقعية وجادة (بشأن هذا التحالف الرأسي) فما الذي يمنعك عن انتهاز فرصة انغماس الدول الثلاث في مهاجمة تشين، وتفوز منها بمزايا جيدة، ولا بد أنها سترحب بك وبموقفك وإلا فليكن معلومًا لديك أن مجموعة دول التحالف الأفقي ستدبر المكايد والمؤامرات ضدك لتُرغمك على الانضمام إلى جبهتها، فذلك هو السبيل إلى نقل رصيدك القوي (من التحالف الرأسي) إلى الجهة الأخرى.»
لمَّا قامت وي مع تشين بمهاجمة دولة
قامت وي مع تشين بمهاجمة دولة تشو، لم يكن ملك وي (في أول الأمر) راغبًا في الاشتراك في هذه المعركة [وقعت أحداثها عام ٣٠١ق.م.] فذهب إليه «لوهوان» وقال لجلالته: «إذا لم تشترك مع تشين في مهاجمة تشو، فلن تتوانى هذه عن التنسيق مع ملك تشين لضربك، وأرى أنه من الأفضل أن تقوم بما يساعد على اندلاع الاشتباك بين تشين وتشو، على أن تسعى (من جانب آخر) إلى حثهما على ضبط النفس وعدم التمادي في القتال.»
لمَّا قام رانخو بمهاجمة منطقة طاليان
قام «رانخو» بمهاجمة منطقة طاليان، واقتحم إقليم «بيجاي» وكان أن ملك وي أصبح يأتمر بأمر رانخو، ويسير في ركابه، فذهب إليه (ذات مرة) وقال له: «قد هاجمت دولة تشو وحصلت على أرض «وان» و«رانغ» فأضفتهما إلى مساحة إقليم «طاو»، ثم لم تكتفِ بذلك، فخرجتَ لقتال دولة تشي وأخذت منها — عنوة — أرض «قان»، «تشو» وأضفتهما إلى مساحة «طاو» أيضًا؛ وواصلت المناوشات مع دولة وي حتى سلبتها أرض «شيو»، و«يانلينغ» ثم لم تلبث أن ضممتها إلى إقليم «طاو» كذلك، وعلى الرغم من كل ذلك لم يكترث ملك تشين بكل (ما فعلت من …) هذه الأمور، فما السبب في ذلك؟ أيكون السبب راجعًا إلى عدم القضاء نهائيًّا على طاليان؟ (لكن) لو تم الآن القضاء نهائيًّا عليها، فإن احتلال منطقتي شيو، ويانلينغ، سوف يجعلك موضع لوم وتأنيب وهو ما سوف يوقع بك في مأزق بالغ الدقة والحرج. ولذلك فإني أُفضِّل — لو كنت مكانك — ألا أُهاجم طاليان إيثارًا للسلامة وطلبًا للفائدة.»
لمَّا تحدث بايقوي إلى الشريف الأجلِّ
تحدث بايقوي، [يقال تارة، إنه من وي، وتارة أخرى من دولة جو، لكنه إبان تلك الفترة كان يعمل بوظيفة مرموقة في بلاط تشين] إلى الشريف الماجد «شين تشينجون» [خال ملك تشين]، فقال له: «إن السائر ليلًا يملك أن يصد نفسه عن إيذاء الآخرين، لكنه لا يستطيع أن يمنع كلاب الليل من النباح واللهاث وراءه؛ وكذلك بوسعي أن أُمسك لساني عن القدح فيك أمام جلالة الملك، لكني لن أقدر على أن أمنع الآخرين من القدح فيَّ لدَيك، أو ذكر مثالبي عندك.»
لمَّا قامت دولة تشين باقتحام محلة
قامت دولة تشين باقتحام قرية «قوان» (من أعمال دولة هان) فسارع ملك وي بدفع قوات لنجدة هان، فذهب إليه شاوجي [أحد مواطني دولة تشو، يعمل في بلاط وي] وقال له: «إن دولة تشين، كما علمت، من القوة بمكان؛ أما دولتا وي وهان، فهما مجرد بلدَين يتقاسمان معها حدود الجوار، فإذا سلِما من هجومها كان ذلك خيرًا، على أية حال، أما إذا خرجت تشين للحرب والقتال، فهي لن تُهاجم هان، بل ستتَّجه رأسًا إلى دولة وي، لكنها الآن ولحُسن حظ دولة وي، اختارت دولة هان هدفًا لهجومها، لكنك عندما تُحاول الآن أن ترسل نجدة إلى هان، فربما استطعت بذلك أن تفك الحصار المضروب حول محلة «قوان»، وهو ما سيستدعي (من جانب تشين) محاولة أخرى لحصار طاليان (الواقعة في أرضك).» لكن ملك وي مضى مُصممًا على رأيه، قائلًا: «إن التقاعس عن مساندة هان في هذا الوقت سيحملها على البغضاء لنا، مما قد يدفعها إلى الذهاب غربًا للارتماء في أحضان تشين التي سترحب بها، ويصيران معًا وحدة بلدٍ واحد، فيحيق بنا الخطر.»
الجزء الثاني من الفصل نفسه
ثم إن دولة تشين تجاهلت (بالفعل) منطقة «قوان»، وشرعت رماح هجومها صوب دولة وي، فأُسقط في يد ملكها، وركبه الرعب، وكان أن تحدث إلى شاوجي قائلًا: «لم أهتدِ بنصحك فنزلت بي الكارثة، فقل لي كيف أصنع الآن؟» وهنالك اهتم شاوجي للأمر وقصد إلى ملك تشين فقابله، وقال له: «بلغني، يا مولاي، أن الملك الحكيم لا يحكم بهوى نفسه ولا يُعالج الأمور حسب نوايا قلبه، وإنما يعقد للرأي، ديوان المشورة، فلا يُقرر أمرًا إلا بعد مراجعة جمهور الآراء [هكذا] وبعد، فأرجو من جلالتك التراجُع عن مهاجمة وي، كما أرجو أن يعمل بنصيحتي في هذا الشأن.» فلمَّا سأله الملك عن السبب فيما يقوله، أجابه: «(دعني أسألك أولًا …) ما السبب — في رأيك — فيما عليه الدول الست الواقعة شرقي جبل شياو، والمنضمة إلى التحالف الرأسي، مما ينشأ بينها دائمًا من مصافاة وودٍّ وتحالف تارة، ونفور وتباعد وانفصال تارة أخرى؟» فلمَّا أجابه الملك بعدم وضوح السبب في تلك الحال لديه، رد عليه شاوجي، بقوله: «ما توحدت الدويلات إلا بسبب عدم تحديدك للهدف من هجومك، وما دبَّ بينهم الشقاق إلا عندما وضح لديهم، بشكلٍ قاطع هدف ضرباتك القتالية، ثم إنك لمَّا كنت بصدد مهاجمة محلة قوان، بدولة هان، فقد حلَّ الخطر عليها وأحاط بها من كل صوب، وإذ لم تصل جلالتك إلى نتيجة محددة في هذا الهجوم، فقد حولت قواتك لمهاجمة دولة وي، مما دعا الدويلات إلى الانضمام إلى التحالف الرأسي بعد أن بَدَا لهم أنها الفرصة السانحة والتوقيت الأكثر ملاءمة (لمثل هذا الانضمام).
إنه ما من بلد تحت السماء [هكذا حرفيًّا: بمعنى فوق الأرض، في إطار الممالك الصينية القديمة!] إلا يعرف جيدًا أنه لا طاقة له بمقاومة أطماع وطموحات تشين، ولذلك فلو كنت مكان جلالتك لسارعت إلى تأديب دولة جاو، كبحًا لجماحها، وهو ما سيرغم دولة يان على الاعتراف بطاعتكم والمثول بين يديكم صاغرة ترفع لواء التأييد والخضوع. أما تشي وتشو فلن يمكنهما تكوين تحالف رأسي بمفردهما.(واعلم) أنه إذا تكالبت عليك الممالك بسبب عداوتك وعدوانك، فسوف يضمحل شأنك وتذهب قوتك.» وعندئذٍ أصدر الملك قراره بوقف العمليات الهجومية ضد وي على الفور.
لمَّا نشبت المعارك بين تشين وجاو
لما انعقدت أجواء الكراهية فوق تشين وجاو فقد نشِب القتال بينهما، وذهب إلى ملك وي من قال له: «من الأفضل (في هذه الظروف) أن تسارع دولة وي بالاتحاد مع دولة جاو في مواجهة تشين بوصفها عدوًّا مشتركًا، فإذا لم تتَّحِد معها في جبهةٍ واحدة ضد ذلك العدو الواحد، فلن تستطيع جاو أن تثبت في القتال مع تشين بجيشٍ تكبد خسائر فادحة، أما إذا دخلت وي ساحة الحرب مع تشين فلا بد أن جاو ستقدر على معاودة العمليات القتالية، وتنظر بعين الاهتمام لدولة وي؛ (فهذه فرصة …) لتحجيم قدرة تشين (الجامحة) وطاقة جاو (الكامنة).
وإذا كنت تفكر يا مولاي — حقًّا — في استمالة كل من تشي؛ أو كنت تبغي السيادة فوق الممالك؛ أو كنت تحلم بزعامة لواء التحالف الرأسي مع تشي وتشو، فكل ذلك مرهون بإرادتك، ينتظر إشارة منك ببدء التحرك.»
لمَّا ذهب بيندو لمقابلة ملك وي
لمَّا اندلعت معركة «تشانغ بين»، ذهب «بيندو» لمقابلة ملك وي، وقال لجلالته: «ما الذي يمنعك عن الانضمام إلى التحالف الرأسي؟» فأجابه الملك، وقال: «لأن دولة تشين أعطتني وعدًا بإعادة إقليم «يوان يونغ» إلينا.» فرد عليه بيندو، وقال: «اسمح لي، يا مولاي، بالقول إني أرى أن التنازل عن ذلك الإقليم لم يكن أصلًا ذا جدوى.» فلما سأله الملك عن السبب في قوله هذا، أجابه بقوله: «إن كلا الطرفَين، سواء تشين أم جاو، متمسكان بموقفهما في موقعة «تشانغ بين» فالموقف باقٍ بينهما دون نصر أو هزيمة، أما إذا قررت باقي الممالك أن تنحاز إلى جانب تشين، فسوف يكون في ذلك الضربة القاصمة لدولة جاو، وإذا كان وقوفهم إلى جانب هذه، فلن تقوم لدولة تشين قائمة، ولمَّا كانت هذه تخشى أن تبدل مواقفك، فقد جربت استمالتك [إغواءك، حرفيًّا] بالتلويح لك بمنطقة «يوان يونغ» فماذا إذا كانت النصرة من نصيب تشين، فهل ستُرسل جلالتك، حقًّا، إلى تشين تسألها بخصوص تسليمك «يوان يونغ» من عدمه؟» سترد جلالتك على هذا السؤال بأنك تستطيع، وقتئذٍ، أن تتصرف على هذا النحو، ثم ماذا لو عجزت تشين عن دحر دولة جاو؟ هل تملك جلالتك أن تُلزم دولة جاو بتسليمك «يوان يونغ»؟ ستقول — جلالتك — طبعًا إنك لن تستطيع ذلك؛ فلكل ذلك قلت لك إن التنازل عنها كان فارغًا بلا قيمة!» فأقر الملك له بصحة استنتاجه.
لمَّا قام كبير وزراء وي بترتيب اجتماع
قام لوهو [كبير وزراء وي] بترتيب اجتماع يعقد بين حاكمي البلدين تشين، ووي عند المنطقة الحدودية، وتحدث إلى ملك وي، قائلًا: «لن يكون مع جلالتك أثناء الاجتماع رئيس وزرائك، ولذلك فسوف يقوم ملك تشين بتسمية رئيس الوزراء، فإذا لم تأخذ بما يُزكيه لهذا المنصب، فسوف تسوء العلاقات كثيرًا مع تشين، أما إذا عملت بمشورته فسوف يصبح في مقدور وزرائك أن يُصرِّفوا شئون الدويلات والممالك، فتنعقد لك السطوة فوق الجميع. هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، فإن ذهابك للاجتماع إلى الملك، وبصحبتك وزراء لم يبلغوا سُدة الحكم إلا بتزكية تشين لهم، بناءً على ثقتها فيهم يفقدك مصداقية التحالف مع تشي (واعلم) أن تشين سوف تنظر إلى زعامتك وسمو مكانتك (بين الممالك) بعين الازدراء والتحقير، (ومن ثم فلن تعمل صعود نجمك وسط الدويلات).
والأفضل أن تقوم بتولية المنصب الوزاري الرفيع لمن هو موضع ثقة دولة تشي، فتصيب حظًّا من استرضائها بهذا التصرف؛ وهكذا فإذ تذهب إلى اجتماع كبير مع ملك تشين وبصحبتك رئيس للوزراء محل ثقة دولة تشي، فسوف تكون موضع تقدير واهتمام تشين.»
لمَّا أراد كبير وزراء وي قطع العلاقات
كان «رويسون» [كبير وزراء وي] قد اتخذ التدابير لقطع العلاقات بين تشين وجاو، فأوحى إلى دولة وي بفكرة استرداد الأرض التي خصصتها لاستخدام الملكة الأم في دولة تشين مما أثار جلالة الملك، فتحدث إليه رويسون قائلًا: «قد عهدت إليكم وي بالقيام على تصريف شئونها ووضعت مصيرها رهن إشارتكم، لكنكم أبيتم أن تقبلوا بما عرضت، فما كان منها إلا أن تحولت عنكم إلى دولة جاو، وقد قال لي «ليهاو» [كبير وزراء دولة جاو] ما نصه: «تذكُر لي أنه لا تربطكم أية علاقة بدولة تشين، ومع ذلك فها أنتم تهدونهم الأراضي [التي تقفونها على خدمة الملكة الأم] فلا أظنكم إلا هازئين بي» … فلمَّا سمع ملك تشين هذا القول انتابته نوبة غضب، وعلى إثر ذلك قامت القطيعة بين البلدين تشين وجاو.
لمَّا ذهب مبعوث إلى دولة تشو
ذهب إلى دولة تشو من التقى بجلالة الملك وكلَّمه، بالإنابة عن حاكم وي، قائلًا له: «إن محاولتك ابتزاز دولة تشين بالتهديد بغزو دولة وي لن يُقنع دولة تشين بشيء؛ ولن يدعها تصغي إليك، أو تسير وراءك، وهو ما يعني عجزك عن تدبير المكائد والخطط (التي يمكن أن تنطلي على تشين)، ويعني أيضًا ازدياد الجفاء بيننا؛ وإذ تتفاقم الكراهية بين تشو ووي، تزداد أهمية ومكانة دولة تشين، ولذلك فالأفضل بالنسبة لك هو أن تساير رغبة الدويلات وأن تشن الهجوم على دولة تشي.
واعلم أنك إذا قمتَ بتبادل الأراضي مع وي (وسويت هذه المسألة تمامًا) فسوف تُجنب جيشك الخسائر الفادحة، وسيظل مستوى العلاقات الخارجية بيننا على ما هو عليه دون أي تغيير، (وساعتئذٍ) فيمكنك أن تحصل على كل ما تصبو إليه.»
لمَّا قام لوبي بتكليف تيشيان بالسفر إلى
قام كوان بي [يُعتقد بأنه لقب آخر للمدعو «لوبي»] بتكليف تيشيان بالسفر إلى تشين للتباحث معها في الشئون الرسمية، ثم إنه أرسل إلى ملك وي ليبلغه بما نصه: «إن ما بين «لوبي» وتيشيان، يُشبه كثيرًا ما بين أهل دولة جين وأهل دولة تشو؛ ذلك أن أهل جين إذا ما رأوا أهل تشو قد هرعوا إلى قتالهم، تقلدوا السيوف في تؤدة وتعمَّدوا التأني قبل بدء القتال، وهو ما يُثير لدى أهل جين الاشمئزاز والضيق، فيحملون عليهم دون إبطاء. وهذا «لوبي» قد رحل إلى تشين وأقام في المسكن المُخصص له (من قِبل الحكومة) فوجده مكانًا سيئًا للغاية، يكاد لا يصلح للسكنى أصلًا، وكان تيشيان قد دخل تشين أيضًا، فلم يجد (وهو المبعوث من جهة رسمية ذات شأن) أحدًا يتولى مهمة حراسته، وهو الوزير ذو المكانة والمهابة، الذي يتبع البلاط الملكي الحاكم باسم جلالة الملك، فإذا به يلقى، في تشين، هذه المعاملة (التي لا تليق بأي حال) فهل يصح ذلك؟»
لمَّا أراد أحد نبلاء دولة هان أن ينصح
أراد تيشنيان [أحد نبلاء دولة هان] أن يدعو دولتي هان ووي للاعتراف بطاعة تشين، والسير في فلكها، مما اعتبره ملك وي الأمر الذي لا نفع فيه، فذهب «باقوي» إلى جلالته، وقال له: «أرى يا مولاي أن ترسل، سرًّا، إلى تيشنيان من يقول له ما نصه: «جرب أن تدخل دولة تشين، وسوف ترى أنها ستسارع إلى اعتقالك حتى ترغم دولة هان على التنازل لها عن أجزاء من الأراضي، فإذا لم تستجب فسوف يستمر اعتقالك بأرضها حتى تشن الهجوم على هان؛ ولذلك فإنه من الأفضل لك أن تلتمس طريق الحذر وأنت ذاهب إلى تشين، فما إن تحل بها … حتى تطلب اللجوء إليها بوصفك رهينة (سلام)، هذا، ومن المؤكد أن تيشنيان لن يقدم على الدخول إلى تشين، وإذ تتعثر الوحدة بين هان وتشين، تزداد مكانة جلالتك أهمية (وسط الممالك).»
لمَّا قامت تشين بالاستيلاء على بلدة
تمكنت تشين من احتلال بلدة «نينغ» وأرسل ملك وي إلى ملك تشين، يقول له: «إذا تفضل جلالة الملك بإعادة بلدة نينغ إلينا، فسوف نكون على رأس الدويلات (قبل كل الممالك) في طلب التصالح والمصافاة معكم.» فتكلم (معه) «ويران»، وقال له: «لا تصدق ما أتاك به ملك وي؛ فهو إذ أدرك أنه لا توجَد دولة واحدة وسط الممالك يمكن الاعتماد عليها، تدبر الأمر جيدًا وبادر إلى الصلح معك، وهكذا فهو مطالب (بالإضافة إلى ما فقده من أرض …) بأن يتنازل عن المزيد من الأراضي سعيًا للتصالح؛ فكيف يصح (والأمر كذلك) أن نعيد إليه بلدة «نينغ» وقد صارت في حوزتنا؟»
لمَّا أوقفت تشين عملياتها الهجومية
أوقفت تشين عملياتها الهجومية ضد هاندان، لتُركز هجومها كله ضد دولة وي، احتلت بلدة «نينغ»، وخاف «أوتشين» [كبير وزراء دولة وي] أن يسعى ملك وي إلى طلب التصالح مع دولة تشين، فتحدث إلى جلالته، قائلًا: «أتعرف السبب فيما أقدمت عليه تشين من مهاجمتك؟ إن الممالك كافة، تُردِّد فيما بينها بأن جلالتك تسعى للتقارُب مع تشين، مع أنك في الواقع لا تصبو إلى هذا، بل لا تحدونا إلا الرغبة والأمل في إبادة تشين، لكن الممالك تُردد أن بلادك ليست على درجة من القوة، والحق أن بلادك ليست أضعف من جو الشرقية والغربية، إن السبب في تراجع تشين عن مهاجمة هاندان وتخطِّي كلٍّ من جو الشرقية والغربية لمهاجمتك، يكمن في تصوراتها بأنه من السهل إخضاعك والسيطرة عليك، فلا بد أن تُدرك أن مثل هذه [الطراوة] والتخاذل والضعف كفيلة باستجلاب محاولات الهجوم عليك (أما آن لجلالتك أن تفهم ذلك بعد؟)»
لمَّا عقد ملك وي العزم على مهاجمة
عقد ملك وي العزم على مهاجمة هاندان، فلمَّا علم بذلك «جيليان» [أحد مواطني وي] وكان في الطريق لقضاء بعض شئونه، استدار عائدًا، وقصد إلى ملك وي لمقابلته، (حتى قبل أن يغسل رأسه مما علق به من غبار الطريق أو أن يُنظف ثيابه، ويتهيأ للقاء بما يليق) ثم إنه قال لجلالته: «كنت، يا مولاي، وأنا عائد إلى بيتي، لقيتُ رجلًا على الطريق يسوق دابَّته متجهًا ناحية الشمال، وحدث أنه تكلم معي، قائلًا لي: «أنا قاصد الذهاب إلى دولة تشو.» … فقلت له: «فما الذي يدعوك إلى الاتجاه شمالًا، ما دمت ذاهبًا إلى تشو؟» فأجابني: «لأن عندي حصانًا قويًّا وأصيلًا.» فقلت له: «حتى لو كان جوادك قويًّا، فليس هذا بالطريق المؤدي إلى تشو.» … فأجابني: «قد حملت القدر الوافر من مصاريف السفر.» فقلت: «مهما كانت مصاريفك وافرة، فهذا في الأساس، ليس هو طريقك إلى تشو!» فأضاف، قائلًا … «معي حوذي، ابن طريق وسفر، يقودني خلال الطريق.» … «كل هذا رائع وجميل … لكن الملاحظ أنك كلَّما أحسنت الإعداد، تباعدت كثيرًا عن دولة تشو.»
إن كل تصرفاتك، يا سيدي، تومئ إلى أنك تريد تأسيس إمبراطورية كبرى، وتريد الفوز بثقة الممالك والدويلات جميعها، إلا أن الاستناد إلى قوة الدولة، وشدة بأس الجيش، في مشروع الهجوم على هاندان بهدف توسيع رقعة الأراضي وتسنُّم ذروة المجد، يبعث على الظن بأنه كلما استزدت من تلك الوسائل وتوسعت في التفاني والتفوق في توفيرها، تباعدت كثيرًا عن تحقيق غرضك الذي تسعى إليه. تمامًا مثل المسافر إلى تشو الذي (أعد عُدته بكل دقة، لكنه …) كلما صعد شمالًا، تناءى عن الغاية.»
لمَّا تحدث جوشياو إلى كبير وزراء
تحدث «جوشياو» [كبير وزراء وي] إلى «قونطا» [كبير وزراء جو] فقال له: «أبلغ ملك تشي عني بأني أرغب في أن يتم تعييني وزيرًا (من الخارج) لدى بلاط «تشي» [كما تنطق في (كراتشي)] عسى أن تُزكيني دولة تشي في الترقي إلى سلطة مرموقة في دولة وي.» فقال له «قونطا»: «ليس هذا بالقول السديد، ولا يكون الأمر هكذا أبدًا؛ لأنك بهذه الطريقة تكشف لدولة تشي تدني مكانتك في وين، وتُبرز مدى انحطاط شأنك. ولا يمكن لبلاط تشي أن يُوصي بترشيح رجلٍ تنقصه الثقة لتفسد حظ رجلٍ آخر هو محل تقدير واعتبار، والأفضل من ذلك أن تعطي انطباعًا بأنك أهل لثقة دولة وي ومحل اعترافها بما لك من مزايا ومواهب، ومن ثم تقول للطرف الذي يُهمك ما نصه: «وأحيط جلالتكم علمًا بأني على استعداد وثقة بأن استخدام نفوذي لدى البلاط الحاكم في وي للاستجابة الفورية لما تنشدون من ملك وي تحقيقه أو النظر فيه، من طلبات.» وهنالك فسيحاول ملك تشي مساعدتك بكل تأكيد، ويُصبح لك في البلاط الحاكم هناك خير عون على إنجاز آمالك، وهو ما سيدعو دولة وي — بالتالي — إلى تعظيم قدرك فتمنحك الثقة والاعتبار.»
لمَّا كان جوتسوي منحازًا إلى جانب دولة
كان جوتسوي منحازًا إلى جانب تشي، في حين كان تيشنيان مواليًا لدولة تشو، ثم إنهما أرادا أن يُلطخا سمعة تشانغي لدى ملك وي وأن يقدحا فيه بذمِّه وذِكر معايبه، فلما عرف تشانغي بذلك، أرسل أحد تابعيه ليقف (حاجبًا) دون باب الملك على أن يُراقب الداخلين والخارجين من عند جلالته، وهكذا تخاذل مُبغضو تشانغي عن التشنيع عليه لدى القصر.
لمَّا قصد جوتسوي إلى بلاط تشي
ذهب جوتسوي إلى بلاط تشي، فاستشاط ملك تشين غضبًا، وأوفد «ياوجيا» إلى ملك وي يُؤاخذه بما جرى، فكان جواب ملك وي على حاكم تشي، كالتالي: «إن الوسيلة الوحيدة لإبلاغ الدويلات والممالك بمجريات الأمور والأحداث (بالإنابة عن جلالتكم) كانت عبر جوتسوي نفسه، أما وقد غادر أرضنا وذهب إلى دولة تشي، فلن يتَّصل نبأ أو خبر، بواسطتها، إلى الممالك. ونودُّ أن نُحيطكم علما بأنه لم يكن لدولة تشي أن تعوقنا، بأي حال، عما نحن بصدده من الخدمة لكم والاعتراف بطاعتكم. وإذا بَدَا لدولة تشين أن تدفع قواتها لمهاجمة تشي، فليس عليها إلا أن تحث جاو على الامتثال لهذه الخطة [لا أكثر ولا أقل].»
لما قام التحالف بين تشين، ودولة وي
قام التحالف بين تشين ودولة وي، فاتفقت دولة تشي مع تشو على ضرب وي، فأسرعت هذه بطلب النجدة من تشين، وعلى الرغم من أن وفود المراسلات بين وي وتشين (لأجل هذا الغرض) ظلت تروح وتجيء بلا انقطاع [حرفيًّا: برغم أن الرايات والأعلام الرسمية فوق عربات السفراء كانت بادية للعَيان على طول الطريق بين البلدين …] فإن تشين لم تُحرك ساكنًا، ولا وجهت تشكيلًا واحدًا من قواتها.
وكان في دولة وي رجل يدعى «طان تشي» قد تجاوز عمره تسعين عامًا، فجاء هذا الشيخ إلى ملك وي، وقال لجلالته: «إن خادمك الأمين يقصد الإشارة إلى نفسه بضمير المتكلم] يرجو السماح بالسفر جهة الغرب؛ لأحاول إقناع ملك تشين (بالتحرك لأجلك) بدفع قوات الإنقاذ السريع، أفتأذن لي في ذلك؟» فوافق الملك على طلبه وجهز عربة أقلَّته في سفره، وخرج مودعًا له على الطريق، وما كاد طان تشي يلتقي بملك تشين حتى بادره جلالته بقوله: «قد تحملت عناء السفر ووعثاء الطريق، ومُنتهى الجهد حتى وصلت إلينا، فلا بد أن الإرهاق قد بلغ منك مبلغه. (كل ذلك لحثنا على التحرك للإنقاذ، والحقيقة …) إن دولة وي قد أرسلت لنا كثيرين طلبًا للتدخُّل (إنقاذًا لها). ولا أنكر مدى دقة وحرج الموقف في بلادكم.» فرد عليه طان تشي قائلًا: «إذا كنتَ تدرك مدى دقة الموقف دون أن تتحرك للإنقاذ؛ فهذا دليل على ضعف رجال التخطيط في بلادك، ثم إن دولة وي تملك أكثر من عشرة آلاف عربة عسكرية، فهي ليست بالبلد الهين، وهي تعد نفسها دولة تابعة لكم في الشرق، تفخر بهذه الرابطة وتتعلم الكثير من أساليبكم الراقية، وتحرص على الحضور في كل عام، كلما حانت مناسبة «الربيع والخريف» لإرسال التقادم والقرابين، وتعتبر أن الاستناد إلى قوة ومكانة وهيبة تشين يكفي — بحد ذاته — لتقرير معنى التحالف معكم وإرساء بنيانه، وها قد أوشكت قوات الدولتَين المعتدِيتَين تشي وتشو على الدخول إلى مشارف العاصمة، دون أن تصلنا قوات الإنقاذ من طرفكم. فإذا انعقدت الأحوال وتأزم الموقف بالنسبة لنا فسوف نتنازل عن أجزاء من الأراضي للدولتَين المذكورتَين (لتسوية الأمور معهما) وساعتئذٍ، سيكون الوقت قد أفلت دون اللحاق بالكثير، ولن يجدي نفعًا أن تتحرك وقتها لإنقاذنا. وسيكون معنى ذلك أنك خسرتَ حليفًا ذا تسليحٍ وافر [عشرة آلاف عربة عسكرية] بل دعمت قوة دولتَين عدوتَين هما تشي وتشو، وكم أشعر، شخصيًّا بضيق أفق وقلة خبراء التخطيط عندك.»
أما ملك تشين فقد عبَّر عن أسفه العميق، ثم إنه أمر بدفع القوات على الفور، على أن تُرسَل في أرتال متلاحقة (لا يخلو منها الطريق، لا تنقطع دونها دورة الليل والنهار.)
وما كادت تبلغ أنباء ما حدث إلى أسماع تشي وتشو حتى سحبتا جيوشهما وعادتا من حيث جاءتا، وما كان لدولة وي أن تنجو من الخطر المُحدق بها يومئذٍ، إلا بفضل ما تكلم به طان تشي.
لمَّا قام سمو الأمير باغتيال جين بي
قام «شين أولينغ» بقتل «جين بي» فأنقذ مدينة هاندان، ورد دولة وي على أعقابها وحامَى عن دولة جاو، فأقبل على جلالة الملك (ملك جاو) وكان قد أتى إليه، على وجه الخصوص، من ظاهر البلد، فتكلم طان تشي إلى شين أولينغ، قائلًا له: «قد بلغني أن من الأمور ما لا يمكن إدراكه، ومنها ما لا يمكن إلا الوقوف على كنهه؛ وبلغني أيضًا أن من الأشياء ما لا يمكن نسيانه ومنها ما لا بد من نسيانه.» فسأله شين لينغ: «وماذا تقصد بذلك؟» فأجابه: «أن يبغضني الناس ويمقتوني، فهذا أمر لا سبيل إلى تجاهله وعدم إدراك كنهه، أما كراهيتي للآخرين، فهذه مسألة ربما لا يعرفها أحد، فلا سبيل إلى إدراكها. بالطبع؛ أما ما لا يمكن نسيانه، فهو ما تفضل به الآخرون عليَّ من الإحسان والفضل العميم؛ وما لا بد من نسيانه فهو ما تفضلتُ به على الآخرين.
أما وقد قتلت «جين بي»، وأنقذت مدينة هاندان من الاحتلال، وهزمت دولة وي ودفعت عن دولة جاو شر المخاطر فهذا هو أعظم الفضل والعطاء، وإذ يُقبل عليك ملك جاو بنفسه من ساحة المواجهة على مشارف البلاد، دون أن يخطر ببالك أن تحظى بمثل هذا التشريف، فهذا أمر ينبغي عليك أن تنسى ما لك فيه من أيادٍ بيضاء وبذل كريم.» فأجابه شين لينغ، قائلًا: «بل مما يشرفني أن أتلقى عنك النصح والإرشاد.»
لمَّا قامت دولة وي بمهاجمة دولة
قامت دولة وي بمهاجمة دويلة «قوان» [إحدى الدويلات التي كانت مجرد تابعة لدولة تشين، قديمًا] لكنها لم تستطع التغلُّب عليها، وكان بإمارة آنلينغ [أحد الأقاليم التابعة لدولة وي] رجل يدعى «صوقاو»، وكان ولده يتولَّى الحراسة في دويلة قوان، ثم إن (الأمير) شين لينغ أرسل الوالي على إقليم أنلينغ وقال له: «أرسل لنا «صوقاو» وسوف أُعينه في منصب مرموق، وأكفل له الترقي في سلك الضباط العظام [من حاملي الدرجات والأنواط]: فرد عليه الوالي قال: «إن إقليمنا مجرد بلد صغير، لا يقوى على إرغام مواطنيه تجاه قبول أو رفض أي شأن من الشئون، ولا نستطيع أن نُجبر الناس على سلوك ما، فليمضِ رسولك ما شاء له أن يمضي، وليذهب بنفسه إلى صاحب الشأن، وكل ما أستطيعه هو أن أبعث معه من يدلُّه على مسكن صوقاو، كي يتسنَّى لي الرد بالإفادة على ما ورد إلينا منكم في هذا الخصوص.» وقال صوقاو في رده: «(أرى أيها الأمير) أنك تُجل شأني وتُعظِّم مكانتي وتثق بي، إذ تكلفني بمهاجمة إقليم «قوان»، إلا أنه من المثير للفكاهة والطرافة أن يقوم الأب بمهاجمة الإقليم الذي يتولى ابنه حراسته؛ ثم إنه لو قُدر لابني أن يتنازل عن الإقليم الذي يحرسه فستعد تلك خيانة لسيده الحاكم الأعلى، كما أن محاولة الأب في حث ولده على خيانة سيده لن تكون محل تقدير سموكم، فاسمح لي بالاعتذار مع جزيل الشكر.»
الجزء الثاني من الفصل نفسه
فلمَّا نقل الرسول وقائع ما حدث إلى سمو الأمير شين لينغ ثار غاضبًا وأرسل مبعوثًا خاصًّا إلى آنلينغ، بما مفاده: «إن أرض آنلينغ مثل أرض دولة وي تمامًا (وما يصح على هذه يتوجب على تلك …) وقد حاولت مهاجمة منطقة قوان، لكنها استعصت عليَّ مما يوقع بي تحت تهديد دولة تشين، فيتعاظم الخطر المُحدق بالبلاد، فأرجو إرسال صوقو إليَّ (حيًّا وموثقًا بالحبال، إذا أمكن) فإذا لم تفعل فسوف أسلط عليك مائة ألف مقاتل ينزلون حول أسوارك.» فرد عليه الوالي وقال له: «قد تسلَّم سمو الأمير الذي أعمل تحت إدارته مرسومًا ملكيًّا صادرًا عن جلالة الملك «شيانغ» (حاكم وي) بشأن الحراسة على هذه القطعة من الأرض [هكذا] وقد استلمت نسخة من المرسوم الإداري الذي تنص أول فقرة منه على أنه «يُعاقب بمواد يحدِّدها القانون على نحو قاطع، كل ابن يقتل أباه، وكل وزير أو مسئول يغتال مليكه، ولا يمكن صدور أحكام بالعفو في هذه الجرائم، مهما صدرت أحكام عامة بالعفو العام في هذا البلد، علمًا بأنه لا يجوز أبدًا أن يشمل العفو الحالات التي تقع تحت طائلة هذا المرسوم، حتى في الأحوال التي تُصاب فيها البلاد باضطراب ناجم عن الغزو أو الاحتلال وما قد يصيب الأهالي من جراء ذلك من انتقال أو هجرة أو تشريد.»
ثم إن صوقاو قد تنحَّى عن وظيفته حرصًا على قيمة ما يربطه بولده من معانٍ ومبادئ أخلاقية كبرى، ومع ذلك فقد أرسلت لي تقول: «لا بد من مجيئه إليَّ حيًّا، سليمًا يتنسم الحياة.»… وهو ما يضعني أمام مسئولية مخالفة المرسوم الملكي مما يُخل بمهمتي في الحفاظ على فاعلية وسريان القانون، وهو ما لن أقترفه أبدًا حتى لو أزهقت روحي.»
الجزء الثالث من الفصل نفسه
فلمَّا علم صوقاو بهذا الأمر، فيما بعد، قال «من الواضح جدًّا أن شين لينغ يتسم بالعناد والقسوة، فإذا بلغه مثل هذا الرد فقد تنجم عن ذلك مخاطر جمة تمس استقرار البلاد، ولئن كنت قد تصرفت بأمانة وعدل فيما يختص بولدي، فليس أقل من أن أراعي حق الأمير أيضًا؛ إذ لا يصح أن أكون سببًا فيما يمكن أن أجلبه على مليكنا من أزمات ومخاطر.» ثم إنه قام وذهب إلى مقر المبعوث، فما كاد يصل إليه حتى انتحر (بقر بطنه بخنجره)، فلما عرف الأمير شين لينغ بوفاة صوقاو (على هذا النحو) ارتدى ثياب الحداد [حرفيًّا: ارتدى الثياب البيضاء وغادر مقر العمل الرسمي، ثم أوفد إلى الوالي في أنلينغ خطاب اعتذار، نصه كالتالي: «لا تؤاخِذني على ما بدر مني، لئن كنت قد أخطأت في حقك أو أفلتت مني كلمة مُستهجنة، فإني أعترف بأني تجاوزت حدود الشهامة والأدب، على أني انغمستُ في الشأن السياسي بما أربكني وأفقدني صوابي، فتقبل ما أُبديه لك من الاعتذار مُجددًا.»
لمَّا كان ملك وي بصحبة وزيره المُقرب
كان ملك وي يركب القارب مع وزيره المقرب إليه «لونيانغ» يتنزَّهان في رحلة صيد، ثم لمَّا بلغت حصيلة صيد لونيانغ بضع عشرة سمكة، إذا به ينخرط في البكاء، فسأله الملك: «هل ثمَّ أمر يُنغص عليك حياتك؟ إذا كان ثمَّ ما يُشقيك، فلماذا لا تبوح إليَّ بما في طوايا صدرك؟» فأجابه الوزير: «معذرة لما أثقلت عليك به من اكتئابي.»
فقال له الملك: «فلماذا تبكي إذن؟» فقال: «بكيت لأجل السمك الذي اصطدته.» فسأله الملك: «عجبًا لما تقول، كيف يكون الأمر بسبب ذلك؟» فأجابه: «كنت في بدء الصيد فرحًا منشرح الصدر، لكني وقد تضاعف عدد السمك لديَّ وكبر حجمه، أُفكر جديًّا في أن أُلقي في الماء ما كنتُ قد اصطدته في أول الأمر.
وعندما أتأمل الأحوال أجدني قد استطعت أن أكون خادمًا مفيدًا لجلالتك في أول الأمر، وبرغم ما اعتراني من جهل وسذاجة وقُبح [هكذا] فقد كنتَ تعتمد عليَّ في أدق شئونك حتى إني كنت أهيئ لك فراشك ووسادتك وأنفض ما ران عليها من الغبار والأتربة، أما الآن، فقد بلغت من الجاه والرقي ما لا مزيد عليه، حتى إني إذا مشيت وسط ردهات القصر هرع الناس من أمامي فابتعد الماشي سريعًا وتنحى الراجل عن الطريق، لكن البلاد ملأى بمن هم أجمل شكلًا وأكثر وسامة بين البحور الأربعة [هكذا، حرفيًّا: بمعنى: بين الممالك كافة] ولا بد أنهم عندما يعرفون أني صرت الوزير المقرب من جلالة الملك، فسيأتون إلى جلالتك يركعون عند أعتابك ويرفعون لك أيدي التعظيم والتأييد والإكبار، (وساعتئذٍ، ستجد من بينهم من يفوقني في المزايا …) فتفعل بي كما فعلت في السمك الذي اصطدته أول الرحلة، حيث تُلقي به خارج القصر، فكيف يصير حالي وقتئذٍ، وكيف أسكت ولا أغتمُّ؟» فقال له الملك: «بل جانبك الصواب، وكان أولى بك أن تُخبرني بهذا الأمر، فلماذا لم تقل لي (منذ البداية)؟»
فمن ثم أصدر ملك وي قرارًا ملكيًّا جاء فيه … «كل من يجسر على أن يُفاتح جلالته في موضوعات تتعلق بالجمال أو (تتطرق إلى الحسن والملاحة والوسامة) فسوف يهلك وتقتل عشيرته عن آخرها.»
الجزء الثاني من الفصل نفسه
وهكذا نلاحظ أن الذين توطَّدت مكانتهم لدى الملك قد توطنت أيضًا، في آذان جلالته كلماتهم المعسولة ورسخت رسوخ الحجر الصوَّان، لكنهم استطاعوا أن يغلفوا تزلُّفهم وتملقهم ببراعة شديدة، فكيف يمكن بعد اليوم، لأولئك القادمين من أقصى الأرض أن يحظَوا بمكانة قريبة من جلالته، مهما تفوقوا في حُسن السمت والهيئة ووسامة القسمات، وحتى لو افترضنا أن الذين امتازوا بهذه الصفات قد وجدوا مكانةً قريبة من الملك، فكيف يمكن استغلال مواهبهم أو الاستفادة منها؟ خصوصًا إذا أضفنا إلى ذلك أن «الراسخين في التقرُّب» إلى جلالته، من ذوي الموقع المكين لديه، كثيرًا ما يتباغضون ويتصارعون فيما بينهم، فلستُ أرى ذلك كله إلا نذير الشر، لا بُشرى الخير، ولست ألاحظ إلا المرارة والشكوى، لا الخلق الأسمى والسمت النبيل. وبعد، فلا يمكن أن تكون تلك هي الطريقة المُثلى في تطبيق ما تعلَّمه المرء من الحكمة وما اكتسبه من البصيرة.
لمَّا قامت تشين بتكثيف الهجوم ضد دولة
قامت تشين بتكثيف حملتها الهجومية ضد دولة وي، فذهب إلى ملك — هذه الأخيرة — من قال له: «إن المساومة بالتنازل عن أجزاء من الأرض أسهل كثيرًا من فقدانها بسبب الهزيمة، والتنازل عن الأرض، يُعد أيضًا، أيسر كثيرًا من أن تُصبح مقبرة للأحياء على إثر حصار لا فكاك منه.
أما أن يدع المرء أرضه تضيع منه دون أن يملك المساومة عليها (تقديمها كرشوة [هكذا حرفيًّا)]، أو أن يجعلها مقبرة للأحياء (المُحاصرين) دون أن يتمكن من التخلي عنها (بإرادته) فهذا خطأ جسيم.
وقد فقدت، يا مولاي مئات الأميال [اﻟ «لي» حرفيًّا] من أرضك، بالإضافة إلى عشرات المدن والمحلات من بلدك، ولما تزل الكارثة التي حاقت بك جاثمة على الصدور لا مخرج منها، والسبب في هذا أن جلالتك تركت الأرض تضيع دون أن تحاول استخدامها والاستفادة منها.
إن دولة تشين قوية جبارة، ليس لها على الأرض من يقدر على مواجهتها؛ ولم يعُد لها أعداء أو منافسون، أما دولة وي، فضعيفة للغاية، (فبسبب سوء تقدير الموقف) كنت أنت الذي جلبت على بلدك هجوم تشين، ثم إنك لم تزد سوى أن جعلت أرض بلادك مقبرة للأحياء فوقها، دون أن تفكر في التنازل عنها، فكان ذلك من أفدح الأخطاء على الإطلاق، فإذا رأيت أنه من الممكن تطبيق ما أقترحه عليك من خطط، فاعلم أن فقدان أجزاء محدودة من الأرض لا يعني ضياع الوطن كله، كما أن التواضع، وتقليل المرء من شأن نفسه ليس مساويًا، بأي حالٍ لتعذيب الجسم وإيذاء البدن. ثم إن تصفية أجواء الخطر نوع من ردِّ الصاع بصاعٍ وإزالة أسباب المرارة والألم.»
الجزء الثاني من الفصل نفسه
إن كل فرد في دولة تشين، سواء من أماجد القوم من الوزراء، أم من العامة والدهماء [الحوذيين وسائسي الخيل] يتساءل: «هل جلالة الملك يفضل آل «لاودو»، أم أنه يميل أكثر إلى آل «ليوبوي»؟» ذلك هو ما يفكر فيه الناس ويتساءلون عنه فيما بينهم وبين أنفسهم، سواء كانوا من المارة في الأزقة والحواري، أم من المُتجولين في فناء القصر الملكي.
(وأرى) أن تتنازل عن أجزاء من الأرض مرضاة لدولة تشين وسعيًا لمساومتها، بحيث تمنح هذه الأرض ﻟ «لاودو» إكرامًا لخاطره وإعزازًا لشأنه، وإذ تتواضع إلى هذه الدرجة (وتُقلل من قدر شأنك) اعترفًا بمكانة وطاعة دولة تشين، فإنك تضع رهانك على لاودو، الذي يستمد منك الدعم والتأييد بما تمنحه إياه من أرضك، وحينئذٍ فلا بد أن سهمه (في المنافسة) سيرجح على غيره، هذا بالإضافة إلى أن جلالة الملكة (الأم) سوف تذكر لك صنيعك — مع لاودو — بكل الامتنان والتقدير والعرفان، عرفانًا [يرسخ في عظام الآدمي (هكذا حرفيًّا)] ويعود عليك بالود والمُصافاة وجزيل الصلة، بالدرجة التي لم يبلغها أحد غيرك في الممالك كافة.
ولئن كانت العلاقة بين وي وتشين قديمة، والصلات بينهما معتادة ودائبة، فإنها صلة الغش والخديعة، وعلاقة الخداع والمكر والريبة.
لكنك بما تصنعه مع لاودو، وما تكسبه من الود والصداقة مع تشين، تفوز بأفضل مستوى للعلاقة معها، وسط الأمم، لدرجة أن الكل سوف ينبذ «ليوبوي» ويتحزب ﻟ «آل لاودو»!
وإذ ينحاز الجميع إلى لاودو، وينبذون الآخر المذكور آنفًا، تكون جلالتك قد أخذت بثأرك وشفيت غليلك.»
لمَّا أرسل ملك تشين إلى سمو الأمير
أرسل ملك تشين إلى أمير آنلينغ، يقول له: «نحن على استعدادٍ لأن نتنازل لكم عن خمسمائة ميل (لي) من الأرض مقابل استرداد آنلينغ، فهل تعِدني — من حيث المبدأ وبشكل عام — على الوفاء بهذه المساومة؟» فأجابه الأمير، قائلًا: «إنه لأمر طيب جدًّا وكرم بالغ من جلالتكم أن تمنحونا تلك المساحة الهائلة من الأراضي مقابل إقليمٍ ذي مساحة محدودة، وعلى الرغم من ذلك فإن الأرض التي في حوزتنا أمانة تسلَّمناها … من سادتنا الملوك المُعظمين، وسوف نقوم على حمايتها أبد الآبدين، ولن نُسلمها بشيء على الإطلاق.» ولم يكن الرد على ما يرغب ملك تشين، فاغتمَّ له. ثم إن أمير آنلينغ أوفد «طان تشي» إلى دولة تشين، فلما وصل إليها، قابل جلالة الملك الذي ابتدره قائلًا: «ما الذي يجعل أمير آنلينغ يرفض ما عرضته عليه من مبادلة إقليم آنلينغ بخمسمائة ميل من الأراضي؟ إننا ما أبقَينا على سمو الأمير فوق أرضٍ لا تزيد مساحتها عن خمسين ميلًا، على الرغم من أننا دمرنا دولة هان وأهلكنا دولة وي، إلا لأننا نعد سموه شيخًا وقورًا مهيبًا وافر الشهامة والإخلاص، فلذلك أغضَينا عنه الطرف، والآن فإني أعرض عليه عشرة أضعاف (ما لدَيه) لكي أوسع منطقة النفوذ، إلا أن سموه يأبى إلا أن يُعارض خُطتي ويعرقل محاولاتي، فهل يقصد بذلك إهانتي والنيْل من شأني احتقارًا لي وجرأة عليَّ؟» وهنالك أجابه «طان تشي»، قائلًا: «لا، أبدًا، لا أظنه ينطلق في موقفه من هذا الاعتبار عنها ولا يستطيع مبادلتها حتى بأرض تفوقها عشرات الأضعاف مساحة.» فثار الملك غاضبًا، وقال لمُحدثه: «هل سبق لك أن سمعتَ عما يفعله الملك، ابن السماء، إذا استولى عليه الغضب؟» فأجاب طان تشي: «لم أسمع بشيءٍ عن ذلك من قبل.»، فقال الملك: «إذا غضب ابن السماء، تناثرت أشلاء الجثث في كلِّ مكان، وسالت الدماء أنهارًا.» فقال له طان تشي: «وهل سمعتَ جلالتك عما يحدث إذا غضب الناس، وحمِيَت سورة العامة والدهماء؟» فأجابه الملك: «إذا غضب الدهماء لا يفعلون شيئًا سوى أن يخلع الواحد منهم قُبعته ونعلَيه ويضرب الأرض برأسه.» فقال طان تشي: «ذلك غضب الجبناء وليس الشجعان، عندما قام جوانشو باغتيال الملك «لياو» [ملك دولة «أو» قديمًا] شاهد الناس شهابًا لامعًا يشقُّ كبد السماء ويظل بضوئه نور القمر. وعندما قام «نيجين» باغتيال «هانكوي» [رئيس وزراء دولة هان]، شُوهد قوس قزح وقد اخترق دائرة الشمس. ولمَّا عمد «ياو لي» إلى «تشنجي» وقتله، شاهد المارة النسور والعقبان تتقاتل، لأول مرة، فوق القصر الملكي، فهؤلاء الثلاثة، من الشجعان الذين خرجوا من بين صفوف الناس البسطاء العاديين الذين كانت صدورهم تغلي بالغضب وهم لائذون بالصمت، حتى نزل نذير السماء، وإذا عددتني، رابعهم، فأنا لها، لو أردتَ حقًّا أن تُثير غضبتي؛ لأني سأنثر على هذه الأرض تحت قدميك أشلاء جثتَين، تقطر منهما الدماء فتسيل أمتارًا، فيرتدي الناس ثوب حداد، هم الآن جاهزون له بل الساعة، وليكن ما يكون.» وقام واقفًا طان تشي، فنزع سيفه، فامتقع وجه ملك تشين، فنهض واقفًا وهو يعتذِر اعتذارًا جميلًا، قائلًا: «على رسلك يا سيدي هلَّا جلست وهدَّأت من روعك ما الذي يدعوك إلى مثل هذا الانفعال، قد فهمت قصدك، وقد فات ما فات من ضياع دولة هان وهلاك دولة وي، وهذا أمير آنلينغ يبغي الحفاظ على ما في حوزته من الأرض التي مساحتها خمسين لي، وله ذلك، لأجل خاطرك على كل حال.»