سجل هان الأول
لمَّا قامت الدول الثلاث بالقضاء على
قامت الدول الثلاث، هان، ووي، وجاو بالقضاء التام على «جيبو» [أحد رجال الحكم] وقسموا أرضه فيما بينهم، وتكلم «طوان قوي» [أحد رجال التخطيط السياسي بدولة هان] إلى ملك هان، فقال له: «عند اقتسام الأراضي، حاول جهدك أن تنتزع لنفسك أرض تشنغ هاو» فقال له الملك: «بل هي أرض صخرية لا تجري فيها الأنهار، فما فائدتها بالنسبة لي؟» فقال مُحدثه: «ليس الأمر على هذا النحو يا سيدي؛ فقد بلغني أن أرضًا مساحتها لي واحد من الممكن أن تفوق أرضًا أخرى مساحتها ألف لي لمجرد أن مزاياها الطبيعية أفضل وأوفر، وإن من الأمثلة على ذلك من واقع الصراعات بين البشر أمثلة كثيرة، فقد تستطيع جمهرة أو حشد من الناس قوامه عشرة آلاف فرد صد ثلاثة جيوش وهزيمتها، وهذا — بالطبع — مثال خارق للعادة، ولئن أخذت بنصيحتي يا مولاي، فسوف تستطيع، في آخر المطاف، الحصول على أرض دولة «جنغ» بالكامل.»
فوافقه الملك على رأيه، وحصل على أرض تشنغ هاو، وكانت هذه هي نقطة البداية التي سارت في خط مستقيم حتى بلغت الهدف الذي تحقق بالاستيلاء على «جنغ».
لمَّا سافر رئيس وزراء جاو إلى دولة
وصل «طاتشن هو» [رئيس وزراء جاو] إلى دولة هان قادمًا من بلاده، ثم إنه التقى ﺑ «شن بوهاي» [أحد المسئولين في دولة هان] وقال له: «ليتك تطلُب إلى ملك هان أن يَذكُرني بالإعجاب والتقدير عند دولة جاو، واسمح لي (بالمقابل) أن أكلم ملك جاو ليتحدث عنك بكل خير أمام ملك هان، وبهذا تكون كمن قبض بيدِه على زمام سلطتَين في دولة هان، وكأني أخذت بعنان منصِبَين في دولة جاو.»
لمَّا قامت دولة وي بحصار هاندان
قامت دولة وي بحصار مدينة هاندان التابعة لدولة جاو، وأراد «شن بوهاي» أن يُقيم تحالفًا بين إحدى هاتين الدولتَين ودولة هان، لكنه لم يكن يعرف تصور ملك هان لهذه المسألة، فلربما لم تكن تتوافق مع أهدافه وخططه، وحدث أن ملك هان توجَّه إلى شن بوهاي بسؤال مباشر، قائلًا: «مع أي البلدين يمكن أن أتحالف؟» فأجابه: «تلك مسألة دقيقة تتعلق بأمن الوطن وسلامته، ومثل هذه الأمور ذات الدرجة القصوى من الخطورة والأهمية تتطلب مني التأمل الدقيق.» ثم إنه تحدث سرًّا، إلى كل من «جاوجو» و«هانشاو» [من كبار وزراء دولة هان قائلًا: «أنتما من أعقل الناس وأحسنهم منطقًا وأفصحهم بيانًا، ثم إنكما من كبار رجال الدولة الذين يؤخَذ بنُصحهم بغير جدال خصوصًا وأنكما أشد الناس إخلاصًا وتفانيًا.» وذهب الرجلان إلى الملك، وتحدث كل منهما وسْعَه حول الموقف من القتال مع جاو ووي — من مختلف جوانبه — وقدَّما إليه النصح المناسب (من وجهتَي نظر مختلفتَين) وكان شن بهواي ينصت سرًّا إلى الحوار بين ثلاثتهم، ولاحظ الجوانب التي لاقت استحسان جلالته، فذهب إليه، وقدم له الرأي (مشتملًا في ثناياه على الجوانب التي يمكن أن تلقى قبول جلالته) وبدت على الملك علامات السعادة والرضا.
لمَّا تقدم شن بوهاي بطلب لتوظيف
تقدم شن بوهاي برجاءٍ لتوظيف أحد أبناء عمومته في إحدى الوظائف الرسمية (بالقصر) إلا أن النبيل هانشاو لم يلتفت إلى طلبه، فحقد عليه وأضمرها له، فقال هانشاو: «ليس هذا ما تعلمته على يدَيك من فنون الإدارة السياسية، أتريد أن أجيبك إلى (طلب التوظيف) وأخالف المبادئ التي علمتني إياها؟ أم تفضل أن ألتزم بالمنهاج الصحيح وأخالف طلبك؟ إن لك الفضل في تلقيني أسرار العمل، فالدرجة الوظيفية تتحدَّد على أساس الجدارة، فكيف تريدني أن أتصرف الآن، وإلى أي جانب أنحاز؟» فقام شن بوهاي وانصرف وهو يعتذِر إليه، قائلًا: «بل إنك مثال رائع للوعي والالتزام كما كان ظنِّي بك دائمًا.»
لمَّا ذهب سوتشين إلى ملك هان
ذهب سوتشين إلى ملك دولة هان في محاولة لإقناعه بمشروع دولة تشو لإقامة التحالف الرأسي، فقال لجلالته: «في شمال بلادكم تقع مجموعة من المدن الحصينة مثل «قون»، و«لوا» و«تشنغ هاو»، وفي الغرب تقع «إيانغ» و«تشانبان»، وهي مناطق ممرات حصينة على الحدود، وإلى الشرق تقع مناطق «يوان»، ورانغ»، و«نهر وي»، ويوجَد في الجنوب جبل «جين» بالإضافة إلى المساحة الهائلة التي تحوزها بلادك، ومقدارها ألف لي مربع، وعدد وافر من المُقاتلين لابسي الدروع مقداره مائة ألف جندي. هذا بالإضافة إلى أن أفضل أسلحة الميدان وأشهرها وأمضاها تُنتجها بلادك، وبخاصة السهام والأقواس ويكفي أنكم تصنعون بأرضكم أشهر أنواع الأقواس على الإطلاق مثل «شي تسي» [نسبة إلى إحدى الولايات الجنوبية القديمة] و«شاوفو» [نسبة إلى وحدة إدارية]، و«شيلي» [تسمية تعنى السهم ذي القوة المُضاعفة]، و«جيوشو» كلها تمتاز بمقدرتها على إطلاق الأسهم إلى مدى يتجاوز ستمائة قدم، بالإضافة إلى أنها تمكن المقاتل من التسديد والرمي بما بلغ مائة سهم على التوالي أثناء الجري مع دقة تسديدٍ في منطقة الصدر، عند الرمي من مسافة بعيدة، أما عند الضرب من مسافة قريبة فيمكن للرامي التسديد في القلب مباشرة، ومن المعلوم أن جُندكم يحملون أمضى السيوف التي أصبتم شهرة ذائعة بصناعتها بين الدول كافة، حيث انتشرت مناطق إنتاجها في أماكن متعددة بأرضكم مثل: «مينشان» و«طانشي» و«مواين» و«خابو»، بل إن ما تُبدعه يد الصناع في مناطق: «دنغ شي» و«يوان فنغ» و«لوانيوان» و«طايو» من السيوف والرماح (قد بلغت من حدة شفرتها ومضاء نصلها أنها يمكن أن …) تقطع أجساد الجياد والثيران (بضربة واحدة) [هذا بالنسبة لدواب البر، أما بالنسبة لما سبح في الماء، فهي] تستطيع أن تنخرط في أجساد كل ما حط على ظهر الماء وسبح في باطنه من سابحات البحر وطيور السماء، وهي فوق ذلك كله، السيوف القاطعة النافذة في المعافر والدروع في ساحات القتال. ومن المعلوم كذلك، أن دولة هان تملك العتاد الكافي من أقوى الدروع القتالية، والتروس وخوذات الرأس والزرديات، وخمائل السيوف، والسيور والأربطة التي تشد إليها الكمائن والرماح، بما يُمكِّن الجنود الذين انطلقوا بحماسة الشجعان إلى ميادين القتال، وقد ارتدوا الدروع وأطلقوا السهام أثناء عدوهم، وانتضوا السيوف القواطع من ملاقاة أعدائهم، فيغلب الواحد منهم مائة من أنداده. (وتلك مسألة معروفة للجميع والكلام فيها نافلة قول!)
لكن على الرغم مما حازته دولة هان من القوة — وما اشتهر به حاكمها (جلالتكم) من الحكمة والخلق الكريم — فها هي ذي تسعى للاعتراف بطاعة تشين وترضى لنفسها مكانة الدولة التابعة في الجانب الشرقي، وتمد المساعدة، لتبني المنشآت الملكية وتُرمم القصور الفخمة لبلاط آل تشين وتتبنى سياساتهم ونظمهم وأفكارهم، وترسِل لهم في مناسبات القرابين المقدسة التقادم والهدايا، وتخفض لهم عنق الخضوع وجناح الطاعة، فتجعل من نفسها هزأة الأمم، وهدفًا لسخرية الناس في كل البلاد، فيا للأسف ويا للخسارة!
ومن ثم، فأرجو من جلالتكم إمعان النظر في هذه الأمور، إذ إن تسليمكم لدولة تشين بالتفوق والسيادة سوف يشجعها على أن تُطالبكم بالتنازل عن «إيانغ» و«تشنغ هاو» فإذا أذعنتم لمطالبها اليوم، فستطالبكم غدًا بما هو أكثر حتى يأتي يوم لا تجدون ما تُعطونها إياه من الأرض، فيتبدَّد لديها كل ما بذلتموه لها سابقًا من المآثر والأفضال العميمة، فينالكم من أذاها الشيء الكثير، ولأذكر جلالتك بأن أراضيكم مهما عظمت واتسعت، فلها حدٌّ تنتهي عنده ومدى لا تتجاوزه، لكن أطماع تشين ليس لها حدود معلومة، وهكذا فإن محاولة العمل على إرضاء طرفٍ لا يرضى وتلبية حاجاته التي لن تنتهي سوف تقود، آخر المطاف، إلى ما يُسمى ﺑ «استجلاب الكوارث والأحقاد والضغائن» لأنك ستجد نفسك (ذات يوم) وقد سُلبت منك أرضك دونما حرب أو قتال.
وقد سمعت قولًا مأثورًا، مفاده: من الأفضل للمرء عند الاقتضاء أن يكون منقار دجاجة من أن يكون إست بقرة، فما الفرق بين أن تذهب جهة الغرب حيث تعترف بطاعة تشين وتزكي سلطانها، وبين أن يتصوَّر ملك فاضل حكيم مثلك أنه قد توفرت له سمات النجابة وأسباب القوة التي تمدُّه بها مكانة تشين وشدة بأس جيوشها، ثم لا يكون له من الشهرة الذائعة وسط الممالك سوى أن يشار إليه بوصفه «إست بقرة»؟» وهنالك تغير وجه ملك هان من الغضب، ثم مدَّ ذراعه وضغط على سيفه ورفع رأسه، فتنهَّد عميقًا، وقال: «لن أكون خادمًا بعد اليوم، لدولة تشين، حتى لو أدى ذلك القرار إلى موتي، فاتْلُ على مسامعي وصايا ملك تشو، فأنا في صفك، سائر على دربك، بكل ما أملك.»
لمَّا ذهب تشانغي إلى دولة
سعى تشانغي لمقابلة ملك دولة هان لإقناعه بسياسة تشين إزاء التحالف الأفقي، فقال له: «إن أرض بلادكم مكشوفة للخطر، وشعبكم من ساكني الجبال، ولا يُغل حصادكم سوى الحبوب، ونادرًا ما تزرعون القمح، ولا يجد الناس ما يقتاتون به سوى القليل من الأرز والحبوب، وقد لا يجدون حتى النخالة، إذا أجدبت الأرض في أحد المواسم، هذا بينما تكاد مساحة البلاد لا تبلغ تسعمائة لي مربع، ولا يكفي مخزون الصوامع أكثر من سنتَين للاستهلاك العام من الغذاء، ولا أظن عدد المقاتلين — إذا تم تجميعهم بالكامل — يتجاوز ثلاثمائة ألف جندي بما فيهم المجندون من أصحاب الحرف المختلفة، والمتكسِّبون الرزق دون عمل ثابت على أننا إذا خصمنا من ذلك الرقم الإجمالي، المُجندين في حراسة الحدود والثغور والمنافذ الحدودية، لم يزد عدد المقاتلين الفعليين عن مائتي ألف جندي.
(أما على الجانب الآخر ﻓ …) لدى دولة تشين مليون مقاتل من لابسي الدروع (المتأهِّبين للقتال)، وألف مركبة عسكرية، وعشرة آلاف جواد، ثم إن مقاتلينا تتأجج نفوسهم بالشجاعة وتتواثب خطاهم إلى النصر، بل إن منهم من لم يرتدِ خوذة القتال، (من فرط الشجاعة والإقدام والجرأة أمام الموت …) ومنهم من غرس السهم في خدَّيه وهو يهز رمحه بيدَيه [هكذا] وهو ماضٍ إلى ساحة الحرب، ومثل هؤلاء من أفراس دولة تشين، ولا أغزر عدة وعتادًا من جيشها، كما أن لديها العدد الهائل من الجياد المدربة على القفز، بحيث تبلغ المسافة بين حوافرها الأمامية وساقها الخلفية، وهي راكضة ما قد يبلغ ثلاثة «شون» [مقياس صيني قديم يساوي ٢,٧٠متر]
وعندما يزحف نحونا جنود الدويلات الواقعة شرقي جبل «شي»، وهم في تمام عدتهم وكامل استعدادهم وقد ارتدوا الدروع وخوذات الرأس يريدون الحرب، فسيخرج إليهم رجالنا لملاقاتهم على الفور — ولو برءوس حسيرة وأجساد عارية — فيُمعنون فيهم قتلًا وأسرًا [حرفيًّا: ينقضون عليهم فيذبحون الرءوس باليد اليُمنى ويأسرون الأسرى باليد اليسرى!] فيصير حالهم مع جنود الدويلات الست (بإقليم شانتون) كمثل البطل الصمصام أبي الفوارس والساحة والحسام «منغ بن» مع فلول المهزومين الجبناء، فإذا حملنا عليهم بقسط وافر من العزم، أصبنا منهم مقتلة عظيمة، ووقع فيهم الفناء والبوار فكانوا كمثل الغلمان الصرعى على يد البطل المغوار «أواهوا».
وعندما نحمل على دويلات ترفض الاعتراف بسلطة وزعامة تشين مُستخدمين في ذلك أبطالًا على شاكلة أواهوا، ومنغ بن؛ فلن يتبقى من قوات تلك الدويلات إلا ما يمكن أن يبقى في عش الطائر الذي وقعت فوق أفراخه جلاميد الصخر ذات الأثقال (فكيف تفلت من مصيرها المنكود؟)
وكثيرًا ما تنسى الدويلات أن تتأمل أحوال قواتها، وتدرك مدى ضعفها، وقلة مدخراتها من الغلال، فتنخدع بمعسول لسان أولئك المُحرضين الداعِين إلى التحالف الرأسي، فتميل بآذانها إلى التمويهات الفارغة وأحاديث الزيف والأباطيل التي تضلل المتكلم والسامع معًا، بقولهم: «خذ بما أعرضه عليك من خطط واستمع إلى ما أقول لك، تبلغ مقام الملك الأعلى والعرش الأسمى فوق الممالك.» غير عابئة بمصالح البلاد على المدى الطويل ومستقبل الأجيال المديد، فتكون كلمة ضالة ذات لحظة ضلالًا لعرش أمة وتزييفًا لأفكار مليكها فذلك مكمن الخطورة، وأي خطورة!»
الجزء الثاني من الفصل نفسه
«(واعلم) أنك بعدم اعترافك بالطاعة والتسليم لدولة تشين، تعرض نفسك لحملتها العسكرية ضدك للاستيلاء على إيانغ وقطع طريق الاتصال مع «شاندانغ» بدولة هان.
وبالتوجه شرقًا لمهاجمة «تشنغ هاو»، والاستيلاء على إيانغ، فلن يعود لجلالتكم الحق في استخدام الحدائق الملكية في «هوانطاي» وغابة «صان»؛ لأنها ستكون قد خرجت من بين أيديكم لتتسلَّمها قوات تشين نهائيًّا. ولربما تمت محاصرة تشنغ هاو، وعزلت منطقة شانيان بما يؤدي إلى تقسيم بلادك وتمزيق ربوعها، فإذا أدركت نفسك وسارعت إلى الإذعان بسلطة تشين، تكون قد نجوت وأمنت الشر وحاميت عن بلادك، وإلا جلبت على نفسك الخطر، وساعتئذ، فلن ينفعك الحظ بشيء إذ تجد نفسك وسط دوامة من الأهوال، لا مخرج منها بأي حال، لأنك كلما أعملت حيلتك وتدبرت الخطط (الفاشلة)، انغرست في حمأة الهزيمة وأحدقت بك كل ألوان البؤس والشقاء؛ ذلك أن الخروج عن طاعة تشين والانحياز إلى تشو لن ينجيك من الضياع والاندحار، ومهما حاولت فتدبر أمرك وتأمل الأحوال جيدًا، فليس أفضل من أن تعمل بمشورة تشين وتبذل لها الإخلاص التام، (واعلم) أن هدف تشين الأول والأهم هو إضعاف دولة تشو، وليس في الممالك كلها من يستطيع القيام بهذه المهمة سوى بلدك باعتبار ما تملكونه من مزايا الموقع والمكان، لا لأنك أقوى منها (فليس هذا واردًا بحال!) فإذا استطعت أن تلزم هذه الخطة في العمل على خدمة أغراض دولة تشين وشن الهجوم على تشو، فسوف يلقى صنيعك هذا، من مليكنا، الإعجاب والتقدير، وسيمتلئ قلبه بالفرح الغامر، ولن تجد أجدى وأنفع لك من خطة تُتيح لك الاستيلاء على أرض تشو، وتزيح عنك أهوال المخاطر، وتدخل على قلب ملك تشين السرور.
وقد أوفدني جلالته إليكم (لهذا الغرض) وحملني مراسلات أقدمها لجلالتك بكل الاحترام والتقدير لترى فيها رأيك وتصدر قرارك.» وأجابه ملك هان، قائلًا: «إنه لمن حسن الحظ أن أتلقى عنكم، أيها الضيف الكريم، تلك الملاحظات والنصائح الطيبة ولتسمح لي بأن أعتبر دولة هان مجرد ولاية تابعة لدولة تشين [كانت دولة تشين قد وضعت تصنيفًا اعتبرت فيه كل الممالك مجرد ولايات تابعة لها عددها الإجمالي ست وثلاثون ولاية وإقليمًا] ويسعدنا أن نبني القصور الملكية لبلادكم وأن نقدم قرابين «الربيع والخريف» المقدسة إليكم (في المواسم المعتادة) وبأن نكون دولة تابعة لكم، ولتتفضلوا بقبول منطقة «إيانغ» هدية منا إليكم.»
لمَّا تحدث ملك هان إلى الوزير الأعظم
تحدث الملك «شيوان» حاكم دولة هان إلى «موليو» [الوزير الأكبر في الدولة] قائلًا له: «أريد تعيين كل من «قونجون»، و«قونشو» في مناصب (تنفيذية) عُليا فهل يمكن الجمع بين هذين في إدارة سياسية واحدة؟» فأجاب موليو بقوله: «بل لا يمكن أبدًا. وكانت دولة جين، فيما مضى قد جمعت في إدارة واحدة بين ستة نبلاء دفعة واحدة؛ فكان ذلك سببًا في انهيار وحدة البلاد [كانت جين قد جمعت في الحكم بين (رؤساء، متنفذين للحكومات) من كل من جاو وهان ووي وجيبو وفان وجونشان] بينما كان النبيل جيانقون [بدولة تشي] قد جمع في الحكم بين «تيانشن»، «لانتشي» مما أدى في آخر الأمر إلى اغتياله (ووقوعه ضحية لهذا القرار الخاطئ) وقيل إن دولة وي جمعت في دفة الحكم بين كونسونيان وتشانغي، فخسرت الأرض الواقعة وراء «شيها».
فإذا كنت قد قررت أن تتخذ اثنين من كبار المسئولين لتدبير أمر (الإدارة السياسية) في آنٍ واحد، فاعلم أن أكثرهما قوة سيقيم لنفسه، داخل البلاد، الأتباع والموالين (الذين يعدون أنفسهم من رجاله وحشده)، أما الآخر، فلا بد أنه سيدعم مكانته بسلطته من خارج الوطن مما ينذر بشر العواقب.
وإذا ما حشد بعض الوزراء لأنفسهم داخل الوطن الأنصار والأتباع، كان ذلك بداية استبدادهم بالسلطة وشروعهم في الفساد والطغيان؛ وإذ يقيم البعض الآخر الصلات النافذة (بأطراف وجهات خارج الوطن) تتردى بلادك في هاوية من الأهوال المريعة.»
لمَّا ذهب إلى ملك تشي من تكلم معه
ذهب إلى ملك تشي من قال له: «أرى من الأفضل أن تدعم قونجون [رئيس وزراء هان] لتساعده على أن يقوم بطرد تشانغي من دولة، وي، التي سوف تسارع بتعيين كونسونيان رئيسًا للوزراء، وبدوره، فسوف يتصرف بوحي من إرادتنا، نحن ودولة وي، ويقوم هو الآخر، بإبعاد قونجون من منصبه الوزاري الرفيع بدولة هان، ويأتي مكانه (بالمدعو) قونشو، وهو الرجل الذي سوف يشن الهجوم على دولة تشين.» (ثم إنه ذهب إلى تشانغي وقال له) [هذه العبارة غير مذكورة في بعض النسخ الأصلية]: «إن قونجون، وقد نما إلى علمه ما قد قيل، فلن يذهب إلى دولة تشي أبدًا، بل سيأتي إلى دولة وي ليكون في كنفك، مستجيرًا بك ومعتمدًا عليك، فتنعم بالأمان ويزول عنك الخطر.»
لمَّا ذهب شاوشيان إلى دولة هان
ذهب شاوشيان إلى هان ليتولى مهام منصبه كرئيس للوزراء [كان قادمًا من دولة تشو، حيث عمل في منصب وزاري رفيع، وكانت هان لمَّا تحالفت مع تشو، أرادت أن تتخذ منها ركيزة وسندًا لمقاومة عدوان تشين، فقامت بتعيين شياوشيان رئيسًا لوزرائها].
فلما أعلنت تشين بدء الهجوم على هان، أسرعت هذه إلى إعفاء شاوشيان من منصبه، فأرسل من جهته رسولًا إلى قونشو بدولة هان، يقول له: «من الأجدر بك أن تقوي مركز شاوشيان وتدعم موقعه ومكانته لتوطيد قاعدة التحالف مع دولة تشو، وهو ما سيدفع ملك تشين إلى الاقتناع بأن كلتا الدولتين (تشو وهان) قد توثقت عُرى الوحدة والتحالف بينهما.»
لمَّا قامت دولة تشين بمهاجمة إقليم
قامت دولة تشين بمهاجمة إقليم «شينغ»، فأمرت دولة هان قواتها بالانسحاب من منطقة «نانيانغ»، التي كانت تشين قد هاجمتها بالفعل، وتقدمت نحو إقليم «شينغ»، ثم إنها تنازلت عن «نانيانغ» (إلى تشين) فلم تقنع هذه به، بل واصلت هجومها ضد «شينغ» وتكلم تشنجن مع ملك تشين، فقال له: «لمَّا رأت دولة هان أن الوضع غير مُجدٍ، سارعت إلى الانسحاب، وأدركت استحالة تحسُّن العلاقات مع تشين، فتنازلت عن الأرض. (ورغم ذلك) فإن قوات تشين، لم تتوقف عن شن الغارة تلو الأخرى، وسط ظروف تشهد عدم تحسُّن العلاقات بين البلدين، وتنازل هان عن أجزاء من أراضيها، بل انسحابها الفعلي من مناطق المواجهة، وأخشى (أن تكون عواقب ذلك على الدويلات الست بالغة التعقيد …) فلا أظن أن الدويلات يمكن أن تتنازل — فيما بعد — عن أجزاء من أراضيها أو تفكر في التراجُع أمام زحفكم، إذعانًا وتسليمًا، ثم إن جلالتكم كنتم قد طلبتم مائة مثقال من الذهب من سانشوان، دون أن تحصل على شيء منها، وإذا بك بين عشية وضحاها تحصل على ألف وزنة منه بعد غزوك لدولة هان، لكنك إذا واصلت هجومك ضدها، فسوف تخسر أهم علاقاتك الدبلوماسية (مع الدويلات … وبالتالي …) سوف ينضب أهم مَعين تغترف منه لتملأ خزائن دولتك، ولكل ذلك، فإني أرى عدم سداد قراركم (بالاستمرار في مهاجمة هان).»
لمَّا اتفقت الدول الخمس على مهاجمة تشين
اتفقت الدول الخمس على مهاجمة تشين [في ٢٤١ق.م.] وكان ملك تشو هو الذي تزعم مجموعة التحالف الرأسي، ثم إن القوات توقفت عن الهجوم، عندما عجزت عن تكبيد تشين أية خسائر، وتمركزت الجيوش في منطقة «تشنقاوا»، وهنالك تكلم «ويشون» مع أمير إقليم «شي تشو»، فقال له «ما دامت قوات الدول الخمس قد انسحبت على هذا النحو، فلا بد أنها ستُغير على «شي تشو» لتعويض نفقاتها القتالية.
فامنحني بعض المصاريف وابذل لي التكاليف المطلوبة كي أساعدك في صد ذلك الهجوم المحتمل على الإقليم.»
فوافقه الأمير على رأيه وأعطاه ما طلب وأوفده إلى دولة تشو، فما إن بلغها حتى التقى بجلالة الملك، وقال له: «كنت قد أجريت اتفاقك مع الدول الخمس على التوجه غربًا لضرب تشين، أما وقد عجزتم عن إنجاز تلك المهمة على الوجه الأكمل، فسوف تنظر إليكم الممالك بعين الازدراء، وتتطلع إلى تشين بكل إعجابٍ وتبجيل، فكيف فاتك — والأمر كذلك — أن تختبر مشاعر حلفائك وتقدِّر خطواتهم وتصرفاتهم إزاء ما حدث؟» فأجابه: «لقد بات في حكم المؤكد أن الدول الخمس، بعد أن سحبت جيوشها من الميدان سوف تنقض على إقليم «شي تشو» لتعوِّض ما صرفته على الاستعداد لحملتها الهجومية، فمن الأفضل أن تتدارك ما يمكن أن يحدث، وأن تُصدر أوامرك بعدم مهاجمة الإقليم المذكور، فإذا كانت الدول الأربع الأخرى تعرف لك مكانتك وتُعظِّم قدرك، فسوف تذعن لأوامرك، وتقلع عن أي محاولة لمهاجمة «شي تشو»، أمَّا إذا مضت في طريقها دون أن تعبأ بقرارك فهذا دليل على ركود شأنك وقلة الاعتناء بمكانتك بينهم، وعلى أية حال فسيبدو لك بكل وضوح موقف الممالك ودرجة تقديرها لك ومدى ما تشغله من أهمية ووزن لديها.»
وبالفعل، فقد تمكن ملك تشو (بما أجراه من اختبار لمشاعر الدويلات نحوه) أن يصد عن إقليم شي تشو المخاطر المحتملة وأن يحفظ أمنه وسلامته.
لمَّا أرسل جنشيان إلى دولة تشين
أرسل «جنشيان» إلى دولة تشين ما حمولته ثمانمائة مثقال من الذهب، راجيًا منها مهاجمة دولة هان، فتكلم «لنشيانغ» [كبير وزراء تشين] في ذلك مع جنشيان، قائلًا: «إنك إذا تأتي اليوم بتلك المثاقيل الثمانمائة من الذهب طالبًا إلينا مهاجمة دولة حليفة فمن المُستحيل أن نجيبك إلى طلبك. وأرى (إذا كان ضروريًّا بالنسبة لك أن تصل إلى نتيجة أن تعمل على …) إثارة الشك في قلب ملك تشين تجاه قونشو.» فلما سأله جنشيان عن كيفية إحداث هذا التأثير لدى الملك أجابه بقوله: «إن السبب في قيام قونشو بمهاجمة دولة تشو، هو وجود «جيشا» بأرضها (لكنه الآن تصرف على نحو …) جعل ملك تشو يعمل على إرسال «جيشا» إلى منطقة «ياندي» [من أعمال دولة هان] وبصحبته مائة عربة عسكرية، بل إنه أمر (المدعو) جاوشيان بأن يرافقه في هذا السفر، ويقيم معه حيثما أقام، فلما اكتشف قونشو هذا الأمر كان الوقت متأخرًا جدًّا للقيام برد فعل مناسب) علمًا بأن جاوشيان (المذكور آنفًا) هو واحد من أعز أصدقاء قونشو [لاحظ أن المذكور ذهب مرافقًا مقيمًا مع «جيشا» الذي يعد ألد أعداء قونشو] وإذ يستمع ملك تشين إلى هذه التفاصيل، فلا بد من أن الشك سيتطرق إلى قلبه حول ما إذا كان قونشو يعمل (سرًّا) لمصلحة دولة تشو.»
لمَّا نجح جنشيان في طرد تشانغي
نجح جنشيان في طرد تشانغي من دولة تشين، وكانت وسيلته في ذلك أنه أرغم سفيره [مساعده، والمتحدث الرسمي باسمه، أو هكذا تقريبًا على الذهاب إلى دولة تشو، ثم تحدث مع «طاتساي» [أحد المسئولين بدولة تشو، قائلًا: «إذا أتاك سفير تشانغي، فاحبسه عندك لا تدعه يفلت من يدك، فقد عزمت على الذهاب غربًا (نحو دولة تشين) للكيد له واتخاذ التدابير ضده.» ثم إنه سافر إلى تشين والتقى بحاكمها، وقال له: «أرسل تشانغي إلى تشو رسولًا من قبله لتسليم أرض «شانيون» [أرض تابعة لدولة تشو — في الأصل — لكنها إبان تلك الفترة كانت في حوزة تشين] وقد أوفدني ملك دولة تشو إليك — أكثر من مرة — لإبلاغك بهذا الشأن.» فاتقد الغضب في قلب ملك تشين، وعلى إثر ذلك خرج تشانغي وفرَّ هاربًا خارج البلاد.
لمَّا كانت موقعة إيانغ
لمَّا كانت دولة تشين منهمكة في مجهود الهجوم على إيانغ [وكانت قد أرسلت كانماو لمهاجمة إيانغ في سنة ٣٠٨ق.م] تكلم «يانطا» [أحد مواطني دولة هان] مع «قونصو نشيان» [وزير عظيم في بلاط هان] قائلًا له: «ائذن لي في قيادة قوات من خمسين ألف مقاتل لمهاجمة جو الغربية، فإذا ما تم لي النصر، أمكن كبح جماح كانماو وإظهار عجزه عن تحقيق المنجزات العظمى؛ وذلك بما سيتحقق على يدي من الاستيلاء على «الأواني التسع المقدسة»، وإلا فستقوم تشين بمهاجمة جو الغربية، وهو ما سيُثير ردود فعل غاضبة وناقمة لدى أهل الممالك والدويلات، وبالتالي فسوف يسارعون إلى دعم دولة هان، مما سيؤدي إلى فشل مهمة كانماو في مهاجمة دولة هان.
لمَّا قامت تشين بتطويق إيانغ
قامت دولة تشين بتطويق إيانغ، فتكلم يوطن [وزير عظيم بأسرة جو الملكية] إلى قونجون [مسئول كبير بدولة هان] فقال له: «ما الذي يمنعك من أن تعيد أراضي لين، وليشي تشي إلى دولة جاون مقابل أن ترسل إليك رهائن لضمان استقرار الأوضاع بينكما فتستغل هذا في بذل الوعود لدولة جاو بالتنازل لها عن الأرض مما سيُحبط مشروع «لوهوان» ويؤدي به إلى الفشل الذريع. كما أن قيام دولتي هان وجاو بعملية هجوم مشترك بقواتهما ضد دولة وي سيؤدي بالتأكيد إلى فشل لوهوان. وإذ تشترك هان مع جاو في هجوم مشترك ضد وي، فستضطر هذه إلى التمرد ضد تشين، وهو ما يعني بالنسبة لواحد مثل كانماو، السقوط المريع، ثم تستغل ما أعطيته لدولة تشي من أراضي تشنيان لدعم تيشيان، وهكذا تضمن تعثر خطى دولة تشو وتردِّيها في الأخطاء. وعندما تعاني دولة تشين من مرارة الفشل، تكون قد خسرت دعم وتأييد دولة وي، وهو ما سيحول دون اقتحام منطقة «إيانغ».»
لمَّا توقَّد صدر قونجون ببغض كانماو
توقَّد صدر قونجون ببغض كانماو بسبب موقعه إيانغ، وحدث فيما بعد أن دولة تشين أعادت أرض «أوسوي» إلى دولة هان، ثم سرعان ما تطرق الشك إلى (البلاط الحاكم في …) تشين حول ما يمكن أن يكون كانماو قد دبره من تسليم أوسوي إلى هان لتسوية خلافاته وتصفية أجواء الكراهية بينَه وبين قونجون. وهنالك لم يتوانَ «طولياو» عن أن يتكلم مع ملك تشين (مدافعًا عن قوانجون …) قائلًا: «ما كان ﻟ قوانجون أن يقدم على تصرف من هذا القبيل، إلا لأنه كان ينشد التقرُّب إلى جلالتك والفوز برضاك عنه، من خلال استرضاء كانماو.» فأسرَّها الملك ضد كانماو، وتغيَّر قلبه عليه، وهو ما اعتبره تشوليجي تصرفًا ذكيًّا وبارعًا من طولياو يستحق الثناء والإشادة.
لمَّا اندلع القتال بين تشين وهان في موقعة
اندلع القتال بين تشين وهان في موقعة «جوتسي» [من أرض دولة هان] وتأزمت أوضاع هان للغاية، فتحدث «قون جون بنغ» إلى ملك هان، قائلًا: «ما عاد يمكن الاستناد إلى دعم أو قوة التحالف (بعدما بلغت الأمور هذا الحد) وقد ظهر واضحًا للعيان أطماع تشين في الإغارة على دولة تشو، وأرى من الأفضل لجلالتك أن تطلب المصالحة مع تشين عبر وساطة تشانغي، ثم تتنازل لها عن إحدى المحلات الكبرى، استرضاءً لها وبعد ذلك تقوم بالتنسيق معها لضرب تشو، فتلك خطة للظفر بمكسبين من خلال خسارةٍ واحدة.» فنزل الملك على رأيه، وأمر «قون جون بنغ» بالانطلاق العاجل للغرب للمصالحة مع تشي، فلما ترامت أنباء ذلك إلى ملك تشو، أُسقط في يده من شدة الفزع، واستدعى تشنجن على الفور، وأخبره بما وقع، فرد على جلالته بقوله: «لطالما فكرَت دولة تشين في مهاجمتنا (منذ زمان بعيد …) وها هي قد امتشقت سيف الحرب وأعدت للقتال عدته، لا سيما وقد أمدَّتها دولة هان من الأراضي والمحلات (ما يفي بحشد الاستعداد وتجهيز الجيش) إن ما أشهده الآن هو تحالف مشترك بين تشين وهان للتقدُّم صوب الجنوب (للإغارة علينا … كما هو واضح) وكم ابتهلت تشين في صلواتها وردَّدت وسط المعابد أدعيتها بأن تتحقق أمانيها في مهاجمتنا، وها قد أجيبت الأدعية وتحقق الرجاء، وأصبحت تشو قاب قوسين أو أدنى من التعرض لاجتياح تشين لأراضيها، (وفي هذه النقطة، فأنا متفق معك في الرأي تمامًا؛ ولا غرو أني أخذت بوجهة نظرك) فرفعت درجة الاستعداد القصوى داخل البلاد، وصففت أفضل الجنود صفوفًا متراصة وأعلنت قراري بالتوجه لإنقاذ دولة هان وأرسلت أرتالًا من العربات، حتى امتلأت بها الطرقات، وأوفدت أخلص المبعوثين وأرسلت معهم المركبات والأحمال والأمتعة والأموال الوفيرة؛ كي تطمئن دولة هان وتثق في وقوفي بجانبها ومُساندتي لها، مما ستظل تذكره لنا ببالغ الامتنان؛ حتى لو لم تمتثل لإرادتنا. (وفي أقل القليل …) لن تنشر ألوية الهجوم علينا وتزحف إلينا زحف الجراد أو تنقضَّ فوق رءوسنا كأسراب النسور، بهذه الطريقة تقع الوحشة بين تشين وهان، وهو ما يقي تشو شر الخسائر الفادحة التي تتربص بها، حتى لو أقامت جيوشهما إلى جوارها دون أن تتزحزح قيد أنملة. فإذا أصغت هان إلى نصائحها، وتراجعت عن المصالحة مع تشين، فسوف تثور ثائرة غضب (تلك الدولة الجامحة) فيرغي حاكمها ويُزبد، فتتَّقد نار البغضاء بينه وبين هان التي ستتطلع إلى تشين بعين الاحتقار بعد أن تطمئن إلى مساندة ودعم «تشو» لموقفها، وهو ما سينعكس على معاملاتها، فيما بعد، مع تشين بحيث لن تصطبغ العلاقات بينهما بطابع الاحترام المعهود؛ وهكذا نكون قد نجحنا في إرباك خطط قوات تشين وهان كلتيهما، وتجنبنا الخطر الداهم الذي يتهدد «تشو» …» وبدت أمارات السعادة الغامرة في وجه ملك تشو، وأسرع إلى اتخاذ التدابير العاجلة بمضاعفة درجة الاستعداد، وانتقاء أفضل عناصر المُقاتلين لإرسالهم إلى هان، حيث يجري إنقاذها، ثم أرسل موفده الشخصي وبصحبته عدد وافر من المركبات، وحملة الصلات المُعتبرة من الأمتعة والأموال بغير حصر، فلمَّا مثل رسوله بين يدي ملك هان قال لجلالته: «على الرغم مما عليه بلادنا من ضآلة الموقع وضيق المساحة (وقلة الموارد …) فإنها جمعت إليك كل ما تستطيعه من قوة (لنجدتك) وهي إذ تفعل ذلك، تترك لجلالتك تقدير أسلوب وطريقة معاملاتك معها على النحو الذي ترضاه (وعلى أية حال) فإن بلادنا ستقف معك في ساحة القتال، وتحارب إلى جانبك، دون هوادة.»
الجزء الثاني من الفصل نفسه
وكانت سعادة ملك هان بما سمعه لا توصف، وفي الحال أمر بإلغاء كل التدابير التي اتخذها «قون ينغ»، فذهب هذا إليه، وقال لجلالته: «على رِسلك يا مولاي، فالأمور لا يمكن أن تسير على هذا النحو أبدًا؛ ذلك أن من يُمثل بالنسبة لنا الأزمة الحقيقية (الملموسة) هي دولة تشين، أما من يُصدِّع رءوسنا بحديث فارغ عن المساندة والمساعدة، فهي دولة تشو، لكننا إذا جاريناها وصدقنا كلامها، وسارعنا (في تهور وطيش بالغ …) إلى قطع العلاقات مع (الدولة التي تُمثل بالنسبة لنا الند القوي، ألا وهي …) تشين، فسوف نجلب على أنفسنا سخرية الممالك، ونصبح هزأة الأمم، ثم إن دولتي هان وتشو ليستا على درجة من الود (تجعل منهما شقيقتَين متحالفتَين …) ولا هما تُدبران خطة تحالف بينهما للتآمُر ضد تشين وإنما كل ما هناك أن هذه أزمعت مهاجمتها، فقد جهزت قوات وسيَّرتْها إلينا (بحجَّة إنقاذنا) فلا بد من أن هذه الخطة من تدبير تشنجن.
ناهيك عن أننا قد أوفدنا رسلنا إلى تشين لتُبلغها بردِّنا وتقرير الأحوال (بصورة حاسمة ونهائية)، فإذا لم نلتزم بما أبلغناها به، فسنكون قد تصرفنا بطريقة مخادعة، فنجلب على أنفسنا عواقب استصغار شأن تشين، بينما نصغي إلى ما تبثُّه دولة تشو في آذاننا (من أوهام وأكاذيب) وبناء على ذلك فمن المؤكد أنك ستندم كثيرًا يا مولاي.»
إلا أن جلالته لم يأخذ برأيه وقطع علاقته مع تشين، متحللًا من ميثاق التحالف معها، وبالطبع فقد استقبل ملك تشين هذا الخبر بثورة من التنديد والغضب، وجهَّز جيشًا وسار به إلى هان حيث اشتبك معها في موقعة «أنمين». ولم تُدركها أي نجدة من جانب دولة تشو، فكانت الكسرة عليها في تلك الموقعة، ولم يكن السبب فيما حاق بها من الواقعة المهولة ضعف قواتها أو تهافت إعدادها العسكري، ولا كان السبب راجعًا إلى قلة فطنة شعبها وغفلته عن الإدراك [هكذا، حرفيًّا]، مع ذلك فقد تحطم الجيش، وصارت الفطنة (الغائبة) محل سخرية لاذعة، وموطن الخطأ (في هذا كله) يكمن في الإصغاء إلى أوهام تشنجن وتخرُّصاته، وعدم الأخذ بنصيحة «قون جون بنغ».
لمَّا ذهب أحد مواطني جو لمقابلة
ذهب «يان لو» [أحد مواطني دولة جو] لمقابلة «قون جون» إلا أنه لم يلتقِ به، فأبلغه رسالة شفهية غير مباشرة عن طريق «مسئول الاتصال»، قائلًا له: «لا بد أن قون جون ظن أني عديم القيمة، فرفض مقابلتي، ألا إنه ليس بالرجل الفاضل، بل إنه عاشق نساء وصاحب ذوات خِدر، لكني عفيف الخلق، صاحب عِلم وحكمة. ولئن كان هو ممسكًا بخيلًا مقترًا، فإني سخي اليد أنفق ذات اليمين والشمال، ومن المعروف عنه أنه لا يُلزم نفسه بمبدأ أخلاقي يسير على نهجه، أما أنا فأتطلع دائمًا صوب ما هو حق وعدل.
وعلى هذا الأساس، فلن أتوانى بعد اليوم عن انتقاد سلوكه وتصرفاته بصراحة مطلقة، دون أدنى مواربة.» فلما بلغت هذه الكلمات مسامع قون جون بواسطة «مسئول الاتصال» أسرع بالنهوض فاستدعى «يان لو» لمقابلته.
لمَّا أُوفد قون جون مبعوثًا إلى أحد أقارب
أوفد قون جون مبعوثًا إلى «شيانشون» [أحد أقارب الملكة الأم في دولة تشين] قائلًا: «حتى الوحش المحبوس في الأقفاص، يستطيع أحيانًا، أن يقلب عربة الصياد رأسًا على عقب، فلا تظن أن ما صنعته بدولة هان من تدمير وما أنزلته ﺑ «قون جون» من إهانة، يمكن أن ينتهي هكذا ببساطة؛ فقد يستطيع (قون جون) أن يُلملم شتات ما حدث ويصلح ما تهدَّم ويعود ثانية إلى تشين معترفًا بطاعتها وسيادتها، مقتنعًا برحابة صدرها، وبما ستتكرم عليه من الصلات الباذخة والإقطاعات الكريمة، وها أنت تحاول إجراء المصالحة بين تشين وتشو، على أن تتنازل هذه الأخيرة عن أرض «طويان» بوصفها إقطاعًا ممنوحا ﻟ «شياوليني».
وعندما تتحالف تشين وتشو وتُحركان قواتهما نحو دولة هان، فلن تعود لها بعد ذلك قائمة، ولا يبقى فيها حجرٌ قائمًا على حجر، أما قون جون، نفسه، فسوف يقود أتباعه مُستجيرًا بدولة تشين، ورجائي منك أن تتدبر الأمر مليًّا وتستقصي جوانبه بعُمق.» ورد عليه «شيانشو» قال: «لم يدُرْ بخلدي قط، وأنا أقيم التحالف بين تشين وتشو، أن أجعله حربًا على هان، وأرجو منك أن تبلغ قون جون، عني، بأنه من الممكن لدولة هان أن تُقيم هي الأخرى تحالفًا مع دولة تشين.» فأجاب المبعوث، قائلًا: «ما زالت هناك بعض الكلمات التي أتمنى أن أعيد تذكيرك بها مرارًا وتكرارًا، فالمثل السائر يقول: «إن احترامك لما يحترمه الناس يجعلك موضع تقديرهم وإجلالهم.» ولنقل بصراحة، إن إعزاز الملك لك ولمكانتك يفوق كثيرًا جدًّا ما يشعر به جلالته إزاء (واحد مثل …) «قون صونهاو»؛ كما أن ثقته فيك تعلو كثيرًا ما يوليه كانماو — مثلًا — من ثقته وتقديره، والدليل على ذلك أن هذين الشخصين لا يجرُآن على تناول شئون البلاد أو البت فيها، أما أنت، فوحدك، تستطيع أن تنافس جلالته فيما يتصل بها من تفاصيل، وتقترح عليه سياسات، وتصدر القرارات القاطعة، ولئن حُرما هذه المزية؛ فلأنهما ارتكبا ما يجلُّ عن الوصف من الأخطاء الفادحة؛ فقد حاول قون صونهاو التقرب من دولة هان، وكذلك جرب كانماو أن يستجلب رضا دولة وي، فكان ذلك الذي دعا الملك إلى نزع ثقته عنهما، ثم تأمل ما هو قائم اليوم، تجد أنه، على الرغم مما تحاول دولة تشو أن تبلغه من مناطحة تشين ومزاحمتها ساحة الغلبة والقوة والتفوق، فها أنت ذا تسعى إلى التقرب منها واسترضائها بشتَّى الوسائل، تمامًا مثلما سبق لكلٍّ من كانماو وقون صونهاو، قبلك أن يفعلا (على طريقتهما …) أي أنك مشيت الطريق نفسه، وخضت ذات المجال، ولم تختلف عنهما في شيء قط، فهل كان ثمة فارق بينكم؟ وكم تردد على الأفواه أن دولة تشو ليست موضع ثقة وأنها كثيرة التقلب في سياستها، ومع ذلك فقد بقيتَ تساعدها وتمدُّها بأسباب العون وتُوطئ لها الأكناف، سعيًا لمرادك وابتغاء التطاول في جاهك، ولا أرى إلا أن تتدبر، مع الملك خطة لمواجهة كثرة تقلبات دولة تشو، ولإقرار حسن المعاملة مع هان، والاقتراب مع الحذر من دولة تشو؛ فتلك هي الوسيلة لتجنب النكبات.
وكانت دولة هان هي التي بادرت إلى تفويض قون صونهاو في إدارة شئونها السياسية العليا، ثم عدلت عن ذلك، ووكلت بها كانماو؛ ومن ثم كان شعورك بالعداوة والبغضاء تجاهها، (وعلى كل حال …) فتستطيع الآن أن تبدي وجه الرضا والتقرب من هان، على أن تلزم الاحتراس من تشو، بمعنى أن تبدي منك وجه الفضل والحكمة والتعقل دون أن تحجب عنك الوجه الآخر من التحفز والكراهية والبغضاء.»
الجزء الثاني من الفصل نفسه
وتكلم شيانشو فقال: «بل إني أتوق إلى المصافاة والمصالحة مع دولة هان.» فأجابه مع الرسول قائلًا: «كان كانماو قد وعد قون جون بإعادة أوسوي (من أعمال هان) وتمهيد الطريق أمام أهالي إيانغ للعودة إلى الوطن، وها أنت تستشعر صعوبة بالغة في استعادة أوسوي والمصالحة مع هان.» فرد عليه شيانشو قائلًا: «فما العمل إذن (وماذا تقترح عليَّ؟» فأجابه: «فلماذا لا تحاول أن تطلب من تشو — باسم دولة هان — استعادة منطقة «إينغ شوان» وأنت تعلم أن لك كلمة مسموعة في الممالك، بحكم ما تحتله تشين من مكانة ومهابة وقوة؟ وهذه المنطقة في الأصل، تتبع دولة هان، لكنها تقع تحت وصاية تشو، فإذا ما طالبت باستعادتها كان لك الأمر النافذ والسلطة المرعية في دولة تشو، هذا بالإضافة إلى ما ستلقاه عن هان من الامتنان والاعتراف بجميلك؛ إذ تنتزع لها من براثن تشو أرضها المسلوبة، فإذا عجزت عن ذلك، نشبت الكراهية في قلب الدولتين تجاه بعضهما بعضًا وتوقدت في نفوسهما جذوة البغض والعداوة وتنافستا على الارتماء في أحضان تشين؛ ولما كانت تشو، تزاحم تشين وتحسدها على مكانتها وسيادتها بين الأمم، فتستطيع هذه أن تكبح جماحها وتوجه لها اللوم والانتقاد، بينما تستميل إليها هان وتتودد إليها، وهو ما يعود علي تشين بالمنافع الجمة.» فقال له شيانشو: «فما العمل إذن، وماذا ترى من خطة في هذا الشأن؟» فأجابه المبعوث: «هذا أمر بالغ البساطة والسهولة، فهذا كانماو تحدوه رغبة في استلاب تشي أرضها معتمدًا على قوة وي، وهذا قون صونهاو، يفكر في اجتزاء أرض تشي مستندًا إلى مركز هان، وليس عليك إلا أن تستولي على إيانغ، فتكون لك مأثرة مشهودة من مآثر الحرب وغنيمة قتال، ثم تحاول استمالة دولتي تشو وهان، وتعمل على تهدئة خواطرهما، في حين تقوم بشجب وفضح واستنكار تصرفات كل من دولتي تشي ووي، ومن ثم يفقد كل من قون صونهاو وكانماو سلطتيهما ونفوذهما بالكلية.»
لمَّا ذهب أحدهم إلى قون جون
قصد إلى قون جون من قال له: «إن المسئولين عن الشئون السياسية العليا (في البلاد) ينبغي أن يُصغوا كثيرًا إلى آراء رجال الدولة، وليسوا مُلزمين، على أي نحو، باتباع توجيهات النبلاء والأماثل. (وفي هذا الخصوص …) فقد سمعت، في الأسواق، مثلًا سائرًا وجدت فيه دروسًا مستفادة، فأرجو أن تنصت لما أبدية لك من آراء.
(وأبدأ، فأقول): إنك كنت ترجو وتلح في الرجاء لدى ملك تشين، أن يجعل دولة هان متزنة في حيادها بين كل من وي وتشي، فلا تميل إحداهما دون الأخرى، إلا أن جلالته لم يوافقك الرأي، فحاولت التقرب من قون صونهاو لإحراج كانماو ووضع العراقيل في طريقه، ثم شجعت قوات تشي على اقتحام دولة وي، وبالتالي تفاقم العداء بينك وبين تشو وجاو، وصارتا من ألد خصومك، وأخشى أن يكون في ذلك خطر مُحدق بدولة هان، ولذلك أرجو أن تطلب من ملك تشين السماح ﻟ «هان» بالحفاظ على حيادها.» فقال له قون جون: «فما الذي تقترحه بهذا الشأن؟» فأجابه: «يتصور ملك تشين أن قون صونهاو يتقرب إليك، ومن ثم فهو لا يثق فيه كثيرًا، أما كانماو، فليس بينه وبينك من المودة ما يؤهله لأن يتحدث (مدافعًا) عنك، وأرى أن تتَّخذ من «شينيوان» [رئيس وزراء تشين] رسولًا إلى الملك، يتحدث بلسانك ويُبين موقفك، فهو الوزير الأكبر، وله كلمة مسموعة عند جلالته لما عهده فيه من الاستقامة والعدل، وعليك أن تطلب منه أن يقول للملك: «أيهما أنفع لبلادنا؛ تحالف وي وتشي أم انفصالهما؟ وأيهما أكثر مدعاة لتقوية مركز ومكانة تشين، اتحاد وي مع تشي أم تنافرهما؟» … وسيرد الملك، قائلًا: «انفصال وي عن تشي يدعم مركز وهيبة تشين بالطبع، أما اتحادهما فيضعف كثيرًا من مكانتنا، ومن المعلوم والمؤكد أن نفوذهما وتباعدهما يزيد في قوة وسلطة تشين، أما وحدتهما فتوهن صلابتنا وتفتُّ في عضدنا.» فاطلب من شينيوان أن يرد على جلالته بقوله: «(لكن) جلالتك صدقت كلام قون صونهاو، (وزكيت وجهة نظره) فما كان منه إلا أن استخدم قوات هان وتشين لضرب دولة وي — بناءً على طلب تشي — فلما عجزت وي عن رد العدوان تنازلت لدولة تشي عن الأرض، وعقدت معها الوحدة، فنال دولة تشين من ذلك ما نالها من التردي والهوان بين الأمم؛ ولذلك فإني أرى في ذلك دليلًا واضحًا على تواطؤ وخيانة وفساد نية قون صونهاو. وأرى أنك إذا أصخت السمع إلى كانماو وأوليته مزيدًا من الثقة، وصدقت قوله، ودفعت بقوات من تشين وهان لدعم وي في عدوانها على تشي، فإن هذه الأخيرة لن تقوى على رد العدوان، ولن تملك إلا أن تتنازل عما طالبت به وي من الأراضي مقابل التصالح معها، (فحينئذ تقوم بينهما علاقات المصافاة والتفاهم) وتلقى تشين من جراء ذلك الضعف والذبول والتردي، وعلى ذلك أرى أن كانماو (بهذه الصفة وذلك الاعتبار) ليس محل ثقة وأمانة، وأرى من الأفضل — يا مولاي — أن تدعم موقف دولة هان في حيادها بين الأطراف وذلك في محاولة لضرب تشي، ثم تزعم وقوفك بجانب وي لدعمها ومساندتها، وتقوية موقفها، وهنالك تنمو بذور الفرقة والنفور بين وي وتشي، وينشب بينهما القتال ويطول مداه، وبهذه الطريقة، تستطيع أن تبث الثقة في قلب قون صونهاو تجاه دولة تشي، فيبادر إلى الحصول على نانيان من وي، باسم دولة هان، ثم يستبدل هذه الأرض بأرضه التي استولت عليها هان (وهي إقليم قوشوان) ليتمكن من الانضواء تحت لوائكم، وهذا هو هدف الملك «هوي» ومنتهى أمله، وعلى كل حال، فهذه هي الطريقة التي إذا عملتم بها فسوف تجعلون كانماو أكثر ثقة وتصديقًا لدولة وي فيسارع إلى استخدام قوات تشين وهان لدعمهما في ضرب تشي وهو ما يصبو إليه جلالة الملك «أو».
وأرى أن دعم حياد دولة هان لضرب تشي هو خطتكم الحاسمة والعاجلة (واعلم) أن صونهاو لن يجرؤ على الحديث فيما يتعلق بمحاولات التقرب إلى دولة تشي، كما أن كانماو لن يجسر على أن يفاتح أحدًا فيما يمكن أن يلقاه من جفاء وعدم اكتراث، وهذان الاثنان هما أساس كل مخاطرك ومنبع كل الشرور التي تكمن لك في منعطفات الطريق، فاحذر الحذر كله، وتأمل مُستقصيًا جوانبه بكل دقة».»
لمَّا شغل قون جون منصب رئيس الوزراء
شغل قون جون (رجل دولة هان) منصب رئيس الوزراء، وكانت العلاقات بين تشي وتشو — في تلك الآونة — في غاية الصفاء والمودة والتقارب. وكانت دولتا تشين ووي تلتقيان فيما بينهما عند الحدود، مصادفة، وتتخذان من التقرب إلى تشي وسيلة لإفساد ما بين تشي وتشو من صداقة وعلاقات حسنة. وتصادف، في تلك الأثناء، أن ملك تشو كان قد أرسل من جهته، كبير وزرائه (المدعو «جينلي») إلى تشين، وكان الرسول أثناء الزيارة، قد شارك في اجتماع عقد بين ملكي وي وتشين، فحقدها ملك تشو على مبعوثه وأسرَّها في نفسه وهو كظيم، وخاف أن تظن دولة تشي الظنون، من جراء تلك المشاركة وربما وقع في خاطرها وجود علاقة خفية بين تشو وكلٍّ من وي وتشين، وقرر أن يجرى على مبعوثه «جينلي» أشد العقاب. فذهب إلى جلالته مَن تشفع فيه، قائلًا له: «أهنئ جلالتكم بهذا النجاح العظيم وتلك البشرى الطيبة التي وافتنا أنباؤها بحضور مبعوثكم «جينلي» الاجتماع بين حاكمي تشين ووي. وذلك أن الاجتماع المشار إليه إنما كان مُخصصًا لبحث خطة التحالف مع تشي وتشين بهدف قطع العلاقات بين تشي وتشو، فلما حضر مبعوثكم جينلي الاجتماع المنعقد بين الملكين، تشككت دولة تشي في صدق نوايا دولة وي باتحادها المزعوم مع تشين لمهاجمة تشو، وكان من جراء ذلك أيضًا أن تشي ساورتها الظنون في احتمال وجود علاقات خفية بينكم وبين كل من وي وتشين، مما سيعمل على تعظيم مهابتكم في عينها والنظر إليكم بكل إجلال وتوقير؛ فمن ثمَّ كان حضور مُمثلكم جينلي اجتماع الدولتَين وي وتشين أهم ركيزة تدعمون بها موقفكم (وسط الأحداث) وذلك أن غياب جينلي — لو كان حدث — عن الاجتماع، لكان قد اتضح جليًّا اتجاه دولة وي في العمل على قطع العلاقات بين تشو وتشي؛ وإذ تنصت دولة تشي بآذان التصديق إلى دولتي وي وتشين، فلا بد أنها ستحقر من شأن جلالتك، ولذلك فإني لا أرى فقط التراجع عن عقاب جينلي، تأكيدًا للتمتع بمساندة كل من وي وتشين. مما يعظم مكانتك أمام تشي، بل يُثير لدى وي وتشين الشك في وجود علاقات تحالف قوية جدًّا بين تشو وتشي.» فنزل الملك على رأيه، وتراجع عن فكرة معاقبة جينلي، بل رفع رتبته وولاه مكانة أرفع.
لمَّا تحدث ملك وي بحديثه قائلًا
تحدث ملك وي فقال [هذه الفقرة تكرار لما سبق ذكره في الفصل الأخير من «سجل تشو الرابع» وقد أدرجت، سهوًا في «سجل دولة هان» (المُحققون)]: «قلت لي فيما مضى بأنه ليس ثمة «على الأرض أية أعداء.» ثم تأتي إليَّ اليوم، قائلًا … إن «الظروف الآن على وشك أن تشهد هجومًا ضد يان.» فما السبب (في هذا التناقض في قولك؟)» فأجابه يوتشين قائلًا: «إذا قلت لجلالتك، الآن، إن الجواد ذو قوة وجَلَد، فهذا قول الحق وإقرار الحقيقة؛ أما إذا ذكرت لك بأن للجواد القدرة على حمل ما مقداره ألف «جوين» [نحو خمسة عشر ألف كيلو غرام من الأثقال] فهذا قول باطل، لماذا؟
وكذلك إذا قلت لك إن دولة تشو ذات بأس شديد، فهذا قول الصدق والحق؛ أما إذا زعمت لك بأنها تستطيع المروق عبر أراضي كل من دولتي جاو ووي لتشتبك مع يان، فكيف يستقيم هذا الزعم مع الواقع والحقيقة، ومن أين لدولة تشو بهذه المقدرة الخارقة؟ فماذا لو حاولت تشو المضي قدمًا فيما لا طاقة لها به، ألا يكون ذلك سببًا في هلاكها والانتقاص من شأنها، فانظر في أيهما أنفع وأجدى لجلالتك.»
لمَّا ذهب إلى ملك وي من قال له
ذهب إلى ملك وي، من قال لجلالته: «أرى، يا مولاي، أن ترسل من ينادي في الناس من أقصى البلاد إلى أقصاها بالتحذير والوعيد بأن كل من يثبت في حقه أنه تأخر عن الخروج معك للقتال بأن تقاعس عن الاستعداد وحمل السلاح مدة تتجاوز عشرة أيام، يقطع رأسه ثم تقوم إلى مركبتك العسكرية فترفع عليها الرايات والأعلام، فيطالع الناس إشارتك ويُعاينون صولتك، وائذن لي بأن أذهب في سفارة لك، إلى دولة تشو، فلا تخرج إلى القتال إلا عند عودتي إليك.» فلما علم رئيس وزراء تشو (المدعو «تشن شنجون») بذلك، تكلم مع سفير ملك وي، قائلًا له: «عد إلى البلاد فورًا، حتى تُجهز دولة تشو العدد البالغ من القوات وتزحف به نحو حدود دولة وي.» فلما سمع رسول دولة تشين بذلك الأمر، سارع بإبلاغه إلى ملك تشين الذي تكلم مع ملك وي، قائلًا: «ما دمت قد عزمت على مهاجمتنا، ففي جيشك الكفاية للقيام بهذه المهمة.»
لمَّا تكلم جوين مع رئيس وزراء
تكلم «جوين» [أحد مواطني إقليم «قوانجين»] مع تشن شنجون [رئيس وزراء تشو] فقال له: «يتصور الجميع أن دولة تشو ذات صولة عارمة وبأس وقوة، لكنها ذبلت قوتها وصارت إلى الحضيض بعدما توليت إدارة سياساتها، لكني لا أرى الأمور على هذا النحو، (صحيح) أنه لم تتعرض دولة تشو للهجوم على مدى العشرين عامًا السابقة التي قام فيها على شئون البلاد آخرون غيرك، (لكن إذا استعرضنا الظروف، وجدنا أن …) دولة تشين كانت قد حاولت الهجوم عليكم بالعبور من المنطقة الحصينة في «مياني» لكن الأمر تعذَّر عليها، ففكرت في أن تحصل على موافقة دولتي جو (الشرقية والغربية) لها على العبور من أراضيها، (على أن تحميها دولة هان من الخلف) فتتقدم لمهاجمة تشو، ثم اتضح أن هذه الخطة أصعب كثيرًا وأدق على التنفيذ من سابقتها.
إلا أن الحال تغير جدًّا هذه الأيام؛ فقد أصبحت دولة وي على وشك الانهيار بين عشية وضحاها، وهكذا فلن تتوانى عن التفريط في «شيودي» و«يانلينغ»، و«أودي»، وستتنازل عنها لدولة تشين، وعندئذٍ يقترب خط الحدود كثيرًا من تشو …) إذ لم يعد يتبقى بين تشين وتشو سوى مسافة تقدر بمائة وستين «لي» فقط، ومن ثم أرى أن يوم العراك بين تشين وتشو صار وشيكًا جدًّا.»
لمَّا كان معروفًا عن قونجون بين الممالك
كان معروفًا عن قون جون — بين الدويلات والممالك — عدم وفائه بالوعد؛ فلم يكن أحد من الأمراء والولاة يصدق له كلمة ولا عهدًا، فكان إذا أراد أن يعهد بشئون البلاد إلى دولة تشو في الأمر، ويجعل زمام الإدارة في أيديها. تشكك ملك تشو في الأمر، وأغضى عن وعوده. فتكلم «سوادي» مع ملك تشو — دفاعًا عنه — قائلًا لجلالته: «أرى من الأفضل أن تنصت إليه بأذن التصديق على أن تحذر تراجُعه وتحترس من نكوصه، ولقد كانت عادته المعروفة عنه وديدنه المعهود، التردد والتقلب والمراوغة، فلطالما كان ينكص عن عهوده مع تشو مستندًا إلى متانة علاقته بدولة جاو؛ ثم يخون مواثيقه مع تشين، مطمئنًّا إلى موقعه المكين لدى دولة تشي، أما اليوم فلم تعد الأطراف الأربعة تصدق له كلمة، ولم يعُد ينفُذ له مِثقاب في ثغرة [هكذا حرفيًّا] وقد حاصرته الهموم وعصفت به الحيرة، فلربما قد آن الأوان الذي تتملكه فيه نزعة الصدق والأمانة [حرفيًّا … «أو أن يكون فيه أشبه بالشخصية الأسطورية «ويشنغ» … الذي اشتهر بالكذب، لكنه وقت المحنة صار موضع ثقة ومثالًا للوفاء بالعهد»].»