سجل هان الثالث
لمَّا ذهب إلى قون جون من قال
ذهب إلى قون جون — بدولة هان — من قال له: «على الرغم مما يميز التوءمين من التشابُه الشديد في الملامح، فليس سوى الأبوَين، وحدهما، يقدران على التمييز بين أولادهما، وعلى الرغم مما يقع من الخلط بين الخير والشر؛ فليس سوى الذكي الفطِن، دون غيره، هو الذي يستطيع أن يدرك الحدود الفاصلة بينهما. وها هي ذي بلادك في مواجهة المغنم والمغرم اللذين يتشابهان كالتوائم فلا تجد سبيلًا إلى التمييز بينهما … إلا أن …) تضبط شئون البلاد بسياسة صائبة، فتعرف البلاد قدر مليكك، وتستقر بك الأحوال، فإذا أفلت من يدك زمام السياسة الرشيدة رذلت مكانة أمير البلاد، وتطرق إليك نذير الخطر وقد كادت الوحدة بين وي وتشين أن تتم فصولها بنجاح تام، وهي وحدة تقوم (في غياب دورك ودور بلادك) فلا بد من أن هان ستعاني أسوأ نتائجها وتلقى مغبة ما تدبره لها تلكم الدولتان. فإذا ما اقتفت دولة هان آثار وي في التقرب إلى تشين، فلن تزيد عن أن تتحول إلى بلد تابع لدولة وي فترذل مكانتها وتسقط هيبتها من كل عين، وتتردى مكانة مليكها وسط الأمم، أما إذا كانت تشين هي التي أقامت الوحدة مع هان، فلا بد أنها كانت ستعمل على تعيين من تثق فيهم وتتقرب إليهم من المسئولين، فترتب لهم المواقع التي يتحكمون من خلالها في إدارة شئون دولة هان، ضمانًا لمصالحها الكاملة وهذا — بحد ذاته — هو عين الخطر.
وها أنت، اليوم، مشغول، مع (المدعو) «آنشن» بإنجاز الوحدة بين تشين ووي، وربما كان من المصادفات الغريبة أن تكون هذه الوحدة قد تحققت على يديك، وبفضل مجهودك فتصبح دولة هان بوابة مرور بين وي وتشين فتحظى بقدر هائل من الأهمية، ويلقى حاكمها كل تقدير واحترام، وهنالك يجد آنشن [أحد نبلاء دولة هان] حظوة لدى ملك هان (من بعض الجوانب، إلا أنه في البعض الآخر منها …) فسيكون موضع ثقة جلالته، على نحو مطلق، فيسند إليه [مهمة القيام على تحصيل بنود الاتفاق على الجهة اليمنى (هكذا) … وهي الوثائق التي تُعطيه الحق في تحصيل الديون المستحقَّة على أطراف خارجية حيث كانت الاتفاقات، قديمًا تُحرر على جانبي وثيقة واحدة، ثم تقسم بعد ذلك إلى جانب أيمن وأيسر، فتتم المطالبة بالتسديد بأحد الجانبين بمقابلته بالآخر …] التوجُّه إلى وي وتشين للمطالبة بالوفاء بالتزاماتها، حتى إذا تم تقسيم الأراضي — في المستقبل — إلى إيالات وإمارات متفرقة كان الإشراف على تلك المهمة من نصيبك.
أما بالنسبة لمحاولة إقرار واستتباب أوضاع السلم والاستقرار بين وي وهان فهذا أمر تملك أنت زمامه بيدك، مثلما تملك أن تضمن لنفسك البقاء رئيسًا للوزراء مدى الحياة (وهو أقل ما تستطيعه) فتضمن لمليكك الإجلال والتعظيم، ولنفسك الهناء والسكينة. ثم إنه من المستحيل أن تدوم الثقة بين وي، وتشين، ولا بد من أن دولة تشي ستشعر بالغضب لعدم اشتراكها في الوحدة مع تشين، وبالتالي فستحاول الاقتراب من دولة هان، بينما تقطع علاقاتها مع وي. مع العلم أن هذه الأخيرة لن تسمح لنفسها بأن تكون تحت السيطرة التامة لدولة تشين، بل ستحاول الاقتراب من هان لمدافعة تسلط تشين. وهكذا فستجد نفسك مطالبًا بمعالجة علاقة هان بباقي الدول على نحو يراعي مختلف الاختيارات والتقديرات، وكأنك حائك يفصِّل أثوابًا رقيقة تتطلب منه الدقة والبراعة، وعندما تقوم الوحدة بين وي، وتشين، فسيتقدمان إليك بآيات الشكر والعرفان، أما إذا تعذر قيام الوحدة بينهما فسيسعيان كلاهما للاقتراب منك والاعتراف بمكانة (بلادك). فذلك هو ما أعنيه بقولي لك إن نجاحك في إتمام هذا الأمر مُبشر بالخير، كما إن إخفاقك فيه واعد بأطيب المُنى، فامض بكل عزم وثقة.»
لمَّا ذهب إلى قون جون من قال له
ذهب إلى قون جون من قال له: «أمامك الآن طريقة تضمن تمام الإخلاص والتفاني لجلالة الملك، وتحقق النفع للبلاد، وتعود عليك بالفائدة، فاهتدِ بها واتخذها خطتك التي تسترشد بها في عملك. وإذا افترضنا أن الدويلات والإمارات هرعت تجاه دولة تشين واحدة تلوَ الأخرى، تركع عند أعتابها معترفة بسلطانها وطاعتها، فلن تلقى دولة هان إلا أحقر منزلة بين الممالك؛ أما إذا اتحدت تلك الإمارات فيما بينها مُتمردة على هيمنة تشين، فستكون هان هي أضعف الجميع، وإذا تصورنا إمكان قيام التحالف بين الدويلات ودولة تشين بصورة متهافتة، على غير أساس مكين ونظام متين، فستكون دولة هان هي الأكثر تعرضًا لنُذر الخطر، وهو ما يُمثل أفدح العواقب التي يمكن أن تتهدَّد نظامًا في إدارة سياسات البلاد وأسلوبًا في تصريف شئون البشر، فإذا بادرت دولة هان منذ اللحظة، إلى التحالف مع تشين فستتبعها الممالك، حيث ستتزعمهم جميعًا في الاعتراف بسيادة تشين، وهو ما ستذكره لها بكل العرفان، حيث إن تشين ستخصُّ دولة هان وحدها، بأعمق مشاعر الامتنان، بفضل ما ستكون قد اتبعته، في ذلك السبيل من سياسات وخطط، مما يُحسب لك في باب الإخلاص والتفاني في خدمة مولاك الملك.
أما إذا أحجمت باقي الإمارات عن السير على دربك في الاتحاد مع تشين التي لن تجد من يصغي إلى أوامرها، ويسترشد بتوجيهاتها، فلا بد أنها ستشن غاراتها على العصاة والخارجين، وإذ تدور رحى الحرب بين تشين وباقي الممالك، وتتحرك الضغائن والعداوات، فيمكنك أن تنتهز الفرصة لتطوير مستوى قدراتك القتالية وتحسين أحوال جنودك، وما يتطلع إليه شعبك من فُرَصٍ طيبة للترقي، فتسلك من الخطط ما تجني به أطيب ثمرات النفع العميم لبلادك.
وكان جوجياو [الوزير الأعظم لدولة جو الغربية] قد شرع في الاقتراب من دولة تشين — فيما مضى من تواريخ الزمان — فكافأته بإقطاع في إقليم «قنيان» [أرض كانت تتبع دولة جاو، لكنها إبان ذلك العهد صارت تحت تشين] في حين قام جوتشي [وزير أعظم بدولة جو الشرقية] بالتحالف مع تشين، فأقطعته أرضًا في «بينيوان».
فإذا عملت على تقريب الصلة بين دولة هان، وتشين فسوف تتجاوز أهمية موقع بلادك — بكل الحسابات — ما كانت تتمتع به كلتا الدولتَين جو الشرقية والغربية، كما أن رغبة تشين في إقامة علاقات متينة مع هان أقوى مائة ألف مرة مما كانت تتطلع إليه من مصادقة الدولتَين المذكورتَين آنفًا.
ولئن استطعتَ أن تقيم أواصر التحالف — على مرأى ومسمع من كل الدويلات والممالك — بين هان وتشين، فلا بد من أن هذه ستعمل على ترقيتك إلى درجة الأمير (الوالي فوق إمارة) فدونك الخطة، بكل ما وراءها من مغانم، فامض في العمل بها قدمًا، بعزم وجد وتصميم.»
لمَّا قام «هانمين» بالهجوم على دولة يان
قام «هانمين» [في إحدى القراءات — حسب هامش المُحققين — يمكن ترجمتها إلى: «قام أهالي دولة هان»] بالهجوم على دولة «سونغ» (دفاعًا عن دولة تشي) مما أثار غضب ملك تشين، ودفعه إلى القول بما نصه: «إنني أعتز كثيرًا بدولة سونغ وأعدها مثل «شين تشنغ» أو «يانجين»، ولا أدري ما الذي دفع هانمين [أو أهل دولة هان!] — وهم الذين تربطني بهم علاقات رسمية — إلى مهاجمة أرض حبيبة إلى نفسي، عزيزة إلى قلبي؟» وذهب سوتشين إلى لقاء ملك تشين (ليشرح له الموقف — حسب وجهة نظر دولة تشي) وقال لجلالته: «ما كان ﻟ هانمين أن يضرب دولة سونغ إلا لأنه يضع مصلحة بلادك في الاعتبار، وعندما يتزايد رصيد دولة تشي من القوة، ويضاف إلى هذا الرصيد ما يمكن أن تقدمه دولة سونغ من دعم، فسوف يقع الرعب في قلب دولتي وي وتشو. وهنالك فسوف تضطران إلى التحرك غربًا والمجيء إلى بلاطك والاعتراف بسيادتك وسلطانك دون أن تفقد جنديًّا من قواتك في قتال أو تضرب عنق مقاتل (من جيش أعدائك)، بل تستطيع أن تقتطع أرض «آني» دون أن تخوض أية معركة؛ ذلك هو ما يتمنى هانمين أن يسترضيك به، ويُقدمه لأجل مصلحة بلادك.» فرد عليه ملك تشين بقوله: «إن ما أثار قلقي — في المقام الأول — هو صدور بعض التحركات عن دولة تشي، دون إمكانية التنبؤ باتجاهاتها وحساب تقديراتها مسبقًا فهي أحيانًا تتحالف مع المحور الرأسي، وأحيانًا أخرى تنضم إلى دول التحالف الأفقي، فما قولك في هذا؟» فأجابه سوتشين: «إن موقف الدويلات والممالك — بحد ذاته — يجعل من أمر دولة تشي، مسألة مفهومة للغاية، وبأيسر وسيلة.
قد أصبح احتلال تشي لدولة سونغ في حكم الأمر المقرر، فإذا جاءوا إلى الغرب للاعتراف بسيادة وهيمنة دولة تشين فسوف يجدون السند والدعم الكافي منها وهي البلد الذي يملك عشرة آلاف مركبة عسكرية، فإذا لم يأتِ منهم أحد إلى دولة تشين طلبًا لنصرتها واعترافًا بطاعتها، فلن تعرف دولة سونغ معنى للراحة والهناء والاستقرار.
إن خبراء التخطيط (ودعاة المذاهب السياسية من عجائز الدهاة ذوي الشعر الأشيب) المُقيمين بالمنطقة الوسطى، يبذلون كل جهدهم لبذر الفتنة والبغضاء بين دولتي تشين وتشي لقطع العلاقات بينهما. وكل أولئك الخطباء من أنصار الاتجاهات السياسية المُختلفة، الذين انحنت ظهورهم وهم يجرُّون العربات في طريقهم إلى الغرب، لم يُقرروا ضرورة التقرب إلى دولة تشي، وهناك البعض الآخر من أولئك الدعاة الذاهبين تجاه الشرق، الذين لم يُصرحوا قط بضرورة الانضواء تحت لواء دولة تشين. وكلهم يُعارضون، وبشدة، الوحدة بين تشي وتشين، لماذا؟ لأن هذا دليل على حدة ذكاء دولتي وي وتشو، أما تشين وتشي، فبلدان على قدرٍ وافر من الحماقة والغباء.
وإذا قامت الوحدة بين وي وتشو، فلا بد أنهما سيعملان على مُراقبة تحركات كلٍّ من تشي وتشين، وإذا تحالفت هاتان الدولتان الأخيرتان فستدبران المكايد ضد وي وتشو؛ ولذلك كله، فإني أرجو من جلالتك أن تحسم أمرك بصدد هجوم هانمين على دولة «سونغ».» فوافقه الملك على مقالته.
لمَّا ذهب إلى ملك هان من تكلم معه
ذهب إلى ملك هان من قال لجلالته: «إن ملك تشين يفكر في تجريد حملة عسكرية ضد دولة وي للاستيلاء على أرض «جيانغ» و«آني» فما هي خطة دولة هان (لمواجهة ذلك الهجوم)؟ ثم إن ملك تشين يتحرق شوقًا لمهاجمة دولة هان واحتلالها حيث يتفرغ لمتابعة ومراقبة تحركات دولة «جو». ولطالما راوده ذلك الأمل طويلًا، فلم يتوقف عن تأمله إلا أثناء النوم تقريبًا، فإذا لم تدرك دولة هان تلك الأحوال، وانشغلت بإقامة علاقات دبلوماسية مع دولة تشين، فستصل بها الأمور إلى أن تفيق ذات يوم على كارثة تدهمها وتباغت الدول الست الواقعة شرق جبال «شياو» … ولئن كانت تشين تفكر في احتلال وي؛ فلأنها تتطلع إلى أن تتمكن من الاقتراب بقواتها من دولة هان، وإذ تخشى ألا تنصت دولة وي إلى خطتها فهي تتحين الفرص للإيقاع بها في الكثير من المآزق بحيث لا تجد فكاكًا من الالتحام بزمرة تحالفاتها معها، فإذا أهملت يا مولاي النظر بعين التدقيق والتأمل في هذا الأمر، وانشغلت بالحفاظ على موقع الحياد، فسوف تُثير ضدك غضب دولة هان التي ستتأثر بعدم مساعدتك لها، فتضطر إلى أن تذعن لدولة تشين، وهو ما سيؤدي ببلادك (هان) إلى الاندحار تحت هجوم (تشين) فلا بد من أن تراجع موقفك بدقة وحذر. وليس أفضل من أن تسارع إلى إيفاد أهم رسلك إلى دولتي وي وجاو، للاتفاق مجددًا، حول التحالف الأخوي والوقوف معًا صفًّا واحدًا على أن ترسل كل دولة من الدويلات الست الواقعة شرقي جبل شياو قوات جيدة التسليح لحماية أمن وسلامة دولة هان والدفاع عن الحدود الغربية لدولة وي، وإلا فإن المصير الذي ينتظر تلك الدويلات أبشع مما يتوقع أحد، فالكارثة قادمة ولا نجدة، والمصير داهم ولا أمل. فمثل هذا الطراز من الخطط يترك وراءه آثارًا بعيدة المدى، وتطال العدد الجم من أهالي الممالك.
وملك تشين، برغبته في ضم الدويلات، والقيام على رأس الممالك [إعلان الإمبراطورية … يعني] لا يختلف في شيء عن الجبابرة القدامى ولا حيلة في ذلك، حتى لو وقفت الممالك منه موقف الابن المطيع لرب الأسرة، فلن يشفع لها ذلك من الوقوع في هاوية التهلكة، وحتى لو تذرعت — يا مولاي — بأخلاق ومسلك «بوييى» [بطل من العصور القديمة] فلن تنجو من التهلكة، مثلما سيلقى المصير ذاته أولئك الذين يتصرفون مثل الطغاة القدامى (أمثال الطاغيتين «جيه» (آل شيا) و«تشو» (آل شانغ)، إن محاولة الاعتراف لدولة تشين بالطاعة والسيادة — في هذه الظروف — لا يعود على المرء بأدنى فائدة. حيث إنها لا تدع للحي أن يتنسم الحياة طويلًا، بل تدفعه إلى حافة الفناء بأسرع مما يتوقع. فإذا لم تستطع الدويلات الست الكائنة شرقي جبل شياو التجمع والانضمام تحت لواء التحالف الرأسي والاتحاد والمصافاة قلبًا ويدًا واحدة بروح وإرادة تحفظ الميثاق وترعى العهد، فمصيرها الهلاك.»
لمَّا ذهب إلى ملك جنغ من قال له
ذهب إلى «هانلي» [ملك جنغ] من قال له: «كان النبيل «شاوليهو» عاقلًا فطنًا ذا حلم وحكمة وكذلك كان «شن بوهاي» فاضلًا كريم الخلق.
إن دولتي هان ووي متساويتان في القوة، وعندما حمل «شاوليهو» و«شن بوهاي» بأيديهما الهدايا الثمينة [حرفيًّا: اليشب الكريم] وذهبا لمقابلة ملك وي، لم يكونا من الراغبين في انتهاج مسلك يجلب عليهما الصَّغار والحط من شأنهما، ولا كانا من الجاهلين بشئون التخطيط ولا من الذين أساءوا التقدير والتعرُّف على أحوال الممالك. وقد قال شن بوهاي — في معرض وصفه للوقائع (والخطط الموضوعة لها): «إن سفرنا إلى ملك وي والدخول إليه لمقابلته ونحن نحمل إليه الهدايا الثمينة سيجعله مُمتنًّا لدولة هان واثقًا من حسن اعترافها بسيادته واعتبارها لمكانته، ولا بد أنه سيخرج لقتال الدويلات (يريد منها جميعًا الخضوع والإذعان) فسيستهلك طاقة بلاده ويستنزف قواها، فتذبل وتصير إلى الضعف والانكسار، ثم تتحوَّل الدول بآمالها صوب دولة هان، وتتحول عن تشين مخذولة خائبة الرجاء. وهكذا، فلئن كنت (أنا ومرافقي) سنمثل أمام جلالته ونركع عند أعتابه، ونُطأطئ الرأس لديه، فلسوف نشمخ — فيما بعد — بأنوفنا ونرتفع فوق الجميع. إن استنزاف طاقة دولة «وي» وقوتها، لدعم مهابة دولة «هان» ونفوذها، لن يتحقق بكل فاعليته ولن يؤتي ثماره إلا بتلك الزيارة إلى بلاط دولة وي.»
إن (النبيل) «شاولي» رجل يتسم بالفطنة ورجاحة العقل، فلا تبلغ مسامعه حكمة أو رأي سديد إلا عمل به، فكذلك اقترنت لديه الأفكار بتطبيقاتها؛ أما (الماجد) شن بوهاي فرجل موفور الإخلاص دقيق الملاحظة لا يتكلم برأي أو يقطع بحكم إلا بعد طول تأمل وروية!
إن دولة هان، في هذه الساعة، أضعف كثيرًا مما مضى، أما تشين فأكثر عدة وعتادًا، وأشد بأسًا عن ذي قبل، كما أن ملك تشين تحدوه أطماع وتطلعات (أكثر) مما لدى ملك وي، ومع ذلك فلم يبادر الملك ولا الوزراء إلى أي نوع من مظاهر أو أنشطة الاحتفاء بدولة تشين وتبجيل مكانتها وقدرها. (وذلك — بالطبع — من أجل استقرار الأحوال في هان) وفي رأيي الشخصي، فإن جلالتك لم تظهر من الحكمة والبصيرة مثل ما لدى (الماجد النبيل) شاولي؛ ولا أبدى وزراؤك من الإخلاص والعزم والتفاني مثل ما تحلى به شن بوهاي، وصار له سمة وخصلة بارزة.»
الجزء الثاني من الفصل نفسه
كان (النبيل) تشين مو — فيما مضى من وقائع الزمان — قد عاد ظافرًا منتصرًا في موقعة هانيوان، فانعقد له لواء الهيمنة فوق المنطقة الغربية، كذلك استطاع (الماجد) «جين أونقون»[أحد الأباطرة الخمسة الذين اشتهروا في زمن الربيع والخريف (٧٧٠–٤٧٦ ق.م.)]، أن يحرز نصرًا حاسمًا في موقعة «تشن بو» وأن ينشر السلام في ربوع الممالك، ويبني صرح مجده الباقي منذ ذلك الحين، فتحققت له الشهرة الذائعة في كل مكان.
وفي زماننا الحالي، تحققت لدولة تشين على مر أجيال، مراتب من القوة والمنعة والازدهار، وانتصاراتها المتوالية أكثر من أن تحصى، كما أن معاركها المظفرة تملأ سجلات بالفخَار، (ومع ذلك) فلا هي بلغت ذُرى الإمبراطورية (بانتصاراتها في حروبها) ولا هي سادت بالهيمنة، (بفضل معاركها المجيدة) ولا استطاعت أن تُنشئ لنفسها اسمًا محوطًا بالبهاء والجاه العريض والشرف التليد، بل إن القانون الذي سنَّته واللوائح التي شرَّعتها، لم تلق الاحترام والإجلال والانتشار، ثم إنها انشغلت على مدار سنوات بإشعال فتيل الحروب التي تهدف إلى توطيد ركائز الاحترام لمكانتها، لمد آفاق شهرتها في أقصى أنحاء الممالك.
وطالما دخل الملوك القدامى حومة القتال وانطلقوا إلى الغزو، إما سعيًا للشهرة، أو تحقيقًا للمصالح والمكاسب؛ وكان الساعي إلى الشهرة والنفوذ العريض، يسعى إلى تحطيم إرادة خصومه، والباحث عن المنافع يسلب الأرض وينهب أموال الناس.
وكانت دولة «أو» — قديمًا — قد اشتبكت في قتال مع دولة «يوي» التي لاقت شر هزيمة حتى اضطر أهلها إلى التقهقر لائذين بخطوطهم الدفاعية لدى جبل «كوايجي»، فلما دخلت قوات «أو» أرض «يوي» صارت تمر على بيوت الأهالي في محاولةٍ لطمأنة الناس، وأرسل ملك يوي، أحد كبار رجال الدولة (المُلقب ﺑ «أونجون») إلى بلاط «أو» طالبًا المصالحة مقابل اتخاذ الذكور عبيدًا والإناث خادمات ومَحظيات، بل إنه سار في معية الوفد حاملًا معه قفص طيور وحشية ليُهديه إلى البلاط الملكي [كما تُقرر الأعراف والأصول الملكية المتبعة] وكان جلالته يمشي خلف المسئولين التنفيذيين والمديرين. وبالطبع فقد صدَّق أهل دولة «أو» مزاعمهم إزاء طلب المصالحة، فبذلوا لهم ما أرادوا، دون أن يوقعوا ميثاقًا ولا معاهدة بهذا المعنى؛ وذلك بهدف تحطيم إرادتهم وكسر شوكتهم. ثم ما لبثت الحرب أن قامت (ثانية) بين «أو» و«يوي» وكانت الكسرة (هذه المرة) على دولة «أو» التي عرضت أن تتخذ ذكورها عبيدًا وإناثها سبايا. بعد أن انقلبت الحال، وصار أهل يوي تحت الأسر خدمًا وعبيدًا لدى أهالي «أو» وبرغم ذلك فلم يُلتفت إلى طلبهم، وصُمَّت الآذان دون قبول توسُّلاتهم، فبادت دولة «أو» وصارت من الهالكين ولم يقُم لها ذِكر، وانطوت صفحتها إلى الأبد. وعندما تم أسر (مسئول كبير مثل …) «فوتشاي» فقد كان الهدف من ذلك الاستيلاء على الأرض، ونهب الثروات وتبديد ممتلكات الناس.
فهل تفكر حقًّا في أن تفتَّ في عضد دولة تشين، وتحطم إرادتها؟ (إذا كان الأمر كذلك …) فلا بد من أن تتخذ من مسلك دولة «أو» نموذجًا، ولا أدري إن كنت تريد أن تحتل أرض تشين، وتسلب أموال أهلها؟ ولئن كان ذلك مطلبك، ينبغي إذن أن تقتدي بأسلوب دولة يوي، فإذا كنت في استيلائك على الأرض والأموال أدنى مما فعلته دولة يوى؛ وفي تحطيم العزائم أقل كثيرًا مما استطاعته دولة «أو»، في حين ترتفع صيحات كل الناس في بلدك من الأمراء والنبلاء، والعامة والدهماء والأغنياء والفقراء مُطالبين بأن ترتفع بلادهم إلى مصاف الإمبراطوريات العظمى، ويترقى ملوكهم في مراتب السلاطين العظام والجبابرة، فلست أرى — في رأيي المتواضع — إلا أنه أمر شبيه بحكاية الرجل الذي انزلق في بئرٍ عميقة، فأحاطت به الظلمة وارتبكت أحواله، ومع ذلك فقد ظل يصيح بأعلى صوته قائلًا إنه بخير وعافية وإنه ساعٍ ليخرج بجذوة من النار!»
الجزء الثالث من الفصل نفسه
«كان «نيجن» و«يانجيان» [كان مساعدًا ﻟ «نيجن» في هجومه على رئيس وزراء «هان هانكوي» في حادث الاغتيال المذكور سابقًا] قد قاما باغتيال رئيس وزراء دولة هان أثناء انعقاد مؤتمر التحالُف بين الدويلات.» كما أصابا (النبيل) «آيهو»، وكان «شيوي» [أحد مواطني دولة هان] قد ركله بقدمه، فتظاهر بالموت، وكان أن تم تنصيبه فيما بعد أميرًا على دولة هان، فقامت وراءه صفوف المؤيدين له، وكان الفريق الأعظم من الناس موالين لسياسته راغبين في حُكمه؛ لأنه كان قدوةً يحتذى بها. فصارت له المكانة التي ارتقى إليها فوق عرش البلاد، وظل شيوي [الذي ساعده على التظاهر بالموت] يعمل معه، رئيسًا لوزرائه طوال حياته ودانت له الأعناق بالاحترام مثلما خضعت لمليكهم «آيهو» ببالغ التقدير، ومع ذلك فلم يَرْقَ إلى الدرجة التي يُصبح فيها «ملك دولة هان» (وهو الذي بقي طوال عمره في منصب رئيس الوزراء، وهو أمر جيد على كل حال ثم إننا — نحن أيضًا — لم نبلغ هذه الدرجة ولا المنصب، أفليس هذا راجعًا إلى تهافت خططنا وما شابها من أخطاء؟
كان الوالي «هوان» — القائم على أمر دولة تشي، فيما مضى — قد عقد عدة اجتماعات للأمراء والولاة ملتزمًا في ذلك بأوامر جلالة الملك شيانغ (حاكم دولة جو)، وعلى الرغم من حرصه على اتباع تلك الأوامر الصادرة عن (حاكم دولة أخرى … وهو) ملك دولة جو، فقد استطاع أن يُرسِّخ مكانته ويوطِّد مهابته بوصفه «إمبراطورًا» فوق الممالك. وكان الجميع حريصين، في كل الاجتماعات التي عقدت مع الولاة والأمراء، على بذْل الاحترام والطاعة لأمير دولة تشي (الوالي «هوا») تمامًا — بنفس الدرجة التي نظروا بها إلى مكانة الملك شيانغ وعظيم قدره وسلطانه. وهو ما يعجز عنه أمراء وملوك هذا الزمان، برغم استطاعتنا التامَّة أن ننهج المسلك نفسه الذي انتهجه «الوالي هوان» إلا إننا نتقاعس عن ذلك، بل نعجز عنه، أفليس العجز نابعًا من خُططنا ودليلًا على ما يعتورها من أخطاء ونقائص، وأننا لا نعي كيفية تقدير تلك النماذج العظيمة واحترامها؟
كان أهالي دولة هان بعددهم البالغ عشرات الألوف قد أيَّدوا «آيهو» ومنحوه مساندتهم وثقتهم ليكون ملكًا عليهم، ومع ذلك فلم يكن سوى «شيوي» وحده، هو الذي وصل إلى منصب رئيس الوزراء، وليس هناك سبب آخر يُفسر ذلك (سوى ما ذكرته لك آنفًا)؛ ثم إن الكثير من الولاة وأمراء الدويلات لم يتوانوا عن التفاني في خدمة ملك جو، ومع ذلك، فليس سوى الوالي «هوان» أمير دولة تشي وحدَه هو الذي وصل إلى مصافِّ الحكم الإمبراطوري، ولا سبب آخر يفسر ما حدث (سوى ما شرحته لك منذ قليل).
وها هي ذي دولة تشين تسعى بكل جهدها في سبيل إنجاز مآثر عظمى تؤسس بها عرش إمبراطورية عظمى، أفليس من حُسن التخطيط أن تتقدَّم خطاك الخُطى، وتسلك منهج «الوالي هوان»، و«رئيس الوزراء شيوي (في مثل هذه الأحوال)؟ ولا بد — أولًا وقبل كل شيء — أن نحتفظ بمعاملة حسنة وتقدير جيد مع دولة قوية (مثل تشين) لأنها عندما ترفع ملكها فوق مصاف العروش العظمى، فسوف تتمكن (بفضل علاقتنا معها) من أن تبلغ آفاق الإمبراطورية، (والعكس صحيح جزئيًّا …) فإذا عجزت الدولة القوية عن أن تنهض بمكانة السيادة، (فعلى الأقل …) يُمكننا أن نتجنَّب صولتها علينا، فتزورُّ عنا نيران هجومها، وعلى الرغم من ذلك، فإذا ما سارت سياسات الدولة القوية نحو أهدافها بنجاح، فسيُمكننا أن نحتلَّ مكانة فائقة ونبلغ ذُرى الهيمنة. أما إذا لم تبلغ الدولة القوية أهدافها، فستظل تذكر لنا مواقفنا بوافر الامتنان. فإذا ما صادقنا دولة تشين القوية الجبارة، فسوف تتحقق المنجزات الكبرى، ويصير لك المُستقبل الواعد، والأيام الهانئة، أما إذا لم يتحقق شيء مما كان مأمولًا، فستأمن شر العاقبة وأذيال المخاطر. وما دام الأمر كذلك، فامض إلى ترسيخ أواصر الصداقة. مع تلك الدولة القوية. فهذه هي خطة الحكماء والقديسين.»
لمَّا قاد هانيان الجيش واشتبك في قتال
قاد هانيان [من دولة هان] الجيش، ودخل «صوتشيان» [من هان] إلى مقابلة ملك هان ليكلِّمه في أمر القائد «هانيان»، مدافعًا عنه وداعمًا لموقفه في العودة للبلاد، وقال لجلالته: «قد خضعت منطقة سانشوان بالكامل، فهل لدى جلالتك علم بذلك؟ (وقد بلغني) أن المُجندين وقادة الفصائل يريدون أن يُنصِّبوا قائدهم المظفر (هانيان) أميرًا على البلاد.» وهنالك قام ملك هان باستدعاء النبلاء والأشراف المُجندين، ومطالبًا إياهم بسرعة العودة إلى الوطن.
لمَّا كانت دولة تشين واحدة من
دولة تشين واحدة من الدول الكبرى، بينما تدخل دولة هان في عِداد الدول الضعيفة الصغرى، وقد تناءت بسياساتها بعيدًا جدًّا عن دولة تشين، غير أنها كانت تجتهد بشتى الوسائل لأن تظهر (عكس ذلك) لدولة تشين، بمعنى أنها كانت تتظاهر بأنها تتقرب إليها وتنضوي تحت لوائها، وهو المسلك … الذي جعلها تتدبر الوسائل الكثيرة لتأكيد ذلك، فوجدت أنه لا مفر من أن تتوسل لهذا الهدف ببذل الكثير من المال، فما كان منها إلا أن قررت أن تبيع بناتها الحِسان رقيقًا في الأسواق، وكان ثمن الفتيات ذوات الحسن الخلَّاب أغلى الأثمان، بالدرجة التي يعجز معها، حتى الولاة وأمراء الدويلات عن اقتنائهن؛ لذلك قررت دولة تشين إنفاق ثلاثة آلاف مثقال من الذهب لشرائهن؛ فصارت دولة هان تبذل — في خدمة تشين والاعتراف بطاعتها — ما سبق أن حصلته منها من المال، بينما حصلت تشين على الاثنين معًا «الفتيات الحِسان» و«الذهب والمال» وهنالك قالت الفتيات لملك تشين ما نصه: «إن هان تتناءى كثيرًا عن تشين.» مما يعني أن دولة هان لم تخسر المال والفتيات ربَّات الحسن فقط، بل إن سياستها في الانزواء عن تشين صارت واضحة للعيان، وعندئذٍ ذهب أحد الغرباء إلى ملك هان ونصح له، قائلًا: «أرى أن تتوقف فورًا عن هذا المسلك غير الأخلاقي؛ ذلك أن بيع الفتيات لقاء الحصول على الذهب، ثم التوسُّل لاستراضاء تشين بما حصلته من الأموال، سيؤدي إلى تبديد كل ما لديك من خزائن الذهب، في حين تتضح للجميع سياستك القائمة على التباعُد عن دولة تشين. (واعلم) أن الفاتنات من النساء، هن أكثر من يُدركن الأسرار والخفايا؛ لذلك لا يليق بمن مهروا في شئون التخطيط أن يدعوا الأسرار والخفايا تذاع وتنتشر على هذا النحو [حرفيًّا: لا ينبغي لهم أن يجعلوا بواطن الخفاء تتسرب إلى واجهة العلن].»
لمَّا تحالف كبير وزراء تشي مع دولة
أقام جانشو [كبير وزراء دولة تشي] تحالفًا بين تشي وتشو للتصالح مع دولة وي، وكان أن التقى ﺑ «قونجون»، وقال له: «إن هجومك المباغت على مدينة «يون» [من أعمال وي] ترك آثاره الفادحة على دولة وي، وهز أحوالها بعنف، ولا بد أنها ستُضطر إلى التنازل عن الأراضي لدولتي تشي وتشو، طلبًا للمصالحة؛ لذلك فالأفضل ألا تُهاجمها عندما تتحسَّن أحوالها، فلا بد أنها ستشعل فتيل الحرب مع تشي وتشو؛ فإذا تحقق لها النصر، انتهزتم فرصة ما أصاب قواتها من إنهاك، فهاجمتم بلدة يون واستوليتم عليها بكل سهولة أما إذا أخفقت وي في الحرب، فلا بد أنها ستسلم منطقة يون إلى دولة هان.»
فوافقه قونجون على رأيه، وهنالك قال جانشو لدولتي تشي وتشو ما نصه: «إن دولة هان قد اتحدت مع دولة وي، فإذا لم تصدقوا، فانظروا هل يهاجم قونجون مدينة يون؟» وإذ لم يحدث مثل هذا الهجوم فقد أصاب الذعر كلًّا من تشي وتشو، وأسرعتا إلى التصالح مع وي، دون أن تُبلغا دولة هان بخبر ما حدث.
لمَّا ذهب إلى رئيس وزراء هان من قال له
ذهب إلى رئيس وزراء دولة هان من قال له: «ما كانت الناس لتذهب إلى الطبيب الأشهر «بيان تشيو» [أحد أشهر الأطباء إبان عصر الدول المتحاربة، ويُعد أول طبيب في التاريخ الصيني ينبذ العلاج بالسحر والتعاويذ والأساليب الخرافية] إلا لمداوة ما نزل بهم من الأوجاع والآلام، فإذا دعوت الناس إلى زيارته — دون أن يُعانوا شيئًا من الأسقام — لما استجاب أحد إليك. (وإذا تأملنا أحوال) علاقتك الطيبة مع «بينيوان»، وجدنا أنك ما كنت تحتفظ بكل هذا الودِّ تجاهه إلا لما يُلاقيه من كراهية وبُغض دولة تشين له. ثم إن تودُّدك إليه هو السبب فيما حاق بك من كراهية تشين لك.»
لمَّا أوفد قونجون إلى دولة تشين
كان قونجون قد أوفد رسولًا من طرفه وهو (المُلقب ﺑ) «هانمين» إلى دولة تشين للمطالبة بمنطقة أوسوي، لكنه كان يخشى أن يؤدي هذا الأمر إلى إثارة غضب دولة تشو وذهب «طانكي» [أحد مواطني تشو] إلى قونجون، وقال له: «لئن كانت دولة هان تعترف بطاعة وسيادة دولة تشين، فهي تُهيئ الأمور للمطالبة باستعادة منطقة «أوسوي»، وهو أمر لا نعترض عليه ولا نكرهه، وإذ تحصل هان على أوسوي، تصبح الأحوال مهيأة للتقارب مع تشو، وأريد أن أتحدث إليك ببضع كلماتٍ لكن مع ملاحظة أن ما أقوله لك ليس هو الرأي الرسمي الصادر عن دولة هان.
واعلم أنه إذا كان هناك من بين أولياء الأمور في دولة هان، من يلقى تأييدًا شعبيًّا جارفًا، دون أن تتاح له فرصة الترقي إلى منصب رئيس الوزراء، (فستظل دولة هان في حال التبعية) ولن تعرف في حياتها الاستقلال أبدًا (وبالتالي) فلن يمكنها أن تتقارب مع دولة تشو. وقد سبق لمليكنا أن قال: «كم أتمنى أن أحشد شعبي كله لتأييد ومساعدة هانمين في العمل رئيسًا للوزراء.» فهل هذا ممكن حقًّا؟!) وإذ ينظر أهالي دولة هان إلى هانمين بعين الكراهية، فلا بد أنه سيقوم بتعبئة قوى وطاقات دولة هان لحماية تشو.» فلما سمع قونجون هذه الكلمات، فرح جدًّا وتكلم مع الوزراء جميعًا في تزكية «طانكي» وتوليته منصبًا حكوميًّا (إداريًّا) حيث يتمكن من الإشراف (بحكم مهام منصبه) على شئون العلاقات بين البلدَين هان وتشو.
لمَّا أرسل رئيس وزراء هان مبعوثًا إلى
أوفد قونجون — رئيس وزراء دولة هان — هانمين إلى دولة تشين، ليطلب منها مهاجمة دولة وي، ففرح ملك تشين بذلك، وبينما كان هانمين عابرًا بأرض «طاندي» بلغته أخبار وفاة قونجون على نحوٍ مفاجئ، فتكلم مع ملك تشين قائلًا له: «(بلغني) أن مبعوث دولة وي قد التقى برئيس الوزراء الجديد «هانشن»، وقال له: «لا بد من أن تنزل العقاب ﺑ «هانمين» (لأجل خاطر دولة وي).» … فرد عليه هانشن بقوله: «هذا مستحيل، فهو الرجل الذي يعمل في خدمة الملك، بالإضافة إلى أن هناك الكثير من الاتفاقات ما تزال قائمة بين جلالته وبينه.» فقال المبعوث: «ما قامت تشين بتنصيب هانمين إلا لاهتمامها برجل مثل قونجون، وبما أنه قد مات، فلن يلقى هانمين أي احترام أو تقدير من جانب تشين ولا أظنه إذا ذهب إليها يريد الدخول إلى أراضيها أن تسمح له بذلك، فكيف يمكن أن تتواعد وإياه على كراهية ملك وي؟» … فوقعت الحيرة في قلب هانشن، وأراد أن يعمل بنصيحة رسول دولة وي، فاعلم يا مولاي أنك إذا لم تقم باستدعائي إليك، فليس أمامي إلا أن ألوذ بكهوف الجبال.» فقال له ملك تشين: «كيف تظن بي الظنون هكذا؟ ولماذا تظن بي العجز عن حسم الأمور؟» ثم إنه أرسل في استدعائه [بطريقة رسمية] ومنحه وظيفة (مرموقة).
لمَّا ذهب أحد موظفي دولة هان لمقابلة
ذهب أحد كبار موظفي البلاط في دولة هان لمقابلة ملك تشين ليُكلمه (دفاعًا عن موقف دولة هان ورعاية مصالحها) قائلًا: «عندما يناقش هانمين شأنًا من الشئون الرسمية، فهو لا يتطرق إلا لما يخص مليكه فقط، ولا تهمه مصالح أي ملكٍ آخر أو بلد آخر، وهو — عمومًا — لا يضع نصب عينَيه سوى شئون بلده، دون الممالك الأخرى. (ومن المؤكد) أن قوة دولة تشين تملك من التأثير والضغط ما يمكن أن يرغم قونجون على الخضوع والإذعان.
إن الشيء الوحيد الذي استطاعت أن تفعله دولة هان — وهي تعرف قوة ونفوذ دولة تشين — هو أن تجرؤ على البدء بالهجوم عليها، ومع ذلك فقد كان هانمين، هو الذي جلب على نفسه عار الفشل والهزيمة. وقد سبق لدولة هان أن جعلت قوات دولتي تشي وسونغ تقومان بمهاجمة منطقة «شوايوان» [بدولة وي] وتقترب من مشارف مدينة طاليان، (دون أن تتقدم أبعد من ذلك، ودون — حتى — أن تقوم بمهاجمة دولة وي في عقر دارها، والسبب في ذلك، هو …) أنها رأت أن من الأفضل أن تتصالح معها، لكي تتمكن من استخدام الطريق المارِّ بأراضيها — في منطقة نانيان — والاستنجاد بقواتها، (بالإضافة إلى قوات تشي، وسونغ) لضرب دولة تشين.
وقد قيل في تبرير عدم الهجوم: إن الناس كانت تردد ما مفاده أن (الكثير من الدول لم تأخذ بعين الاعتبار — في صراعاتها وحروبها مع بعضها البعض، بعض العناصر المهمة مثل طبيعة الأرض والمواقع الجغرافية لكل منها ومدى أهميتها …) فدولة يان لاقت المصير ذاته على يد تشين، أما دولتا، تشن، وتساي فقد لقيتا الضربة القاصمة من قوات دولة تشو، (هذا بالإضافة إلى ما شاع من …) مؤامرات الوزراء وكبار القادة وتحزُّبهم، ودسائسهم الباطنية وتمويهاتهم وغشهم لسادتهم من الملوك والحكام، بل كثيرًا ما كان كبار رجال الدولة يعملون لصالح أطراف خارجية ويعظمون شأنها ومصالحها على حساب أوطانهم، فما جاء الخزي والانكسار إلا نتيجة لكل ذلك.
أما وقد بادرت جلالتك إلى تنظيم وتقويم الألقاب والمراتب الاجتماعية للوجهاء والأماثل ومن دونهم، فإن واحدًا مثل تشانغي — بكل ما يمثله من قيم وما يملكه من جاه عريض ومكانة معروفة — لن يستطيع أن يخوض في مسيرة (نبيل آخر، مثل) «قون صونهاو»، ولن يستطيع مبعوث قادم من الخارج أن يتدخل في اختصاصات الوزراء وصلاحياتهم، كما لن يستطيع النبلاء والوجهاء — من مختلف الدرجات الاجتماعية بأشرفها مكانة وأقلِّها مرتبة — أن يمسُّوا الحدود المسموحة لكل منهم، أو أن يتجاوزوا سلطاتهم، بحيث يلزم كل منهم مكانته، ويدور في دائرته، تمامًا كما تدور القصبات الخشبية المشرعة من مركز دائرة العجلة الدوارة حول محورها؛ فهم أيضًا يدورون في فلك جلالة الملك، يعملون لمصلحته ويقفون أنفسهم لخدمته، فحينئذٍ يُعرَف صاحب الجدارة والفضل والحكمة، ويشار إليه بالبنان، وهو ما يُحسَب لجلالتك من عظيم مراعاتك لأشرف مواطن الحكمة ومواقع الفطنة والآراء السديدة.
وكان «قون صونهاو» قد عقد تحالفًا وثيقًا مع دولتي هان وتشي، ومن ذلك فلم يكافئه جلالة الملك (فكان في ذلك عبرة لأمثاله من الوزراء، حتى لا يتجاوزوا الحد …) فيعملون لما فيه صالح أمراء الدويلات على حساب أوطانهم. وكثيرًا ما حاولت دولتا هان وتشي أن تستغلا دولة تشين لمصلحتهما، وذلك عبر (رجل دولة بارز، مثل …) قون صونهاو (وكان أن انتبه ملك تشين للمحاولة …) فلم يرضخ، فامتنع أمراء الدويلات الأخرى عن انتهاز الفرص ومحاولة تحقيق مصالحهم الذاتية عبر الوزراء وكبار رجال الدولة.
إن قطع دابر التواطؤ مع أطراف خارجية يكشف الزائف من الحقيقي فيما يستبطنه أمراء الدويلات من مشاعر ونوايا. وذلك هو ثاني أعظم إنجاز تتبدى فيه حكمتك ووعيك البصير؛ ولطالما ألحَّ عليك كل من قون صونهاو، وتشوليجي لإثناء عزمك عن مهاجمة دولة هان. (وكان أن حدث — بالصدفة — الانهيار التام لقوات هان) إذ تبددت الحشود وتفرقت أرتال الجند بغير قتال، وجاءت النتيجة مُوفية بالغرض تمامًا — على الرغم من عدم الاشتباك معهم في أي قتال (… إذ انكسرت دولة هان).
وكان كانماو قد اتفق مع دولتي تشو وجاو على مهاجمة دولة وي، ثم إذا به ينقلب راكعًا عند أعتابها مُعظِّمًا لشأنها بأحسن تكريم وأنبل تقدير واحترام بسبب ما أضمره لبلادنا (دولة هان) من حقد وكراهية. ولما أراد كانماو مهاجمة منطقة «إيانغ» عقدتَ جلالتك موازنة بين منافع ومضار السِّلم والقتال، ولم يكن لوزرائك ورجال دولتك مثل ما تميزت به من ضروب الحكمة والفطنة القدسية؛ فلكل ذلك أُقرر أمامكم استعدادي أن يقوم قونجون على إدارة شئون بلادنا على النحو الذي يُبرز اعترافنا لكم بالطاعة والنفوذ والسيادة، مفضلًّا إياه عن كل الآخرين من رجال التخطيط ومشوراتهم.»
لمَّا عمل هانمين رئيسًا لوزراء دولة تشي
كان «هانمين» أثناء توليه رئاسة وزراء دولة تشي، قد أراد أن يكلف أحد كبار الموظفين باتخاذ الإجراءات اللازمة لطرد «قون تشو» خارج البلاد، أما بالنسبة ﻟ «تشنيان» [أحد مواطني دولة هان، وأهم الدعاة إلى التحالف بين دولتي هان وتشين] (فلم يكن يملك أن يتصرف حياله بأي شيء فقد كان مُقيمًا بدولة جو) وهو ما كان يُثير غضب سيادته وحنقه عليه، فذهب إلى (هانمين) من قال له: «أتظن أن هذين الشخصَين على قدر من الحكمة والأخلاق بحيث توليهما الدولتَين اللتين أوْلَتا كلَّ واحدٍ منهما (على حدة) مناصب مرموقة؟ (ومن جانبي، فإني …) أرى من الأفضل أن يبقيا في دولة جو، (ولئن سألتني عن السبب في رأيي هذا، فأقول لك): إن تشينان لم يغادر دولة هان إلا لأجل دولة تشين، لكن الأمر يختلف بالنسبة ﻟ «قون تشو»، حيث إنه يحظى باهتمام وتقدير جلالة ملك تشو. وإذ تفكر في طردهما، فسوف يذهبان إلى دولتي تشين وتشو ويُمسيان قذًى في عينك وعلقمًا في حلقك ومجلبة للكوارث الداهمة، هذا بالإضافة إلى ما سيتكشف من سوء نواياك تجاه الإمارات والممالك، فإذا بادلك أمراء الدويلات بُغضًا بكراهية، فسوف يستميلون إلى جانبهم فريقًا ممن كانوا يحسنون الظن بك (ويدبرون لك أمورًا تنكشف في حينها … إذ) تزحف إليك الجيوش الجرارة، وعندئذٍ، فلن يجد ملك تشي مخرجًا سوى أن يستغني عنك.»
لمَّا ذهب إلى كبير وزراء هان من قال له
ذهب إلى «شانيان» [كبير وزراء دولة هان] من قال له: «إن دولة تشين قد أقطعتك شانيان، وكذلك أهدتك دولة تشي إقطاع «إيندي»، ومن المعلوم أن هاتين الدولتَين لا تكترثان بشئون دولة هان، قدْر اهتمامهما بشخصك الكريم، وتقديرهما لسجاياك الفاضلة.
وقد حدث ما حدث من هجوم دولة تشو على إقطاعيتك (إيندي) واعتدائها على دولة تشي. والآن، فإن أول ما يجب الانتباه له، هو أنه قد صار من المُستحيل استئناف العلاقات مع بلادكم، وثانيًا: فلن يمكن إعادة إقطاعية «إيندي» لك، وما كان لدولة تشو أن تتصرف على هذا النحو إلا لما وقع عليها من تهديد دولتي تشي وتشين، بالإضافة إلى رغبتها في إعلان احتقارها لشأن دولة هان.» وهنالك فقد كلفه «شانيان» بالسفر إلى دولة تشو.
لمَّا قامت دولتا وي وجاو بمهاجمة
قامت دولتا وي وجاو بمهاجمة «هوايان» [مدينة من أعمال هان]، فاستنجدت هان بدولة تشين، (وتوالت المُراسلات بين البلدين، فكانت مواكب المبعوثين تتدافع على الطريق بين البلدين) ومع ذلك، فلم تُقدم تشين يد المعونة، فتكلم رئيس وزراء هان مع «تنان لين» [أحد مواطني هان] قائلًا له: «قد دهمنا الخطب وعاجَلنا الخطر وتأزمت الأمور للغاية، فنرجوك أن تسافر من ليلتك (إلى تشين) وعلى الرغم مما قد علمناه من مكابدتك المشقة والإرهاق، فنحن نلحُّ عليك في الرجاء ببذل المزيد من الجهد، فامض سريعًا ولا تبيتنَّ إلا بعد وصولك.» وذهب تيان لي لزيارة رانخو، فما إن دخل عليه، حتى سأله مُضيفه: «هل تأزمت الأحوال في هان حقًّا؟ وما الذي دعاهم إلى إيفادك؟» فأجابه: «لم تتأزم الأحوال بعد، في هان.» فرد عليه رانخو غاضبًا: «فما دام الأمر كذلك، ففيمَ قدومك إلينا مبعوثًا من ملك هان؟ وفيمَ كل هذه الوفود من الرسل القادمين إلينا لإبلاغنا باشتداد الخطر المُحدق بكم، دون أن يكون هناك شيء من ذلك، فماذا سلكتم بهذه الطريقة؟ وما الذي دعاكم إلى ذلك؟» فأجابه: «لو كانت دولة هان قد تعرضت للخطر، واشتد بأس الكوارث النازلة بها، لخانت عهدها مع دولة تشين.» فقال له رانخو (على الفور): «أظن أنه لا داعي لمقابلة جلالة الملك، فقد أمرت بسرعة دفع القوات لنجدة هان.» وفي خلال ثمانية أيام، استطاعت قوات تشين أن تنزل هزيمة مروعة بقوات دولتي وي وجاو، عند أسوار هوايان.
لمَّا قامت تشين بالاشتراك مع تشو
قامت تشين — بالاشتراك مع قوات دولة تشو، التي دعتها للنهوض معها إلى القتال — بمهاجمة دولة تشي، وتكلم لنشيان مع تشنجن قائلًا: «لا بد أن ملك تشين سيتحالف في المستقبل مع بلدٍ آخر غير دولة تشو. إن الكثير من المُتعاطفين والموالين إلى دولة تشي من أهالي تشو — يعلمون تمامًا استحالة قيام الوحدة مع تشين، في الغرب، ومن ثم فسيبذلون قصارى جهدهم لإقامة التحالف بين تشي وتشو اللتين ما إن تتحدا معًا، فستضطر كلٌّ من دولتي جاو ويان إلى الانصياع إلى أوامرهما، وإذ تقبض دولة تشي بيدها على زمام قوة أربع دول بمواجهة دولة تشين (بمفردها) فلن تُذعن لأحد، ولن تستسلم أبدًا.» وقال لنشيان أيضًا: «هل تفكر دولة تشين في مهاجمة تشي حقًّا؟ (إذا كان الأمر كذلك، فمن الأولى بها أن …) تقوم بإخضاع أولئك الموالين لدولة تشي — من أبناء تشو — الذين ما إن تنكسر شوكتهم، وتسقط مطالبهم — بالاتحاد مع تشي — (فسيتهيأ الحال لدولة تشين لتجني المكاسب، إذ …) تعود دولة تشو إلى الاعتماد على تشين. ثم إن رصيد القوة الهائل لدى هذه الأخيرة، مدعومًا بتأييد «تشو» لها، سيضطر دولتي يان وجاو، إلى الرضوخ لمطالبها، والانصياع لأوامرها، فلا تجد تشي ملاذًا سوى العزلة، وبناء على ما تقدم، فأرجو أن تأذن لي في الذهاب إلى ملك تشين لإقناعه بهذه الأفكار (بالإنابة عنك).»
لمَّا طالبت دولة هان بطرد كبير وزراء
كانت دولة هان قد ألجأت آل «جو» [حاكم أسرة جو الملكية] إلى طرد «شيانجين» [كبير وزراء دولة جاو] فكان أن ذهب تشنهوي [كبير وزراء آل جو] إلى ملك وي — مدافعًا عن «شيانجين» المطرود — وقال لجلالته: «(اعلم) يا مولاي) أن «آل جو» سوف يُقيلون عثرته، ويصفحون عنه — عما قريب — ويفتحون له ما أُغلق دونه من أبواب العودة إلى بلاده، فما الذي يمنعك من أن تُزكيه، وتثني عليه بما تيسر لك من أبسط عبارات المدح والثناء، فيكون لك (إذ يعود إلى بلده) خير تابع وأخلص صديق؟» فوافقه ملك وي على رأيه.
وراح تشنهوي يقول لملك هان (ما نصه): «كانت دولة هان هي التي تسببت في أن تُلجئ دولة جو إلى طرد شيانجين، وصارت — الآن — دولة وي هي التي ساهمت في إعادته إلى بلاده، أليس من الأفضل أن تكون دولة هان هي التي عملت على إعادته (في المقام الأول)؟ بدلًا من أن يكون لدولة وي الفضل العميم عليه فيصير لها تابعًا أمينًا دونكم؟» فنزل ملك هان على رأيه، وبادر إلى المطالبة بإعادة شيانجين إلى بلاده.
لمَّا تكلم أحد مواطني دولة جونشان
تكلم «جانطن» [أحد مواطني دولة جونشان] إلى «فيشيا» [من دولة هان] قائلًا: «أرجو منك أن تنصح ﻟ «قون نيان» [أحد أمراء دولة هان] بأن يقابل ملك هان، ويقول له: «(اعلم) أن دولة جو الغربية تنظر إلى فيشيا بكل البغض والكراهية، في حين أن دولة جو الشرقية تحترمه وتعظم قدره، وهو ذو حسب ومال [حرفيًّا: سليل أسرة تملك عشرة آلاف مثقال من الذهب] فماذا لو استدعيته، وأسندت إليه إدارة إقليم سانشوان، أما كان يصرِف جُل عنايته في حراسته، والتزام الحيطة في تأمينه والدفاع عنه؛ لا سيما أن لدَيه من المال الوافر ما يُعينه على تقوية بأسه، وسد ما تخلل عزمه من ثغرات، فيُحسن خدمتك، ويلقى لديك أحسن حظوة. ولئن كانت جو الغربية تمقته، فلا بد أنها ستُرسل إلى جلالتك الصلات الجزيلة، ولعلها تبعث لك بأنفس الهدايا (التي كانت في خزانة الملوك العظماء السابقين؛ في محاولة لإثنائك عن ترقيته إلى مرتبة أعلى ووظيفة أرفع).» ولا بد أن ملك هان سيتصرف على هذا المنوال، فما إن يصل الخبر إلى دولة جو الغربية، حتى تُعفيك من التهمة المنسوبة إليك؛ لتحول بينك وبين القيام على إدارة إقليم سانشوان.»
لمَّا تُوفي مراقب عام منطقة آني
تُوفي مراقب عام منطقة «آني»، وأحسَّ مساعده بشيء من القلق؛ إذ ساورته الظنون بأنه لن ينال الترقية المناسبة ليشغل منصبًا أرفع، فذهب أحد أبناء منطقة «شولي» ليتكلم مع محافظ منطقة «آني» بشأن هذه المساعدة، فقال لسيادته: «كان «قونصون تشي» قد طلب من أحد الناس أن يذهب إلى جلالة الملك، ويرجوه في تعيينه في وظيفة مراقب عام، فرد عليه الملك بقوله: «إن هذا الموقع الوظيفي له نائبه الرسمي المقيم (حسب اللوائح) ولست في حلٍّ من أن أنتهك اللوائح التنظيمية المعمول بها لدى المسئولين.» ثم ما لبث النائب الرسمي أن شغل وظيفة المُراقب العام حالما أصبح الموقع شاغرًا.»
لمَّا ترأَّس الملك حِلف الأمراء
ترأَّس ملك دولة وي اجتماع تحالف أمراء الدويلات المُنعقد في «فنغ تسي» [إشارة إلى اجتماع حضره ملك وي مع أمراء الدويلات في ٣٤٤ق.م.] وكان قد اتخذ التدابير اللازمة لاستعادة سلطة الأمراء، وذهب «فانشي» [كبير وزراء دولة هان] إلى ملك هان، وقال له: «لا تنخدع بما يقول هؤلاء، فمن المعلوم أن الدول الكبرى تبغض كل ما يمت بصلةٍ للأمراء ووجودهم من أساسه، وليس سوى الدويلات والإمارات هي التي تلمس الآثار الإيجابية لسلطة الأمراء، وتجني شيئًا من النفع على أيديهم، ولعمري كيف تستطيع دولة وي استعادة سلطة الأمراء، بالتعاون مع حفنة قليلة من الدويلات، إذا كانت الدول الكبرى (وجلالتكم على رأسها جميعًا) ستتجاهلون كل مزاعمهم ومحاولاتهم؟!»
لمَّا كان كبير وزراء دولة جاو ينظر
كان «جيانشين» [كبير وزراء دولة جاو] ينظر بعين الازدراء إلى «هانشي» [كبير وزراء دولة هان] فذهب «جاوا» [من دولة جاو] ليدافع عنه ويفسر موقفه لدى جيانشين، قائلًا له: «(اعلم) أنه بمنظور الحسابات القائمة على الملاحظة الشكلية، فإن الدولة التي تملك مقومات البقاء، إذا تحالفت مع جارتها، وتفقد تلك المقومات وتتعرض للهلاك والضياع إذا لم تتحالف مع الجيران، هي دولة وي؛ أما الدولة التي لا يمكنها التخلي عن جارتها وفي الوقت نفسه تجد نفسها مُضطرة إلى الدخول في الحلف الرأسي فهي دولة هان. وسبب ازدرائك ﻟ «هانشي»، يرجع — أساسًا — لما قد عزمت عليه من إقامة علاقات قوية وممتازة ووثيقة مع وي وتشو؛ وإذ تلاحظ دولة تشين مدى الود والصلة الوثيقة التي تربطك بدولتي وي، وتشو فسوف تبذل اهتمامها الفائق لاستمالة هان إلى جانبها (ومن ثم يحدث تحول في التقديرات؛ ذلك أن …) هان التي كانت موضع احتقار وهي في التحالف الرأسي، ستُصبح محل اهتمام وتقدير عظيم وهي عضو في المحور الأفقي، بينما ستلقى دولة جاو كل الازدراء إذا لم تشارك في التحالف الرأسي.
وإذ تدفع دولة تشين بقواتها من منطقة سانشوان، فسوف تقوم بمحاصرة «يانلينغ» في الجنوب، وبالتالي تنغلق خطوط المواصلات عبر طرق كل من: «جاولين»، و«شان تساي». وهنالك يتأزم موقف دولة وي، ثم إن تحركات أمراء الدويلات لمساندة دولة جاو سوف تتراخى وتتباطأ كثيرًا، وإذ تقوم تشين بدفع القوات وتهاجم هاندان، فستسقط دولة جاو سقوطها المروِّع؛ ولذلك فسوف يمكنك أن تتجنَّب المزالق والثغرات، إذا استطعت أن تحصل على دعم ومساندة دولة هان.»
لمَّا تكلم طوانشان مع الأمير
تكلم «طوانشان» [من دولة تشين] مع (الأمير) «ميرونغ»، فقال له: «يستطيع السائرون ليلًا أن يُمسكوا عن إيذاء الناس، لكنهم لن يقدروا على أن يمنعوا الكلاب عن النباح، (وبالنسبة لي …) فلست أشغل موقعًا وظيفيًّا مرموقًا (لأني مجرد مرافق لسمو الأمير) وهكذا فأستطيع أن أصد نفسي عن الخوض فيما يعيبك أمام الملك الأعظم، لكني لا أستطيع أن أمنع الآخرين من الوشاية بي لديك، فأرجو أن تتأمل هذا وتستجلي معناه.»
لمَّا تحدث طوانكان إلى سمو الأمير
تحدث «طوانكان يورن» [من دولة وي] إلى الأمير «ميرونغ»، فقال لسموه: «كان أحد تلاميذ الحوذي الشهير [بدولة جاو] وانليان يقود مركبة تجرها الخيول ويزعم أن جياده من أمهر الجياد في الركض حتى إنها لتعدو به الألف ميل، وكان أن التقى — ذات يوم — مع أحد تلاميذ الحوذي الأشهر [من دولة جو، قائد المركبات الملكية بها] المدعو: «تساوفو»، فابتدره تلميذ هذا المعلم ذي الصيت الذائع قائلًا: «لا أظن أن جوادك من النوع الأصيل الذي يركض بك الألف ميل.» فأجابه تلميذ وانليان بقوله: «إن الجياد التي تقود المركبة الصغرى (التي يجرها جوادان) وتلك التي تجر المركبة الكبرى (التي تسير بأربعة خيول) كلها من النوع الجيد الذي يسابق الأفراس ويرمح في المواكب رمحًا لا مثيل له، فما الذي دعاك أن تُشكك في ذلك؟» فقال له تلميذ تساوفو: «إن عنان فرسك مُسترسل بيدك، غير مقبوض، ومن المعلوم أن طول العنان هو الذي يحدد مقدار ما يمكن أن يعدوه الفرس ركضًا أو خببًا؛ فلهذا قلت إنه من المُستحيل أن يركض بك حصانك ألف ميل بهذا الرسن الطويل الطليق!» … وهكذا فعلى الرغم من أني بغير مهارة أو مزايا ذات جدارة، فإني أستطيع أن أكون ذا قيمة في تحديد مصالح دولة تشين [… تمامًا كما يتم تقدير إرخاء العنان الذي يقاد به الفرس وتتحدَّد به طاقة ومدى ركضه] لكنك أيها النبيل الكريم، لا تلبث تعبس بوجهي ولا تيسر لي العسير من أمري، وتغلق الطرقات المفتوحة أمامي والسبب في هذا كله أني مجرد عنان ممطول مُسترسل في يد الفارس.»