سجل تشين الثاني

لمَّا ساندت دولة تشي دولة تشو

ساندت تشي دولة تشو في الهجوم على تشين، واستطاعت كلتا الدولتَين انتزاع إقليم «تشيوو» من الدولة المهزومة، ثم إن تشين راحت تُعِد العدة لشنِّ حملةٍ تأديبية على «تشي» للثأر من الهزيمة التي مُنِيَت بها ولخسارتها بفقد الإقليم المشار إليه، إلا أن حاكم تشين — الملك هواي — راح يتأمل الأمور وقد استولى على قلبه القلق، وذلك لِما بين تشي وتشو من علاقات ودية، ولم يلبث أن استدعى تشانغي ليُفضي إليه بأفكار قلبه، وقال له ما نصُّه: «ها أنا ذا أفكر جديًّا في معاودة القتال مع تشي، ولكن أكثر ما يُقلقني هو ما بينها وبين تشو من تحالُفٍ وعلاقات ودية، فانظر كيف يمكن أن أجد خطةً جيدة للتعامُل مع هذا الموقف؟» فأجابه تشانغي قائلًا: «فائذن لي يا جلالة الملك بالحصول على عددٍ وافر من العربات الحربية والجياد والهدايا، ودعني أذهب أستطلِع دخائل الأمور بنفسي.» وحدث أن ذهب تشانغي إلى الحدود الجنوبية، فعبرها، وطلب لقاء حاكم تشو — الملك هواي — وكلَّمه قائلًا: «أريد أن أؤكد لجلالتكم يا مولاي مدى الحب والود والإعجاب الذي يُكنُّه مليكنا لشخصكم الكريم، هذا بالإضافة إلى أني، بالأصالة عن نفسي، ما أحببتُ في حياتي قط أن أعمل مستشارًا لدى أي حاكمٍ آخر سوى جلالتكم، لكني أودُّ أيضًا أن أذكر لفخامتكم أن مليكنا الكريم لم يبغض في حياته قط أحدًا من الملوك قدر بُغضه للملك «وي» حاكم تشي، وأضيف لذلك أنني أيضًا أشارك ملكنا نفس المواقف والمشاعر، والآن، فنحن نرى أن أحدًا في الدنيا لم يرتكب جريمةً في حق بلادنا مثل ملك تشي، وهكذا فقد قرَّرنا معاودة القتال معه، لكننا للأسف لا نملك في الواقع أن نُشاوركم في هذا الأمر، نظرًا لما يربطكم ﺑ «تشي» من علاقات ودِّية، ولا أنا أيضًا أستطيع أن أكون مُستشاركم في هذا الشأن، لكني أؤكد لجلالتكم أنكم إذا أغلقتم نقاط الحدود الرئيسية بينكم وبين دولة تشي، فيُمكنني أن أطلب من ملك تشين أن يتنازل لكم عن إقليم «شانغيو»، وهو الوضع الذي يبلغ مُحيطه ستمائة كيلو مترًا، فإذا ما وقع في حوزتكم هذا الإقليم تبدَّلت عناصر الأهمية الجغرافية، وبالتالي تعرَّضت دولة تشي لخطر بالِغ وفقدت المزايا الدفاعية الفريدة التي كانت تتحلَّى بها، وعندئذٍ، ستجد نفسها رهن مشيئتك، أي إن الوضع سيُصبح كالتالي: في الحدود الشمالية، تفقد تشي الكثير من قوَّتها، وهو ما يَضمنه لك ملكنا المفدَّى، وفي الحدود الغربية، تستطيع جلالتكم أن تحصلوا على إقليم شانغيو من دولة تشين، إذا ما أبديتُم قدرًا من النوايا الطيبة، وهكذا تستطيعون أن تحصلوا على ثلاث مزايا وفق الخطة التي أعرضها على جلالتكم».

الجزء الثاني من الفصل نفسه

فما إن سمع الملك «هواي» — حاكم تشو — هذا الرأي حتى طابت نفسه وتهلل فرحًا، فأصدر في الحال فرمانًا يقول فيه ما نصه: «نُعلن للدولة خبر حصولنا، نحن ملك تشو، على إقليم شانغيو ذي المساحة الهائلة المشهورة، وهو من أهم الأقاليم التي ستئول إلى ملكيتنا، وتقع تحت نفوذنا.» وعندئذٍ، قدِم جميع الوزراء على الملك لتهنئته بهذا الخبر، وكان آخِر من تقدَّم إلى الملك الوزير «تشين جين» وفوجئ كلُّ الحاضرين بأنه الوحيد الذى لم يُعرِب عن سعادته وتهنئته، فاستغرب الملك، وقال له ما نصُّه: «أما ترى أني أحصل على إقليمٍ بهذا الاتساع وعلى قدْر من الأهمية الجغرافية دون أن أدفع لذلك ثمنًا أو أن أُريق دم جنديٍّ واحد في معركة، أليس ذلك تصرفًا ذكيًّا وفطنة أريبة، فكيف بك تتقاعس دون الجميع عن تهنئتي بهذا الفوز؟» فأجابه بما نصُّه: «حسب ما يبدو لي يا مولاي، لا أرى أن بإمكننا الحصول حقًّا على هذا الإقليم، وبالتالي، فالخطر يظلُّ كامنًا ومعلقًا فوق الرءوس، وهكذا لا أجد مبررًا يدعوني للمشاركة في حفل التهاني.» فدهش الملك وسأله أن يوضح الأسباب على نحوٍ أكثر تفصيلًا، فأجابه «تشين جين» بقوله: «لا شك في أن السبب وراء اهتمام ملك تشين بموقف جلالتك إنما يرجع إلى ما يربطكم بدولة تشي من علاقات طيبة، والآن، فإن جلالتك على وشك أن تقطع هذه العلاقات دون أن تحصل على الإقليم المشار إليه، وهو ما سيضعنا في موقف العزلة، وبالتالي تضيع منا الميزة التي تجعل لنا وزنًا عند تشين، ذلك أن هذه الأخيرة لن تهتم بدولة معزولة مثلنا، أما إذا طلبنا من تشين تسليم الأرض، قبل أن نبدأ في إجراءات قطع العلاقات مع تشي، فلا أظن أنهم سيجيبوننا إلى ذلك حسب ما يتضح من خطتهم، ومن ناحية أخرى، فإذا بادرنا إلى قطع العلاقات مع تشي، ثم ذهبنا إلى تشين نطلب منها الأرض التي وعدتنا إياها، فلا بد أننا سنتعرض لخديعة يتفتق عنها ذهن الداهية تشانغي، فنعود خاسرين نعض بنان الندم، ولكن الأسوأ من هذا كله هو ما سينجم بعد ذلك من خطر حقيقي يتهدَّدنا على الحدود الغربية من قبل تشين، وخطر آخر أسوأ منه يُواجهنا على الحدود الشمالية، بعد أن نكون قد قطعنا علاقتنا بدولة تشي، وهو ما يعني أننا سنجد أنفسنا مُواجهين بزحف جيشين ضدنا من جانب تشين وتشي.» وهنا عبس الملك بوجهِه وأصمَّ أذنَيه عن سماع المزيد من كلام مُحدثه وقال: «دعك من هذه الأباطيل والأوهام وأطبِق فمك على لسانك ولا تنبس بكلمة أخرى، فقد رأيت الرأي الصحيح، وستعرف فيما بعدُ أني كنت أبعد بصرًا وأنفذ بصيرة، وسأتصرَّف على النحو الذي ارتأيته، ولن أضيع الفرصة.» وبالفعل، فقد سارع الملك بإرسال مبعوث عاجل للتباحُث بشأن تجميد العلاقات مع تشي، وقبل عودة المبعوث، كان قد بادر بإرسال وفدٍ لإتمام إجراءات قطع العلاقات تمامًا ونهائيًّا، وفي تلك الأثناء كان تشانغي قد عاد إلى تشين، وفي غضون أيامٍ توجَّه وفد رسمي إلى تشي، وذلك للعمل على إقامة علاقات رسمية طبيعية بين البلدَين، على أن يتم ذلك في أجواء مُحاطة بالتعتيم، ورغم ذلك فقد كانت دولة تشو تثِق في وعود تشانغي لها، فأوفدت قائد قواتها المسلحة لتسلُّم الإقليم الذي قيل إنه سيُهدى إليها، إلا أن تشانغي اعتذر عن عدم مُقابلة القائد العسكري الكبير مُتعللًا بإصابته بوعكةٍ صحية، ووقع في ظنِّ الملك هواي — حاكم تشو — أن تشين مُتشكِّكة في مقدرته على قطع العلاقات مع تشي، فأرسل جماعات من عتاة المجرمين إلى الحدود بينه وبين تشي ليسبُّوا مَلِكها بأفظع السباب، ويُثيروا الفوضى والقلاقل، فلمَّا تيقَّن تشانغي من قطع العلاقات بين تشي وتشو، تحامل وذهب مُتثاقلًا إلى مبعوث تشو، وقال له: «تعال نقيس قطعةً من الأرض، ستة أميال بالطول، ومثلها بالعرض، وأنا أُقطِعك إيَّاها عن طيب خاطرٍ من جانبنا.» فأجابه المبعوث الكبير بأن الأرض المُتَّفق على تسلُّمِها يبلغ مُحيطها ستمائة ميل وليس ستة أميال طولًا في عرض، فأجابه تشانغي بقوله: «لكنَّنا في الواقع لا نملك سعةً من الأرض تسمح لنا بالتنازُل عن رقعةٍ كبيرة بهذا الحجم.» وهنالك عاد المبعوث إلى تشو وأبلغ البلاط الحاكم بما سمِعه، فاستشاط الملك غضبًا، وفكَّر في شن حملةٍ تأديبية على تشين، فتقدَّم «تشين جين» من الملك واستأذنه في أن يتحدَّث إليه، فسمح له الملك، فتكلَّم قائلًا: «ليس من الصواب مهاجمة تشين، والأفضل من ذلك أن تنتهز جلالتكم هذه الفرصة لتقوم بعرضٍ سخي إلى تشين، وذلك بأن تتنازل عن قطعةٍ كبيرة من الأرض، مقابل أن تتعاون معها في إعلان الحرب على تشي، وعلى أية حال، فإن الأرض التي سنُعطيها ﻟ «تشين» سوف نَقطعها من تشي، وبذلك (تتوازن الكفتان) يكتمِل لنا ما نقص منَّا. أما وقد قمتم جلالتكم بقطع العلاقات مع تشي وفوجئت بخديعة تشين، واستنكرت فعلتها المشينة، فلن تملك إلا أن تستيقظ غدًا لتجد تشين قد اتَّحدت مع تشي، ونكون نحن الخاسرين في كلِّ الأحوال.» ولم يأتِ هذا القول بما يشتهي أن يسمع الملك، فجهز الجيش وأعدَّ العدة لمهاجمة تشين، وحدث في تلك الأثناء أن اتَّحدت فعلًا تشين مع تشي، ثم لحقت بهم هان، أما تشو فقد تكبَّدت قواتها خسائر فادحة في إقليم «دولينغ» حتى كادت قوات الجيش والمَدنيين تهلك عن آخرها، وكان ذلك كله راجعًا لسببَين: أولهما: تجاهل الخطة الذكية التي تصورها «تشين جين»، وثانيهما: الثقة الزائدة فيما تفوَّه به تشانغي من وعود معسولة وأمانٍ جميلة.

لمَّا قُطعت العلاقات بين تشي وتشين وتشو

لمَّا قُطعت العلاقات بين تشو وتشي، وقامت قوات الدول المُتحدة بشن غاراتها على تشو، وعندئذٍ ذهب «تشين جين» إلى الملك هواي — حاكم تشو — وقال له: «الرأي يا مولاي أن تبادر إلى التنازل عن قطعة أرض عند الحدود الشرقية لدولة تشي على سبيل التصالُح معها وإعادة العلاقات الودية، ثم تسعى لإقامة علاقاتٍ سلمية مع دولة تشين عند الحدود الغربية.» وقام الملك بإيفاد: «تشين جين» إلى دولة تشين، حيث استقبله الملك هوي وقال له: «قد عرفنا أنك أصلًا من مواطني دولتنا «تشين العظمى» هذا بالإضافة إلى ما بيني وبينك من ودٍّ قديم وصداقة وطيدة، وأنت تعرف مقدار طيبة قلبي، وتعرف كذلك أني لا أملك من الذكاء وتوقُّد القريحة ما يجعلني قائدًا فذًّا، لذلك فقد آثرتَ أنت أن تبتعِد وتذهب إلى بلاط دولة تشو، وها قد جاءت الأيام بمشاكلها المُعقدة، وصارت المعارك الطويلة على وشك أن تدبَّ بين كلٍّ من تشي وتشو، والبعض يرى أن الخير إيقاف مسلسل التوتُّر القائم بينهما، وهناك من يرَون بأن الخير كله في أن تندلِع شرارة القتال، ولا أدري أيُّ الرأيين أفضل، ألا تستطيع أن تجِد وقتًا بعد فراغك من المشورة على تشو أن تُشير عليَّ بآرائك السديدة؟» فأجابه «تشين جين» بقوله: «أما سمعتَ يا مولاي بحكاية الرجل الذي ذهب من دولة «أو» إلى تشو للعمل بوظيفة رسمية في القصر الملكي، وكان الملك يعطف عليه كثيرًا، فلمَّا مرض الرجل، أرسل إليه الملك رسولًا يعوده، وسأل عن أحواله وحقيقة مرضه، وعما إذا كان الرجل مُعتلًّا حقًّا أم هو مُشتاق إلى وطنه، فأجابه الرسول قائلًا: «لا أدري يا مولاي إن كان الرجل مُشتاقًا إلى وطنه أم لا؟ لكني أظن أنه لو كان يُكابد البعاد، لتكلَّم إليَّ على الأقل بلغة البلاد المحلية.» أما سمعتَ يا مولاي بالتعليقات الشهيرة ﻟ «كوانيو»؟ (شخصية لا تتوافر لها ترجمة ذاتية لدى تحقيق النص) على أية حال دعني أقصُّ عليك شيئًا من تلك التعليقات، فقد قيل قديمًا إن نمرَين هجما على أحد الأشخاص، وأراد كل منهما أن يفترسه وحدَه، فتعاركا، وطال بينهما العراك، حتى لمحهما البطل الشهير «بيانجوانز» فأراد مواجهتهما وقتلهما، فوقف في طريقه كوانيو، وقال له: «إن النمور حيوانات شديدة الافتراس، وليس على الأرض شيء أشهى عندها من لحم البشر، وهذا هو السبب في أن النمرَين يتقاتلان؛ ليفوز أحدهما بالغنيمة كاملة، ولا بدَّ أن الأمر سينتهي بأن الكبير منهما يتغلَّب على الصغير فيقتله، لكنه سيكون قد نزف كثيرًا هو الآخر، ولكثرة العراك، فما عليك إلا أن تتريَّث برهةً من الزمن حتى تُنهكه جراحه، فتُجهز عليه، فتصيد نمرَين معًا بضربةٍ واحدة، فتذيع شهرتك في الآفاق ويتكلَّم الناس عنك بكل فخرٍ وإعجاب.» والآن، فقد وقعت الحرب بين كل من تشي وتشو، وسينتهي الأمر باندحار أحدهما لا محالة، وعندئذ، تستطيع يا مولاي أن تُرسل نجدتك للفريق المهزوم، وإنه لمن الخير لك أن تفوز بشرف مساعدة تشي، من أن يُصيبك عار الهجوم على تشو. إن المقدرة على المناورة والتخطيط والحسم، وبالإضافة إلى التنبؤ بكيفية تطور الأحداث، من الخصال المعهودة في جلالتك. والتخطيط يا مولاي هو أساس كلِّ عمل، أما الحسم فهو مفتاح الوجود، ثم إن أي عيب يعتور التخطيط السياسي أو القرارات الحاسمة، لن يعود على البلاد إلا بأوخم العواقب، لذلك فقد قيل: «إن الدأب على التخطيط والحسم الواعي بالمبادئ يصدُّ عن الاضطراب والفوضى».»

لمَّا تُوفي الملك هواي — حاكم تشين —

لمَّا تُوفي الملك هواي — حاكم تشين — أراد «كونسونيان» أن يُضيِّق الخناق على تشانغي، وهنا تقدم «ليتشو» (لا تتوافر ترجمة ذاتية عنه لدى مُحقق النص الأصلي)، وقال ﻟ «كونسونيان» ما نصُّه: «أرى يا سيدي أن تستدعي كانماو من دولة وي، ثم تستدعي «كونسونيان» من هان، وتعيد تنصيب تشوليز في موقعه الوظيفي في تشين، فهؤلاء الثلاثة الذين عددتُهم لك هم أبغض أعداء تشانغي، فإذا ما قرَّبتهم إليك، أدرك الجميع فقدان تشانغي لمكانته ولنفوذه في بلاط تشين الحاكم.»

لمَّا ذهب حاكم دويلة إيتشو إلى دولة وي

ذهب حاكم دويلة «إيتشو» إلى وي، واستقبله «كونسونيان»، وقال له ما نصُّه: «إن الطريق بين بلدَينا طويل جدًّا، ولعلِّي لا أراك بعد هذه المرة، فدعني أقص عليك حقيقة الأمور.» ورحَّب حاكم إيتشو بهذا الكلام مؤكدًا رغبته في أن يُنصت إليه باهتمام، فواصل كونسونيان قائلًا: «أريد أن أقول لفخامتكم، إنه لو لم تقُم الدول الست بحملةٍ تأديبية على تشين، فستقوم هذه الأخيرة بغزوكم وتحطيم بلادكم عن آخرها، أما إذا شنَّت هذه الدول الست الحرب على تشين، فسوف تُبادر هذه بطلب مؤازرتكم لها باذلةً في ذلك كل رخيصٍ وغالٍ، ولعلها تمنحكم أثمن الهدايا والعطايا.» فتقدم حاكم إيتشو شاكرًا لمُحدثه توعيته بهذه التفاصيل. ولم تكد تمرُّ أيام، حتى قامت جيوش البلاد الخمس: تشي، وسونغ، وهان، ووي، وجاو مُجتمعة بالهجوم على تشين، فذهب تشين جين إلى حاكم تشين، وقال له: «إن حاكم إيتشو واحد من أذكى وأنبل حكام القبائل البعيدة، وأرى أن تقوم يا مولاي بإهدائه أنفس الهدايا حتى تجد قلبه ونفسه مودة وإخلاصًا.» وبالفعل، قام ملك تشين بإرسال ألف فرسٍ مُحمَّلة بأثواب الحرير، ومائة جارية من أجمل الجواري إلى حاكم إيتشو، فلمَّا وصلت الهدايا إلى إيتشو قام الحاكم وجمع إليه الوزراء، ليشاورهم، وقال لهم ما نصه: «ترَون جميعًا أن إرسال الهدايا من قِبل تشين لهو دليل على صدق ما بلغنا من كونسونيان.» ثم جهز جيشًا وتقدَّم به غازيًا تشين، وتكبَّدت هذه الأخيرة خسائر فادحة في إقليم «لي بو».

لمَّا ذهب الطبيب الشهير بيان تشو للقاء الملك

ذهب الطبيب الشهير «بيان تشو» للقاء الملك «أو» حاكم تشين، فاشتكى إليه الملك أعراض مرضه، وأراد الطبيب فحص الملك بدقة ليعرف موطن الداء، فبادره أفراد الحاشية المُحيطين بالملك بقولهم: «إن المرض يتركز في المنطقة الأمامية من الأذن، تحت الجانب الأيمن من العين اليُمنى، ولن يكون العلاج حاسمًا بحيث يستأصل المرض من جذوره، وربما تأثرت قوَّتا السمع والإبصار من جراء ذلك.» ثم إن الملك راح يُردِّد للطبيب نفس هذا التشخيص الذي قالته الحاشية، فاستشاط الرجل غضبًا وألقى على الأرض بأدواته الجراحية وهو يقول ما نصُّه: «أرى أن جلالة الملك يُشاور أهل الطب في شئون التخطيط السياسي، بينما يُحاور أهل السياسة في شئون الطب والعلاج، وهو ما يُمكن أن يودي بحياته، ولئن كانت هذه هي الطريقة التي تُدار بها شئون الدولة، فسينتهي الأمر بضياع البلاد.»

لمَّا استقبل الملك «أو» حاكم تشين

لمَّا استقبل الملك «أو» حاكم تشين الوزير كانماو، قال له: «أُفكر جيدًّا في استخدام القوات لعمل نفقٍ سري تحت نهر سانشوان، وذلك لكي أتمكن من استطلاع الموقف على جبهة دولتي جو، حتى إذا وافاني الموت، تركتُ مأثرة يذكُرني الناس بها على الدهر.» وهنا أجابه كانماو بقوله: «دعني أذهب إلى وي كي أتفق معهم على شنِّ حملة تأديبية مشتركة على«هانكو».» ووافق الملك، وأرسل برفقتِه نائبًا له هو«شيان شو»، فلما وصلا إلى وي، وتكلم كانماو مع «شيان شو»، قال له: «ارجع إلى الملك وقل له: إن دولة وي على استعدادٍ لأن تسمع منَّا ما نعرضه عليها، لكنا نرجو منك يا مولاي ألا تُبادر إلى شن الحملة التأديبية، فإذا ما أتممت تلك المهمة على خير وجه، فسأذكُر الفضل في أي إنجازٍ لاحق لجهودك أنت وذكائك.» وبالفعل فقد رجع شيان شو إلى الملك وأخبره على النحو الذي كان، وذهب الملك إلى إقليم «شيرانغ» ليكون في استقبال كانماو، فلمَّا مثَل هذا بين يدَيه، سأله الملك عن السبب فيما أخبره به، فأجابه بما نصه: «إن إقليم إيانغ واحد من أكبر المناطق مساحة، فهو الموضع الذي تجمَّعت، بل تراكمت فيه على مدى السنين، ثرواتٌ من منطقتي شاندانغ، ونانيانغ، ولضخامة ما اكتنز فيه من الموارد، فلا يصح أن نُسميه إقليمًا، بل هو ولاية زاخرة بالخير يا مولاي، ولا أخفي عن جلالتك سرًّا بأن أي جهدٍ عسكري لاقتحام المواقع أو تسلُّق الجبال الوعرة لضرب وي، تكتنِفُه مصاعب لا حصر لها، وقد بلغني أن تشانغي قد ضمَّ أراضي من دولتي «با» و«شو»، وقد حصل على منطقة «شيها» في الشمال، أما في الجنوب فقد استولى على «شيانيون»، وليس على وجه الأرض جميعًا أحد الآن يمتدح فعال تشانغي، بل يرى الجميع أن الملك «شيان» هو الأكثر كياسةً وذكاءً وحكمة، ولمَّا قرر الملك «ونهو» حاكم وي مهاجمة دولة «جونشان»، فقد جعل على رأس الجيش القائد المُحنك «يويانغ»، واستطاع هذا الرجل بمقدرته الفذة أن يُحقق النصر التام على أعدائه بعد ثلاث سنوات، فلمَّا عاد إلى بلاده ليتلقَّى التهاني على ما حقَّقه من مآثر طيبة لبلده، قابلَه الملك وسلَّمه كتابًا يحوي تقييمًا طيبًا واعترافًا بما حقَّقه من إنجازٍ عظيم، فانحنى «يويانغ» وركع على الأرض أمام الملك، وقال له ما نصه: «الفضل كله يا مولاي للقيادة العليا وليس لشخصي الضعيف، ثم إني مجرد واحد من رجالك يا مولاي، ولديك هنا في القصر آخرون مثل تشولنجي، وكونسونيان، يقبضون بيدٍ محكمة على دولة هانكو، فإذا ما جرى تقييم جهودي، فلا بد أن جلالتك سوف تميل إلى تصديقهم، وهو ما يعني أن جلالتكم ستوقعون بدولة وي في إسار الخديعة، وهذا ما سيُعرضني لتأنيب ولوم القائد العسكري الكبير «كونجون شي» — أشهر قادة هان — إليك هذه القصة يا مولاي: كان فيما مضى، رجل طيب يُدعى سنزي (شقيق الفيلسوف الحكيم كونفوشيوس) وكان يُقيم ببلدة «فاني»، وتصادف أن رجلًا آخر بذات الاسم كان يُقيم بنفس البلدة، وحدث أن اعتدى هذا الأخير على غريم له فقتله، وذهب مَن يقول لوالدة الرجل الطيب إن ابنها ارتكب جريمة قتل، فأنكرت الأم أن يأتي ولدها بمثل هذه الفعلة النكراء، وظلَّت جالسةً مكانها تغزل الثوب دون أن يطرف لها جفن، وبعد برهةٍ جاءها من يُردد للمرة الثانية أن ابنها ارتكب جريمة قتل، فبقِيَت ساكنةً مكانها وهي تغزل الثوب، وجاء للمرة الثالثة من يُخبرها بذات الخبر، وهنا استولى الخوف على الأم، فذُعرت وألقت ما بيدِها من خيوط ومغازل، وركضت خارج البيت في هلع. وهكذا يا مولاي، فإن رجلًا طيبًا مثل سنزي بكل ما يعرف الناس عنه من صفات، وبرغم ما تعرف والدته عنه من خصال كريمة، لم تلبث بعد ثالث مرة من اتهامه بالقتل أن ارتبكت وداخَلها الظن والشك في سلوك ولدها وهي أكثر الناس إلمامًا بطباعه وشخصيته، أما وإن خصالي لا تفوق ما يتَّسم به سنزي من مزايا، فلا أظن أن تصديق مولاي لما يُمكن أن يُثار عنِّي من أقاويل سيكون أرسخ وأعمق من تصديق والدة سنزي عما يتَّصف به ولدها من صفات، كما لا أظن أيضًا أن من يتهمونني بأبشع التُّهم يقتصرون على ثلاثٍ فقط، وبالتالي فليس بعيدًا أن ينفض جلالة الملك ما بيده من أثواب ومغازل بعد المرة الثالثة تمامًا.» وهنا أجابه الملك بقوله: «لن أستمع إلى وشاية ضدك، وليكن بيني وبينك عهد وميثاق».» وهكذا، فقد تم عقد ميثاق بين الملك وكانماو في إقليم شيرانغ.

لمَّا تحدَّث فنجانغ مع ملك تشين

لمَّا تحدث فنجانغ مع ملك تشين حول معركة إيانغ قال ما نصُّه: «اعلم يا مولاي أنك إن لم تستولِ على إيانغ فستتَّحد الدولتان تشو وهان معًا، وتنتهِزان فرصة ضعف الأحوال الذي أصاب قواتنا فتُهاجماننا، وتتعرَّض البلاد لمخاطر شديدة، والأفضل أن نتنازل عن إقليم هان جزن لدولة تشو، فنكسب ودَّها، ونتجنب غزوها لأراضينا، وهنالك تجد هان نفسها معزولة عن زميلتها، ثم إني لا أجد أمامنا بديلًا معقولًا عن هذا التصرُّف، فلا مفرَّ لنا من أن نُقدِم على مثل هذه الخطوة.»

وهنا استحسن الملك الفكرة ووافق عليها، بل إنه أعد العدة للتنفيذ، وبالفعل أوفد فنجانغ لتسليم إقليم هانجون ﻟ «تشو» ليفرض عليها عزلةً قسرية، وهو ما يعني أن دولة تشين قد أصابت أهدافها بشأن إقليم إيانغ الواقع في دولة هان.

وحدث أن ذهب ملك تشو بنفسه إلى دولة تشين ليُطالب بتسليم إقليم هانجون حسب الوعد الذي قطعه له فنجانغ، وهنالك تكلم هذا الأخير مع ملك تشين قائلًا له ما نصُّه: «تستطيع يا جلالة الملك أن تُعلن على الملأ خبر هروبي من البلاد سرًّا، وأن جلالتك لا توافق على التنازُل عن الإقليم ﻟ «تشو» لأنكم لا تُوافقون فنجانغ على وعده الذي أعطاه بصفته الشخصية أساسًا، وبما أن هذا المشار إليه لا يُعثَر له على محل إقامة باعتباره هاربًا، فلا تجوز المطالبة بتنفيذ الوعد الذي أعطاه عن نفسه شخص هارب.»

لمَّا قاد كوانمو الجيش لاحتلال إقليم إيانغ

لمَّا قاد «كوانمو» الجيش لاحتلال إقليم «إيانغ»، حدث أن أصدر أمرًا بالهجوم ثلاث مراتٍ دون أن تفلح القوات في التقدُّم للأمام حسب الخطة الموضوعة، وهنالك أسرع إليه قائد الميمنة ليُبلِغه بأن الإخلال بالقواعد العسكرية المعهودة في قيادة الجيوش يمكن أن يضع القائد الأعلى في مأزقٍ شديد وأن يُعرِّضه لأسوأ العواقب، فردَّ عليه كوانمو قائلًا ما نصُّه: «برغم أني لستُ من مواطني دولة تشين الأصليين، فإني أحد الرعايا الذين أثبتوا إخلاصًا وجدارة حتى بلغوا حد الترقي إلى منصب رئيس الوزراء، وما كان لي أن أقوم بقيادة الجيش لاحتلال «إيانغ» إلا بعد أن علمتُ أن ذلك سيُدخل السرور إلى قلب الملك، وأكثر ما أخشاه الآن هو أن أعجز عن اقتحام الإقليم، فيجد كلٌّ من كونسونيان وتشوليزي الفرصة المُواتية للإيقاع بي، والنيْل من شخصي، ومن الناحية الأخرى فلا بد أن رئيس وزراء هان (كونجون) سيعمل على إذلالي في حال طردي خارج البلاد، فإذا لم أتمكن في الغد من اقتحام أسوار «إيانغ»، فستكون مقبرتي قبالة تلك الأسوار شاهدًا على فشلي الذريع.» ثم إنه رصد أمواله كلها للإنفاق على المكافآت والجوائز لمن يُبلي بلاءً حسنًا في القتال، فما إن طلع نهار اليوم التالي حتى أغارت القوات على الإقليم واشتد أُوار المعارك.

لمَّا صمد إقليم إيانغ تحت المعارك

لمَّا صمد إقليم إيانغ تحت المعارك، وتكبَّدت قوات تشين خسائر فادحة في الأرواح، ذهب «زوشنغ» إلى كوانمو وقال له: «أرى أن موقفك في غاية الصعوبة، فأنت تواجِه في الداخل تحرُّش تشوليجي، وكونسونيان، بينما تتعرض في الخارج لانتقام رئيس وزراء هان منك، فإذا لم تتمكن من إحراز تقدُّم على الجبهة العسكرية، فسوف تتعرَّض للمذلة والهوان، فحاوِل أن تعاود المحاولة بالهجوم مرةً تلو الأخرى، ذلك أن احتلالك لهذا الإقليم، سيُعَد أحد أعظم إنجازاتك الناجحة، وهنالك، لن يجد مبغضوك سببًا للحطِّ من قدرك، فتمتلئ النفوس منهم نفورًا، ويصغر شأنهم في عين الناس.»

لمَّا خانت دولة تشو ميثاقها مع تشين

لمَّا خانت دولة تشو ميثاقها مع تشين، وأعلنت الوحدة مع هان، وأُسقِط في يد حاكم تشين، فلقِيَه كانماو وقال له: «برغم ما يبدو لي من شكل الوحدة بينها وبين هان فإنها لن تُبادر بإطلاق الحشود وشنِّ الغارة ضد تشين، وتخشى هان إن هي هاجمت تشين وأبلت على جبهة القتال بلاءً حسنًا أن تثور الفتن من ورائها على يد تشو، وهكذا فستبقى كلتاهُما تَرقُب تحركات الأخرى، ولئن زعمت تشو أنها ترتبط بعلاقات وحدة رسمية مع دولة هان، إلا أنها لم تُصرِّح بأية نوايا طموحة مع تشين، وهكذا فإني أظن أن العلاقات بين تشو وهان تضع قيودًا عليهما وتحدُّ مِن تحركاتهما.»

لمَّا تكلَّم حاكم تشين مع كانماو

تكلم حاكم تشين مع كانماو فقال له: «قد لاحظت أن أعضاء الوفود الدبلوماسية الذين يأتون إلينا من تشو يُتقنون فنون القول والفصاحة والبيان حتى إني في كثيرٍ من المرات أجد نفسي عاجزًا عن مُجاراتهم، بل قد تتغلَّب حُجتهم ويسود منطقهم فلا أقوى على إقناعهم، فما السبيل إلى إتقان فنون الجدل وإيراد الحُجج واستيفاء البرهان مع مثل هؤلاء؟» فأجابه الوزير بما نصُّه: «لا عليك يا مولاي، فالأمر أيسر مما تظن، وذلك أنه إذا جاءك أولئك المُجادلون فلا يغرنَّك ما يقولون وما يَسوقون من فصيح القول وعذب الحديث، بل اصمم آذانك عما يتحدَّثون به، أما إذا حضر إليك المبعوثون الذين تطرف عيونهم لرؤياك وتتلجلج ألسنتهم في حلوقهم عند الحديث معك، فلا بأس من أن تُصيخ إليهم السمع، وهكذا، فإذا أُغلِق بابُك دون كُلِّ متفاصح، وصار المُتلجلجون هم أكثر الناس حظوةً عندك، وتلك هي الوسيلة التي تستطيع بها أن تُروِّضهم أيما ترويض.»

لمَّا تكلَّم كانماو أمام الملك

تكلَّم كانماو أمام الملك بما يسيء إلى كلٍّ من تشو وكونسونيان، وحدثه قلبه بأنهما ربما يفتكان به، فولَّى هاربًا من تشي، فبينا هو على الطريق قبالة ممرِّ «هانكوكوان» إذ التقى ﺑ «سوادي» (مبعوث دولة تشي إلى تشين)، وقال له ما نصُّه: «أما سمعتَ بحكاية الفتيات اللاتي كنَّ يُقِمن ببلدة «جيانغ»؟» فلمَّا بَدَا سوداي أنه لم يسمع بها من قبل، أجابه: «كانت تُقيم عدة فتيات، منذ زمنٍ بعيد، ببلدة «جيانغ»، وكانت إحداهن فقيرةً لا تجد ما تشتري به عودًا من الشمع، فتحادثت باقي الفتيات بشأنها، ورأين أنه من الأفضل لها أن ترحل بعيدًا عنهنَّ ما دامت تعيش في تلك الحال المُزرية، فلمَّا تجهزت البنت الفقيرة للرحيل، التفتت إليهنَّ قائلة: «أما دَريتنَّ أني لولا انسدال الظلمة في داري ما كنتُ أتيتُ في أول شروق النهار كي أُنظف الفُرُش وأرتِّبها، وأكنس الباحة والفناء، فما الذي يَضيركن من نُدرة الشمع في غرفتي، وما ضركنَّ لو تفضلتنَّ بإهدائي بضعةَ عيدان من الشمع، أما أني لستُ عديمة النفع، فلِمَ تُردنَ إقصائي بعيدًا؟»

وهنالك أخذت الفتيات يتشاورنَ بشأنها وقد تأثرنَ بما قالت، وقررنَ إبقاءها بينهن؛ فها أنا ذا الآن بغير حول ولا قوة، وقد طردَتْني دولة تشين حتى صرتُ أهيمُ على وجهي في الخلاء مع أني كنتُ قانعًا بما رأيتُ من فرش وأكنس من أفنية، فهلَّا رضيتُم بي وأبقيتموني وسطكم؟» فأجابه سوداي قائلًا: «لا عليك، سأتدبر لك طريقةً مناسبة للعيش الكريم في تشي.»

وعلى الفور توجَّه سوداي إلى ملك تشين، حيث قابله وراح يُجادله بشأن كانماو قائلًا له ما نصُّه: «تعرف يا مولاي إن كانماو رجل فاضل كريم، وله مكانته التي يعرفها الجميع، بعد أن بقي طويلًا في بلاط آل تشين بكلِّ تفانٍ حتى احترمَتْه وأجلَّتْه الملوك والأمراء، وما من موضع في طول البلاد وعرضها إلا ويعرف قدرَه وقيمته، وأخشى أن تضعه دولة تشي على رأس جيوشها فيتحالف مع قوات وي وهان ويأتي لضرب تشين، وهو ما يمكن أن تنجم عنه عواقب وخيمة لا قِبل لكم بها.» فسأله ملك تشين عما يراه مناسبًا في هذا الشأن، فأجابه سوداي: «ليس أقل من أن تفتح له صدرك وتستقبله بالتحية اللائقة والهدية الثمينة، فإذا أقام بين أظهركم أقطعتموه أرضًا من أحسن بلادكم، فلا يجد نعمةً عند أحدٍ غيركم، فيبقى حتى آخر عمره مُقيمًا بينكم، فيُمنع عنه الأمراء الطامعون في التخطيط لغزو تشين.» وهنالك، تهلَّل الملك بعد إذ أعجبته الفكرة، وأصدر فرمانًا بالإنعام على كانماو بالمرتبة الاجتماعية الرفيعة (واليًا على إقطاعية)، وتنصيبه مستشارًا كبيرًا، وجهز نفسه لاستقباله بكل حفاوةٍ وترحاب. إلا أن كانماو تردَّد في المجيء وقبول كل ذلك التكريم، وحدث أن عاد سوداي إلى تشي، فذهب لمقابلة الحاكم، وتظاهر بأنه لا يدري عن أمر كانماو شيئًا، فكلَّم الملك قائلًا له ما نصُّه: «تعلَم يا مولاي أن كانماو رجل عظيم القدْر والمكانة، حتى إن دولة تشين قررت الإنعام عليه بمرتبة (الوالي) وتنصيبه مستشارًا عظيمًا، وبرغم كل ذلك فقد آثر أن يبقى ببلدك إكرامًا وتعظيمًا لشأنك، راضيًا بأن يعمل لدى جلالتكم وزيرًا عاديًّا في البلاط الملكي، فانظر ماذا تصنع معه، فأنت إذا أقصيته عنك بقي عمره كله حانقًا عليك، وقد تستغل دولة تشين هذا الموقف، فتضعه على رأس جيشها كي يُعِد العدة لضرب تشي، وبالطبع فسيتفانى هو في ذلك من باب التشفِّي ورد الضربة بمثلها».

فاستحسن ملك تشي كلام سوداي وأصدر قرارًا بالإنعام على كانماو بالدرجة الاجتماعية الرفيعة، مع السماح له بالإقامة في أرض تشي كيفما شاء.

لمَّا تولَّى كانماو منصب رئيس وزراء

تولَّى كانماو منصب رئيس وزراء دولة تشين، إلا أن حاكم تشين كان يميل بقلبه إلى كونسونيان، وراح يتحيَّن فرصة حصول كانماو على إجازة للراحة من العمل كي يُنصِّب كونسونيان مكانه، وراح يكلِّم هذا الأخير بما ينتويه من تنصيبه هو رئيسًا للوزراء بدلًا من كانماو، وحدث أنَّ أحد صغار موظفي القصر قد أبلغ هذا الخبر ﻟ «كانماو» بعد أن تسرَّب إلى آذانه الحوار الهامس بين الملك وكونسونيان، ثم إن كانماو ذهب والتقى بجلالة الملك، وقال له: «ليسمح لي جلالة الملك أن أُقدِّم له بالِغ التهنئة وخالص الاحترام والأمنيات الطيبة، إذ كشفت له الظروف عن المعدن الأصيل لرئيس وزرائه المقترح.» فاندهش الملك قائلًا: «ما الذي تقصده بعبارة «رئيس الوزراء المُقترح»، ألستَ أنت الذي تتولَّى هذا المنصب دون منازعة؟» فرد عليه: «ألا يُريد جلالة الملك أن يُعين كونسونيان لهذا المنصب؟» فاستغرب الملك جدًّا وسأله عن مصدر هذه المعلومة، فأجابه قائلًا بأن كونسونيان نفسه هو الذي سرَّب هذا الخبر إلى الجميع، فحملها الملك في نفسه، وقد حنق على كونسونيان، ثم أصدر قرارًا بإبعاده عن القصر لإفشائه الأسرار.

لمَّا قاد كانماو تحالف وي وتشين

قاد كانماو تحالف قوات وي وتشين لمهاجمة تشو، وهنا تدخل رئيس الوزراء تشيوكاي للمصالحة بين تشو وتشين (كان تشيوكاي أصلًا من مواطني تشو الذين استوطنوا دولة تشين، وترقَّى فيها حتى صار رئيسًا للوزراء)، فلما قامت تشين بفتح البوابات بينها وبين تشو لاستقبال مبعوث السلام القادم من تشو، وهنالك ذهب كانماو للقاء ملك تشين ليقول له ما نصُّه: «أرى يا مولاي أننا نتعرَّض لغوايةٍ من قِبل تشو الهدف منها أن تُشرف هي على مباحثات الصلح، بحيث تجري معنا مُحادثات، ثم تستدير ناحية وي لتقول لها ما معناه إن تشين قد تخلَّت تمامًا عنها وغدرت بها، وهو ما يعني أنهما ستتحالفان معًا مما يُعرِّض تشين للخطر من جراء هذا التحالف، والأفضل يا مولاي، أن تدعو وي لتترأس هي مباحثات المصالحة، وهو ما سيبعث المزيد من السرور لدَيها ويُصفي كدر الخاطر بينها وبين جلالتك، بل ويمكن أن يزيد من مساحة الأرض التي سنحصل عليها منهم.»

لمَّا قامت معركة شينغ شان

لمَّا قامت معركة شينغ شان، تحالفت كلٌّ من جاو وتشين لمهاجمة تشي، وهو ما أفزع هذه الأخيرة وأوقع في قلبها الرُّعب، فأوفدت أكبر قادتها العسكريين «تيانجانغ» لتعرض الصلح مقابل التنازُل عن إقليم يانغو، وتسليم أحد أمراء تشي لدول التحالف لإبقائه أسيرًا لديهم كضمان للصلح، وهو الأمر الذي أثار السرور في نفس حاكم جاو (الحاكم هوي ون)، فأمر بإيقاف كل التحركات القتالية قائلًا لحاكم تشين: «إننا لا نجد مبررًا لمواصلة الحملة ضد تشي بعد إذ عرضت التنازل عن إقليم يانغو، وسلمت لنا أحد أمرائها رهينةً لإثبات حُسن النوايا، وسوف نذيع موقفنا هذا للجميع مع اتخاذ الإجراءات المطلوبة.»

وعلى الفور قام حاكم تشين الملك «شاو» بإيفاد ولده الأمير «كونزتا» إلى دولة جاو، فوصل إليها على عجل وقابل الملك، وقال له: «أما تذكرون أن حاكم تشي قد اتفق مع جلالتكم على نُصرة وتأييد «وي»، إلا أنه نكص عن اتفاقه وأظهر الغدر، وهو ما دعا جلالتكم إلى طلب دعمنا لكم في حملتكم ضدها، بل إنكم خصصتم أرضًا مُحيطها عشرون كيلو مترًا لبناء معابد مقدسة وهياكل لتقديم القرابين (لاسترضاء الآلهة واستنزال رضاها وتأييدها)، ثم إذا بكم توقفون كل نشاط قتالي، بل تَقبلون عرض تشي بالمصالحة، وهو ما لا أستطيع أن أُدرك كُنهه؟ لذلك أرجو منكم، في هذا السياق، التوقف عن إرسال عدد الأربعين ألف جندي المطلوبين لنا، لتقوية دفاعنا، واعتبار طلبنا بهذا الشأن لاغيًا.»

الجزء الثاني من الفصل نفسه

وأرسل سوداي خطابًا باسم دولة تشي إلى رانخو رئيس وزراء تشين يقول له فيه ما نصه:

«لطالما كنتُ أسمع المارة في الشوارع يقولون إن دولة تشين ستدعم دولة جاو بأربعين ألف جندي لمهاجمة تشي، ومن ثم فقد رأيت أن أؤكد لمليكنا على نحو سري بما مفاده أن ملك تشين بكل ما هو معروفٌ عنه من حنكة وذكاء في وضع الخطط السياسية، لا يمكن له أن يقوم بدعم جاو بأربعين ألف جندي في هجومها على تشي، وذلك لأن أي تصرف من شأنه أن يُقيم عُرى التحالف بين جاو، ووي، وهان خليقٌ بأن يلقى استنكار تشين بل كراهيتها، فقد طالما غدروا بدولة تشين وتصرَّفوا على نحوٍ مخادع لها، وهكذا، فلا بد أن تشين ستَّتخذ كل الحيطة ووسائل التدبُّر، والآن، فإن ضرب تشي لتقوية جاو لن يُفيد تشين في شيءٍ ما دامت جاو هي ألد أعدائها، هذا أولًا، وثانيًا: فإن المُخططين العباقرة لدولة تشين لا بد سيقولون: «إن ضرب تشي سيُصيب التحالف الثلاثي بالإنهاك؛ جاو- وي- هان، وهو ما سيؤدي إلى إخضاعه بما فيه دولة تشي.» فهذا يُشبه تمامًا القناص الذي يصوِّب ألف سهم نحو ثمرة عفنة أوشكت على السقوط، فهي هالكة بغير رمي، فكيف لملك تشين أن يقوم بإخضاع التحالُف الثلاثي، بالإضافة إلى تشي، أما من الناحية الثالثة، فإن قلة عدد القوات التي عبأتها تشين لحملتها العسكرية يُفقد المصداقية في جدية تحركاتها، فلا بدَّ من أن يتمَّ حشد أكبر عددٍ مُمكن من القوات كي تتأكَّد تشي مع التحالُف الثلاثي من أن تشين جادة في حملتها المزمعة لإخضاعهم جميعًا، ثم إن تشي ستُلقي بنفسها وقد استولى عليها الفزع من حملة تشين في دائرة التحالف الثلاثي وتشو، ولا بدَّ أنها ستقطع من أرضها لتدعم كلًّا من تشو والتحالف الثلاثي، وهو ما سينتج عنه إحساس بالاستقرار لديهم جميعًا. من الناحية الرابعة، فإنه إذا قامت تشي بتعبئة كامل قواتها فسوف يتسبَّب ذلك في إضافة أعباءٍ عسكرية باهظة على تشين، وهو ما سيحاول التحالُف الثلاثي أن يستغله على أحسن وجه باعتبار أن قوة تشين سوف تُناطح تشي التي ستردُّ لها الضربة بمثلها، وهو ما سيُرضي التحالف وتشو الذين سيدبرون أمرهم بذكاء شديد بينما يصير الغباء الشديد من نصيب تشين وتشي، وتلك هي المسألة الخامسة.

أما أن تشين إذا حصلت على بلدة «أني» فسوف تعمل على تهدئة خاطر تشي، وهو ما يعني تجنب شبح الكوارث، بل إنها بحصولها على هذه البلدة سوف تخسر كلًّا من وي وهان إقليم شانتانغ. والآن أتوقَّف لأسألكم أيهما أكثر نفعًا؛ الحصول على منطقةٍ ذات أهمية سياسية من التحالُف الثلاثي، أم التقدُّم بجيشٍ نحو كارثةٍ مُحققة؟ لذلك، فإني أهمس في أُذن مليكنا قائلًا: «إن حاكم تشين بعبقريته الفذة في التخطيط السياسي، ورانخو بذكائه المعهود وحنكته ونفاذ بصيرته، لن يُقدِما أبدًا على دعم جاو بأربعين ألف مقاتل لمساندتها في الهجوم على تشي».»

لمَّا وقعت الملكة في غرام أحد كبار موظفي البلاط

وقعت ملكة تشين (زوجة الملك هوي) في غرام «ويتشوفو»، أحد موظفي القصر، وحدث أن اعتلَّت صحتها للغاية وأشرفت على الموت، فطلبت وهي على فراش المرض أن يُسجلوا عنها وصيتها لأنها تشعر بدنوِّ الأجل، فلمَّا جاءوا بالقرطاس والقلم، أملت عليهم ما نصه: «أُوصي بأن يدفن جثماني في جنازة ملكية على أن يدفن في قبري أيضًا الرجل الذي أحببتُه، والمدعو«ويتشوفو» حتى لو كان على قيد الحياة.» ولمَّا علم هذا الأخير بتلك الوصية ارتعدت فرائصه، وقد داخله الرعب والفزع من أن يُدفَن حيًّا، فأشفق عليه الوزير يونغ من هذا المصير وراح ليُكلم الملكة في هذا الشأن، وبادرها بسؤالها عما كانت تظن أن الميت يشعُر بما يشعر به الأحياء، فأجابته بالنفي، فجادلها بما نصُّه: «ما دام الأمر كذلك، فلماذا تطلُبين دفن الرجل الذي تُحبينه حيًّا دون أن ينفعك ذلك بشيء؟ فإذا كنتِ تعتقدين بأن الموتى يشعرون بالأحياء، فمن المؤكد أن دفن الرجل بجوارك سيُثير مشاعر الغضب والحزن لدى زوجك الراحل (الملك هوي)، ولا أرى أنك تملكين من الوقت ما يكفي لتصحيح أية أخطاء أو للتمادي في حالة الحُب خاصة مع هذا اﻟ «ويتشوفو».» فاقتنعت الملكة بهذا الكلام، وأبطلت في وصيتها الفقرة الخاصة بدفن الحي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤