سجل تشي الثاني

لمَّا تحالفت دولتا تشي وهان

لمَّا تم التحالف بين تشي وهان، قام «تشانغي» على رأس قوات تشين ووي لغزو هان، وعندئذٍ قال الملك شيوان حاكم تشي: «لن أتأخر عن دعم ومساندة هان حليفتنا أمام الهجوم الذي تتعرَّض له من تشين.» وتحدَّث رئيس الوزراء «تيان شنس» (لقب تيانجي الرسمي) قائلًا: «ليس هذا بالتدبير السديد يا مولاي، وكان أجدر بجلالتك أن تترك الأمور تسير وفق مجراها، وقد كان الأمير «تيسيكواي» — أمير دولة يان — (في بدء الحال) تنازل عن العرش لرئيس وزرائه «تسيجي» ثم إن الناس فوجئوا بهذا الوضع الجديد على غير رضا، وبالتالي فقد تراجعت عن مساندته [وأعرف كذلك] أن الأمراء غير متحمِّسين لتوثيق العلاقات معه. وهكذا، فإذا ما قامت تشين بمهاحمة هان، فسوف تلقى هذه دعمًا من دولتَي جاو وتشو، وهو ما يعني أن دولة يان ستسقط في أيدينا ثمرةً يانعة (هدية من السماء) دانية القطف.» وهنالك وافقه الملك شيوان على رأيه وراح يتظاهر أمام مبعوث دولة هان باستعداده للقيام بالمساندة المطلوبة، ثم ودَّعه عائدًا إلى بلاده.

الجزء الثاني من الفصل نفسه

أخذت دولة هان في حسبانها جدِّية ما بينها وبين دولة تشي من علاقات دبلوماسية، واطمأنَّت إلى هذا الاعتبار، ودخلت في سجال قتالي مع دولة تشين، فأسرعت تشو وجاو إلى تقديم العون لها، أما دولة تشي فقد انتهزت فرصة القتال الدائر بين تشين وهان وقامت بمهاجمة دولة يان، فما انقضى شهر واحد حتى كانت قد استولت عليها بالكامل.

لمَّا مات جلالة الملك هوي حاكم تشين

مات جلالة الملك هوي حاكم تشين، فخلفه على العرش الملك «أو» [كما تُنطق في المسئولية] وكان تشانغي مستشارًا ورئيسًا لوزراء الملك الراحل، وظل يعمل في منصبه إبَّان ولاية الملك الجديد، وكان كبار الوزراء والمُقربين إلى العرش يبغضون تشانغي فراحوا يُوغرون عليه صدر الملك «أو» بزعم أنه لم يكن جديرًا بثقة الملك الراحل فيه لخيانته وغدرِه، فما زالوا يحثون الملك على عزله حتى جاءت إلى القصر رسالة من حاكم تشي يعترض فيها على بقاء تشانغي في منصبه، وينتقِد الملك الجديد لتقاعُسِه عن اتخاذ الإجراء اللازم.

الجزء الثاني من الفصل نفسه

فلمَّا بلغت تلك الأنباء مسمع تشانغي ذهب إلى الملك «أو» وقال له: «قد هداني تفكيري إلى خطةٍ متواضعة يا مولاي، أرجو أن تتكرم عليَّ بمُناقشتها معي.» فلمَّا أجابه الملك إلى ما أراد، قال له تشانغي: «لمَّا كان من المُتوقع أن تحدث تغيرات هائلة في الأحوال العامة للدول الست الشرقية، فقد فكرتُ في أن المصلحة العُليا للبلاد تقتضي انتهاز فرصة حدوث تلك التغيُّرات لاقتطاع المزيد من الأراضي وضمِّها تحت (السيادة الوطنية) لبلدنا، وبما أن الملك «مين» حاكم دولة تشي يُبغضني ويُناصبني العداء، فلن يتورَّع عن أن يُلاحقني أينما حللت، ولن يتوانى عن أن يُصوِّب نيران حربه على البلد الذي أقطن به، لذلك فإني أفكر في الذهاب إلى دولة وي بصفتي وزيرًا سابقًا بغير سلطات، مما سيدفع تشي إلى الهجوم على وي وإعلان الحرب عليها، فإذا ما احتدم القتال بين البلدين ووصل إلى مشارف العاصمة «داليان»، أصبح السجال ضرورة حتمية بدرجة تفرض على الطرفَين المُتصارعَين الاستمرار في نزيف الدم المتبادل، وعندئذٍ تسنح الفرصة أمامكم للهجوم على هان، والاستيلاء على منطقة «سانشوان» ثم الخروج من مضيق «هان» بغير التورُّط في أية عمليات قتالية، فإذا ما تم ذلك وأصبح الجيش على مقربةٍ من عاصمة دولة جو الشرقية أمكن الاستيلاء على ودائع القربان المقدَّس التي تخصُّ أمير الدولة المذكورة على أن يتم تقييد الأمير نفسه تحت الأمر، تمهيدًا للاستيلاء على الخريطة الرسمية وسجلات قيد السكان والخزانة المالية والودائع لتُصبح جميعًا تحت تصرف جلالتكم، وهو ما يعني إرساء القاعدة الأساسية للهيمنة الإمبراطورية الكبرى.»

وعندئذٍ وافق الملك على هذه الخطة فورًا، وأمر بإعداد القوات وتوفير العدة والعتاد اللازمَين (لحملة عسكرية هائلة)، كما أصدر مرسومًا يقضي بإرسال تشانغي إلى دولة وي.

الجزء الثالث من الفصل نفسه

وبالفعل فقد بادرت دولة تشي بالهجوم على وي، فلما استولى الذُّعر على الملك شيانغ حاكم الدولة المُعتدى عليها راح تشانغي يقول له: «على رِسلك يا مولاي، ودعْ لي هذا الأمر وأنا كفيل بأن أُدوِّخ جيش تشي وأرغمه على الانسحاب.» ومن ثم فقد قام تشانغي بإيفاد أحد أقاربه المدعو «فنشي» إلى دولة تشو حيث استخدم أحد الأعوان من أبناء تلك الدولة للذهاب إلى تشي بصفته رسولًا قادمًا من تشو، وبالفعل فقد أنجز الرسول مهمتَه، وقبيل مُغادرته البلاد انتهز فرصة لقائه بحاكم تشي ليقول له: «بالرغم من كراهيتك الشديدة ﻟ «تشانغي» إلا أنك تركت مسألة تعذيبه وعقابه تحت تصرُّف حاكم تشين الذي بالَغ على عكس ما نظن جميعًا في إكرامه ومساندته.» فردَّ الملك قائلًا: «لا شك أني أبغض ذلك المدعو تشانغي بغضًا لا يتصوَّره أحد، لدرجة أني على استعدادٍ لمهاجمة البلد الذي يُئْويه، لكن بأي سند يزعمون أني أوكلت أمره إلى ملك تشين؟» فأجابه رسول تشو قائلًا: «أنا الذي زعمت ذلك يا مولاي، لأن تشانغي كان قبيل مغادرته تشين قد التقى بملك البلاد واتفق مع جلالته على تنفيذ خطة سرية تقوم على استغلال التغيرات التي تمرُّ بها الدول الست الشرقية، بحيث ينتهز ملك تشين الفرصة للاستيلاء على أجزاء من أراضيها، واستأذن تشانغي في الذهاب إلى وي بصفته وزيرًا مهاجرًا بغير مناصب رسمية، وهو يعلَم تمام العلم أنكم ستضربون وي التي اختارها من دون البلاد جميعًا ليُقيم فيها، وقال ما معناه؛ إن كراهيتكم له لن تمنعكم من ضرب البلد الذي سيحلُّ به أينما كان، ومن ثم وعندما ينشب القتال بين تشين ووي ينتهز ملك تشين الفرصة ويُهاجم هان ويستولي على منطقة «سانشوان» ويعبر مضيق هان بغير قتال، ثم يستولي على الأواني المقدسة عند مشارف دولة جو الشرقية، ويقوم بأسر الأمير ويستولي على الخرائط الرسمية وسجلات السكان ودفاتر الودائع والخزانة العامة، باعتبار ذلك كله نواة (لتحقيق مشروع) الإمبراطورية، وهو ما اقتنع به ملك تشين تمامًا، فأوفد تشانغي إلى وي على رأس سفارة عسكرية هائلة، وهأنتم قد بادرتم إلى الهجوم، وهو ما يعني استهلاك القوة الذاتية وإنهاك النفس إلى الحد الأقصى — داخل الحدود — لأجل تأمين هجوم خارجي على دولٍ متحالفة مما سيؤدي إلى زيادة رقعة العدو المجاور للحدود، ويرهن مصير البلاد تحت أقدار الغزو المُدمر وهو ما يدعم ثقة ملك تشين في تشانغي أكثر من ذي قبل، فذلك هو مغزى قولي لجلالتكم من أنكم أوكلتم أمر تشانغي إلى ملك تشين حيث سيُغدق عليه من كرمه البالغ.» وهنالك أصدر ملك تشين أمرًا بالعدول عن مهاجمة وي.

لمَّا تحركت قوات وي للاشتباك مع تشي

لما وضعت قوات وي تحت قيادة كونسونيان وتحركت للاشتباك مع جيش دولة تشي في موقعة «تشين كوانغ» (بلدة كانت تتبع سونغ ثم انضمَّت إلى وي) فإنها لم تُحرز النصر المأمول وعندئذٍ ذهب تشانغي إلى الملك شيانغ حاكم وي وحذَّره من مغبَّة تعريض البلاد للخطر إن هو لم يأخذ برأيه ويعتمد خطته لإنقاذ الموقف، وهنالك أصدر أمرًا بتعيينه رئيسًا للوزراء، واستطاع تشانغي في ظلِّ منصبه الجديد أن يعقد تحالفًا وديًّا باسم كلٍّ من وي وتشين مع دولة تشي، إلا أن الوزير الأعظم كونسيان وقف بكل قوته ضد هذه الخطة، وسارع إلى القائم على عرش دولة «ويه» ليقول لجلالته [من بين أشياء كثيرة]: «… ليست عندي أي حساسيات أو ضغائن ضد تشانغي سوى اختلاف وجهات نظرنا حول بعض السياسات الإصلاحية الداخلية، فكِلانا يتمسك بطريقته الخاصة في إدارة هذه السياسات، وكل ما أرجوه من جلالتكم أن توضحوا له موقفي هذا.»

ولم يتوانَ الوَصِيُّ على عرش «ويه» أن ينقل هذا التفسير إلى تشانغي مقرنًا بالنصح لتفهُّم الموقف، وبالفعل فقد وعد تشانغي بالاستجابة الودية للوساطة الكريمة، وحضر الرجال الثلاثة إلى بلاط «ويه» ومثلوا بين يدَي الملك الجديد، فسارع كونسيان إلى الركوع أمام جلالته مُعلنًا قبوله للود والتآخي مع تشانغي ودعواته له بطول البقاء، فلمَّا تجهز تشانغي للمغادرة صباح اليوم التالي، اصطحبه كونسيان مودِّعًا حتى منطقة الحدود المُلاصقة لدولة تشي، فلمَّا وصلت الأنباء بذلك إلى مسامع ملك تشي، احتدَّ هُياجه واشتد غضبه على تشانغي وأخذ يهدر ثائرًا: «إذا كان تشانغي يمشي هكذا مُتأبطًا ذراع كونسيان — ألد أعدائي — فلا بد أنهم جميعًا يتآمَرون ضد بلادي في الخفاء ويُضمرون السوء لنا.» وبعدها فقد تلاشت من أفكار ملك تشي آخر احتمالات الثقة في أقوال وأفعال تشانغي.

لمَّا تحركت دولة تشو تحت قيادة جاويان

ذهب «جاويان» (قائد قوات تشو) على رأس قوات دولة تشو لمهاجمة «ويه»، فنشب القتال بين الجيشَين، واستطاعت قوات تشو أن تهزم جيش «ويه» وتقتل قائدها، وتستولي على مدن كبرى من أراضيها، بل أخذت الفِرَق تتهيأ لضرب دولة تشي، فأوفدت هذه مبعوثها «شنجن» إلى تشو، حيث التقى بالقائد المظفر قائلًا: «قل لي يا سيدي — من فضلك — ما الدرجة الوظيفية والرتبة الاجتماعية اللتان يحصل عليهما القائد الذي انتصر على القوات المُعادية، وكبَّدها خسائر فادحة، وقتل قائدها الأعظم؟» فأجابه جاويان قائلًا: «أما المنصب الذي يترقى إليه فهو (ركن الدولة الأعظم) وأما الرتبة الفخرية فهي «شان جيكوي» (حائز الوسام الأثمن).» وعاد شنجن يسأله: «فما هو أرقى منصب وأرفع رتبه فخرية؟» فأجابه: «إنه منصب ودرجة «القائد الأعلى».» فرد عليه شنجن قائلًا: «من المعلوم أن منصب «القائد الأعلى» هو أرفع المناصب والدرجات الفخرية، لكني لا أظن أن جلالة ملك تشو يوافق على أن يمنحه لرجلَين اثنَين في وقتٍ واحد، واسمح لي أن أضرب لك مثلًا في هذا، ذلك أننا لو تصوَّرنا أن أحد المتقدِّمين بالقرابين المقدسة قد أهدى أحد أقربائه كأسًا من خمر، فرغب باقي الأقارب في الشرب من الكأس نفسها، فتجادلوا وتخاصموا فاقترحوا أن تكون الكأس لواحدٍ منهم فقط على أن يتمكن الفائز من أن يرسم على الأرض تنينًا تامَّ الهيئة كامل المنظر، فوفَّى أحدهم بما طلبوا، وما كاد يرفع الكأس إلى فمِه بيده اليُسرى حتى مدَّ يده اليُمنى قائلًا إنه يستطيع أن يُضيف إلى جسد التنين المرسوم قدمَين كاملتَين، فلما همَّ برسم القدمين، كان قريبه الآخر قد انتهى من رسم صورة تنين ثانية، واختطف الكأس من يده يريد أن يتجرَّعها وهو يقول لصاحبه إن التنِّين أصلًا حيوان زاحف بغير قدمَين، فمن ذا يتصوَّر أن يُرسَم له أقدام يسعى بهما؟» وصبَّ الكأس في فمه فأفرغها كلها في جوفه، فكان الرجل الذي أجهد نفسه بإضافة القدمَين إلى صورة التنين قد خسر الكأس والشراب جميعًا. ومغزى هذا المثل أنك وقد لاقيت العناء كله إلى جوار الملك لمساندته على ضرب دولة «ويه»، حتى حققت له ما تمنَّاه وأجهزت له على القوات المعادية وقائدها في وقتٍ واحد، ثم اقتطعت له من أرض أعدائه ثماني مدنٍ كبرى بأقل تضحيات وأدنى خسائر، بل تجهزت للإغارة على دولة تشي فأوقعتَ الرعب في قلوب أهلها فأصبت من جراء ذلك كله شهرة ومجدًا لا مزيد عليهما، حتى صرتَ جديرًا بما هو أرفع من رتبة «القائد الأعلى» ولمَّا كان هذا اللقب لا يحوزه اثنان في وقت واحد (الملك وأحد رعاياه) فقد اخترت لنفسك أن تكون واحدًا من أولئك القادة الذين لا يوقِف زحفهم هزيمة، ولا يعوق تقدُّمهم عائق، فهم أكبر من النصر وأعلى من الأقدار، بحيث يتحتم أن يمنعوا أنفسهم من مزاحمة المجد بأيديهم، ولذلك فهم ينتحِرون في آخر المطاف، بينما يفوز بالأوسمة والألقاب الفخرية آخرون غيرهم، فهذا أشبه ما يكون بإضافة قدمَين زائدتَين لجسد التنين المرسوم في الأمثولة السابق ذكرها.» ولم يجد جاويان ما يقوله، فسكت اقتناعًا بما سمع وأصدر أوامره بالعدول عن الزحف والعودة في أسرع وقت ممكن.

لمَّا قامت دولة تشين بمهاجمة جاو

قامت دولة تشين بمهاجمة جاو، فقامت هذه بإيفاد رئيس وزرائها «لوهوان» إلى دولة تشين يعرض عليها قبول هديةٍ عبارة عن ثماني مدنٍ كبرى لتسوية النزاعات وإقرار السلام وتمهيدًا للتحالف مع تشين لمهاجمة تشي، فلمَّا وصلت هذه الأنباء إلى مسامع ملك تشي أصابه الفزع، وأرسل بدورِه إلى تشين يعرض عليه قبول هدية مُماثلة من جانبه تعبيرًا عن الصداقة وطلبًا للمُصالحة والسلام، وهنالك استولى الرعب على قلب «لوهوان» وقرَّر أن يُهدي إلى تشين أربعًا وعشرين محافظة من ولاية «شاندانغ» وأوفد جاوتسو (أحد مواطني جاو المناصرين للمصالحة مع تشي) إلى دولة تشي ليقول لحاكمها: «إذا كنتَ تفكر في تسوية نزاعاتك مع دولتي تشين وجاو، فالأفضل في كل الأحوال التحالف مع جاو للانضمام إلى محور الحلف الشمالي الجنوبي، وهو ما سيدفع جاو إلى نقض تعهداتها لدولة تشين، فإذا ما تحقق ذلك، زالت على الفور كل مخاوف دولة تشي، وحل محلها الهدوء والطمأنينة.»

لمَّا نشب القتال في منطقة تشواندي

لمَّا نشب القتال في منطقة «تشواندي» بين دولتي تشي، وجاو قامت دولة تشين بإيفاد رئيس وزرائها «رانخو» إلى جاو لحثها على دفع بعض قواتها إلى دولة «يان» للمساعدة في مجهود الإغارة على تشي. وفي تلك الأثناء، كان شوكون رئيس وزراء هذه الأخيرة قد أوفد الوزير الأعظم «ويتشو» إلى جاو، حيث التقى بالوزير الأعظم هناك (اسمه ليدوي)، وقال له: «إذا قمت بمساندة دولة «يان» في ضرب تشي، فستعرِّض هذه الأخيرة لأعظم خطر، مما سيدفعها إلى السعي بكل وسيلةٍ للمصالحة مع يان ولو كلَّفها ذلك التنازل عن بعض أراضيها، ثم تستدير لتواجهكم بحربها، وهو الأمر الذي سيصل بكم في آخر المطاف أن تقوم قواتكم بالحرب نيابة عن دولة «يان» في قتالها الدائر جهة الشرق، فتقوم باحتلال الأراضي كي تُسلمها إلى دولة «يان»، وهكذا فلا أرى مصلحة حقيقية لكم في الأمر كله، والأفضل حقًّا، هو أن تُجمِّدوا تحركات قواتكم تمامًا في مثل هذه الظروف. ولا بد أن التوتر السائد في أوضاع دولة تشي سيخفُّ لفترة، وبعد أن ينخفض التوتر قليلًا تتجدَّد المعارك مع دولة «يان» فإذا ما انتصرت هذه الأخيرة، فستكون قواتها قد بلغت حدًّا من الإنهاك يسمح لدولة جاو بانتهاز الفرصة للاستيلاء على منطقتي «تاندي»، «وتشوني» (منطقتان تابعتان لدولة «جونشان») أما إذا لم يكن النصر حليفها، فستُصبح أقدارها معلقة بيد دولة جاو، وهكذا وعلى ضوء هذه الأحوال فالموقف الأمثل بالنسبة لكم هو أن تلتزموا بالحياد الصارم الذي سيُمكنكم من الاستفادة بأقصى حدٍّ من دولة تشي، في ظل محنتها العثرة، والاستفادة أيضًا من دولة «يان» تحت ضغط الإنهاك الذي يُهدد أوصال قواتها، وذلك باقتطاع أجزاء مهمة من أراضيهما، وباستلاب سلطاتهما السيادية والهيمنة، من ثم، على قراراتهما المصيرية.»

لمَّا قامت دولة تشين بالهجوم

لمَّا قامت دولة تشين بالهجوم على منطقة «شاندانغ» التابعة لدولة جاو، فقد هبَّت كلٌّ من تشي وتشو لنجدتها، وراح ملك تشين يدبر في ذهنه خطة مناسبة لمواجهة هذا الموقف وهو يقول:

«من الواضح تمامًا أن تشي وتشو تبذلان جهدهما لتقديم المساندة لدولة جاو، فإذا ما ظهر أن العلاقات بين ثلاثتهم تزداد عمقًا واقترابًا مع تطور الحوادث، فسأُبادر إلى سحب القوات المهاجمة، أما إذا لم تكن العلاقات على النحو الذي أتصوَّره، فلن أتوانى عن ضرب «تشانغ بين» والاستيلاء عليها».

الجزء الثاني من الفصل نفسه

لمَّا نقصت كميات الطعام المُخصصة لتموين قوات دولة جاو، فقد تقدمت السلطات إلى دولة تشي بطلب إعارتها كميات زائدة من الحبوب، إلا أن هذه لم تستجِب إلى طلب جارتها، وعندئذٍ ذهب «جوتسي» — أحد خبراء التخطيط السياسي بدولة تشي — إلى جلالة الملك وقال له: «أرى من الأفضل — يا مولاي — الاستجابة إلى طلبهم وإعارتهم الكميات المطلوبة من الحبوب لعلَّ في هذا ما يساعد على التصدي لهجوم تشين وإلا داهمتنا بقواتها كأسراب الجراد، وهو ما تسعى خطط دولة تشين لتحقيقه، بينما تُغفله وتتشاغل عنه خطط كلٌّ من «يان» و«تشي»، ناهيك عن أن دولة جاو هذه (بموقعها ودورها) تمثل السور الحديدي أو الحاجز الواقي الذي يدرأ الخطر عن «يان» و«تشي» تمامًا كما تحمي الشفة الخارجية مجموعة الأسنان داخل الفم، فإذا انفرجت الشفتان، تسربت إلى الفم كل ألوان المخاطر، فكذلك إذا زالت دولة جاو من الوجود، فسيأتي الدور غدًا على تشي وتشو لتقتلعهما من جذورهما حوادث الأيام، أضف إلى هذا كله أن تقديم المساعدة إلى جاو يجِب أن يكون (محوطًا ببالغ الحذَر والدقة والحساسية فكأنه) بمثابة المشي في طريقٍ وعرٍ بيدَين مرفوعتَين تحملان إناء ثقيلًا مملوءًا بالماء، ولكنه مثقوب، أو بمثابة سكب الماء البارد داخل إناء خارج لتوِّه من فرن التجفيف، ثم إن مساندة دولة جاو (وسط هذه الظروف) يُعد إظهارًا للعزم الأصيل والإرادة الشُّجاعة وتقديرًا لمعنى التآخي وقوة المساندة بوصفها عناصر دافعة تدعم الانتصار على تشين، وهكذا، فالمطلوب حقًّا هو إظهار قوة الإرادة الشجاعة بمساندة جاو، وإبراز عناصر القوة الدافعة للانتصار على تشين بدلًا من الانكفاء على سياسة قاصرة وخاطئة تكتفي بمنع توريد الحبوب.»

لمَّا ذهب أحد المسئولين إلى ملك تشي

ذهب أحد المسئولين إلى ملك تشي وقال له: «إذا تأمَّلنا الخرائط ألفينا دولة تشين الكبرى تقع إلى الغرب من دولتي جو، وهان، بينما إلى الشرق من تلكم الدولتَين تقع كلٌّ من جاو، ووي، فإذا ما قامت دولة تشين بمهاجمة الجانب الغربي ﻟ «جو» وهان فستبقى وي وجاو في مأمنٍ من الهجوم بينما يمكن لتشين أن تستولي على مساحاتٍ من أرض جو وهان، حتى إذا انسحبت هان من خطوط المواجهة فسينصبُّ الخطر الأكبر على «جو»، فإذا ما تحقَّق انسحاب هان وفقدت جو مساحات من أراضيها، أصبح خطر زحف تشين على وي وجاو وشيكًا، وصار التهديد بالهجوم أمرًا محتومًا، ولنتصوَّر أن تشين وتشي قامتا بمهاجمة وي وجاو، فالأمر إذ ذاك لن يختلف كثيرًا عما حدث إبَّان قيام تشين بالإغارة على جو وهان، ثم إذا اقتحمت دولة تشي الخط الحدودي لدولة تشين وهاجمت كلًّا من جاو، وي، واجتاحتهما تمامًا حتى خسفت بهما الأرض وأزالتهما من الوجود، فسوف تلتفت إليها أنظار تشين التي ستتَّجه على الفور لمهاجمتهما، وعندئذٍ يثور السؤال الحاسم: كيف يمكن لدولة تشي، وسط تلك الظروف، أن تحصل على دعم ومساندة الدويلات والممالك المتناثرة في بقاع الأرض المختلفة؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤