عبد الرحمن بن هرمز
قَدِم موكب السلطان حسين كامل من قصر رأس التين. جاوز مدرسة إبراهيم الأول، وفرن حبيب، وتقاطُع شارعَي صفر باشا ورأس التين. اقترب الموكب من جامع عبد الرحمن بن هرمز. تراجع الحرس السلطاني والبوليس إلى الأرصفة وأمام البيوت.
حين همَّ السلطان بالنزول من العربة، أُلقيت قنبلة من نافذة بالبيت رقم ٩٩. اندفع رجال البوليس داخل البيت. لم يكن فيه أحد. ليس إلا قنبلتان محليتا الصنع، مشابهتان للقنبلة التي أُلقيت على موكب السلطان.
اطمأن البوليس إلى روايات النسوة في البيوت المطلة على الجامع، أن الفاعل قفز إلى سطح البيت المجاور للجامع. نزل من سُلَّمه إلى عطفةِ السلاوي، خلف شارع رأس التين. تصوَّر النسوة أن الفاعل قريب لصاحبة البيت الذي نزل منه. أهملن التعرُّف عليه، وإن التقطنَ ما أثبته البوليس في محاضرِه: مربع القامة، متوسط الحجم، أبيض اللون.
ألقى رجال البوليس مَن تصادف وجوده بالقرب من الجامع. امتدت عمليات الاشتباه، وإلقاء القبض، والتحقيق، إلى خارج بحري، وبعيدًا عن الإسكندرية.
علَّقت على الجدران نشرةً تُعطي خمسمائة جنيه لمن يُدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على الشخص الذي استأجر — في ٢٢ يونيو ١٩١٥م — البيتَ رقم ٩٩ ملك التمساح. عمره بين الثامنة عشرة والثانية والعشرين، ملامحه مصرية، قمحي اللون، مائل إلى الصفرة، أسود الشعر، بارز الوجنتين، غائر الخدَّين، بارز الحنجرة، شاربه أسود خفيف، متوسط القامة.
أصدر القائد البريطاني العام منشورًا، يطلب من «كل شخص يعلم بوجود مؤامرة ضد نظام الحكم، سواء نتج من هذه المؤامرة أيُّ فعل أو لا، وعلى كل شخص يعلم أن فردًا أو أفرادًا مشتركون في مؤامرة، أو متَّهمون بأية جريمة موجَّهة ضد نظام الحكومة، أن يُبلغ — بلا أدنى تأخير — أقرب سلطة، سواء ملكية أو عسكرية، كل المعلومات التي يكون حاصلًا عليها، وكل مَن لم يَقُم بالتبليغ عن ذلك — مع علمه به — يُعرِّض نفسه للمحاكمة بالطريقة العرفية، وكذلك مَن يتستر على أشخاص مشتركين في مؤامرة أو جريمة، أو يساعدهم في الهرب من يد القضاء».
روى مَن كانوا في الجامع — لحظة إطلاق الرصاص — أن ضريح سيدي عبد الرحمن بن هرمز اهتزَّ في موضعه، كأن يدًا حاولت تحريكه.
الضريح إلى يسار المحراب. تعلوه مقصورةٌ خشبية. إلى جانب الضريح ضريح آخر، دفن به الحاج درويش أبو سن باني الجامع، وعلى الجدار لوحة كُتب عليها: «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. بنى هذا صاحب الخيرات الحاج درويش أبي سن ١٢٦٥ﻫ».
قال الشيخ حلمي إمبابي إمام الجامع، إنه استمع إلى صوت يتناهى من داخل الضريح، يردِّد العبارة: حسبي الله ونعم الوكيل!
لم يفسر الشيخ ما إذا كانت العبارة رفضًا للقتل في رحاب ولي الله، أم أنها موافقة على قتل الخونة من المصريين، أم أنها تحفيز للخروج على سلطة الاحتلال؟
طلب الشيخ من خليل أفندي الفحام أن يحتفظ بما رآه — أو ما تصور أنه رآه — في نفسه، لا يخبر به ثالثًا.
قال الفحام إن القبر انفتح في اللحظة التالية لوقوع الحادثة. امتدت اليدان النورانيتان، الطويلتان، إلى الشاب الذي كان يبحث عن مكان للاختفاء. احتضنتاه، اجتذبتاه إلى داخل الضريح، فلا يراه أحد.
ترك الشاب الجامع في ظلمة الليل. كفل به سيدي عبد الرحمن بن هرمز — بأمر الله سبحانه — خمسين ألفًا من الملائكة، يُخفونه، ويرعون خطواته، ويحفظون حياته، حتى ابتعد عن بحري.
تعدَّدت عمليات الاعتقال، وتفتيش المنازل، والمصادرة. أبعدت السلطات المصرية الشاعر أحمد شوقي، واعتقلت أمين الرافعي وعبد الرحمن الرافعي وعبد الله طلعت، من قيادات الحزب الوطني. نفت السلطات البريطانية حسين شيرين وإبراهيم راتب إلى مالطة.
نشرت «المقطم» ٢٠ / ٧ / ١٩١٥م حوارًا للسلطان حسين كامل مع فارس نمر. قال السلطان: «إني لو تحققت أن هذه الحوادث واقعة من أفراد متهوسين لم يدفعهم لارتكابها إلا لؤمُ طباعهم وخبث فطرتهم، لكان اهتمامي بالأمر أقل كثيرًا مما هو عليه الآن. لكن متى ثبت أن الجريمة واقعة باتفاق جماعة من الأشرار، لكان ذلك دليلًا على وجود جرثومة فساد في البلاد، مضرة بمجموعها، ولا بد من استئصال هذه الجرثومة ليصلح المجموع كلُّه. وهذا ما نحن بصدده، وهو الذي يهمُّني كثيرًا.»
أضاف السلطان: «يؤلمني جدًّا أن هؤلاء القوم لا يفرقون بين الخير والشر. يؤلمني جدًّا أن أراهم يحكمون في الأمور بأهوائهم لا بعقولهم. ما ضرَّهم لو فكروا قليلًا في السبب الذي دعاني لقبول السلطنة. لو كانوا من السياسة في شيء لشكروني على هذا القبول. لو كان فيهم مَن يعقل أو يفكر لعلموا أن وجودي ليس عائدًا بشيء من النفع على شخصي، بل نفعه عائد على البلاد بعون الله.»
أُذُن متنصتة في قهوة، على ناصية وكالة الليمون. التقطَت حوارًا هامسًا بين شابَّين يرتديان الملابس الإفرنجية، استندا إلى جدار على الرصيف.
قال محمد نجيب الهلباوي: غاظني ما قاله السلطان، إنه قَبِل منصبَه في ظروف حرجة لأن سياسة البلاد تريد ذلك.
قال محمد شمس الدين، شريكه في عملية إلقاء القنبلة: مَن قال إن البلاد تريده؟!
ومطَّ شفتَه السفلى في خيبة أمل: هل وقف الرجل في وجه تصرفات الإنجليز؟ هل رفض الحماية؟
ثم في لهجة باترة: أظن أن عدم وجوده أفضل!
التقطَت الأذن تكرارَ تعهُّد الشابَّين على القيام بحركة سرية، لتخليص مصر من الاحتلال ومعاونيه من الساسة المصريين.
أجرى التحقيق في سرية.
أعلن أن الحادثة دبَّرها شابَّان مصريَّان هما نجيب الهلباوي المدرِّس بمدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية بالإسكندرية. ألقى القنبلة على موكب السلطان، ثم لاذ بصحن جامع عبد الرحمن بن هرمز. طال اختفاؤه عند الضريح، قبل أن ترصد الأذن المتنصتة كلماته. في الثانية والعشرين من عمره، أصله من قرية «أبي الوقف» التابعة لمركز مغاغة. المتهم الثاني محمد شمس الدين، طالب لم يستكمل دراسته الثانوية. شارك برصد الموكب، ثم اختفى بعد إلقاء القنبلة.
في ٣٠ مايو ١٩١٦م، أصدرت المحكمة العسكرية البريطانية في محكمة الاستئناف حكمًا بإعدام الشابَّين. طلب السلطان حسين كامل تخفيفَ الحكم. وافق القائد العام الإنجليزي على طلب السلطان. عدل حكم الإعدام إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.
روى خليل الفحام أنه رأى سيدي عبد الرحمن بن هرمز في المنام. أبدى إشفاقه من وقوع الهلباوي في يد البوليس. أراد إغاثته، مثلما أغاث ضياء خير الله. يسهل له الفرار خارج الإسكندرية. لكن الشاب ظل في المدينة بالاطمئنان، أو بالثقة التي لا معنى لها.
الحادثة منذ بدايتها، دفعت الفحَّام إلى التردد على جامع سيدي عبد الرحمن بن هرمز. ملازمة ضريحه ساعات طويلة. يراجع أوراقه، يتأمل، يضيف الملاحظات.
•••
هو عبد الرحمن بن هرمز بن أبي سعد. وُلد في المدينة المنورة. لم تتفق الروايات على سنةٍ محددة لمولده. كنيتُه أبو داود. اشتهر بالأعرج، القرشي، المدني. يُنسب إلى التابعين رواة الحديث، وهم مَن يشترط أن يكون قد رأى صحابيًّا، أو جالسَه، في حين أن الصحابي هو المسلم الذي شرف برؤية النبي عليه الصلاة والسلام، وإن لم يجالسه، أو يخالطه، بينما تشترط اجتهادات أخرى أن يجالس الصحابيُّ رسول الله.
ثمة رواية أنه مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. رواية أخرى أنه مولى محمد بن ربيعة. وهو — في الحالين — يدين بالولاء لأسرة بني هاشم.
المدينة المنورة هي مسقط رأسه. أمضى فيها زمنًا، كانت فيه ملتقى علماء المسلمين من الصحابة والتابعين، يشغلهم تفسير القرآن، ورواية الحديث، واجتهادات الفقه.
عُرف عنه إتقانه تلاوة القرآن الكريم. وهو أشهر من كتَب المصحف من القدامى. وأحدُ اثنين جعلَا للغة العربية قوانينَها، ووضعَا علم النحو. كان الناس يعهدون إليه بكتابة المصاحف، اطمئنانًا إلى حفظه وقراءاته وعلمه.
سمع عبد الرحمن بن هرمز الحديث، ورواه عن عدد من الصحابة الذين أدركهم في حياتهم: أبي هريرة، أبي سعيد الخدري، عبد الله بن مالك بُجَينة، أبي سلمة بن عبد الرحمن، ابن عباس، عمير مولى ابن عباس، محمد بن سلمة، معاوية بن أبي سفيان، معاوية بن عبد الله بن جعفر، أسد بن رافع، عبد الله بن كعب بن مالك، وغيرهم.
لم يكن عبد الرحمن يكتفي بنقل ما يسمعه، لكنه يسأل، ويتقصَّى، ويدقِّق، ويأخذ عن أكثر من صحابي، ويلزم أكثر من أستاذ، وإن كانت أشد ملازمته لأبي هريرة، وروايته عنه.
قال السيوطي: «هو صاحب أبي هريرة، أحد الحفاظ والقرَّاء، أخذ القراءة عن أبي هريرة وابن عباس، وأكثر من السنن عن أبي هريرة.» وقال الذهبي: «كان ثقةً ثبتًا، عالمًا بأبي هريرة.» وفي طبقات ابن قاضي شهبة: «عبد الرحمن بن هرمز بن أبي سعد الأعرج أبو داود المدني، مولى محمد بن ربيعة المقرئ المحدِّث، صاحب أبي هريرة.» وروى ابن سعد في طبقاته، قال: «أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرة، عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع، قال: رأيت مَن يقرأ على الأعرج حديثه عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ. فيقول: هذا حديثك يا أبا داود؟ قال: نعم، قال: فأقول: حدثني عبد الرحمن وقد قرأت عليك؟ قال: نعم، قل: حدثني عبد الرحمن بن هرمز.»
•••
امتدَّت يدا سيدي عبد الرحمن بن هرمز من ضريحه في الجامع المطل على شارع رأس التين. كان الضريح هو الاختيار الأول لعبد الرحمن بن هرمز. اختياره الثاني في زاوية الأعرج بشارع الميدان. هو — في رواية — سيدي عبد الرحمن بن هرمز، وهو — في رواية ثانية — سيدي عبد الرحمن بن هرمز الأعرج. الشخصية واحدة، وإن اختلفت التسميتان. لا يجد وليُّ الله عناء في التنقل ما بين الجامع والزاوية. تجتذبه في الموضعين نداءات القاصدين، ودعواتهم بالشفاعة والنصفة والمدد. اجتمع عليه الناس، وكثر تلامذته ومريدوه.
رُوي عنه الكثير من الأحوال والمعارف والأسرار والبركات والمكاشفات والأنوار والفيوضات والفتوحات والأنفاس الصادقة.
كان يكفيه الطعام القليل ليشعر بالشبع، ويسمع الهواتف من السماء، وتُطوى له الأرض، ويخاطب ناسًا لا يراهم مريدوه، يسألهم، ويُجيب عن أسئلتهم، يخوضون أحاديث الفقه والشريعة. وكان يحرِّك الرياح والعواصف، ويمنع تأثير النوات، ويخضع مخلوقات البحر وحيوانات البر المفترسة، ويعرف لغة الحيوان والطير والأسماك والزواحف والنبات والشجر. ويُجيد السيطرة على الأرواح والأطياف والأشباح، يحدِّثها، يتلقَّى منها الأسرار، تدلُّه على ما هو غامض، وعلى المستقبل. يأمرها فتُطيع. وكان يظهر له — في مجلسه — كرامات ظاهرة. يطَّلع على الخواطر. يكاشف الزائر بما يُضمره في نفسه، أو بما يريد التحدث فيه، ويعلم المغيبات والحوادث قبل ظهورها. يخدم الفقراء والغرباء، ويقضي حوائجهم، ويمسِّد رأسَ المريض بيده التي لا تُرى، فيزول المرض، ويقوم المرء، كأن لم يكن به شيء. وكان يستطيع أن يرى ما في الجهات الأربعة، دون أن يُدير رأسه. يُبصر في أشد الأماكن ظلمة، ويطوي المسافات، ويكون موجودًا في أكثر من مكان، في وقت واحد.
اشتهر ذكره، وعلا قدره. أحاط به الزهاد وأرباب القلوب والمجاهدات.
عند وفاته، حدث تغيُّر في الشمس. التفَّت بظلمة تُشبه الكسوف. صار له ضريحٌ مشهور، مقصود بالزيارة، وقضاء الحوائج. تفوح من داخله — دومًا — رائحة المسك الأذفر. لا شأن لموته بقضاء حاجات الناس. سرُّه باتع، فيلجأ إليه الناس لقضاء الحاجات والنصفة والمدد.
شهد القريبون من المقام — في صلاة الجمعة — أن قارئ الجامع أخطأ في آية من سورة الكهف. ردَّه وليُّ الله من داخل الضريح بصوت سمعه القارئ، فأعاد تلاوة الآية.
استند زكي أبو الوفا، الطالب بالمعهد الديني، إلى مقام سيدي عبد الرحمن. استبدل قراءة كتاب — لا تصح قراءته في الجامع — بكتاب صحيح البخاري.
فاجأته قبضةُ يد تهصر أسفل بطنه، وصوتٌ يتناهى من داخل المقام: أما تخشى الله؟!
•••
بالإضافة إلى علم الحديث، فقد شُغل عبد الرحمن بن هرمز بقراءة القرآن ودراسته. وكان الناس يلجئون إليه للقراءة عليه، ويعهدون إليه بكتابة المصاحف. وعُنيَ بأنساب العرب، حتى وصفه السيرافي بأنه أعلم الناس بأنساب قريش، وهو أول من وضع علم العربية والنحو. قال لهيعة عن أبي النضر: كان الأعرج أول من وضع العربية. وقال القفطي — نقلًا عمن سماهم أهل العلم — إن الأعرج أول من وضع علم العربية. السبب في هذا القول أنه أخذ عن أبي الأسود الدؤلي، وهو أول مَن أظهره، وتكلَّم فيه بالمدينة، وكان من أعلم الناس بالنحو. وقال ابن قاضي شهبة: وهو أول من وضع النحو في قول.
جعل ابن هرمز للنحو أبوابًا، وأصَّله، وذكر عوامل الرفع والنصب والخفض والجزم، ووضع باب الفاعل والمفعول والتعجب والمضاف. تتلمذ عليه الإمام مالك. صاحبَه، ولازمه — وحدَه — أعوامًا طويلة.
أجاد معرفةَ علم الحديث وطُرُقه ورواياته، وعلوم الفقه، والفتاوى، والتفسير، والبلاغة، والمعنى، والبيان، والمنطق، والطبقات، والتصوُّف، والخطابة، والقضاء، والشورى، والطب، وعلم اللغة، والآداب، والشعر، والكتابة، والجهاد، والرياسة، والولاية.
قال القفطي في «إنباه الرواة»: «يُروى أن مالك بن أنس، إمام دار الهجرة — رضي الله عنه — اختلف إلى عبد الرحمن بن هرمز عدة سنين، في علم لم يبثَّه في الناس؛ فمنهم مَن قال: تردَّد إليه لطلب النحو واللغة قبل إظهارهما. وقيل: كان ذلك في علم أصول الدين، وما يردُّ به مقالة أهل الزيغ والضلالة.»
لم يكن ابن هرمز يُفتي بغير ما يعلم. وإذا لم يكن يعرف، فإنه يقول: لا أدري. ويرفض أن يُروى عنه، فيَرِد الخطأ، ويعاني الاتهام بالكذب.
قال الإمام مالك: «سمعت عبد الرحمن بن هرمز يقول: ينبغي أن يورِّث العالمُ جلساءَه قولَ: لا أدري، حتى يكون ذلك أصلًا في أيديهم يفزعون إليه. فإذا سُئل أحدهم عمَّا لا يدري، قال: لا أدري.»
ظل مالك — إفادةً من أستاذه — يقول في معظم ما يُسأل عنه: «لا أدري.»
أحبَّ عبد الرحمن مدينته — المدينة المنورة — لم يغادرها إلا مرة واحدة، زار فيها الشام بين عامَي ١٠١ﻫ و١٠٥ﻫ. وكانت رحلته الثانية — والأخيرة — إلى الإسكندرية.
قال البلاذري في «فتوح البلدان»: «… وحدَّثني محمد بن سعد، عن الوفدي، أن ابن هرمز الأعرج القارئ كان يقول: «خير سواحلكم رباطًا الإسكندرية. فخرج إليها من المدينة مرابطًا، فمات بها في سنة ١١٧ﻫ».» كان في حوالي المائة من العمر. أمضى أعوامه السكندرية في التدريس ورواية الحديث. كانت الإسكندرية مدينةَ جذب لأعداد هائلة من علماء المسلمين، تكوَّنت بهم مدرسة الإسكندرية في علوم القرآن والحديث والفقه واللغة. امتدَّت إقامته بالإسكندرية خمس سنوات، حتى أدركه الأجل.
•••
روى الشيخ محمد البنا — أحد علماء الإسكندرية في القرن التاسع عشر — أنه كان دائمَ السَّير في شارع رأس التين، في طريقه إلى سراي رأس التين، لزيارة الخديو إسماعيل.
ذات ليلة، رأى — فيما يرى النائم — أن وليَّ الله يُعاتبه: كيف تمر بقبري ولا تُحيِّيني؟
سأل الشيخ البنا: ومَن أنت؟
– أنا عبد الرحمن بن هرمز.
قصَّ الشيخ البنا رؤيتَه المنامية على أصدقائه، ومنهم الشيخ درويش أبو سن. تبرع أبو سن لبناء جامع ضمَّ ضريح ولي الله. نسب الجامع والضريح إلى عبد الرحمن بن هرمز، وأوصى أن يُدفن إلى جواره بعد وفاته.
قال علي مبارك: «مسجد أبي سن أصل أرضه مقبرة، بها ضريح الشيخ عبد الرحمن بن هرمز. وكان عليه مقصورة من خشب. فلما بُنيَ ما حوله، ودخل في تنظيم المدينة، بُنيَ ذلك المسجد، وجُعل داخله ضريح الشيخ المذكور، والذي بناه المرحوم درويش أبو سن، وهو مسجد تام المرافق، حسن المنظر، مُقام الشعائر، ويُصرف عليه من الوقف.»
•••