عبد الستار
هو الشيخ عبد الستار منوفي، إمام جامع سيدي علي تمراز. من بلدة بركة غطاس القريبة من (أبي حمص). لم تُبعده عالمية الأزهر عن قراءة ما لم يُتَح له قراءته: السياسة والتاريخ المعاصر والفلسفة والاجتماع وعلم النفس وعلم الجمال. داخلَه شعورٌ بأن ما حصَّله في الأزهر يخص مهنته، مثلما تخص دراسة الطبيب أو المهندس أو المحامي مهنته. يضيف إلى معرفته ما يجب على المرء أن يُواجه به ظروف حياته. يستعيد في شوارع السيالة والأنفوشي ورأس التين أعوام دراسته في الأزهر. وجه الحياة يختلف، لكن العادات والتقاليد على حالها.
صار فقيهًا في أحوال الناس، ومشكلاتهم، في أمور الدنيا والدين، يؤازره فقهه في الشرع، وتدقيقه في ترتيب الأحكام، وحدود الدين، وتمييز الناسخ من المنسوخ، والخاص من العام، بالكتاب والسنة والإجماع والقياس. يروي الأحاديث بأسانيدها، يُخرِّجها من مصادرها المعروفة. «لا بد للناس أن يثقوا في تديُّن الإمام، قبل أن يُنصتوا لعظاته».
استبدل بسورة الكهف — قبل صلاة الجمعة — ما يختاره القارئ من طوال السور وقصارها. كلها سور القرآن وآياته، لا مناسبة بموعد لقراءتها.
لم يكن يخرج — في خطبه — عن حدِّ الاعتدال. يحرص أن يكون قريبًا من الآذان والقلوب. يلجأ إلى أبسط العبارات في النصح والتذكير، والإلحاح على الفوائد الطريفة، والنوادر، والنكات، والحكايات، والحِكَم. يُكثر من الاستشهاد بآيات القرآن، وأحاديث الرسول، والمواعظ، والعبر. يُجيد اجتذاب المصلين بقدرة بلاغية، تلجأ إلى السجع والجناس والكناية والتورية. يوقف الخطبة — بين فترة قصيرة وأخرى — لينصح المصلين بأن تنتبه قلوبُهم لما يُحدِّثهم به من قصص الأنبياء والأولياء وأقوالهم. يشغله أن يستمع إليه المصلون جيدًا، ويحاولون الفهم. لا تمنعه مكانته، ولا الهيبة التي تحكم تصرفاته، من الرد على ما يُوجَّه إليه من أسئلة، مهما تبدو شائكة، أو تنطوي على سذاجة. يوافق على الأسئلة المقاطعة، يجيب، يشرح، ويوضح ما غمض. يتحدث عمَّا يراه صوابًا. يشدِّد على الإخلاص لما يستمعون إليه، ويعملون به. ربما اكتفى — إذ تغلبه الحيرة — بالقول: لا أدري. قد يؤجل الجواب حتى يعود إلى كتبه وأوراقه، ثم يُعلن رأيه، أو فتواه.
يرفض كتابة الأحجبة، وإن قبل مطالب المصلين بأن يدعوَ لهم — ولذويهم — بالصحة والستر والفلاح. ربما مسَّد على جبهة الطفل المريض، ودعا له بالشفاء.
أقبل الناس على جامع علي تمراز لصلاة الجمعة. خُطَب الشيخ عبد الستار تختلف عن خُطَب أئمة جوامع الحي. تخوض في أحاديث السياسة، تُحلل، وتناقش، وتُبدي الرأي، وتنقد.
يفرش المصلون الحصر والسجاجيد الصغيرة وأوراق الصحف، في الساحة الواسعة أمام الجامع، تمتد إلى مسافات من الشوارع المتفرعة من الميدان. يُشدد الشيخ على المصلين بكنس مساحة الميدان والشوارع الجانبية، وغسلها بالماء. لا يفرشون الحصير إلا بعد أن يطمئنوا لخلوه من النجاسة.
•••
تحدَّث الشيخ عبد الستار عن غفلة الناس، وذهابهم في النوم.
قال إن الأمر ازداد شدة، وزادت الدنيا إدبارًا، والناس شحًّا. تقاربَ الزمان، ظهرَت الفتن، كَثُر الهَرْج، قبض العلم. ظهر الجهل، فشا الزنا، أدان أربابَ البدع، وأصحاب الآفات الباطنة، والظلمة، والمجاهرين بالمعاصي. قال إن الساعة لا تقوم إلا على شرِّ الناس.
دعا إلى ترك المعاصي والذنوب، وإلى اليقظة وعدم الغفلة، وعدم إغفال الأمور، وإقامة الشعائر على وجهها الصحيح، والتمسُّك بأحكام القرآن والسنة، وتطبيق حدِّ الله بما يُرضي الشريعة، والوقوف عند تعاليمها، وعلى ترتيب الخيرات، وتقليل المكوس، وإبطال المظالم، وتخصيص الرواتب للأيتام والمشايخ والمتقاعدين. شدَّد على حظر الرشوة، والمعاقبة عليها، ومنَعَ المحتسبةَ وكبارَ الموظفين من أخذ الرشوات. وشدَّد على قضاء حوائج القاصدين والسائلين.
دعا المصلين أن يقصروا ذكرَ الله على القلوب، لا تعلو به الأصوات. هدَّد بعقاب السماء مَن يدخل المسجد فيوسخ حصيره، أو الجنب، أو المرأة الحائض، وحذَّر من أن يُعانيَ المصلون بين يدَي ربهم، ما ينشأ بين المتقاضين من اللغط والشجار، وعبارات السب والشتم. وأغرى بشراء المصاحف والكتب، والحرص على صلاة الجمعة، وطالبَ المصلين بأن يصلوا الفجر — حاضرًا — كل يوم، في الجامع.
ألَّف كتابًا في الفقه. وزع نُسَخَه — هبةً — على طلبة المعهد الديني، وعلى مَن يطلبه من المصلين. وزَّع وقتَه — فيما بعد — بين إلقاء الدروس في الجامع، وبين تصنيف الكتب التي تشرح تعاليم الدين، وتتناول قضايا التفسير والفقه.
عُنيَ باستقامة الظاهر والباطن، فلا يختفي الحقد والوسخ وراء الواجهة الجميلة. اتقِ الله في كل أقواله وأفعاله، فهو لا يعمل شيئًا إلا بعد وزنه بميزان العدل، وعرضه على قواعد الشريعة المطهرة.
عاب على النساء مساحيقَ الوجه، وطلاء الأظافر، وانزلاق الشعر — ولو في هيئة خصلة صغيرة — خارج الحجاب.
رفض ممارسات سيسبان كودية الزار. سمَّاها وسيطة الجان. اتهمها بأنها تبتزُّ أموال الناس.
الإنس هو الذي صنع قدرات الجان. أطال التحدث فيها حتى صدَّقها، وداخلَه الخوفُ منها.
أجاز للست صبيحة الدخاخني أن تؤمَّ النساء. شرط أن تقف في الوسط، وليس في الأمام، إن لم يكن ثمة إمام رجل. لم يرفض نزول ابتهال المنسي إلى العمل، وإن رفض عملَها في الحلقة. اعتبرها متبرجة، لأنها لم تكن ترتدي الحجاب، وتجالس الرجال كأنها تنتمي إليهم. زاد، فاتهم ورعُها البادي بأنه قد يُخفي سلوكًا معيبًا في حياتها الخاصة.
عُرف عنه أنه إذا أمَّ المصلين في صلاة الجنازة، فلأن الحدس يُخبره بأفعال الميت، وأنها أميل إلى الخير. أما إذا اعتذر عن إمامة المصلين، فلأن الحدس يُنبئه بما ارتكبه الميت — في حياته — من أفعال الشر.
أظهر غضبه مما رواه أنجلو سبيرو، أن روح الإسكندر دلَّته على مكان قبره، وأنه يقع تحت ضريح سيدي الأنفوشي، داخل قلعة قايتباي.
هل نهدم ضريحَ وليِّ الله المسلم لبحث — غير مؤكد النتيجة — عن قبر أجنبي كافر؟!
•••
لمَّا طرق الألمان أبوابَ العلمين، فاجأ الشيخ عبد الستار المصلين بخُطَب بها كلمات مثل: الجهاد، الفتح، الرق، الجزية، الردة، موالاة غير المسلمين.
وحين تحدَّث خليل الفحام عن دحر السوفييت للألمان في ستالينجراد، اتهمه عبد الستار بأنه يدعو إلى ما يخالف الشريعة الإسلامية. هو في حكم الطوائف الملحدة التي تستحق الإلقاء في النار. حتى لو لم يكن يؤمن بما يدعو إليه الملاحدة، فإن فرحته بانتصارهم يحمل موافقتهم على ما يدعون إليه. ولما أزيح الستار — في مارس ١٩٤٥م — عن تمثال الخديو إسماعيل بالمنشية، أدان الشيخ ما حدث. التمثال تجسيد للإنسان. الإسلام يرفض التجسيد، ويقبل بالتجريد والزخرفة التي لا تُحاكي خلق الله.
ظل الشيخ عبد الستار على يقينه بأن الخلاص في ضرورة الرجوع إلى الله، والمحافظة على حدوده، والابتعاد عمَّا نهى عنه.
دعا إلى مجانبة البدع، واتِّباع ما أجمع عليه الصدر الأول من علماء الإسلام، والتباعد عن مجالس اللغو والذم والنميمة، ولزوم طريق الاقتداء بنصوص القرآن والسنة، في الأوامر والنواهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة.
عاب على خلفاء أولياء الله وخدَّام مقاماتهم، أنهم يحصلون على الصدقات والنذور، يقسمونها بين أنفسهم، يحرمون منها فقراء المسلمين. اتَّهم مريدي الشيخ إبراهيم سيد أحمد أنهم يعيشون على حساب سمعة الرجل، يجنون ثمار ما يدعو إليه. يُظهرونه في صورة مَن يقدر على فعل كل شيء، فلا غمَّة يعجز عن مواجهتها، ولا مشكلة يضعف عن التخلص منها.
الولي — في يقين عبد الستار — مَن يُؤيَّد بالكرامات، ويُغيَّب عن البدع. قال: لا كهنوت في الإسلام. تحدَّث عن غياب الصوفية من حياة الرسول، ومن حياة الصحابة والتابعين. اتهم الصوفية بأنهم يُفسدون على الناس عقيدتهم، يُوقعونهم في حبائل الكفر. وقال: إن أقطاب الصوفية بشرٌ، يجب ألَّا تُضفى عليهم وصاية ما. وقال: إن أولياء الله — مثل سيدي علي تمراز — لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وقال: إن متصوفة هذه الأيام خرجوا عن مقصد التصوف. هدف التصوف طاعة الله، وخشيته، والفناء فيه. لا موضع للدنيويات بين المتصوفة. رفض ما يلجأ إليه أتباع الطرق الصوفية من الجلوة، والرايات، والأعلام، وإيقاعات الطبول والدفوف، وأفعال الحواة، وابتلاع النار، وطعن الأجساد بالسكاكين، وازدراد الأفاعي والحيات، واللجوء لغير الله.
حين يسري لغطٌ أو همهمات في صحن الجامع — عقب تلاوة القرآن، ورفع أذان الجمعة — يضرب الشيخ عبد الستار بعصاه أرضية المنبر، ويقول في صوت يخالطه ضيق: إذا ظهرت الأصوات في المساجد، فهذا دليل شؤم!
نقل إليه شوقي أبو سليمان عتاب البكباشي حمدي درويش بأنه يجانبه، ويعرض عنه، دون سبب مفهوم.
اصطنع الشيخ ابتسامة متوددة: إذا أراد سعادة البكباشي وعظي، فأهلًا به!
ثم وهو يمسِّد لحيته القصيرة: لهذا أنا في الجامع.
تحدَّث عن العدل الاجتماعي في آيات القرآن، وأحاديث الرسول، وأقوال الخلفاء والصحابة وتصرفاتهم، وكتابات العلماء والمفكرين. استعاد إيقاف الخليفة عمر بن الخطاب — في عام الرمادة — حدَّ السرقة. قال إن الشريعة حقوق قبل أن تكون حدودًا، الحق هو الأصل، والحد تابع له، أو مترتب عليه. وقال إن جرائم الفقراء تختفي إذا وجدوا عملًا صالحًا. وقال: مصر الآن دار حرب، يجب الجهاد كي تُصبحَ دار سلام.
عاب على الناس أنهم باعوا الدنيا بالدين، وتركوا الحلال وأتَوا الحرام. أدان أهل النميمة والسُّحت والحرام والإتاوة، والجائرين في أحكامهم، والذين يعجبون بما يفعلون، والساعين إلى الناس بالسلطان، وأهل الكبر والفخر والخيلاء والجور، ومَن يمنعون حقَّ الله تعالى من أموالهم، والزناة واللوطية والكاذبين، ومَن تقتصر حياتُهم على إرضاء الشهوات واللذات. ومَن أماتوا الصلاة، واستحلُّوا الكذب، وعطَّلوا الحدود، وأضاعوا الأمانة ومصالح الناس.
أخذ على الناس تعطُّل الأحكام، وضياع الحق، وعِظَم البلاء، وانتشار الفوضى، وخمول أهل العلم، واختفاء الأمانة، وذواء الإيمان من القلوب، وفساد نظام الخلق، وقلة الصالحين، واستيلاء الباطل على الأمور، وتحكُّمه في الأجساد والأموال والأعراض، وغياب أكثر الحقوق.
اتهم الحكام — لم يسمِّهم — بالإسراف في الجور والظلم وتطميس الحق. تحدَّث عن فساد الحاشية والوزراء، وعن جلساء السلطان، يُمالئونه، ويتملَّقونه. يُزيِّنون له ما ينهَى الله عنه، ويسهِّلون له ارتكاب الشر. اتهمهم بأنهم يُؤَوِّلون الأحداث تأويلًا يُلائم مصالحهم، وما يتطلعون إليه، ويشغلهم أداؤه.
رفض استعادة الشيخ خلف فرحات إمام أبي العباس — في حضرة الملك فاروق — قولَ الشعراني إن الله تعالى أخذ على الناس العهود أن يقوموا لحكَّامهم، إن وردوا عليهم، وتقبيل أيديهم، ولو جاروا.
يلقَى الأشرار جزاءهم في النار، ويجد الأخيار خلودهم في الجنة، مع الأنبياء والأولياء والقدِّيسين والشهداء، وحسن أولئك رفيقًا.
نال الشيخ عبد الستار — فيما يُشبه المفاجأة — من الملك فاروق بما لا يحتمل. قال: أنا أخطب لأدعوَ إلى الله. من واجبي أن أتَّهم مَن يحكموننا بأنهم لا يعرفون الله. وقال: إن الحاكم الذي يظلم ويُفسد يُقام عليه حدُّ ربِّه، ومَن يُحسن فله الجزاء الكريم، يدخل نعيم الجنة، فلا يتحيفه اليأس، ويخلد لا يموت، يتجدد شبابه، لا يبلَى ما يرتديه.
عاب على الملك ضعفَه في محاسبة حاشيته. يسمع ويرى، لكنه يتغاضَى، أو ينتحل المعاذير. استغلوا سلطانه، فامتدت أيديهم إلى ما ليس من حقهم. فرضوا الرِّشا والهدايا على تلبية الاحتياجات، وتقلُّد المناصب، واغتنام المكاسب، والفرار من تنفيذ الأحكام. يَعِد الملك بالمحاسبة، وبردِّ حاشيته عما يفعلون، لكن الوعد يظل في دائرة مغلقة.
تبدَّل صوتُه فبدا كالحشرجة: لا أدين بالولاء للملك! ولائي لله!
عاب على الناس فقدَ الغضب لأمر الله في أن تُنتهك فرائضه وحرماته. حذَّرهم من أن يعمَّهم الله بعقابه.
قال: «لله رجال لا تبلغ تيجان ملوك الأرض أن تكون لأقدامهم الحانية نعالًا، ذلك مقامهم عند ربهم.»
اتجه إلى المصلين بنظرة تطق شررًا: مَن رأى الظالم، ولم يأخذ على يدَيه، أوشك أن يعمَّه الله بعقاب من عنده.
نفى الشيخ أن يكون قد لجأ إلى مقام سيدي علي تمراز. يوافق ولي الله على ما ينبغي، وما لا ينبغي، أن يضمِّنَه خُطَبه. نحن نلجأ إلى الله في كل أمورنا، ولا نلجأ إلى عبيده. لأولياء الله مكانتهم وتوقيرهم، القرآن والسنة وشفاعة الرسول تضع كل ما عداها خارج المعنى الذي نطلبه.
حرَّض البكباشي حمدي درويش خدمَ الجامع. رفعوا عريضة — دون توقيع — إلى إدارة المساجد بديوان عام وزارة الأوقاف. نسبوا إلى الشيخ عبد الستار قولَه إن صندوق النذور يساوي بيت المال في فجر الإسلام وضحاه وظُهْره، أمواله أحقُّ بها الفقراء. وزَّع حصيلة صندوق النذور على فقراء المسلمين. مَن يقصدون مقام الولي لحاجة يلتمسون تحقيقها.
تحدَّثت التقارير التي رفعها البكباشي حمدي درويش إلى مقام الملك، عن استقبال الشيخ عبد الستار لرجال من داخل بحري وخارجه، في أوقات لا يُرفع فيها الأذان، ولا تُقام الصلوات، ولا تُلقَى الدروس الدينية. أكثر تلك الأوقات قبل رفع أذان الفجر، أو بعد الصلاة. يدخل الرجال الجامع في حذر كالمتسللين. يغادرونه بالكيفية نفسها. دسَّ — في اللقاءات المخفية — مَن نقل إليه همسات، وأسئلة، وعبارات محرِّضة.
لما حدَّد الملك موعدًا لأداء صلاة الجمعة في جامع علي تمراز. لزم الشيخ عبد الستار بيتَه، بحجة المرض. فطن إلى أن الملك يريد أن يستميلَه بمِنَحه وعطاياه.
قال له خليل الفحام وهو يعوده: لعلك أول إمام يُقعده مرض سياسي!
ترصَّد لقتل الشيخ — بأمر من الملك — حبشي عبد السميع المخبر بقسم الجمرك. ظلَّت يدُ المخبر عالقةً بالمسدس، وظل واقفًا في مكانه، لا يستطيع التحرك. لمَّا أمسك به المارة، أرجع ما كان ينوي فعله إلى البكباشي حمدي درويش مأمور القسم، هو الذي نقل إليه أمر الملك.
قال الشيخ للمخبر بلهجة مشفقة: لماذا؟
– نفذت التعليمات.
أردف في نبرة متذللة: أوامر سيادة البكباشي.
– البكباشي يؤذيك، كما يؤذي أهل بحري … لماذا وافقتَه؟
– هذا عملي.
– هل ترى أني أستحق القتل؟
– لا!
– ألَا تعرف أن قتل البريء يُودي بالفعل إلى جهنم؟
– أعرف.
– لماذا إذن فعلت ما فعلت؟
عرا الرجلَ تلعثمٌ، فظل صامتًا.
أدرك الشيخ عبد الستار أن بركة ولي الله علي تمراز أنقذَته من الموت.
حين صدر قرار من وزارة الأوقاف بعزله من منصبه، لم يلزم الشيخ بيتَه، ولا عاد إلى بلدته بردلة. ظل — عرفانًا بالجميل — محسوبًا ومريدًا لولي الله، يؤدي — في جامعه — الصلوات الخمس، ويخلو إلى نفسه، ويتأمل.
يغادر الجامع في أوقات تناوله طعامه ودوائه. يعبر الميدان إلى حيث يقيم في الطابق الثاني من البيت المواجه. ربما أغفَى وقتًا قصيرًا، ثم يعبر الميدان إلى الجامع. يظل فيه إلى ما بعد صلاة العشاء.
ظلت تلك صورة أيامه، حتى لَحِقه الأجل.
•••