نجم أبو العيش
كان أول ظهور نجم أبو العيش في قلب الميدان الصغير، بين قضبان الترام المتجه إلى بحري، وإلى ميدان التحرير. بدا هزيلًا، ومصفرَّ الوجه. في حوالي الخامسة والثلاثين، بشرته لوَّحتها الشمس. عيناه قلقتان لا تكادان تستقران على شيء. يداه طويلتان بما لا يتناسب مع ضآلة جسده. يُكثر من الحركات والإيماءات والتعبير بملامح الوجه واليدين، وتفاحة آدم تصعد وتهبط في رقبته النحيلة. يضع على صدره صديريةً من الخيش، قصَّ طرفَيها تحت الكتفين، فبدَت مثل الفوطة. وغطَّى أسفل جسده بما يُشبه الوزار الذي يرتديه الهنود. وكانت قدماه حافيتَين.
بدا منفردًا وسط الزحام.
الترام والسيارات والدراجات والكارو والحنطور وعربات اليد والمارة. على الجوانب الأربعة مبنى المحكمة، تحيط به الأسوار الحديدية. الدرجات الرخامية تُفضي إلى تمثال الجندي المجهول. من الناحية المقابلة المبنى القديم فوق المقهى الذي احتل — بأبوابه المفتوحة — زاوية الميدان. يفصل بينها وصفِّ البنايات الممتدة إلى ميدان محمد علي، وبين جامعة سنجور ذات الزجاج الفيميه، حديقة مستطيلة، تتناثر فيها الكبائن الخشبية، من تحتها مقاعد تتجه إلى الجهات الأربع.
كان يتجه بذراعَين مفتوحتَين ناحية المحكمة، كأنه يريد احتضانها. ربما اتجه بنظرة جانبية إلى تمثال الجندي المجهول، خلَت ساحته الرخامية إلا من الجنديَّين اللذَين حملا السلاح على كتفَيهما، وراحَا يتباعدان ويتقاربان في خطوات رتيبة. كأنه يُدير حركة المرور في هذه الرقعة الصغيرة من ميدان المنشية.
تابع الناس إشاراتِه وعباراته التي لا تحمل معنًى محددًا. كأنه تقمص مشاعر شرطي المرور، في وقفته وسط مفترق الطرق.
من أين جاء؟ هل هو من الإسكندرية، أو من خارجها؟ وإلى أين يتجه بعد أن يُنهيَ وقفته الطويلة؟
شيخ الحارة شوقي أبو سليمان قال إنه يعرفه.
اسمه نجم أبو العيش. من شارع الكواكبي، المفضي إلى السيالة.
وعَت مداركه على الخوف من الماء. يُضايقه سقوط المطر، يُثيره. يمنعه من السير، أو حتى مجرد الوقوف في الطريق. تضغط أمُّه عليه لكي يدخل الحمام. تضع أُذُنها على الباب المغلق، تتأكد من صوت اندلاق الماء من الدش. يفتح الدش بالفعل. لا يقف تحته، وإنما يكتفي بمد أطراف أصابعه. يجري بالبلل على وجهه وشعر رأسه. تُدرك أمه — من المساحات التي لم يبلغها الماء في رأسه ووجهه وذراعَيه وساقَيه — أن كراهيته للماء عقدة في حياته لا تعرف أسبابها. يُطيل الوقوف تحت تندات الكازينوهات والدكاكين، أو في مداخل البيوت، حتى تصمت الأمطار تمامًا. يقف على شاطئ البحر، ولا يحاول النزول في مياهه. لم يَعُد يستحم أو يغتسل، أو يمد يدَيه في الماء لأي سبب. تحوَّل الأمر إلى ما يُشبه العداء بينه وبين الماء. يرفض أن يضعه على جسده. أهمل نظافته تمامًا، وأهمل ملابسه، وأهمل حلاقة شعره. اكتفى بجلابية النوم المقلمة، تهرَّأت، وغاب لونها. طال شعر رأسه، وذقنه، وأظافره. اصطبغ كلُّ ما فيه بلون التراب.
مات أبوه وأمه.
رفضت أخته أن يُقيم معها لأنه لا يستحم، لا يريد أن يستحم. يُغلق باب الحمام. يظل في داخله وقتًا طويلًا. صوت انسياب الماء يتناهى عبر الباب المغلق. تتصور أخته أنه يقف تحت الدش، لكنه يكتفي بمسح رأسه ووجهه بالماء، لتتصور أنه يستحم.
تملَّكه عناد، فهو لا يغيِّر ملابسه، ولا يأكل مما تطبخه أخته، ولا يدخل الحمام.
نزل إلى الطريق. يتجول في الشوارع بلا هدف في البداية، ثم تخلَّق المعنى بطرح الأسئلة عن المارة والسيارات والزعيق والصراخ والنداءات.
قرر عدم العودة إلى البيت. ينام في المساجد، وفي الحدائق، ولصق الجدران، وعلى الأرصفة.
أَلِف الشوارع والمارة والسيارات واللافتات وأعمدة النور والأشجار وإشارات المرور، والمطلين من الشرفات والنوافذ، والواقفين على الأرصفة، والجالسين على المقاهي.
لم يكن يلتفت إلى ما حوله.
يعبر الطريق إلى الرصيف الثاني. نظراته تتجه إلى الأمام. لا يعطي انتباهه لما حوله من زحام وصياح ونداءات. لا يشغله انطلاق السيارات. يعبر المسافة بين رصيفَي الشارع في بطء متعمد، لا يلتفت، ولا يبدو عليه ارتباك لسرعة سيارة مقتربة، أو لصيحة مار تُحذره من السير وسط الطريق.
يدور في الشوارع. يعلو صوته — وسط الزحام — بالنداءات والتحذيرات والشتائم. لا يلتفت إلى النظرات المصوبة نحوه.
بدا على ملامحه اهتمام حقيقي، وحرص على المتابعة. شغله ما يحدث: لماذا تنظيم المرور؟ ولماذا يتكرر؟ وهل ينبغي أن يقتصر على العساكر المتناثرين في ميادين بحري، والميادين القريبة؟ أو أنهم ينظمون المرور في ميادين أخرى، بعيدة؟
رفض أن يدَّعيَ العاهة، أو يمدَّ يده بالتسول. حتى الأيدي التي امتدت إليه — بظن التسول — ردَّها في غضب.
عرف أن الطريق هو مجال حريته. هو الإطار الذي يتحرك فيه بحرية. يرفض كل القواعد والقوانين، يكره الأسوار، والإشارات الحمراء والصفراء والخضراء. القواعد تسرق إرادته، حريته. يرفض يد الشرطي التي تسمح بالمرور أو تمنعه، ويرفض النظر إلى ما قد يمثِّل قيدًا على تأملاته وأفكاره.
ما أيسر أن تنتهك القانون وأنت خلف عجلة القيادة. تُغافل الشرطي، فتتخطَّى الإشارة، أو تجري بأكثر من المسموح، أو تقف في الممنوع.
لم يَعُد يكتفي بالوقوف، وتحريك يدَيه ليسمح بالمرور ويمنعه. حرص أن يحدق في وجوه المارة، وفي الجالسين داخل السيارات، كأنه يبحث عن شيء محدد، أو ملامح محددة. لا يأبه بالنظرات المتطلعة، والمتسائلة، من الواقفين على الأرصفة، وعلى أبواب الدكاكين، والمطلين من النوافذ، لا يأبه حتى بالتعليقات المتناثرة.
إذا بدا سيرُه في الشوارع بلا هدف، فهو ليس كذلك. هدفه التنظيم، وإعادة كل شيء إلى ما كان عليه، إلى حاله. يحذِّر من الفوضى والزحام بلا سبب، وعدم الفهم.
حين يختار قائد السيارة كسر قواعد المرور، فقد اختار الفوضى، والفوضى تستحق المؤاخذة. إذا تسببت الفوضى في القتل فهي جريمة إن فاتت عن البشر، فلن تُفلتها السماء.
تبدَّلت أحواله تمامًا.
لم يَعُد يهتم بأمر نفسه، ولا بما حوله. يجوس الشوارع بلا معنًى مفهوم. لا يُعير ما حوله التفاتة، ولا يعبأ بالنظرات المتسائلة، أو المندهشة.
يغيظه أن سائقي السيارات يتجاهلون الإشارات الضوئية، وإشارات شُرَطي المرور. يتصرفون كما يحلو لهم. يتخطَّون مفرق الطريق قبل أن يُضيءَ اللون الأخضر. فوضى مرورية صاخبة، خانقة.
انصرف إلى دنياه الجديدة، فلا يعود إلى وقفته في الميدان. لم يستبدل ثيابه وهو يشير إلى السيارات بالوقوف والحركة.
المطلوب ليس مجردَ التنبُّه لإشارات المرور، واتباع قوانينه، وإنما التنبُّه إلى السائقين الذين يتجاهلون الإشارات. أنت تحترم قواعد المرور، لكنَّ الآخرين يُهملونها، يخترقونها. يتركون للآخرين أن يتنبَّهوا لأخطائهم، يتفادَون تلك الأخطاء. ينتقلون — ببساطة — من حارة مرورية إلى أخرى، يحولون — بالوقفة الخطأ — دون انطلاق السيارة الواقفة لصف الرصيف.
قال: الحرية يجب أن تصبح مثل الإسكندرية … لكل الناس!
قال عم رفاعي غلاب خادم أبي العباس إنه يقسِّم وقته بين مواعيد الصلاة، يؤديها في الجامع، وبين الوقوف في الميدان بقية اليوم. ينظِّم — افترَّ فمُ الخادم عن ابتسامة فاهمة — حركةَ المرور. إذا صلى العشاء هبط الدرجات المفضية إلى شارع السيالة، فتبتلعه الظلمة.
ظل على تنقُّل وقفته في مفترق الشوارع سنوات طويلة. يستطيع أن يفرِّق بين قيادة سائق وآخر. السائق المتهور يلمحه من بعيد. يصعب أن يحدد مدى سرعته، لكن ملامحه، وطريقة الإمساك بعجلة القيادة، وتلفُّت نظراته … ذلك كله يدفع نجم أبو العيش إلى ترك المرور منسابًا من ناحيته، حتى لا تحدثَ كارثة.
تعدَّد وجوده في أكثر من مكان، في وقت واحد.
يخترق زحام الشوارع والأرصفة، والنظرات المتسائلة. يغيظه السير العكسي، وكسر الإشارة الحمراء، والوقوف في أماكن عبور المشاة، واستخدام آلة التنبيه بلا سبب. يغيظه حتى مخالفة المشاة لقواعد المرور.
لم يَعُد الأمر — في رأيه — زحامًا. خرج كلُّ شيء عن حدود المألوف. أثاره وقوف السيارات في الشوارع، وعلى الأرصفة، والوقوف في الممنوع، والوقوف صف ثان. لا يوجد موضع بلا سيارات، تلاصقت فلا تترك انفراجةً ينفذ منها المارة، وتلغي السير والوقوف والعبور إلى الرصيف المواجه والفرجة والتأمل. اختفت الشوارع والأرصفة. بدَت البيوت معلقة في الهواء. الناس في فوضى. لا بد من إعادة النظر، والتنظيم.
أثاره توقُّف حركة المرور أمام سيارة إسعاف، علَت سرينتها، دون أن يُتاح لها مواصلة السير.
صاح، صرخ، أشار إلى المارة وسائقي السيارات. لكز شُرَطيَّ المرور بقبضته، ليُنبهه إلى ما ينبغي عمله.
ردَّ الشرطيُّ بلكمة أسالَت الدم من أنفه. أمضى ما تبقَّى من النهار، والليل بطوله، داخل تخشيبة قسم المنشية.
اقتيد — ثانيةً — إلى القسم لأنه شوَّه ملصقًا في الناصية بين شارع محمد كريم وميدان المنشية.
هذه الملصقات الضخمة، بها نساء جميلات وبضائع جميلة. إنها تتجه نحو قائدي السيارات. واضعو الملصقات يحاولون اجتذاب السائقين، لا يشغلهم أن النظر إليها يعني إهمال النظر إلى الطريق، وارتكاب الأخطاء.
•••
اجتذب المشهد خليل الفحام.
في المدينة آخرون، في مفارق طرق أخرى. الرجل — كما يرى — جزء من ظاهرة تتنقل بين ميادين الإسكندرية.
ألقى السلام.
اكتفى بنظرة متسائلة، وظل ساكتًا.
قال لمجرد أن يتحدث إليه: وظيفتك متعبة!
هزَّ رأسه بالنفي: لا وظيفة لي!
– ألَا تُنظم المرور؟
– أُنظِّمه من نفسي.
عاود القول: لا وظيفة لي!
عرف أن الرجل أوكل إلى نفسه مهمةَ إرشاد المارة إلى مكان عبور المشاة.
•••
حمل نجم أبو العيش — ذات صباح — قلمًا ودفترًا صغيرًا، وانشغل في تسجيل أرقام السيارات.
سأله خليل الفحام: لماذا؟
– يخالفون المرور.
– هذه مهمة رجل المرور.
– أفعل ما يُمليه ضميري.
شتمه شرطيُّ المرور. لكمه في صدره.
ما فعله أنه عرض على الشرطي أن يجلس على المقهى القريب. يشرب كوب شاي، أو فنجان قهوة. وجد الشرطي في العرض ما يستحق الشتم والضرب. أضاف تهديده بألَّا يراه — ثانيةً — في مفرق الطريق.
قال الفحام: تصرف بلا معنى.
– لا يهم. أفعل ما أراه صوابًا!
قال إنه يودع أرقام السيارات المخالفة صناديق نذور الأولياء، يحاسبون المخطئ، إن لم يكن في الدنيا، ففي السماء.
بدا شارع الفلكي ضيقًا بامتداد صفوف السيارات المتلاصقة، إلا من مساحة تكفي بالكاد لعبور سيارة واحدة.
أزمع أن يصبح الشارعُ كلُّه للمارة، السير فيه لهم وحدهم، لا تمشي فيه المركبات من أي نوع.
أذهله أن السيارات في صفية زغلول تسير في اتجاه واحد. بالكاد يكفي الشارع لاتجاه واحد. مَن أراد التجاوز، واجه سيارات الاتجاه المضاد. تباطأت الحركة، حتى توقَّفت تمامًا.
حتى لا يعوقَه الزحام، أو إشارات المرور، قرر أن يتنقل بين الشرفات والأسطح. لا يطير فهو لا يملك كرامات الأولياء. يتنقل — بحرص — بين شرفة وأخرى. يتسلق عمودًا، أو ماسورة مياه، أو ماسورة صرف صحي، لتُعينه على التنقل.
خلع حذاءه — دسه في إبطه — قفز إلى سيارة واقفة. واصل القفز فوق صف السيارات على جانب الطريق. أهمل النظرات المتابعة، المتسائلة والمندهشة. هبط في ناصية التقاء شارعَي سعد زغلول والفلكي.
لمَّا ظل الشارع على زحامه، طالع حركةَ المرور في شرفة الطابق الأول من البناية رقم ٢ على ناصيتَي صفية زغلول والنبي دانيال، فاجأ الجميع بصعوده إلى الشرفة. مال — بأعلى كتفه — يحذر من الزحام بلا سبب، ويلوِّح بيدَيه أمام السيارات القادمة من صفية زغلول. يُطالبها بالبطء، أو التوقُّف، فتسهل الحركة.
تقاطعَت الشوارع في ذهنه. سيطرت على تفكيره، لا تتركه. الذهن كأنه مفترق طرق تشقُّه عشرات الشوارع. الشوارع نفسها التي تشقُّ الإسكندرية.
لم تَعُد الشوارع تُطاق. الزحام يخنق. الأشجار — على جانبي الطريق — أجساد مجتثة الرءوس، الشوارع كالعروق التي تحمل دمًا فاسدًا.
أسند كفَّيه على البنايات المتقابلة بعرض الشارع. يجد لذةً في دفع السيارات الواقفة إلى جانب الرصيف، من الأمام ومن الخلف.
واصل الضغط بآخر قوته لتتباعد البنايات، ويتسع الشارع. يتبدل عمَّا كان عليه من ضيق، مثلما هو الحال في معظم شوارع الإسكندرية.
قفز فوق بولدوز أمام سينما ركس. ضمن أعمال سفلتة الأرض في الميدان الصغير. أدار المفتاح، وضغط على الدواسة، وانطلق.
أطاح بكل ما أمامه.
تمنَّى — ليقلَّ الزحام — أن تنكمش البنايات، وتتسع مساحات الشوارع. أزال السيارات، والبضائع فوق الأرصفة، وأعمدة الإنارة والتليفون.
•••
لم يسأل خليل الفحام عن الرجل، وإن حدس — من النظرات التي اتجه بها الجرسون مشالي ناحيته — أن لديه ما يقوله.
قال لنظرة الفحام القلقة، المتسائلة: نجم أبو العيش.
– ما له.
– مات.
– لماذا؟
تنبَّه لخطأ السؤال: كيف؟
– صدمَته سيارة.
ووشى صوته بتأثر: صدم نفسه في سيارة.
– انتحر؟!
هزَّ رأسه دلالةَ التأكيد:
شاهد مشالي ما حدث منذ بدايته.
كانت حركة المرور في صورتها الطبيعية. الصخب وزحام الناس والعربات والسيارات. وقف في قلب الميدان، يرفع يدَيه ويخفضهما، يتحول بجسده ناحية السيارات التي يأذن بمرورها. لا يلتفت إلى عسكري المرور، ولا النظرات التي لم يسبق لها التعرف إليه، ولا إهمال معظم السائقين إشاراته.
بدا من انطلاق السيارة بميل، أنه تجاوز وقفته.
في لحظة أعد نفسه لها من قبل، اندفع — دون توقع — إلى نهر الشارع. عجز عن التراجع، أو مواصلة التقدم نحو الرصيف المقابل، أو حتى الصراخ بالاستغاثة.
مال بانحناءة نحو السيارة المندفعة. صرَّت العجلات في محاولة إيقاف السيارة. امتزج الاندفاع المتباطئ بتحذيرات المارة وصياحهم. دفعَته السيارة تحتها. سارت به حتى توقفت.
لم يتأوَّه، ولم يصرخ. ليس ثمة إلا صوت فرملة السيارة، وارتطامها بجسده.
آخر رؤية مشالي له، كان يقف وسط الميدان.
بدَت حركاته غير مفهومة. وعيناه زائغتَين، ولا يلتفت إلى حركة الطريق. أطلقت السيارات أبواقها تستحثُّه على ترك موضعه في الميدان. تداخلَت الدراجات والموتوسيكلات والسيارات الملاكي والتاكسي وعربات النقل والحنطور واليد وأصوات الراديوهات والكلاكسات والنداءات والصيحات والشتائم.
مسح ما حوله بنظرة شاردة، دون أن يتحرك.
قال مشالي: أنت تقف وسط الشارع.
رفع كتفَيه: هذا شارع الحكومة!
أدرك مشالي حزنَ نجم أبو العيش لأنه فقد سلطته على الشارع. لم يَعُد المارة ولا السائقون يلتفتون إليه، ولا إلى محاولاته لتنظيم المرور. واجه الصفعات، والارتطام بمقدمة السيارات التي تُهدئ من سرعتها — فجأةً — كي تتفاداه. علَت تحذيراته مصحوبة بشتائم للزحام والكلاكسات والأصوات المرتفعة.
•••