وهكذا كان نعمان!
لم يكن عمري يتجاوز الثالثة عشرة عندما رأيت نعمان عاشور لأول مرة، فقد كنت زميل دراسة لشقيقه الصغير، وكان يبدو على أسرته أنَّها على شيء من اليُسر! لم يكونوا أثرياء ولم يكونوا فقراء، ولكنَّهم كانوا «ناس طيبين» بالتعبير المصري الفلَّاحي، ثمَّ اعتدت رؤية نعمان بعد ذلك وهو جالس في ندوة أنور المعداوي على قهوة عبد الله، فقد كان عضوًا أصيلًا في الندوة، بينما كنت أجلس مع شلتي بعيدًا عنها، فلم تكن السن تسمح بعد بالاقتراب من مجلس الأساتذة الكبار! ولكن عندما حدث اللقاء بيني وبين الندوة عن طريق العم زكريا الحجاوي، اكتشفت أنَّ نعمان عاشور هو أقرب أعضاء الندوة إلى العبد لله، فقد كان في منتصف الطريق بيني وبين زكريا الحجاوي وعبد القادر القط والشيخ قطامش، وكانت تعليقاته حارة وساخرة، ولكنَّه كان يتلفَّت حوله في حركة غير إرادية كلما صدر عنه تعليق من هذا النوع، ثمَّ أدركت السر عندما علمت أنَّه كان ضمن المعتقلين الذين ساقهم إسماعيل صدقي باشا إلى السجن، وكان نعمان ضمن الذين أُفرج عنهم رهن المحاكمة! وبالرغم من استقراره النسبي في وظيفة حكومية محترمة إلَّا أنَّه كان دائم القلق، وربما كان خوفه الدائم من الحكومة هو الذي دفعه إلى العمل كسكرتير صحفي للدكتور زهير جرانة وزير الشئون الاجتماعية في عهد فاروق! ومن المؤكَّد أنَّ قيام ثورة جمال عبد الناصر قد خفَّفت من قلقه، وكان في أسعد أيامه عندما جاء إلى وزارة الشئون الاجتماعية رجل فاضل من ريف مصر، تثقَّف في جامعات أوروبا وأمريكا، وانبهر بنظم الحياة، وعاش على أمل أن يسود مصر مناخ مثل هذا المناخ الذي عاش فيه يومًا ما في الغرب. كان الدكتور عباس عمَّار هو الذي بثَّ الطمأنينة في قلب نعمان عاشور، ومن المؤكَّد أنَّ نعمان بدأ يُمارس الكتابة للمسرح في تلك الأيام المبكرة من ثورة جمال عبد الناصر، وعندما كتب «وابور الطحين» لم تُحدِث الأثر الذي كان يرجوه، كانت أول تجربة، ولذلك جاءت باهتة، ليصدق عليه المثل العربي «المليح يُبطئ» ومعناه أنَّ الحصان الجيد لا يتقدَّم في أول الشوط! ولم يراوده اليأس بعد الشحوب الذي لازم تجربته الأولى، فكتب «الناس اللي تحت»، وكانت هذه المسرحية هي شهادة ميلاد أبي المسرح المصري الحديث. كان المسرح قبل نعمان عاشور روايات شعرية على طريقة روايات المدارس الثانوية للشاعر عزيز أباظة الذي كان يتولَّى — لمدة طويلة من الزمان — وظيفة مدير مديرية أسيوط، وهي وظيفة بوليسية؛ لأنَّ الأمن العام كان أهم المسئوليات المنوطة بالمدير! وكانت مسرحيات توفيق الحكيم لونًا من الترف الثقافي تصلح للقراءة ولا تصلح للتمثيل، وإلى جانب هذه المسرحيات كانت هناك مسرحيات الريحاني وعلي الكسار، وهي كلها مسرحيات فرنسية مُمصَّرة؛ ولكنَّها أبدًا لم تتناول مشاكل مصر الحقيقية، ولم تتعرَّض لهموم المصريين من قريب أو بعيد! لم يكن قبل نعمان عاشور إلَّا مسرحيات يوسف وهبي، وهي مسرحيات خطابية أغلبها، وإن كان بعضها قد تعرَّض لمشاكل مصرية حقيقية، غير أنَّ الفنان يوسف وهبي كان من المؤمنين بشعار «خِف تعوم»؛ ولذلك لم يُحاول الغوص في الأعماق قط! كانت مسرحية «الناس اللي تحت» هي أول مسرحية مصرية حقيقية تُعرض على المسرح المصري، وكان حوارها الموحي الذكي هو أول حوار ينطق بلسان الناس العاديين؛ البواب، والكمساري، وصاحبة البيت، والنصاب، ورجائي الثري الذي تدحرجت به الأحوال إلى السرداب. وأحدثت المسرحية زلزالًا في عموم مصر، وكانت هي السبب المباشر الذي فتح الطريق أمام مواهب كثيرة اقتحمت المسرح المصري بعد نعمان: ألفريد فرج، وسعد وهبة، ويوسف إدريس، وعلي سالم، ومحمود دياب. ولكن ما كاد نعمان يستقر ويُشمر عن ساعده استعدادًا للكتابة، حتَّى حدث ما لخبط كيانه من جديد وأفقده التوازن! لقد اختفى الدكتور عبَّاس عمار وجاء الصاغ كمال الدين حسين إلى الوزارة ومعه طاقم من ضباط المخابرات احتلوا مكتب نعمان عاشور وراحوا يصدرون الأوامر، وكان نعمان مُستعدًّا في كل لحظة إلى التنازل عن مقعده خلف المكتب لأي واحد من هؤلاء حتَّى «سيادة الصول» الذي لم يكن يؤدي عملًا مُعيَّنًا في الوزارة!
وعندما غاب كمال الدين حسين وانتقل إلى وزارة التربية والتعليم حلَّ محله البِكباشي حسين الشافعي، وجاء حسين الشافعي ومن خلفه مجموعة من صغار الضباط الذين خدموا معه في المعسكرات، واحتلَّ هؤلاء مكاتب وزارة الشئون، وكان مكتب نعمان عاشور في مقدمة المكاتب التي احتُلَّت، وانزوى نعمان يجلس أحيانًا في مكتبه؛ ولكن في المكان المخصص لجلوس الضيوف. وعاوده الشعور بالقلق والخوف من المستقبل، وفي تلك الأيام عكف على كتابة «الناس اللي فوق»، وجاءت صورتها في النهاية مهزوزة كحالة نعمان سواء بسواء! ولكن حظ نعمان الحسن أوقعه في طريق زميلين من كبار الموظفين، كانا السبب المباشر في تهدئة روح نعمان القلقة: سعيد قدري الذي كان مديرًا للعلاقات العامة بالوزارة، ومدحت حمدي الذي كان سكرتيرًا خاصًّا للوزير، وكان سعيد قدري واحدًا من الموظفين الذين اشتركوا في تأسيس وزارة الشئون الاجتماعية، وكان بفكره ومعتقداته تلميذًا مُخلصًا لحزب الفلاح الذي ضمَّ نُخبة من المثقفين الذين تناقضوا مع العهد قبل الثورة، وهو الحزب الذي تعاون مع الثورة في بداية عهدها، ومثله في الحكم الدكتور أحمد حسين، والدكتور عباس عمار، والدكتور فؤاد جلال. وكان رجال هذا الحزب قد تلقوا تعليمهم في أمريكا وتأثَّروا بأسلوب الحياة هناك، وكانوا يحلمون بمجتمع عصري وسلوك حضاري، ولذلك كانوا يذهبون إلى مكاتبهم بالقميص والبنطلون، وبعضهم كان يرتدي القبعة لحماية رأسه من الشمس الحارقة، وكان سعيد قدري يتعامل مع موظفيه كأنَّهم مجموعة من الأصدقاء، وبالطبع وجد سعيد قدري في نعمان عاشور ما هو أكثر من الصديق، فقد كان نعمان هو الفنان الوحيد الذي يعمل بالوزارة، وهو المثقف الوحيد أيضًا الذي يهتم بما هو أوسع من قوانين العمل وخطوات تطبيق الضمان الاجتماعي! وكان مدحت حمدي من جيل نعمان، وكان من أسرة تشبه أسرة نعمان، الفرق الوحيد أنَّ نعمان كان ينحدر من أصول ريفية، بينما مدحت كان من أسرة عاشت في المدينة وشغل أفرادها المناصب العليا في الإدارة والشرطة وقيادة الجيش، وبقدر ما كان نعمان قلقًا كان مدحت حمدي واثقًا من نفسه، وبقدر ما كان نعمان مترددًا كان مدحت مقدامًا، وكان يتعامل مع الوزراء الذين عمل معهم من موقع الند، وكان لا يُخفي رأيه في أحرج المواقف وأشدها حساسية! يُردِّد رأيه في أسلوب العمل، وينتقد ممارسات الثورة أمام ضباطها. وكان لهذه الصحبة أثرها في نفس نعمان، ولعل هذا الشعور الجديد بالاطمئنان هو الذي أنتج في النهاية أعظم روائع نعمان عاشور وهي مسرحية «عيلة الدوغري»! ولقد خسر نعمان عاشور كثيرًا حين ترك مجال الوظيفة واتجه إلى غابة الصحافة، خصوصًا وأنَّ نعمان ليس صحفيًّا؛ ولكنَّه فنان وأديب ومفكر. كما أنَّ أي كاتب صحفي تمرَّس على هذا العمل واعتاده كان باستطاعته أن يخطف انتباه القراء من نعمان عاشور، ولذلك أصبح نعمان هو القلق بعينه بعد أن كان يُعاني القلق فحسب! وضاع نعمان عاشور في خضم التيارات المتضاربة، ولم يرحمه هؤلاء الذين كانوا يكافحون ضد السلطة ويمُنُّون على الناس كفاحهم، ويُعيِّرونهم أحيانًا، ولم يرحمه أيضًا هؤلاء الذين كانوا يؤمنون بأنَّ السلطة هي روح الشعب، وأنَّ الشرف الحقيقي يكمن في الوقوف معها ومطاردة أعدائها. وأخيرًا وجد نعمان نفسه في الشارع مفصولًا مع عشرات غيره من الصحفيين، ولم ينقذه من هذه الورطة إلَّا مصطفى أمين، فقد كان يُقدِّر مواهبه ويعتقد أنَّه الطبعة العصرية والشعبية من توفيق الحكيم!
واشتغل نعمان عاشور كاتبًا في أخبار اليوم — ولا يزال. وكان هو الوحيد الذي اشتغل بالكتابة من أفراد الدفعة التي فُصلت في عام ١٩٦٥م؛ ولكنَّه عاد إلى شرنقته القديمة مُحتميًا بحذره وقلقه وتطيره الشديد. وكتب مسرحيات كثيرة بعضها صادف نجاحًا، والبعض الآخر لم يلمع، ولكنَّه بكل المقاييس والمواصفات عَرَّاب المسرح المصري الحديث، وبالتالي فهو عَرَّاب المسرح العربي الحديث كله، وهو رائد النهضة المسرحية الحديثة التي انفجرت كالقنبلة في الستينيات من هذا القرن، ولا يزال صداها يتردَّد عبر السنين. و«رجائي بك» في «الناس اللي تحت»، و«الطَّوَّاف» في «عيلة الدوغري» سيخلدان في تاريخ مسرحنا طالما هناك مسرح ورواد وعاشقون! وليس هناك أحد مِمَّن تبعوه ومضوا على طريقه استطاع أن ينافسه أو يقترب من قمته، ولو كان لنعمان عاشور جسارة يوسف إدريس، وأعصاب سعد وهبة لصار للعرب نجم لامع وعلى قدم المساواة مع إبسن! ولقد استطاع نعمان عاشور بفضل حذره الشديد أن ينجو من المعتقلات والسجون، في الوقت الذي ضمت فيه هذه السجون كل أدباء مصر تقريبًا ما عدا قلة قليلة، إلَّا أنَّه استطاع بالرغم من كل شيء أن يكتب مسرحيات لامعة، وتعرَّض لمشاكل اجتماعية شائكة. ولكن نعمان غاب في العصر الساداتي فلم يكتب شيئًا ذا قيمة حقيقية، فقد أغلق مسرح الدولة أبوابه في وجهه، وعندما اتجه إلى المسرح الخاص لم يستطع أن يُثبِّت أقدامه عليه، فقد كان الانهيار قد شمل كل شيء في البلاد، وحط الخراب على كل مجالات الفنون، وخصوصًا مجال المسرح. واكتفى نعمان في النهاية بتدوين مذكراته أو ذكرياته.
ونعمان هو أفقر الأدباء المصريين «الكبار»، فكلهم — والحمد الله — يرفلون في العز، وبعضهم يملك الضياع والقصور، ولكن نعمان خرج من الدنيا بفيلا على حافة الصحراء الشرقية في ضاحية المعادي، ويعيش وحيدًا تقريبًا بعد أن رحلت السيدة زوجته منذ أعوام عن دنيانا؛ والسبب أنَّ نعمان لم تسمح له ظروف «كتابته» بالاسترزاق الواسع، فهو كتب للمسرح أعظم إنتاجه عندما كانت أعظم مسرحية تُباع بخمسمائة جنيه، وكتب بعض إنتاجه للإذاعة عندما كانت المسلسلة الشهرية يُدفع عنها ثلاثمائة جنيه! وهو اهتم في بداية حياته بكتابة فصول عن تاريخ مصر، وهو لا يُخفي إعجابه بالمعلم الأكبر عبد الرحمن الجبرتي الذي كتب تاريخ مصر في يوميات قصيرة أشبه بالمسرحيات. ثمَّ حاول كتابة القصة القصيرة؛ ولكنَّه لم يُوفَّق فيها، وإن كان من خلالها قد أثبت مقدرته الفذة على رسم الشخصيات، كما أنَّ حوار الشخصيات في قصصه القصيرة كان حوارًا مسرحيًّا بلا شك. ولعل أشهر أصدقائه هو العم «أبو عبامة» وكان صعيديًّا يبيع القازوزة على مقربة من منزل نعمان في صباه، وكان «أبو عبامة» يتمتع بمواصفات جسدية تؤهله لبطولة العالم في الملاكمة، ولكنَّه كان غبيًّا إلى حد أنَّه لم يكن يستطيع الحصول على قوت يومه إلَّا بصعوبة، وهذا التناقض الحاد في شخصية «أبو عبامة»، سيكون هو محور شخصيات نعمان عاشور، كما أنَّ «عبادة» مجنون قهوة عبد الله ألهم نعمان بدون شك أشياء كثيرة؛ ولكن شخصية نعمان الحذرة المترددة المتوجسة من كل شيء منعته من أن يكون له صلات واسعة بالشارع المصري كزكريا الحجاوي، كما حالت بينه وبين عقد صلات قوية بالوسط الأدبي كأنور المعداوي، واكتفى — كتوفيق الحكيم — بالمشاهدة دون المشاركة، وبالمراقبة دون الالتحام؛ ولكنَّه على العكس لم يلجأ إلى برجه العاجي قط، ولم يفقد وعيه لحظة، بل كان يتأمَّل من الشارع نفسه، ويراقب وهو وسط الجماهير، ويحلم وإحدى عينيه مفتوحة والأخرى نصف مغلقة! ولذلك حمل قضية الجماهير على كتفيه، وحارب في صفها، ولم يكتب حرفًا واحدًا في حياته ضد مصالحها. وبالرغم مِمَّا قدَّمه نعمان عاشور للمسرح العربي بقدر ما تجاهله نُقَّاد النظريات إيَّاها التي روَّجت كثيرًا لأعمال أقل شأنًا من أعمال نعمان عاشور، والتي ذهب بعضها بعيدًا، فرفع ميخائيل رومان — وهو للعلم كاتب مصري وليس كاتبًا أجنبيًّا — درجات فوق نعمان عاشور، وهو موقف غريب من هذه الأقلام سبق أن وقفت موقفًا مشابهًا له حين توَّجت «ش» أميرًا للرواية العربية، وأغفلت ذكر نجيب محفوظ! وفي المقابل تخصَّصت أقلام من نوع آخر في مهاجمة نعمان عاشور، وطاردته تلك الأقلام العفنة حتَّى في الفترات التي اعتكف فيها نعمان، وكف فيها عن الكتابة! ولكن المؤكد أنَّه سيُذكَر في تاريخ مصر الجديد أنَّها أنجبت نجيب محفوظ في الرواية، ويوسف إدريس في القصة القصيرة، ونعمان عاشور في المسرح، وصلاح عبد الصبور في الشعر. وإذا كان سعد وهبة قد تحوَّل إلى منتج، ويوسف إدريس إلى كاتب مقالات سياسية، ومحمود دياب إلى راهب، وألفريد فرج إلى مهاجر بدون سبب؛ فإنَّ نعمان عاشور هو الذي بقي في المسرح وحده، يُعاني اللهب والوحدة والصراخ، وهو الذي سقطت على رأسه شظايا البيت المسرحي عندما نسفه المتآمرون، ومع ذلك ظلَّ يصرخ بقدر ما أوتي من قوة، غير أنَّ صراخه كان خافتًا، وربما لم يكن مسموعًا وسط ضجيج الانفجارات! وللتاريخ أقول: إنَّه لم يقف مع نعمان ولم يثبت مكانه إلَّا علي سالم، وإن كان هو الآخر قد اضطر إلى الهجرة بعض الوقت، عندما اشتدت الضربات، وتمَّ إحكام الحصار حول أصحاب المواهب.
وإذا كان لنا أن نضيف شيئًا لأمجاد نعمان، فلا بد أن نُقرِّر مطمئنين أنَّه كان صاحب الفضل الأول على بزوغ نجم فرقة المسرح الحر، وهي التي كانت البداية الحقيقية للنهضة المسرحية التي بلغت ذروتها في الخمسينيات، والتي أنجبت فرقة الخميسي، وهي الفرقة التي لفتت نظر السلطة إلى خطورة المسرح، فكانت فكرة إنشاء مسارح التليفزيون، التي بدأت بشكل جيد وانتهت بكارثة حقيقية، بسبب تدخُّل عدم الموهوبين، وإشراف الجهلاء من «دكاترة» السلطة!
ولو كان في مصر رغبة حقيقية الآن في إعادة الروح إلى المسرح المصري، فإنَّ مكان نعمان عاشور الطبيعي اليوم هو حجرة المدير في المسرح القومي، أو حجرة رئيس مجلس الإدارة في مؤسسة المسرح؛ ولكن عيب الذين يُظهرون الرغبة في تجديد المسرح المصري، أنَّهم يُريدون التجديد ولكن في إطار نفس الوجوه التي أغلقت المسرح وشرَّدت أبناءه؟
وعلى كل حال، وإذا كانت العبرة بالخواتيم، فإنَّ خاتمة نعمان كانت على خير ما يُرام؛ فهو قد أدى واجبه نحو أمته، وبذل كل ما لديه للمسرح، وإن كانت ظروفٌ استثنائية قد حرمت المسرح من كل ما لديه. وهو أحد أبناء مصر العظام الذين أسهموا بجهد خلَّاق في إثراء روح مصر العظيمة، وهو واحد من بناة مصر الحديثة، وأثره فيها لا يقل عن أثر مختار في النحت، وحسن فتحي في العمارة، وهو في النهاية واحد من شلة ندوة قهوة عبد الله، زميل أنور المعداوي وزكريا الحجاوي والشيخ عبد الحميد قطامش؛ ولكنَّه وحده كان له الفضل في الصعود على خشبة المسرح بالناس العاديين، صعد بهم وبمشاكلهم وبأحلامهم وبآلامهم، ومنحهم الفرصة ليعرضوا مشاكلهم تحت الأضواء وبمصاحبة المؤثرات الصوتية والضوئية، ولعل هذا هو السبب الذي جعله موضع اضطهاد من السادة أصحاب المصلحة في كل العهود.
طوبی لنعمان عاشور.